وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

أخذ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبضة من تراب ، فحثاه في وجوههم وقال : شاهت الوجوه ، فكانت الهزيمة (١).

(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً).

أي : ولينعم عليهم نعمة عظيمة.

(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ). (١٩)

نزلت في المشركين استنصروا يوم بدر ، وقالوا : من كان أقطعنا للرحم ، وأظلمنا فانصر عليهم (٢).

(لَأَسْمَعَهُمْ). (٢٣)

أي : كلام الذين طلبوا إحياءهم من قصي بن كلاب وغيره.

وقيل : هو في دلائل الله وآياته. أي : لو علم الله أنهم يصلحون بها لأسمعهم إياها.

(يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ). (٢٤)

أي : بالوفاة وغيرها من الآفات ، فلا يمكنه تلافي مافات.

وقيل : يحول بين المرء وما يتمناه بقلبه من طول العمر والأمل ، ودوام الدنيا.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي قالا : لما دنا القوم بعضهم من بعض ، أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال : شاهت الوجوه ، فدخلت في أعينهم كلهم ، وأقبل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقتلونهم ، وكان هزيمتهم في رمية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى). راجع الدر المنثور ٤ / ٤٠ ، وتفسير الطبري ٩ / ٢٠٥.

(٢) أخرج أحمد ٥ / ٤٣١ والنسائي والحاكم وصححه ٢ / ٣٢٨ عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال حين التقى القوم : اللهمّ أقطعنا للرحم ، وأتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة. فكان ذلك استفتاحا منه فنزلت : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ). الآية.

٣٨١

٤٤٢ ـ يؤمّل دنيا لتبقى له

فوافى المنية دون الأمل

٤٤٣ ـ تراه يروّي أصول الفسيل

فعاش الفسيل ومات الرجل (١)

وفي معنى القولين أنشد أبو عمرو :

٤٤٤ ـ ما القلب إلا ما أنشاه في حجب

وحقّه بمنى تقوى وآمال

٤٤٥ ـ تقوّي بقلبك أو طارا وينقضها

مقلّب القلب من حال إلى حال (٢)

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ معناها : «يحول به بين المؤمن والمعاصي» (٣) من إصلاحه للقلوب.

وفي معناه :

٤٤٦ ـ أقول ـ والنفس سكرى في تحيّرها ـ

ياذا المعارج أوضح كلّ مشتبه

٤٤٧ ـ أنت الطبيب لأدواء القلوب فيا

طبيبها داو قلبي من تقلّبه (٤)

__________________

(١) البيت يروى أيضا :

يؤمل دنيا لتبقى له

فمات المومّل قبل الأمل

وهما في بهجة المجالس ٣ / ٣٣٣ ؛ وعيون الأخبار ٢ / ٣٠٦ ؛ وكان صالح المري يتمثل بهما ، وينسبان لسيبويه. انظر شرح مقامات الحريري ٢ / ١٣.

(٢) لم أجدهما.

(٣) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن هذه الآية : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) قال : يحول بين المؤمن والكفر ، ويحول بين الكافر وبين الهدى. الدر المنثور ٤ / ٤٥.

(٤) لم أجدهما.

٣٨٢

(لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا). (٢٥)

في معنى النهي لا الخبر (١) ، لتكون الفتنة خاصّة بالظالمين (٢).

ولو كان تأويل الآية عموم الفتنة لقال : لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة.

وقال الكسائي : هو نهي في معنى الجزاء ، مثل قولك : انزل عن الدابة لا تطرحنّك.

ولو كان جزاء خالصا ما دخلته النون ، كقولك : قم أضربك.

(تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ). (٢٦)

المؤمنون في أول الإسلام. وقيل : قريش ، وكانوا قليلا أيام جرهم وخزاعة.

(يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً). (٢٩)

مخرجا. وقيل : فتحا ، لقوله : (يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ)(٣).

(لِيُثْبِتُوكَ). (٣٠)

أي : في الوثاق والحبس. وقيل : يثخنوك. رماه فأثبته.

(أَوْ يُخْرِجُوكَ).

قال أبو البختري : نخرجه على بعير شرود ، يطرد حتى يهلك.

__________________

(١) في المخطوطة : خير ، وهو تصحيف.

(٢) قال المبرد : إنه نهي بعد أمر ، والمعنى النهي للظالمين ، أي : لا تقربن الظلم. وحكى سيبويه : لا أرينّك ههنا ؛ أي : لا تكن ههنا ؛ فإنه من كان ههنا رأيته. وقال الجرجاني : المعنى اتقوا فتنة تصيب الذين ظلموا خاصة. راجع القرطبي ٧ / ٣٩٣.

(٣) سورة الأنفال : آية ٤١.

٣٨٣

وقال أبو جهل : تجتمع عليه القبائل ، فلا يقاومهم بنو هاشم فيرضون بالدية ، فحينئذ خرج إلى الغار وهاجر.

(مُكاءً). (٣٥)

المكاء صوت المكّاء (١). شبّه الصفير به لشدة صوتها ، قال القطامي :

٤٤٨ ـ قفر يظلّ مكاكي النّهار به

كأنّ أصواتها أصوات نشّاد (٢)

والتصدية : التصفيق.

وقيل : تصدية عن البيت ، من صدد يصدد ، فأبدلت الدال ياء كما في : التظني ، و :

٤٤٩ ـ ...............

تقضّي البازي ... (٣)

وقيل : من صدّ يصدّ إذا ضجّ كقوله تعالى : (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ)(٤).

(فَيَرْكُمَهُ). (٣٧)

ويجعل بعضه فوق بعض كالرمل الركام ، والسحاب الركام.

ـ الجزء العاشر ـ

(فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ). (٤١)

أي : لبيت الله ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يضرب يده في خمس الغنيمة

__________________

(١) المكاء : الصفير على لحن طائر أبيض بالحجاز يقال له المكّاء ، راجع المجمل مادة : مكو ، وتفسير القرطبي ٧ / ٤٠٠. وقيل : المكاء : صوت القنبرة ، والتصدية : صوت العصافير.

(٢) راجع ديوان القطامي ص ٨.

(٣) البيت :

إذا الكرام ابتدروا الباع بدر

تقضّي البازي إذا البازي كسر

والرجز للعجاج في اللسان قضى ، وديوانه ص ٢٨ ؛ وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٥٩.

(٤) سورة الزخرف : آية ٥٧.

٣٨٤

فيأخذ منه قبضة للكعبة (١).

وقيل : سهم الله وسهم الرسول واحد ، وذكر الله لتشريف السهم ، أو لافتتاح الذكر.

(بِالْعُدْوَةِ). (٤٢)

العدوة : شفير الوادي. بضم العين وكسرها وفتحها.

(وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ). (٤٢)

أبو سفيان وأصحابه.

(وَلَوْ تَواعَدْتُمْ).

أي : من غير عون الله وإرادته لاختلفتم.

(وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ).

وقد اقتبسه أبو عليّ الواسطي (٢) :

٤٥٠ ـ لما رأيت سلوي غير متّجه

وأنّ غرب اصطباري عاد مفعولا

__________________

(١) أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ١٠ / ٤ وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ...) قال : كان يجاء بالغنيمة فتوضع ، فيقسمها رسول الله على خمسة أسهم ، فيعزل سهما منه ويقسم أربعة أسهم بين الناس ـ يعني لمن شهد الوقعة ـ ثم يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله ، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة فهو الذي سمى لله تعالى. لا تجعلوا لله نصيبا : فإن لله الدنيا والآخرة. ثم يعمد إلى بقية السهم فيقسمه على خمسة أسهم : سهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل. راجع الدر المنثور ٤ / ٦٦.

(٢) هو الحسن بن القاسم المعروف بغلّام الهراس ، شيخ العراق والجوال بالآفاق ، أحد من عني بالقراءات. توفي سنة ٤٦٨. راجع شذرات الذهب ٣ / ٣٢٩ ؛ وطبقات ابن الجزري ١ / ٢٢٨.

٣٨٥

٤٥١ ـ دخلت بالرّغم مني تحت طاعتكم

ليقضي الله أمرا كان مفعولا

(وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).

كان حيي يحيى مثل : علم يعلم. وقد قرىء بها (١) ، إلا أنه شدد الياء تخفيفا كما قالوا : عيّ بأمره. ألا ترى أنّ من العرب من يقول : علم زيد ، يعني علم. تخفيفا فيما ليس بمثلين فأولى في المثلين.

(فِي مَنامِكَ قَلِيلاً). (٤٣)

في عينيك ، لأنها موضع النوم ، كالمقام موضع الإقامة. وقيل : إنّه رؤيا النوم لتجربة المسلمين (٢).

(وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ). (٤٤)

لئلا يستعدّوا لكم.

(وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ). (٤٦)

دولتكم. أنشد أبو عبيد ل ضرار بن الخطاب :

٤٥٢ ـ قد عوّدوا كلّ يوم أن تكون لهم

ريح القتال وأسلاب الذين لقوا (٣)

(نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ). (٤٨)

__________________

(١) قرأ بها نافع والبزي وقنبل وأبو بكر وأبو جعفر ويعقوب وخلف ، بكسر الياء الأولى مع فك الإدغام وفتح الثانية. راجع الإتحاف ص ٢٣٧.

(٢) قال مجاهد : أراه الله إياهم في منامه قليلا ، فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه بذلك ، وكان تثبيتا لهم.

(٣) البيت في البحر المحيط ٤ / ٥٠٤ من غير نسبة. وصدره فيه : «قد عوّدتهم صباهم أن يكون لهم». وهو في الدر المصون ٥ / ٦١٧ ؛ وسيرة ابن هشام ٢ / ١٤٦. وفي المخطوطة : وأسلب ، وهو تصحيف.

٣٨٦

رجع القهقرى ذليلا خاسئا.

(تَثْقَفَنَّهُمْ). (٥٧) (١)

تجدنّهم وأصله : لإدراك الشيء والأخذ منه. ومنه تثقيف السهام. قال العاملي :

٤٥٣ ـ وقصيدة قد بتّ أجمع بينها

حتى أقوّم ميلها وسنادها

٤٥٤ ـ نظر المثقّف في كعوب قناته

حتى يقيم ثقافه منآدها (٢)

(فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ).

نكّل بهم تنكيلا يشرّد غيرهم ويخوفهم.

(وَإِمَّا تَخافَنَ)(٣). (٥٨)

أي : إن خفت. ونحن ننكر (ما) أو غيرها تجيء زائدة في القرآن (٤).

__________________

(١) في المخطوطة : (يثقفنكم) وهو تصحيف.

(٢) البيتان لعدي بن الرقاع العاملي. وقوله سنادها. السناد : اختلاف الحروف والحركات المرعية قبل روي القافية ومنآدها : عوجها. راجع الشعر والشعراء ص ٤١٠. وهما في البيان والتبيين ٣ / ١٩٩ ؛ ومحاضرات الأدباء للراغب الأصبهاني ١ / ٨٢.

(٣) قال الفارسي : جميع ما في القرآن من الشرط بعد (إما) مؤكد بالنون لمشابهة فعل الشرط بدخول (ما) للتأكيد لفعل القسم من جهة أنّ (ما) كاللام في القسم لما فيها من التأكيد.

(٤) قال ابن هشام : وينبغي أن يتجنب المعرب أن يقول في حرف في كتاب الله تعالى : إنّه زائد لأنّه يسبق إلى الأذهان أنّ الزائد هو الذي لا معنى له ، وكلام الله سبحانه منزّه عن ذلك. وقد وقع هذا الوهم للإمام فخر الدين الرازي فقال : والمحققون على أنّ المهمل لا يقع في كلام الله سبحانه ، فأمّا (ما) في قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ) فيمكن أن تكون استفهامية للتعجب ، والتقدير : فبأي رحمة. انتهى. والزائد عند النحويين معناه : الذي لم يؤت به إلا لمجرد التقوية والتوكيد لا المهمل. ثم قال ـ أي ابن هشام ـ : وكثير من المتقدمين يسمون الزائد صلة ، وبعضهم يسميه مؤكدا وبعضهم يسميه لغوا ، لكن اجتناب هذه العبارة في التنزيل واجب. اه. راجع الإعراب عن قواعد الإعراب ص ١٠٨ ـ ١٠٩.

٣٨٧

فالمعنى ههنا نقل الفعل من الماضي إلى المستقبل مع ما حدث من حسن اللفظ بالغنّة التي يحدثها اجتماع إن مع الميم.

(فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ). (٥٩)

فألق إليهم حديث الحرب.

(عَلى سَواءٍ).

على استواء في العلم منك ومنهم. وعن هذا كانت ألفاظ السواء والسواءى ، والعدل والوسط ، والقسط والقصد والنصف متقاربة المعاني.

(وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ). (٦٠)

بنو قريظة (١) ، وما قيل بنو قينقاع (٢).

(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ). (٦٣)

يعني الأوس والخزرج ، وكانوا يتفانون في الحروب.

(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى)(٣). (٦٧)

في أسارى بدر حين رأى النبي عليه‌السلام فيهم الفداء بعد شورى

__________________

(١) وهذا قول مجاهد. رواه عن ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي شيبة وأبو الشيخ.

(٢) قال الله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ). قال القرطبي : ولا ينبغي أن يقال فيهم شيء. لأن الله سبحانه قال : (لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) فكيف يدعي أحد علما بهم. إلا أن يصح حديث جاء في ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو قوله في هذه الآية : هم الجن. ثم قال رسول الله : «إن الشيطان لا يخبل أحدا في دار فيها فرس عتيق». اه. وهذا الحديث أسنده الحارث بن أبي أسامة ، وأبو يعلى والطبراني وابن منده وابن مردويه وابن عساكر. راجع تفسير القرطبي ٨ / ٣٨ ؛ والدر المنثور ٤ / ٩٧.

(٣) قرأ أبو عمرو ويعقوب تكون بالتاء.

٣٨٨

الصحابة (١).

(حَتَّى يُثْخِنَ). (٦٧)

يكثر من القتل.

(عَرَضَ الدُّنْيا).

ومتاع الدنيا عرض لقلة بقائه ، ووشك فنائه.

(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ). (٦٨)

أنّه لا يعذّب إلا بعد مظاهرة البيان ، وقيل : إنّه ستحلّ لكم الغنائم (٢).

(فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً).

أي : بصيرة وإنابة.

(يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ)(٣). (٧٠)

__________________

(١) أخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال : استشار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال : إن الله أمكنكم منهم فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، اضرب أعناقهم. فأعرض عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا أيها الناس إنّ الله قد أمكنكم أعناقهم. فأعرض عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم عاد فقال مثل ذلك ، فقام أبو بكر الصديق. رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء ، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء ، فنزل : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ..). الآية. راجع الدر المنثور ٤ / ١٠٤ ؛ والمسند ٣ / ٢٤٣.

(٢) عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) قال : سبق لأهل بدر من السعادة : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) ، قال : من الفداء عَذابٌ عَظِيمٌ. وعن ابن عباس قال : سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعلموا بالمعصية.

(٣) في المخطوطة : يريكم ، وهو تصحيف.

٣٨٩

من الفداء. نزلت في العباس (١) حين فدى نفسه وابني أخيه عقيلا ونوفلا.

قال العباس : فأتاني الله خيرا منه مالا كثيرا ، منها عشرون عبدا أدناهم يضرب بعشرين ألف دينار.

(مِنْ وَلايَتِهِمْ). (٧٢)

الاجتماع على التناصر والتصافي.

(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ). (٧٤)

طعام الجنة ، لا يستحيل نجوا بل كالمسك رشحا.

تمّت سورة الأنفال ،

ويليها سورة التوبة

* * *

__________________

(١) وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان العباس رضي الله عنه قد أسر يوم بدر ، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب. فقال حين نزلت : ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ : لقد أعطاني الله خصلتين ما أحب أنّ لي بهما الدنيا ، إني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية فأعطاني الله أربعين عبدا ، وإني أرجو المغفرة التي وعدنا الله. الدر المنثور ٤ / ١١٢ ؛ وتفسير الطبري ١٠ / ٤٩.

٣٩٠

سورة التّوبة (١)

(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ). (٢)

أولها عاشر ذي الحجة من سنة تسع ، وأخيرها عاشر شهر ربيع الآخر.

قال الحسن : كانت مدة النداء بالبراءة في الأربعة أشهر لمن ليس له عهد (٢). وأما من له عهد فإنّ تمام مدته كما قال :

(فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ). (٤)

وقيل : كان منهم من عهده أكثر من أربعة أشهر فحط إليها ، وهم البادئون بالعزم على النكث. ومن كان عهده أقلّ ـ وهم الأوفياء ـ رفع إليها.

__________________

(١) قال ابن عباس : نزلت براءة بعد فتح مكة بالمدينة. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي عن البراء رضي الله عنه قال : آخر آية نزلت : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) وآخر سورة نزلت تامة براءة. فتح الباري ٨ / ٣١٦. ـ وأخرج الطبراني في الأوسط عن عليّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المنافق لا يحفظ سورة هود وبراءة ويس والدخان وعم يتساءلون». وقال عمر بن الخطاب : ما فرغ من تنزيل براءة حتى ظننا أنه لم يبق أحد إلا سينزل فيه ، وكانت تسمّى الفاضحة.

(٢) أخرج أحمد والنسائي ٥ / ٢٣٤ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنت مع عليّ رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. إلى أهل مكة ببراءة ، فكنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فإنّ أمره أو أجله إلى أربعة أشهر ، فإذا مضت الأربعة أشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله ، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك.

٣٩١

والمشركون الذين لا عهد لهم فيقاتلون بعد انقضاء الأشهر الحرم المعهودة ، ولا ينظرون تمام النداء وكان القتال إذ ذاك في الأشهر الحرم محرما كما قال :

(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ). (٥)

(إِلًّا). (٨)

حلفا وعهدا ، وقيل : مودة ووصلة (١). وكلا المعنيين يحتمله قول خفاف :

٤٥٥ ـ أعباس إنّ الذي بيننا

أبى أن يجاوزه أربع

٤٥٦ ـ علائق من حسب داخل

مع الإلّ والنسب الأرفع (٢)

وأعيد (لا يَرْقُبُونَ) ؛

لأنّ الأول في جميع الناقضين للعهد ، والثاني في الذين اشتروا بآيات الله ـ وهم قوم أطعمهم أبو سفيان ـ ليصدوا الناس عن الإسلام.

(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ). (١٣)

يعني قريشا إذ غدروا بخزاعة (٣).

__________________

(١) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : إِلًّا وَلا ذِمَّةً؟ قال : الإل : القرابة ، والذمة : العهد. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

جزى الله إلا كان بيني وبينهم

جزاء ظلوم لا يؤخر عاجلا

(٢) البيتان في ديوانه ص ٥١٢ ؛ وشرح الحماسة للتبريزي ٢ / ٩٠.

(٣) قال مجاهد : قتال قريش حلفاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهمّهم بإخراج الرسول. زعموا أنّ ذلك عام عمرة النبي في العام السابع للحديبية ، وجعلوا في أنفسهم إذا دخلوا مكة أن يخرجوه منها ، فذلك همّهم بإخراجه ، فلم تتابعهم خزاعة ، فلمّا خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة قالت قريش لخزاعة : عميتمونا عن إخراجه ، فقاتلوهم فقتلوا منهم رجالا. راجع الدر المنثور ٤ / ١٣٨.

٣٩٢

(وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ). (١٦)

لمّا يفعل : نفي الفعل مع تقريب وقوعه ، ولم يفعل : نفي بغير إيذان بوقوعه. ومعنى الآية : أم حسبتم أن تتركوا ولم تجاهدوا ؛ لأنهم إذا جاهدوا علم الله ذلك منهم.

(وَلِيجَةً).

خلطاء يناجونهم. الواحد والجماعة فيه سواء.

وقيل : الوليجة : الدخيلة والبطانة الذي يدخل في باطن أمر الرجل.

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ).

وأهل الكتاب يقرون بالنشأة الآخرة ، لكن إيمانهم على غير علم ولا استبصار ، وبخلاف ما وصف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أحوال اليوم الآخر ومن مدة العذاب (١).

(عَنْ يَدٍ). (٢٩)

عن قهر واستعلاء منكم عليهم (٢).

قال أبو عبيدة : كلّ من أطاع لقاهر بما يعطيه عن ذل وضرورة أو هوى وصبابة فقد أعطاه عن يد.

قال الشاعر :

٤٥٧ ـ لم أعطها عن يدي إذ بتّ أرشفها

إلا تطاول غصن الجيد بالجيد

__________________

(١) قال ابن عباس في قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) قال : نسخ بهذا العفو عن المشركين.

(٢) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الجزية عن يد؟ قال : «جزية الأرض والرقبة ، جزية الأرض والرقبة».

٣٩٣

٤٥٨ ـ كما تطاعم في خضراء ناعمة

مطوّقان أصاخا بعد تغريد (١)

وقيل : إن المراد يد المؤدي (٢) ، فإنّه الذي يلبّب ويقام بين يدي من يأخذ الجزية حتى يؤديها عن يده وهذا تأويل الصغار ، وعن هذا سقطت بالموت والإسلام عندنا ؛ لأنّ الاستيفاء عن يده ، وعلى هذه الصورة لا يتصور ، فكأنه تعالى قال : قاتلوهم حتى يذلوا ذلا يبقى على الأيام.

وفي أقلّ هذا الهوان ما يزيد على كثير من العذاب والقتل ، فسقط قول الطاعن في سقوط القتل عنهم بغرض يسير لا يعبأ به.

٤٥٩ ـ ألم تر أنيّ لا تبلّ رميّتي

وإن أرم لا تخطىء مقاتله نبلي

٤٦٠ ـ رأيتك لا تحمي عقالا ولم تزد

فما لاقيت شرّ من القتل (٣)

ألا ترى أنّ بني تغلب لمّا عثرت على هذا الذيل المبير المبين كيف أبت عنها إلى القتال وأرسلت إلى عمر رضي الله عنه بأنّا أشرعنا اليد لألسنة الرهان دونها ، فأجاب عمر : إذا أجزوكم جزاء العير المعافير كعادة الله في سواكم ، ثم رضوا بالخمس من المعشور والضعف من المصدوق ، وهي على الأضعاف من جزائهم ، وأرسل عمر بالمصدّق إليهم ولم يكلّفهم أن يعطوها عن يد ، كما قال بعض مصدّقيه :

٤٦١ ـ غدت من لؤي خيمات ملومة

الذرى غرائب من آل تغلب والنّمر

٤٦٢ ـ يؤمّ أبا حفص ودون لقائه

قرى النيب فالصمان من جبلي حجر (٤)

وجرير كثير التنبيه على معارّ الجزية مثل قوله :

__________________

(١) البيتان في الحيوان للجاحظ ٣ / ١٥٨ من غير نسبة ، وفيه [لم أعطها بيدي] واللسان مادة طعم ١٢ / ٣٦٧.

(٢) وفي هذا قال سفيان بن عيينة : من يده ولا يبعث بها مع غيره.

(٣) البيتان لجرير في ديوانه ص ٣٤٨ ؛ والمثل السائر ٣ / ٢٧٦ ، والأول في التذكرة السعدية ص ١٧٤.

(٤) لم أجدهما ، وفيهما تصحيف.

٣٩٤

٤٦٣ ـ أدّ الجزي ودع الفخار بتغلب

واخسأ بمنزلة الذليل الصّاغر (١)

وقوله :

٤٦٤ ـ رويدكم مسيح الصليب إذا دنا

هلال الجزي فاستعجلوا بالدّراهم (٢)

وقوله :

٤٦٥ ـ لنا كلّ عام جزية تتّقي بها

عليك وما تلقى من الذّلّ أبرح (٣)

وقوله :

٤٦٦ ـ ويسعى التّغلبيّ إذا اجتبينا

بجزيته وينتظر الهلالا (٤)

وقوله :

٤٦٧ ـ فخلّ الفخر يا ابن أبي خليد

وأدّ خراج رأسك كلّ عام (٥)

إلى غير ذلك من معاني بديعة ، وألفاظ فصيحة. كلها معاني قوله عزوجل : (عَنْ يَدٍ) وهو أربعة أخرى.

(يُضاهِؤُنَ). (٣٠)

يشابهون. امرأة ضهياء. ولا يختص بتشبهها بالرجال.

(قاتَلَهُمُ اللهُ). (٣٠)

__________________

(١) البيت في ديوان جرير ص ٢٣٩.

(٢) في المخطوطة : أزيدكم وهو تصحيف ، وهو في ديوان جرير ص ٤٦١.

(٣) في المخطوطة : تنفي بها بدل تتقي. والتصحيح من الديوان. راجع ص ٨٧ من الديوان.

(٤) البيت في ديوانه ص ٣٣٠ ؛ ونقائض جرير والأخطل ص ١٩٥.

(٥) وفي الديوان [ذرنّ] بدل فخلّ. وفي المخطوطة : خليل وهو تصحيف عن خليد ، راجع ديوان ص ٤٦٢.

٣٩٥

كما قال عبيد بن الأبرص :

٤٦٨ ـ قاتلها الله تلحاني وقد علمت

أنّي لنفسي إفسادي وإصلاحي (١)

(يُحْمى عَلَيْها). (٣٥)

يوقد عليها (٢).

(فِي كِتابِ اللهِ). (٣٦)

في اللوح المحفوظ.

(ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).

الحساب المستقيم.

(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).

بإخلالها. وقيل : بمعصية الله فيها. وقيل : بأن تتركوا فيها قتال عدوكم.

(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ). (٣٧)

يجوز مصدرا بمعنى النساء ، وفاعلا كالبشير والنذير (٣) ، أي : الناسيء ذو (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) وهو الناسي لا الذي خلاف الذاكر ، ويجوز مفعولا كالقتيل

__________________

(١) في المخطوطة : وقاتلها بزيادة الواو. البيت في ديوان عبيد ص ٥٢ ؛ والبحر المحيط ٢ / ٣١ ؛ وتفسير القرطبي ٨ / ١١٩ ؛ ونسبه لأبان بن تغلب ، وهو وهم.

(٢) أخرج مسلم في صحيحه برقم ٩٨٧ وأبو داود برقم ١٦٥٨ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح ، ثمّ أحمي عليها في نار جهنم ، ثمّ يكوى بها جبينه وجبهته وظهره ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار.

٣٩٦

والجريح. أي : الشهر المؤخّر زيادة في الكفر. وكانوا يؤخرون تحريم المحرم سنة لحاجتهم إلى القتال فيه (١).

وقيل : يؤخرون أشهر الحج كأنهم يستنسؤن ذلك ، كما تستنسىء الديون.

(انفروا.) (٣٧)

اخرجوا كافة ، والنفر والنفير : الخروج إلى الشيء لسبب يبعثه عليه ويدعو (٢) إليه.

(اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ). (٣٨)

تثاقلتم إلى أوطانكم ، فأدغمت التاء في الثاء ، ودخلت ألف الوصل للابتداء.

قال الواقدي (٣) : إنها نزلت في منافقي الأنصار المتخلفين (٤) عن تبوك.

(ثانِيَ اثْنَيْنِ). (٤٠)

العرب تقول : خامس خمسة. وربما تقول : خامس أربعة ، وهذا أشهر والأول أفصح قال حميد بن ثور :

٤٦٩ ـ لقح العجاف له لسابع سبعة

وشربن بعد تحلّوء فروينا

__________________

(١) أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر قال : وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعقبة فقال : إنّ النسيء من الشيطان (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) فكانوا يحرمون المحرم عاما ويحرمون صفر عاما ، ويستحلون المحرم وهو النسيء.

(٢) في المخطوطة : ندعو. وهو تصحيف.

(٣) اسمه محمد بن عمر ، كان إماما في المغازي ، سمع مالكا والثوري ، وتولى القضاء بشرقي بغداد ، وضعّفوه في الحديث. توفي سنة ٢٠٧ ه‍. انظر وفيات الأعيان ٤ / ٣٤٨.

(٤) المختلفين في المخطوطة وهو تصحيف.

٣٩٧

٤٧٠ ـ غيث إذا سمع السّحاب هديره

جاءت تواليه تحنّ حنينا (١)

(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً). (٤١)

أي : شبابا وشيوخا (٢). وقيل : ركبانا ومشاة. وقيل : خفافا مسرعين ، من خفّ خفوفا.

وقيل : خفافا من الثقل والسلاح.

(عَرَضاً قَرِيباً). (٤٢)

متاعا قريب المأخذ.

(وَسَفَراً قاصِداً).

مهلا مقتصدا. وقيل : ذا قصد ، أي : عدل ، غير قريب ولا بعيد.

(كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ).

أي : خروجهم إليها ونهوضهم بها.

(فَثَبَّطَهُمْ) وقّفهم وأقعدهم.

(مَعَ الْقاعِدِينَ). (٤٦)

النساء والصبيان.

(خَبالاً). (٤٧)

__________________

(١) في المخطوطة [بعد تخلف] وهو تصحيف. والبيت الأول في ديوانه ص ١٣٥ ، والثاني ليس في ديوانه ، والعجاف : الأرضون المجدبة التي لم تمطر ، ولقوحها هنا كناية عن إنبات عشبها. تحلوء : منع من الماء.

(٢) أخرج ابن جرير ١٠ / ١٣٨ والطبراني والحاكم وصححه ٢ / ٣٣٣ عن أبي راشد الحبراني قال : رأيت المقداد فارس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحمص يريد الغزو فقلت : لقد أعذر الله تعالى إليك. قال : أبت علينا سورة البحوث : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) يعني سورة التوبة ؛ لأنها تبحث عن أسرار المنافقين.

٣٩٨

فسادا. وقيل : اضطرابا في الرأي. فالأول أوجه في اللغة. قال الأخطل :

٤٧١ ـ وإذا دعوك عمّهنّ فإنّه

نسب يزيدك عندهنّ خبالا (١)

(وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ).

أسرعوا بينكم بالتخليط والإفساد. وأصل الإيضاع : الإسراع في السير.

قال المخزومي :

٤٧٢ ـ فلمّا توافقنا وسلّمت أقبلت

وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا

٤٧٣ ـ تبالهن بالعرفان لمّا عرفنني

وقلن : امرؤ باغ أكلّ وأوضعا (٢)

(وَلا تَفْتِنِّي). (٤٩)

في جدّ بن قيس قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تفتنّي ببنات الروم فإني مستهتر بالنساء (٣). قال ذلك لقرب تبوك من الروم.

__________________

(١) معناه : إن المرأة إذ تدعو الرجل عمّها ، فإنها تشير بذلك إلى كبره عليها ، وتحقيرها لشأنه ، راجع ديوان الأخطل ص ٣٨٦ ؛ وخاص الخاص ص ١٠٥ ؛ ونقائض جرير والأخطل ص ٧٢.

(٢) البيتان لعمر بن أبي ربيعة المخزومي. وهما في ديوانه ص ٢٢٨ ؛ والكامل للمبرد ٢ / ٨٦ ؛ والأغاني ٧ / ٦٩ وقوله تبالهن : فعل من البله.

(٣) أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لجدّ بن قيس : يا جدّ هل لك في جلاد بني الأصفر؟ قال جدّ : أتأذن لي يا رسول الله؟ فإني رجل أحب النساء ، وإني أخشى إن أنا رأيت نساء بني الأصفر أن أفتتن. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو معرض عنه ـ : قد أذنت لك ، فأنزل الله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي). الآية. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس ، رضي الله عنهما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : اغزوا تغنموا بنات بني الأصفر ، فقال ناس من المنافقين : إنه ليفتنكم بالنساء ، فأنزل الله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي). الآية.

٣٩٩

(لِيُعَذِّبَهُمْ بِها).

أي : بحفظها والحزن عليها ، والمصائب فيها مع عدم الإمتاع بها.

وقيل : بالحسرة عليها عند اغتنام المؤمنين.

(وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ). (٥٥)

تهلك وتبطل ، واللام للعاقبة. فإنّ العبد إذا كان من الله في استدراج كثّر الله ماله وولده وفتنه بهما.

(مَلْجَأً). (٥٧)

قوما يلجؤون إليهم. (أَوْ مَغاراتٍ) غيرانا في الجبال.

(أَوْ مُدَّخَلاً).

سربا في الأرض يدخلونه.

(يَلْمِزُكَ). (٥٨)

يعيبك ، وهو ثعلبة بن حاطب (١) قال : إنما يعطي محمد من يحبّ (٢).

(لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ). (٦٠)

ابن عباس : الفقير : المحتاج المتعفّف عن المسألة ، والمسكين : المحتاج السائل.

وقيل : الفقير الذي فقره الفقر كأنه أصاب فقاره ، والمسكين الذي

__________________

(١) الصحيح أنه ثعلبة بن أبي حاطب الأنصاري ، أمّا ثعلبة بن حاطب فهو من البدريين ، وقتل في أحد ، وكثير من الناس يخلط بينهما. انظر الإصابة ١ / ١٩٨.

(٢) أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : لما قسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غنائم حنين سمعت رجلا يقول : إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرت له ذلك فقال : رحمة الله على موسى ، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ، ونزل : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ).

٤٠٠