وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

(ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ).

من غير ملّتكم إن كنتم في السفر ولم يحضر غيرهما ، ثمّ نسخ (١).

فيحلفان بعد صلاة العصر ، إذ هو وقت يعظّمه أهل الكتاب.

(لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً).

قليلا ، لا نطلب عوضا.

(وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ).

أي : أهل المشهود عليه ، وإن كان قريبا لا نبالي بأن نشهد بالحق.

وقيل : بأنّ هذه شهادة حضور الوصية لا شهادة الأداء.

(أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) على هذا القول وصيّان من غير قبيلتكم ، والوصيّ يحلّف عند الخلاف والتهمة لا الشاهد.

(فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً). (١٠٧)

أي : إن اطلع على أنّ الشاهدين اقتطعا بشهادتهما ، أو يمينهما على الشهادة إثما حلف أوليان بالميت ، أي : بوصيته على العلم أنّهما لم يعلما من الميت ما ادّعيا عليه ، وأنّ أيمانهما أحقّ من أيمانهما.

(مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ).

أي : بسببهم الإثم على الخيانة ، وهم أهل الميت ، هم الأوليان بالشهادة من الوصيين.

__________________

(١) عن زيد بن أسلم قال : كان ذلك في رجل توفي ، وليس عنده أحد من أهل الإسلام ، وذلك في أول الإسلام والأرض حرب ، والناس كفار ، إلا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بالمدينة ، وكان الناس يتوارثون بينهم بالوصية ، ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها. ـ وعن ابن عباس قال : هذه الآية منسوخة.

٣٢١

وقيل : بل المفعول الوصية ، وهم أهل الميت أيضا ، فهذه زبدة تفسير الآية على إشكالها.

وأمّا إعرابها. فارتفاع «شهادة بينكم» بالابتداء ، وخبره «اثنان ذوا عدل» واتسع في «بين» ـ وإن كان ظرفا ـ فأضيف إليه المصدر ، كما اتسع في قوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ)(١).

وقيل : بل يقدّره على حذف في أوله ، أي : كتب عليكم إن شهد منكم اثنان ، والأوليان : ارتفاعه على الابتداء ـ وإن أخّره ـ ، وتقديره : فالأوليان بالميت آخران من أهله يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما ، ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ، كأنه : فآخران يقومان مقامهما الأوليان.

ـ أو يكون بدلا من الضمير الذي في «يقومان». كأنه : فيقوم الأوليان ، وبدل المعرفة من النكرة جائز. وإن كانت لا تجوز.

وقال الأخفش : الأوليان صفة لقوله : (فَآخَرانِ) ، والأوليان معرفة ، وآخران نكرة ، ولكنه جاز ذلك لأن النكرة الموصوفة تقارب المعرفة ، وهذه النكرة موصوفة بقوله : (يَقُومانِ مَقامَهُما)(٢).

(قالُوا لا عِلْمَ لَنا). (١٠٩)

أي : بباطن أمورهم الذي وقع عليه المجازاة ، بدليل قوله :

(إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).

وقيل : إنّ ذلك لذهولهم عن الجواب لشدة ذلك اليوم المهول.

(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ). (١١١)

ألهمتهم ، وقيل : ألقيت إليهم.

__________________

(١) سورة الأنعام : آية ٩٤.

(٢) انظر معاني القرآن للأخفش ١ / ٢٦٦.

٣٢٢

وأصل الوحي : الإلقاء السريع ، ومنه : الوحى : السرعة ، والأمر الوحي (١).

(هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ). (١١٢)

أي : هل يطيع ربك إن سألت. استطاع بمعنى أطاع.

وقيل : هل يستجيب ، وبعضهم أجراه على ظاهره ، أي : هل يقدر ، على معنيين :

أحدهما : أنهم سألوا ذلك في ابتداء أمرهم ، قبل استحكام معرفتهم وإيمانهم.

والثاني : أنه بعد إيمانهم مزيد اليقين ، ولذلك قالوا :

(وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا). (١١٣)

كما قال إبراهيم : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(٢).

(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ). (١١٦)

إنما جاز «إذ قال» وهو أمر مستقبل ، ـ وإذ لما مضى ـ لإرادة التقريب ، ولأنّه كائن لا يحول دونه حائل ، وإنما يقول الله ذلك توبيخا لأمته (٣).

وقيل : إعلاما له بهم لئلا يشفع لهم.

__________________

(١) قال أبو عبيدة : أوحيت بمعنى أمرت ، راجع القرطبي ٦ / ٣٦٣ ؛ ومجاز القرآن ١ / ١٨٢.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٦٠.

(٣) أخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممها ، ثم يدعى بعيسى فيذكّره الله نعمته عليه فيقرّ بها. يقول : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) الآية. ثم يقول : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) فينكر أن يكون قال ذلك ، فيؤتى بالنصارى فيسألون؟ فيقولون : نعم هو أمرنا بذلك فيطول شعر عيسى حتى يأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده ، فيجاثيهم بين يدي الله مقدار ألف عام ، حتى يوقع عليهم الحجة ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم إلى النار. وهو ضعيف.

٣٢٣

(وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ). (١١٨)

معناه : تفويض الأمر إلى الله ، ولذلك وصله ب (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) دون الغفور الرحيم.

(هذا يَوْمُ يَنْفَعُ). (١١٩)

رفع «يوم» على الإشارة إلى اليوم ، كقولك : هذا يوم الجمعة.

وحكى البياري (١) أنّ ثعلبا كان يقرأ بالنصب على قراءة نافع ، بسبب الإضافة إلى الفعل كما قال النابغة :

٣٥٠ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا

وقلت ألمّا أصح والشيب وازع (٢)

فذكرته ل المبرّد فخطّأه ، وقال : إنما يجوز البناء على الفعل الماضي كما في شعر النابغة ، ولا يجوز على المضارع ؛ لأنه كالاسم ، ولكنّ نافعا ينصبه على الظرف (٣) ، ومعنى الإشارة لا يمنع الظرف فكأنه قيل : هذا القول في يوم ينفع الصادقين.

تمّت سورة المائدة

ويليها سورة الأنعام

* * *

__________________

(١) اسمه علي بن محمد ، له شرح الحماسة ، انظر معجم الأدباء ١٥ / ٥٨ ؛ وإنباه الرواة ٢ / ٣٠٦.

(٢) البيت في تفسير القرطبي ٦ / ٣٨٠ ؛ ومعاني القرآن للفراء ١ / ٣٢٧ ؛ وكتاب سيبويه ١ / ٣٦٩ ؛ وشرح ابن عقيل ٢ / ٥٩ ؛ وديوانه ص ٧٩.

(٣) قال مكي القيسي : وحجة من نصبه أنه جعل الإشارة ب (هذا) إلى غير اليوم ، مما تقدم ذكره من الخبر والقصص في قوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى) وليس ما بعد القول حكاية. فإن جعلته حكاية أضمرت ما يعمل في «يوم» ، والتقدير : قال الله هذا الذي اقتص عليكم يحدث أو يقع في يوم ينفع ، وإن لم نجعله حكاية فأعمل القول في اليوم على أنه ظرف للقول ، والمعنى : قال الله تعالى هذا القصص الذي قص عليكم أو هذا الخبر الذي أخبرتم به في يوم ينفع الصادقين. راجع الكشف عن وجوه القراءات ١ / ٤٢٤.

٣٢٤

سورة الأنعام (١)

(بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ). (١)

أي : يعدلون به الأصنام ويعبدونها عبادته (٢) ، من قولك : هذا بذلك ، أي : جعلته عدلا له ومثلا.

(ثُمَّ قَضى أَجَلاً).

الموت.

(وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ).

الآخرة ، وقيل : الأجل الأول الحياة ، والمسمى عنده أجل الموت إلى البعث.

(ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ). (٢) تشكّون في البعث.

(مِنْ قَرْنٍ). (٦)

أهل كلّ عصر قرن ، لاقتران الخالف بالسالف. وقيل : إنه عشرون سنة مثل قران العلويين لأنّه في مثل هذه العدة يتبدل قوم بعد قوم.

__________________

(١) أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نزلت عليّ سورة الأنعام جملة واحدة ، يشيعها سبعون ألف ملك لها زجل بالتسبيح والتحميد. وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب والإسماعيلي في معجمه عن جابر قال : لمّا نزلت سورة الأنعام سبّح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : لقد شيّع هذه السورة من الملائكة ما سدّ الأفق. انظر المستدرك ٢ / ٣١٥.

(٢) أخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : الآلهة التي عبدوها عدلوها بالله تعالى ، وليس لله عدل ولا ندّ وليس معه آلهة ، ولا اتخذ صاحبة ولا ولدا. انظر تفسير الطبري ٧ / ١٤٥.

٣٢٥

(لَجَعَلْناهُ رَجُلاً). (٩)

لأنّ الجنس إلى الجنس أميل ، وبه آنس ، وعنه يفهم.

قال الجاحظ : من لطيف صنع الله أن فطر المعلمين على وزان عقول الصبيان ، وإلا لم يكن إلى تأليف الأمر بينهما سبيل.

وسمع عبد الملك بن مروان كلاما مختلطا فقال : كلام مجنون ، أو مناغاة صبي.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : [من كان له صبيّ فليتصبّ له](١) ، أي : ليكلّمه كلام الصبيان المستأنس والمقارب.

وفي معناه :

٣٥١ ـ وأنزلني طول النوى دار غربة

إذا شئت لاقيت امرأ لا أشاكله

٣٥٢ ـ أحامقه حتى يقال : سجيّة

ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله (٢)

(وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ).

أي : إذا جعلناه رجلا شبّهنا عليهم وشككنا بهم ، كما يشبهون على أنفسهم.

واللبس : الشك. قالت الخنساء :

٣٥٣ ـ ترى الجليس يقول الحقّ يحسبه

رشدا وهيهات فانظر ما به التبسا

__________________

(١) الحديث أخرجه ابن عساكر والديلمي ، وفيه محمد بن عاصم ، قال الذهبي في الضعفاء : مجهول ، وبيّض له أبو حاتم. راجع أسباب ورود الحديث ٣ / ٢٣١.

(٢) في المخطوطة : [إذا سيئت] بدل [إذا شئت] وهو تصحيف. والبيتان ذكرهما ابن قتيبة في عيون الأخبار ، ولم بنسبهما ، ٣ / ٢٤ ؛ والبيان والتبيين ٤ / ٨٩ ؛ ومعجم الأدباء ٢ / ١٧٨ ، وهما لعمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وكان الشافعي يتمثل بهما ، وبعضهم ينسبهما للشافعي ، والأول أصح. وهما في ديوان الشافعي ، ص ٧٣.

٣٢٦

٣٥٤ ـ صدّق مقالته واحذر عداوته

والبس عليه بشك مثل ما لبسا (١)

(كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ). (١٢)

بما عرّض له الخلق من الثواب ، ودعاهم إلى الطاعة ، وأراهم من الأدلة ، ثم لم يعاجل بالعقوبة على المعصية (٢).

(لَيَجْمَعَنَّكُمْ).

لا موضع له من إعراب ما مضى ، لأنه ابتداء قسم ، وقيل : موضعه نصب ب كتب.

(الَّذِينَ خَسِرُوا).

نصب على البدل من الضمير في «ليجمعنّكم». وعلى الوجه الأول : رفع بالابتداء ، وخبره :

(فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).

(يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ). (١٤)

يرزق ولا يرزق ، قال ابن عبدة :

٣٥٥ ـ ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه

أنّى توجّه والمحروم محروم (٣)

__________________

(١) البيتان ليسا في ديوانها ، وهما في تفسير القرطبي ١ / ٣٤٠ ؛ والدر المصون ١ / ٣٢٢ ؛ وبهجة المجالس ٢ / ٥٤٢ ؛ والثاني منهما في تفسير الماوردي ١ / ٥١١ ؛ والأول في بهجة المجالس ١ / ٥٠ وفيه [التمسا] بدل [التبسا].

(٢) أخرج الترمذي وصححه وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لما خلق الله الخلق كتب كتابا بيده على نفسه أنّ رحمتي تغلب غضبي.

(٣) في المخطوطة : [ومطعم الغنم مطعمه وإلى توجه والمحروم محروم] وهو مصحف. يريد : من قسم له الخير ناله أنى تصرف ، ومن يمنع فالحرمان يلزمه. راجع شرح المفضليات ٣ / ١٦١٨ ؛ واللسان : أنى ؛ وديوانه ص ٦٦ ؛ والمفضليات ص ٤٠١.

٣٢٧

فقابل الحرمان بالإطعام كما يقابل بالرزق.

(لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ). (١٩)

أي : ومن بلغه القرآن (١).

(آلِهَةً أُخْرى).

وصف الجماعة بالواحد المؤنث على المعنى ؛ لأنّ الجماعة مؤنّثة كقوله : (الْقُرُونِ الْأُولى)(٢). و (الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(٣).

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا). (٢٣)

أي : بليتهم التي غرّتهم إلا مقالتهم :

(ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).

فأنّث الفعل إذ «أن» مع الفعل بمعنى المصدر ، ونصب (فِتْنَتُهُمْ) على أنها خبر كان ، واسمها (إِلَّا أَنْ قالُوا) ، وإنما صار أحق بالاسم لأنه أشبه المضمر من حيث لا يوصف ، والمضمر أعرف من المظهر ، فكان أولى بالاسم.

(أَكِنَّةً). (٢٥)

جمع كنان وهو الغطاء ، وكانوا يؤذون رسول الله إذا سمعوا القرآن فصرفهم الله عنه.

(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ). (٢٦)

__________________

(١) أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول : «بلّغوا عن الله ، فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله».

(٢) سورة طه : آية ٥١.

(٣) سورة الأعراف : آية ١٨٠.

٣٢٨

أي : ينهون الناس عن متابعة الرسول ، ويبعدون عنه بأنفسهم.

وقيل : إنه أبو طالب ، ينهاهم عن أذى الرسول ، ثم يبعد عن الإيمان به (١).

(وَلا نُكَذِّبَ)(٢) (٢٧).

بالرفع عطفا على «نردّ» وهو مرفوع بخبر ليت ، فالردّ وترك التكذيب دخلا في التمني. ويجوز الرفع على الاستئناف ، أي : بأنا لا نكذب.

(وَنَكُونَ).

ابتداء إخبار عن أنفسهم.

قال سيبويه : هذا كما تقول : دعني ولا أعود. أي : وأنا لا أعود (٣).

(ما كانُوا يُخْفُونَ). (٢٨)

يجدونه خافيا. وقيل : بدا للأتباع ما علماؤهم يخفونه عنهم.

(فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ). (٣٣)

جاء على مثال : ما كذّبك فلان وإنما كذّبني (٤) ، وقيل : لا يجدونك كاذبا ، كقولك : عدّلته وفسّقته.

__________________

(١) أخرج الفريابي وعبد الرزاق والطبراني والحاكم وصححه ٢ / ٣١٥ عن ابن عباس في الآية قال : نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويتباعد عما جاء به.

(٢) قرأ حمزة وحفص ويعقوب بالنصب في [ولا نكذب ونكون] مع إضمار أن بعد واو المعية في جواب التمني ، وقرأ ابن عامر برفع الأول ونصب الثاني ، والباقون برفعهما عطفا على نرّد. راجع الإتحاف ص ٢٠٦.

(٣) انظر الكتاب لسيبويه ٣ / ٤٤.

(٤) أخرج الترمذي والحاكم وصححه ٢ / ٣١٥ والضياء في المختارة عن عليّ قال. قال أبو جهل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به ، فأنزل الله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ). وانظر عارضة الأحوذي ١١ / ١٨٦.

٣٢٩

(فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ). (٣٥)

(نَفَقاً) : سربا (فِي الْأَرْضِ).

قال كعب بن زهير :

٣٥٦ ـ وما لكما منجىّ على الأرض فابغيا

به نفقا أو في السّموات سلّما (١)

(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ). (٣٦)

أي : إنما يسمع الأحياء لا الأموات كما قال :

٣٥٧ ـ لقد أسمعت لو ناديت حيّا

ولكن لا حياة لمن تنادي (٢)

وفي معناه :

٣٥٨ ـ كأنّي أنادي ما يخافون رحلها

وفي غرفه والدلو ناء قليبها (٣)

(يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ). (٣٨)

قال بجناحيه لأنّ السمك طائر في الماء ولا جناح لها ، والمراد : ما في الأرض وما في الجو إذ لا حيوان غيرهما ، ولأن الطيران قد يكون بمعنى الإسراع ، كما قال سلمة بن خرشب :

٣٥٩ ـ فلو أنّها تجري على الأرض أدركت

ولكنّها تهفو بتمثال طائر

٣٦٠ ـ خداريّة فتخاء ألثق ريشها

سحابة يوم ذي شآبيب ماطر (٤)

(إِلَّا أُمَمٌ) جماعات (أَمْثالُكُمْ) في حاجات النفس.

__________________

(١) البيت في تفسير الماوردي ١ / ٥٢١ ؛ والبحر المحيط ٤ / ١١٤.

(٢) البيت لكثير وقد تقدم برقم ٧.

(٣) لم أجده.

(٤) البيتان من مفضليته ، وهما في المفضليات ص ١٧ ؛ وشرح المفضليات ١ / ١٦٩ ؛ والثاني في خزانة الأدب ٣ / ٢٦ ؛ والمجمل ٢ / ٢٧٨ ؛ والعقاب الخدارية : التي يضرب لونها إلى السواد والغبرة ، الفتخاء : اللينة الجناح.

٣٣٠

وقيل : في اختلاف الصور والطبائع. وقيل : في الدلالة على الصانع ببديع الفطرة وعجيب الصنعة. وقيل : في الاحتيال للمعيشة. كما قال الأعرابي :

٣٦١ ـ سقى الله أرضا يعلم الضبّ أنّها

بعيد من الآفات طيّبة البقل

٣٦٢ ـ بنى بيته فيها على رأس كدية

وكلّ امرىء في حرفة العيش ذو عقل (١)

(ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ).

أي : اللوح المحفوظ من آجال الحيوان وأرزاقه وأحواله ، ليعلم الإنسان أنّ عمله أولى بالحفظ والإحصاء.

وقيل : إنّ (الْكِتابِ) القرآن ، فإنّ فيه كلّ شيء ، إمّا على الجملة ؛ وإمّا على التفصيل (٢).

(مُبْلِسُونَ). (٤٤)

الإبلاس : السكوت مع اكتئاب (٣). وقال الفرّاء : الإبلاس : التحير عند انقطاع الحجة (٤).

(دابِرُ الْقَوْمِ). (٤٥)

__________________

(١) البيتان في الحيوان للجاحظ ٢ / ٨٣ و ٦ / ٥٧ ؛ وربيع الأبرار ٤ / ٤٦٩ ؛ والوحشيات ص ٣١٣. وفي المخطوطة : كما قال الراعي ، وهو تصحيف.

(٢) أخرج ابن جرير ٧ / ١٨٩ عن أبي ذر قال : انتطحت شاتان عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لي : يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا؟ قلت : لا. قال : لكن الله يدري ، وسيقضي بينهما ، قال أبو ذر : لقد تركنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يقلّب طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما.

(٣) أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إنّ الله تبارك وتعالى إذا أراد بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف ، وإذا أراد بقوم اقتطاعا فتح لهم أو فتح عليهم باب خيانة (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

(٤) انظر معاني القرآن ١ / ٣٣٥.

٣٣١

آخرهم الذي يدبرهم ويعقبهم ، ومنه التدبير وهو : النظر في عواقب الأمور.

أي : لم يبق منهم خلف ولا عقب.

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ). (٥٣)

امتحنا الفقراء بالأغنياء في السعة والجدة ، والأغنياء بالفقراء في سبق الإسلام وغيره ، ليتبيّن صبرهم وشكرهم ومنافستهم في الدين والدنيا.

(لِيَقُولُوا).

لكي يقولوا ، فاللام للعاقبة كما قال :

٣٦٣ ـ لدوا للموت وابنوا للخراب

فكلّكم يصير إلى التراب

٣٦٤ ـ ألا يا موت لم أر منك بدّا

أبيت فما تحيف ولا تحابي

٣٦٥ ـ كأنك قد هجمت على مشيبي

كما هجم المشيب على شبابي (١)

قال كثيّر :

٣٦٦ ـ يغادرن عسب الوالقي وناصح

تخصّ به أمّ السبيل عيالها (٢)

(وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ). (٥٥)

ـ وإن جعلت الاستبانة متعدية ونصبت السبيل (٣) ، فتاء الخطاب للنبي عليه‌السلام ، إذ سبق خطابه (وَإِذا جاءَكَ).

__________________

(١) الأبيات تنسب لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، وهي لأبي نواس في ديوانه ص ٢٠٠ ، وفي خزانة الأدب مع بعض التغيير ، وهي في الحماسة البصرية. والأول في التصريح ٢ / ١٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٢ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٣٠ وكلها في بهجة المجالس ٣ / ٣٣٥ ؛ والحيوان ٣ / ٥١.

(٢) البيت في لسان العرب مادة : عسب. وهو من أبيات يصف خيلا أزلقت ما في بطونها من أولادها من التعب ، والعسب : الولد أو ماء الفحل ، يعني أن هذه الخيل ترمي بأجنّتها من هذين الفحلين فتأكلها الطير والسباع. وأم السبيل هنا : الضبع. وهو في ديوانه ص ٨٢.

(٣) قرأ نافع وأبو جعفر : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) بنصب السبيل. الإتحاف ص ٢٠٩.

٣٣٢

(يَقُصُّ الْحَقَّ). (٥٧)

أي : يقض (١) القضاء الحق. وقيل : يصنع الحق كقول الهذلي :

٣٦٧ ـ وعليهما مسرودتان قضاهما

داوود أو صنع السوابغ تبّع (٢)

(مَفاتِحُ الْغَيْبِ). (٥٩)

المقدورات التي يفتح الله لعباده بها ما في الغيب من الأرزاق والخيرات.

(وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها).

ليعلم أنّ الأعمال أولى بالإحصاء للجزاء (٣).

(يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ). (٦٠)

يقبضكم عن التصرف بالليل. وقيل : إنه من توفي العدد ، أي : يحصيكم بالليل. قال الراجز :

٣٦٨ ـ إنّ بني الأدرم ليسوا من أحد

ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد (٤)

ولا توفّاهم قريش في العدد

__________________

(١) قرأ «يَقُصُّ» بالصاد نافع وابن كثير وعاصم وأبو جعفر ، من قصّ الحديث أو الأثر تتبعه ، والباقون يقض ، بضاد معجمة مكسورة ، ولم ترسم إلا بضاد ، كأنّ الياء حذفت خطّا تبعا للفظ الساكنين. راجع الإتحاف ص ٢٠٩.

(٢) البيت لأبي ذؤيب الهذلي ، وهو في ديوان الهذليين ١ / ١٤٣ ؛ وتفسير الطبري ١١ / ٥٦ ؛ وتفسير القرطبي ٨ / ٣١١ ؛ ومجاز القرآن ١ / ٧٥.

(٣) أخرج الخطيب بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ما من زرع على الأرض ولا ثمار على أشجار إلا عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا رزق فلان ابن فلان ، وذلك قوله تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

(٤) الرجز لمنظور الوبري ، وفي المخطوطة [إنّ بني آدم] وهو تصحيف. والبيت في تفسير الماوردي ١ / ٥٢٩ ؛ وتفسير القرطبي ٧ / ٥ ؛ ومجاز القرآن ٢ / ١٣٢ ؛ واللسان : وفى ؛ وتفسير الطبري ٢١ / ٥٦.

٣٣٣

(تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا). (٦١)

أيضا من توفي العدد وإحصائه ، وكذلك قوله : (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ)(١) ، أي : يستوفيكم جميعا.

(مِنْ فَوْقِكُمْ). (٦٥)

بالآفات السماوية من الطوفان والقذف والصيحة.

(أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ).

بالخسف والرجفة.

(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً).

يخلطكم فرقا مختلفين ، يتحاربون ولا يتسالمون (٢).

(تُبْسَلَ) (٧٠)

تسلم ، وقيل : تحبس وترتهن. قال الشنفرى في المعنيين :

٣٦٩ ـ إذا ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري

وغودر عند الملتقى ثمّ سائري

٣٧٠ ـ هنالك لا تلفى حياة تسرني

سجيس الليالي مبسلا بالحرائر (٣)

__________________

(١) سورة السجدة : آية ١١.

(٢) أخرج عبد الرزاق والترمذي وصححه والنسائي عن خبّاب بن الأرت في الآية ، قال : راقب خباب النبيّ وهو يصلي حتى إذا كان من الصبح قال له : يا نبيّ الله لقد رأيتك تصلي هذه الليلة ما رأيتك تصلي قبلها؟ قال : أجل إنها صلاة رغبة ورهبة سألت ربي فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألته ألا يهلكنا بما أهلكت به الأمم قبلكم فأعطاني ، وسألته ألا يسلّط علينا عدوا من غيرنا فأعطاني ، وسألته أن لا يلبسنا شيعا فمنعني.

(٣) البيتان في ربيع الأبرار ٢ / ٧٢٩ ؛ والحيوان ٦٠ / ٤٥٠ ؛ والعقد الفريد ١ / ٥٣ ؛ والأغاني ٢١ / ٨٩. والثاني منهما في لسان العرب مادة : سجس. وفيه [لا أرجو] بدل [لا تلفى] ومجاز القرآن ١ / ٣٧٣ يقال : لا آتيك سجيس الليالي ، أي : آخرها ، ويقال : لا آتيك سجيس عجيس. أي : الدهر كله.

٣٣٤

(وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا). (٧١)

يقال للخائب : ارتدّ على عقبيه.

(اسْتَهْوَتْهُ).

استزلته. من الهوي. يقال : هوي يهوى من الهوى ، وهوى يهوي من الهوي.

وقيل : استمالته ، من الهوى ، وقد ذكرهما في قول الشاعر :

٣٧١ ـ وما زرتكم عمدا ولكنّ ذا الهوى

إلى حيث يهوى القلب تهوي به الرّجل (١)

(فِي الصُّورِ). (٧٣)

أي في الصّور (٢) ، تجمع الصورة عليهما ، كالسّور والسور في جمع سورة. قال العجّاج :

٣٧٢ ـ يا ربّ ذي سرادق محجور

سرت إليه في أعالي السّور (٣)

(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ). (٧٥)

قيل : إنه أسري به. وقيل : كشف له عن السموات والأرض وما فيهما.

__________________

(١) البيت لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي. وهو في خاص الخاص ص ١١٣ ؛ وديوانه ص ٨٧ ؛ ويتيمة الدهر ٣ / ٨٩.

(٢) أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصور؟ فقال : هو قرن ينفخ فيه. المستدرك ٢ / ٤٣٦ ؛ والعارضة ٩ / ٢٦٠ ؛ وسنن أبي داود ٤٧٤٢. وأخرج أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : النافخان في السماء الثانية ، رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب ، وينتظران متى يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخا».

(٣) البيت في مجاز القرآن ١ / ٥ ؛ وكتاب سيبويه ٢ / ٢٤٥ ؛ ولسان العرب مادة : سور. وديوانه ص ١٥.

٣٣٥

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ). (٧٦)

يقال : جنّة جنانا وجنونا ، وأجنّه إجنانا : إذا غشيه. قال الهذلي :

٣٧٣ ـ وماء وردت قبيل الكرى

وقد جنّه السّدف الأدهم (١)

وإنما جنّ عليه لأنّه نظير أظلم عليه.

(هذا رَبِّي).

قاله على سبيل الحجة وتقرير الإلزام ، وهو الذي يسميه أصحاب القياس القياس الخفي ، وهو أن يفرض الأمر الواجب على وجوده ، ولا يمكن للبحث به الوجه الممكن.

ويقال : إنه على الاستفهام والإنكار وإن لم يذكر حرف الاستفهام كقوله : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ).(٢)

قال :

٣٧٤ ـ لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان (٣)

وزعمت الرواة أنه عليه‌السلام لما ولد خبّىء في مغارة ؛ لئلا يقتله نمروذ ، فبقي فيها ثلاث عشرة سنة فيها ، لا يرى أرضا ولا سماء ثم أخرجته

__________________

(١) البيت في تفسير الماوردي ١ / ٥٣٩ ؛ ولسان العرب مادة : سدف ، وهو للبريق الهذلي واسمه عياض بن خويلد. راجع ديوان الهذليين ٣ / ٥٦ ؛ وهو في الأضداد لقطرب ص ٧٨. والسدف : الليل ، والأدهم : الأسود.

(٢) سورة الأنبياء : آية ٣٤.

(٣) البيت لعمر بن أبي ربيعة ، وهو في الكتاب ١ / ٤٨٥ ؛ وشرح الأبيات للسيرافي ٢ / ١٥٢ ؛ والمقتضب ٣ / ٢٩٤ ؛ والكامل للمبرد ٢ / ٢٤٥ ؛ ومغني اللبيب رقم ٥ ؛ وتفسير القرطبي ٧ / ٢٧ ؛ وديوانه ص ٣٩٩.

٣٣٦

أمه ذات ليلة فرأى كوكبا ، فقال ما اقتصه الله من شأنه ، وجعل يظن وينفي الظنّ بالدليل ، حتى استوى به الفكر على معرفة الله عزوجل (١).

(أَتُحاجُّونِّي). (٨٠)

أصله : أتحاجونني ، كقوله : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا)(٢) ، فالأولى علامة الرفع في الفعل ، والثانية زيدت ليسلم بها الفعل من الجرّ ، فاجتمع مثلان فوجب تخفيفهما إمّا : بالحذف ، وإمّا بالإدغام.

(وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً).

بأن يحييه ويقدره عليه. وقيل : معناه لكن أخاف مشيئة ربي فيكون الاستثناء منقطعا.

(وَالْيَسَعَ). (٨٦)

إنما دخلته الألف واللام ؛ إما لأنه اسم أعجمي وافق أوزان العرب ، كما قال الشاعر :

٣٧٥ ـ وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله (٣)

وإمّا أن يكون عربيا كاليسر ، أو هو فعل المضارع ، والألف واللام بمعنى الذي ، لا للتعريف كأنه : الذي يسع خيره وبركته ، كما قال :

__________________

(١) هذه القصة أخرجها ابن أبي حاتم عن السدي. راجع الدر المنثور ٣ / ٣٠٤ وهي ضعيفة. ـ وأخرج أبو الشيخ والبيهقي وابن مردويه عن معاذ بن جبل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أبصر عبدا على خطيئة فدعا عليه ، ثم أبصر عبدا على خطيئة فدعا عليه ، فأوحى الله إليه : يا إبراهيم إنك عبد مستجاب الدعوة فلا تدع على أحد ، فإني من عبدي على ثلاث : إما أن أخرج من صلبه ذرية تعبدني ، وإما أن يتوب في آخر عمره فأتوب عليه ، وإما أن يتولى فإنّ جهنم من ورائه.

(٢) سورة البقرة : آية ١٣٩.

(٣) البيت لابن ميادة الرماح بن أبرد ، وهو في معاني القرآن للفرّاء ١ / ٣٤٢ ؛ وتفسير القرطبي ٧ / ٣٣ ؛ ومغني اللبيب رقم ٦٣ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٢٢٦ ؛ وديوانه ص ١٩٢.

٣٣٧

٣٧٦ ـ ويستخرج اليربوع من نافقائه

ومن بيته ذي الشّيخة اليتقصّع (١)

أي : الذي يتقصع.

(فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ). (٨٩)

أهل مكة.

(فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً).

يعني : أهل المدينة.

(فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ). (٩٠)

هذه هاء الضمير للمصدر المقدّر ، وليس التي للوقف ، وتقديره : فبهداهم اقتد اقتداء.

قال :

٣٧٧ ـ هذا سراقة للقرآن يدرسه

والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب (٢)

والهاء في يدرسه للمصدر ، وليس للمفعول به ، لأنه تعدى إليه الفعل باللام.

وقيل : إنها للاستراحة ، ولهذا يصح الوقف عليها.

__________________

(١) البيت لذي الخرق الطّهوي وهو جاهلي. والبيت في خزانة الأدب ١ / ٣٥ ؛ وتفسير القرطبي ٧ / ٣٣ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٦٧ ؛ وابن يعيش ٣ / ١٤٤. اليربوع : دويبة تحفر الأرض ، وحجره يسمى النافقاء ، واليتقصّع : الذي يتقصع ، يقال : تقصع اليربوع دخل في قاصعائه ، وهو حجره.

(٢) في المخطوطة [عند الرس] وهو تصحيف. البيت من شواهد سيبويه ١ / ٤٣٧ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٣ ؛ ومغني اللبيب رقم ٣٩٧ ؛ وأمالي ابن الشجري ١ / ٣٣٩ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٣. ولم يعلم قائله. قال الأعلم : هجا هذا الشاعر رجلا من القرّاء نسب إليه الرياء وقبول الرشا والحرص عليها.

٣٣٨

(ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ). (٩١)

إنما لم يجزم (يَلْعَبُونَ) لأنه ليس بجواب بالأمر ، ولكنه توبيخ في موضع الحال ، كأنه : ثم ذرهم في خوضهم لاعبين ، وكذلك من ضمّ : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي)(١) ضمّه على الحال ، أي : وليّا وارثا لي.

(فُرادى). (٩٤)

جمع فريد ، مثل رديف وردافى. أو جمع فردان كسكران وسكارى.

(تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ). (٩٤)

ذهب تواصلكم ، عن مجاهد. والبين ليس بظرف هنا ، ولكنه اسم للوصل ، وهو من الأضداد يتناول الهجر والوصل ، قال الله تعالى : (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ)(٢) ، وقال : (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما)(٣).

وقال أبو علي : هو في الأصل ظرف ، إلا أنّه عند الاتساع يستعمل اسما ، ويخلع عنه معنى الظرف.

كما قال الهذلي :

٣٧٨ ـ فلاقته ببلقعة براز

فصادف بين عينيها الجبوبا (٤)

__________________

(١) سورة مريم : آية ٥. وهي قراءة جميع القراء عدا أبي عمرو والكسائي فقد قرآ بالجزم. راجع الإتحاف ص ٢٩٧.

(٢) سورة الأنفال : آية ١.

(٣) سورة الكهف : آية ٦١.

(٤) البيت لأبي خراش الهذلي. والبلقعة : المستوي من الأرض ، والبراز : الفضاء البارز. والجبوب : الأرض. قال أبو سعيد : يقول أهل الحجاز : أخذ جبوبة من الأرض. أي : مدرة ، يقول : حين مرّت تريد الغزال أخطائه فصكت الجبوب برأسها. وهو في اللسان : بين ؛ وديوان الهذليين ٢ / ٣٤.

٣٣٩

ـ وأمّا من نصبه فقد أقرّه على الظرف. وهو عند الكوفيين : تقطّع ما بينكم ، فحذف «ما» ، وعند البصريين : تقطع الأمر أو السبب بينكم ، وينكرون مذهب الصلة.

(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً). (٩٦)

أي : حسابا ، مثل : شهاب وشهبان ، وذلك على معنيين :

أحدهما : أنّ سيرهما في منازلهما بحسبان معلوم.

والثاني : أن حساب الشهور والأعوام بمسيرهما (١).

(فَمُسْتَقَرٌّ). (٩٨)

في الصلب (وَمُسْتَوْدَعٌ) في الرحم.

وقيل : مستقر على الأرض ، ومستودع في القبر.

(فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ). (٩٩)

أي : رزق كل شيء.

(حَبًّا مُتَراكِباً).

أي : السنبل الذي تراكب حبّه.

(وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ).

ذكر الطلع ، ولم يقل : من النخل قنوان لما كان الطلع طعاما لذيذا ، وإداما نافعا ، ولم يكن كسائر أكمام الثمار. والقنو : العذق. وقال الشماخ :

__________________

(١) أخرج ابن شاهين والطبراني والحاكم والخطيب عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ خياركم عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلّة لذكر الله. راجع الدر المنثور ٣ / ٣٢٧ ؛ والمستدرك ١ / ٥١ وصححه وأقرّه الذهبي.

٣٤٠