وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

(إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ). (٦٦)

إلا أن تهلكوا جميعا ، كقوله تعالى : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ)(١).

(إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها). (٦٨)

من أمره لهم بالدخول من أبواب لئلا يعانوا.

(وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ). (٦٨)

أي : ذو يقين.

وقيل : ذو عمل.

(فَلا تَبْتَئِسْ). (٦٩)

لا تبأس. أي : لا يكن عليك بأس بعملهم.

(جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ). (٧٠)

السقاية والصواع (٢) : إناء يشرب به ويكال فيه أيضا.

(أَيَّتُهَا الْعِيرُ).

العير : الرفقة. قال :

٥٦٥ ـ فلمّا مضى شهر وعشر لعيرها

وقالوا : تجيء الآن قد حان حينها

٥٦٦ ـ أمرّت من الكتّان خيطا وأرسلت

رسولا إلى أخرى جريّا يعينها (٣)

__________________

(١) سورة الكهف : آية ٤٢.

(٢) سأل نافع بن الأزرق ابن عباس : ما الصواع؟ قال : الإناء. قال فيه الأعشى :

له درمك في رأسه ومشارب

وقدر وطبّاخ وصاع وديسق

(٣) البيتان في وصف امرأة تتهيأ لأخذ زينتها بإمرار الخيط على وجهها والاستعانة بصاحبه لها تنتظر قدوم زوجها ، وهما في فصل المقال ص ٣٣ ؛ وأمالي القالي ١ / ١٩٥. والثاني في شرح الجمل لابن عصفور ١ / ٢٢٢ ؛ والخصائص ٢ / ٣٩٦ ؛ وشرح السبع الطوال ص ٣٩.

٤٦١

(إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ).

كان ذلك من قول الكيّال ، وكان لم يعلم من جعل السقاية فيه.

ومن قال : إنه من قول يوسف فهو على أنهم سرقوه من أبيه.

(مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ). (٧٥)

كان حكم السارق في دين بني إسرائيل أن يسترقه صاحب المال.

(كَذلِكَ كِدْنا). (٧٦)

صنعنا ، عن ابن عباس.

ودبّرنا ، عن القتبي (١).

وأردنا ، عن ابن الأنباري (٢).

(ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ).

كان حكمه الاسترقاق.

(إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).

أي : استرقاق السارق على دين بني إسرائيل.

وتسريق أخيه مع براءته لا يستقبح لأنّه احتيال تضمّن وجوها من الحكمة : منها : أخذه عنهم على حكمهم.

ومنها : أنّ أخاه كان عالما بالقصة فلم يكن بهتانا.

ومنها : أنه كالتّلعّب بهم مما جدّوا في أمره من قصد الهلاك ، ويكون ذلك من أبواب الملاينة والمقاربة.

ومنها : أنه جعل لهم مخلصا عنه لو فطنوه ، وهو أنه بضاعتهم في رحالهم من قبل ولم يعلموا ، فلهذا قالوا : إنّ الصواع جعلت في رحالنا بغير علمنا.

__________________

(١) قال ابن قتيبة : أي : احتلنا له. والكيد : الحيلة. تفسير غريب القرآن ص ٢٢٠.

(٢) محمد بن القاسم ، كان أحفظ الناس للغة والنحو والشعر ، روى عنه الدارقطني ، له كتاب الأضداد والمذكر والمؤنث ، وغريب الحديث ، توفي سنة ٣٢٨ ه‍.

٤٦٢

(فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ). (٧٧)

إنّ يوسف في صباه أخذ شيئا من الدّار ورفعها إلى سائل (١) ، وكان سجيته الإيثار ، كما روي أنه كان يجوع في السنين وهو على خزائن الأرض ، وإذا قدّم إليه طعام أطعمه.

ـ وقيل : إنه كان في أول الصبا في حضانة عمّته ، فلمّا أراد يعقوب أخذه منها على كراهتها جعلت منطقة في قميصه من غير علمه ، وسرّقته بها لتسترقّه فتمسكه على دينهم (٢).

فهذا تأويل سرقته.

ـ وأمّا انكتام أمره على أبيه مع تانك الوجاهة والنباهة فيحتمل أنّ يوسف كان مأمورا بإخفاء أمره على أبيه.

ويحتمل أنّ يوسف كان مأمورا بإخفاء أمره على أبيه ، ويحتمل الصرفية الكلامية ، والصرفة مسألة كثيرة النظائر مفتنة الشّعب ، وهي ههنا صرف الله قلوبهما عن طلب كلّ واحد منهما موضع صاحبه.

وبالجملة : لله تعالى في الأنبياء تدبير خارج عن المعتاد.

(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ). (٨٠)

__________________

(١) الخبر أخرجه ابن جرير ١٣ / ٢٨ وأبو الشيخ عن عطية.

(٢) أخرج ذلك ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد. انظر تفسير الطبري ١٣ / ٢٩. ـ وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) قال : سرق يوسف عليه‌السلام صنما لجده أبي أمه من ذهب وفضة ، فكسره وألقاه في الطريق ، فعيّره بذلك إخوته. راجع الدر المنثور ٤ / ٥٦٤.

٤٦٣

يئسوا. قال عبدة بن الطبيب (١) :

٥٦٧ ـ تأرّق من هند خيال مؤرّق

إذا استيأست من ذكره النفس تطرق

(خَلَصُوا نَجِيًّا). (٨٠)

جمع ناج ، وفي غير هذا الموضع يصلح واحدا ومصدرا واسما حتى يكسّر على الأنجية قال :

٥٦٨ ـ إنّي إذا ما القوم كانوا أنجيّه

واضطرب القوم اضطراب الأرشية (٢)

هناك أوصيني ولا توصي بيه

(وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ).

موضع «ما» نصب بوقوع الفعل عليه ، وهو وما بعده بمنزلة المصدر ، كأنه : ألم تعلموا ميثاق أبيكم وتفريطكم.

فيجوز أن يكون التقدير : ومن قبل تفريطكم ، فتكون (مِنْ قَبْلُ) مبتدأ و (ما فَرَّطْتُمْ) خبره.

(فَهُوَ كَظِيمٌ). (٨٤)

الكظيم : الصابر على حزنه من كظم الغيظ.

وقيل : إنّه الممتلىء حزنا كالسقاء المكظوم.

ويجوز أنّه الذي لا يتكلم من الغمّ (٣) ، كأنّ فاه مسدود.

__________________

(١) شاعر مجيد مخضرم ، أدرك الإسلام فأسلم ، وشهد مع المثنى بن حارثة قتل هرمز سنة ١٣ ه‍. وكان من لصوص الرباب ، وكان يترفع عن الهجاء ويراه ضعة ، وليس بالمكثر من الشعر.

(٢) الرجز لسحيم بن وثيل ، وهو في تفسير القرطبي ٩ / ٢٤١ ؛ واللسان مادة نجا ؛ وشرح شواهد الإيضاح ٣٦١ ؛ والنوادر ص ١١. والأرشية : الحبال التي يستقى بها.

(٣) عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : (فَهُوَ كَظِيمٌ ما الكظيم)؟ قال : المغموم. قال فيه قيس بن زهير : ـ

٤٦٤

أو هو أيضا من : كظم فم الإناء ، وهو سدّه. قال :

٥٦٩ ـ وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني

وأشمتّ بي من كان فيك يلوم

٥٧٠ ـ وأنت الذي أغضبت قومي فكلّهم

بعيد الرّضى داني الصّدود كظيم (١)

(تَفْتَؤُا).

تزال وتنفك. قال :

٥٧١ ـ فما فتئت خيل تثوب وتدّعي

ويلحق منهم أوّلون وآخر

٥٧٢ ـ لدن غدوة حتى أتى الليل وانجلت

غمامة يوم شرّه متظاهر (٢)

والمراد بقوله : تفتأ أي : لا تنفك ، كما قال الهذلي (٣) :

٥٧٣ ـ بنو عمّنا في كلّ يوم كريهة

ولو قرّب الأنساب عمرا وكاهل

٥٧٤ ـ إذا أقسموا أقسمت تنفك منهم

ولا منهما حتى تفكّ السلاسل

وقال آخر من هذيل ـ وهو شائع في لغتهم ـ :

٥٧٥ ـ تبين صلاة الحرب منّا ومنكم

إذا ما التقينا والمسالم بادن

٥٧٦ ـ فيبرح منا سلفع متلبب

جريء على الغزّاء والغزومارن (٤)

__________________

 ـ فإن أك كاظما لمصاب شاس

فإني اليوم منطلق لساني

(١) البيتان لآمنة امرأة ابن الدمينة ، ولهما قصة في الأغاني ١ / ١٨٢ ؛ والحماسة ٣ / ١٧٧ ومرّ بيتان من تتمة هذه الأبيات برقم ٨٦ ـ ٨٧.

(٢) البيتان لعوف بن الأحوص شاعر جاهلي من مفضليّته ، وقيل : هي لخداش بن زهير وهما في المفضليات ص ٣٦٥ ؛ والأصمعيات ص ٢١٧ ؛ والأغاني ١٩ / ٨٠.

(٣) البيتان لمعقل بن خويلد الهذلي. وفي المخطوطة [اقتسموا] بدل [أقسموا] وهو تصحيف وهما في ديوان الهذليين ٣ / ٧١.

(٤) البيتان تقدما برقم ٣٨٣ ـ ٣٨٤. وهما للمعطّل الهذلي. ويروى [الضراء] بدل [الغزّاء].

٤٦٥

(حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً). (٨٥)

مريضا دنفا.

وقيل : هو الذاهب العقل. قال العرجي :

٥٧٧ ـ إني امرؤ لجّ بي حبّ وأحرضني

حتى بليت وحتى شفّني السقم (١)

(أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ). (٨٦)

والبث : الحزن الذي لا يطيقه الإنسان أو يبثه ، كما قال ذو الرّمة :

٥٧٨ ـ وقفت على ربع لميّة ناقتي

فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

٥٧٩ ـ وأسقيه حتى كاد ممّا أبثّه

تكلّمني أحجاره وملاعبه (٢)

(اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا). (٨٧)

التحسس : طلب الشيء بالحس ، قال الأشعب.

٥٨٠ ـ خليليّ زورا علو ثم تحسسا

ولا تعجلا أن تنظرا هل لها عقل (٣)

أي : هل تعقل قتيلها وتديه.

(وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ). (٨٨)

يسيرة لا يعتد بها. قال الراعي :

٥٨١ ـ ومرسل ورسول غير متّهم

وحاجة غير مزجاة من الحاج

٥٨٢ ـ طاوعته بعد ما طال النجيّ به

وظنّ أنّي عليه غير منعاج (٤)

__________________

(١) البيت في تفسير القرطبي ٩ / ٢٥٠ ؛ ومجاز القرآن ١ / ٣١٧ ؛ وتفسير الطبري ١٣ / ٤٢ واللسان مادة : حرض ، وقائله عبد الله بن عمر العرجي ، لقب العرجي لأنه ولد بالعرج من مكة ، وهو في البحر ٥ / ٣٢٧ ؛ والدر المصون ٤ / ٥٥ ولم يعرفه المحقق.

(٢) البيتان في تفسير القرؤبي ٩ / ٢٥١ ؛ ومجاز القرآن ١ / ٣٥٠ ؛ وشفاء العليل ١ / ٣٤٩ ، وديوانه ص ٥٢.

(٣) لم أجده.

(٤) البيتان في ديوانه ص ٢٨ والأول في البصائر للفيروزآبادي ٣ / ١٢٤ ؛ ومجاز القرآن ١ / ٣١٧ ؛ وكلاهما في الكامل للمبرد ١ / ١٦٥.

٤٦٦

(لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ). (٩٢)

لا تعيير. ثرّب : عدّد ذنوبه. قال :

٥٨٣ ـ فعفوت عنهم عفو غير مثرّب

وتركتهم لعقاب يوم سرمد (١)

وخصّ اليوم والمراد به الزمان والعالم الشامل ، كما قال امرؤ القيس :

٥٨٤ ـ حلّت لي الخمر وكنت امرءا

عن شربها في شغل شاغل

٥٨٥ ـ فاليوم أشرب غير مستحقب

إثما من الله ولا واغل (٢)

(تُفَنِّدُونِ). (٩٤)

تعذلون.

(ضَلالِكَ الْقَدِيمِ). (٩٥)

محبّتك. وقيل : عتابك ، كما قال أوس :

٥٨٦ ـ إذا ناقة شدّت برحل ونمرق

إلى حكم بعدي فضلّ ضلالها

٥٨٧ ـ كأني حلوت الشعر يوم مدحته

صفا صخرة صمّاء صلد بلالها (٣)

(خاطِئِينَ). (٩٧)

آثمين.

قال ابن السكيت : خطىء خطأ : تعمّد الإثم ، وأخطأ : لم يتعمد.

قال :

__________________

(١) البيت لبشر بن أبي خازم. وهو في تفسير القرطبي ٩ / ٢٥٧ ؛ وملحقات ديوانه رقم ٣ ؛ وأساس البلاغة ص ٤٤.

(٢) البيتان في ديوانه ص ١٣٤ ؛ وشذور الذهب بتحقيق عبد الغني الدقر ص ٢٧٧ ؛ والكامل للمبرد ١ / ١٤٣. قوله : مستحقب : حامل ، والواغل : الآثم.

(٣) البيتان لأوس بن حجر. وهما في ديوانه ص ١٠٠ والأول في لسان العرب مادة ضلّ ١١ / ٣٩١. البلال : ما يبل به الحلق من الماء واللبن ، يقول : كأني منحت مدحي صخرة عطاؤها لا يرتجى خيره.

٤٦٧

٥٨٨ ـ قد علمت جلادها وخورها

أنّك قد خطيت إذ تهورها (١)

(وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ). (١٠٠)

وكانوا أهل بادية وبرّ ومواشي.

والبادية : القوم المجتمعون الظاهرون للأعين.

ومن قال : إنّ البادية بلد الأعراب فإنّ غلطه فيه عادة العامة ، والسالكين طريق الحج. ألا ترى إلى تنكير البادية ، ولو كان بلدا معروفا لكان معرفة أبدا. قال النابغة الجعدي :

٥٨٩ ـ وعادية سوم الجراد وزعتها

تكلّفتها سيدا أزلّ مصدّرا (٢)

(مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ).

أفسد ما بيننا.

(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ). (١٠٦)

هو إيمان المشركين بالله ، وأنّه الخالق والرازق ، ثم يقولون : إنّ الأصنام شركاؤه أو شفعاؤنا إليه.

__________________

(١) الرجز في وصف إبل ، وهو في المعاني الكبير ١ / ٨٨ ؛ واللسان مادة هور ٥ / ٢٦٧ وفيهما عجزه :

أني بشرب السوء لا أهورها

وهو في جواهر الألفاظ ص ٩٠. وفي المخطوطة : [خلالها] بدل [جلادها] وهو تصحيف. والجلاد : الأقوياء ، لا أهورها : لا أظنّ أن القليل فيها.

(٢) البيت في ديوانه ص ٤٥.

وفيه :

ومسروحة مثل الجراد وزعتها

وكلّفتها سيدا أزلّ مصدّرا

وهو في المعاني الكبير ١ / ٣٥ بلفظ المؤلف ، واللسان : زلل. والعادية : الحاملة. السيد : الذئب. الأزل : قليل لحم العجز. المصدّر : العظيم الصدر. وفي المخطوطة [وبادية] وهو تصحيف.

٤٦٨

وقيل : مثل قول الرجل : لو لا الله وفلان لهلكت. كما أنشد أبو تمام (١) في الوحشيات :

٥٩٠ ـ وأفلتنا هجين بني قريظ

يفدي المهر من حبّ الإياب

٥٩١ ـ فلولا الله والمهر المفدّى

لأبت وأنت غربال الإهاب

(وَلَدارُ الْآخِرَةِ). (١٠٩)

كقوله تعالى : (وَحَبَّ الْحَصِيدِ)(٢) أي : الزرع الحصيد. قال :

٥٩٢ ـ ولو أقوت عليك ديار عبس

عرفت الذّلّ عرفان اليقين (٣)

أي : عرفان العلم اليقين.

(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ). (١١٠)

من إيمان قومهم أن يصدّقوهم.

(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا).

وأيقنوا أن القوم كذّبوهم.

(جاءَهُمْ نَصْرُنا).

وبالتخفيف (٤) : يكون الضمير للقوم.

__________________

(١) اسمه حبيب بن أوس الشاعر المشهور توفي سنة ٢٣١ ه‍ ، يقال : كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع. له «ديوان الحماسة» و «الوحشيات» و «ديوان من الشعر» وكلها طبعت. والأبيات في الوحشيات ص ٨ وهي لعفيرة بنت طرامة الكلبية وديوان المعاني ٢ / ٢٤٩ ؛ والأول في الدرر اللوامع ٥ / ٢٩١ ولم يعرف المؤلف الشنقيطي قائله ، وهو في الخصائص ٢ / ٢٢١ ، ونسبه المحقق لحسان ، وهو وهم. ـ وفي المخطوطة [لا بنت] بدل [لأبت] و [عزمال] بدل [غربال] وكلاهما تصحيف.

(٢) سورة ق : آية ٩.

(٣) البيت في معاني القرآن للفراء ٢ / ٥٦ ؛ وتفسير القرطبي ٩ / ٢٧٥ من غير نسبة ، وإعراب ثلاثين سورة ص ١٤٧.

(٤) المراد تخفيف «كُذِبُوا» وبها قرأ عاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف ، وقرأ الباقي بالتشديد.

٤٦٩

أي : حسب القوم أنّ الرسل كاذبون في وعد العذاب ، «فهم» على هذا لمصدر قرن. أي : صدقهم جبريل.

وسئل سعيد بن جبير عنها في دعوة حضرها الضحّاك مكرها؟

قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ، وظنّ قومهم أنّ الرسل كذبوهم.

فقال الضحاك : ما رأيت كاليوم رجل يدعى إلى علم فيتلكأ ، لو رحلت في هذا إلى اليمن لكان يسيرا (١).

تمت سورة يوسف

ويليها سورة الرعد

* * *

__________________

(١) وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ربيعة بن كلثوم قال : حدثني أبي أنّ مسلم بن يسار ـ رضي الله عنه ـ سأل سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ فقال : يا أبا عبد الله ، آية قد بلغت مني كلّ مبلغ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) فهذا الموت إن نظن الرسل أنهم قد كذّبوا ، أو نظن أنهم قد كذبوا؟ فقال سعيد بن جبير : «حتى إذا استيأس الرسل» من قومهم أن يستجيبوا لهم ، فظنّ قومهم أن الرسل كذبتهم (جاءَهُمْ نَصْرُنا). فقام مسلم إلى سعيد فاعتنقه وقال : فرّج الله عنك كما فرّجت عني. انظر تفسير الطبري ١٣ / ٨٤.

٤٧٠

سورة الرّعد (١)

(بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها). (٢)

أي : بعمد لا ترونها ، كما قال ابن هرمة :

٥٩٣ ـ إنّ سليمى والله يكلؤها

ضنّت بشيء ما كان يرزؤها

٥٩٤ ـ فلا أراها تزال ظالمة

تحدث بي قرحة وتنكؤها (٢)

أي : أراها لا تزال ظالمة.

ـ وقال قتادة : معناه : بل رفعها بغير عمد ، وترونها كذلك.

وهذا القول أدلّ على القدرة وأثبت عند النظر والمشاهدة.

(كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى).

أي أدوارها وأكوارها.

(وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ). (٣)

__________________

(١) عن ابن عباس قال سورة الرعد نزلت بمكة. ـ وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي في الجنائز عن جابر بن زيد رضي الله عنه قال : كان يستحب إذا حضر الميت أن يقرأ عنده سورة الرعد ؛ فإنّ ذلك يخفف عن الميت ، فإنه أهون لقبضه وأيسر لشأنه.

(٢) البيتان في ديوانه ص ٥٥ ـ ٥٦ من قصيدة له. والأول في اللسان ١ / ١٤١ ، والثاني في تفسير الطبري ١٣ / ٩٤. وسبب قصيدته أنه قيل له : إنّ قريشا لا تهمز ، فقال : لأقولنّ قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش.

٤٧١

أي : نوعين اثنين من الحلو والحامض ، والرطب واليابس ، والنافع والضار ، فهو من مشاكلة النقيض للنقيض ، لأنّ الأشكال تقابل بالنقائض أكثر مما تقابل بالنظائر.

(صِنْوانٌ). (٤)

مجتمعة متشاكلة.

قال ابن عباس : هي النخلات أصلها واحد.

(الْمَثُلاتُ). (٦)

العقوبات التي يمثّل بها المعاقب. واحدها : مثلة ، كصدقة وصدقات.

(وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ). (٧)

أي : سابق يؤديهم إلى الهدى.

(وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ). (٨)

ما تنقص من مدة الولادة وما تزاد عليها.

قيل : (ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) من استواء الخلق (وَما تَزْدادُ) من الحسن وسلامة البنية والطول والعرض في الجثة.

(وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ). (١٠)

مخف عمله في ظلمة الليل. قال :

٥٩٥ ـ فإنكما يا ابني جناب وجدتما

كمن دبّ يستخفي وفي العنق جلجل (١)

(وَسارِبٌ بِالنَّهارِ). (١٠)

__________________

(١) البيت لأوس بن حجر ، وهو في ديوانه ص ٩٨ ، ومجمع الأمثال ٢ / ٣٥١ ؛ وغريب الحديث للحربي ٢ / ٨٤٨.

٤٧٢

ذاهب سارح. قال :

٥٩٦ ـ أنت وهبت الفتية السلاهب

وهجمة يحار فيها الحالب

٥٩٧ ـ وغنما مثل الجراد السارب

متاع أيام وكلّ ذاهب (١)

(لَهُ مُعَقِّباتٌ). (١١)

أي : الملائكة الذي يتعاقبون.

(يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ).

بأمر الله وحكمه في العالم.

يقال : عقب وعاقب وتعاقب.

قال إبراهيم : فيه تقديم وتأخير. أي : له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه.

(وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١)).

من وليّ يليهم.

وقيل : من ملجأ.

(وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣)).

شديد الحول والقوة. عن مجاهد.

والمكر. عن ثعلب. وأنشد :

٥٩٨ ـ مصاد بن عمرو والخطوب كثيرة

ألم تر أنّ الله يمحل بالألف

__________________

(١) البيتان في البيان والتبيين ٣ / ١٦٢ من غير نسبة ؛ والحيوان ٣ / ٧٥ ونسبهما لامرأة وهي تطوف بالبيت. وهما في المنصف ٣ / ٤ ؛ والمنمّق في أخبار قريش ص ٣٣٠ ونسبهما لامرأة من جرهم وذكر قصتها. السلاهب : الخيل الطويلة ، والهجمة : عدد عظيم من الإبل ، السارب : المنتشر.

٤٧٣

٥٩٩ ـ فلا غرو إلا نروهم من نبالنا

كما اصعنفرت معزى الحجاز من السّعف (١)

(إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ). (١٤)

العرب تضرب المثل لما لا يدرك أو يفوت عن سريع بالقبض على الماء. قال :

٦٠٠ ـ فأصبحت من ليلى الغداة كقابض

على الماء خافته فروج الأصابع (٢)

وقال آخر :

٦٠١ ـ وأصبحت مما كان بيني وبينها

من الودّ مثل القابض الماء باليد (٣)

وقال آخر :

٦٠٢ ـ وإنّي وإياكم وشوقا إليكم

كقابض ماء لم تطعه أنامله (٤)

(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ). (١٧)

__________________

(١) البيت الأول في اللسان : محل ١١ / ٦١٩ ؛ والمحكم ٢ / ٣١٣ والثاني فيه أيضا مادة صعفر ٤ / ٤٥٨. اصعنفرت المعز : نفرت. ويروى : نزوهم ، أي : نفرقهم.

(٢) البيت لمجنون ليلى ، وهو في الحيوان ٥ / ١٣٩. وفي المخطوطة [حافته] بدل [خانته] وهو تصحيف.

(٣) البيت في تفسير القرطبي ٩ / ٣٠١ ؛ وتفسير الطبري ١٣ / ٧٦ ؛ ومجاز القرآن ١ / ٣٢٧. من غير نسبة من المحققين ؛ والبحر المحيط ٥ / ٣٧٧ ؛ والحيوان ٥ / ١٣٩ ـ ٧٦ ولم ينسبه المحقق ؛ ومجمع الأمثال ١ / ٢٥٦. وتفسير الماوردي ٢ / ٣٢٥. وهو لأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص ١١٥ ؛ والأغاني ٦ / ١٦٢ ؛ ونسبه لأبي الهذيل ، وهو تصحيف ، ونسبه السهيلي لضابىء بن الحارث ، راجع الروض الأنف ٣ / ٤٢ ، ونسبه محمد بن داود الأصبهاني للأحوص ؛ وكلاهما لم يصب. راجع الزهرة ١ / ٢٥٧ ، وقبله :

فواندمي إذ لم أعج إذ تقول لي

تقدّم فشيّعنا إلى ضحوة الغد

(٤) البيت لضابىء بن الحارث البرجمي ، ويروى [ما لم تسقه] أي : لم تحمله. وهو في خزانة الأدب ٩ / ٣٢٣ ؛ وتفسير الطبري ١٣ / ٧٦ ؛ ومجاز القرآن ١ / ٣٢٧ ؛ واللسان : وسق ؛ والبحر المحيط ٥ / ٣٧٧.

٤٧٤

يعني : القرآن ، فإنّه في عموم نفعه كالمطر ، نفع حيث وقع ، كما قيل :

٦٠٣ ـ ليهنك أنّي لم أجد لك عائبا

سوى حاسد والحاسدون كثير

٦٠٤ ـ وأنّك مثل الغيث أمّا وقوعه

فخصب وأمّا ماؤه فطهور (١)

وأيضا فإنّ نفع المطر يختلف باختلاف الأودية ، كذلك نفع القرآن باختلاف المتدبرين.

(فَيَذْهَبُ جُفاءً). (١٧)

وجفاء السيل وخبث ما يذاب من الجواهر مثل الباطل وذهابه.

وصفو الماء مثل الحق في بقائه ونقائه.

(طُوبى لَهُمْ). (٢٩)

نعمى لهم.

وقيل : حسنى. وهو فعلى من الطّيب.

(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً).

نزلت حين سألت قريش هذه الأشياء (٢) ، وإنما حذف جوابه ؛ ليكون أبلغ في العبارة وأعمّ في الفائدة ، كما قال امرؤ القيس :

٦٠٥ ـ فلو أنّها نفس تموت كريمة

ولكنّها نفس تساقط أنفسا (٣)

__________________

(١) البيتان لمالك بن الرّيب ، وهما في الحماسة البصرية ١ / ١٥٦ ؛ ومعجم الأدباء ١٥ / ٨٩.

(٢) أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عطية العوفي قال : قالوا لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو سيّرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرت فيها ، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان عليه‌السلام يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى عليه‌السلام يحيي الموتى لقومه فأنزل الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً). الآية.

(٣) البيت في ديوانه ص ٨٧ ويروى [تموت جميعة] بدل [كريمة] ؛ وتفسير القرطبي ٩ / ٣١٩ يريد : تموت مرة واحدة ، لكنّ المرض يأخذ منها شيئا فشيئا.

٤٧٥

(أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا).

أي : ألم يعلم ولم يتبيّن في لغة جرهم ، قال سحيم :

٦٠٦ ـ أقول لهم بالشّعب إذ ييسّرونني

ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم (١)

ييسرونني : يقتسمونني بالميسر.

وإنما سمي العالم يائسا ، لأنّ العالم يعلم ما لا يكون أنه لا يكون ، فييأس منه ، بخلاف الجاهل.

وقال الكسائي والفرّاء : هو اليأس المعروف ، أي : القنوط.

وفي الآية حذف ، وهو عند الفراء (٢) : أفلم ييأسوا لأنهم يعلمون أنّ آيات الله تجري على المصالح لا الاقتراح العنادي.

وعند الكسائي : ألم ييأسوا من إيمانهم في الكافرين.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ). (٣٣)

أي : آلهة كما يزعمون.

__________________

(١) البيت لسحيم بن وثيل. وهو في أساس البلاغة : يأس ص ٥١١ ؛ ومجاز القرآن ١ / ٣٣٢ ؛ وتفسير القرطبي ٩ / ٣٢٠ ؛ وتفسير الطبري ١٣ / ٩٠ ؛ والبحر المحيط ٥ / ٣٩٢. ويروى [يأسرونني] بدل [ييسرونني] ويقال : البيت لابن سحيم لا لسحيم. قال الزمخشري : ومن المجاز : قد يئست أنك رجل صدق. بمعنى علمت. وذلك أنّ مع الطمع القلق ، ومع انقطاعه السكون والطمأنينة ، كما مع العلم. ولذلك قيل : اليأس إحدى الراحتين. ا. ه. وعن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا)؟ قال : أفلا يعلم. بلغة بني مالك قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت مالك بن عوف يقول :

لقد يئس الأقوام أنّي أنا ابنه

وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا

(٢) انظر معاني القرآن ٢ / ٦٣.

٤٧٦

وقيل : معناه : صفوهم بما فيهم لتعلموا أنها لا تكون آلهة.

(أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ).

بالشريك ؛ فلا يعلم شريكا لنفسه فيها ، كقوله تعالى : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)(١).

(أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ).

أي : بباطل زائل ، كما قال :

٦٠٧ ـ أعيّرتنا ألبانها ولحومها

وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر (٢)

وقال الهذلي :

٦٠٨ ـ وعيّرها الواشون أني أحبّها

وتلك شكاة ظاهر عليك عارها

٦٠٩ ـ فلا يهنىء الواشين أني هجرتها

وأظلم دوني ليلها ونهارها (٣)

قال أبو القاسم ابن حبيب (٤) :

تضمّنت الآية إلزاما وتقسيما. أي : أتنبؤن الله بباطن لا يعلمه أم بظاهر يعلمه.

__________________

(١) سورة يونس : آية ١٨.

(٢) البيت في البحر المحيط من غير نسبة ٥ / ٣٩٥ ، وهو لسبرة بن عمرو ؛ وهو في الأمالي الشجرية ١ / ٢١٩ ؛ وتفسير القرطبي ٩ / ٣٢٣.

(٣) البيتان لأبي ذؤيب الهذلي ، وهما في شرح ديوان الهذليين ١ / ٧٠. والأول في اللسان مادة ظهر ؛ والزهرة ١ / ٤١٨.

(٤) اسمه الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب ، أبو القاسم النيسابوري الواعظ المفسر ، كان إمام عصره في معاني القرآن وعلومه ، وصنّف التفسير المشهور. أخذ عنه أبو القاسم الثعلبي المفسر وأبو علي المنيعي شيخ الشافعية. وله كتاب (عقلاء المجانين) وقد طبع حديثا ، مات سنة ٤٠٦ ه‍.

٤٧٧

(قُلْ سَمُّوهُمْ).

فإنه لا يعلم لنفسه سميّا ولا شريكا.

(مَثَلُ الْجَنَّةِ). (٣٥)

صفتها. كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى)(١).

(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ). (٣٩)

أي : من الأعمال التي رفعها الحفظة ، فلا يثبت منها إلا ماله ثواب أو عليه عقاب (٢).

__________________

(١) سورة النحل : آية ٦٠.

(٢) قد نحى المؤلف رحمه‌الله منحى بديعا حسنا في هذا القول ، وذلك لأنه ثبت أن الملائكة تكتب كلّ ما يقوله الإنسان ، كما قال اللقاني :

بكلّ عبد حافظون وكّلوا

وكاتبون خيرة لن يهملوا

من أمره شيئا فعل ولو ذهل

حتى الأنين في المرض كما نقل

ويؤيد ذلك قوله تعالى : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ* ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) يكتب كلّ ما تكلّم به من خير أو شر ، حتى إنه ليكتب قوله : أكلت ، شربت ، ذهبت ، جئت ، رأيت ، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله ، فأقرّ منه ما كان فيه من خير أو شر ، وألقي سائره ، فذلك قوله (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ). اه. وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عليّ رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن هذه الآية (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ). فقال له : لأقرّن عينك بتفسيرها ، ولأقرنّ عين أمتي بعدي بتفسيرها. الصدقة على وجهها ، وبر الوالدين ، واصطناع المعروف ، يحوّل الشقاء سعادة ، ويزيد في العمر ، ويقي مصارع السوء». وله شواهد كثيرة في معناه. ـ

٤٧٨

وعن ابن عباس : إنّ الله يمحو ويثبت ما في الكتب من أمور العباد على حسب اختلاف المصالح.

(وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ).

الأصل السعادة والشقاوة ، فإنّه في أمّ الكتاب لا تغيير له.

(لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ). (٤١)

لا رادّ لقضائه.

من قولهم : عقب الحاكم حكم من قبله : إذا ردّه.

(وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣)).

قيل : إنّه جبريل (١).

وقيل : إنّه مثل عبد الله بن سلام ، وتميم الداري (٢).

* * *

__________________

ـ وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي الدنيا في الدعاء عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : ما دعا عبد قط بهذه الدعوات ، إلا وسّع الله له في معيشته : يا ذا المنّ ولا يمنّ عليه ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطّول ، لا إله إلا أنت ظهر اللاجين ، وجار المستجيرين ، ومأمن الخائفين ، إن كنت كتبتني عندك في أمّ الكتاب شقيا فامح عني اسم الشقاء ، وأثبتني عندك سعيدا ، وإن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب محروما مقتّرا عليّ رزقي ، فامح حرماني ، ويسر رزقي ، وأثبتني عندك سعيدا موفّقا للخير ، فإنك تقول في كتابك الذي أنزلت : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ).

(١) أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) قال : جبريل.

(٢) أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : كان من أهل الكتاب قوم يشهدون بالحق ويعرفونه ، منهم : عبد الله بن سلام والجارود وتميم الداري وسلمان الفارسي.

٤٧٩
٤٨٠