وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

ومن قال : إنّ «السّلم» بالفتح (١) : الصلح لا غير ، لم يمتنع على قوله أن يراد الإسلام بالصلح ؛ لأنّ الإسلام صلح ، والمسلمون يدّ واحدة في التناصر والتضافر.

(كَافَّةً).

جميعا ، كففت الشيء : جمعته ، وكفّة الميزان لجمعه ما فيه ، وكفّ الثوب : طيّه.

ويجوز أن يكون من الكفّ ، أي : المنع ، لأنهم إذا اجتمعوا تمانعوا.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ). (٢١٠)

المراد : إتيان آيات الله ، فذكر : «الله» لتفخيم شأن الآيات. وقيل : بل التقدير : يأتيهم أمر الله ، فحذف المضاف ، كما هو في قوله : (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ)(٢). يبيّن ذلك أنّ الآيتين للإخبار عن حال القيامة ، فلما كان الأمر في أحدهما مذكورا ، كان في الأخرى مقدّرا مفهوما.

وقيل : إنّ اللفظ وإن كان يثبت الإتيان فالفحوى ينفيه ، لأنّ الحال على صورة من قدم إلى عبيده بكلّ موعظة ورسول يستصلحهم بذلك ثمّ يقول ـ إذا لم يصلحوا ـ : هل تنتظرون إلا أن آتيكم؟ على تقرر امتناع إتيانه في نفوسهم.

__________________

(١) وهي قراءة نافع وابن كثير والكسائي وأبي جعفر. الإتحاف ص ١٥٦.

(٢) الآية : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ). سورة النحل : آية ٣٣.

٢٠١

(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا). (٢١٢)

قيل : إنّ الشيطان هو الذي زيّنها لهم ، وقيل : بل الله يفعل ذلك ، ليصح التكليف ، وليعظم الثواب على تركها مع شهوتها.

(بِغَيْرِ حِسابٍ).

بغير استحقاق على جهة التفضل. وقوله : (عَطاءً حِساباً)(١) أي : الذي يقابل العمل ويكافيه.

قول قطرب : بغير حساب عنده تعالى لسعة فضله ، وهو بحساب أعمالنا ، وكأنّه يعطي المحسوب المعدود ما لا يحسب ولا يعدّ.

(كانَ النَّاسُ أُمَّةً). (٢١٣)

الأمة هنا الملة ، قال النابغة :

١٩١ ـ حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع (٢)

بحذف المضاف : أي : أهل ملة.

وتلك الملة الضلال ، عن ابن عباس ، والحسن ، فهو الغالب عليهم وإن كانت الأرض لم تخل من حجة الله ، ويجوز أن يكونوا متفقين فاختلفوا بعد.

__________________

(١) سورة عمّ : آية ٣٦.

(٢) البيت في المجمل لابن فارس ١ / ٨١ ؛ والمفردات للرّاغب ص ٢٣ ؛ واللسان مادة : أمم ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٧٥ ؛ ومثلث البطليوسي ١ / ٣٢٩ ؛ والصحاح مادة : أمم ؛ وديوانه ص ٨١.

٢٠٢

(بَغْياً بَيْنَهُمْ).

نصب على المفعول له ، أي : وما اختلفوا إلا للبغي.

(بِإِذْنِهِ) أي : فاهتدوا بإذنه ، أي : بعلمه.

(أَمْ حَسِبْتُمْ). (٢١٤)

(أَمْ) تكون للابتداء والاستفهام ، إلا أنه خلع عنها هنا معنى الاستفهام كما خلع في الخبر من قولك : مررت برجل أيّ رجل ، ولذلك أعربت «أي» ، ومثله واو العطف فإنها للعطف والجمع ، فإذا وضعت موضع «مع» خلص للجمع في نحو : استوى الماء والخشبة ، وكذلك فاء العطف للعطف والإتباع ، وإذا استعملت في جواب الشرط انخلعت عن العطف ، وخلصت للإتباع وذلك قولك : إن تقم فأنا أقوم.

(وَلَمَّا يَأْتِكُمْ). (٢١٤)

أي : ولم يأتكم كقوله : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا)(١).

وأصل (لَمَّا) لم إلا أنّ لمّا بانفرادها تصلح جوابا لمن يقول لك : أقدم زيد؟ فتقول : لما ، ولا يجوز لم.

(وَزُلْزِلُوا).

أزعجوا بالخوف ، وهو في يوم الأحزاب ، وهو زلّوا ضوعف لفظه لمضاعفة معناه ، كقولهم صرّ وصرصر. قال الخليل : كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة فقالوا : صرّ ، وفي صوت البازي تقطيعا فقالوا : صرصر (٢).

(حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ).

__________________

(١) سورة الجمعة : آية ٣.

(٢) انظر العين ٧ / ٨١ ـ ٨٢.

٢٠٣

أي : حتى يسأل النصر الموعود ، وليس المراد الاستبطاء للنصر ، لأنّ الرسول يعلم أنّ الله لا يؤخره عن وقت المصلحة ، وكذلك كلّ من هو في شدة وغمة فلا ينبغي أن يستبطىء الفرج ، بل يوقن بزوالها في الدنيا أو يموت عليها. فيظفر بالعوض العظيم في الآخرة ، وذلك خير وأبقى.

ومن رفع «يقول» (١) كان الكلام بمعنى استدامة حال الصبر إلى وقت النصر ، وتقديره : حتى الرسول قائل كما قال :

١٩٢ ـ يغشون حتى ما تهرّ كلابهم

ولا يسألون عن السواد المقبل

١٩٣ ـ بيض الوجوه كريمة أحسابهم

شمّ الأنوف من الطّراز الأول (٢)

أي حتى هم الآن كذلك.

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ). (٢١٧)

انحفاض قتال على البدل من الشهر بدل الاشتمال ، وهو الذي يكون الثاني فيه غير الأول في اللفظ ، وهو داخل فيه أو مقدّر فيه.

قال الأعشى :

١٩٤ ـ هريرة ودعها وإن لام لائم

غداة غد أم أنت للبين واجم

__________________

(١) وهي قراءة نافع ، لأنه ماض بالنسبة إلى زمن الإخبار ، أو حال باعتبار حكاية الحال الماضية. راجع الإتحاف ص ١٥٦.

(٢) البيتان لحسان بن ثابت من قصيدة مدح بها آل جفنة ملوك الشام. وفي المخطوطة «يفتنون حتى» وهو تصحيف واضح ، والبيتان في خزانة الأدب ٤ / ٣٨٤ ؛ وديوانه ص ٤٦٢ ؛ وديوان المعاني ١ / ٣٧. والأول في كتاب سيبويه ١ / ٤١٣ ؛ وشرح الأبيات للسيرافي ١ / ٦٩ ؛ والمقتصد شرح الإيضاح ٢ / ١٠٨٦.

٢٠٤

١٩٥ ـ لقد كان في حول ثواء ثويته

تقضي لبانات ويسأم سائم (١)

ألا ترى أن الحول مشتمل على الثواء متناول له.

(وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).

أي : القتل في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام يصد المسلمين عن الحج.

(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ). (٢١٩)

أي : الفضل عن الحاجة ، وقيل : السهل الميسر ، يقال : «خذ ما عفا» أي : سهل وصفا ، وقيل : هو القصد والوسط ، وانتصاب «العفو» على أنه جواب المنصوب وهو ماذا ، وماذا اسم واحد ؛ لأنك تقول : عن ماذا تسأل؟ لا تحذف الألف من «عمّا» كما حذفت من : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ)(٢) لمّا لم يكن آخر الاسم ، فيكون (ما ذا يُنْفِقُونَ) مثل : ما ينفقون؟ والجواب : ينفقون العفو.

ومن يرفع العفو (٣) يجعل ذا بمنزلة الذي ، ويجعلهما اسمين كأن القول ما الذي ينفقون.

(لَأَعْنَتَكُمْ). (٢٢٠)

لشدّد عليكم في مخالطتهم ، أو في جميع ما كلّفكم ، فإنّ العبرة لعموم

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ٧٧ ؛ والأول في كتاب سيبويه ١ / ٢٩٨ ؛ وشرح الأبيات لابن السيرافي ٢ / ٣٤٨ ؛ والكامل ١ / ٣٩٦ ؛ والثاني في المقتضب ١ / ١٦٥ ؛ وأمالي الشجري ١ / ٣٦٣.

(٢) سورة عمّ : آية ١.

(٣) قرأ أبو عمرو بالرفع وحده. الإتحاف ص ١٥٧.

٢٠٥

اللفظ ، كذلك فسر أبو عبيدة الإعنات بالإهلاك (١) وأصل العنت : الشدة والمشقة. قال مسلمة بن عبد الملك (٢) :

١٩٦ ـ إني إذا الأصوات في القوم علت

في موطن يخشى به القوم العنت

١٩٧ ـ موطّن نفسي على ما خيّلت

بالصبر حتى تنجلي عمّا انجلت

(حَتَّى يَطْهُرْنَ). (٢٢٢)

ينقطع دمهن. ويطّهّرن (٣) : يتطهرن ويغتسلن. فأدغمت.

(أَنَّى شِئْتُمْ). (٢٢٣)

كيف شئتم ، وقيل : من أين شئتم ، بيد أن لا يخرج عن موضع الحرث بدليل : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ).

(وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ).

قيل : إنه التسمية عند الجماع ، والأولى اعتبار عموم اللفظ كأنّه أمر عقيب ما أباح وحظر بتقديم الأعمال الصالحة والتوفّر.

(عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) (٢٢٤)

علة وحجة في ترك البر والتقوى والإصلاح ، فتحلفوا لتدفعوا وتعتلّوا بها ، فكأنّ اليمين سبب يعرض فيمنع من البر والتقوى ، أو سبب يوجب الإعراض عنهما ، وهو كما قال جرير :

__________________

(١) راجع مجاز القرآن ١ / ٧٣.

(٢) في المخطوطة سليمة بدل مسلمة. وهو تصحيف. والبيتان في كتاب الحيوان للجاحظ ٥ / ٦٠٢.

(٣) قرأ يطّهّرن بفتح الطاء والهاء مشددتين مضارع تطهر ، أي : اغتسل ، أبو بكر وحمزة والكسائي وخلف. والأصل : يتطهرن كقراءة أبيّ وابن مسعود رضي الله عنهما. راجع الإتحاف ص ١٥٧.

٢٠٦

١٩٨ ـ ولا خير في مستعجلات الملاوم

ولا في صديق وصله غير دائم

١٩٩ ـ ولا خير في مال عليه أليّة

ولا في يمين غير ذات مخارم (١)

وقيل : معناه لا تجعلوا اليمين بذلة كلامكم من غير حاجة وبغير استثناء ، مع أنّ العبد لا يملك أمره حتى يعزم شيئا في أيمانه.

(أَنْ تَبَرُّوا).

معناه على هذا القول : أن لا تبروا ، فحذفت «لا» لأنه في معنى القسم. قال امرؤ القيس :

٢٠٠ ـ فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي (٢)

فحذف أقسم. فعل القسم وحرف القسم والنافية المقسم بها.

وموضع (أَنْ تَبَرُّوا) نصب عند سيبويه لوصول الفعل إليه مع تقدير الجار ، وخفض عند الخليل لأن التقدير لأن تبروا.

(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ). (٢٢٥)

اللغو : اليمين على الظن إذ يتبين خلافه ، عن ابن عباس وأصحابه.

وعن عائشة ما يسبق به اللسان من غير قصد وعقد قلب. كما قال الفرزدق :

٢٠١ ـ ولست بمأخوذ بقول تقوله

إذا لم تعمّد عاقدات العزائم (٣)

__________________

(١) البيتان في ديوان جرير ص ٤٥٤ ؛ وفي المخطوطة «مكارم» بدل «مخارم» وهو تصحيف والمخارم : المخارج.

(٢) البيت في ديوانه ص ١٢٥ ؛ وتأويل مشكل القرآن ص ٢٢٥ ؛ والصناعتين ص ١٣٨ ؛ ومغني اللبيب رقم ١٠٨٠ ؛ وكتاب سيبويه ٢ / ١٤٧.

(٣) البيت في طبقات فحول الشعراء ١ / ٣٣٦ ؛ وهو في ديوانه ٢ / ٣٠٧ ؛ والدر المصون ٢ / ٤٣٠ ؛ والأغاني ١٩ / ١٤ ؛ والمفردات ص ٥٢.

٢٠٧

والأصل في اللغو : ما لا يعتد به ، كما قال :

٢٠٢ ـ ويلغى دونه المرئي لغوا

كما ألغيت في الدية الحوارا (١)

أي لا يعتد بالحوار في الدية ، ومنه لغو الطائر : صوتها على غير استقامة وترجيع ، قال المازني :

٢٠٣ ـ أعمير ما يدريك أن ربّ فتية

بيض الوجوه ذوي ندى ومآثر

٢٠٤ ـ باكرتهم بسباء جون ذارع

قبل الصباح وقبل لغو الطائر (٢)

(يُؤْلُونَ). (٢٢٦)

يحلفون. إيلاء وأليّة وألوة وإلوة ، والإيلاء هنا : قول الرجل لامرأته : والله لا قربتك أربعة أشهر ، أو قال من غير توقيت ، أو حرّمها على نفسه بنية هذا اليمين ، فإنّ فاء إليها بالجماع ـ أي : رجع قبل أربعة أشهر ـ كفّر عن اليمين ، وإلا بانت بتطليقة.

والتربص : الانتظار ، وقيل : التصبر كأنّه فسر بمقلوبه.

(ثَلاثَةَ قُرُوءٍ). (٢٢٨)

__________________

(١) البيت لذي الرمة يهجو هشام بن قيس المرئي ، عمله له جرير ، ثم لقي الفرزدق ذا الرمة فقال : أنشدني شعرك في المرئي فأنشد ، فلما بلغ هذا البيت قال له الفرزدق : أعد عليّ ، فأعاد ، فقال : لاكها ، والله من هو أشد فكّين منك. وهو في ديوانه ص ٢٧٦ ؛ وأمالي القالي ٢ / ١٤٢ ؛ وشطره الثاني في المفردات للأصبهاني ص ٤٥٢ ؛ راجع اللسان مادة لغا. والحوار : ولد الناقة من حين يوضع إلى أن يفطم.

(٢) البيتان لثعلبة بن صعير المازني ، وفي المخطوطة «جرن ذواع» وهو تصحيف. يقال سمعت لغو الطائر ولحنه. والبيت الثاني في اللسان مادة لغا. وكلاهما في الحيوان للجاحظ ٢ / ٣٦٣ ؛ والمفضليات ص ١٣٠ ؛ وشرح المفضليات للتبريزي ٢ / ٦٢٣ ؛ والسباء : اشتراء الخمر ، والجون : الزق ، جعله جونا لسواده. والذارع : الكثير الأخذ.

٢٠٨

القرء : الحيض عن أكثر الصحابة والفقهاء (١). وعن بعضهم : الطهر (٢).

وحكى الكسائي أقرأت المرأة : حاضت فهي مقرىء ، وأصل هذه الكلمة أين كان : الاجتماع ، بدليل القرآن والسنة ، والقرية للنمل وللناس ، وقرأ الماء في الحوض.

فالاجتماع في حالة الحيض ، إذ لو كان في الطهر لسال دفعة ، وإن كان الأصل : الانتقال. من قول العرب : قرأت النجوم وأقرأت فكذلك ، لأنّ الحيض عارض تنتقل إليه من الطهر الثابت.

(وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ).

أي : من الحيض والولد ، لئلا ينقطع رجعة الزوج وشيء من القرء باق ، ولئلا تلحق الولد بغيره كصنيع الجاهلية.

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ). (٢٢٩)

أي : الطلاق الرجعي ، وسأل رجل النبيّ عليه الصلاة والسّلام عن الثالثة (٣) فقال :

(أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).

__________________

(١) وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه.

(٢) وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما.

(٣) أخرج وكيع وعبد الرزاق ٦ / ٣٣٨ وأحمد والبيهقي ٧ / ٣٤٠ عن أبي رزين الأسدي قال : قال رجل : يا رسول الله ، أرأيت قول الله عزوجل : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) فأين الثالثة؟ قال : التسريح بإحسان الثالثة.

٢٠٩

والطلاق الجاهلي أيضا كان ثلاثة ، كما سئل ابن عباس عنه (١) فأنشد للأعشى :

٢٠٥ ـ أيا جارتي بيني فإنك طالقه

كذاك أمور النّاس غاد وطارقه

٢٠٦ ـ وبيني فإنّ البين خير من العصا

وأن لا تزال فوق رأسك بارقه

٢٠٧ ـ وبيني حصان الفرج غير ذميمة

وموموقة عندي كذلك وامقه

فذلك ثلاث تطليقات.

(إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ). (٢٢٩)

قال أبو عبيدة : يوقنا (٢) :

وقيل : يظنا.

(فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ). (٢٣٢)

قاربنه وشارفنه. أو بلغن أجل الرجعة.

(وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً). (٢٣١)

__________________

(١) أخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) هل كانت العرب تعرف الطلاق ثلاثا في الجاهلية؟ قال : نعم ، كانت العرب تعرف ثلاثا باتا ، أما سمعت الأعشى وهو يقول ـ وقد أخذه أختانه فقالوا : لا والله لا نرفع عنك العصا حتى تطلّق أهلك ، فقد أضررت بها ـ فقال :

أيا جارتي بيني فإنك طالقه

كذاك أمور الناس غاد وطارقه

فقالوا : والله لا نرفع عنك العصا أو تثلث لها الطلاق ، فقال :

بيني فإنّ البين خير من العصا

وأن لا تزال فوق رأسك بارقه

فقالوا : والله لا نرفع عنك العصا أو تثلّث الطلاق ، فقال :

بيني حصان الفرج غير ذميمة

وموموقة فينا كذاك ووامقة

وذوقي فتى حيّ فإني ذائق

فتاة أناس مثل ما أنت ذائقة

راجع الدر المنثور ١ / ٦٦٤. والأبيات في ديوان الأعشى ص ١٢٢ ؛ والأغاني ٨ / ٨٠ ؛ والاقتضاب ص ٣٨٨.

(٢) انظر مجاز القرآن ١ / ٧٤.

٢١٠

أي : لا تستهزئوا بهذه الآيات المشتملة على أحكام النكاح والطلاق والرجعة والخلع مع كثرة فروعها وتفنن شعبها.

وقال الحسن : كان الرجل يطلّق ويعتق ، ثم يقول : كنت هازئا هازلا.

(فَلا تَعْضُلُوهُنَّ).

العضل : المنع والتضييق.

أعضل الأمر : أعيا.

وعضّلت المرأة وأعضلت : عسرت ولادتها.

قال الصلتان العبدي :

٢٠٨ ـ هلّا ليالي فوقه بزّاته

يغشى الأسنّة فوق نهد قارح

٢٠٩ ـ في جحفل لجب ترى أمثاله

منه تعضّل بالفضاء الفاسح (١)

(وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ). (٢٣٣)

أي : على وارث الولد من النفقة مثل ما على المولود له ، وهو الوالد إذا كان حيّا.

وذلك الوارث كلّ ذي رحم محرم.

__________________

(١) البيتان لزياد الأعجم من قصيدة له يرثي بها المغيرة بن المهلب ، وليسا للصلتان. والذي نسبها للصلتان الأصمعي وحده. وهي في أمالي اليزيدي ص ٣ ؛ وذيل أمالي القالي ص ٨.

ـ وعن محمد بن عباد قال المأمون : من أحسن المراثي عندي مرثية زياد الأعجم فخذها عليّ ، فأنشدها كلها وترك هذا البيت :

[هلّا ليالي ...

فقال المأمون : هاه هاه ، ما أنشدت هذا البيت ، وإنه لمن خيرها ، يهدد المنايا فيقول : هلّا أتيت في تلك الساعة. فعجبت من حسن علمه بالشعر. راجع فوات الوفيات ٢ / ٣٠ ؛ وربيع الأبرار ٤ / ٢٧٧.

٢١١

(فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ).

أي : فطاما عن الرضاع. والتراضي لئلا يكون أحدهما للفطام كارها بما لا يعلمه الآخر. والتشاور فلأنهما لو تراضيا من غير تفكر في حال الرضيع لجاز أن يكون الفطام ضارا به. فالحمد له سبحانه يؤدّب الكبير ، ولا يهمل الصغير.

(وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ).

أي : لأولادكم إذ الاسترضاع لا يكون إلا للولد ، وهذا إذا اشتغلت المرأة بحق الزوج عن الإرضاع ، أو ينقطع لبنها ، أو تطلّق فتريد زوجا آخر.

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ). (٢٣٤)

أخبر عن الزوجات دون الذين ، وبهم ابتدأ كما قال :

٢١٠ ـ لعلّي إن مالت بي الريح ميلة

على ابن أبي ذبّان أن يتندّما (١)

وتأنيث العشر لتغليب الليالي على الأيام ، فإنّ سني العرب هلالية ، وأحكام الشرع تدور على الأهلة.

(عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ). (٢٣٥)

وهو بكلّ كلام يدل على الرغبة فيها من غير إفصاح بنكاح (٢).

__________________

(١) أبو ذبان كنية عبد الملك بن مروان ، كني بذلك لبخر كان به من أثر فساد كان في فمه. ويعني الشاعر بابنه هشام بن عبد الملك ، والبيت لثابت قطنة العتكي. والبيت في لسان العرب مادة ذبب ، ومعاني الفراء ١ / ١٥٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٢٢ ؛ والدر المصون ٢ / ٤٧٦ ؛ وتفسير الطبري ٥ / ٧٧. والشاهد في البيت والآية ترك الأول بلا خبر وقصد الثاني ، لأن فيه الخبر والمعنى. قال الفراء فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأول ويكون الخبر عنه المضاف إليه. راجع معاني القرآن للفراء ١ / ١٥٠.

(٢) أخرج البخاري والبيهقي عن ابن عباس قال : التعريض : أن يقول : إني أريد التزويج ، وإني لأحب امرأة من أمرها وأمرها ، وإنّ من شأني النساء ، لوددت أنّ الله يسر لي امرأة صالحة من غير أن ينصب لها. الدر المنثور ١ / ٦٩٥.

٢١٢

والإكنان : إضمار العزم على نكاحها.

(وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا).

أي : لا تساوروهن بالنكاح ، وقيل : لا تواعدوهن سرا ألا يتزوجن غيركم. وأكثر المعاهدة تكون سرا.

قال ابن زيد : لا تنكحوهن سرا.

(حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ).

أي : تنتهي العدة ، والكتاب : ما كتب عليها من الحداد والقرار في المنزل.

(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ). (٢٣٦)

لأنه إذا مسّها لا يطلقها في طهر المسيس.

وقيل : لا يحتاج عليكم في النفقة والمهر سوى متعة على قدر المكنة.

وتخصيص «المحسنين» بالذكر لأنهم هم الذين يقبلونه ويعملون به.

وانتصاب «متاعا» على المصدر من «متعوهنّ».

و «حقا» على الحال من قوله : «بالمعروف».

(أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ). (٢٣٧)

هو الزوج لا غيره.

وعفوه إذا سلم منها كلّ الصداق ألا يرتجع النصف بالطلاق ، وإن لم يسلّم وفّاه كاملا على الصلة والإحسان ، كما روي أنّ الحسن بن عليّ حمّم امرأته عشرة آلاف (١) ، أي : متّعها ، فأنشدت :

__________________

(١) الخبر جاء في إحياء علوم الدين ١ / ٥٨ ، وجاء أيضا في نهاية ابن الأثير ١ / ٤٤٥ ؛ وغريب الحديث لأبي عبيد ٤ / ١٥ ونسباه لعبد الرحمن بن عوف.

٢١٣

٢١١ ـ ................

متاع قليل من حبيب مفارق (١)

ولا يبلغ بالمتعة هذا المبلغ.

(وَالصَّلاةِ الْوُسْطى). (٢٣٨)

من حيث إنّ الخمسة المبهمة لا واسطة لها معيّنة كثر الاختلاف فيها.

فقيل : إنها الفجر ؛ لأنّ الظهر والعصر قد يجمع بينهما ، وكذلك العشاء والمغرب ، والفجر حامية جانبها عن غيرها.

وقيل : إنها الظهر ؛ لأنها وسط النهار ، وكانت تشق عليهم إقامتها في الهاجرة الحجازية التي تشوي كل شيء.

وقيل : إنها المغرب ؛ لأنها وسط في الطول والقصر ، ووقت العجلة للانكفاء إلى المنازل فيشغل عن الصلاة. قال :

٢١٢ ـ رموت عليها الكسر من غير ريبة

فلم أر إلا بذل تبن مترب

 ـ فقلت بعيد منك تطلابك القرى

وأجفلت عنها كالعجول المغرب (٢)

وقيل : إنها العصر ، لأنها بين صلاتي النهار والليل ، ولأنّه وقت

__________________

(١) هذا عجز بيت ، وشطره : [وقوف على قبر مقيم بقفرة].

وذكر الجاحظ أنه : لما دفن سليمان بن عبد الملك أيوب ابنه وقف ينظر القبر ثم قال :

كنت لنا أنسا ففارقتنا

فالعيش من بعدك مرّ المذاق

وقربت دابته فركب ووقف على قبره وقال :

وقوف على قبر مقيم بقفرة

متاع قليل من حبيب مفارق

ثم قال : عليك السّلام ، ثم عطف رأس دابته وقال :

فإن صبرت فلم ألفظك من شبع

وإن جزعت فعلق منفس ذهبا

راجع الكامل للمبرد ٢ / ٩٣ ، والبيان والتبيين ٤ / ١٢٣.

(٢) لم أجدهما.

٢١٤

استعجال الأعمال لإدبار النهار ، كما قال الأخنس بن شهاب (١) :

٢١٤ ـ تظلّ بها ربد النعام كأنها

إماء تزجّى بالعشيّ حواطب

وقال علقمة بن عبدة :

٢١٥ ـ فولّى على آثارهنّ بحاصب

وغيبة شؤبوب من الشدّ ملهب

٢١٦ ـ فأدركهنّ ثانيا من عنانه

يمرّ كمرّ الرائح المتحلّب (٢)

وإنما أبهمت الصلاة الوسطى مع فضلها على غيرها ؛ ليحافظ ذو الرّغبة في الثواب على الصلوات ، ولا يستند إلى واحدة ؛ ولهذا أخفيت لية القدر ، ولهذا لا يعلم صغيرة بعينها لا مكفّرة باجتناب الكبائر فلا يضرّ فعلها إذا علمت.

فالأولى ألا تعلم لتجتنب الذنوب بأسرها.

(فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً). (٢٣٩)

أي : صلّوا على أرجلكم ، أو على ركابكم وقوفا ومشاة.

والرّجال جمع راجل ، مثل : التّجار والصّحاب.

(وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ). (٢٤٠)

نصب على المصدر ، أي : فليوصوا وصيّة ، أو على المفعول به ، أي : أوجب الله عليهم وصيّة.

__________________

(١) شاعر جاهلي قديم ، وهو فارس العصا ، والعصا : فرسه. والبيت من قصيدته المفضلية ، راجع المفضليات ص ٢٠٤ ؛ والصناعتين ص ١٠٠ ؛ والحيوان ٤ / ٤١٤. والربد : جمع أربد وربداء ، والربدة : سواد في بياض. والحواطب : اللاتي يحملن الحطب.

(٢) البيتان في الأغاني ٧ / ١٢١ ولهما قصة فيه ، وهما في المعاني الكبير ١ / ٨١ ؛ وفي ديوانه ص ٩٥ مع بعض التغيير. والثاني في الصناعتين ص ٨٩.

٢١٥

ومن رفعها (١) فعلى جهالة الفاعل ، أو حذف المبتدأ ، أي : فرض عليكم وصية.

(غَيْرَ إِخْراجٍ).

نصب على صفة المتاع.

(فَإِنْ خَرَجْنَ).

أي : بعد الحول ، وقيل : قبل الحول إذا سكنّ في بيوتهن.

(فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ).

في قطع نفقة السكنى.

والحكمان أعني ـ الوصية للأزواج والعدّة إلى الحول ـ منسوخان.

وابن بحر يقول : إنها نزلت في وصيتهم على عادة الجاهلية ، فبيّن الله أنّ وصيتهم لا تغيّر حكم الله في تربّص أربعة أشهر وعشر ، فلذلك قال (٢) :

__________________

(١) قرأ نافع وابن كثير وشعبة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف بالرفع على أنّه مبتدأ. خبره : «لأزواجهم» والمسوّغ كونه موضع تخصيص ، ك سلام عليكم. راجع الإتحاف ص ١٥٩.

(٢) أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن أسلم في قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ ،) قال : كانت المرأة يوصي لها زوجها بنفقة سنة ما لم تخرج وتتزوج ، فنسخ ذلك بقوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فنسخت هذه الآية ، وفرض عليهن التربص أربعة أشهر وعشرا ، وفرض لهنّ الربع والثمن.

ـ وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي عن ابن عباس في قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ)، قال : نسخ الله ذلك بآية الميراث بما فرض لهنّ من الربع والثمن ، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا. راجع الدر المنثور ١ / ٧٣٨ ؛ وسنن أبي داود رقم ٢٣٠١ ، وسنن النسائي ٦ / ٢٠٠.

(٢) قال السبكي : ذهب جمهور المفسرين إلى أنها منسوخة بقوله : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ، وهو الذي رواه البخاري بسنده ، انظر فتح الباري ٨ / ١٩٣. ـ

٢١٦

(فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ). (٢٤٠)

أي : خرجن قبل الحول وبعد الأربعة أشهر والعشر.

وإنّما دعاه إلى هذا القول زعمه أنه لا نسخ في شيء من القرآن.

(فَيُضاعِفَهُ). (٢٤٥)

رفعه للعطف على «يقرض» ، والنصب على جواب الاستفهام (١) بالفاء ، إلا أنّ في الكلام معنى الجزاء ؛ لأنّ التقدير : من يقرض الله فالله يضاعفه ، وجواب الجزاء بالفاء مرفوع.

(يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ).

يقبض الرزق على بعض ليأتلفوا بالاختلاف ، وقيل : يقبض الصدقات ويبسط الجزاء.

__________________

ـ وذهب مجاهد إلى أنها غير منسوخة ، وأنها إن لم تختر السكنى كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا كما في إحدى الآيتين ، وإن اختارت اعتدّت بحول كما في الآية الأخرى ، فحمل الآيتين على حالتين. ـ وذهب أبو مسلم الأصبهاني إلى قول ثالث ، وهو أنّ معنى الآية : إنّ الذين يتوفون إن كانوا قد وصّوا وصية لأزواجهم بنفقة الحول وسكنى الحول فالعدّة بالحول ، فإن خرجن قبل ذلك وخالفن وصية الزوج بعد المدة التي ضربها الله تعالى لهنّ فلا حرج فيما فعلن في أنفسهن من معروف ، أي : نكاح صحيح ؛ لأنّ إقامتهنّ بهذه الوصية غير لازمة. قال : والسبب في ذلك أنهم كانوا في زمان الجاهلية يوصون بالنفقة والسكنى حولا كاملا ، وكان يجب على المرأة الاعتداد بالحول فبيّن الله تعالى في هذه الآية أنّ ذلك غير واجب. ـ وقوله هذا هو الذي اختاره الإمام الرازي في تفسيره ، وقال : إنه في غاية الصحة. وقد وافق والدي أحسن الله إليه مجاهدا وأبا مسلم على أنّ الآية غير منسوخة. راجع الإبهاج في شرح المنهاج ٢ / ٢٣١.

(١) قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب بنصب الفاء ، والباقون بالرفع لكن قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو جعفر [فيضعّفه] بالتشديد مع حذف الألف. وحجة من نصب أنه حمل الكلام على المعنى فجعله جوابا للشرط. وحجة من رفعه أنه قطعه مما قبله. ويجوز أن يرفع على العطف على ما في الصلة على (يقرض) على تقدير : من ذا الذي يقرض الله فيضاعف الله له. راجع الكشف عن وجوه القراءات ١ / ٣٠٠.

٢١٧

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ). (٢٤٦)

أكابر القوم وأشرافهم.

(هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ). (٢٤٦)

والمعنى : أن نقاتل.

(إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ). (٢٤٨)

إذ كانوا فقدوه ، فيقال : إنه كان صعد به إلى السماء ، فنزلت به الملائكة. ويقال : إنّ عدوهم أخذوه منهم فردّته الملائكة.

(فِيهِ سَكِينَةٌ).

أي : في إتيانه بعد الافتقاد كما قاله رسولهم ، وقيل : كانت فيه صورة مباركة يتميز بها في الحروب والخطوب.

(وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى).

قيل : إنها الكتب. وقيل : إنها عصاه ، وعمامة هارون (١).

(إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ). (٢٤٩)

ذلك ليعلم الله أنّ من يخالف الرسول بالشرب من النهر لا يواقف العدو ليجردوا العسكر عنهم.

(إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً).

والغرفة والغرفة (٢) واحدة كسدفة الليل وسدفته ، ولحمة الثوب ولحمته ،

__________________

(١) أخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال : كان في التابوت عصا موسى ، وعصا هارون ، وثياب موسى وثياب هرون ، ولو حان من التوراة والمنّ ، وكلمة الفرج : لا إله إلا الله الحكيم الكريم ، وسبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، والحمد لله ربّ العالمين. وأبو صالح ضعيف.

(٢) قرأ : غرفة بالفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ، والباقون بالضم. الإتحاف ص ١٦١.

٢١٨

وقيل : الفتح لمرّة واحدة ، والضم اسم ما اغترف.

(يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ). (٢٤٩)

يحدّثون أنفسهم ، وهو أصل الظن ؛ ولذلك صلح الظن للشك واليقين.

(كَمْ مِنْ فِئَةٍ).

والفئة (١) : القطعة من القوم ، من فأوت رأسه : قطعته ، وقيل : من فاء ، أي : رجع ، كأنهم يرجعون إلى منعة.

ـ الجزء الثالث ـ

(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ). (٢٥٣)

بما استحقوه من ثواب في الآخرة ، وفي الدنيا بحسب مصالح العباد لا على الميل والمحاباة (٢).

(وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا). (٢٥٤)

قال الحسن : هي مشيئة القدرة بالإلجاء (٣) ، وقيل : هي مشيئة الصرفة ، والصرفة مسألة كلامية مفتنة (٤).

__________________

(١) في المخطوطة : الفيئة. وهو تصحيف.

(٢) قال قتادة : اتّخذ الله إبراهيم خليلا ، وكلّم موسى تكليما ، وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له : كن فيكون ، وهو عبد الله وكلمته وروحه ، وآتى داود زبورا ، وأتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، وغفر لمحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

(٣) وهذا القول منسوب لعلي بن عيسى الرماني قال : هذه مشيئة القدرة مثل : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) ولم يشأ ذلك وشاء تكليفهم فاختلفوا. راجع البحر المحيط ٢ / ٢٧٤.

(٤) وملخص القول بالصرفة أنّ الناس قادرون على فعل ما وإنما يصرفهم الله عنه ضربا من الصرف ، أو يمنعهم من الإتيان بمثله ضربا من المنع ، أو تقصر دواعيهم إليه دون فعله مع قدرتهم عليه. وهذا قول المعتزلة ، وبعضهم قال هذا بالقرآن ، بأنّ البلغاء قادرون على الإتيان بمثله لكنّ الله صرفهم عنه.

٢١٩

(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ).

خصّ البيع لما في المبايعة من المعاوضة ، فيكون ذلك كالفداء من العذاب كقوله : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ).(١)

وقيل : إنّ البيع كناية عن وجود المكاسب ، كأنه أشار إلى أنّ المال لا ينفع ، ولو نفع المال لما أمكن.

(الْحَيُّ الْقَيُّومُ). (٢٥٥)

القائم بتدبير خلقه ، العالم بتصاريف ملكه ، والوصفان يوجبان انتفاء النوم.

(لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ).

والسّنة التي هي : ترنيق النوم. كما قال العاملي (٢) :

٢١٧ ـ وكأنّها بين النساء أعارها

عينيه أحور من جاذر جاسم

٢١٨ ـ وسنان أقصده النعاس فرنّقت

في عينه سنة وليس بنائم

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ).

علمه عن ابن عباس ، ولذلك وصله بقوله : (وَلا يَؤُدُهُ) ، أي : لا يثقله.

__________________

(١) سورة الأنعام : آية ٧٠.

(٢) البيتان لعدي بن الرقاع العاملي من الشعراء الأمويين. وهما في حاشية الشيخ زاده ١ / ٥٦٨ ؛ والكامل ١ / ٨٦ والوحشيات ٣١٣ ؛ وأمالي القالي ١ / ٢٣٢. والبيت الثاني في تفسير القرطبي ٣ / ٢٧٢ ؛ والبحر المحيط ٢ / ٢٧٢ ؛ وتفسير الماوردي ١ / ٢٦٩. وقوله : الأحور : من به حور ، وهو شدة بياض العين في شدّة سوادها ، والجآذر جمع جؤذر ، وهو ولد البقرة الوحشية. وجاسم : قرية بالشام.

٢٢٠