وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

النهب والغنيمة (١).

(تُصْعِدُونَ). (١٥٣)

تعلون طريق المدينة ، والإصعاد : الابتداء بالسير نحو صعود من الأرض (٢).

وقيل : بل الإصعاد : الإبعاد في الذهاب (٣) ، كقول سلمة بن الخرشب :

٢٥٧ ـ وأصعدت الحطّاب حتى تقاربوا

على خشب الطرفاء فوق العواقر (٤)

وقول بشر :

٢٥٨ ـ وأصعدت الرّباب فليس منها

بصارات ولا بالحبس نار

٢٥٩ ـ فحاطونا القصا ولقد رأونا

قريبا حيث يستمع السّرار (٥)

يقال : أصعد الرجل : ارتفع ، وأفرع : هبط ، وفرّع : مثل أصعد (٦).

__________________

(١) قال ابن مسعود : ما كنت أرى أنّ أحدا من أصحاب محمد يريد الدنيا حتى نزلت فينا يوم أحد : «منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة».

(٢) وهذا قول الفرّاء.

(٣) وهذا قول المبرّد.

(٤) البيت في شرح المفضليات للتبريزي ١ / ١٦٩ ، ويروي [تعارفوا] بدل [تقاربوا] والمفضليات ص ٣٧. والحطّاب جمع حاطب. والعواقر : الرمال لا تنبت شيئا ، وخشب الطرفاء والعواقر لم تكن في أرض بني ذبيان.

(٥) البيتان لبشر بن أبي حازم ، وهما في المفضليات بشرح ابن الأنباري ص ٦٧ ، والثاني في اللسان مادة : قصا ؛ وهما في ديوان بشر ص ٦٨. والرباب : قبائل من تميم ، والقصا : التنحي ، والعرب تقول : لتحوطنني القصا أو لأضربنّك ، أي : لتنحينّ عني. والمعنى : تباعدوا عنا وهم حولنا ، وقيل : القصا : فناء الدار. وفي المخطوطة [القضا] بدل [القصا] وهو تحريف و [روينا] بدل [رأونا] وهو تحريف. وهما في المفضليات ص ٣٤١. والثاني في كتاب المعاني الكبير ٢ / ٩٣٤.

(٦) وذلك أن فرّع من الأضداد ، يقال : فرّع الرجل في الجبل إذا صعّد فيه ، وفرّع : إذا انحدر. انظر اللسان : فرع.

٢٦١

وإنما يريد إبعادهم في السير بسبب عزّهم ، حتى جاوزوا بلادهم في طلب الحطب آمنين.

ولأنها نزلت في قوم من المسلمين استبطنوا الشعب آخذين طريق مكة ورسول الله فوقهم في الجبل يدعونهم فلا يجيبونه (١).

(غَمًّا بِغَمٍّ).

أي : على غم ، كقولك : نزلت ببني فلان ، أي : عليهم.

والغمّ الأول بما نيل منهم ، والثاني بما أرجف من قتل الرسول.

(وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ). (١٥٤)

أي : المنافقون حضروا للغنيمة ، وظنّوا ظنا جاهليا أنّ الله لا يبتلي المؤمنين بالتمحيص والشهادة.

(إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ).

نصب «كلّه» على التأكيد لأمر ، أي : إنّ الأمر أجمع ، ويجوز على الصفة ، أي : الأمر جميعه ، ويجوز على البدل من الأمر ، أي : إنّ كلّ الأمر لله.

ورفع «كلّه» (٢) على أنه مبتدأ ، و «لله» خبره ، والجملة من المبتدأ وخبره خبر إنّ.

(غُزًّى). (١٥٦)

جمع غاز ، كشاهد وشهّد ، وعائد وعوّد.

(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ). (١٥٨)

__________________

(١) أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : (إِذْ تُصْعِدُونَ) الآية. قال : ذاكم يوم أحد صعدوا في الوادي فرارا ونبيّ الله يدعوهم في أخراهم : إليّ عباد الله ، إليّ عباد الله. انظر تفسير الطبري ٤ / ٨٣٣ والدر المنثور ٢ / ٣٥٠.

(٢) قرأ بالرفع أبو عمرو ويعقوب. الإتحاف ص ١٨٠.

٢٦٢

اللام الأولى حلف من أنفسهم ، والثانية جواب ، كأنه والله إن متم لتحشرون.

(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ).

أي : فبأي رحمة من الله؟ تعظيما للنعمة عليه فيما أعانه من اللين لهم في ذلك المقام. ولو غلظ عليهم إذ ذاك لا نفضوا عنه هيبة وخوفا ، فيطمع العدوّ فيه.

(فَظًّا). (١٥٩)

الفظ : الجافي الغليظ ، ومنه الافتظاظ : لشرب ماء الكرش ، لجفائه على الطبع.

قال :

٢٦٠ ـ وإني فتى صبر على الأين والوجى

إذا اعتصروا للّوح ماء فظاظها

٢٦١ ـ إذا ضربوها ساعة بدمائها

وحلّ عن الكوماء عقد شظاظها (١)

وقال الفرزدق :

٢٦٢ ـ أمسكين أبكى الله عينك إنّما

جرى في ضلال دمعها إذ تحدّرا

٢٦٣ ـ بكيت امرأ فظّا غليظا مبغّضا

ككسرى على عدّانه أو كقيصرا (٢)

__________________

(١) البيتان لإبراهيم بن عبد الله النجيرمي ، أبو إسحق النحوي اللغوي ، كان مقامه بمصر وكان يجالس كافور الإخشيدي وترجمته مع الأبيات في معجم الأدباء ١ / ٢٠١ ، والأين : التعب ، والوجى : التعب الشديد ، واللوح : العطش ، والفظاط : ماء الكرش ، وعقد شظاظها : خشبة عقفاء تدخل في عروتي الجوالق. وفي المخطوطة بعض التصحيف.

(٢) البيتان للفرزدق يهجو مسكين بن عامر ، وكان رثى زياد بن أبيه. وفي المخطوطة [عداته] وهو تصحيف. والعدان : الزمان ، على عدانه : أي : على زمانه. راجع ديوان الفرزدق ١ / ٢٠١. وفي الديوان : [أتبكي أمرا من أهل ميسان كافرا]. والثاني في لسان العرب مادة : عدن ١٣ / ٢٧٩.

٢٦٣

(أَنْ يَغُلَّ). (١٦١)

أن يخون ، وأن يغلّ (١) : يخان.

وقيل : أن يوجد غالا. كقولك : أجبنته وأبخلته ، وقيل : أن يقال له : غللت.

من قولك : أكذبته وأكفرته.

(وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ).

أي : حاملا خيانته على ظهره ، وقيل : إنه لا يكفّره إلا ردّه على صاحبه.

(هُمْ دَرَجاتٌ). (١٦٣)

أي : مراتب أهل الثواب والعقاب ، النار دركات ، والجنة درجات.

وفي الحديث : «إنّ أهل الجنّة ليرون أهل عليّين كما يرى النجم في السّماء» (٢).

__________________

(١) قرأ يَغُلَّ بفتح الياء وضم الغين ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ، أي : لا يصح أن يقع من نبيّ غلول ألبتة. وقرأ الباقي بضم الياء وفتح الغين مبنيا للمفعول ، أي : ما صحّ لنبيّ أن يخونه غيره ، فهو نفي في معنى النهي. وأخرج أبو داود والترمذي وحسّنه عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : لعلّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذها ، فأنزل الله : (وَما كانَ). الآية. انظر أبا داود ٣٩٧١ ؛ والترمذي ٣٠١٢. وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عباس قال : بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جيشا فردت رايته ، ثم بعث فردّت بغلول رأس غزالة من ذهب ، فنزلت (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ).

(٢) الحديث في نهاية ابن الأثير بلفظ : «إنّ أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما ترون الكوكب الدريّ في أفق السماء» ٣ / ٢٩٤. والحديث أخرجه أبو داود برقم (٣٩٨٧) ؛ والترمذي (٣٦٥٩) ، وابن ماجه ١ / ٣٧ ، وفيه زيادة : «وإنّ أبا بكر وعمر منهم وأنعما». راجع شرح السنة ١٤ / ١٠٠ ؛ وعارضة الأحوذي ١٣ / ١٢٧.

٢٦٤

ولما اختلفت أعمالهم جعلت كاختلاف الذوات في تفاوت الدرجات كقول ابن هرمة :

٢٦٤ ـ أنصب للمنيّة تعتريهم

رجالي أم هم درج السّيول (١)

(قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها). (١٦٥)

كان يوم أحد قتل سبعون من المسلمين ، وقد قتلوا يوم بدر سبعين من المشركين وأسروا سبعين.

(أَوِ ادْفَعُوا). (١٦٧)

أي : بتكثير السواد وإن لم يقاتلوا.

(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ).

فإن قيل : معلوم أنّ القول لا يكون إلا بالأفواه؟ قلنا : إنّ القول يحتمل باللسان وبالقلب ، فيكون بمعنى الظن والاعتقاد ، قال توبة :

٢٦٥ ـ ألا يا صفي النفس كيف تقولها

لو أنّ طريدا خائفا يستجيرها

٢٦٦ ـ يخبّر إن شطت بها غربة النوى

ستنقم ليلى أو يفكّ أسيرها (٢)

(وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ). (١٧٠)

يطلبون السرور في البشارة بمن يقدم عليهم من إخوانهم ، كما يبشر بقدوم الغائب أهله.

(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ). (١٧٣)

__________________

(١) البيت في ديوان ابن هرمة ص ٩٤ ؛ وهو من شواهد سيبويه ١ / ٢٠٦ ؛ وشرح الأبيات للسيرافي ١ / ٢٨٤ ؛ ولسان العرب مادة : درج ، يبكي أهله ويقول : أجعلتهم المنية غرضا لهم ترميهم! والنصب : ما نصبته لترميه ، ودرج نصب على الظرفية.

(٢) البيتان لتوبة بن الحميري ، وهما في المدخل للحدادي ص ٢٩٧ ، وأمالي المرتضى ١ / ٣٦٣.

٢٦٥

هو نعيم بن مسعود الأشجعي حين ضمن له أبو سفيان مالا ليجبّن المسلمين ويثبطهم حتى يكون التأخر من المسلمين لا منه (١).

وإقامة الواحد مقام الجمع إمّا لتفخيم الأمر ؛ وإمّا لابتداء القول أو العمل كما إذا انتظرت قوما ، فجاء واحد منهم قلت : جاء الناس.

(يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ). (١٧٥)

أي : يخوّفكم أولياءه ، أو يخوّف بأوليائه ، كقوله : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً)(٢).

(أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ). (١٧٨)

وقع موقع المفعولين لقوله :

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا).

وهذا كقولك : حسبت أنّ زيدا قائم ، فإنه في حكم المفعولين ، لأنه حديث ومحدّث عنه.

والإمالة : إطالة المدة ، والملاوة : الدهر.

(لِيَزْدادُوا إِثْماً).

أي : لتكون عاقبة أمرهم ازدياد الإثم.

(وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ). (١٧٩)

__________________

(١) أخرج ابن جرير ٤ / ١٨٠ عن السدي قال : لما ندم أبو سفيان وأصحابه على الرجوع عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه وقالوا : ارجعوا فاستأصلوهم ، فقذف الله في قلوبهم الرعب فهزموا ، فلقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا ، فقالوا له : إن لقيت محمدا وأصحابه فأخبرهم أنّا قد جمعنا لهم. فأخبر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد ، فلحقوا الأعرابي في الطريق فأخبرهم الخبر فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل.

(٢) سورة الكهف : آية ٢.

٢٦٦

في تمييز المؤمنين من المنافقين ، لما في ذلك من رفع المحنة ، ولكن يطلع أنبياءه على بعض الغيب بقدر المصلحة.

(بِقُرْبانٍ). (١٨٣)

القربان : هو التقرّب ، مصدر مثل : الرّجحان والخسران ، ثم سمي المتقرّب به توسعا.

(بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ). (١٨٤)

وإنما جمع بين الزبر والكتاب ؛ لأنّ أصلهما مختلف لأنّه زبور ، لما فيه من الزّبر ، أي : الزجر عن خلاف الحق ، وهو كتاب لأنه ضم الحروف بعضها إلى بعض.

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا). (١٨٨)

أي : اليهود الذين فرحوا بتكذيب النبي عليه‌السلام ، والاجتماع على كتمان أمره (١) ، وخبر (لا تَحْسَبَنَ) الأولى (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) ، ودخل بينهما (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) لطول الكلام.

(سَمِعْنا مُنادِياً). (١٩٣)

__________________

(١) أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال : إن اليهود كتب بعضهم إلى بعض : إنّ محمدا ليس بنبي فأجمعوا كلمتكم ، وتمسكوا بدينكم وكتابكم الذي معكم ، ففعلوا ففرحوا بذلك ، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. تفسير الطبري ٤ / ٢٠٦. وأخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي أنّ مروان بن الحكم قال لبوّابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرىء منّا فرح بما أتى وأحبّ أن يحمد بما لم يفعل لنعذبنّ أجمعون أفقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية!؟ إنما أنزلت هذه في أهل الكتاب ، ثم تلا ابن عباس ؛ (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ) وتلا : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) فقال ابن عباس : سألهم النبي عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم. انظر فتح الباري ٨ / ٢٣٣ ، ومسلم ٢٧٧٨ ؛ والترمذي ٣٠١٨.

٢٦٧

القرآن (١).

(لا يَغُرَّنَّكَ).

أيها السامع.

(تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ). (١٩٦)

أي : بالنعم غير مأخوذين بكفرهم.

(نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ). (١٩٨)

على معنى المصدر ؛ لأنّ خلودهم فيها يقتضي نزولهم نزلا ، وقيل : على التفسير كقولك : هو لك هبة أو صدقة.

(إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ). (١٩٩)

أي : سريع المجازاة على الأعمال ، وإنّ وقت الجزاء قريب.

أو معناه : محاسبة جميع الخلق في وقت واحد.

ويقال : إنّ مقدار ذلك مقدار حلب شاة ؛ لأنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن.

(اصْبِرُوا). (٢٠٠)

أي : على طاعة الله.

(وَصابِرُوا) ، أي : أعداء الله.

(وَرابِطُوا) ، أي : في سبيل الله (٢) والرابطة والرباط كلاهما : ربط

__________________

(١) وهذا القول لمحمد بن كعب القرظي رواه عنه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر. وعن ابن جريج وابن زيد قالا : هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) أخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عن أنس قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أجر المرابط؟ فقال : من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممّن صام وصلى. ـ

٢٦٨

الخيل في الثغر والإقامة فيه لدفاع العدو. قال الأخطل :

٢٦٧ ـ ما زال فينا رباط الخيل معلمة

وفي كليب رباط اللؤم والعار

٢٦٨ ـ النّازلين بدار الذّل إن نزلوا

وتستبيح كليب حرمة الجار (١)

تمت سورة آل عمران ويليها سورة النساء

* * *

__________________

ـ وأخرج الطبراني بسند جيد عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله ، ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة.

(١) البيتان للأخطل في هجاء جرير من قصيدة له ، وهذه القصيدة إحدى الأهاجي الشهيرة التي وصم بها الأخطل جريرا ، وهما في نقائض جرير والأخطل ص ١٣٤ ، وديوان الأخطل ص ٣٦٩. والأول في اللسان مادة : علم. ومجاز القرآن ١ / ١١٢ ؛ وديوان المعاني ٢ / ١٧٥.

ـ أخرج ابن السني وابن مردويه وأبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة.

٢٦٩
٢٧٠

سورة النّساء (١)

(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ). (١)

أي : اتقوا الأرحام أن تقطعوها.

وقيل : أسألك بالله وبالرحم (٢) : بيّن ذلك افتتاح الكلام بخلقهم من نفس واحدة ، وهو يدعو إلى التعاطف والتواصل في الأرحام وحفظ النساء والأولاد. وهذا أولى من كسر (الْأَرْحامَ) عطفا على الضمير في (بِهِ)(٣) لفظا ؛ لأنه لا يعطف على الضمير المجرور لضعفه. ألا ترى أنّه ليس للمجرور ضمير منفصل.

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ). (٣)

أي : أدرك من النساء.

كما يقال : طابت الثمرة : إذا أدركت.

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة النساء بالمدينة. وعن ابن عباس قال : من قرأ سورة النساء فعلم ما يحجب مما لا يحجب علم الفرائض.

(٢) أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد : (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) ، قال : يقول : أسألك بالله وبالرحم. وعن الحسن قال : هو قول الرجل : أنشدك بالله والرحم. انظر تفسير الطبري ٤ / ٢٢٧.

(٣) وهي قراءة حمزة.

٢٧١

فيكون المراد التحذير من ظلم اليتيمة. وإنّ الأمر في البالغة أخف كما روي أنّ عروة سأل عائشة عن الآية؟

فقالت : هي اليتيمة في حجر وليها ، فيرغب في مالها وجمالها ويقصّر في صداقها (١).

ـ وقيل : كانوا يتحرّجون في أمر اليتامى ، ولا يتحرجون في النساء فنزلت (٢).

أي : إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ، فخافوا لذلك.

ـ وإنما قال : (ما طابَ) ولم يقل : من طاب. لأنه قصد النكاح لا المنكوحة.

أي : انكحوا نكاحا طيّبا.

فيكون (ما) بمعنى المصدر (٣).

(مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ).

__________________

(١) أخرج ذلك البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم. انظر فتح الباري ٨ / ٢٣٩ ، ومسلم ٣٠١٨.

(٢) أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم : عن سعيد بن جبير قال : بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم والناس على أمر جاهليتهم ، إلا أن يؤمروا بشيء وينهوا عنه ، فكانوا يسألون عن اليتامى ، ولم يكن للنساء عدد ولا ذكر ، فأنزل الله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ). وكان الرجل يتزوج ما شاء ، فقال : كما تخافون ألا تعدلوا في اليتامى فخافوا في النساء ألا تعدلوا فيهن ، فقصرهم على الأربع.

(٣) وقال البقاعي : ولما كانت النساء ناقصات عقلا ودينا عبّر عنهن بأداة ما لا يعقل إشارة إلى الرفق بهن والتجاوز عنهن فقال : ما. راجع نظم الدرر ٤ / ١٧٩.

٢٧٢

هذه صيغ لأعداد مفردة مكررة في نفسها ، وكذلك منعت من الصرف لمّا عدلت عن وضعها الأول في اللفظ والمعنى.

ألا ترى أنّ الواحد لمّا لم ينقسم من الوجه الذي قيل له بأنه واحد. وأحاد منقسم بالكثرة المشتركة غير منقسمين.

وكذلك مثنى وثلاث كل لفظ منهما محمول على الكثير في ذلك العدد.

ـ قال الهذلي :

٢٦٩ ـ ولكنّما أهلي بواد أنيسه

ذئاب تبغى الناس مثنى وموحد (١)

(تَعُولُوا).

تجوروا ، روته عائشة (٢) رضي الله عنها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومن فسره بكثرة العيال (٣) فقد حمله على المعنى لا على لفظ العيال ،

__________________

(١) البيت لساعدة بن جؤية الهذلي وهو من شواهد سيبويه ، ذكره السيرافي في شرح الأبيات ٢ / ٢٣٥ ؛ وديوان الهذليين ١ / ٢٣٦ ؛ والمخصص ١٣ / ١٢١ ؛ واللسان ١٨ / ٨١ ؛ وتفسير القرطبي ٥ / ١٦ ؛ ومجاز القرآن ١ / ١١٤ ؛ والاقتضاب ص ٤٣٨.

(٢) أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا» قال : أن لا تجوروا. قال ابن أبي حاتم : قال أبي : هذا حديث خطأ ، والصحيح : عن عائشة موقوف. راجع الدر المنثور ٢ / ٤٣٠.

(٣) وهو الإمام الشافعي ، وقد روي عن زيد بن أسلم في قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) قال : يقول : ذلك أدنى ألا يكثر من تعولون. وقد أنكر بعضهم ذلك على الشافعي وخطأه في ذلك. وزعم أن ذلك من أعال لا من عال. لكن روى الأزهري في تهذيب اللغة عن الكسائي قال : عال الرجل : إذا افتقر ، وأعال : إذا كثر عياله ، قال : ومن العرب الفصحاء من يقول : عال يعول إذا كثر عياله ، قال الأزهري : وهذا يقوي قول الشافعي ؛ لأن الكسائي لا يحكي عن العرب إلا ما حفظه وضبطه ، وقول الشافعي نفسه حجة لأنه عربي فصيح. اه. راجع أحكام القرآن لإلكيا الهراسي ١ / ٣٢٣ ؛ وتفسير الخازن ١ / ٣٢٢.

٢٧٣

وإنما هو من قولهم : عال الميزان : إذا رجحت إحدى كفتيه على الأخرى ، وكأنه إذا كثر عياله ثقلت عليه نفقتهم.

وقيل : تميلوا.

قال الفرزدق :

٢٧٠ ـ ترى الغرّ الجحاجح من قريش

إذا ما الأمر في الحدثان عالا

٢٧١ ـ قياما ينظرون إلى سعيد

كأنّهم يرون به هلالا (١)

(صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً). (٤)

يقال : صدقة ، وصدقة ، وصداق وصداق (٢).

وسئل ثعلب أنّ النحلة كلها هبة ، والصداق فريضة؟

فقال : كان الرجل يصدق امرأة أكثر من مهر مثلها ، فإذا طلقها أبى إلا مهر مثلها ، فبيّن الله أنّ تلك الزيادة التي كانت في الابتداء تبرعا ونحلة ، وجبت بالتسمية كمهر المثل.

وقيل : نحلة : هبة من الله للنساء.

(هَنِيئاً مَرِيئاً).

هنأني الطعام ومرأني ، فإذا أفردت قلت : أمرأني.

(قِياماً). (٥)

قواما ، كما يقال : طال طيلك وطولك.

__________________

(١) البيتان للفرزدق يمدح سعيد بن العاصي وهما في خزانة الأدب ٦ / ٣٤٧ ؛ وشرح الحماسة للتبريزي ٤ / ٦٢ ؛ وطبقات الشعراء ص ١١٢ ؛ والأغاني ١٩ / ٢١ ؛ وديوانه ص ٤٢٤.

(٢) قال الأخفش : واحد الصّدقات صدقة ، وبنو تميم : صدقة ، ساكنة الدال مضمومة الصاد ، راجع معاني القرآن للأخفش ١ / ٢٢٦.

٢٧٤

(وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ). (٦)

قال ابن عباس : قرضا ثم يقضيه إذا وجد (١).

وقال الحسن : لا يقضي ما صرفه إلى سدّ الجوعة ، وستر العورة (٢).

(وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ). (٧)

نزلت حين كانت العرب لا تورث البنات (٣).

(إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً). (١٠)

لمّا كانت غايتهم النار ، كما قيل فيمن أخذ الدية :

٢٧٢ ـ وإنّ الذي أصبحتم تحلبونه

دم غير أنّ اللون ليس بأحمرا (٤)

وقال آخر :

٢٧٣ ـ وما كنت أخشى خالدا دمه عليّ

مكلّلة الشيزى تمور وتطفح (٥)

وفي ضده :

٢٧٤ ـ فلو أنّ حيّا يقبل المال فدية

لسقنا لهم سيلا من المال مفعما

__________________

(١) في المخطوطة : فرضا وهو تصحيف. أخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية يقول : إن كان غنيا فلا يحل له أن يأكل من مال اليتيم شيئا ، وإن كان فقيرا فليستقرض منه ، فإذا وجد ميسرة فليعطه ما استقرض منه. فذلك أكله بالمعروف. انظر تفسير الطبري ٤ / ٢٥٦.

(٢) يؤيد هذا ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمرو أنّ رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ليس لي مال ولي يتيم؟ فقال : كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذّر ، ولا متأثل مالا من غير أن تقي مالك بماله». راجع سنن أبي داود برقم ٢٨٧٢ ، والنسائي ٦ / ٢٥٦.

(٣) أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنّ أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء ولا الولدان الصغار شيئا. يجعلون الميراث لذي الأسنان من الرجال ، فنزلت : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) ... الآية.

(٤) البيت في الوحشيات لأبي تمام ص ٣٨٣ من غير نسبة من المحقق ، والحيوان ٣ / ١٠٥ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ١٠١٩. وهو لخالد بن علقمة بن الطيفان ، وكان معاصرا لجرير والفرزدق.

(٥) لم أجده.

٢٧٥

٢٧٥ ـ ولكن أبى قوم أصيب أخوهم

رضى العار واختاروا على اللبن الدّما (١)

وقال آخر :

٢٧٦ ـ غدا ورداؤه لهق حجير

ورحت أجرّ ثوبي أرجوان

٢٧٧ ـ كلانا اختار فانظر كيف تبقى

أحاديث الرجال على الزّمان (٢)

(وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً).

صلي النار يصلى صلى : إذا لزمها.

وسيصلون بالضم على ما لم يسمّ فاعله (٣) ، من : أصليته نارا : ألقيته فيها.

ويجوز من أصليته : صلى النار ، أو صليته ، لازم ومتعد ، ومنه الحديث : «أتي بشاة مصلية» (٤) ، أي : مشوية.

__________________

(١) في المخطوطة : منعما بدل [مفعما] وهو تصحيف. والبيتان في ديوان الحماسة ولم ينسبا ١ / ١١٧ ؛ والبحر المحيط ١ / ٤٩٢ ؛ والدر المصون ٢ / ٢٤٢. جعل اللبن كناية عن الإبل التي تؤدّى عقلا لأنه منها.

(٢) البيتان لرجل من بني كبير من الأزد ، وهما في معاني الشعر للأشنانداني ص ٢٤ ، وكان أبوهما قتل فطلب هذا الشاعر بدم أبيه ولم يطلب أخوه حجير به ، بل قبل الدية. واللهق : الأبيض.

(٣) وهي قراءة ابن عامر وشعبة. الإتحاف ص ١٨٦.

(٤) الحديث في النهاية لابن الأثير ٣ / ٥٠ وأخرجه أبو داود بروايات متعددة منها : أنّ يهودية من أهل خيبر سمّت شاة مصلية ، ثم أهدتها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذراع فأكل منها ، وأكل رهط من أصحابه معه ، ثم قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ارفعوا أيديكم ، وأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليهودية فدعاها فقال لها : سممت الشاة؟ قالت اليهودية : من أخبرك؟ قال : أخبرتني الذراع. قالت : نعم. قال : فما أردت إلى ذلك؟ قالت : قلت : إن كان نبيا فلن يضرّه ، وإن لم يكن نبيّا استرحنا منه ، فعفا عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يعاقبها ، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة ، واحتجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على كاهله من أجلها. راجع سنن أبي داود : باب فيمن سقى رجلا سما أو أطعمه شيئا فمات. وراجع معالم السنن ٤ / ٦.

٢٧٦

(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ). (١١)

أي : الأخوان فصاعدا ، وإنما حجبت الإخوة الأمّ عن الثلث ـ وإن لم يرثوا مع الأب ـ معونة للأب إذ هو كافيهم وكافلهم ، وقد نبّه عليه قوله :

(لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً).

أي : لا تعلمونه والله يعلمه ، فاقسموه كما أمر من يعلم المصالح والعواقب.

والكلالة : ما عدا الوالد والولد من القرابة المحيطة بالولاد كإحاطة الإكليل بالرأس.

(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ).(١) (١٥)

منسوخة ، والسبيل الذي جعل الله لهن : جلد البكر ، ورجم الثيب.

وابن بحر لا يرى النسخ فيحملها على خلوة المرأة بالمرأة في فاحشة السحاق ، والسبيل : التزويج والاستعفاف بالحلال.

(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها). (١٦)

يحملها على الرجلين يخلوان بالفاحشة بينهما ، ويستدل عليه بتثنية

__________________

(١) الآية : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً). وهذه الآية منسوخة فقد أخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ). قال : كان هذا بدء عقوبة الزنا ، كانت المرأة تحبس ويؤذيان جميعا ، ويعيّران بالقول وبالسب ، ثم إنّ الله أنزل بعد ذلك في سورة النور ، جعل الله لهن سبيلا ، فصارت السنة فيمن أحصن الرجم بالحجارة ، وفيمن لم يحصن جلد مائة ونفي سنة ، راجع الدر المنثور ٢ / ٤٥٦. وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عباس قال : لما نزلت الفرائض في سورة النساء قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا حبس بعد سورة النساء.

٢٧٧

الضمير على التذكير دون جمعه (١).

(أَعْتَدْنا). (١٨)

أفعلنا من العتاد ، ومعناه : أعددناه من العدة ، فتبدل التاء من الدال أحدهما بصاحبه (٢).

(أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً). (١٩)

يحبسها وهو كاره لها ليرثها.

وقيل : ذلك على عادة الجاهلية في وراثة وليّ الميت امرأته ، فإن شاء أمسكها بالمهر الأول ، وإن شاء زوّجها وأخذ مهرها (٣).

(بِفاحِشَةٍ).

نشوز ، وقيل : زنا فيحل أخذ الفدية.

(مُبَيِّنَةٍ).

متبينة ، يقال : بيّن الصبح لذي عينين : أي : تبيّن. قال (٤) :

٢٧٨ ـ مبينة ترى البصراء فيها

وأفيال الرجال وهم سواء

(أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً).

__________________

(١) أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : كان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال فأنزل الله بعد هذه الآية : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) وإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. راجع الدر المنثور ٢ / ٤٥٧ ؛ وتفسير ابن جرير ٤ / ٢٩٢.

(٢) قال ابن منظور : وحكى يعقوب أنّ تاء أعتدته بدل من دال أعددته. يقال : أعتدت الشيء وأعددته فهو معتد وعتيد. وفي التنزيل : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً). راجع اللسان عتد ٣ / ٢٧٩.

(٣) أخرج البخاري وأبو داود والنسائي والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاؤوا زوّجوها ، وإن شاؤوا لم يزوجوها فهم أحقّ بها من أهلها. فنزلت هذه الآية في ذلك. راجع فتح الباري ٨ / ٢٤٥ ؛ وسنن أبي داود رقم ٢٠٨٩.

(٤) لم أجده.

٢٧٨

أي ظلما كالظلم بالبهتان ، أو بأن يبهتوا أنكم ما ملكتموه منهن.

(أَفْضى) : خلا بها.

(مِيثاقاً غَلِيظاً). (٢١)

أي : عقد النكاح ، فكان يقال في النكاح قديما : آلله عليك لتمسكن بمعروف ، أو لتسرحنّ بإحسان (١).

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ). (٢٢)

بمعنى المصدر. أي : نكاحهم ، ثم يجوز هذا المصدر على حقيقته ، فيدخل فيه أنكحة الجاهلية المحرمة على عهد الإسلام. ويجوز بمعنى المفعول به ، أي : لا تنكحوا منكوحة آبائكم صنع الجاهلية (٢).

(إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ).

أي : لكن ما سلف فمعفوّ مغفور ، وكلّ استثناء منقطع كان (إِلَّا) فيه معنى لكن.

__________________

(١) أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : هو ما أخذ الله تعالى للنساء على الرجال : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، قال : وقد كان يؤخذ ذلك عن عقد النكاح : آلله عليك لتمسكنّ بمعروف أو لتسرحنّ بإحسان. ـ وأخرج ابن أبي شيبة قال : كان أنس بن مالك إذا زوّج امرأة من بناته أو امرأة من بعض أهله قال لزوجها : أزوّجك تمسك بمعروف أو تسرّح بإحسان. راجع الدر المنثور ٢ / ٤٦٧ ؛ وتفسير الطبري ٤ / ٣١٦.

(٢) أخرج الفريابي وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن عدي بن ثابت قال : توفي أبو قيس بن الأسلت ـ وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأته فقالت : إنما أعدك ولدا ، وأنت من صالحي قومك ، ولكن آتي رسول الله فأستأمره ـ فأتت رسول الله فقالت : إنّ أبا قيس توفي. فقال لها : خيرا. قالت : وإنّ ابنه قيسا خطبني ـ وهو من صالحي قومه ـ وإنما كنت أعدّه ولدا ، فما ذا ترى؟ قال : ارجعي إلى بيتك. فنزلت هذه الآية : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ). انظر أسباب النزول للواحدي ص ٨٤ ؛ والدر المنثور ٢ / ٤٦٨.

٢٧٩

(وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ). (٢٣)

أي : دون من تبنّيتم به ، إذ دخل فيه حلائل الأبناء من الرضاع.

ـ الجزء الخامس ـ

(وَالْمُحْصَناتُ). (٢٤)

أحصن فهو محصن ، مثل : أسهب فهو مسهب ، وأفلج مفلج ، ثلاث شاذة.

وللإحصان معنيان : لازم ومتعد ، لازم على معنى الدخول في الحصن ، مثل : أسهل وأحزن وأسلم وأمن. والمتعدي : على معنى إدخال النفس في الحصن.

والاتفاق على الفتح في هذا الموضع ، للاتفاق على أن المراد بهن ذوو الأزواج ، فإنهن محرمات على غير الأزواج.

(إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).

أي : ذوات الأزواج اللاتي ملكتموهنّ بالسبي.

وسئل الحسن عن هذه المسألة والفرزدق عنده فأنشد من شعره :

٢٧٩ ـ وذات حليل أنكحتنا رماحنا

حلالا لمن يبني بها لم يطلّق (١)

وذكرها حاتم قبله :

__________________

(١) البيت في أضواء البيان ١ / ٣٢٠ ؛ وطبقات فحول الشعراء ١ / ٣٣٦ مع القصة ؛ وديوانه ص ٥٧٦ والقصة أيضا في الأغاني ١٩ / ١٤ ؛ وهو في البحر المحيط ٣ / ٢١٤ ؛ والعقد الفريد ٦ / ١٩٧.

٢٨٠