وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

سورة المائدة (١)

(لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ). (٢)

أي : معالم الحج ومناسكه.

(وَلَا الْهَدْيَ).

ما يهدى إلى البيت فلا يذبح حتى يبلغ الحرم.

(وَلَا الْقَلائِدَ).

كان الرجل في الجاهلية يتقلّد من لحاء شجر الحرم ليأمن كما قال الهذلي :

٣١٢ ـ ألا أبلغا جلّ السواري ومالكا

وأبلغ بني ذي السهم عني ويعمرا

٣١٣ ـ ألم تقتلوا الحرجين إذ أعورا لكم

يمرّان في الأيدي اللحاء المضفّرا (٢)

__________________

(١) أخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : أنزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته ، فلم تستطع أن تحمله. وأخرج أحمد والحاكم وصححه والنسائي عن جبير بن نفير قال : حججت فدخلت على عائشة ، فقالت لي : يا جبير ، تقرأ المائدة؟ فقلت : نعم ، فقالت : أما إنها آخر سورة نزلت ، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه ، وما وجدتم من حرام فحرّموه.

(٢) البيتان لحذيفة بن أنس الهذلي. وقوله : السواري منسوب إلى سارية بن الديل ، والحرجان رجلان شبههما من بياضهما بودعتين. يقول : قتلوهما وهما في حرمه ، قد أخذا ـ

٣٠١

أي : لحاء شجر الحرم تعوذا ، فأقر الله هذا على الإسلام ، وأمر أن لا يحلوا من تقلّد به (١).

وقيل : على عكس هذا ، أي : منع التقلّد به وأمر أن لا تحلوا القلائد لئلا يتشذب (٢) شجر الحرم.

(وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ).

أي : ولا تحلّوا البيت ، أي : ولا تحلّوا قاصدي البيت.

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ).

لا يحملنّكم ، وقيل : لا يكسبنّكم (٣) ، وجريمة القوم : كاسبهم (٤).

__________________

ـ من لحاء شجر الحرم مضفّرا. راجع ديوان الهذليين ٣ / ١٨ ـ ١٩. وفي المخطوطة [جدّ] و [المعصفر] وكلاهما تصحيف ، والثاني في اللسان مادة حرج ٢ / ٢٣٦ ؛ والعقد الفريد ٦ / ٨٣.

(١) قال ابن عباس : آيتان نسختا من المائدة : آية القلائد ، وقوله : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ). فأما القلائد فنسخها الأمر بقتل المشركين حيث كانوا ، وفي أي شهر كانوا. وأما الأخرى فنسخها قوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ). راجع تفسير القرطبي ٦ / ٤٠. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) ، قال : القلائد : اللحاء في رقاب الناس أمانا لهم. والصفا والمروة والهدي والبدن كل هذا من شعائر الله ، قال أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا كله من عمل الجاهلية فعله وإقامته ، فحرم الله ذلك كله بالإسلام إلا اللحاء القلائد ترك ذلك. ـ وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في الآية قال : أما القلائد فإن أهل الجاهلية كانوا ينزعون من لحاء السمر ، فيتخذون منها قلائد يأمنون بها في الناس ، فنهى الله عن ذلك أن ينزع من شجر الحرم.

(٢) الشّذب : القشور ، وشذّب الشجرة : قشرها. اللسان : شذب.

(٣) وفي المخطوطة : (لا يلبسنكم) وهو تصحيف ظاهر ، وهذا قول أبي عبيدة والفراء.

(٤) يقال : فلان جريمة أهله : أي كاسبهم ، فالجريمة والجارم بمعنى الكاسب ، وأجرم فلان اكتسب الإثم. راجع القرطبي ٦ / ٤٥.

٣٠٢

قال الهذلي :

٣١٤ ـ بها كان طفلا ثمّ أسدس فاستوى

فأصبح لهما في لهوم قراهب

٣١٥ ـ أتيح له يوما وقد طال عمره

جريمة شيخ قد تحنّب ساغب (١)

(شَنَآنُ قَوْمٍ).

بغضهم ، وفيه ثلاث لغات : شنآن وشنأن وشنان.

قال الأحوص :

٣١٦ ـ إذا كنت عزهاة عن اللهو والصبى

فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

٣١٧ ـ فما العيش إلا ما تلذّ وتشتهي

وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا (٢)

وروي : [وإن لام ذو الشنآن فيه وفنّدا].

(أَنْ صَدُّوكُمْ).

أي : بأن صدوكم ، أو : لأن ، عن أبي عمرو : إنّ فيه تقديما وتأخيرا ، أي : لا يجر منكم شنآن قوم أن تعتدوا إن صدّوكم.

__________________

(١) البيتان لصخر الغي الهذلي. قوله : أسدس : وقع سديسه ، وهو السنّ الذي يلي الرباعية. واللهم : المسنّ. والقراهب : المسانّ. وقوله تحنّب : احدودب. والساغب : الجائع. وفي المخطوطة [قزاهب] بالزاي ، و [تجنّب] بالجيم ، وكلاهما تصحيف. والأول منهما في اللسان مادة لهم ١٢ / ٥٥٥. راجع ديوان الهذليين ٢ / ٥٣ ـ ٥٤.

(٢) البيتان للأحوص بن عبد الله ، عدّه ابن سلام في الطبقة السادسة من الشعراء الإسلاميين. وفي المخطوطة (ندا) بدل [فندا] وهو سقط. والبيتان في طبقات الشعراء ص ١٨٩ ؛ والأغاني ١٣ / ١٥٣ ؛ وديوانه ص ٩٨. والثاني منهما في تفسير الطبري ٦ / ٣٧ ؛ ولسان العرب مادة شنأ ، ومجاز القرآن ١ / ١٤٧ ؛ ومجمل اللغة ٢ / ٤٩٩. والعزهاة : الذي لا يطرب للهو ولا امرأة. والأول في المذكر والمؤنث لابن الأنباري ص ٥٨٥ ولم ينسبه المحقق د. طارق الجنابي وفي اللسان مادة : عزه.

٣٠٣

(وَالْمُنْخَنِقَةُ). (٣)

التي تموت بالخنق.

(وَالْمَوْقُوذَةُ).

التي تضرب ضربا مبرّحا حتى تموت ، تزعم المجوس أنه أرخص (١) للحمها.

(وَالْمُتَرَدِّيَةُ).

بالهاوية من جبل ، أو في بئر.

(وَالنَّطِيحَةُ).

إذا نطحتها أخرى فماتت ، وجاءت النطيحة بالهاء ـ وإن كان فعيلا بمعنى مفعول ـ للمبالغة ، كالعلّامة والنسّابة.

(وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ).

جمع واحدها : نصاب. وقيل : واحد ، وجمعه : أنصاب ونصائب ، قال الفرزدق :

٣١٨ ـ ومالئة الحجلين لو أنّ ميتا

ولو كان في الأكفان تحت النصائب

٣١٩ ـ دعته لألقى الترب عنه انتفاضه

ولو كان تحت الراسيات الرّواسب (٢)

(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا).

__________________

(١) الرّخص : الشيء الناعم اللين. وانظر الحيوان ٤ / ٩٥.

(٢) البيتان في ديوان الفرزدق ١ / ٩٨. والحجلان مثنى حجل وهو الخلخال. ويروى [وإن كان] بدل [ولو كان]. والنصائب : جمع نصيبة ، وهي الحجارة التي حول القبر.

٣٠٤

أي : تطلبوا من الأقسام بضرب الميسر (١).

(وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ). (٤)

الكواسب ، أنشد الأصمعي :

٣٢٠ ـ بعثت قلوصي فاستجابت جوارحي

وظنت ظنونا فاستحالت ظنونها

٣٢١ ـ فآليت لا أنفكّ أبعث ناقتي

بشيء سوى مرعا باد طنينها

(مُكَلِّبِينَ).

ذوي كلاب ، وقيل : معلمين الكلاب للصيد ، كالمؤدّب يعلّم الأدب.

وقيل : مضرّين من التضرية والإغراء على الصيد ، ويكون بمعنى مكلبين.

يقال : أكلبت الكلب وأسدّته : ضريته.

وقال أبو عبيدة : أكلبت وكلّبت واحد ، وأنشد ـ وهو من غريب المجانس في شعر العرب ـ :

٣٢٢ ـ وإني وإياها إذا ضمّنا الهوى

كنجمين لاحا في السماء تلألأا

٣٢٣ ـ أعانقها طورا وطورا تضمّني

وطورا ككلّاب إذا ما تلألاءا (٢)

__________________

(١) عن سعيد بن جبير قال : كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا في سفر جعلوا قداحا للخروج وللجلوس ، فإن وقع الخروج خرجوا ، وإن وقع الجلوس جلسوا. وأخرج الطستي أنّ نافع بن الأزرق قال لابن عباس : أخبرني عن قوله : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ)؟ قال : الأزلام : القداح. كانوا يستقسمون الأمور بها ، مكتوب على أحدهما : أمرني ربي ، وعلى الآخر : نهاني ربي ، فإذا أرادوا أمرا أتوا بيت أصنامهم ، ثم غطوا على القداح بثوب فأيهما خرج عملوا به. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الحطيئة وهو يقول :

لا يزجر الطير إن مرّت به سنحا

ولا يفاض على قدح بأزلام

ـ وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لن يلج الدرجات العلى من تكهّن أو استقسم أو رجع من سفر تطيرا.

(٢) هذا النقل عن أبي عبيدة ليس موجودا في مجاز القرآن.

٣٠٥

قال : الذي الثور الوحشي (١).

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ). (٦)

خفض أرجلكم على مجاورة اللفظ كقولهم : جحر ضبّ خرب ، وهو في الشعر كثير ومن الكلام فصيح. قال دريد بن الصمة :

٣٢٤ ـ فجئت إليه والرّماح تنوشه

كوقع الصياصي في النّسيج الممدّد

٣٢٥ ـ فطاعنت عنه الخيل حتى تنهنهت

وحتى علاني حالك اللون أسود (٢)

وقال الفرزدق :

٣٢٦ ـ ألستم عائجين بنا لعنّا

نرى العرصات أو أثر الخيام

٣٢٧ ـ وكيف إذا رأيت ديار قوم

وجيران لنا كانوا كرام (٣)

فجرّ الكرام على جوار الجيران.

__________________

(١) لم تظهر لنا العبارة. وهكذا في المخطوطتين.

(٢) البيتان في خزانة الأدب ٥ / ٩١ ؛ وشرح الحماسة ٢ / ١٥٧ ؛ والشعر والشعراء ص ٥٠٥ ؛ وديوانه ص ٤٨. والصياصي : جمع صيصة وهي شوكة يمرها الحائك على الثوب حين ينسجه. ويروى : [تبددت] بدل تنهنهت.

(٣) البيتان من قصيدة للفرزدق يمدح بها هشام بن عبد الملك ويهجو جريرا ، قوله : عائجين من عجت البعير : إذا عطفت رأسه بالزمام ، ولعنّا : لغة في لعلّ .. وعرصة الدار : ساحتها. والبيتان في خزانة الأدب ٩ / ٢٢٢ ؛ وديوان الفرزدق ٢ / ٢٩٠ ؛ طبقات فحول الشعراء ١ / ٣٦٥. والثاني يروى [فكيف إذا مررت بدار قوم] وهو في المقتضب ٤ / ١١٧ ؛ وكتاب سيبويه ١ / ٢٨٩ ؛ وشرح ابن عقيل ١ / ٢٨٩ ؛ ومغني اللبيب رقم ٥٢٦.

٣٠٦

وقد قرىء (وَأَرْجُلَكُمْ)(١) بالنصب عطفا على قوله : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ).

وإنما يجوز مثل هذا في الكلام الهجين المعقد ، والمريج المختلط ، دون العربي المبين. وهل في جميع القرآن مثل : رأيت زيدا ومررت بعمرو وخالدا؟!

ولهذا قدّر الكسائي فيه تكرار الفعل ، أي : واغسلوا أرجلكم.

ولهذا قراءة الحسن (وأرجلكم) (٢) بالرفع على الابتداء المحذوف الخبر ، أي : وأرجلكم مغسولة ؛ لئلا يحتاج إلى اعتبار المجاز توقّى العطف عما يليه.

فالأولى إذا أن يكون معطوفا على مسح الرأس في اللفظ والمعنى ، ثمّ نسخ بدليل السنة ، وبدليل التحديد إلى الكعبين ، لأن التحديد يكون في المغسول.

قال الشعبي : جاء القرآن بالمسح ، والسنة بالغسل (٣).

(وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ). (٧)

__________________

(١) قرأ بالنصب نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب. وحجة النصب أنه عطفه على الوجوه والأيدي ، وكان ذلك أولى عنده ، لما ثبت من السنة والإجماع على غسل الأرجل ، فعطف على ما عمل فيه الغسل ، وقوّى ذلك أنه لما كانت الأرجل مجرورة في الآية كان عطفها على ما هو مجرور مثلها أولى من عطفها على غير مجرور ، وأيضا فإن الخفص يقع فيه إشكال من إيجاب المسح أو الغسل ، وعطفه على الوجوه ونصبه ليخرجه من الإشكال ، وليحقق الغسل الذي أريد به وهو الفرض. راجع الكشف عن وجوه القراءات ١ / ٤٠٧.

(٢) راجع الإتحاف ص ١٩٨ ؛ وهي قراءة شاذة.

(٣) أخرجه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص ١٤٩ ، فعند الشعبي : الآية جاءت بالمسح ، ثم نسخ المسح بالغسل الذي جاءت به السنة.

٣٠٧

أي : بيعة الرسول على طاعته (١).

وقيل : هو ما في العقول من أدلة التوحيد.

(نَقِيباً). (١٢)

حفيظا عارفا ، والناقب : الباحث المنقب عن الشيء.

(وَعَزَّرْتُمُوهُمْ).

عزرته أعزره عزرا : إذا أحطته وكفيته ، وعزّرته : فخّمت أمره وعظّمته.

فكأنه لقربه من الأزر كانت التقوية معناه ، أو قريبا منه.

ونحوه حزر اللبن : إذا حمض فقوي واشتد ، وكذلك الغلام إذا قوي واشتد يقال له : الحزوّر ، وهو فعوّل من اللبن الحازر ، وهذا من تلامح كلام العرب.

ومثله : (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)(٢) ، أي : تزعجهم ، في معنى تهزهم.

هذا ، ومثله كثير ، إلا أنّا لسنا فيه.

(عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ). (١٣)

الخائنة إما مصدر كالخاطئة والكاذبة ، وإما اسم كالعافية والعاقبة (٣).

__________________

(١) قال البيضاوي : يعني الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ، أو ميثاق العقبة أو بيعة الرضوان. اه. وأضاف سبحانه الميثاق لنفسه بناء على أنّ من بايع رسول الله فهو مبايع لله. راجع الشيخ زاده على البيضاوي ٣ / ٩٩.

(٢) سورة مريم : آية ٨٣.

(٣) أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر في الآية عن مجاهد قال : هم يهود ، مثل الذي هموا به من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم دخل عليهم حائطهم. انظر تفسير مجاهد ص ١٩١ ، والدر المنثور ٣ / ٤١.

٣٠٨

(وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ). (١٥)

لمّا أخبرهم بالرحمن من التوراة أخبرهم بعلمه غير ذلك ليتركوا المجاحدة.

(وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها). (٢٢)

هي أريحا.

(كَتَبَ اللهُ لَكُمْ). (٢١)

الذين كتب الله لهم دخولها غير الطائفة التي حرمت عليهم أربعين سنة ، دخلوها بعد موت موسى بشهرين مع يوشع بن نون.

(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ). (٣٠)

فعّلت من الطاعة ، أي : أطاعته وساعدته.

(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ). (٣٢)

من سبب ذلك.

(فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً).

بما سنّ القتل ونهج طريقه لغيره.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «على ابن آدم القاتل أولا كفل من إثم كلّ قاتل ظلما» (١).

وقال : [من سنّ سنّة حسنة ..](٢) الخبر.

__________________

(١) الحديث أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه أول من سنّ القتل». انظر فتح الباري ٦ / ٢٦٢ ؛ ومسلم رقم ١٦٧٧ ؛ والمسند ١ / ٣٨٣.

(٢) الحديث : [من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من ـ

٣٠٩

ومنه قول الهذلي :

٣٢٨ ـ فلا تجزعن من سنّة أنت سرتها

فأوّل راض سنّة من يسيرها (١)

(وَمَنْ أَحْياها).

أنقذها من هلكة في الدين والدنيا.

(أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ). (٣٣)

أي : يحبسوا (٢) ؛ لأنّه لا يجوز إلجاؤهم إلى دار الحرب.

قال بعض المسجونين : ـ فعدّ السجن خروجا من الدنيا ، والنفي بمعناه ـ :

٣٢٩ ـ خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها

فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا

٣٣٠ ـ إذا جاءنا السّجان يوما لحاجة

عجبنا وقلنا جاء هذا من الدّنيا (٣)

(وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ). (٤١)

__________________

ـ غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ، ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء]. الحديث أخرجه مسلم برقم ١٠١٧ والنسائي والترمذي وغيرهم. راجع مختصر الترغيب والترهيب ص ١٨.

(١) البيت لخالد بن زهير الهذلي وهو في الخزانة ٨ / ٥١٥ ؛ وديوان الهذليين ١ / ١٥٧ ؛ ومجمل اللغة ٢ / ٤٥٥.

(٢) وهذا قول أبي حنيفة ومالك. قال ابن العربي : والحق أن يسجن ، فيكون السجن نفيا له من الأرض. راجع أحكام القرآن لابن العربي ٢ / ٦٠٠.

(٣) في المخطوطة : [من الأحياء فيها ولا الموتى]. والبيتان لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وبعدهما :

ونفرح بالرؤيا فجلّ حديثنا

إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرّؤيا

فإن حسنت كانت بطيئا مجيئها

وإن قبحت لم تنتظر وأتت سعيا

راجع المحاسن والأضداد ص ٣٥ ؛ وديوانه ص ٩٦. وتنسب لصالح بن عبد القدوس.

٣١٠

أي : عذابه ، كقوله : (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)(١).

(وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ). (٤٨)

أي : أمينا عليه. وقيل : شاهدا. يقال : هيمن عليه : إذا شاهده وحفظه ، وهو مفيعل من الأمان ، مثل : مسيطر ومبيطر ، فأبدلت الهاء من الفاء وهي همزة ، وليست الياء للتصغير ، وإنما هي لحقت فعل فألحقته بذوات الأربعة.

(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ). (٥٢)

أي : في الكفار ، أي : في مرضاتهم وولايتهم.

(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ). (٥٤)

ليّنين ، كما قال الراعي :

٣٣١ ـ وكان عديد الحي فيها ولم يكن

تميل على المولى وإن كان أقلّما

٣٣٢ ـ حفاظا على الأسباب حتى تخالنا

أذلّ وإن كنّا أعزّ وأكرما (٢)

(وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ). (٥٨)

أذّنتم (٣). قال أبو دهبل :

٣٣٣ ـ وأبرزتها في بطن مكة بعدما

أصات المنادي للصلاة وأعتما (٤)

__________________

(١) سورة الذاريات : آية ١٣.

(٢) البيتان ليسا في ديوانه.

(٣) أخرج البيهقي عن ابن عباس في الآية قال : كان منادي رسول الله إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود : قد قاموا لا قاموا ، فإذا رأوهم ركعا وسجدا استهزؤوا بهم وضحكوا منهم.

(٤) في المخطوطة [خرجت بها] بدل [وأبرزتها]! وفيها [أضاءت] بدل [أصات] وهو تصحيف. والبيت في العقد الفريد ٧ / ٦٦ ؛ والأغاني ٣ / ١١ وهو لأبي دهبل الجمحي ؛ وفي المخطوطة [أبو دهل] وهو تصحيف.

٣١١

(هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا). (٥٩)

تكرهون وتعيبون. قال عبيد الله بن قيس :

٣٣٤ ـ ما نقموا من بني أميّة إلا

أنهم يحلمون إن غضبوا

٣٣٥ ـ وأنهم معدن السماح فلا

تقيم إلا عليهم العرب (١)

(وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ). (٦٠)

الشيطان الذي سول لهم عبادة العجل ، فعطف الفعل على مثله ـ وإن اختلفا في الفاعل ، كقوله : (شَيْطاناً مَرِيداً* لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ : لَأَتَّخِذَنَ)(٢).

ـ وقد ترتّب هذه الحروف لإشكالها بعدّة وجوه :

عبد الطاغوت اسم على فعل نحو حذر وفطن.

وعبد الطاغوت جمع عبيد ، أو جمع عبد كرهن ورهن ، أو جمع عابد كبازل وبزل وشارف وشرف.

وعبد الطاغوت جمع عابد ، وعبّاد الطاغوت كذلك ، كضارب وضرّاب وضرب.

وعباد الطاغوت جمع عابد كقائم وقيام ، وصائم وصيام ، وعبد الطاغوت على جهالة الفاعل. وعبدوا الطاغوت (٣).

وعبد الطاغوت كحطم ولبد ، وعبد الطاغوت ، أي : صار الطاغوت معبودا كفقه الرجل وظرف ، وعبد الطاغوت ، أي : عبدة فحذف التاء (٤).

__________________

(١) البيتان في طبقات الشعراء ص ١٨٧ ؛ وديوانه ص ٦٧ ؛ والأغاني ٤ / ٦٠ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٢٨٨. والأول منهما في تفسير القرطبي ٦ / ٢٣٤ ؛ وتفسير الطبري ٦ / ١٦٧ ؛ ومجاز القرآن ١ / ١٧٠.

(٢) سورة النساء : آية ١١٧ ـ ١١٨.

(٣) وهذا مرويّ عن ابن مسعود.

(٤) راجع معاني القرآن للزجاج ٢ / ١٨٨.

٣١٢

(وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ). (٦١)

أي : دخلوا وخرجوا بالكفر ، لا بما أظهروه لكم (١).

(لَوْ لا يَنْهاهُمُ). (٦٣)

هلا ينهاهم ، ولو لا : دخولها على الماضي بمعنى التوبيخ ، وعلى المضارع بمعنى التحريض ، قال الأشهب بن رميلة في المستقبل :

٣٣٦ ـ تعدّون عقر النيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنّعا (٢)

 ـ وقال آخر في الماضي :

٣٣٧ ـ وألهى بني حمّان عسب عتودهم

عن المجد لو لا سؤدد وسماح (٣)

(لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ). (٦٦)

جرى ذلك على مجاز قولهم : هو في الخير والسعة من قرنه إلى قدمه.

(مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ).

__________________

(١) أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : أناس من اليهود ، وكانوا يدخلون على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذي جاء به ، وهم متمسكون بضلالتهم وبالكفر ، فكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. انظر تفسير الطبري ٦ / ٢٩٦.

(٢) البيت نسبه المؤلف للأشهب بن رميلة ، وكذا ابن الشجري في أماليه ، قال البغدادي : والصحيح أنه من قصيدة لجرير لا خلاف بين الرواة أنها له. والبيت في إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٥٨ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٥٥ ؛ وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٧٩ ؛ وابن يعيش ٢ / ٣٨ ؛ وديوانه ص ٢٥٤.

(٣) البيت يروى :

وألهى بني حمّان عسب عتودهم

عن المجد حتى أحرزته الأكارم

وفي المخطوطة [عب] بدل [عسب] وهو تصحيف و [حمدان] بدل [حمان]. وبنو حمان يزعمون أنّ تيسهم قرع وألقح بعد أن ذبح وفخروا بذلك ، فقال الفرزدق يهجوهم ب وألهى ... والبيت في الحيوان ٥ / ٢١٩ ؛ وربيع الأبرار ٤ / ٤٩.

٣١٣

النجاشي والبحيرا (١) وأمثالهما ، القائلون في «عيسى» بالحق.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ). (٦٩)

رفع «الصابئون» على تقدير التأخير ، كأنه : ولا هم يحزنون والصابئون كذلك ، كما قال بشر بن أبي خازم :

٣٣٨ ـ وإلا فاعلموا أنّا وأنتم

بغاة ما بقينا في شقاق (٢)

أي : إنّا بغاة ما بقينا في شقاق ، وأنتم كذلك ، ولو كان (أنتم) عطفا على الضمير لكان منصوبا وكان «إياكم».

وقال الكسائي : هو عطف على ضمير «هادوا» ، أي : والذين هادواهم والصابئون.

وقال الفراء : إنما ارتفع بضعف عمل إنّ ، لا سيما وهو عطف على المضمر الذي لا يظهر فيه الإعراب (٣). يعني بالأول أنّ قولك : إنّ زيدا قائم ثمّ لا يتضمن معنى زائدا ، بخلاف ليت ولعلّ.

وبالثاني : إن العطف على الضمير غير مطرد حتى لا يجري في الضمير المجرور ، نحو مررت به وزيد.

__________________

(١) ويقال : اسمه أبرهة وهو أحد الثمانية الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة. راجع الإصابة ١ / ١٧. وقال القرطبي : (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) وهم المؤمنون منهم كالنجاشي وسلمان وعبد الله بن سلام ، اقتصدوا فلم يقولوا في عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسّلام إلا ما يليق بهما.

(٢) البيت لبشر من قصيدة يهجو بها أوس بن حارثة ، والبيت من شواهد سيبويه ١ / ٢٩٠ ؛ وشرح الأبيات لابن السيرافي ١ / ١٤ ؛ وإعراب القرآن للنحاس ١ / ٥٠٩ ؛ ومعاني القرآن للفراء ١ / ٣١١ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٢٩٣ ؛ وتفسير القرطبي ٦ / ٢٤٦ ، وديوانه ١٦٥.

(٣) وعبارة الفراء : فإنّ رفع الصابئين على أنه عطف على الذين ، و «الذين» حرف على جهة واحدة في رفعه ونصبه وخفضه ، فلمّا كان إعرابه واحدا ، وكان نصب «إنّ» ضعيفا ـ وضعفه أنه يقع على الاسم ولا يقع على خبره ـ جاز رفع الصابئين. معاني القرآن ١ / ٣١١.

٣١٤

(لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ). (٧٣)

«من» هذه لتبيين الجنس لا للتبعيض.

وقيل : معناه : إنّ منهم من يؤمن ، فجعل الوعيد لمن بقي على الشرك.

(قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ). (٧٧) عن الهدى في الدنيا.

(وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ).

عن قصد طريق الجنة في الآخرة.

(قِسِّيسِينَ). (٨٢)

عابدين من النصارى ، وهو من الإتباع. يقال في إتباع الحديث : يقسّ ، وفي إتباع أثر الطريق : يقصّ ، جعلوا الأقوى لما فيه أثر مشاهد ، كما قالوا : الوصيلة في الاتصال والمماسة الحسية ، والوسيلة في القربة ، وقالوا : صعد في الجبل لما يشاهد ، وسعد لما لا صعود فيه حسا ، ولكن فيه صعود الجد وإعلاؤه ، وكذلك الفسيل في النخيل التي التلاقح والنتاج فيه خفي ، والفصيل في الإبل.

ـ الجزء السّابع ـ

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ). (٩٠)

الخمر : عصير العنب الذي اشتد (١) ، وليس بالنبيذ في اللغة بدليل قول أبي الأسود :

٣٣٩ ـ دع الخمر يشربها الغواة فإنني

رأيت أخاها مغنيا بمكانها

__________________

(١) أخرج مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة. قال الجصاص : وهذا الخبر يقتضي نفي اسم الخمر عن الخارج من غير هاتين الشجرتين ؛ لأن قوله (الخمر) اسم للجنس فاستوعب بذلك جميع ما يسمى خمرا ، فانتفى بذلك أن يكون الخارج من غيرهما مسمى باسم الخمر. راجع أحكام القرآن ٢ / ٤٦٢ ؛ وصحيح مسلم رقم ١٩٥٨ ، وأبو داود رقم ٣٦٧٨.

٣١٥

٣٤٠ ـ وإلا يكنها أو تكنه فإنّه

أخوها غذته أمّه بلبانها (١)

والشيء لا يكون أخا نفسه.

والميسر : تداول المال بالقمار والخطار (٢) ، مأخوذ من تيسير أمر الجزور (٣) بالمناهدة (٤) ، والقمر (٥).

قال المازني :

٣٤١ ـ فقصرت يومهم برنّة شارف

وسماع مدجنة وميسر جازر (٦)

(إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا). (٩٣)

الاتقاء الأول : فعل الاتقاء ، والثاني : دوامه ، والثالث : اتّقاء مظالم العباد ، بدليل ضم الإحسان إليه (٧).

(فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ). (٩٥)

أي : الواجب الجزاء الذي هو مثل ما قتل ، فيكون الجزاء والمثل بمعنى واحد.

__________________

(١) البيتان في خزانة الأدب ٥ / ٣٢٧ ؛ واللسان : مادة كون ، وديوان أبي الأسود الديلي ص ١٢٨. والثاني في كتاب سيبويه ٢ / ٢١ ؛ وابن يعيش ٣ / ١١٧ ؛ وأصول ابن السراج ١ / ٩١ ؛ واللسان مادة كنن ١١ / ٣٧١.

(٢) الخطار والخطر : الرهن.

(٣) في اللسان : وتسمّى قوائم البعير ورأسه جزارة ؛ لأنها كانت لا تقسم في الميسر ، وتعطى الجزّار.

(٤) المناهدة في الحرب : المناهضة.

(٥) يقال : تقمّرها : طلب غرّتها وخدعها ، وكأنّ القمار مأخوذ من الخداع. اللسان : قمر.

(٦) البيت لثعلبة بن صعير المازني ، وهو في المفضليات ص ١٣٠ ويروى و [وجدوى جازر] ؛ والشارف : الناقة المسنة ، المدجنة : القينة.

(٧) أخرج البخاري عن أنس قال : كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة ، فنزل تحريم الخمر ، فأمر مناديا ينادي ، فقال أبو طلحة : اخرج فانظر ما هذا الصوت؟ قال : فخرجت فقلت : هذا مناد ينادي ألا إنّ الخمر قد حرّمت ، فقال : اذهب فأهرقها ـ وكان الخمر من الفضيخ ـ قال : فجرت في سكك المدينة ، فقال بعض القوم : قتل قوم وهي في بطونهم ، فأنزل الله عزوجل : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا). الآية. انظر فتح الباري ٨ / ٢٧٨.

٣١٦

وإضافة الجزاء إلى المثل من إضافة الشيء إلى نفسه ، مثل : حق اليقين ، وحبل الوريد ، أي : الحق الذي هو اليقين. وقيل : المثل صلة في الكلام ؛ لأنّ عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله ، كما قال دريد بن الصمة :

٣٤٢ ـ وقاك الله يا بنت آل عمرو

من الأزواج أمثالي ونفسي

٣٤٣ ـ وقالت : إنّه شيخ كبير

وهل نبأتها أني ابن أمس (١)

وقال معوّد الحكماء :

٣٤٤ ـ حملت حمالة القرشيّ عنهم

ولا ظلما أردت ولا اختلابا

٣٤٥ ـ سبقت بها قدامة أو سميرا

ولو دعيا إلى مثل أجابا (٢)

(يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ).

سأل أعرابي محرم عمر في خلافته قال : قتلت غزالا؟ فأقبل عمر على عبد الرحمن بن عوف ، فقال : أي شيء فيها؟ فقال : جفرة ـ وهي الصغيرة من الضأن كالعناق من المعزى ـ فانفتل الأعرابي وهو يقول : لم يعلم أمير المؤمنين ما فيها حتى سأل ، فدعاه عمر وعلاه بالدرة : تقتل الصيد وأنت حرم وتغمط (٣) الفتيا يالكع ، ألم تسمع الله يقول : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ)(٤).

__________________

(١) البيتان لدريد قالها في الخنساء وكان خطبها فكرهته لكبره وهما في ديوانه ص ٨٢ ـ ٨٣.

وبعدهما يقول :

فلا تلدي ولا ينكحك مثلي

إذا ما ليلة طرقت بنحس

وفي المخطوطة [وقال] بدل [وقاك] تصحيف وفي رواية [وتزعم أنني شيخ].

(٢) في المخطوطة [إجلابا] بدل [أجابا] وهو تصحيف. ومعوّد الحكماء اسمه معاوية بن مالك. والبيتان في شرح المفضليات للتبريزي ٣ / ١٤٨١ ؛ والمفضليات ص ٣٥٨ ؛ والأصمعيات ص ٢١٤ ؛ والاختلاب : الخداع.

(٣) أي : تحتقر الفتيا وتستهين بها ، انظر اللسان : غمط.

(٤) القصة أخرجها عبد بن حميد وابن جرير. وهي في الدر المنثور ٣ / ١٩١.

٣١٧

(صَيْدُ الْبَحْرِ). (٩٦)

وهو الطري.

(وَطَعامُهُ).

المالح (١).

(قِياماً لِلنَّاسِ). (٩٧)

عمادا وقواما ، قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ، والمراد : ما في المناسك من منافع الدين ، وما في الحج من معايش قريش وأهل مكة ، وما في الحرم والشهر الحرام وسوق الهدي ، والتقليد من أمنة الخائفين.

(ذلِكَ لِتَعْلَمُوا).

أي : لتعلموا أنّ من علم أموركم قبل خلقكم وما يجري من التفاسد والتعاور بينكم ، فجعل لكم حرما يؤمّن اللاجىء إليه ، ويقيم معيشة الثاوي فيه بالمتاجر المربحة والمواسم الجامعة ، ويقود العبد من نيل الرضى والفوز بالمغفرة ، ويؤلف الحال في القرب المختلفة ، وما يختص بتلك المواقف الشريفة ، هو الذي يعلم ما في السموات والأرض ولا يضيع عملا ولا يخيّب أملا.

(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) (١٠٣)

__________________

(١) أخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ) ، قال : ما لفظه ميتا فهو طعامه. انظر تفسير الطبري ٧ / ٦٩ ، ويروى موقوفا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة أنّ أبا بكر الصديق قال في قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ) ، قال : صيد البحر ما تصطاده أيدينا ، وطعامه ما لاثه البحر. وفي لفظ : طعامه كل ما فيه. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال : صيده الطري ، وطعامه المالح للمسافر والمقيم.

٣١٨

ـ البحيرة (١) : المشقوقة الأذن كما قال (٢) :

٣٤٦ ـ وأمسى فيكم عمران يمشي

يزين كأنّه جمل بحير

٣٤٧ ـ يروح بدار مضيعة ويغدو

سليبا ليس في يده نقير

وإنما البحيرة للجاهلية : هي الناقة نتجت خمسة أبطن فإن كان آخرها سقبا ، أي : ذكرا أكلوه وبحروا أذن النّاقة ، وخلوها ترعى لا تحلب ولا تركب ، وإن كانت الخامسة أنثى صنعوا بها هذا الصنيع دون أمها.

والسائبة : الإبل تسيّب بنذر أو بلوغ راكبها عليها حاجة في نفسها كما قال ابن رواحة :

٣٤٨ ـ إذا بلّغتني وحملت ظهري

مسيرة أربع دون الحساء

٣٤٩ ـ فشأنك فانعمي وخلاك ذم

ولا أرجع إلى أهلي ورائي (٣)

والوصيلة : الشاة ولدت سبعة أبطن ، فإن كان ذكرا وأنثى قالوا : وصلت أخاها.

__________________

(١) أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني لأعرف أول من سيّب السوائب ونصب النصب ، وأول من غيّر دين إبراهيم. قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : عمرو بن لحي أخو بني كعب لقد رأيته يجر قصبه في النار ، يؤذي أهل النار ريح قصبه. وإني لأعرف من بحر البحائر. قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : رجل من بني مدلج ، كانت له ناقتان فجدع آذانهما وحرم ألبانهما وظهورهما وقال : هاتان لله ، ثم احتاج إليهما فشرب ألبانهما وركب ظهورهما. قال : فلقد رأيته في النار وهما يقضمانه بأفواههما ويطآنه بأخفافهما.

(٢) البيتان للأبيرد الرياحي ، والأول في تفسير الماوردي ١ / ٤٩١.

(٣) البيتان في إصلاح الغلط في غريب الحديث لابن قتيبة مخطوطة ص ٨ ، وغريب الحديث ١ / ٦٨ وفيه [فزادك أنعم] بدل [فشأنك] وهما في الكامل لابن الأثير ٢ / ٢٣٦ ؛ واللسان مادة خلا وحسا ؛ والكامل للمبرد ١ / ٧٦. والحساء : موضع.

٣١٩

والحامي : الفحل يضرب في الإبل عشر سنين فيخلّى ويصير ظهرها حمى لا يركب.

وقيل : الحامي : الذي نتج ولده.

(عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ). (١٠٥)

نصب على الإغراء ، أي : احفظوا أنفسكم ، والإغراء بعليك وإليك وعندك ودونك.

(لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ).

أي : في الآخرة. أمّا الإمساك عن إرشاد الضالّ وترك المعروف فلا سبيل إليه ، كذلك فسّره أبو بكر الصديق رضي الله عنه (١).

(شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ).(٢) (١٠٦)

أي : أسبابه.

(اثْنانِ). أي : شهادة اثنين.

__________________

(١) وذلك ما أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي عن قيس قال : قام أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ، لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب». انظر المسند ١ / ٥ ؛ وعارضة الأحوذي ١١ / ١٨١ ؛ وسنن أبي داود ٤٣٣٨.

(٢) أخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسّنه والطبراني عن ابن عباس قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء ، فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم ، فأوصى إليهما ، فلما قدما بتركته فقدوا لجاما من فضة مخوصا بالذهب ، فأحلفهما رسول الله بالله ما كتمتماها ولا اطلعتما ، ثم وجدوا الجام بمكة ، فقيل : اشتريناه من تميم وعدي ، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله : لشهادتنا أحق من شهادتهما ، وأنّ الجام لصاحبهم ، وأخذ الجام وفيه نزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ). انظر عارضة الأحوذي ١١ / ١٨٢.

٣٢٠