محاضرات في أصول الفقه - ج ٤

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض

محاضرات في أصول الفقه - ج ٤

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: الصدر
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

الصدق في صدق العناوين الاشتقاقية على ذواتها لا محالة جهة تعليلية ، بداهة انه لا يمكن تعقل النسبة بالعموم من وجه بين عنوانين منها إلا إذا كانت الذات في مورد الاجتماع واحدة ، وإلا فليست النسبة بينهما كذلك كما هو واضح.

اما النقطة الثانية فيرد عليها ان نظريته (قده) في تلك النقطة انما تتم في الماهيات المتأصلة والمقولات الحقيقية ، فان المبادي إذا كانت من تلك المقولات يستحيل اتحاد اثنين منها في الخارج وصدق أحدهما على الآخر ، ضرورة استحالة اتحاد مقولتين خارجا وصدق إحداهما على الأخرى ، من دون فرق في ذلك بين ان تكونا عرضين أو جوهرين أو إحداهما جوهراً والأخرى عرضاً. والسر فيه ما عرفت غير مرة من ان المقولات أجناس عاليات ومتباينات بالذات والحقيقة وليس فوقها جنس آخر ، لتكون تلك المقولات داخلة فيه.

وعلى هذا الضوء فكما انه لا يمكن صدق مقولة الجوهر على مقولة العرض فكذلك ، لا يمكن صدق كل من أقسامهما على الآخر بعين هذا الملاك ، فلا تصدق النّفس على العقل ، والصورة على المادة ، والكم على الكيف ، والأين على الوضع .. وهكذا.

ومن هذا البيان قد تبين حال المبادي المتأصلة كالبياض والعلم والشجاعة والحلاوة والكرم وما شاكل ذلك ، فان هذه المبادئ وأمثالها بما انها مبادئ متأصلة وماهيات حقيقية مقولية فلا محالة تعددها يستلزم تعدد المعنون والمطابق في الخارج ، لما عرفت الآن من استحالة اتحاد ماهية متأصلة مع ماهية متأصلة أخرى خارجا ، فلا يمكن اتحاد الحلاوة مع البياض والعلم مع الشجاعة .. وهكذا وعليه فالتركيب الحقيقي بين اثنين منها غير معقول ، لاستلزام ذلك اندراج مقولتين متباينتين تحت مقولة واحدة وهو محال.

فما أفاده شيخنا الأستاذ (قده) من ان التركيب بين متعلقي الأمر والنهي

٢٦١

في مورد الاجتماع تركيب انضمامي لا غيره انما يتم فيما إذا كان متعلقيهما من المبادئ المتأصلة والماهيات المقولية ، حيث قد عرفت ان التركيب الحقيقي بين تلك المبادئ غير معقول.

وان شئت فقل ان تعدد العنوان في مورد الاجتماع انما يقتضي تعدد المعنون فيه بحسب الخارج إذا كان من العناوين المتأصلة والماهيات المقولية ، ضرورة انه على هذا لا بد من الالتزام بتعدده وكون التركيب انضمامياً. واما إذا لم يكن من هذه العناوين أو كان أحد العنوانين منها دون الآخر ، ففي مثل ذلك لا يستدعي تعدد العنوان تعدد المعنون والمطابق في الخارج أصلا ، بل لا بد عندئذ من ملاحظة ان المطابق لهما في مورد الاجتماع والتصادق واحد أو متعدد ، فان كان واحدا فلا مناص من القول بالامتناع ، وان كان متعددا فلا مناص من القول بالجواز ، بناء على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من الملزوم إلى اللازم.

وعلى الجملة فالعنوانان في مورد الاجتماع إذا كانا متأصلين فلا محالة يقتضيان تعدد المجمع فيه وجود أو ماهية ، فاذن يتعين القول بالجواز. واما إذا كانا انتزاعيين أو كان أحدهما انتزاعياً والآخر متأصلا فلا يقتضيان تعدد المجمع أبدا بل لا بد وقتئذ من تحقيق نقطة واحدة ، وهي ملاحظة ان منشأ انتزاعهما على الفرض الأول (وهو ما إذا كان كلا العنوانين انتزاعياً) هل هو واحد في الخارج وجودا وماهية أو متعدد فيه كذلك ، ومنشأ انتزاع العنوان الانتزاعي على الفرض الثاني (وهو ما إذا كان أحدهما انتزاعياً) هل هو متحد مع العنوان الذاتي خارجا بأن يكونا موجودين بوجود واحد أو غير متحد معه بأن يكون منشأ انتزاعه مبايناً للعنوان الذاتي وجودا وماهية. فعلى الأول بما ان المطابق لهما واحد في مورد الاجتماع والتصادق فلا بد من القول بالاستحالة والامتناع في المقام وعلى الثاني بما انه متعدد فيه فلا مانع من القول بالجواز أصلا.

٢٦٢

وبكلمة واضحة ان العنوانين المتصادقين في مورد لا يخلوان من ان يكونا من العناوين الذاتيّة والمقولات الحقيقية ، وان يكون أحدهما من العناوين الذاتيّة والآخر من العناوين الانتزاعية ، وان يكون كلاهما من العناوين الانتزاعية ولا رابع في البين ، فالنتيجة ان الصور في المقام ثلاثة :

الأولى ـ (وهي ما إذا كان كلاهما من العناوين المتأصلة) قد تقدم آنفاً ان تعدد العنوان المقولي في مورد لا محالة يوجب تعدد المعنون والمطابق فيه ، بداهة انه كما يستحيل اتحاد مقولة مع مقولة أخرى واندراجهما تحت مقولة ثالثة ، كذلك يستحيل اتحاد نوع من مقولة مع نوع آخر من هذه المقولة ، أو فرد من هذه المقولة مع فرد آخر منها .. وهكذا ، وذلك لما برهن في محله من انه لا بد في المركب الحقيقي من ان تكون له جهة وحدة حقيقية ، لوضوح انه لو لا تلك الجهة لكان التركيب اعتباريا. ومن الواضح جدا ان جهة الوحدة الحقيقية لا تكون إلا إذا كان أحد جزئي المركب بالقوة والآخر بالفعل ، ليكونا موجودين بوجود واحد ، واما إذا كان كلاهما بنحو الفعلية والتحصل فيستحيل ان تكون بينهما جهة وحدة حقيقية ، ضرورة ان كل فعلية تأبى عن فعلية أخرى.

وعلى ضوء هذا البيان قد ظهر انه لا يمكن اتحاد فردين من مقولة واحدة فضلا عن مقولتين. أضف إلى ذلك ما ذكرناه من ان المقولات أجناس عاليات فلا يمكن ان يكون فوقها جنس آخر.

الثانية ـ (وهي ما إذا كان أحد العنوانين من العناوين المتأصلة والآخر من العناوين الانتزاعية) قد تقدم على صفة الإجمال ان تعدد العنوان كذلك لا يقتضي تعدد المعنون والمطابق في الخارج ، بل لا بد من ملاحظة ان العنوان الانتزاعي هل ينتزع من مرتبة ذات العنوان المتأصل في الخارج أو من شيء آخر مباين له وجودا ، بمعنى ان منشأ انتزاعه مباين للعنوان الذاتي خارجا.

٢٦٣

فعلى الأول لا محالة يكون التركيب بينهما اتحاديا في مورد الاجتماع بمعنى ان المجمع فيه واحد وجودا وماهية ، غاية الأمر يكون صدق أحدهما عليه ذاتياً والآخر عرضياً.

ولتوضيح ذلك نأخذ بمثالين :

أحدهما ـ ما إذا فرض ان شرب الماء بما هو مأمور به ، وفي هذا الفرض لو شرب أحد الماء المغصوب فلا محالة ينطبق عليه عنوانان أحدهما العنوان الذاتي وهو الشرب ، والآخر العنوان الانتزاعي وهو الغصب ، لما سيجيء إن شاء الله تعالى من ان الغصب ليس من إحدى المقولات التسع العرضية ، بل هو عنوان انتزاعي منتزع من التصرف في مال الغير. ومن هنا أمكن انطباقه على الماهيات المتعددة المقولية ، وفي المقام بما انه منتزع من نفس العنوان الذاتي في مورد الاجتماع وهو شرب هذا الماء ، لا من شيء آخر مباين له وجوداً فلا محالة يتحد معه خارجا ، ويكون المطابق لهما واحدا وجودا وماهية. وعليه فلا مناص من القول بالامتناع ، بداهة استحالة ان يكون شيء واحد مصداقا للمأمور به والمنهي عنه معاً.

فما أفاده (قده) من استحالة اتحاد المبادئ بعضها مع بعضها الآخر لا يتم في هذا المثال وما شاكله. نعم انما يتم في المبادئ المتأصلة كما سبق.

وثانيهما التوضؤ بماء الغير بدون اذنه ، فانه مجمع للعنوان الذاتي والانتزاعي معاً ، اما العنوان الذاتي فهو عبارة عن نفس التوضؤ الّذي له واقع موضوعي في الخارج وينطبق عليه انطباق الطبيعي على افراده والكلي على مصاديقه ، واما العنوان الانتزاعي فهو عبارة عن الغصب الّذي لا واقع له ما عدا منشأ انتزاعه. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى انه منتزع من نفس هذا العنوان الذاتي في الخارج وهو التوضؤ بهذا الماء.

٢٦٤

فالنتيجة على ضوئهما هي ان العنوانين في المقام منطبقان على شيء واحد وجودا وماهية. وعليه فلا مناص من القول بالامتناع. وعلى الجملة فالنسبة بين هذين العنوانين وان كانت بالعموم من وجه ، وان لكل منهما ماهية مستقلة في مورد الافتراق ، إلا انهما متحدان في مورد الاجتماع باعتبار ان منشأ انتزاع العنوان الانتزاعي هو نفس العنوان الذاتي في الخارج ، ولا واقع له ما عداه.

والأصل في جميع ذلك هو ما أشرنا إليه من ان المبدأ إذا كان من العناوين الانتزاعية التي لا واقع موضوعي لها ما عدا منشأ انتزاعها أمكن انطباقه على المقولات المتعددة ، لفرض انه تابع لمنشإ انتزاعه ، فان كان منشأ انتزاعه من مقولة الأين فينطبق عليه ، وان كان من مقولة أخرى فكذلك .. وهكذا ، كما هو الحال في الغصب ، فانه قد ينطبق على مقولة الأين وهي الكون في الأرض المغصوبة ، وقد ينطبق على مقولة أخرى غيرها كلبس مال الغير أو أكله أو شربه مع انه لا يلزم من ذلك اتحاد المقولتين أو تفصل الجنس الواحد بفصلين في عرض واحد أصلا ، لاختصاص ذلك بما إذا كان المبدأان كلاهما من المبادئ المتأصلة المقولية ، لا فيما إذا كان أحدهما متأصلا والآخر منتزعا.

فالنتيجة قد أصبحت مما ذكرناه انه لا يمكن في مثل هذين المثالين ان يكون العنوان الانتزاعي متعلقاً للنهي ـ مثلا ـ والعنوان الذاتي الّذي هو منشأ انتزاعه متعلقاً للأمر.

وعلى الثاني (وهو ما كان منشأ انتزاع العنوان العرضي مغايرا للعنوان الذاتي في الوجود) فالتركيب عندئذ في مورد الاجتماع لا محالة يكون انضمامياً لفرض عدم اتحاد ما تعلق به الأمر مع ما تعلق به النهي ، ويكون مصداق أحدهما في الخارج غير مصداق الآخر وجودا وماهية ، غاية الأمر انهما متلازمان في الوجود في مورد الاجتماع. وقد تقدم غير مرة ان الصحيح هو عدم سراية حكم أحد

٢٦٥

المتلازمين إلى الملازم الآخر. وعليه فلا مناص من القول بالجواز. ومثاله التكلم في الدار المغصوبة إذا فرض انه مأمور به ، فان التكلم وان كان عنوانا متأصلا لفرض انه من مقولة الكيف المسموع. إلا انه ليس منشأ لانتزاع عنوان الغصب خارجا ضرورة انه ليس تصرفا في الدار ، ليكون مصداقا له ومنشأ لانتزاعه ، بل المنشأ له انما هو الكون فيها الّذي هو من مقولة الأين. ومن الواضح انه مغاير للتكلم بحسب الوجود الخارجي ، لفرض انه من مقولة والتكلم من مقولة أخرى والمفروض استحالة اتحاد المقولتين واندراجهما تحت حقيقة واحدة. وعلى هذا فلا مانع من ان يكون العنوان الذاتي متعلقاً للأمر والعنوان الانتزاعي متعلقاً للنهي أصلا ، لفرض ان منشأ العنوان الانتزاعي مغاير مع العنوان الذاتي في الخارج وجود أو ماهية ومعه لا يلزم من اجتماعهما في مورد كون شيء واحد مصداقا للمأمور به والمنهي عنه معاً.

ومن هذا القبيل الأكل في الأرض المغصوبة فانه ليس تصرفا فيها بنظر العرف ليكون منشأ لانتزاع عنوان الغصب ، بل الغصب منتزع من امر آخر مغاير له وجودا وهو الكون فيها ، فلا يلزم من فرض تعلق الأمر بالأكل اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد.

الثالثة ـ (وهي ما إذا كان كلا العنوانين من الماهيات الانتزاعية) أيضا لا بد من ملاحظة ان العنوانين المتصادقين في مورد الاجتماع هل ينتزعان من موجود واحد في الخارج بمعنى ان ذلك الموجود الواحد باعتبار منشأ لانتزاع أحدهما وباعتبار آخر منشأ لانتزاع الآخر أو ينتزع كل منهما من موجود مباين لما ينتزع منه الآخر ، فعلى الأول لا محالة يكون التركيب بينهما اتحاديا لفرض ان منشأ انتزاعهما واحد في الخارج وجودا وماهية من ناحية ، وعدم تعلق الحكم العنوان الانتزاعي بما هو من ناحية أخرى. وعليه فلا مناص من القول بالامتناع

٢٦٦

ضرورة استحالة ان يكون شيء واحد مصداقا للمأمور به والمنهي عنه معاً ومحبوبا ومبغوضاً. وعلى الثاني فلا محالة يكون التركيب بينهما في مورد الاجتماع انضمامياً ، وذلك لاستحالة التركيب الحقيقي بين الموجودين المتباينين سواء أكانا من مقولة واحدة أم من مقولتين.

وبتعبير آخر ان العنوانين إذا كان كلاهما انتزاعياً فلا يخلوان من ان يكونا منتزعين من شيء واحد في الخارج باعتبارين مختلفين ، أو ان يكون كل منهما منتزعا من شيء.

اما الصورة الأولى فلا بد من الالتزام باستحالة الاجتماع فيه ، وذلك لأن متعلق الأمر والنهي في الحقيقة انما هو منشأ انتزاعهما ، والمفروض انه واحد وجودا وماهية لا العنوانان المتصادقان عليه ، لفرض ان العنوان الانتزاعي لا يخرج عن أفق النّفس إلى ما في الخارج ، ليكون صالحاً لأن يتعلق به الأمر أو النهي.

ولتوضيح ذلك نأخذ مثالا وهو الإفطار في نهار شهر رمضان بمال الغير فانه مجمع لعنوانين أعني عنواني الغصب والإفطار ومصداق لهما معاً ، ضرورة ان هذا الفعل الواحد وجودا وماهية وهو الأكل كما يكون منشأ لانتزاع عنوان الغصب باعتبار تعلقه بمال الغير بدون اذنه ، كذلك يكون منشأ لانتزاع عنوان الإفطار في نهار شهر رمضان باعتبار وقوعه فيه ، فانتزاع كل من هذين العنوانين من ذلك الفعل الواحد معلول لجهة خاصة مغايرة لجهة أخرى. ومن الواضح جدا ان لزوم كون انتزاعهما من شيء واحد وصدقهما عليه بجهتين لا ينافي كون المصداق الخارجي واحدا ذاتاً ووجودا.

والوجه في ذلك ظاهر وهو ان النسبة بالعموم من وجه لا يمكن ان تتحقق إلا بين عنوانين انتزاعيين الذين هما من قبيل خارج المحمول أو بين عنوان انتزاعي

٢٦٧

وعنوان مقولي ، بداهة انه لا مانع من صدق عنوانين انتزاعيين على موجود واحد في الخارج ، وكذا لا مانع من صدق عنوان عرضي على ما يصدق عليه العنوان الذاتي. ومن هنا يستحيل تحقق النسبة بالعموم من وجه بين جوهرين وعرضين وجوهر وعرض ، وذلك لوضوح ان المقولات أجناس عاليات ومتباينات بالذات والحقيقة ، فلا يمكن اتحاد مقولتين منها خارجا وعليه فلا يمكن ان يكون شيء واحد مصداقا للجوهر والعرض معاً ، ضرورة ان ما يكون مصداقا للجوهر يستحيل ان يكون مصداقا للعرض وبالعكس ، كما ان ما يكون مصداقا للكم ـ مثلا ـ يستحيل ان يكون مصداقا للكيف .. وهكذا ، بل الأمر كذلك بالإضافة إلى أنواع هذه المقولات وافرادها ، فلا يمكن اتحاد نوع من مقولة مع نوع آخر من هذه المقولة ، فان الأنواع وان كانت مشتركة في الجنس ، إلا انها متباينات من ناحية الفصل ، لفرض ان نوعية الأنواع بواسطة الفصل ، فلو فرض اتحاد نوع مع نوع آخر للزم تفصل شيء واحد بفصلين في عرض واحد ، وهو محال بداهة ان فعلية الشيء بفصله ، فانه المقوم والمحصل له ، أو انه منتزع من حده الحقيقي. ومن المعلوم انه لا يعقل ان يكون لشيء واحد وجودان ومحصلان في الخارج ، أو حدان ، كما هو واضح. وكذا لا يمكن اتحاد فرد من مقولة مع فرد آخر منها ، لما تقدم من استحالة التركيب الحقيقي بين امرين فعليين في الخارج ، لأن كل فعلية تأبى عن فعلية أخرى ، وبما انهما فعليان وموجودان فيه فلا يعقل التركيب الحقيقي بينهما.

وقد تحصل من ذلك امران :

الأول ـ ان النسبة بالعموم من وجه لا تعقل بين جوهرين وعرضين وجوهر وعرض.

الثاني ـ ان النسبة بالعموم من وجه انما تعقل بين عنوانين عرضيين وعنوان

٢٦٨

عرضي وعنوان ذاتي مقولي. وعليه فلا مانع من انطباق عنوان الغصب والإفطار على شيء واحد في مورد الاجتماع ، فعندئذ لو تعلق الأمر بأحدهما كالإفطار ـ مثلا ـ والنهي بالآخر كالغصب ، فلا محالة تقع المعارضة بينهما في مورد الاجتماع لاستحالة ان يكون شيء واحد مأموراً به والمنهي عنه معاً.

واما الصورة الثانية وهي ما إذا كان منشأ انتزاع كل منهما مغايراً لمنشإ انتزاع الآخر فلا مانع من القول بالجواز ، لفرض ان التركيب بينهما في مورد الاجتماع انضمامي ، فيكون مصداق المأمور به غير مصداق المنهي عنه ، ومعه لا مناص من القول به بناء على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من متعلقه إلى مقارناته الوجودية.

ومثال ذلك الإفطار في المكان المغصوب بمال مباح أو مملوك له ، فان عنوان الإفطار هنا منتزع من شيء وعنوان الغصب من شيء آخر مباين له. حيث ان الأول منتزع من الأكل الموجود في الخارج ، والمفروض انه ليس تصرفا في مال الغير ، ليكون منشأ لانتزاع عنوان الغصب ومصداقا له ، والثاني منتزع من الكون في هذا المكان ، فانه مصداق للتصرف في مال الغير ومنشأ لانتزاعه. وعليه فلا يلزم من اجتماع هذين العنوانين في مورد لزوم كون شيء واحد مصداقا للمأمور به والمنهي عنه معاً ، لفرض ان المأمور به غير المنهي عنه بحسب الوجود الخارجي ، فلا يعقل كون التركيب بينهما اتحاديا ، غاية الأمر ان وجوده في هذا المورد ملازم لوجود المنهي عنه. وقد عرفت غير مرة ان الحكم لا يسرى من الملازم إلى الملازم الآخر ، وعليه فلا مانع من القول بالجواز في مثل هذا المثال أصلا.

نعم عنوان الغاصب والمفطر منطبقان على شخص واحد في مورد الاجتماع إلا انهما أجنبيان عن محل الكلام رأساً فمحل الكلام في عنواني الغصب والإفطار

٢٦٩

والمفروض انهما لا ينطبقان على شيء واحد هنا ، كما عرفت.

إلى هنا قد تبين انه ليس لنا ضابط كلي للقول بالامتناع ولا للقول بالجواز في المسألة أصلا ، بل لا بد من ملاحظة العنوانين المتعلقين للأمر والنهي في مورد الاجتماع ، فان كانا من المبادي المتأصلة والمقولات الحقيقية فقد عرفت ان تعدد تلك المبادي يستلزم تعدد المعنون والمطابق في الخارج لا محالة ، ضرورة استحالة اتحاد المقولتين واندراجهما تحت مقولة أخرى أو تفصل شيء واحد بفصلين في عرض واحد.

واما إذا كان أحدهما عنوانا انتزاعياً والآخر مقولياً فلا بد من النّظر في ان العنوان الانتزاعي هل ينتزع من مطابق العنوان الذاتي أو من شيء آخر مباين له. وليس لذلك ضابط كلي ، فان كان منتزعا من مطابق العنوان الذاتي فلا محالة يكون المجمع في مورد الاجتماع واحدا ، ومعه لا مناص من القول بالامتناع وان كان منتزعا من شيء آخر كان المجمع متعددا ، ومعه لا مناص من القول بالجواز. واما إذا كان كلاهما معاً انتزاعياً فائضاً لا بد من النّظر إلى انهما منتزعان من شيء واحد في الخارج وجودا وماهية أو من شيئين كذلك ، فعلى الأول لا بد من القول بالامتناع ، وعلى الثاني من القول بالجواز.

ومن ضوء هذا البيان يظهر ما في نظرية كل من شيخنا الأستاذ والمحقق صاحب الكفاية (قدهما) حيث ذهب الأول إلى القول بالجواز مطلقاً والثاني إلى القول بالامتناع كذلك.

اما نظرية المحقق صاحب الكفاية (قده) فلما سبق آنفاً من ان العنوانين إذا كانا من المبادي المتأصلة والمقولات الواقعية يستحيل اتحادهما في الخارج وانطباقهما على موجود واحد فلا محالة تعدد مثل هذا العنوان يستلزم تعدد المعنون ، واما إذا كان أحدهما انتزاعياً والآخر مقولياً أو كان كلاهما انتزاعياً

٢٧٠

فيختلف الحال باختلاف الموارد والمقامات ، ففي بعض الموارد والمقامات يكون المعنون لهما واحدا وفي بعضها الآخر يكون متعددا. فلا ضابط لذلك أصلا فتعدد العنوان في هذه الموارد لا يقتضي تعدد المعنون ولا يقتضي وحدته ، فيمكن ان يكون واحدا ، ويمكن ان يكون متعددا.

فما أفاده (قده) من ان تعدد العنوان لا يستلزم تعدد المعنون ولا ينثلم به وحدته لا كلية لهذه الكبرى أبدا. كما تقدم بشكل واضح.

نعم ان لتلك الكبرى كلية في العناوين الاشتقاقية خاصة ، فان تعدد تلك العناوين لا يستلزم تعدد المعنون أصلا ، والسر فيه ما عرفت من ان صدق كل منها على معروضه معلول لعلة قائمة بمعروضه وخارجة عن ذاته ـ مثلا ـ صدق العالم على شخص معلول لقيام العلم به.

ومن الواضح جدا ان العلم خارج عن ذات هذا الشخص ومباين له وجودا فان وجوده وجود جوهري ووجود العلم وجود عرضي. ومن الضروري استحالة اتحاد الجوهر مع العرض خارجا. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ان تعدد العرض لا يستلزم تعدد معروضه ، بداهة ان قيام أعراض متعددة كالعلم والشجاعة والسخاوة وما شاكل ذلك بذات واحدة ومعروض فارد من الواضحات الأولوية فلا حاجة إلى إقامة برهان وزيادة بيان.

فالنتيجة على ضوئهما هي ان تعدد العناوين الاشتقاقية والمفاهيم الانتزاعية واجتماعها في مورد لا يوجب تعدد المعنون فيه ، بل لا بد ان يكون المعنون واحدا وجودا وماهية في مورد اجتماعهما ، والا فلا تعقل النسبة بالعموم من وجه بينهما ، كما هو واضح ، ضرورة ان المعنون لو لم يكن واحدا فيه وكان متعددا وجودا وماهية لكانت النسبة بينهما التباين ، بمعنى ان كل عنوان منها مباين لعنوان آخر منها في الصدق ، فلا يجتمعان في مورد واحد.

٢٧١

اما نظرية شيخنا الأستاذ (قده) فقد ذكرنا انها انما تتم في ناحية خاصة وهي ما إذا كان العنوانان المتصادقان في مورد الاجتماع من العناوين المتأصلة والماهيات المقولية ، واما إذا كان أحدهما انتزاعياً والآخر مقولياً أو كان كلاهما انتزاعياً فلا تتم أصلا ، كما تقدم.

فما جعله (قده) من الضابط لكون التركيب بين متعلقي الأمر والنهي في مورد الاجتماع انضمامياً لا اتحاديا (وهو ما كان العنوانان المنطبقان عليه من المبادي الاختيارية وبينهما عموم من وجه) لا واقع موضوعي له أصلا لما تقدم من ان في كثير من الموارد يكون متعلقا الأمر والنهي من المبادي الاختيارية ، وبينهما عموم من وجه ، ومع ذلك يكون مطابقهما في الخارج واحدا. وقد ذكرنا لذلك عدة أمثلة منها التوضؤ بالماء المغصوب ، فانه مجمع لمبدأين اختياريين بينهما عموم من وجه أعني بهما التوضؤ والغصب ، ومع ذلك فهما ينطبقان على موجود واحد في الخارج. ومنها شرب الماء المغصوب فيما إذا كان الشرب في نفسه مأمورا به ، فانه مجمع لمبدأين أحدهما الشرب ، والآخر الغصب ، والمفروض انهما منطبقان على شيء واحد. ومنها غير ذلك كما تقدم.

فما أفاده (قده) من استحالة اتحاد المبادي بعضها مع بعضها الآخر مناقض بهذه الأمثلة وما شاكلها ، فان متعلقي الأمر والنهي فيها مبدأان ، ومع ذلك فهما متحدان في الخارج ومنطبقان على شيء واحد وجودا وماهية.

ومن هنا التجأ (قده) إلى الالتزام بخروج مثل هذه الأمثلة عن محل الكلام بدعوى ان المعنون في مورد الاجتماع فيها بما انه واحد وجودا وماهية فمع فرض كونه منهياً عنه لا يعقل كونه مصداقا للمأمور به.

وغير خفي ان ما أفاده (قده) من ان شيئاً واحدا إذا كان منهياً عنه

٢٧٢

يستحيل ان يكون مأمورا به وان كان في غاية الصحة ، الا ان ذلك لا يوجب خروج مثل هذه الأمثلة عن محل الكلام ، ضرورة انه لا فرق بين الصلاة والشرب من هذه الناحية أصلا ، وكذا بينهما وبين الوضوء ، فكما ان الصلاة والغصب داخلان في محل النزاع ، فكذلك الشرب والغصب والتوضؤ والغصب ، غاية الأمر ان المطابق في المثالين الأخيرين بما انه واحد في الخارج وجودا وماهية ، فلا مناص فيه من القول بالامتناع ، واما في الصلاة والغصب فان كان الأمر أيضاً كذلك فلا مناص من القول به أيضا ، والا فلا بد من القول بالجواز ، فوحدة المجمع في مورد الاجتماع توجب القول بالامتناع لا الخروج عن محل الكلام كما لا يخفى.

فالنتيجة هي انه لا ضابط لكل من القول بالامتناع والقول بالجواز في المسألة أصلا. فما جعله شيخنا الأستاذ والمحقق صاحب الكفاية (قدهما) من الضابط لكل من القولين قد عرفت فساده بشكل واضح وانه لا كلية له أصلا ، فان تعدد العنوان كما لا يقتضي تعدد المعنون كذلك لا يقتضي وحدته ، فاذن لا أثر لتعدد العنوان ، بل لا بد من ملاحظة ان المجمع في مورد الاجتماع واحد أو متعدد.

ومن هنا قلنا سابقاً ان مرد البحث في المسألة في الحقيقة إلى البحث عن وحدة المجمع في مورد الاجتماع والتصادق وتعدده. وعليه فالحكم بالامتناع أو الجواز في كل مورد منوط بملاحظة ذلك المورد خاصة ، فان كان المجمع فيه واحدا يتعين فيه الحكم بالامتناع ، وان كان متعددا يتعين فيه الحكم بالجواز.

واما النقطة الثالثة فالامر كما أفاده (قده) ، وذلك ضرورة ان العناوين الاشتقاقية خارجة عن محل الكلام في المسألة ، لما تقدم من ان جهة الصدق فيها على معروضاتها جهة تعليلية ، بمعنى ان الموجب لصدق تلك العناوين عليها أمر خارج عنها ومباين لها وجودا ، وهذا بخلاف جهة الصدق في صدق المبادي ، فانها

٢٧٣

تقييدية يعنى ان صدقها على الموجود في الخارج صدق الطبيعي على فرده والكلي على مصداقه ، كصدق البياض على البياض الموجود في الخارج والسواد على السواد الموجود فيه .. وهكذا ، وليست جهة الصدق فيها امرا خارجا عنها ومبايناً لها وجوداً ، وهذا معنى كون الجهة تقييدية.

واما العناوين الاشتقاقية فبما ان جهة الصدق فيها تعليلية فلا يمكن توهم اجتماع الأمر والنهي في مورد اجتماع اثنين من هذه العناوين ، لفرض ان الأمر والنهي لم يتعلقا بالجهتين التعليليتين ، بل تعلقا بنفس المعروض لهما ، والمفروض انه واحد وجودا وماهية. ومن المعلوم استحالة تعلق الأمر والنهي بشيء واحد حتى على مذهب من يرى جواز التكليف بالمحال كالأشعري فضلا عن غيره ، لفرض ان نفس هذا التكليف محال. وقد ذكرنا سابقاً ان القائل بالجواز انما يقول به بدعوى ان المجمع متعدد وجودا وماهية ، وان ما ينطبق عليه المأمور به غير المنهي عنه خارجا ، واما إذا كان المجمع واحدا كذلك فلا يقول أحد بجواز الاجتماع فيه حتى القائل بالجواز في المسألة ، وبما ان المعروض للعنوانين الاشتقاقيين في مورد الاجتماع واحد وجودا وماهية فلا محالة يخرج عن محل البحث في هذه المسألة ، ضرورة انه لم يقل أحد بجواز الاجتماع فيه حتى القائلين بالجواز ، بل يدخل في باب المعارضة ، وتقع المعارضة بين إطلاق دليل الأمر وإطلاق دليل النهي فلا بد عندئذ من رفع اليد عن إطلاق أحدهما لمرجح ان كان ، وإلا فيسقطان معاً.

ومن هنا لم نر أحدا من الفقهاء ـ فيما نعلم ـ ذهب إلى دخول ذلك في محل البحث في هذه المسألة ، بأن يبني على جواز اجتماع الأمر والنهي فيه على القول بالجواز فيها ، والوجه فيه ما أشرنا إليه آنفاً من ان القائل بالجواز يدعي تعدد المجمع في مورد الاجتماع وجودا وماهية ، ومع وحدته لا يقول بالجواز أصلا ولذا قلنا سابقاً ان مرد البحث في هذه المسألة إلى البحث عن وحدة المجمع في الواقع

٢٧٤

والحقيقة وتعدده كذلك.

وعلى الجملة فلا إشكال في خروج العناوين الاشتقاقية عن محل البحث والكلام فان جهة الصدق فيها حيث انها تعليلية فلا محالة يكون المجمع واحدا في مورد الاجتماع. ومن المعلوم استحالة تعلق الأمر والنهي بشيء واحد ، سواء فيه القول بالجواز أو الامتناع في مسألتنا هذه ـ مثلا ـ إذا ورد الأمر بإكرام العلماء وورد النهي عن إكرام الفساق ، وفرضنا انطباق هذين العنوانين على شخص واحد كزيد ـ مثلا ـ فانه من جهة كونه عالماً يجب إكرامه ، ومن جهة كونه فاسقاً يحرم أكرمه. ومن الظاهر انه لا يمكن ان يكون إكرامه واجباً وحراما معاً ولا يلتزم به أحد حتى القائل بالجواز في تلك المسألة أي مسألة الاجتماع بل لا بد من رفع اليد عن أحدهما لمرجح من مرجحات باب التعارض ، ومثل هذه المعارضة كثير في أبواب الفقه ، ولم يتوهم أحد دخوله في هذه المسألة ليبني على الجواز فيه ، بناء على القول بالجواز فيها ، ولذا يعامل معه معاملة التعارض ، سواء أكان من القائلين بالجواز فيها أم الامتناع ، وهذا واضح.

ومن هنا يظهر فساد ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قده) في الأمر الثالث من ان الظاهر لحوق تعدد الإضافات بتعدد العناوين ، فلو كان تعدد العنوان كافياً مع وحدة المعنون في القول بجواز اجتماع الأمر والنهي ، لكان تعدد الإضافات أيضاً كافياً في ذلك فلا فرق بينهما من هذه الناحية. وعليه فيكون أكرم العلماء ولا تكرم الفساق من باب الاجتماع ، لا من باب التعارض. وجه الظهور ما عرفت من ان تعدد الإضافات والجهات التعليلية لا يكفي في القول بالجواز ، مع كون المجمع واحدا ، فان القائل بالجواز يدعى تعدده وجودا وماهية وان ما ينطبق عليه المأمور به غير المنهي عنه في الخارج ، واما إذا كان واحدا فلا يقول بالجواز ، فاذن مثل هذا المثال خارج عن مسألة الاجتماع بالكلية ، ولا

٢٧٥

يقول فيه بالجواز أحد فيما نعلم.

واما النقطة الرابعة (وهي ما كانت المبادي من الأفعال الاختيارية دون الصفات الجسمانية والنفسانيّة) فهي من الواضحات ، ضرورة ان الأمر والنهي لم يتعلقا بالصفات الخارجة عن القدرة ، وسواء أكانت جسمانية أو نفسانية ، وهذا ليس لخصوصية في المقام ، بل من ناحية حكم العقل بكون متعلق التكليف لا بد ان يكون مقدوراً للمكلف في ظرف الامتثال ، وحيث ان تلك الصفات خارجة عن قدرته واختياره فلا محالة لا يتعلق التكليف بها ، فهذا ليس شرطاً زائداً على أصل اشتراط التكليف بالقدرة.

واما النقطة الخامسة (وهي ان ماهية المبادي بما انها ماهية واحدة فهي محفوظة أينما تحققت وسرت) فهي انما تتم في المبادي المتأصلة والماهيات المقولية الحقيقية ، ضرورة انها لا تختلف باختلاف وجوداتها في الخارج وتنطبق على تلك الوجودات جميعاً بملاك واحد ، ومحفوظة بتمام ذاتها وذاتياتها في ضمن كل واحد منها ، لفرض ان الطبيعي عين فرده في الخارج ، كما سنشير إلى ذلك في النقطة السادسة بشكل واضح.

واما في المبادي غير المتأصلة والماهيات الانتزاعية فهي لا تتم ، وذلك لأنه لا مانع من انتزاع مفهوم واحد من ماهيات مختلفة ومقولات متعددة كالغصب مثلا ، فانه قد ينتزع من مقولة الأين ـ وهو الكون في الأرض المغصوبة ـ وقد ينتزع من مقولة أخرى كأكل مال الغير أو لبسه أو نحو ذلك. ومن المعلوم ان منشأ انتزاعه على الأول غير منشأ انتزاعه على الثاني ، ضرورة انه على الأول من مقولة ، وعلى الثاني من مقولة أخرى ، فاذن لا يلزم ان يكون منشأ انتزاعه ماهية نوعية واحدة محفوظة في تمام موارد تحققه ، لتكون نتيجته استحالة اتحاد المجمع في مورد اجتماعهما ، كما هو الحال فيما إذا كانا من المبادي المتأصلة

٢٧٦

والماهيات المقولية.

وعليه فلا بد من النّظر في ان العنوانين منتزعان من ماهية واحدة ، أو من ماهيتين متباينتين ، هذا إذا كان كلاهما انتزاعياً. واما إذا كان أحدهما انتزاعياً دون الآخر فلا بد من النّظر في ان منشأ انتزاعه متحد مع العنوان الذاتي المقولي خارجا أم لا. وقد عرفت انه لا ضابط لذلك أصلا ، ولأجل هذا ففي أي مورد كان المجمع واحدا نحكم بالامتناع ، وفي أي مورد كان متعددا نحكم بالجواز.

فالنتيجة ان هذه النقطة هي الأساس لما اختاره (قده) في المسألة وهو القول بالجواز.

واما ما ذكره (قده) من ان التركيب بين الصورة والمادة انضمامي لا يمكن تصديقه بوجه ، وذلك لما حققناه في بحث المشتق من ان التركيب بينهما اتحادي ولأجل ذلك يصح حمل إحداهما على الأخرى ، وحمل المجموع على النوع ، بداهة انه لو لا اتحادهما في الخارج وكونهما موجودتين بوجود واحد لم يصح حمل إحداهما على الأخرى أبدا ، ولا حمل المجموع على النوع ، لما ذكرناه هناك من ان ملاك صحة حمل الشائع الصناعي هو اتحاد المحمول والموضوع في الوجود الخارجي ، ضرورة انهما متباينان بحسب المفهوم ، فلو كانا متباينين بحسب الوجود الخارجي أيضاً لما أمكن حمل أحدهما على الآخر أبدا ، لوضوح ان المعتبر في صحة الحمل المغايرة بين الموضوع والمحمول من جهة ، لبطلان حمل الشيء على نفسه والوحدة من جهة أخرى ، لعدم جواز حمل المباين على المباين.

ومن هنا قلنا في ذلك البحث ان الذات مأخوذة في مفهوم المشتق ، وإلا فلا يمكن حمله عليها ، لفرض تباينهما وجودا عندئذ ، فان العرض الّذي هو مفهوم المشتق على الفرض موجود بوجود ، والجوهر الّذي هو موضوعه موجود بوجود آخر. ومن المعلوم استحالة اتحاد وجود مع وجود آخر ، ضرورة ان كل وجود

٢٧٧

يأبى عن وجود آخر ، ولأجل ذلك قلنا ان مجرد لحاظه لا بشرط لا يوجب اتحاده مع موضوعه ليصح حمله عليه الّذي ملاكه الاتحاد في الوجود ، بداهة ان اعتبار اللا بشرط لا يجعل المتغايرين في الوجود متحدين فيه واقعاً ، فان تغايرهما ليس بالاعتبار لينتفي باعتبار آخر ، وهذا واضح.

واما النقطة السادسة فيرد عليها ان مناط التساوي بين المفهومين هو اشتراكهما في الصدق ، بمعنى ان كل ما يصدق عليه هذا المفهوم يصدق عليه ذاك المفهوم أيضاً ، فهما متلازمان من هذه الناحية ، وليس مناط التساوي بينهما اتحادهما في جهة الصدق ، ضرورة انه مناط الترادف بين المفهومين ، كالإنسان والبشر ، حيث ان جهة الصدق فيهما واحدة وهو الحيوان الناطق ، بمعنى انهما مشتركان في حقيقة واحدة ، ولفظ كل منها موضوع بإزاء تلك الحقيقة باعتبار ـ مثلا ـ لفظ الإنسان موضوع للحيوان الناطق باعتبار ، ولفظ البشر موضوع له باعتبار آخر. وهذا بخلاف المفهومين المتساويين كالضاحك والمتعجب ـ مثلا ـ فان لكل منهما مفهوما يكون في حد ذاته مبايناً لمفهوم آخر ، ضرورة ان مفهوم الضاحك غير مفهوم المتعجب ، فلا اشتراك لهما في مفهوم واحد وحقيقة فاردة وإلا لكانا من المترادفين لا المتساويين ، كما ان جهة الصدق في أحدهما غير جهة الصدق في الآخر ، فان جهة صدق الضاحك على هذه الذات ـ مثلا ـ هي قيام الضحك بها ، وجهة صدق المتعجب عليها هي قيام التعجب بها ، فلا اشتراك لهما في جهة الصدق أيضاً.

فالنتيجة ان ملاك التساوي بين المفهومين هو عدم إمكان تحقق جهة الصدق في أحدهما في الخارج بدون تحقق جهة الصدق في الآخر لا ان تكون جهة الصدق فيهما واحدة.

واما ملاك العموم والخصوص من وجه بين المفهومين ، فهو ان تكون جهة

٢٧٨

الصدق في كل منهما أعم من ناحية من جهة الصدق في الآخر ، ومتحدة من ناحية أخرى من جهة الصدق فيه كالحيوان والأبيض مثلا ، فان طبيعة الحيوان الموجودة في مادة الاجتماع بعينها هي الطبيعة الموجودة في مادة الافتراق ، ولا تزيد ولا تنقص ، لفرض ان الفرد عين الطبيعي في الخارج ، فلا فرق بين الحصة الموجودة في مادة الاجتماع والحصة الموجودة في مادة الافتراق ، فان كلتا الحصتين عين الطبيعة بلا زيادة ونقيصة ، وكذا البياض الموجود في مادة الاجتماع بعينه هو البياض الموجود في مادة الافتراق وفي موضوع آخر ، فان كلا الفردين عين طبيعته النوعية الواحدة ، ضرورة ان البياض الموجود في مادة الاجتماع ليس فردا لطبيعة أخرى ، بل هو فرد لتلك الطبيعة وعينها خارجا ، كبقية افرادها ، فلا فرق بينه وبينها من هذه الناحية أصلا.

فالنتيجة على ضوء ذلك هي انه لا تعقل النسبة بالعموم من وجه بين جوهرين أو عرضين أو جوهر وعرض ، بداهة انه لو كانت بين طبيعتين (جوهرين أو عرضين أو جوهر وعرض) النسبة بالعموم من وجه للزم اتحاد مقولتين متباينتين في الخارج. أو اتحاد نوعين من مقولة واحدة ، وكلاهما محال ، فان لازم ذلك هو ان يكون شيء واحد ـ وهو الموجود في مورد الاجتماع ـ داخلا تحت مقولتين أو نوعين من مقولة واحدة ، وهذا غير معقول ، لاستحالة ان يكون فرد واحد فردا لمقولتين أو لنوعين ، بداهة ان فردا واحدا فرد لمقولة واحدة ، أو لنوع واحد ، والا لزم تفصله بفصلين في عرض واحد ، وهو مستحيل ، وهذا واضح فاذن تنحصر النسبة بين طبيعتين جوهرين أو عرضين أو جوهر وعرض بالتساوي أو التباين أو العموم المطلق ، فلا رابع لها.

كما انه تنحصر النسبة بالعموم من وجه بين مفهومين عرضيين كالأبيض والحلو والمصلى والغاصب وما شاكلهما وبين مفهوم عرضي ومفهوم ذاتي مقولي

٢٧٩

كالحيوان والأبيض ونحوهما.

ومن ضوء هذا البيان يظهر فساد ما ذكره (قده) من تخصيص استحالة تحقق النسبة بالعموم من وجه بين جوهرين ، وذلك لأنها كما يستحيل ان تتحقق بين جوهرين ، كذلك يستحيل ان تتحقق بين عرضين أو جوهر وعرض كما عرفت الآن.

واما النقطة السابعة فقد ظهر مما تقدم ان المراد من الجهة التقييدية في المقام ليس اندراج فرد واحد تحت ماهيتين متباينتين ، لما عرفت من استحالة ذلك بل المراد منها ما ذكرناه من ان ملاك صدق كل منهما على الموجود في مورد الاجتماع هو انه فرده أو منشأ انتزاعه ، وليس ملاك صدقه عليه جهة خارجية ولا نعني بالجهة التقييدية إلا صدق الطبيعي على فرده وحصته والعنوان على نفس منشأ انتزاعه ، في مقابل الجهة التعليلية التي هي علة صدق العنوان على شيء آخر غيرها كالعلم القائم بزيد الموجب لصدق عنوان العالم عليه .. وهكذا.

ومن هنا يظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ (قده) من ان جهة الصدق إذا كانت في صدق كل من المأمور به والمنهي عنه في مورد الاجتماع تقييدية فلا مناص من الالتزام بكون التركيب فيه انضمامياً لا اتحاديا ، وذلك لما عرفت ان ان هذا تام إذا كان كل من المأمور به والمنهي عنه من الماهيات المتأصلة ، واما إذا كان من الماهيات الانتزاعية ، أو كان أحدهما دون الأخرى منها فلا يتم ، كما تقدم بشكل واضح.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة بحسب الكبرى الكلية ، وملخصه هو انه لا ضابط فيها للقول بالامتناع ، ولا للقول بالجواز أبدا ، بل لا بد من ملاحظة كل مورد بخصوصه ، لنرى ان المجمع فيه واحد أو متعدد. وقد عرفت انه في بعض الموارد واحد وفي بعضها الآخر متعدد.

٢٨٠