وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

١

٢

٣
٤

(سورة بني إسرائيل) (١)

(سُبْحانَ). (١)

لا يتصرّف لأنّه صار علما لأحد معنيين :

إمّا التبرئة والتنزيه ؛

وإمّا التعجب.

الأول : براءة الله الذي (أَسْرى بِعَبْدِهِ) من كل سوء.

والثاني : عجبا لمن أسرى بعبده. وقول الأعشى :

٦٧٦ ـ أقول لمّا جاءني فخره

سبحان من علقمة الفاخر (٢)

قال الخليل : براءة منه.

__________________

(١) وتسمى سورة الإسراء أيضا. ـ عن ابن عباس قال : نزلت سورة بني إسرائيل بمكة. وأخرج البخاري وابن الضريس عن ابن مسعود قال في بني إسرائيل والكهف ومريم : إنهنّ من العتاق الأول ، وهنّ من تلادي. انظر فتح الباري ٨ / ٣٨٨. وأخرج أحمد ٦ / ٨٦ والترمذي وحسّنه والحاكم ٢ / ٤٣٤ عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ كلّ ليلة بني إسرائيل والزمر. وانظر عارضة الأحوذي ١١ / ٤١. وتسمى أيضا سورة (سُبْحانَ). وكلّ من أسمائها واضح الدلالة على ما ذكر أنه مقصودها.

(٢) البيت في ديوانه ص ٩٤ ؛ ومجاز القرآن ١ / ٣٦ ؛ وتفسير القرطبي ١٠ / ٢٠٤ ؛ وكتاب سيبويه ١ / ١٣٥ ؛ ولسان العرب مادة : سبح ؛ والدر المنثور ٥ / ١٨٢.

٥

وقال سيبويه : لمّا صارت هذه الكلمة في صفات الله ، على معنى البراءة ، لا يفسر بها في غيره ، بل يفسّر بالعجب منه ومن فخره.

أمّا الإسراء ففي رواية أبي هريرة وحذيفة بن اليمان كان بنفسه في حالة الانتباه (١). وفي رواية عائشة ومعاوية : بروحه حالة النوم.

قالت عائشة : ما فقد جسد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولكنّ الله أسرى روحه (٢).

وأوّل الحسن قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(٣) بالمعراج. والخطّابي يقول : قد رويت الروايتان بطرق صحيحة ، فالأولى أن نجمع بينهما ونقول :

كان له عليه‌السلام معراجان : أحدهما : في النوم ، والآخر باليقظة.

وما في القرآن من تعظيم أمر المعراج والتعجب به ، وما في الأخبار من إنكار قريش حتى أخبرهم بأشياء من بيت المقدس (٤) والقافلة على طريقه إليها (٥) ، كلّ ذلك يدلّ على أنه في اليقظة.

__________________

(١) وهذا قول معظم السلف والمسلمين ، وبه قال : ابن عباس وجابر وأنس وحذيفة وعمر وأبو هريرة وابن مسعود من الصحابة وغيرهم.

(٢) رواه عنها ابن إسحق ، وابن جرير ١٥ / ١٦.

(٣) سورة الإسراء : آية ٦٠.

(٤) أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لما كذّبتني قريش لما أسري بي إلى بيت المقدس ، قمت في الحجر ، فجلّى الله لي بيت المقدس ، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه. انظر فتح الباري ٨ / ٣٩١ ، ومسلم ١٧٠ ، وعارضة الأحوذي ١١ / ٢٩٢.

(٥) أخرج أبو نعيم في الدلائل عن عروة رضي الله عنه قال : قالت قريش لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لّما أخبرهم بمسراه إلى بيت المقدس ـ : أخبرنا ما ذا ضلّ عنا وائتنا بآية ما تقول. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ضلّت منكم ناقة ورقاء عليها برّ لكم ، فلمّا قدمت عليهم قالوا : انعت لنا ما كان عليها ، ونشر له جبريل عليه‌السلام ما عليها كله ينظر إليه ، فأخبرهم بما كان عليها وهم قيام ينظرون ، فزادهم ذلك شكا وتكذيبا.

٦

(أَلَّا تَتَّخِذُوا). (٢)

معناه الخبر. أي : لئلا تتخذوا.

وقيل : إنّ (أن) زائدة ، والقول مقدّر. أي : وقلنا : لا تتخذوا.

(بَعَثْنا عَلَيْكُمْ). (٥)

قال الحسن : خلّيناكم وخذلناكم.

وقيل : أظهرناهم عليكم ، وكان أولئك هم العمالقة.

وقيل : إنّه بختنصّر ، إذ كان أصحاب سليمان بن داود عليهما‌السلام عرفوا من جهة أنبيائهم خراب الشام ، ثمّ عودها إلى عمارتها ، ولمّا وقفوا على قصد بختنصّر انجلوا عنها واعتصموا بمصر وملكها.

(فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ).

مشوا وتردّدوا.

وقيل : عاثوا وأفسدوا.

(لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ). (٧)

أي سادتكم وكبراءكم في المرة الآخرة.

(وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً)(١).

يهلكوا ويخربوا. (ما عَلَوْا) ما وطئوا من الديار والمنازل.

(وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً). (٨)

أي : محبسا.

__________________

(١) قال قطرب : ليتبّروا : ليهدموا.

قال الشاعر :

فما الناس إلا عاملان فعامل

يتبّر ما يبني وآخر يرفع

٧

(طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ). (١٣)

أي : عمله ، فيكون في اللزوم كالطوق للعنق.

وقيل : طائره : كتابه الذي يطير إليه يوم القيامة ، إلا أنّ الكتاب مذكور بعده.

فإنما حسن هو القول الأول ، مع أنّه مطّرد في كلام العرب. قال الفرزدق :

٦٧٧ ـ فمن يك خائفا لأذاة شعري

فقد أمن الهجاء بنو حرام

٦٧٨ ـ هم ردّوا سفيههم وخافوا

قلائد مثل أطواق الحمام (١)

(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً). (١٦)

إرادة الهلاك ههنا على مجاز المعلوم من عاقبة الأمر وما يفضي إليه ، كما قال الكميت :

٦٧٩ ـ يا ابن هشام أهلك الناس اللبن

فكلّهم يعدوا بقوس وقرن (٢)

وقال آخر :

٦٨٠ ـ وقد جعل الوسميّ ينبت بيننا

وبين بني رومان نبعا وشوحطا (٣)

__________________

(١) البيتان ليسا في ديوانه ، وهما في الحيوان للجاحظ ٣ / ١٩٦ ؛ والعمدة ١ / ٣٨ ؛ وثمار القلوب ص ٣٦٨ ؛ ولأاغاني ١٩ / ١١.

(٢) البيت في البيان والتبيين ٣ / ١٠١ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ٨٩٥ ؛ ونسبه العسكري لرؤبة ، وهو في الصناعتين ص ٤٠٨.

(٣) البيت في اللسان مادة شحط ٧ / ٣٢٨ ؛ والصناعتين ص ٤٠٨ ؛ وتفسير القرطبي ١٦ / ٢٧ ؛ وروح المعاني ٢٥ / ٣٨. وعن المبرد أنه قال : النبع والشوحط والشريان شجرة واحدة ، ولكنها تختلف أسماؤها بكرم منابتها ، فما كان منها في قلة الجبل فهو النبع ، وما كان في سفحه فهو الشريان ، وما كان في الحضيض فهو الشوحط.

٨

(أَمَرْنا مُتْرَفِيها).

أي : أمرناهم بالطاعة.

(فَفَسَقُوا فِيها).

خرجوا عن أمرنا ، كقولك : أمرته فعصى ، ودعوته فأبى.

ويجوز : أمرنا : كثّرنا. يقال : أمره فهو مأمور ، وآمره فهو مؤمّر.

وفي الحديث : [خير المال مهرة مأمورة](١).

قال زهير :

٦٨١ ـ والإثم من شرّ ما تصول به

والبرّ كالغيث نبته أمر (٢)

(كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ). (٢٠)

أي : من أراد العاجلة ، ومن أراد الآخرة.

(مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ).

من رزق ربك.

(أُفٍ). (٢٣)

معناه : التكرّه والتضجر.

(مَحْسُوراً). (٢٩)

__________________

(١) قال الزمخشري : ومن المجاز : مهرة مأمورة : كثيرة النتاج ، كأنها أمرت بذلك. راجع أساس البلاغة ص ٩. والحديث أخرجه أحمد عن سويد بن هبيرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خير مال المرء له مهرة مأمورة ، أو سكة مأبورة. راجع مسند أحمد ٣ / ٤٦٨.

(٢) البيت ليس في ديوانه طبع دار صادر ، وهو في ديوانه صنعة ثعلب ص ٣١٥. وهو في أمالي القالي ١ / ١٠٣ من غير نسبة ؛ والمحتسب ٢ / ١٧ ومثلث البطليوسي ١ / ٣٤٣.

٩

منقطعا.

وقيل : ذا حسرة. وقيل مكشوفا. من قولك : حسرت الذراع.

(كانَ خِطْأً كَبِيراً). (٣١)

خطأ يجوز اسما كالإثم ، ومصدرا كالحذر.

(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ). (٣٦)

ولا تقل.

وقيل : لا تتبع ، من : قفوت أثره.

(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).

أي : عن الإنسان ، لأنها من الأشهاد يوم القيامة.

وقيل : كان الإنسان عن كلّ ذلك مسؤولا ؛ لأنّ الطاعة والمعصية بهما.

(كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً). (٣٨)

أراد بالسيىء الذنب ، فحمل على المعنى.

وقيل : إنّ مكروها بدل عن السيىء ، وليس بوصف ، وعلامة البدل حذف المبدل.

وقيل : إنّه خبر آخر لكان.

وأمّا (سَيِّئُهُ) بالإضافة ، فلأنّه تقدم الكلام أوامر ونواهي ، فما كان في كلّ المذكور من سيّىء كان عند الله مكروها ، فيعلم به ما يقابله وهو أنّ ما كان بخلافه من حسن كان مرضيا.

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ). (٤١)

أي : صرّفنا القول فيه على وجوه من أمر ونهي ، ووعد ووعيد ، وتسلية وتحسير ، وتزكية وتقريع ، وقصص وأحكام ، وتوحيد وصفات ، وحكم وآيات.

١٠

(فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ). (٥٢)

أي بأمره (١) ، كما قال الثقفي :

٦٨٢ ـ فإنّي بحمد الله لا ثوب غادر

لبست ولا من خزية أتقنّع (٢)

(إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً).

في الدنيا بالقياس إلى الآخرة ، كما قال الحسن : كأنّك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل.

(أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ). (٥٩)

أي : وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين ، فيكون (أَنْ نُرْسِلَ) في موضع النصب (وأن كذب) في موضع الرفع.

(وَإِذْ قُلْنا)(٣) (لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ). (٦٠)

أي : علمه وقدرته ، فيعصمك منهم.

(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ).

أي : ليلة الإسراء ، على اختلاف الرواية من رؤيا عيان (٤) أو رؤيا منام.

__________________

(١) أخرج الحكيم الترمذي (ص ٢٤٨) والطبراني وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ، ولا في نشرهم ، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.

(٢) البيت لغيلان بن سلمة الثقفي ، وقيل إنه لبرذع بن عدي الأوسي ، وهو الأصح. وهو في تفسير القرطبي ١٠ / ٢٧٦ ؛ واللسان مادة ثوب ؛ وتفسير الماوردي ٤ / ٣٤١. وسيأتي ثانية عند تفسير سورة المدثر.

(٣) في المخطوطة [ولقد قلنا] وهو خطأ واضح.

(٤) أخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ). قال : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس ، وليست برؤيا منام. انظر فتح الباري ٨ / ٣٩٨ ، والمسند ١ / ٢٢١.

١١

(إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ).

أي : ابتلاء واختبارا لمن كفر به ، فإنّ قوما أنكروا المعراج ، فارتدّوا (١).

وقيل : إنها رؤيا النبي عليه‌السلام دخوله المسجد الحرام ، فلما صدّ عنه عام الحديبية ارتدّ قوم ، فلما دخلها في القابل نزل : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ)(٢).

(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ). (٦٠)

أي : وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة.

وذلك أنّ أبا جهل قال لابن الزبعرى : ما الزقوم؟ قال : الزبد والتمر بلغة بربر.

فقال : زقمينا يا جارية ، فأتت بهما ، فقال : زقّموا ، فهذا ما يخوّفكم به محمد (٣).

__________________

(١) أخرج ابن جرير ١٥ / ١١٣ عن قتادة قال : أراه من الآيات والعبر في مسيره إلى بيت المقدس. ذكر لنا أنّ ناسا ارتدوا بعد إسلامهم حين حدثهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمسيره ، أنكروا ذلك وكذّبوا به ، وعجبوا منه وقالوا : أتحدثنا أنك سرت مسيرة شهرين في ليلة واحدة.

(٢) أخرج هذا الخبر ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس ، والآية من سورة الفتح رقم ٢٧.

(٣) أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال أبو جهل ـ لما ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شجرة الزقوم تخويفا لهم ـ : يا معشر قريش ، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوّفكم بها محمد؟ قالوا : لا. قال : عجوة يثرب بالزبد ، والله لئن استمكنا منها لنتزقمنّها تزقما. فأنزل الله : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) وأنزل الله : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ). وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ). قال : هي شجرة الزقوم خوّفوا بها. قال أبو جهل : أيخوّفني ابن أبي كبشة بشجرة الزقوم؟ ثم دعا بتمر وزبد فجعل يقول : زقّموني. فأنزل الله تعالى : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ). وأنزل : (وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً).

١٢

ـ وقيل : الشجرة الملعونة بنو أميّة ، فإنهم الذين بدّلوا الأحكام ، وبغوا على أهل البيت ، ولم يستعملوا البقيا في سفك الدماء (١).

والرؤيا : ما رأها النبيّ عليه‌السلام من نزوهم على منبره (٢).

(لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ). (٦٢)

لأستولينّ عليهم وأستأصلنّهم ، كما يحتنكنّ الجراد الزرع.

وقيل : لأقودنّهم إلى الغواية كما تقاد الدابة بحنكها إذا شدّ فيه حبل.

(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ). (٦٤)

استخفّ.

وقيل : استزلّ.

(بِصَوْتِكَ).

هو عائد إلى المعاصي.

وقيل : إنّه الغناء بالأوتار والمزامير.

(وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ).

اجمع عليهم.

__________________

(١) قال ابن عطية : وفي هذا التأويل نظر ، ولا يدخل في هذه الرؤيا عثمان ولا عمر بن عبد العزيز ولا معاوية.

(٢) أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني أمية على المنابر ، فساءه ذلك ، فأوحى الله إليه : إنما هي دنيا أعطوها فقرّت عينه ، وهي قوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) يعني : بلاء للناس. ـ وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني فلان ينزون على منبره نزو القرود ، فساءه ذلك ، فما استجمع ضاحكا حتى مات ، وأنزل الله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ). انظر : تفسير الطبري ١٥ / ١١٢.

١٣

(بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ).

بكل راكب وماش في الضلالة.

(وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ).

أي : إذا ولدوهم بالزنا.

وقيل : إذا عوّدوهم الضلالة والبطالة (١).

(ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ). (٦٧)

أي : بطل ، كقوله تعالى : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ)(٢).

وقيل : معناه : غاب ، كقوله تعالى : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ)(٣).

__________________

(١) أخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه رفعه قال : قال إبليس : يا ربّ إنك لعنتني وأخرجتني من الجنة من أجل آدم ، وإني لا أستطيعه إلا بك. قال : فأنت المسلّط. قال : أي ربّ زدني. قال : (أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ).

(٢) سورة محمد : آية ١.

(٣) سورة السجدة : آية ١٠. ـ اعلم أنّ الضلال : الحيرة والعدول عن الصواب. وذكر أهل التفسير أنّ الضلال في القرآن على عشرة أوجه :

أحدها : الاستزلال في الحكم ، ومنه قوله تعالى : في سورة النساء : (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ). نزلت في أمر طعيمة بن أبيرق.

الثاني : الغواية. ومنه قوله تعالى في سورة يس : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) وفي سورة الصافّات : (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ).

الثالث : الخسران. ومنه قوله تعالى في سورة يوسف : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) و (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ).

الرابع : الشقاء. ومنه قوله تعالى في سورة سبأ : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ).

الخامس : البطلان. ومنه قوله تعالى في الكهف : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ومحمد : (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ). ـ

١٤

(أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً). (٦٨)

الحاصب : الحجارة الصغار ، وهي : الحصاب والحصباء أيضا.

وقيل : الحاصب : الريح التي ترمي بالحاصب ، كما سمّي الجمار بالمحصّب لما كان رمي الحصباء بها.

ولذلك قال الهذلي :

٦٨٣ ـ فيا ربّ حيرى جماديّة

تنزّل فيها ندى ساكب

٦٨٤ ـ ملكت سراها إلى صبحها

بشعث كأنّهم حاصب (١)

(فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ). (٦٩)

القاصف : الريح التي تقصف الشجر.

(ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً).

التبيع : المنتصر الثائر.

__________________

ـ السادس : الخطأ ، ومنه قوله تعالى في النساء : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ،) والقلم : (فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ).

السابع : الهلاك. ومنه قوله تعالى في سورة لقمان : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ).

الثامن : النسيان. ومنه قوله تعالى في سورة البقرة : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى).

التاسع : الجهل ومنه قوله تعالى في سورة الشعراء : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ).

العاشر : الضلال الذي هو ضد الهدى ، ومنه قوله تعالى في سورة البقرة : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً). وقوله تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً).

(١) البيتان لمعقل بن خويلد الهذلي ، وهما في شرح أشعار الهذليين ١ / ٣٨٩. والأول في اللسان مادة : حير. حيرى : ليلة طويلة ، جمادية : باردة ؛ لأن الشتاء في جمادى حينئذ ، والحاصب : البرد ، وقيل : الريح.

١٥

(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ). (٧١)

قيل : بدينهم.

وقيل : بأعمالهم.

قيل : بقادتهم ورؤسائهم (١) ، فيقال للضالين : يا أتباع الشياطين.

(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى). (٧٢)

أي : عن الطاعة والهدى.

(فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى). (٧٢)

أي : عن الثواب وعن طريق الجنة.

وقيل : إنّ من عمي عن هذه العبر المذكورة قبل هذه الآية ، فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة أعمى.

(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ). (٧٣)

همّوا أن يصرفوك. في وفد ثقيف حين أرادوا الإسلام على أن يمتّعوا باللات سنة ويكسروا سائر أصنامهم (٢).

__________________

(١) أخرج ابن مردويه عن عليّ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ). قال : «يدعى كلّ قوم بإمام زمانهم وكتاب ربّهم وسنة نبيّهم». الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) قال : ـ وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن حبان والبزار عن أبي هريرة رضي يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ، ويمدّ له في جسمه ستين ذراعا ، ويبيّض وجهه ، ويجعل على رأسه تاج من نور يتلألأ ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا ، حتى يأتيهم فيقولوا : أبشروا لكلّ رجل منكم مثل هذا. وأمّا الكافر فيسوّد وجهه ويمدّ له في جسمه ستين ذراعا على صورة آدم ، ويلبس تاجا من نار فيراه أصحابه فيقولون : نعوذ بالله من شر هذا ، اللهم لا تأتنا بهذا. قال : فيأتيهم ، فيقولون : ربنا أخّره ، فيقول : أبعدكم الله ، فإنّ لكل رجل منكم مثل هذا. انظر العارضة ١١ / ٤٩٢ ، والمستدرك ٢ / ٢٤٣.

(٢) أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ ثقيفا قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ـ

١٦

(ضِعْفَ الْحَياةِ). (٧٥)

أي : ضعف عذاب الحياة. أي : مثليه لعظم ذنبك على شرف منزلتك.

وقيل : إنّ الضعف هو العذاب نفسه ، فكما سمي عذابا لاستمراره في الأوقات كالعذاب الذي يستمر في الخلق ، سمّي ضعفا لتضاعف الألم فيه.

(وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها). (٧٦)

في اليهود. قالوا : إنّ أرض الشام أرض الأنبياء وفيها الحشر (١).

(خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً). (٢) (٧٦)

بعدك. وخلافك بمعناه ، كقوله : (بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ)(٣) أي : خلفه.

__________________

ـ أجّلنا سنة حتى نهدي لآلهتنا ، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه ، ثم أسلمنا ، وكسرنا الآلهة ، فهمّ أن يؤجلهم ، فنزلت : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ...) الآية. ـ وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير رضي الله عنه أنّ قريشا أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا له : إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم ، لنكون من أصحابك ، فركن إليهم ، فأوحى الله إليه : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) الآية. ـ وجبير بن نفير الحضرمي جاهلي إسلامي ، يكنى أبا عبد الرحمن ، أدرك الجاهلية ولم ير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسلم في خلافة أبي بكر. راجع الاستيعاب ١ / ٢٣٢.

(١) أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم رضي الله عنه : أنّ اليهود أتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إن كنت نبيا فالحق بالشام ، فإنّ الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام ، فصدّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قالوا ، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام ، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) إلى قوله تَحْوِيلاً فأمره بالرجوع إلى المدينة وقال : فيها محياك وفيها مماتك وفيها تبعث ، وقال له جبريل عليه‌السلام : سل ربّك ، فإنّ لكل نبيّ مسألة. فقال : ما تأمرني أن أسأل؟ قال : (قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك.

(٢) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة وأبو جعفر : خلفك. وقرأ الباقي : (خِلافَكَ). يراجع إتحاف فضلاء البشر ٢٨٥.

(٣) سورة التوبة : آية ٨١.

١٧

قال بعض بني عقيل :

٦٨٥ ـ ولمّا حدا الحادي وزمّت جمالهم

وراحوا يعدّون القطيعة أغذاذا

٦٨٦ ـ تيقّنت أني سوف آوي خلافهم

إلى كبد يغدو على البين أفلاذا

(لِدُلُوكِ الشَّمْسِ). (٧٨)

دلوك الشمس : غروبها وصلاة المغرب. قال ذو الرمة :

٦٨٧ ـ مصابيح ليست باللواتي يقودها

نجوم ولا بالآفلات الدّوالك (١)

وقيل : دلوكها : زوالها.

وهذا التفسير يجمع الصلوات الخمس ، لأنه مدّ من الزوال إلى الغسق.

(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ).

ونصب (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) على الإغراء والتحريض ، وإنّما سمي صلاة الفجر قرآنا ، لتأكيد القراءة فيها.

(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً).

تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار (٢).

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ). (٧٩)

__________________

(١) البيت في تفسير القرطبي ١٠ / ٣٠٣ ؛ واللسان مادة : دلك ؛ وديوانه ص ٥١١ ؛ ومجاز القرآن ١ / ١٩٩ ؛ وتفسير الطبري ٧ / ١٥١.

(٢) أخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : [تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر] ثم يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً). انظر فتح الباري ٨ / ٣٩٩ ، ومسلم برقم ٦٤٩.

١٨

التهجّد من باب السلب (١) ، وقد مرّ نظائره.

(نافِلَةً لَكَ).

خالصة لك (٢).

(أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ). (٨٠)

أي : المدينة عند الهجرة.

(وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ).

من مكة (٣).

وقيل : إنّ المراد به القبور (٤).

ومعنى الصدق : الاستقامة وصلاح العاقبة.

__________________

(١) الهجود : النوم. ويسمى من قام إلى الصلاة متهجدا ؛ لأنّ المتهجد هو الذي يلقي الهجود الذي هو النوم عن نفسه. وهذا الفعل جار مجرى : تحوّب وتحرّج وتأثّم وتحنّث وتقذّر وتنجّس : إذا ألقى ذلك عن نفسه. وراجع ١ / ٧٤ و ٢٨٤.

(٢) أخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن مجاهد رضي الله عنه في قوله تعالى : نافِلَةً لَكَ قال : لم تكن النافلة لأحد إلا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة ، من أجل أنّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، فما عمل من عمل مع المكتوب فهو نافلة له سوى المكتوب ، من أجل أنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب ، فهي نوافل له وزيادة. والناس يعملون ما سوى المكتوب في كفارة ذنوبهم فليس للناس نوافل ، إنما هي للنبي خاصة. ـ وعن الضحاك قال : نسخ قيام الليل إلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) أخرج أحمد والترمذي والحاكم وصححاه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ، ثم أمر بالهجرة فأنزل الله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً).

(٤) وعن ابن عباس في قوله : (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ يعني : الموت ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) يعني الحياة بعد الموت. ـ وقال الفيروز أبادي رحمه‌الله تعالى : وقد أمر سبحانه رسوله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق ، فقال : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ).

١٩

(وَزَهَقَ الْباطِلُ). (٨١)

ذهب وهلك.

(وَنَأى بِجانِبِهِ). (٨٢)

بعد بنفسه ، كقوله تعالى : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ)(١).

(عَلى شاكِلَتِهِ). (٨٤)

عادته وخليقته. من قولهم : هو على شكله.

(قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي). (٨٥)

لأنهم سألوه عنه : أقديم أم محدث؟ (٢).

__________________

ـ وأخبر عن خليله إبراهيم عليه‌السلام أنّه سأله أن يجعل له لسان صدق في الآخرين فقال : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ). وبشّر عباده أنّ لهم قدم صدق ومقعد صدق فقال : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ). فهذه خمسة أشياء : مدخل الصدق ، ومخرج الصدق ، ولسان الصدق ، ومقعد الصدق وقدم الصدق. وحقيقة الصدق في هذه الأشياء : هو الحقّ الثابت المتصل بالله ، الموصّل إلى الله ، وهو ما كان به وله من الأعمال والأقوال. فمدخل الصدق ومخرج الصدق : أن يكون دخوله وخروجه حقا ثابتا لله تعالى ومرضاته. وأمّا لسان الصدق : فهو الثناء الحسن من سائر الأمم بالصدق ليس بالكذب ، كما قال تعالى عن أنبيائه : (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا). ـ وأمّا قدم الصدق ففسّر بالجنة ، وفسر بالأعمال الصالحة. وفسر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحقيقة القدم : ما قدّموه ويقدمون عليه يوم القيامة ، وهم قدّموا الأعمال الصالحة والإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقدمون على الجنة. ـ وأمّا مقعد الصدق فهو الجنة عند ربهم تبارك وتعالى. ا. ه بتصرف. راجع بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ٣ / ٤٠٠ ـ ٤٠٣ فقد أجاد فيه وأفاد ، وأحسن وأجمل.

(١) سورة الذاريات : آية ٣٩ ، وفي المخطوطة [وتولى] وهو خطأ.

(٢) أخرج أحمد والشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خرب المدينة وهو متكىء على عسيب ، فمرّ بقوم من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح وقال بعضهم : لا تسألوه ، فسألوه فقالوا : يا محمد ما الروح؟ ـ

٢٠