وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

(السَّرائِرُ)(١) ، أي : تختبر بالكشف.

(حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ). (٣٣)

أي : وعيده. وقيل : معناه حقّ الكفر على الذين فسقوا.

(مَنْ يَهْدِي). (٣٥)

يقال : اهتدى يهتدي ، وهدى يهدي وهدّى يهدّي.

أما فتح الهاء والياء في يهدّي فلأنه لما أدغمت التاء في الدال ألقيت حركة التاء على الهاء ، كما قالوا : عدّ وفرّ ، وأصلها اعدد وافرر. فلما أدغم المثلان تقلب ضمة الدال إلى العين وكسرة الراء إلى الفاء ، وحذفت ألف الوصل للاستغناء عنها بحركة الحرفين كما أنشد الفراء :

٥٠٠ ـ وإنهم الولاة وإنّ منهم

رسول الرحمة الهادي المهدّي (٢)

وأمّا فتح الياء وكسر الهاء ؛ فلأنّه لمّا أدغم التاء في الدال اجتمع ساكنان ، فكسرت الهاء على الأصل في حركة الساكن. وأمّا كسرهما فلاستتباع الأخيرة الأولى في الكسرة.

(يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ). (٤٥)

يعرف بعضهم بعضا ثم تنقطع المعرفة لأهوالها.

وقيل : يعترفون ببطلان ما كانوا عليه.

(وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ). (٣٧)

الكتاب هنا الفرض ، أي : تفصيل الفروض والحدود.

__________________

(١) سورة الطارق : آية ٩.

(٢) ليس في معاني القرآن له.

٤٢١

(إِي وَرَبِّي). (٥٣)

كلمة تحقيق ، أي : هو كائن لا محالة.

(فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً). (٥٩)

أي : البحيرة ونحوها (١).

(وَما يَعْزُبُ). (٦١)

يغيب ، وقيل : يبعد ، كما قال الغنوي :

٥٠١ ـ عوازب لم تسمع نبوح مقامة

ولم تر نارا تمّ حول مجرّم

٥٠٢ ـ سوى نار بيض أو غزال بقفرة

أغنّ من الخنس المناخر توأم (٢)

(وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ).

مجروران بالعطف على (مِثْقالِ ذَرَّةٍ) ثمّ انتصب (٣) لأجل الصفة ووزن الفعل.

__________________

(١) أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : هم أهل الشرك كانوا يحلّون من الحرث والأنعام ما شاؤوا ، ويحرّمون ما شاؤوا. انظر تفسير الطبري ١١ / ١٢٧.

(٢) البيتان لطفيل الغنوي يصف إبلا. قوله : عوازب : بعيدات من البيوت ، النبوح : أصوات الناس. تمّ : تمام ، المجرّم : المكمّل. يقول : هذه الإبل عوازب لعزّ أربابها ، ترعى حيث شاءت لا تمنع ولا تخاف ، فلم تسمع أصوات أهل مقامة ولم تر نارا سنة تامة سوى نار بيض نعام يصيبه راعيها فيشويه ، أو غزال يصيد. ويروى في البيت الثاني : [أو غزال صريمة]. والصريمة : القطعة من الرمل. الأخنس : القصير الأنف ، وكل ظبيّ أخنس. وهما في أمالي القالي ٢ / ٨٣ ـ ٨٤ ؛ والمعاني الكبير ١ / ٣٦١ ؛ والأول في أساس البلاغة مادة : تمّ ، وكلاهما في الحيوان ٤ / ٣٤٨.

(٣) أي : جرّ بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف.

٤٢٢

ويجوز رفعهما بالفاعل عطفا على قوله : (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ).

وذهب الزّجاج في رفعهما إلى الابتداء. وخبرهما : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).(١)

أي : ما شيء أصغر من مثقال ذرة ولا أكبر إلا في كتاب مبين.

(لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا). (٦٤)

أي : بشارة الملائكة عند الموت. وقيل : هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له (٢).

(وَالنَّهارَ مُبْصِراً). (٦٧)

لأنّه يبصر فيه ، كما يقال : ليل نائم. قال الهذلي :

٥٠٣ ـ أجارتنا هل ليل ذي البثّ راقد

أم النوم عني مانع ما أرادوا

٥٠٤ ـ أجارتنا إنّ امرءا ليعوده

من ايسر ممّا بتّ أخفي العوائد (٣)

(مَتاعٌ فِي الدُّنْيا). (٧٠)

أي : افتراؤهم لاكتساب متاع.

__________________

(١) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٢٦.

(٢) أخرج أحمد ٥ / ٣١٥ والدارمي ٢ / ١٢٣ والترمذي رقم ٢٢٧٦ والحاكم ٤ / ٣٩١ وصححه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، قال : هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ٣ / ٢٦٧ والترمذي وصححه عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ الرسالة والنبوة قد انقطعتا ، فلا رسول بعدي ولا نبي ، ولكن المبشرات ، قالوا : يا رسول الله ، وما المبشرات؟ قال : رؤيا المسلم ، وهي جزء من أجزاء النبوة. وانظر عارضة الأحوذي ٩ / ١٢٦.

(٣) في المخطوطة : [أم الليل بني] بدل [أم النوم عني]. و [الفرائد] بدل [العوائد] وهو تصحيف. والبيتان لأسامة بن الحارث الهذلي.

(٣) يقول : إنه ليعاد الرجل من أيسر مما بي. راجع ديوان الهذليين ٢ / ٢٠١.

٤٢٣

(فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ). (٧١)

قال المبرّد : لا يقال : أجمعت الشركاء وإنما يقال : جمعت القوم وأجمعت الأمر.

ولكنه حمل الشركاء على مثل لفظ الأمر على مذهب مشاركة الثاني في الأول في اللفظ كما قال الشاعر :

٥٠٥ ـ إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا (١)

وقال آخر :

٥٠٦ ـ تراه كأنّ الله يجدع أنفه

وعينيه إن مولاه أمسى له وفر (٢)

(ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً). (٧١)

أي : مغطّى. بل اعزموا على إظهار ما عندكم من طاعة أو معصية.

(لِتَلْفِتَنا). (٧٨)

لتصرفنا. لفته لفتا.

(ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ). (٨١)

(ما) مبتدأ ، والسحر خبره ، أي : الذي جئتم به هو السحر. فيكون الألف واللام لتعريف المعهود ؛ فإنهم قالوا : معجزة إنها لسحر. فقال موسى عليه‌السلام : الذي جئتم به هو السحر الذي قلتم.

__________________

(١) البيت للراعي ، وهو في تأويل مشكل القرآن ص ٢١٣ ؛ وأساس البلاغة مادة : زجج ؛ ومغني اللبيب ٦٢٢ ؛ وحاشية الشيخ زاده على البيضاوي ٢ / ٢٤٣ ؛ وديوانه ص ٢٦٩.

(٢) البيت قيل لخالد بن الطيفان وقيل للزبرقان بن بدر ، وقوله وفر : أي الغنى. والبيت في المؤتلف والمختلف ص ١٤٩ ؛ وتأويل مشكل القرآن ص ٢١٣ ؛ والصناعتين ص ١٣٦ ؛ وديوان الزبرقان ص ٤٠ ؛ والإنصاف في مسائل الخلاف ٢ / ٥١٥.

٤٢٤

(لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً). (٨٥)

لا تعذبنا بأيدي آل فرعون.

(تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً). (٨٧)

خافوا فأمروا أن يصلّوا في بيوتهم ويجعلوا فيها مساجدهم (١).

(لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ). (٨٨)

استفهام. كأنه : ليضلوا عن سبيلك أعطيتهم ذلك؟ كما قال الأخطل :

٥٠٧ ـ كذبتك عينك أم رأيت بواسط

غلس الظلام من الرباب خيالا

٥٠٨ ـ وتعولت لتروعنا جنيّة

والغانيات يرينك الأهوالا (٢)

أي : أكذبتك وأتغولت؟.

(اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ).

أذهبها ، وقيل : أذهب نورها وبهجتها (٣).

__________________

(١) قال مجاهد : كانوا لا يصلون إلا في البيع ، حتى خافوا من آل فرعون فأمروا أن يصلوا في بيوتهم.

(٢) في المخطوطة : [لشروعنا] وهو تصحيف. والبيتان في خزانة الأدب ٦ / ٩ ؛ وديوان الأخطل ص ٣٨٥. والأول منهما في كتاب سيبويه ١ / ٤٨٤ ؛ وشرح الأبيات لابن السيرافي ٢ / ٦٧ ؛ واللسان مادة كذب ، والمقتضب ٣ / ٢٩٥ ؛ ومعاني القرآن للأخفش ١ / ٣١.

(٣) أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : سألني عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عن قوله تعالى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) فأخبرته أن الله طمس على أموال فرعون وآل فرعون حتى صارت حجارة ، فقال عمر : كما أنت حتى آتيك. فدعا بكيس مختوم ففكه ، فإذا فيه الفضة مقطوعة كأنها الحجارة ، والدنانير والدراهم وأشباه ذلك من الأموال حجارة كلها.

٤٢٥

(وَلا تَتَّبِعانِّ). (٨٩)

بتشديد النون وتخفيفها ، وهما نونا التأكيد. وإنما انكسرت فيهما لأنها شابهت نون يفعلان في الخبر لوقعهما بعد الألف ، واجتماع الساكنين.

(نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ). (٩٢)

سئل يونس كيف ذلك وقد أغرقه الله ولم ينجه؟

فقال : إنما هو نلقيك على نجوة من الأرض. وأنشد لعبيد بن الأبرص.

٥٠٩ ـ دان مسفّ فويق الأرض هيدبه

يكاد يمسكه من قام بالرّاح

٥١٠ ـ فمن بنجوته كمن بمحفله

والمستكنّ كمن يمشي بقرواح (١)

قال دريد :

٥١١ ـ أعاذل شكّتي بدني ورمحي

وكل مقلّص سلس القياد

__________________

(١) في المخطوطة [فمن ينجو به] وهو تصحيف. والبيتان لعبيد وهو جاهلي ، وكان من أحسن الناس وصفا للمطر. وقوله مسفّ : من : أسفّ الطائر : دنا من الأرض في طيرانه ، والهيدب : ما تدلى منه. والنجوة في الوادي : سنده المشرف الذي لا يعلوه السيل ، والمحفل : حيث يحتفل السيل أي يجتمع ماؤه والقرواح : الأرض البارزة للشمس. والبيتان في ديوانه ص ٥٣ ؛ وطبقات فحول الشعراء ١ / ٩٢ ؛ والأول في العباب الزاخر : مادة سفّ.

٤٢٦

٥١٢ ـ أعاذل إنما أفنى شبابي

ركوبي بالصريخ إلى المنادي (١)

(لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً).

ليرى قدرة الصادق في الربوبية على الكاذب. ولم ير من الغرقى أحد غير فرعون.

(فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ). (٩٣)

أي : الفرائض والأحكام.

(فَإِنْ كُنْتَ). (٩٣)

أيها السامع.

(فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ). (٩٤)

على لسان نبينا (٢).

(فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ).

عن أخبار موسى.

ومن قال : إنّ الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيكون ذلك على قسمة الكلام ، وقضية الخطاب.

__________________

(١) البيتان لعمرو بن معديكرب لا لدريد بن الصمة كما قال المؤلف. ويروى عجز البيت الثاني [وأقرح عاتقي ثقل النجاد]. وانظر ديوان عمرو ص ١٠٦ ؛ وديوان دريد ص ٦٠. والأبيات في الأغاني مع تتمة القصيدة ، وذكر قصتها وسبب قولها ، وهما في عيون الأخبار ١ / ٢٩٣ ؛ والحماسة البصرية ١ / ٣٥ ؛ والإصابة ٣ / ٢٠ ؛ والاستيعاب ٢ / ٥٢٢. راجع الأغاني ١٤ / ٣٢ ؛ والثاني في الأضداد لابن الأنباري ص ٨١ ، ولم ينسبه المحقق.

(٢) أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا أشك ولا أسأل ..

٤٢٧

(أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ). (١٠٠)

بعلم الله ، وقيل : بتمكينه وإقداره.

(وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ). (١٠٩)

أي : يأمرك إمّا بالجهاد أو بالهجرة (١).

تمّت سورة يونس

وتليها سورة هود عليه‌السلام

* * *

__________________

(١) وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سماك الحنفي قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : إني أجد في نفسي ما لا أستطيع أن أتكلم به. فقال : شك؟ قلت : نعم ، قال : ما نجا من هذا أحد حتى نزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ). الآية. فإذا أحسست ، أو وجدت من ذلك شيئا فقل : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). ـ وقال البقاعي : قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ). لم يرد بهذا الكلام حقيقته ، والله أعلم. بل تقوية اليقين وتأكيده ورسوخه ، وتأييده بأن هذا أمر قد عزم عليه وفرغ منه ، فلا يحتمل مراجعة ، وذلك لأن المعنى أن ثباتهم على الشقاوة أمر لا يعلم إلا من قبلنا ، وهذه الآيات لا تزيد المقضي بشقائه إلا ضلالا ، فلا تطلب إجابتي إياهم إلى ما يقترحون عليك رجاء إيمانهم ، فإنهم لا يؤمنون بذلك. اه. بتصرف. راجع نظم الدرر ٩ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥. أخرج ابن جرير ١١ / ١٧٨ وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله تعالى : (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) قال : هذا منسوخ بأمره بجهادهم والغلظة عليهم.

٤٢٨

سورة هود (١)

(كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ). (١)

أحكمت بالأمر والنهي ، (ثُمَّ فُصِّلَتْ) بالوعد والوعيد (٢).

(أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ). (٢)

أي : فصّلت لئلا تعبدوا [إلا الله].

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ). (٣)

من الذنوب السالفة.

(ثُمَّ تُوبُوا).

من الآنفة.

(وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ).

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة هود بمكة. وأخرج الدارمي ٢ / ٤٥٤ وأبو داود في مراسيله ص ١٠٤ والبيهقي في شعب الإيمان عن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقرؤوا هود يوم الجمعة. ـ وأخرج الترمذي وحسّنه والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله قد شبت. قال : شيّبتني هود والواقعة والمرسلات وعمّ يتساءلون وإذا الشمس كورت. انظر المستدرك ١ / ٣٤٣ ، والعارضة ١٢ / ١٨١.

(٢) وهذا قول الحسن رواه عنه ابن جرير وابن المنذر.

٤٢٩

إعلام بتفاوت الدرجات في الآخرة ، وترغيب في العمل لها.

(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ). (٥)

كانوا إذا مرّوا برسول الله ثنوا صدورهم ، وتغشوا بثيابهم ؛ لئلا يروه (١).

وقيل : (يَثْنُونَ) : يطوونها على البغض له والجحد به ، كما قيل في معناه :

٥١٣ ـ طويت الحشا منها على كلّ كربة

ولم أجمع على مشية يدا (٢)

 ـ الجزء الثّانى عشر ـ

(وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها). (٦)

حياتها وموتها.

وقيل : مستقرها في الرحم ، ومستودعها في الصلب.

(وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ). (٧)

أي : بنية ما بناه على الماء ، وذلك أعجب وأدلّ على القدرة القاهرة ، والصفة الباهرة (٣).

يقال : عرش يعرش عرشا.

وأصل العرش في اللغة : خشبات يوضع عليها ثمام (٤) يستظل به الساقي ، قال الراجز :

__________________

(١) أخرج هذا القول سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن شداد.

(٢) لم أجده.

(٣) أخرج مسلم والترمذي والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ الله قدّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء. انظر صحيح مسلم ٢٦٥٣ ، وعارضة الأحوذي ٨ / ٣٢١.

(٤) الثّمام : نبت ، والثّمة : قبضة من الحشيش.

٤٣٠

٥١٤ ـ أكلّ عام عرشها مقيلي

حتى ترى المئزر ذا الفضول

مثل جناح السّبد الغسيل (١)

(إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ). (٨)

إلى أجل محدود.

(نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها). (١٦)

أي : من أراد الدنيا وفّاه الله ثواب حسناته في الدنيا.

وقيل : إنها في المنافقين الذين غزوا طلبا للمغانم.

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ). (١٧)

فيه حذف الخبر. من حاله هذه كمن هو في ضلال.

والبيّنة : القرآن.

وقيل : ما ركز في العقل من الاستدلال على التوحيد.

(وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ).

على هذا القول : ما يتضمنه القرآن من الحجج فهو شاهد للعقل.

وعلى القول الأول : ما يتضمنه العقل من وجوه الأدلة ، فهو شاهد للقرآن.

والأولى حمل الشاهد على القرآن ، أو على النبيّ عليه‌السلام (٢) ؛

__________________

(١) الرجز في اللسان مادة سبد ٣ / ٢٠٣ ؛ ومعجم البلدان ٣ / ١٨٣ ؛ وحياة الحيوان للدميري ١ / ٥٤٣ ؛ وكتاب الجيم ٢ / ١١٦. وفي المخطوطة [السبل] بدل [السبد] وهو تصحيف. والسبد : طائر إذا قطر على ظهره قطرة من الماء جرى من لينه.

(٢) أخرج ابن جرير ١٢ / ١٠ وابن المنذر والطبراني في الأوسط عن محمد بن عليّ بن أبي طالب قال : قلت لأبي : إنّ الناس يزعمون في قول الله : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) أنك أنت التالي؟ قال : وددت أني أنا هو ، ولكنه لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٤٣١

ليعود ما بعده من الضمائر إلى واحد منهما. أعني قوله : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) وقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ).

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً). (١٩)

يريدون غير الإسلام دينا.

وقيل : يؤوّلون القرآن تأويلا باطلا.

وتكرير (هُمْ) في قوله : (هُمْ كافِرُونَ) لتقرير التحذير ، وتأكيد القول ، كقول الهذلي :

٥١٥ ـ رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع

فقلت وأنكرت الوجوه : هم هم

٥١٦ ـ فعاديت شيئا والدّريس كأنّما

يزعزعه وعك من الموم مردم (١)

(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ). (٢٠)

أي : استماع الحق والاعتبار به بغضا له ، كقوله تعالى : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)(٢) أي : لا تفعله.

(لا جَرَمَ). (٢٢)

أي : حقا.

وقيل : لا جرم : لا بدّ ، والجرم : القطع ، أي : لا قطع قاطع أن يكون كذا.

(وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ). (٢٣)

تخشعوا له واطمأنوا به.

__________________

(١) البيتان لأبي خراش الهذلي. وقوله : رفوني : سكنوني ، والدريس : الثوب الخلق ، والمردم : الملازم ، الموم : الحمى. وهما في شرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢١٧ ؛ وتهذيب الألفاظ ص ١١١ ؛ والأغاني ٢١ / ٣٩ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ٩٠٢.

(٢) سورة الكهف : آية ٦٧.

٤٣٢

(بادِيَ الرَّأْيِ). (٢٧)

بالهمز : أول الرأي.

وبغير الهمز : ظاهر الرأي. وفي معنى الأول قول الخطابي (١) :

٥١٧ ـ ولو لا الهوى أبصرت ورائي ومن يثق

بأوّل رائيه فليس بعاقل

٥١٨ ـ وذو النّصح أهدى فيكم نصيحة

ولكنّما أهدى إلى غير قابل

وفي معنى الثاني قول الآخر :

٥١٩ ـ غموض الحقّ حين تذبّ عنه

يقلّل ناصر الرّجل المحقّ

٥٢٠ ـ تضلّ عن الدقيق عقول قوم

فتقضي للمجلّ على المدقّ (٢)

ونصب (بادِيَ الرَّأْيِ) ، أي : في بادي الرأي ، ويجوز كونه ظرفا للرؤية والأتباع والأراذل.

(وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ). (٢٩)

أي : الذين قالوا لهم : الأراذل ؛ لأنّهم ملاقوا ربهم.

(إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ). (٣٤)

مجازاة على كفركم.

وقيل : يحرمكم من رحمته ، ومنه قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(٣). أي : خيبة وحرمانا.

__________________

(١) اسمه حمد بن محمد أبو سليمان الخطابي البستي ، كان إماما في الفقه والحديث واللغة ، شافعي المذهب أخذ عن القفال الشاشي وابن داسة ، وروى عنه أبو حامد الإسفراييني وغيره ، له «معالم السنن» و «العزلة» توفي ببست سنة ٣٨٨ ه‍. راجع طبقات الشافعية ٣ / ٢٨٢.

(٢) البيتان في كتاب الفوائد لابن القيم ص ٤٦ من غير نسبة ، وهما لابن الرومي في محاضرات الأدباء ١ / ٧٥ ؛ وديوانه ٤ / ١٦٨٣ وفي المخطوطة [المقل] بدل [المدقّ] وهو تحريف.

(٣) سورة مريم : آية ٥٩.

٤٣٣

قال المرقش :

٥٢١ ـ ومن يلق خيرا يحمد النّاس أمره

ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما (١)

(فَلا تَبْتَئِسْ). (٣٦)

فلا تحزن ولا تأسف. من البأساء.

(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا). (٣٧)

أي : حفظنا حفظ من يرى.

(وَوَحْيِنا).

أي : تعليمنا وأمرنا.

(وَفارَ التَّنُّورُ). (٤٠)

قال مجاهد : فار الماء من مكان النار آية للعذاب.

وقال ابن عباس : التنور : وجه الأرض (٢).

وعن عليّ : إنه النار من الكوفة ، ثم طبق الأرض (٣).

وإنّ التنور من : تنوير الصبح (٤) ، فكما أنّ الصبح إذا نوّر ملأ الآفاق فكذلك ذلك الماء ، لمّا سال عمّ الأرض.

ـ وقيل إنه على طريق المثل ـ أي : اشتدّ غضب الله عليهم وحلّ عذابه بهم ، كقوله عليه الصلاة والسّلام : «الآن حمي الوطيس» (٥).

__________________

(١) البيت للمرقش الأصغر واسمه ربيعة بن سفيان ، كان أحد عشاق العرب المشهورين وفرسانهم في الجاهلية ، والبيت من قصيدة له في المفضليات ص ٢٤٧ ؛ وفي المشوف المعلم ٢ / ٥٥٥ ؛ والأغاني ٥ / ١٨٤.

(٢) وهذا مروي عن عكرمة كما أخرجه أبو الشيخ عنه.

(٣) أخرج هذا ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي رضي الله عنه.

(٤) وهذا أيضا مروي عن عليّ ، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ.

(٥) هذا جزء من حديث أخرجه مسلم في باب الجهاد في غزوة حنين ، وأحمد في مسنده. ـ

٤٣٤

وكقول الشاعر :

٥٢٢ ـ تفور علينا قدرهم فنديمها

ونفثأها عنّا إذا حميها غلا (١)

وكقول الفرزدق :

٥٢٣ ـ وقدر فثأنا عليها بعدما غلت

وأخرى حششنا بالعوالي تؤثّف (٢)

(مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) (٤٠)

أي : ذكر وأنثى في حال ازدواجهما ، ولذلك حسن لفظ «اثنين» بعد «زوجين».

(مَجْراها وَمُرْساها). (٤١)

أي : إجراؤها وإرساؤها. بمعنى المصدر ، ويجوز بمعنى الوقت كالممسى والمصبح.

أي : بسم الله وقت إجرائها وإرسائها ، وإنما لم يجر مرسيها بالفتح.

وإن قرىء مجريها بالفتح (٣) ؛ لأنه يقال : جرت السفينة مجرى (٤) ، وأرساها الملّاح مرسى ؛ لأنها إذا أخذت في الجري لا ترسو بنفسها.

__________________

ـ عن العباس ١ / ٢٠٧ ؛ والوطيس : شبه التنور يسجر فيه ، ويضرب هذا مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرّها حرّه ، وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. راجع شرح مسلم للنووي ١٢ / ١١٦.

(١) البيت للنابغة الجعدي رضي الله عنه ، وبعده :

بطعن كتشهاق الجحاش شهيقه

وضرب له ما كان من ساعد خلى

وهو في ديوانه ص ١١٨ ؛ والعباب مادة فثأ ١ / ١٣٥ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ٨٨٣ ؛ وأساس البلاغة ص ٣٣٤ ؛ واللسان فثأ. قوله : قدرهم أي حربهم ، وفثئت القدر : سكن غليانها.

(٢) البيت في ديوانه ص ٣٩٠ ؛ والمعاني الكبير ١ / ٣٧٤. وقوله : تؤثّف : تجعل لها أثافي. أي : موقد.

(٣) قرأ مَجْراها بالفتح حفص وحمزة والكسائي وخلف ، والباقون بالضم. الإتحاف : ٢٥٦.

(٤) لأنّ مفعل من الثلاثي بفتح الميم ومن الرباعي بضمها. ـ

٤٣٥

(يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ). (٤٤)

أي : تشرّبي في سرعة بخلاف العادة ؛ ليكون أدلّ على القدرة ، وأشدّ في العبرة.

(وَيا سَماءُ أَقْلِعِي).

أي : لا تمطري.

(وَغِيضَ الْماءُ).

نقص. يقال : غاض الماء وغضّته.

(إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ)(١). (٤٦)

أي : ذو عمل ، أو : عمله عمل غير صالح ، فحذف.

وقيل : إنّه لا حذف فيه ، وإنما هو على مجاز المبالغة والكثرة في مثل قولك : الشّعر زهير ، والجود حاتم.

وقيل : إنّ الكناية في «إنّه» راجعة إلى السؤال. أي : سؤالك كأنه عمل غير صالح.

وقراءة : «عمل غير صالح» (٢) أي : فعل سوءا.

(إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). (٥٦)

أي : على الحق والعدل.

(وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها). (٦١)

جعلكم عمّارها ، وهذا يدلّ على أنّ الله يريد عمارة الأرض لا التخلّي والتّبتل.

__________________

ـ وأخرج أبو يعلى والطبراني وابن السني وابن مردويه عن الحسين بن عليّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا : بسم الله الملك الرحمن ، (بسم الله مجراها ومرساها إنّ ربي لغفور رحيم) و (ما قدروا الله حقّ قدره إنّ الله لقويّ عزيز). راجع الدر المنثور ٤ / ٤٣٢.

(١) وهي قراءة الكسائي ويعقوب على أنه فعل ماض. الإتحاف ص ٢٥٦.

(٢) وهي قراءة الكسائي ويعقوب على أنه فعل ماض. الإتحاف ص ٢٥٦.

٤٣٦

وقيل : معناه : جعلها لكم مدّة أعماركم ، فاستعمر بمعنى : أعمره دارى عمرى : إذا جعلها له مدّة عمره.

وقيل : أطال أعماركم فيها ، بمنزلة عمّركم ، وكانت ثمود طويلة الأعمار ، فكانت إذا بنت من المدر انهدم وصاحبه حيّ ، فاتخذوا البيوت من الجبال (١).

(فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ). (٦٣)

أي : لا تزيدونني غير تخسير.

أي : لا تزيدونني لو اتّبعت دين آبائكم غير خساري.

وقيل : غير خساركم حين أنكرتم تركي دينكم.

(جاثِمِينَ). (٦٧)

هلكى ساقطين على الوجوه والرّكب.

(قالُوا سَلاماً). (٦٩)

على وجه التحية ، فقال :

(سَلامٌ) أجابهم بمثل تحيّتهم ، ونصب الأول بإيقاع القول ، أو المصدر من غير لفظ الفعل ؛ لأنّ السّلام قول ، ورفع الثاني على تقدير : وعليكم سلام ، أو على الحكاية كقوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ)(٢).

(بِعِجْلٍ حَنِيذٍ). (٦٩)

__________________

(١) وحاصل الأقوال في الآية ثلاثة :

الأول : معناه : أعمركم فيها بأن جعلكم فيها مدة أعماركم. قاله مجاهد ، من قولهم : أعمر فلان فلانا داره ، فهي له عمرى.

والثاني : أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار. قاله علي بن عيسى.

والثالث : أطال فيها أعماركم. راجع تفسير الماوردي ٣ / ٢١٨.

(٢) سورة النمل : آية ٥٩.

٤٣٧

الحنيذ : الحار. عن أبي علقمة النحوي (١) :

المشوي بالرضف في الحجارة المحماة. قال :

٥٢٤ ـ إذا ما اعتبطنا اللحم للضيف بالقرى

حنذناه حتى مكّن اللحم أكله (٢)

(نَكِرَهُمْ). (٧٠)

أنكرهم ، وقد جمعهما الأعشى :

٥٢٥ ـ وأنكرتني وما كان الذي نكرت

من الحوادث إلا الشّيب والصّلعا (٣)

(وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً). (٧٠)

أحسّ. وقيل : أضمر.

(فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ). (٧١)

ضحكت. أي : تعجبا من عزة قوم لوط وغفلتهم عمّا يحل بساحتهم.

وقيل : تعجبا من حياة الحنيذ حين مسحه جبريل عليه‌السلام.

وقيل : كان ضحكها سرورا بالولد. كأنّه على التقديم والتأخير. أي : فبشرناها بإسحق ويعقوب فضحكت.

وقيل : بل سرورا بالسلامة من عذاب القوم ، فوصلوها بسرور آخر ، وهو البشارة بإسحاق.

ـ ومن قال إنّ «ضحكت» : حاضت ؛ لروعة ما سمعت من عذاب القوم ، أو حاضت مع الكبر لتوقن بالولد.

وارتفاع «يعقوب» بالابتداء ، وخبره الظرف المقدّم (٤) عليه. أي :

__________________

(١) مشتهر بكنيته ، وهو نحوي قديم العهد. كان يتقعّر في كلامه ، ويتعمّد الغريب الحوشي. نقل عنه الخليل في العين. انظر إنباه الرواة ٤ / ١٥٢.

(٢) البيت في تفسير الماوردي ٢ / ٢٢١ من غير نسبة.

(٣) البيت في ديوانه ص ١٠١ ؛ وإعراب القرآن للنحاس ٢ / ١٠٠ ؛ وتفسير الماوردي ٢ / ٢٢١ ؛ وتفسير القرطبي ٩ / ٦٦ ؛ والمحتسب ٢ / ٢٩٨.

(٤) قال أبو البقاء : فيه وجهان : أحدهما : هو مبتدأ وما قبله الخبر ، والثاني : هو مرفوع بالظرف. راجع إعراب القرآن ٢ / ٧٠٧.

٤٣٨

ويعقوب من بعد إسحق.

وقيل : إنّ الحال مقدّر فيه. أي : فبشرناها بإسحق آتيا من ورائه يعقوب.

ـ ومن نصب «يعقوب» (١) فهو يعطفه على موضع إسحق ، إلا أنّ الفصل بين العطف والمعطوف قبيح ، والأولى تقدير فعل آخر. أي : فبشرناها وزدناها من وراء إسحق يعقوب ، قال الراجز :

٥٢٦ ـ لو جئت بالتمر له ميسّرا

والبيض مطبوخا معا والسّكرا (٢)

(قالَتْ يا وَيْلَتى). (٧٢)

قالت ذلك على عادة النساء إذا أعجبن من شيء.

(يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ). (٧٤)

يراجع القول فيهم : إنّ فيها لوطا ، وإنكم تحلّون بهم العذاب أم تحرقونهم (٣).

(إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ).(٤) (٧٥)

الأوّاه : الدّعّاء.

وقيل : كثير التأوه من خوف الله.

(يَوْمٌ عَصِيبٌ). (٧٧)

__________________

(١) وهو حفص وابن عامر وحمزة. الإتحاف : ٢٥٨.

(٢) الرجز ذكره الفرّاء في معاني القرآن ٢ / ٢٢ ، وقال : أنشدني بعض بني باهلة ، وله شطر ثالث وهو :

لم يرضه ذلك حتّى يسكرا

(٣) قال البقاعي : أي : يسألنا في نجاتهم سؤالا يحرص فيه حرص المجادل في صرف الشيء. من الجدل وهو الفتل ، ووضع المضارع موضع الماضي إشارة إلى تكرر المجادلة مع تصوير الحال. راجع نظم الدرر ٩ / ٣٣٣.

(٤) قال ابن عباس : الحلم يجمع لصاحبه شرف الدنيا والآخرة ، ألم تسمع الله وصف نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحلم فقال : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ).

٤٣٩

شديد يعصب بالشر (١).

(يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ). (٧٨)

يسرعون (٢). من الأفعال التي يوقع فيها الفعل بالفاعل ، ومثله : أولع ، وأوعد ، وزهي.

(هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ).

أي : لو تزوجتم بهن.

وقيل : أراد بهنّ نساء أمته ، فكلّ نبيّ أبو أمته.

(أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ). (٨٠)

عشيرة منيعة (٣).

(مِنْ سِجِّيلٍ). (٨٢)

حجارة صلبة.

قيل : إنها معرّبة سنك وكيل (٤).

وقيل : إنه فعّيل من السجل ، وهو الإرسال.

__________________

(١) أخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (يَوْمٌ عَصِيبٌ)؟ قال : يوم شديد ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

هم ضربوا قوانس خيل حجر

بجنب الردء في يوم عصيب

(٢) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ)؟ قال : يقبلون بالغضب. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

أتونا يهرعون وهم أسارى

سيوفهم على رغم الأنوف

(٣) أخرج البخاري في الأدب والترمذي وحسنه الحاكم وصحّحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : رحم الله لوطا كان يأوي إلى ركن شديد ـ يعني الله ـ فما بعث الله بعده نبيّا إلا في ثروة من قومه. انظر الدر المنثور ٤ / ٤٥٩ ، والمستدرك ٢ / ٥٦١ ، وعارضة الأحوذي ١١ / ٢٨٢.

(٤) وهما بالفارسية : حجر وطين ، عرّبتهما العرب فجعلتهما اسما واحدا.

٤٤٠