محاضرات في أصول الفقه - ج ٤

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض

محاضرات في أصول الفقه - ج ٤

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: الصدر
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

وعلى هذا فلا بد من الالتزام باندكاك أحد الأمرين في الآخر واتحادهما في الخارج ، ضرورة انه لا يمكن بقاء كلا الأمرين بحده بعد فرض كون متعلقهما واحدا وجودا وماهية ، فلا محالة يندك أحدهما في الآخر ، ويتحصل منهما امر واحد وجوبي عبادي ، فان كل منهما يكتسب من الآخر جهة فاقدة له ، فيكتسب الأمر الوجوبيّ من الأمر الاستحبابي جهة التعبد ، ويكتسب الأمر الاستحبابي من الأمر الوجوبيّ جهة اللزوم ، وهذا معنى اندكاك أحدهما في الآخر واتحادهما خارجا.

وقد تحصل من ذلك ان الأمر الرابع يتحد مع الأمر الثالث ، لاتحادهما بحسب الموضوع والمتعلق ، ولا يعقل اتحاده مع الأمر الأول أو الثاني لاختلافهما في الموضوع أو المتعلق ، كما عرفت.

ومن هنا يظهر ان النائب يأتي بالعمل بداعي الأمر الناشئ من قبل الإجارة المتوجه إليه ، لا بداعي الأمر المتوجه إلى المنوب عنه ، ضرورة استحالة ان يكون الأمر المتوجه إلى شخص داعياً لشخص آخر بالإضافة إلى الإتيان بمتعلقه فان داعوية الأمر لشخص بالإضافة إلى ذلك انما تكون فيما إذا كان ذلك الأمر متوجهاً إليه ، والا فيستحيل ان يكون داعياً له ، وهذا من الواضحات ، ولا فرق في داعوية الأمر إليه بين ان يكون الإتيان بمتعلقه من قبل نفسه ، أو من قبل غيره ، كما في موارد الإجارة ، لوضوح ان العبرة انما هي بتوجه الأمر إلى شخص ليكون داعياً له إلى العمل لا بكون متعلقه عمل نفسه أو عمل غيره ، وهذا ظاهر.

ومن هنا قلنا ان صحة الإجارة لا تتوقف على بقاء ذلك الأمر ، ليأتي النائب بالعمل بداعيه ، كما انه لا يأتي به بداعي الأمر المتوجه إليه المتعلق بإتيان عباداته من قبل نفسه ، بداهة استحالة ان يكون ذلك الأمر داعياً إلى الإتيان بمتعلقه من قبل غيره ونيابة عنه ، بل هو داع إلى الإتيان به من قبل نفسه

٣٢١

كما هو واضح.

ونتيجة ما ذكرناه هي ان النائب يأتي بعمل المنوب عنه بداعي الأمر المتوجه إليه الناشئ من ناحية الإجارة المتعلق بإتيانه نيابة عنه ، وبما ان هذا الأمر تعلق بعين ما تعلق به الأمر الاستحبابي فلا مناص من اندكاك أحدهما في الآخر واتحادهما خارجا ، فتكون النتيجة امرا واحدا وجوبياً عباديا.

وعلى ضوء هذا البيان قد ظهر ان ما أفاده شيخنا الأستاذ (قده) ـ من ان الأمر الاستحبابي في موارد الإجارة متعلق بذات العبادة ، والأمر الوجوبيّ الناشئ من ناحيتها متعلق بإتيانها بداعي الأمر المتوجه إلى المنوب عنه ـ خاطئ جدا وغير مطابق للواقع قطعاً ، وذلك لما عرفت من ان الأمر المتوجه إلى المنوب عنه يستحيل ان يكون داعياً للنائب إلى الإتيان بمتعلقه ، بداهة ان الأمر المتوجه إلى شخص يمتنع ان يكون داعياً لشخص آخر ، فان الداعي لكل مكلف هو الأمر المتوجه إلى شخصه ، كما سبق. هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى ان الأمر الاستحبابي المتوجه إلى النائب ليس منحصراً بأمر واحد ، بل هو امران : أحدهما متعلق بإتيان العمل من قبل نفسه ، ومن المعلوم انه لا يعقل ان يتوهم أحد اتحاد هذا الأمر مع الأمر الوجوبيّ الناشئ من قبل الإجارة ، لاختلافهما في المتعلق ، فان متعلق هذا الأمر الاستحبابي هو ذات العبادة ومتعلق الأمر الوجوبيّ هو إتيانها من قبل الغير ونيابة عنه. وثانيهما متعلق بإتيان العمل من قبل غيره ونيابة عنه وهذا الأمر الاستحبابي متحد مع الأمر الوجوبيّ في المتعلق ، فيكون متعلقهما واحداً وجودا وماهية وهو إتيان العمل من قبل الغير ومع هذا الاتحاد لا مناص من اندكاك الأمر الاستحبابي في الأمر الوجوبيّ.

ومن هنا تظهر نقطة اشتباه شيخنا الأستاذ (قده) وهي غفلته عن الأمر الاستحبابي المتعلق بإتيان العبادات من قبل الغير ، وتخيل انه منحصر بالأمر

٣٢٢

الاستحبابي الأول ، والمفروض انه متعلق بإتيانها من قبل نفسه لا من قبل الغير ولأجل ذلك حكم باستحالة اتحاده مع الأمر الوجوبيّ الناشئ من قبل الإجارة واندكاكه فيه ، لعدم وحدة متعلقهما ، كما مر.

وعلى هدى هذا البيان قد تبين انه لا فرق بين موارد الإجارة المتعلقة بعبادة مستحبة ، وموارد النذر المتعلق بها ، فكما ان في موارد النذر يتحد الأمر الاستحبابي مع الأمر الوجوبيّ الناشئ من قبله ، فكذلك في موارد الإجارة غاية الأمر انه في موارد النذر يتحد الأمر الاستحبابي المتعلق بذات العبادة مع الأمر الوجوبيّ ، لفرض انه متعلق بها ، كما عرفت وفي موارد الإجارة يتحد الأمر الاستحبابي المتعلق بإتيانها من قبل الغير ونيابة عنه مع الأمر الوجوبيّ الناشئ من قبل الإجارة ، لا الأمر الاستحبابي المتعلق بذات العبادة ، ولكن هذا لا يوجب التفاوت فيما هو المهم في المقام ، كما هو واضح.

واما الدعوى الثانية وهي ان ما أفاده (قده) على تقدير تماميته لا ينطبق على ما نحن فيه ، والوجه في ذلك هو ان ما أفاده (قده) من ان متعلق النهي في هذا القسم مغاير لمتعلق الأمر لا يمكن المساعدة عليه من وجوه :

الأول ـ ان هذا خلاف مفروض الكلام في المقام ، فانه فيما إذا كان متعلق الأمر والنهي واحدا ، لا متعددا ، والا فلا كلام فيه ، ضرورة ان محل البحث والكلام هنا بين الأصحاب في فرض كون متعلقهما واحدا واما إذا كان متعددا فهو خارج عن محل الكلام والبحث ، ولا إشكال فيه أصلا.

الثاني ـ ان ما أفاده (قده) خلاف ظاهر الدليل ، لوضوح ان الظاهر من النهي عن الصوم في يوم عاشوراء هو انه متعلق بذات الصوم وانه منهي عنه ودعوى انه متعلق بجهة التعبد به ، لا بذاته خلاف الظاهر ، فلا يمكن الالتزام به بلا قرينة وشاهد ، وكذا الحال في النهي المتعلق بالنوافل المبتدأة في بعض

٣٢٣

الأوقات ، فان الظاهر منه هو انه متعلق بذات تلك النوافل ، وانها منهي عنها لا بجهة التعبد بها ، ضرورة ان حمل النهي على ذلك خلاف الظاهر ، فلا يمكن ان يصار إليه بلا دليل.

الثالث ـ انا لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا ان النهي متعلق بجهة التعبد بها وإتيانها بقصد القربة ، لا بذاتها ، فمع ذلك لا يتم ما أفاده (قده) ، والوجه فيه ما حققناه من ان قصد القربة كبقية اجزاء العبادة مأخوذ في متعلق الأمر ، غاية الأمر انه على وجهة نظره (قده) مأخوذ في متعلق الأمر الثاني دون الأمر الأول وعلى وجهة نظرنا مأخوذ في متعلق الأمر الأول.

وعلى هذا الضوء فدعوى ان النهي في هذه الموارد تعلق بجهة التعبد بالعبادات لا بذاتها لا تدفع محذور لزوم اجتماع الضدين في شيء واحد ، ضرورة ان قصد القربة إذا كان مأخوذا في متعلق الأمر يستحيل ان يتعلق به النهي لاستحالة كون شيء واحد مصداقا للمأمور به والمنهي عنه معاً.

الرابع ـ لو تنزلنا عن ذلك أيضاً وسلمنا ان قصد القربة غير مأخوذ في متعلق الأمر مطلقاً أي لا في متعلق الأمر الأول ولا في متعلق الأمر الثاني فمع ذلك لا يتم ما أفاده (قده) ، وذلك ضرورة ان النهي لم يتعلق بخصوص قصد القربة فحسب ، ليكون متعلقه غير متعلق الأمر ، بل تعلق بحصة خاصة من الصوم وهي الحصة العبادية التي يعتبر فيها قصد القربة ، مثلا المنهي عنه في المقام هو خصوص الصوم العبادي في يوم عاشوراء في مقابل ما إذا كان المنهي عنه هو مطلق الإمساك ، لا ان المنهي عنه هو خصوص قصد القربة ، دون ذات العبادة بداهة انه لا يعقل ان يكون خصوص قصدها منهياً عنه ، كما هو واضح ، فاذن لا محالة يكون المنهي عنه هو إتيانها بقصد القربة. وعليه فمحذور لزوم كون شيء واحد مصداقا للمأمور به والمنهي عنه باق على حاله ضرورة ان الإتيان بها

٣٢٤

بقصد القربة إذا كان منهياً عنه يستحيل ان يكون مصداقا للمأمور به ، لاستحالة ان يكون شيء واحد محبوبا ومبغوضاً معاً.

فالنتيجة مما ذكرناه قد أصبحت ان ما أفاده شيخنا الأستاذ (قده) غير تام صغرى وكبرى. اذن فالصحيح هو ما ذكرناه من ان النهي هنا ليس ناشئاً عن مفسدة في متعلقه ومبغوضية فيه ، بل هو باق على ما هو عليه من المحبوبية ولذا يكون الإتيان به صحيحاً ، بل هو لأجل أرجحية الترك من الفعل باعتبار انطباق عنوان راجح عليه أو ملازمته له خارجا ووجودا ، كما تقدم ذلك بشكل واضح. هذا تمام الكلام في القسم الأول.

واما القسم الثاني ـ وهو ما إذا كان للعبادة المنهي عنها بدل ـ فيمكن ان يجاب عنه بعين هذا الجواب بلا زيادة ونقيصة.

ويمكن ان يجاب عنه بشكل آخر ، وهو ان النهي في هذا القسم متعلق بحصة خاصة من الواجب ، كالنهي عن الصلاة في الحمام وفي مواضع التهمة وما شاكل ذلك. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ان هذا النهي نهي تنزيهي وليس بتحريمي.

وعلى ضوء ذلك يتبين ان هذا النهي لا يوجب تقييد إطلاق الطبيعة المأمور بها بغير هذه الحصة المنهي عنها بيان ذلك ان النهي المتعلق بحصة خاصة من العبادة على ثلاثة أقسام :

الأول ـ ان يكون إرشادا إلى اقتران هذه الحصة بالمانع بمعنى ـ ان الخصوصية الموجبة لكونها حصة ـ مانعة عنها ، وذلك كالنهي عن الصلاة فيما لا يؤكل وفي النجس وفي الميتة وما شاكل ذلك ، فان هذه النواهي جميعا إرشاد إلى مانعية هذه الأمور عن الصلاة وتقيدها بعدمها. وقد ذكرنا غير مرة ان أمثال هذه النواهي الواردة في أبواب العبادات والمعاملات ظاهرة في الإرشاد إلى

٣٢٥

المانعية بمقتضى الفهم العرفي. كما تقدم الكلام فيها من هذه الناحية بصورة واضحة في أول بحث النواهي كما انه لا شبهة في ظهور الأوامر الواردة في أبواب العبادات والمعاملات في الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية. وقد ذكرنا سابقاً ان هذه النواهي كثيرة في كلا البابين ، كما ان هذه الأوامر كذلك.

وعلى الجملة فالامر والنهي وان كانا في أنفسهما ظاهرين في المولوية ، فلا يمكن حملهما على الإرشاد بلا قرينة ، إلا ان هذا الظهور ينقلب في هذه النواهي والأوامر الواردتين في أبواب العبادات والمعاملات ، فهما ظاهران فيها في الإرشاد دون المولوية بمقتضى المتفاهم العرفي ، كما هو واضح.

وعلى ضوء هذا البيان قد تبين ان هذه النواهي لا محالة تكون مقيدة لإطلاق العبادة والمعاملة موجبة ولتقييدهما بغير الحصة المنهي عنها ، فلا تنطبقان عليها ومن هنا لم يستشكل أحد ـ فيما نعلم ـ في دلالة هذا النهي على الفساد في العبادات والمعاملات ، والوجه فيه ما عرفت من انها توجب تقييد المأمور به بغير هذه الحصة المنهي عنها ، فهذه الحصة خارجة عن حيز الأمر ولا تنطبق عليها الطبيعة المأمور بها ، ومع عدم الانطباق لا يمكن الحكم بصحتها أبدا ، لفرض ان الصحة تنتزع من انطباق المأمور به على الفرد المأتي به ، واما إذا فرض انه لا ينطبق عليه فلا يمكن الحكم بصحته أصلا ، كما هو ظاهر ، كما انها توجب تقييد المعاملة بغير هذه الحصة ، ولازم ذلك هو ان اقترانها بها مانع عن صحتها ، فلا يمكن الحكم بصحتها عند تخصصها بهذه الخصوصية المنهي عنها.

ونتيجة ما ذكرناه هي انه لا شبهة في ان هذا القسم من النهي يوجب تقييد العبادة أو المعاملة بغير الفرد المنهي عنه ، ومعه لا يكون هذا الفرد من افرادها ولأجل ذلك يكون فاسداً.

الثاني ـ ان يكون لبيان حكم تحريمي فحسب ، وذلك كالنهي عن

٣٢٦

الوضوء أو الغسل من الماء المغصوب أو النهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة .. وهكذا ، فهذه النواهي تدل على حرمة متعلقها في الخارج ومبغوضيته وان الشارع لا يرضى بإيجاده فيه أصلا. ومن الواضح جدا ان أمثال هذه النواهي تنافي إطلاق المأمور به وتوجب تقييده بغير هذا الفرد المنهي عنه ، والوجه في ذلك واضح وهو ان مقتضى إطلاق المأمور به ترخيص المكلف في إيجاده في ضمن أي فرد من افراده شاء المكلف إيجاده ، ومقتضى هذا النهي عدم جواز إيجاد هذا الفرد المنهي عنه في الخارج ، وعدم جواز تطبيق الطبيعة المأمور بها عليه ، ضرورة استحالة كون المحرم مصداقا للواجب. وعليه فلا بد من رفع اليد عن إطلاق المأمور به وتقييده بغير الفرد المنهي عنه ، بداهة ان الشارع بنهيه عنه قد سد طريق امتثال المأمور به به. ومنع عن إيجاده في ضمنه ، ومعه كيف يعقل بقاء إطلاقه على حاله الّذي لازمه هو ترخيص الشارع المكلف في إيجاده في ضمن أي فرد من افراده شاء إيجاده في ضمنه.

وان شئت قلت ان العقل وان حكم من ناحية الإطلاق بجواز تطبيقه على أي فرد من افراده شاء المكلف تطبيقه عليه إلا ان من المعلوم ان حكمه بذلك منوط بعدم منع الشارع عن بعض افراده ، ومع منعه عنه لا حكم له بذلك أصلا ، بل يحكم بعكس هذا أعني بعدم جواز تطبيقه عليه وتقييد إطلاقه بغيره ضرورة استحالة ان يكون المحرم مصداقا للواجب والمبغوض مصداقا للمحبوب ولا فرق في ذلك بين ان يكون الواجب توصلياً أو تعبديا ، فكما ان هذا النهي يوجب تقييد إطلاق دليل الواجب التعبدي ، فكذلك يوجب تقييد إطلاق دليل الواجب التوصلي بعين هذا الملاك ، وهو استحالة كون الحرام مصداقا للواجب وهذا واضح.

ونتيجة ما ذكرناه هي ان هذا القسم من النهي يوجب تقييد إطلاق

٣٢٧

الواجب بغير الفرد المنهي عنه من دون فرق فيه بين ان يكون الواجب تعبدياً أو توصلياً.

الثالث ـ ان يكون النهي تنزيهياً ملازما للترخيص في متعلقه ، ففي مثل ذلك لا موجب لتقييد الواجب بغيره حتى إذا كان عباديا فضلا عما إذا كان غير عبادي بيان ذلك ان المولى إذا نهى عن الصلاة في الحمام ـ مثلا ـ وكان نهيه تنزيهياً وملازما للترخيص في الإتيان بها فمعناه جواز امتثال الواجب بالإتيان بالصلاة في الحمام وصحتها ، والجمع بين ذلك وبين النهي التنزيهي يقتضي ان يكون تطبيق الطبيعي الواجب على هذه الحصة في نظر الشارع مرجوحا بالإضافة إلى تطبيقه على سائر الحصص ، والا فالحصة بما انها وجود للطبيعة المأمور بها لا نقصان فيها أصلا ومن هنا لو لم يتمكن المكلف من الإتيان بغير هذه الحصة لزمه الإتيان بها جزما فهذا يكشف عن اشتراكها مع سائر الحصص في الوفاء بالغرض ، وعدم تقييد الواجب بغيرها.

ومن هذا البيان يظهر انه لا وجه لما ذكره غير واحد من حمل النهي في هذا القسم على الإرشاد إلى أقلية الثواب بالإضافة إلى سائر الحصص والافراد وجه الظهور ان تخصص الطبيعة المأمور بها بهذه الخصوصية الموجبة للنهي التنزيهي ان كان مرجوحا في نظر الشارع فالنهي مولوي لا محالة ، والا فلا موجب للإرشاد إلى اختيار غير ما تعلق به من الافراد.

ومما ذكرناه يظهر حال الأمر الاستحبابي المتعلق بحصة خاصة من الطبيعة الواجبة ، فانه بمعنى استحباب تطبيق الواجب على تلك الحصة ، وكونها أفضل الافراد المجامع مع جواز تطبيقه على سائر الافراد. ومن هنا لا يوجب مثل هذا الأمر تقييداً في إطلاق المأمور به ، سواء في ذلك الواجب وغيره ، وتفصيل الكلام يأتي في بحث المطلق والمقيد إن شاء الله تعالى.

٣٢٨

واما القسم الثالث ـ وهو ما إذا كانت النسبة بين المأمور به والمنهي عنه بالنهي التنزيهي نسبة العموم من وجه فقد ظهر الحال فيه مما تقدم ، وحاصله انه لا إشكال فيه في صحة العبادة على القول بالجواز أي جواز اجتماع الأمر والنهي ولا يكون دليل النهي عندئذ موجباً لتقييد إطلاق دليل المأمور به ، لفرض تعدد متعلقي الأمر والنهي حينئذ في مورد الاجتماع من ناحية. وعدم سراية الحكم من أحدهما إلى الآخر من ناحية أخرى ، وعلى هذا فلا موجب للتقييد أصلا. واما على القول بالامتناع وفرض وحدة المجمع في مورد الاجتماع وجوداً وماهية فربما يتخيل فساد العبادة فيه من ناحية توهم التنافي بين صحتها في مورد الاجتماع وكونها مكروهة فيه ، لتضاد الأحكام وعدم اختصاصه بالوجوب والحرمة ، بل يعم جميع الأحكام الإلزامية وغيرها ، فاذن فرض كون العبادة مكروهة ينافى كونها مصداقا للواجب أو المستحب. وعليه فلا بد من تقييد إطلاق دليل الأمر بغير موارد الكراهة ، كما هو الحال فيما إذا كان النهي تحريمياً.

ولكن هذا خيال خاطئ وغير مطابق للواقع ، والوجه في ذلك هو ان النهي عن حصة خاصة من العبادة لا يوجب تقييد إطلاقها بغيرها إذا كان تنزيهياً كما هو المفروض في المقام ، فان النهي التنزيهي بما انه ملازم للترخيص في إيجاد متعلقه في الخارج فلا ينافي الرخصة في انطباق الطبيعة المأمور بها عليه ، وهذا بخلاف ما إذا كان النهي تحريمياً ، فانه ينافي إطلاق المأمور به على ما تقدم بيان جميع ذلك بصورة واضحة فلا نعيد. وان شئت قلت ان القسم الثالث على القول بالامتناع يدخل في القسم الثاني ويكون من صغرياته فيجري فيه جميع ما ذكرناه فيه.

الثاني ـ ما عن جماعة من ان المولى لو امر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاص ، فلو خاطه في ذلك المكان لعد عاصياً للنهي عن الكون فيه ، ومطيعاً لأمر الخياطة.

٣٢٩

وغير خفي ان هذا الدليل غير قابل للاستدلال به ، وذلك اما أولا فلأن الغرض من الخياطة يحصل بإيجادها في الخارج ، سواء أكان إيجادها في ذلك المكان المخصوص المنهي عنه أم لا ، وسواء فيه القول باتحاد الخياطة مع الكون فيه فرضاً أو القول بعدم اتحادهما معه. واما ثانياً فلان متعلق الأمر هنا غير متعلق النهي ، فان متعلق الأمر خياطة الثوب ، ومتعلق النهي هو الكون في ذلك المكان ومن المعلوم ان أحدهما غير الآخر وجودا وماهية. وعليه فلا مانع من ان يكون أحدهما متعلقاً للأمر والآخر متعلقاً للنهي ، ولا يلزم من القول بالامتناع في المسألة القول بالامتناع هنا أبدا كما هو واضح.

الثالث ـ ما عن المحقق القمي (قده) من ان الأمر على الفرض تعلق بطبيعة كالصلاة ـ مثلا ـ والنهي تعلق بطبيعة أخرى كالغصب ـ مثلا ـ أو نحوه هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ان الفرد الّذي يكون مجمعاً لعنوانين في مورد الاجتماع مقدمة لوجود الطبيعي في الخارج الّذي يكون واجباً بوجوب نفسي.

وعلى هذا الضوء يتوقف القول بالامتناع في المسألة على الالتزام بأمرين : الأول ـ بوجوب المقدمة. الثاني ـ بتنافي الوجوب الغيري مع النهي النفسيّ.

ولكن كلا الأمرين خاطئ اما الأمر الأول فقد ذكر (قده) ان مقدمة الواجب ليست بواجبة. ليكون تناف بين وجوب هذا الفرد الّذي يكون مقدمة للطبيعي الواجب وبين حرمته. واما الأمر الثاني مع تسليم ان مقدمة الواجب واجبة مطلقاً فلما حققناه من انه لا تنافي بين الوجوب الغيري والنهي النفسيّ أصلا ولا مانع من اجتماعهما في شيء واحد.

وعلى الجملة فعلى فرض ان النهي يسري إلى هذه الحصة التي تكون مجمعاً لهما باعتبار انحلال هذا النهي وسريانه إلى جميع افراد الطبيعة المنهي عنها ، فمع ذلك لا يلزم اجتماع الضدين وهما الوجوب والحرمة في شيء واحد ، لأن ما هو محرم

٣٣٠

وهو الفرد ليس بواجب ، وما هو واجب وهو الطبيعة المأمور بها ليس بمنهي عنه وعلى فرض ان الفرد واجب بوجوب غيري ، فمع ذلك لا يلزم اجتماع الضدين لعدم التنافي بين الوجوب الغيري والنهي النفسيّ كما مر ، فاذن لا مانع من القول بالجواز في المسألة.

وغير خفي ما فيه وذلك لأن ما أفاده (قده) يرتكز على ركيزتين ، وكلتاهما خاطئة.

اما الركيزة الأولى (وهي كون الحصة والفرد مقدمة للطبيعة المأمور بها) فواضحة الفساد ، ضرورة ان الفرد ليس مقدمة للطبيعي ، بل هو عينه وجوداً وخارجا ولا تعقل المقدمية بينهما ، لوضوح انها انما تعقل بين شيئين متغايرين في في الوجود ، وعليه فالحصة الموجودة في مورد الاجتماع بما انها تكون محرمة بنفسها ومنهياً عنها. فلا يعقل ان تكون مصداقا للواجب ، وهذا معنى القول بالامتناع ، بداهة انه كما يمتنع تعلق الأمر والنهي بشيء واحد ، كذلك يمتنع ان يكون المنهي عنه مصداقا للمأمور به.

واما الركيزة الثانية (وهي كون الوجوب الغيري لا ينافي في النهي النفسيّ) فهي أيضاً واضحة الفساد ، ضرورة ان الوجوب الغيري على القول به لا يجتمع مع النهي النفسيّ ، فالمقدمة إذا كانت محرمة لا يعقل ان تكون واجبة ، فلا محالة يختص الوجوب بغيرها من المقدمات ، كما تقدم في بحث مقدمة الواجب بشكل واضح. ولكن الّذي يسهل الخطب هو انه لا مقدمية في البين. وعليه فإذا فرض ان الحصة في مورد الاجتماع محرمة كما هو مفروض كلامه (قده) فلا يعقل ان تكون مصداقا للطبيعة المأمور بها ، بداهة ان المحرم لا يمكن ان يكون مصداقا للواجب. وهذا معنى امتناع اجتماع الأمر والنهي. هذا إذا كان مراده من المقدمة ما هو ظاهر كلامه (قده).

٣٣١

واما لو كان مراده (قده) منها ـ هو ان الفرد لا يتصف بالوجوب باعتبار ان متعلق الوجوب هو صرف وجود الطبيعة. ومن المعلوم انه لا يسري إلى افراده وحصصه ، وهذا بخلاف النهي ، فان متعلقه مطلق الوجود ، ولذا ينحل بانحلال افراده ويسرى إلى كل واحد منها. وعلى هذا الضوء فلا يجتمع الوجوب والحرمة هنا في شيء واحد ، فان الحصة الموجودة في مورد الاجتماع لا تتصف بالوجوب على الفرض ، وانما هي متصفة بالحرمة فحسب ، فاذن لا يجتمع الوجوب والحرمة فيها ليكون محالا ـ فيرد عليه : أولا ان هذا خلاف مفروض كلامه (قده) فان المفروض فيه هو ان الفرد مقدمة لوجود الطبيعي في الخارج ، لا انه لا يتصف بالوجوب باعتبار ان متعلقه هو صرف الوجود. وثانياً ان الأمر وان كان كذلك فان الحصة لا تتصف بالوجوب ، الا انها إذا كانت محرمة يستحيل أن تقع مصداقا للواجب. وعليه فإذا فرض ان المجمع في مورد الاجتماع محرم ومنهي عنه يستحيل ان ينطبق عليه الواجب ، وهذا معنى القول بالامتناع ، لما عرفت من انه كما يمتنع تعلق الأمر والنهي بشيء واحد كذلك يمتنع ان يكون الحرام مصداقا للواجب.

فالنتيجة ان الضابط للقول بالامتناع والقول بالجواز في المسألة هو ما ذكرناه من وحدة المجمع في مورد الاجتماع وجودا وماهية وتعدده كذلك ، فعلى الأول لا مناص من القول بالامتناع وعلى الثاني من القول بالجواز على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من الملزوم إلى لازمه.

إلى هنا قد تبين ان العمدة للقول بالجواز هي الوجه الأول ، واما الوجه الثاني ، والثالث فهما لا يرجعان إلى معنى محصل أصلا ، كما ان الوجوه الاخر التي ذكرت لهذا القول لا ترجع إلى معنى معقول ، ولأجل ذلك لا نتعرض لتلك الوجوه ، لوضوح فسادها ، وعدم ارتباطها للقول بالجواز أصلا.

ونتائج البحث عن العبادات المكروهة عدة نقاط :

٣٣٢

الأولى ـ ان ما يمكن ان يستدل به للقول بجواز اجتماع الأمر والنهي في المسألة مطلقاً انما هو موارد العبادات المكروهة ، بدعوى انه لو لم يجز الاجتماع لم يمكن تعلق النهي بتلك العبادات ، ضرورة عدم اختصاص المضادة بين الوجوب والحرمة فحسب ، بل تعم جميع الأحكام من الإلزامية وغيرها ، فاذن تعلق النهي بها ووقوعه في الخارج أقوى برهان على إمكانه وعدم استحالته ، والا لم يقع.

الثانية ـ ان المحقق صاحب الكفاية (قده) قد أجاب عن هذا الدليل بصورة إجمالية ، ولكن قد عرفت النقد في بعض جهات جوابه. ثم أجاب عنه بصورة تفصيلية ، حيث قسم تلك العبادات إلى ثلاثة أقسام ، وأجاب عن كل واحد واحد منها مستقلا ، ولا بأس بجوابه هذا في الجملة.

الثالثة ـ ان شيخنا الأستاذ (قده) قد أورد على ما أجاب به صاحب الكفاية (قده) عن القسم الأول بما ملخصه : ان التزاحم لا يعقل بين النقيضين ، ولا بين الضدين الذين لا ثالث لهما ، وبما ان الصوم يوم عاشوراء وتركه متناقضان ، فلا يمكن جعل الحكم لهما معاً ، لتقع المزاحمة بينهما في مقام الامتثال ، بل هما يدخلان في باب المعارضة فيرجع إلى قواعده وأحكامه. ولكن قد ذكرنا ان ما أفاده (قده) من الكبرى ـ وهي استحالة وقوع المزاحمة بين النقيضين والضدين الذين لا ثالث لهما وان كان في غاية المتانة والاستقامة ، الا ان تطبيق تلك الكبرى على المقام غير صحيح ، وذلك لوجود امر ثالث في البين وهو الإمساك بدون قصد القربة فانه لا موافقة فيه لبني أمية ولا مخالفة لهم ، فاذن لا مانع من جعل الحكمين لهما أصلا ، كما تقدم ذلك بشكل واضح.

الرابعة ـ ان النهي في القسم الأول لا يخلو من ان يكون إرشادا إلى محبوبية الترك من جهة انطباق عنوان ذي مصلحة عليه أو ملازمته له أو يكون بمعنى الأمر

٣٣٣

أعني به ما يكون نهياً صورة وشكلا وامراً واقعاً وحقيقة.

الخامسة ـ ان النهي في القسم الثاني نهى مولوي ويترتب على هذا ان الكراهة في المقام كراهة مصطلحة وليست بمعنى أقلية الثواب ، ومع ذلك لا تكون منافية لإطلاق العبادة فضلا عن غيرها ، غاية الأمر ان تطبيق الطبيعة المأمور بها على هذه الحصة المنهي عنها مرجوح بالإضافة إلى تطبيقها على غيرها من الحصص والافراد ، كما تقدم.

السادسة ـ انه لا فرق في القسم الثالث من أقسام العبادات المكروهة بين القول بالامتناع والقول بالجواز. فعلى كلا القولين تكون العبادة صحيحة في مورد الاجتماع ، اما على القول بالجواز فهي على القاعدة ، واما على القول بالامتناع فلأجل ما ذكرناه في القسم الثاني من هذه الأقسام في وجه صحة العبادة باعتبار ان هذا القسم على هذا القول داخل فيه ، ويكون من صغرياته كما تقدم.

الاضطرار إلى ارتكاب المحرم

لتمييز موضع البحث هنا عن المباحث المتقدمة ينبغي ان نشير إلى عدة نقاط :

الأولى ـ ما إذا كان المكلف متمكناً من امتثال الواجب في الخارج بدون ارتكاب الحرام ، ولكنه باختياره ارتكب المحرم وأتى بالواجب في ضمنه ، وذلك كمن كان قادراً على الإتيان بالصلاة مثلا في خارج الأرض المغصوبة وغير ملزم بالدخول فيها ، ولكنه باختياره دخل فيها وصلى ، فعندئذ يقع الكلام في صحة هذه الصلاة وفسادها من ناحية انها هل تتحد مع المحرم خارجا في مورد الاجتماع

٣٣٤

أم لا ، وهذه النقطة هي محل البحث في مسألة اجتماع الأمر والنهي. وقد تقدم الكلام فيها بشكل واضح.

الثانية ـ ما إذا كان المكلف غير متمكن من امتثال الواجب بدون ارتكاب الحرام لعدم المندوحة له ولكنه قادر على ترك الحرام وذلك كما إذا توقف الوضوء أو الغسل مثلا ، على التصرف في أرض الغير بأن يكون الماء في مكان يتوقف التوضؤ أو الاغتسال به على التصرف فيها ، فيدور عندئذ امر المكلف بين ان يترك الواجب أو يرتكب المحرم أو يتخير بينهما ، لعدم تمكنه من امتثال كليهما معاً ، وهذه النقطة هي التي تدور عليها بحث التزاحم. وقد تقدم الكلام فيها بصورة مفصلة.

الثالثة ـ ما إذا كان المكلف غير متمكن من ترك الحرام ومضطرا إلى ارتكابه وذلك كمن كان محبوساً في الدار المغصوبة مثلا سواء أكانت مقدمته باختياره أو بغير اختياره وبعد ذلك لا يتمكن من الخروج عنها فطبعاً عندئذ يضطر إلى الصلاة فيها ، وهذه النقطة هي محل البحث في المقام دون غيرها.

وبعد ذلك نقول : الكلام فيها يقع في موضعين :

الأول ـ في الاضطرار الناشئ بغير سوء اختيار المكلف.

الثاني ـ في الاضطرار الناشئ بسوء اختياره.

اما الموضع الأول فالكلام فيه يقع في موردين :

الأول ـ في حكم الفعل المضطر إليه نفسه.

الثاني ـ في حكم العبادة الواقعة معه.

اما الأول فلا إشكال في ان الاضطرار يوجب سقوط التكليف عن الفعل المضطر إليه ، ولا يعقل بقاؤه ضرورة استحالة توجيه التكليف إلى المضطر لأنه تكليف بما لا يطاق وهو محال عقلا.

٣٣٥

هذا مضافا إلى ما دلت عليه عدة من الروايات (١) :

__________________

(١) قال الصدوق : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار قال : حدثنا سعد ابن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع عن أمتي تسعة : الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة ـ الخصال ج ٢ باب التسعة حديث ٨. التوحيد آخر باب الاستطاعة. ووردت هذه الرواية في الوسائل الباب ٥٦ ـ من أبواب جهاد النّفس. الباب ٣٧ من أبواب قواطع الصلاة. الباب ٣٠ من أبواب الخلل في الصلاة ، وهي ضعيفة بأحمد بن محمد بن يحيى العطار لعدم ثبوت وثاقته.

ثم ان الموجود في نسخة الخصال محمد بن أحمد بن يحيى العطار ، وهو غلط ، والصحيح هو أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، لأنه من مشايخ الصدوق ، واما محمد بن أحمد بن يحيى العطار فلا وجود له أصلا. هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى انه وقع اختلاف يسير في هذه الرواية ، بين ما في الوسائل وما في الخصال والتوحيد ، فان ما فيهما أعني الخصال والتوحيد مشتمل على جملة ما اضطروا إليه دون كلمة السهو وما في الوسائل عكس ذلك ، يعنى انه مشتمل على كلمة السهو دون جملة ما اضطروا إليه. ولعل منشأ هذا الاختلاف اختلاف النسخ أو جهة أخرى ، وكيف كان فلا يهمنا ذلك بعد كون الرواية ضعيفة.

ومن هنا يظهر ان توصيف شيخنا العلامة الأنصاري (قدس‌سره) هذه الرواية بالصحّة بقوله المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بسند صحيح في الخصال كما عن التوحيد في غير محله ، ولعله (قدس‌سره) يرى صحتها باعتبار ان أحمد بن محمد بن يحيى العطار من مشايخ الصدوق ، وهذا المقدار يكفي في توثيقه ، أو باعتبار رواية الأجلاء عنه ولكن من المعلوم ان مجرد كونه من مشايخه ، أو رواية الأجلاء عنه لا يكفي في توثيقه ، بل لا يثبت به حسنه فضلا عن وثاقته ، لأن من مشايخه من كان معلوم ـ

٣٣٦

واما الكلام في الثاني فيقع في عدة مقامات :

__________________

ـ الضعف ، كما ان رواية الأجلاء عمن كان كذلك كثيرة ، فاذن كيف يكون هذا قرينة على صحة الرّجل.

٢ ـ موثقة أحمد بن محمد بن يحيى عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا خلف الرّجل تقية لم يضره إذا أكره واضطر إليه ، وقال : «ليس شيء مما حرم الله الا وقد أحله لمن اضطر إليه» الوسائل الباب ١٣ من أبواب الإيمان.

٣ ـ موثقة سماعة عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المريض هل تمسك له المرأة شيئاً فيسجد عليه فقال : «لا الا ان يكون مضطرا إليه وليس عنده غيرها وليس شيء مما حرم الله الا وقد أحله لمن اضطر إليه». الوسائل الباب ١٠ ـ من أبواب القيام.

٤ ـ أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول «وضع عن هذه الأمة ستة خصال : الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه» الوسائل الباب ١٦ من أبواب الإيمان.

يقع الكلام في سند هذه الرواية والظاهر ان سندها صحيح فان في سندها إسماعيل الجعفي وهو إسماعيل بن جابر الجعفي إذ إسماعيل الجعفي الّذي ورد بهذا العنوان في الروايات كثيرا امره مردد بين ابن جابر وابن عبد الرحمن وليس هو رجلا آخر غيرهما كما هو واضح ، والا لتعرض له أرباب الرّجال لا محالة

نعم ذكره الشيخ (ره) في رجاله في أصحاب الصادق والباقر عليهما‌السلام بعنوان الخثعمي (إسماعيل بن جابر الخثعمي) وفي أصحاب الكاظم عليه‌السلام بلا عنوان (إسماعيل بن جابر) ومن هنا وقع الاختلاف في تعدد الرّجل وان المسمى بإسماعيل ابن جابر واحد أو متعدد ، ولكن الظاهر بل لا شبهة في انه واحد ، ويدلنا على ذلك أمور :

الأول ـ انه لو كان رجلين لذكرهما الشيخ في كتابيه الرّجال والفهرست ولا سيما في الفهرست حيث انه معد لذكر أرباب الكتب والأصول ، مع انه لم يذكر فيه الا ـ

٣٣٧

الأول ـ في بيان ما هو المستفاد من تعلق النهي بعبادة أو معاملة ، وهذا

__________________

ـ إسماعيل بن جابر بلا توصيف ، ولذكرهما النجاشي أيضاً في رجاله مع انه لم يذكر الا إسماعيل بن جابر الجعفي ، ولا معنى لأن يذكر الشيخ أحدهما في كتابيه والنجاشي الآخر ، مع ان بناء كل منهما على ذكر أرباب الكتب والأصول. ومما يؤيد الاتحاد ان الراوي عنهما صفوان بن يحيى ، وانه يبعد عدم اطلاع الشيخ على الجعفي مع انه صاحب أصل ، بل وكيف يمكن ذلك مع اشتهار الجعفي بين الرّواة ووروده في الروايات كما انه يبعد عدم اطلاع النجاشي والكشي على الخثعمي وكل ذلك مؤكد الاتحاد.

الثاني ـ ان جملة من أرباب الكتب نقلوا عن رجال الشيخ إسماعيل بن جابر الجعفي لا الخثعمي منهم العلامة في الخلاصة ، والتفريشي في نقد الرّجال ، ومولى عناية الله في المجمع ، وهذا النقل من هؤلاء الأكابر شاهد صدق على تحريف نسخة رجال الشيخ بتبديل الجعفي بالخثعمى.

الثالث ـ الموجود في روايات كتابي الشيخ أعني التهذيب والاستبصار ليس هو إسماعيل بن جابر الخثعمي ، بل الموجود فيهما اما إسماعيل بن جابر بلا توصيف كما هو الغالب أو إسماعيل الجعفي وهذا كثير ، فهذا قرينة على وقوع التحريف في رجاله وعدم وجود لإسماعيل بن جابر الخثعمي.

نعم بقي هنا شيء وهو ان الجعفي كما انه لقب لإسماعيل بن جابر كذلك هو لقب لإسماعيل بن عبد الرحمن ، فاذن من أين يعلم ان المراد من الجعفي في هذه الرواية هو ابن جابر دون ابن عبد الرحمن.

والجواب عن ذلك أولا ان المراد من إسماعيل الجعفي في هذه الرواية لا محالة هو ابن جابر ، وذلك لأن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي مات في حياة أبي عبد الله عليه‌السلام على ما ذكره الشيخ في رجاله ، فاذن الراوي عن إسماعيل الجعفي إذا أدرك زمان أبي عبد الله عليه‌السلام فهو طبعاً مردد بين ابن جابر وابن عبد الرحمن. واما إذا لم يدرك زمانه عليه‌السلام فيتعين في ابن جابر ، ضرورة انه لا يمكن رواية من لم يدرك زمانه عليه‌السلام عن إسماعيل بن عبد الرحمن بلا واسطة.

٣٣٨

وان كان خارجا عن محل الكلام فانه في الاضطرار إلى ارتكاب المحرم لا غيره الا انه لا بأس بالإشارة إليه لأدنى مناسبة.

الثاني ـ في صحة العبادة في فرض عدم اتحادها مع المحرم خارجا.

الثالث ـ في صحة العبادة في فرض اتحادها معه كذلك.

اما المقام الأول فقد ذكرنا غير مرة ان النهي في العبادات كقوله عليه‌السلام «لا تصل فيما لا يؤكل لحمه أو في الميتة أو في الحرير أو في الذهب أو في النجس أو ما شاكل ذلك ، أو في المعاملات كقوله عليه‌السلام «لا تبع ما ليس عندك» وقوله عليه‌السلام «نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الغرر» ونحوهما ظاهر في الإرشاد إلى مانعية هذه الأمور عن العبادات أو المعاملات ، ومعنى مانعيتها هو اعتبار عدمها فيها. ومن المعلوم ان مرد ذلك إلى ان المأمور به هو حصة خاصة منها وهي الحصة المقيدة بعدم هذه الأمور وكذا الممضاة من المعاملة.

ويترتب على ذلك ان الصلاة فيما لا يؤكل أو الميتة أو الحرير أو نحو ذلك ليست بمأمور بها. ومن المعلوم ان الإتيان بغير المأمور به لا يجزي عن المأمور به ولا يوجب سقوطه ، فاذن لا محالة يقع فاسداً. بل لو أتى بها مع أحد هذه الموانع بقصد الأمر لكان تشريعاً ومحرما ، وكذا لو فعل معاملة غررية أو باع ما ليس عنده فلا محالة تقع فاسدة لفرض انها غير ممضاة شرعا.

وقد تحصل من ذلك ان هذه النواهي إرشاد إلى بطلان العبادة أو المعاملة مع أحد هذه الأمور ، فيكون البطلان مدلولا مطابقياً لها ، ولا تدل على حكم.

ـ وعلى هذا الأساس يتعين في هذه الرواية انه ابن جابر ، لأن الراوي عنه أحمد ابن محمد بن عيسى وهو ممن لم يدرك زمان أبي عبد الله عليه‌السلام.

وثانياً ـ على تقدير التنزل عن ذلك ان هذا الترديد لا ينافي اعتبار الرواية ، لأن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي أيضاً ثقة ولا أقل انه حسن لقول النجاشي في رجاله انه كان وجها في أصحابنا ، فاذن لا إشكال في اعتبار الرواية وصحتها.

٣٣٩

تكليفي أصلا ، ولذا لا يكون إيجادها في الخارج من المحرمات في الشريعة المقدسة فلا يكون لبس ما لا يؤكل أو الميتة أو النجس محرما ومبغوضاً. نعم لبس الحرير والذهب من المحرمات الا ان حرمته غير مستفادة من هذا النهي ، بل هي مستفادة من دليل آخر ، وكيف كان فهذا واضح وان هذه النواهي من هذه الناحية أي من ناحية كونها إرشادا إلى مانعية تلك الأمور لا تدل على حرمة إيجادها في الخارج أبداً. نعم يمكن استفادة حرمة بعضها من دليل آخر ، وهذا لا صلة له بدلالة تلك النواهي عليها كما لا يخفى.

وعلى ضوء هذا البيان يترتب ان المكلف لو اضطر إلى لبس ما لا يؤكل في الصلاة أو الميتة أو الحرير أو نحو ذلك فمقتضى القاعدة الأولية هو سقوط الصلاة ، لعدم تمكنه من الإتيان بها واجدة لجميع الاجزاء والشرائط ، ومعه لا محالة يسقط الأمر عنها والا لكان تكليفاً بالمحال. واما وجوب الفاقد لهذا القيد فهو يحتاج إلى دليل آخر ، فان دل دليل على وجوبه أخذنا به والا فلا وجوب له أيضاً. وعلى الجملة فمقتضى القاعدة الأولية هو سقوط الأمر عن كل مركب إذا تعذر أحد اجزائه أو قيوده من الوجودية أو العدمية باضطرار أو نحوه ، ولا يعقل بقاء الأمر به في هذا الحال ، لاستلزامه التكليف بغير المقدور وهو محال. واما وجوب الباقي من الاجزاء والقيود فهو يحتاج إلى دليل آخر ، فان كان هناك دليل عليه فهو والا فلا وجوب له أيضاً.

نعم قد ثبت وجوب الباقي في خصوص باب الصلاة من جهة ما دل من الروايات على انها لا تسقط بحال ، هذا مضافا إلى قيام الضرورة والإجماع القطعي على ذلك.

وقد تحصل من ذلك امران :

الأول ـ ان الأوامر والنواهي بطبعهما ظاهرتان في المولوية وحملهما على

٣٤٠