وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

٣٧٩ ـ دار الفتاة التي كنّا نقول لها

يا ظبية عطلا حسّانة الجيد

٣٨٠ ـ تدني الحمامة منها وهي لاهية

من يانع الكرم قنوان العناقيد (١)

وقنوان جمع جاء على حد التثنية ، ومثله : صنوان ، وصيدان جمع صاد وتثنيتها وهو النّحاس. قال الهذلي :

٣٨١ ـ لنا صرم ينحرن في كلّ شتوة

إذا ما سماء النّاس قلّ قطارها

٣٨٢ ـ وسود من الصّيدان فيها مذانب

نضار إذا لم نستفدها نعارها (٢)

(دانِيَةٌ).

متدليّة يقرب تناولها. وقيل : دانية بعضها من بعض.

(وَيَنْعِهِ).

نضجه وإدراكه (٣).

__________________

(١) البيتان في ديوان الشماخ ص ١١٢ ؛ والمحكم ٢ / ٣٨٨. والأول في أمالي ابن الشجري ١ / ٤١ ؛ واللسان مادة : حسن ؛ والمخصص ١٥ / ٨٨. والثاني في رغبة الآمل ١ / ٧٦ ؛ والإبدال لأبي الطيب ٢ / ٤٧٦ ؛ واللسان : حمم. العطل : المرأة إذا لم يكن عليها حلي.

(٢) البيتان لأبي ذؤيب الهذلي. وفي المخطوطة [مذالب ـ تضار] وهو تصحيف. و (حزم) بدل صرم وهو تصحيف. وينجون بدل [ينحرن] وهو تصحيف و [ماء السماء] بدل [ما سماء] وهو تصحيف. والبيت الثاني في أساس البلاغة مادة صيد ، والاقتضاب ص ٤٦٢. قال الزمخشري : وعنده قدور من الصاد وهو النحاس ، ومن الصيداء والصيّدان وهي حجارة البرام. اه. وقوله : صرم : قطع إبل ، واحدها صرمة. والقطار : الأمطار. واحدها قطر ، والمذانب : المغارف ، ونضار : أي من شجر النضار. راجع ديوان الهذليين ١ / ٢٧.

(٣) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : (وَيَنْعِهِ)؟ قال : نضجه وبلاغه. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول :

إذا ما مشت وسط السماء تأوّدت

كما اهتزّ غصن ناعم أنبت يانع

٣٤١

(وَخَرَقُوا). (١٠٠)

أي : كذبوا.

(وَلِيَقُولُوا). (١٠٥)

لام العاقبة.

(دَرَسْتَ).

قرأت وكتبت الكتب المنزلة قبلك. وقيل : إنّ فيه حذفا. أي : نصرّف الآيات لئلا يقولوا درست ، وكثيرا ما يحذف «لا» في كلام العرب. قال الهذلي :

٣٨٣ ـ تبين صلاة الحرب منّا ومنكم

إذا ما التقينا والمسالم بادن

٣٨٤ ـ فيبرح منّا سلفع متلبّب

جريء على الضّراء والغزومارن (١)

أي : لا يبرح.

(فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً). (١٠٨)

العدو والعدوّ والعدوان والعداء والاعتداء واحد (٢).

(وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ). (١٠٩)

تراهن المتوكّل والفتح عليها ، فقال الفتح : «إنها» ، وقال المتوكل : «أنّها» بالفتح ، فأشخص المبرّد من البصرة ، فلقي الفتح وقال : المختار «إنّها» بالكسر

__________________

(١) البيتان للمعطّل أحد بني رهم الهذلي من أبيات له يرثي فيها عمرو بن خويلد. وفي المخطوطة : و [جرى] بدل [جريء] ، و [الفزاء] بدل [الضراء]. و [مدن] بدل [مارن]. وهي تصحيف. وقوله سلفع : جريء الصدر ، ومتلبّب : متحزم. والمارن : الذي مرن على الغزاة. راجع ديوان الهذليين ٣ / ٤٧ ـ ٤٨.

(٢) أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كان المسلمون يسبّون أصنام الكفار فيسب الكفار الله ، فأنزل الله : وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ. انظر تفسير الطبري ٧ / ٣٠٩.

٣٤٢

لالتزام الكلام بقوله : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ). قال : يا محمد إنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، على الاستئناف ، فركب إلى المتوكل وسأله الخطر (١) ، فأمر بإحضار المبرد فقال : أكثر القراء يقرأ بالفتح فاستبشر وقال : المال يا فتح ، فلما خرجا قال الفتح : أول ما ابتدأتنا به الكذب؟! قال : ما كذبتكم ، وإنما قلت : أكثر الناس يقرأ (أنها) وأكثر الناس كما قال أبو الأسود :

٣٨٥ ـ وأكثر هذا النّاس إمّا مكذب

يقول بما يهوى وإمّا مصدّق

٣٨٦ ـ يقولون أقوالا ولا يثبتونها

وإن قيل هاتوا حقّقوا لم يحققوا (٢)

__________________

(١) الخطر : المال ، أو ما يوضع في الرهان.

(٢) البيتان في ديوان أبي الأسود ص ١٤ وفيه :

فإنّ جميع النّاس إمّا مكذب

يقول بما يهوى وإمّا مصدّق

يقولون أقوالا بظنّ وشبهة

فإن قيل هاتوا حقّقوا لم يحققوا

وهما في الأغاني ٢١ / ٢٣ ؛ وعيون الأخبار ١ / ٥٩ ؛ واللسان ١ / ١٥٧. ـ والقصة ذكرها المؤلف مختصرة ، وقد ذكرها الوزير القفطي فقال : قرأ المتوكل يوما وبحضرته الفتح بن خاقان : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) فقال له الفتح بن خاقان : (أَنَّها) بالكسر يا سيدي ، فتبايعا على عشرة آلاف درهم ، وتحاكما إلى يزيد بن محمد المهلبي ـ وكان صديقا للمبرّد ـ ولمّا وقف يزيد على ذلك خاف أن يسقط عند أحدهما ، فقال : ما أعرف الفرق بينهما ، وما رأيت أعجب من أن يكون باب أمير المؤمنين يخلو من عالم متقدّم. فقال المتوكل : فليس ههنا من يسأل عن هذا؟ فقال : ما أعرف أحدا يتقدّم فتى بالبصرة يعرف بالمبرّد ، فقال : ينبغي أن يشخص. قال محمد بن يزيد : فوردت سرّ من رأى ، فأدخلت على الفتح بن خاقان ، فقال : يا بصريّ ، كيف تفسّر هذا الحرف : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ)؟ بالفتح أو بالكسر؟ فقلت : (أَنَّها) بالكسر ، وهو الجيد المختار ، وذلك أنّ أول الآية : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها ، قُلْ : إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ) ثم قال تعالى : يا محمد : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) باستيفاء جواب الكلام المتقدّم. قال : صدقت ، وركب إلى دار أمير المؤمنين فعرّفه بقدومي ، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه وتبايعا فيه ، فأمر بإحضاري فحضرت ، فلمّا وقعت عين المتوكل عليّ قال : يا بصريّ ، كيف تقرأ هذه الآية : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) بالكسر أو بالفتح؟ ـ

٣٤٣

وجّه فتح الهمزة بتقدير حذف اللام : وما يشعركم إيمانهم لأنها (١) إذا جاءت يؤمنون أو لا يؤمنون.

ـ الجزء الثّامن ـ

(قُبُلاً). (١١١)

معاينة. رأيته قبلا وقبلا (٢) ، وقيل : قبل جمع قبيل : وهو الكفيل ، أي : لو حشرنا عليهم كل شيء فكفل بما تقول ما كانوا ليؤمنوا.

__________________

ـ فقلت : يا أمير المؤمنين ، أكثر النّاس يقرؤنها بالفتح. فضحك وضرب رجله اليسرى وقال : أحضر يا فتح المال. فقال : يا سيدي ، قد والله قال لي خلاف ما قال لك. قال : دعني من هذا ، وأحضر المال. قال المبرّد : وأخرجت فلم أصل إلى الموضع الذي كنت فيه نازلا حتى أتتني رسل الفتح ، فأتيته فقال : يا بصري ، أول ما ابتدأتنا بالكذب! فقلت : ما كذبت. فقال : وكيف وقد قلت لأمير المؤمنين : إنّ الصواب : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها) بالفتح فقلت : أيها الأمير ، لم أقل هكذا ، وإنما قلت : «أكثر الناس يقرؤنها : أَنَّها بالفتح ، وأكثرهم على الخطأ ، وإنما تخلّصت من اللائمة ، وهو أمير المؤمنين». فقال لي : أحسنت. قال أبو العباس : فما رأيت أكثر كرما ، ولا أرطب بالخير لسانا من الفتح. راجع إنباه الرواة ٣ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

(١) وقيل «أنها» ههنا بمعنى لعل. قال النضر بن شميل : سأل رجل الخليل بن أحمد عن قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ). فقال : أنها : لعلها ، ألا ترى أنك تقول : اذهب أنك تأتينا بكذا وكذا. يقول : لعلك.

(٢) قال شيخنا العلامة أحمد بن محمد حامد الحسني الشنقيطي :

وجا قبل وفق اقتدار وقد أتى

لردف عيان لكن القاف تكسر

وفي النوع فاضمم قافه جامعا له

وذلك في الصاوي إذا كنت تنظر

فجاء قبل بمعنى اقتدار ، كقوله تعالى : (بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) ، وبمعنى عيان كالآية هنا ، وبمعنى النوع كقوله : (كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً).

وقال ابن مالك في مثلثه :

ومثل عند قبل بالكسر

وكالعيان واقتدار أجري

٣٤٤

وقيل : القبيل : جميع قبيلة ، والقبل جمع قبيل ، مثل : سفينة وسفين وسفن ، أي : لو جاءهم كل شيء قبيلة وصنفا صنفا ثمّ لم يؤمنوا.

(وَلِتَصْغى). (١١٣)

لام العاقبة ، وهي معطوفة على الغرور من قوله : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)(١) ، أي : للغرور ولأن تصغى أفئدة الذين لا يؤمنون ، وليرضوه وليقترفوا.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ). (١١٧)

لا يجوز أن يكون (مَنْ) في موضع جر بإضافة «أعلم» إليها ، لأن أفعل متى أضيف إلى شيء فهو بعضه ، كقولك : زيد أفضل عشيرته ، وتعالى الله أن يكون بعض الضالين ، فكان في موضع نصب ، وكان المراد أعلم بمن ضل عن سبيله ، فحذف الباء وأوصل أعلم هذا بنفسه ، وأضمر فعلا واصلا يدل هذا الظاهر عليه ، حتى كان القول : يعلم أو علم من يضل عن سبيله ، يدل عليه ظهور الباء بعده ، وهو في قوله : (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

ويجوز أن تكون مرفوعة بالابتداء ، و «يضلّ» بعدها خبرها ، كأنه قال : إن ربك هو أعلم أيهم يضل عن سبيله.

(مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ). (١٢٢)

أي : ضالا فهديناه (٢).

__________________

(١) سورة الأنعام : آية ١١٢ وهي الآية قبلها.

(٢) أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال : أنزلت في عمر ابن الخطاب وأبي جهل ابن هشام ، كانا ميتين في ضلالتهما ، فأحيا الله عمر بالإسلام وأعزه ، وأقرّ أبا جهل في ضلالته وموته وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا فقال : «اللهم أعزّ الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب».

٣٤٥

(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً). (١٢٥)

أي : ذا حرج ، وقيل : إنّه صفة كالحرج ، وليس بمصدر كما يقال : دنف ودنف وقمن وقمن. وهذا الكلام على طريقة المثل ، إذ كان القلب محلا للعلم والإيمان.

فوصف قلب من يستحق الإضلال بالضيق ، وأنّه على خلاف الشرح والانفساح ، وأنّه مطبوع على قلبه ، وأنّ قلبه كتان وغلاف ، كما وصف الجبان بأنه مفؤود ، وأنّه لا قلب له ، وأنه فارغ الصدر كما قال الله تعالى : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ)(١) أي : فارغة ، ذوات هواء خالية من القلب. قال طفيل الغنوي :

٣٨٧ ـ ولقد أردى الفوارس يوم حسي

غلاما غير منّاع المتاع

٣٨٨ ـ ولا فرح بخير إن أتاه

ولا جزع من الحدثان لاع

٣٨٩ ـ ولا وقّافة والخيل تردي

ولا خال كأنبوب اليراع (٢)

(كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ).

أي : من ضيق صدره ، ونفوره عن الإسلام ، كمن يراد على ما لا يقدر عليه. كما قال الهذلي :

٣٩٠ ـ يظلّ على الثمراء منها جوارس

مراضيع صهب الريش زغب رقابها

__________________

(١) سورة إبراهيم : آية ٤٣.

(٢) الأبيات لطفيل بن عوف الغنوي ، يرثي بها زرعة بن عمرو ، وهي في نوادر أبي زيد ص ١٤٩ ؛ والوحشيات : ١٢٥. والثاني في اللسان مادة لوع ٨ / ٣٢٨ ؛ ونسبه لمرداس بن حصين ، والكامل للمبرد ١ / ١٧٧. أراد : ليس بخالي الجوف ولا طياش.

٣٤٦

٣٩١ ـ إذا نهضت فيه تصعّد نفرها

كقتر الغلاء مستدرا صيابها (١)

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ). (١٢٨)

أمتعتموهم وأغويتموهم فاستكثرتم من إغوائهم. واستمتع الإنس بالجن بتزيين الشهوات والعون على الهوى ، والجن بالإنس باتّباعهم خطوات الجن (٢).

(نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً). (١٢٩)

نسلّط. كقولهم :

٣٩٢ ـ وما من يد إلا يد الله فوقها

وما ظالم إلا سيبلى بأظلم (٣)

وقيل : نكل بعضهم إلى بعض. كقوله : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى)(٤). قال الأخطل في معناه :

٣٩٣ ـ تواكلها بنو العلّات منهم

وغالت مالكا ويزيد غول (٥)

(قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا). (١٣٠)

أي : بوجوب الحجة علينا.

(عَلى مَكانَتِكُمْ). (١٣٥)

__________________

(١) البيتان لأبي ذؤيب الهذلي ، والثمراء : جبل ، والجوارس : الأواكل من النحل. قتر الغلاء : واحدها قترة وهو سهم الأهداف ، والغلاء : المغالاة في الرمي. شبّه سرعة النحل بقتر الغلاء والصياب : القصّد ، صاب : قصد. وفي المخطوطة : مستدل ضبابها. وهو تصحيف. وهما في المعاني الكبير ٢ / ٦١٨ ؛ وديوان الهذليين ١ / ٧٦ ـ ٧٧.

(٢) قال الحسن : وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أنّ الجنّ أمرت ، وعملت الإنس.

(٣) البيت في بهجة المجالس ١ / ٣٦٧ ؛ والتمثيل والمحاضرة ص ٤٥٣ من غير نسبة.

(٤) سورة النساء : آية ١١٥.

(٥) في الديوان [تواكلني بنو العلّات منكم]. ومالك هو مالك بن مسمع الجحدري ، ويزيد بن الحارث الشيباني والي عبد الملك على الري. راجع ديوان الأخطل ص ٢١٣.

٣٤٧

طريقتكم. وقيل : على تمكنكم.

(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ).

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ). (١٣٦)

أي : خلق.

(مِنَ الْحَرْثِ) سمّوا لله حرثا ، ولأصنامهم حرثا ، ثمّ ما حملته الريح من حرث الله واختلط بحرث الأصنام تركوه وقالوا : الله غنيّ عن هذا. وعلى العكس.

(ساءَ ما يَحْكُمُونَ).

موضع (ما) رفع ، أي ساء الحكم حكمهم ، أو نصب ، أي : ساء حكما حكمهم.

(وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ). (١٣٧)

لبست الثوب ألبسه ، ولبست عليه الأمر ألبسه.

(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا). (١٤١)

قيل : إنّه في منع الزيادة على الزكاة على وجه المباراة (١).

__________________

(١) أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي العالية في الآية قال : كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة ، ثم إنهم تباذروا وأسرفوا ، فأنزل الله : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). انظر تفسير الطبري ٨ / ٦٠. وعن سعيد بن جبير قال : كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، الرجل يعطي من زرعه ، ويعلف الدابة ، ويعطي اليتامى والمساكين. ويعطي الضغث. وعن عطية العوفي قال : كانوا إذا حصدوا ، وإذا ديس وإذا غربل أعطوا منه شيئا ، فنسخها العشر ونصف العشر. وعن عكرمة قال : نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن.

٣٤٨

ـ وقيل : إنّه يكون السرف بمعنى التقصير (١). قال جرير :

٣٩٤ ـ أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية

ما في عطائهم منّ ولا سرف (٢)

أي : تقصير.

(حَمُولَةً وَفَرْشاً). (١٤٢)

الحمولة : كبار الإبل التي تحمل عليها. والفرش : صغارها التي لا تحمل عليها.

وعن ابن عباس : إنّ الفرش الغنم وما يؤكل من الراتعة.

وفسّر أبو عبيدة قول الهذلي :

٣٩٥ ـ ولله فتخاء الجناحين لقوة

توسّد فرخيها لحوم الأرانب

٣٩٦ ـ كأنّ قلوب الطير في جوف وكرها

نوى القسب يرمى عند بعض المآرب (٣)

وقال : توسد فرخيها : تفرشها ، كقوله تعالى : (حَمُولَةً وَفَرْشاً) ، أي : جعل اللحوم المأكولة وسادة كما جعلها الله فرشا. وهذا معنى غريب رغيب ، ونظر بديع بعيد.

__________________

(١) السرف يكون بمعنى الإغفال. والتقصير ينتج عن الإغفال ، قال الصاغاني : وقد سرفت الشيء : إذا أغفلته وجهلته. وحكي عن بعض الأعراب وواعده أصحاب له من المسجد مكانا فأخلفهم ؛ فقيل له في ذلك فقال : مررت بكم فسرفتكم. أي : أغفلتكم.

(٢) البيت في ديوانه ص ١٧٤ ، وفي تفسير القرطبي ٧ / ١١١ ؛ ومجمل اللغة ٢ / ٤٩٣ ؛ والعباب مادة : سرف.

(٣) البيتان لصخر الغي الهذلي وقوله فتخاء الجناحين : أي لينة مفصل الجناح. اللقوة : المتلقفة إذا أرادت شيئا تلقفته. والقسب : التمر اليابس ، ونواة القسب أصلب من غيرها. وإنما يريد كثرتها. راجع ديوان الهذليين ٢ / ٢٥ ، والثاني في المذكر والمؤنث لابن الأنباري ص ٤٣٤. ولم يعرفه المحقق.

٣٤٩

ولأنّهم كما يتنعمون بالفرش والوسائد كذلك بالأطايب من المطاعم.

وتلاحظت المعاني فترادفت الألفاظ ، ألا ترى إلى قولهم : ما بها دبيج (١) وتناسل عليها الوشاء (٢) وإنما يريدون بالدبيج الحي الحلول ، وبالوشاء : الماشية السارحة.

وبها تعمر الديار ، تحسن وتطيب الآثار ، وأحدها فعيل من الديباج ، والآخر فعال من الوشي. وكذلك قالوا لأنفس أموالهم : ناقة وجمل ، والناقة : فعلة من : تنوق الشيء وتخيّره وأجوده ، والجمل : فعل من الجمال ، كما قال الله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ).(٣)

ومن معناه يقول القائل :

٣٩٧ ـ جمال معيشة المثري

جمال تدمن الحركه

٣٩٨ ـ إذا أنيخت بباب فتى

أناخت حولها البركه (٤)

(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ). (١٤٣)

أنشأ الأنعام ثمانية أزواج من أربعة أصناف ، من كل صنف اثنين ذكر وأنثى. فذكر الضأن والمعز والبقر والغنم في التي تليها.

__________________

(١) في المخطوطة : ذبيح ، وهو تصحيف. قال الزمخشري : ومن المجاز : ما في الدار دبيج ، فعيل من دبج ، لأن الإنس يزينون الديار ، دبجها : زيّنها.

(٢) قال في أساس البلاغة : وشت الماشية : فشت وكثرت. قال ابن فارس : والواشية : الكثيرة الولد ، ويقال ذلك لكل ما تلد ، والرجل واش ، والوشي : الكثرة ووشى بنو فلان : كثروا. وما وشت هذه الماشية عندي ، أي : ما ولدت. راجع المجمل ٤ / ٩٢٦.

(٣) سورة النحل : آية ٦.

(٤) البيتان في بصائر ذوي التمييز ٢ / ٣٩٦ ؛ والتمثيل والمحاضرة دون نسبة ص ١٩٦. وفيهما التاني أي : الزارع ، بدل [المثري].

٣٥٠

(قُلْ آلذَّكَرَيْنِ).

أي : إن كان التحريم من جهة الذكرين ـ وكل ذكر حرام ـ أم من جهة الأنثيين ـ فكلّ أنثى حرام ـ أم جميع الحلال في الحال ، ثم حرم ما يتولد منه فكلّه حرام ؛ لأنّ الأرحام تشتمل على الجميع.

(نَبِّئُونِي).

خبّروني.

(بِعِلْمٍ) ، أي : بصدق. ثم قال :

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ). (١٤٤)

فخبروني عن مشاهدة ، فالكلام مشتمل على أتمّ تقسيم في الحجاج.

(أَوِ الْحَوايا). (١٤٦)

المباعر. وقيل : كل ما يحوي عليه البطن ، وهي فواعل ، وواحدها : حاوياء وحاوية ، مثل : قاصعاء وقواصع. وإن كان واحدها حوّية فهي فعائل كسفينة وسفائن.

(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها). (١٥٢)

أي : أقيموا الميزان إقامة المثل بمبلغ الوسع (١).

(تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ). (١٥٤)

__________________

(١) أخرج الترمذي وضعفه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا معشر التجار إنكم قد وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم : المكيال والميزان. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما نقص قوم المكيال والميزان إلا سلط الله عليهم الجوع».

٣٥١

أي : تممنا جزاء إحسان موسى ، بأن آتيناه الكتاب.

(أَنْ تَقُولُوا). (١٥٦)

لئلا تقولوا ، أو كراهة أن تقولوا.

(أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ). (١٥٨)

أي : يصير الأمر كله لله. كقوله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)(١).

(بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ).

أشراط الساعة (٢).

(وَكانُوا شِيَعاً). (١٥٩)

أي : اليهود (٣). شايعوا المشركين على المسلمين.

تمت سورة الأنعام ،

ويليها سورة الأعراف

__________________

(١) سورة غافر : آية ١٦.

(٢) أخرج أحمد والترمذي وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) قال : طلوع الشمس من مغربها. المسند ٣ / ٣١ ، والترمذي ٣٠٧٣. وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها. ثم قرأ الآية. فتح الباري ٨ / ٢٩٧ ، والمسند ٢ / ٢٣١. ـ وأخرج أحمد وابن أبي شيبة ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ثلاث إذا خرجت لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل : الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها. المسند ٢ / ٤٤٥ ، وصحيح مسلم ١٥٨.

(٣) أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعائشة : يا عائشة «إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا» هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء وأصحاب الضلالة من هذه الأمة ، ليست لهم توبة. يا عائشة : إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة. أنا منهم بريء وهم مني برآء.

٣٥٢

سورة الاعراف

(أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا). (٤)

هذا وصف إهلاكها ، وذكر مجيئه في وقت نوم وأمنة.

وقيل : إذا علم أنّ الهلاك بمجيء البأس لا يفترقان ، لا يكون الفاء للتعقيب ، كقولك : أعطيت فأحسنت (١).

وقيل : أهلكناها : حكما بالهلاك ، ثم أرسلنا بأسنا.

(أَوْ هُمْ قائِلُونَ).

قال الفرّاء : حذف واو الحال لئلا يكون عطفه (٢) على اللفظ لو قيل : أو وهم (٣).

ـ وقال الزّجاج : تقديره : فجاءهم بأسنا بياتا أو قائلة (٤) ، فاستغنى عن الواو في الثاني تقديرا ، كما استغنى عنها في الأول لفظا. و (قائِلُونَ) معناه : نائمون في انتصاف النهار.

__________________

(١) قال الفراء : لأنّ الهلاك والبأس يقعان معا ؛ كما تقول : أعطيتني فأحسنت. فلم يكن الإحسان بعد العطاء ولا قبله ، إنما وقعا معا. راجع معاني القرآن ١ / ٣٧١.

(٢) في المخطوطة : عقله ، وهو تصحيف.

(٣) عبارة الفراء : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) واو مضمرة. المعنى : أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو وهم قائلون فاستثقلوا نسقا على نسق ، ولو قيل لكان جائزا. معاني القرآن ١ / ٣٧٢.

(٤) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٢ / ٣١٧.

٣٥٣

وهو في اللغة ساكنون. كما قال الراعي :

٣٩٩ ـ تبيت الحيّة النّضناض منه

مكان الحبّ يستمع السّرارا

٤٠٠ ـ فيمّم حيث قال القلب منها

بحجريّ ترى فيه اضطمارا (١)

(دَعْواهُمْ). (٥) دعاؤهم. أنشد أبو زيد :

٤٠١ ـ وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي

بدعواك من مذل بها فتهون (٢)

(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ). (٨)

وهو ميزان واحد ، ولكن جمع إما على تعدد أجزاء الميزان ، أو على تعدد الأعمال الموزونة. كما قال :

٤٠٢ ـ أيا ليلة خرس الدجاج طويلة

ببغدان ما كادت عن الصبح تنجلي (٣)

وقال :

__________________

(١) البيتان للراعي وهما في ديوانه ص ١٤٩ ـ ١٥٠. والأول منهما في طبقات فحول الشعراء ١ / ٥٠٣ ؛ واللسان مادة : حبب ؛ والمخصص ٨ / ١١٠ ؛ وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٢١. والثاني في المعاني الكبير ٢ / ١٠٤١ ؛ واللسان : حجر ؛ والمحكم ٣ / ٩٤. قال ابن سلام : وسمعت يونس ، وقيل له : ما يعني الراعي بقوله : وأنشد البيت. قال يونس : الحبّ القرط ، والنضناض : الذي يخرج لسانه. وقال الجاحظ : وربما باتت الأفعى عند رأس الرجل وعلى فراشه فلا تنهشه. وأكثر ما يكون ذلك من القانص والراعي. راجع الحيوان ٤ / ٢١٥.

(٢) البيت في اللسان مادة : مذل. وهو بغير نسبة فيه. وفي المخطوطة [جعلتك] بدل [دعوتك] وهو غير مستقيم يقال : مذلت رجله مذلا ومذلا ، وأمذلت : خدرت. والبيت ليس في نوادر أبي زيد ، والبيت لكثير عزة ، في ديوانه ٢ / ٢٤٥ ، وزاد المسير ٣ / ١٦٩. وهو في نقائض جرير والأخطل ص ٨٢ من غير نسبة ، ولم ينسبه المحقق : أنطون صالحاني اليسوعي ، وفي عيار الشعر لابن طباطبا ص ٤٠.

(٣) البيت في لسان العرب مادة بغدن ١٣ / ٥٨ ؛ وشفاء العليل ١ / ٢٦٩ ؛ وشرح التسهيل لابن مالك ٢٩٧ ؛ والمساعد ٢ / ٢٦٩ ؛ والمعرّب للجواليقي ٧٤ ولم ينسب. قال الكسائي : يعني خرسا دجاجها.

٣٥٤

٤٠٣ ـ ووجه نقي اللون صاف يزينه

مع الحلي لبّات لها ومعاصم (١)

وإنما هو لبّة ومعصمان. ومن هذا : ثوب أخلاق ، وحبل أحذاق (٢) ، ونعل أسماط (٣) ، وبرمة أعشار (٤).

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ). (١١)

يعني : آدم ، كقوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ)(٥) ، أي : ميثاق آبائكم.

وقيل : خلقناكم في أصلاب آبائكم.

(ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) في الأرحام ، (ثُمَ) أخبرناكم أنا (قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ).

(قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ). (١٢)

جاء على المعنى ، كأنه ما حملك على أن لا تسجد.

(فَبِما أَغْوَيْتَنِي). (١٦)

على القسم. وقيل : على الجزاء. أي : لإغوائك.

__________________

(١) البيت للأعشى في ديوانه ص ١٧٧.

(٢) قال الزمخشري : وحبل أحذاق : مقطع. يقال : حذق السكين الشيء : قطعه. راجع أساس البلاغة : حذق.

(٣) في المخطوطة : وفعل أسماط. وهو تصحيف. قال الزمخشري : ونعل سمط وأسماط : لا رقعة عليها ، وأنشد أبو زيد :

بيض السواعد أسماط نعالهم

بكل ساحة قوم منهم أثر

راجع أساس البلاغة : سمط.

(٤) قال الزمخشري : وقدر أعشار ، وقدور أعشار وأعاشير وهي العظام التي تشعب بكبرها عشر قطع ، وكذلك : جفنة أكسار وجفان أكسار ، وهي المقاري الكبار المشعّبة. راجع الأساس : عشر.

(٥) سورة البقرة : آية ٦٣. وفي المخطوطة : ولقد. وهو تصحيف.

٣٥٥

وفسروا الإغواء بالإضلال وبالتخييب بالإهلاك.

غوي الفصيل (١) : أشفى على الهلاك. وبالتخييب كقوله : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(٢) بالحكم على الغي.

(صِراطَكَ).

نصب على الظرف ؛ لأن الطريق يكون مبهما غير مختص. وقيل : إنه كقولك : ضرب الظهر والبطن. أي : عليهما.

(مَذْؤُماً مَدْحُوراً). (١٨)

الذأم فوق الذم. والدحر : الطرد والإبعاد.

(وَقاسَمَهُما). (٢١)

أقسم لهما. مفاعلة بمعنى الفعل ، كقول الهذلي :

٤٠٤ ـ وقاسمهما بالله جهدا لأنتم

ألذّ من السلوى إذا ما نشورها (٣)

وقيل : إنّه مفاعلة من القسمة. أي : قال لهما : إن كان ذا قلته خيرا فلكما ، وإلا فعليّ دونكما.

(فَدَلَّاهُما). (٢٢)

حطّهما عن درجتهما ، ولا تكون التدلية إلا من علو إلى سفل. يقال : تدلى بنفسه ودلّى غيره.

__________________

(١) قال ابن فارس : غوي الفصيل يغوى غوى : إذا فسد جوفه من شرب اللبن. راجع المجمل ٣ / ٦٨٧.

(٢) سورة مريم : آية ٥٩.

(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. وفي المخطوطة [الذين] بدل ألذ من وهو تصحيف. وقوله نشورها : نأخذها ، والشور : أخذ العسل من موضعه. وهو في البحر المحيط ٤ / ٢٧٩ ؛ وراجع ديوان الهذليين ١ / ١٥٨.

٣٥٦

٤٠٥ ـ فقلت لقلبي : يا لك الخير إنّما

يدلّيك للموت الجديد حبابها (١)

«وطفقا» جعلا «يخصفان» يرفعان الورق بعضها على بعض. من خصف النعل.

قال الأعشى :

٤٠٦ ـ ما نظرت ذات أشفار كنظرتها

حقا كما صدق الذئبي إذ سجعا

٤٠٧ ـ قالت : أرى رجلا في كفّه كتف

أو يخصف النعل لهفي أية صنعا (٢)

(وَلِباسُ التَّقْوى). (٢٦)

رفع على الابتداء. «ذلك خير» خبره ، أو الخبر : خير ، و «ذلك» : فصل لا موضع له من الإعراب.

(إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (٢٧)

وفي معناه لبعض العرب :

٤٠٨ ـ رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى

فكيف بمن يرمى وليس برامي

٤٠٩ ـ ولو أنّها نبل يرى لا تّقيتها

ولكنّما أرمى بغير سهام (٣)

(وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ). (٢٩)

أدركتم صلاته ولا تؤخروها لمسجدكم. وقيل : إنّه أمر بالتوجه إلى الجماعة.

__________________

(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي وهو في شرح ديوان الحماسة للتبريزي ١ / ٣٠ ؛ واللسان : جدّ.

(٢) البيتان للأعشى ، وفي المخطوطة [ذا شفار] وهو تصحيف. و [الريني]. وهو تصحيف. و [إن شجعا] وهو تصحيف. والذئبي : سطيح الكاهن ، سجع : أي تنبأ بكلام مسجع وهما في الديوان ص ١٠٦ ؛ والكامل للمبرد ٢ / ٣١.

(٣) البيتان لعمرو بن قميئة. وقيل لزهير.

وفي رواية :

فلو أنني أرمى بنبل رأيتها

ولكنني أرمى بغير سهام

وهما في العقد الفريد ١ / ٢٧٤ ؛ والأغاني ١٦ / ٥٠. والشعر والشعراء ص ٢٣٨.

٣٥٧

(كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ). (٢٩)

ما معناه فيه أقوال : كما خلقكم ولم تكونوا شيئا كذلك يعيدكم أحياء.

وقال ابن عباس : كما بدأكم فمنكم شقي وسعيد كذلك تبعثون.

قال عليه الصلاة والسّلام : «تبعث كلّ نفس على ما كانت عليه» (١).

قال قتادة : كما بدأكم من التراب تعودون إليه. (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ).(٢)

وفي معناه قيل :

٤١٠ ـ خلقت من التراب فصرت شخصا

ينادي بالفصيح من الخطاب

٤١١ ـ وعدت إلى التراب فصرت فيه

كأنّك ما برحت من التراب (٣)

(خالِصَةً). (٣٢)

نصب على الحال. والعامل فيه اللام ، أي : وهي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها يوم القيامة. والحال يقتضي المصاحبة. وكونها لهم يوم القيامة مصاحب لكونها لهم في الدنيا. إنهما داران لا فاصل بينهما.

(يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ). (٣٧)

أي : ما سبق لهم الكتاب به من العذاب (٤). وقيل : ما كتب لهم من

__________________

(١) الحديث أخرجه مسلم عن جابر بلفظ [من مات على شيء بعثه الله عليه] وعنه أيضا : [يبعث كل عبد على ما مات عليه ، المؤمن على إيمانه والكافر على كفره] أخرجه البغوي ؛ ومسلم دون [المؤمن على إيمانه ..] راجع شرح السنة ١٤ / ٤٠١ ـ ٤٠٢ ؛ وصحيح مسلم رقم (٢٨٧٨).

(٢) سورة طه : آية ٥٥.

(٣) البيتان في سمير المؤمنين ص ٤٤.

(٤) وهو قول أبي صالح. رواه عنه ابن أبي شيبة ، وابن جرير ٨ / ١٦٩.

٣٥٨

الأعمال والأرزاق (١).

(ادَّارَكُوا). (٣٨)

تداركوا ، أي : تتابعوا وتلاحقوا.

(لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ). (٤٠)

قال ابن عباس : لأرواحهم (٢). وقال الحسن : لدعائهم. وقال مجاهد : لأعمالهم.

(سَمِّ الْخِياطِ).

ثقب الإبرة ، وفي بعض القراءة : «حتّى يلج الجمّل» (٣) والجمل بالتثقيل والتخفيف. وهما الحبل الغليظ.

(وَعَلَى الْأَعْرافِ). (٤٦)

سور بين الجنة والنار. سمي بذلك لارتفاعه.

(رِجالٌ).

قيل : هم العلماء الأتقياء. وقيل : قوم توازنت حسناتهم وسيئاتهم وقفهم

__________________

(١) أخرج ابن جرير ٨ / ١٧١ وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : من الأعمال ، من عمل خيرا جزي به ومن عمل شرا جزي به. وقال محمد بن كعب : هو رزقه وأجله وعمله.

(٢) أخرج أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل صالحا قالت : اخرجي أيتها النفس الطيبة ، كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ، ورب راض غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة. فإذا كان الرجل السوء قالت : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة ، وأبشري بحميم وغسّاق وآخر من شكله أزواج ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها فيقال : من هذا؟ فيقال : فلان. فيقال : لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث. ارجعي ذميمة فإنها لا تفتح لك أبواب السماء ، فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر». انظر الدر المنثور ٣ / ٤٥٣.

(٣) وهي قراءة شاذة ، قرأ بها ابن عباس.

٣٥٩

الله بالأعراف لم يدخلوا الجنة ولا النار ، وهم يطمعون ويخافون (١) كما قيل في معناه :

٤١٢ ـ فكأنّي بين الوصال وبين ال

هجر ممّن مقامه الأعراف

٤١٣ ـ في محل بين الجنان وبين الن

ار أرجو طورا وطورا أخاف (٢)

(بِسِيماهُمْ). (٤٨)

بعلامتهم في نضرة الوجوه وغبرتها ، والسيما للإنسان كالسمة للأنعام.

قال :

٤١٤ ـ وأصبح أخداني كأنّ عليهم

ملاء العراق والثّغام المنزّعا

٤١٥ ـ يبيّنهم ذو اللبّ حتى يراهم

بسيماهم بيضا لحاهم وأصلعا (٣)

(يَطْلُبُهُ حَثِيثاً). (٥٤)

(يَطْلُبُهُ) : يجوز حالا من النهار ـ وإن كان مفعولا ـ كقولك : ضربت هند زيدا مؤلمة له. فيكون «مؤلمة» حالا من هند ومن زيد أيضا ؛ لأنّ لكل واحد منهما في الحال ضميرا.

(إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ). (٥٦)

حمل على المعنى ، إذ المعنى : إنعامه وثوابه ، وقيل : تقديره : مكان رحمة الله أو زمانه.

__________________

(١) أخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أصحاب الأعراف؟ فقال : هم آخر من يفصل بينهم العباد ، فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال : أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ولم تدخلوا الجنة ، فأنتم عتقائي ، فارعوا من الجنة حيث شئتم. انظر الدر المنثور ٣ / ٤٦٣ ، وتفسير الطبري ٨ / ١٩٠.

(٢) البيتان لمحمد بن أبي زرعة الدمشقي ، وهما في روضة المحبين ص ٣٢٧ ؛ وسمط اللآلىء ٣ / ٥١٧ ؛ والوساطة بين المتنبي وخصومه ص ٣٩٤

(٣) البيتان للأسود بن يعفر ، ويروى [صلعا] بدل [أصلعا] وهما في نوادر أبي زيد ٤٥١. والثاني في المنصف ٣ / ٤٤ ؛ والتكملة للفارسي ص ٢٨٢.

٣٦٠