زبدة الأصول - ج ٣

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-36-5
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٨٠

ويتوجه عليه انه : سواء كان في مقام الإثبات العموم مستفادا من معنى اسمى ، أو حرفي ، لاوجه لهذا التفصيل إذ الحكم المجعول المدلول عليه التالي إنما يكون بنحو العام الاستغراقي ، والمعلق على الشرط إنما هو ذلك الحكم المجعول في التالي فلا وجه للالتزام بكون المعلق هو مجموع الأحكام بهذا القيد إلا بالتقريب الذي نذكره وبذلك التقريب أيضاً لا فرق بين كون العموم مستفادا من معنى اسمى أو حرفي.

وحاصل ذلك التقريب ان المعلق إنما هو الحكم المجعول في التالي ، وهو في مقام الثبوت وان كان منحلا إلى أحكام عديدة ، إلا انه في مقام الإثبات حكم واحد لا متعدد ، وهو معلق على الشرط ، فيكون مفهوم القضية الشرطية حينئذ نفى الحكم الثابت على الطبيعة السارية عند عدم الشرط وهو إنما يتحقق بانتفائه عن بعض الأفراد ، وعلى ذلك فينطبق الظهور العرفي على القانون المنطقي ، وهو ان نقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية ، كما ان نقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية.

وان شئت توضيح ذلك بالمثال العرفي لاحظ ، قولنا إذا لبست الدرع الفلاني لا يغلب على احد فهل يتوهم احد ان مفهومه انه ان لم يلبس ذلك الدرع يغلب عليه كل احد.

٢٢١

وإلى ذلك نظر المحقق اليزدي (ره) (١) حيث استدل لكون مفهوم السالبة الكلية الموجبة الجزئية بالتبادر.

فالمتحصّل مما ذكرناه ان مفهوم الرواية الكريمة تنجس الماء القليل بملاقاة بعض النجاسات.

ثم ان المحقق النائيني (ره) (٢) افاد انه لا يترتب ثمرة على النزاع المزبور في مورد الرواية ، إذ لو كان مفهومها تنجس الماء القليل بنجاسة ما ، ثبت تنجسه بكل نجس ، إذ لا قائل بالفصل بينها ، واما المتنجس فحيث ان المراد بالشىء المذكور في الرواية الشيء الذي يكون في نفسه موجبا لتنجس ملاقيه فان ثبت من الخارج تنجيس المتنجس ، كفى ذلك في الحكم بانفعال الماء القليل بملاقاته ، من دون احتياج في ذلك إلى التمسك بمفهوم الرواية.

ويرد عليه ان ثبوت تنجيس المتنجس من الخارج ، يوجب دخوله في المنطوق وهو عدم تنجس الكر بملاقاته ، واما ثبوت تنجس الماء القليل بملاقاته ، فهو يتوقف على احد أمرين :

اما القول بان مفهوم السالبة الكلية ، الموجبة الكلية ، أو ورود دليل خاص دال عليه ، وإلا ان لم يرد دليل خاص ، وبنينا على ان مفهوم السالبة الكلية

__________________

(١) في درر الفوائد" للحائري اليزدي" ج ١ ص ١٦٧ فبعد استعراض كلام العلمين الشيرازي والانصاري قال : «والحق ان القضية المذكورة وأمثالها ظاهرة في ان عمومها ملحوظ ، والمفهوم في القضية المذكورة هو الايجاب الجزئي ، والدليل على ذلك التبادر ..».

(٢) اجود التقريرات ج ١ ص ٤٢٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٥٨ (هذا مع انا لو قلنا ...).

٢٢٢

الموجبة الجزئية ، فحيث انه لم يثبت عدم الفصل بينه ، وبين النجاسات. بل افتى المحقق الخراساني (ره) بأنه لا يتنجس الماء القليل بملاقاة المتنجس ، مع بنائه على تنجسه بملاقاة النجس ، فلا محالة لا يثبت تنجس القليل به.

حكم تعدد الشرط واتحاد الجزاء

الأمر الثالث : إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ، كما في المثال المعروف ، إذا خفى الاذان فقصر ، وإذا خفى الجدران فقصر ، بناء على وجود الخبر بالنحو الثاني وعلى ان الشرط هو خفاء الاذان ، والجدران بما هما. لا ان الشرط هو البعد الخاص ولوحظ العنوانين معرفين له ـ وقد اشبعنا الكلام في الموردين في الجزء الخامس من فقه الصادق (١).

فعلى القول بثبوت المفهوم للقضية الشرطية ، وكون النسبة بين الشرطين هو العموم من وجه.

وان انكره المحقق النائيني (ره) (٢) وادعى : تارة بان خفاء الاذان دائما يحصل قبل خفاء الجدران ، وأخرى تطابقهما.

لا محالة تقع المعارضة بين إطلاق مفهوم كل منهما ومنطوق الاخرى.

__________________

(١) فقه الصادق ج ٦ من الطبعة الثالثة ص ٤١٥ (وتنقيح البحث في مقام بالتكلم في امور.

(٢) فوائد الاصول للنائيني ج ٢ ص ٤٨٨ / اجود التقريرات ج ١ ص ٤٢٣ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٥٩ (الامر الثالث).

٢٢٣

فلا بد من علاج هذه المعارضة وقد ذُكر لذلك طرق :

الأول : ان يلتزم بعدم دلالتهما على المفهوم ، فلا دلالة لهما على عدم سببية شيء ثالث لوجوب القصر ، وقد اختار هذا الوجه المحقق الخراساني.

الثاني : ان يلتزم بكون الشرط أحدهما تخييرا الذي نتيجة العطف بكلمة (أو) برفع اليد عن كون كل من الشرطين سببا منحصرا مع بقائه على كونه سببا تاما. وبعبارة أخرى : بتقييد كل من الشرطين باثبات العدل له.

ونتيجة ذلك ترتب وجوب القصر على خفاء أحدهما وان لم يخف الآخر.

الثالث : ان يلتزم بان الشرط هو مجموع الامرين الذي هو نتيجة العطف بكلمة (واو) برفع اليد عن كون كل شرط سببا تاما ، وجعله جزء السبب ، ويقيد إطلاق كل من الشرطين بانضمامه إلى الشرط الآخر فإذا خفيا وجب القصر ، وإلا فلا ، وان خفى أحدهما.

الرابع : ان يلتزم بتقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر ، من دون تصرف في شيء من المنطوقين.

الخامس : ان يجعل الشرط ، هو القدر المشترك بينهما بان يكون تعدد الشرط قرينة على ان الشرط في كل منهما ليس بعنوانه الخاص ، بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان.

قال صاحب الكفاية (ره) (١) ان العقل ربما يعين هذا الوجه.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٠١.

٢٢٤

السادس : رفع اليد عن المفهوم في خصوص احد الشرطين ، وبقاء الآخر على مفهومه ، نسب ذلك إلى الحلى (١) ، وفي الكفاية (٢) انه لاوجه له إلا ان يكون ما ابقى على المفهوم اظهر ، هذه هي تمام الوجوه المتصورة في هذه الموارد.

اما الوجه الأول : فقد استدل له : بان ثبوت المفهوم للقضية الشرطية تابع لثبوت الخصوصية المستتبعة له كما تقدم ، وحيث ان المفهوم بنفسه ليس مدلولا للكلام حتى يتصرف فيه ، بل لا بد من التصرف في المنطوق ، بدلالته على الخصوصية وهي الحصر ، فلا محالة يقع التعارض ، بين دلالة كل منطوق على الثبوت عند الثبوت ، مع دلالة الآخر على الحصر ، وبما ان دلالة المنطوقين على الثبوت عند الثبوت ، أقوى من دلالتهما على تلك الخصوصية فتنتفي دلالتهما عليها فلا يثبت المفهوم لهما.

لا يقال : انه يرفع اليد عن دلالتهما على تلك الخصوصية في بعض مدلوله لا في جميعه.

فانه يقال : ان تلك الخصوصية بسيطة ، فاما ان تؤخذ في المنطوق أو لا ، فالتبعيض باخذها في الجملة مما لا يعقل.

وفيه : ان التقييد ان كان مستلزما للتصرف في الاستعمال كان هذا الوجه متعينا ، ولكن بما انه لا يلزم التصرف فيه ، بل يوجب التصرف في الارادة الجدية

__________________

(١) نسبه اليه الشيخ الاعظم في مطارح الانظار ص ١٧٥.

(٢) في بعض نسخ الكفاية ذكر هذا الامر مثل طبعة مؤسسة أهل البيت ١٤٠٩ قم المقدسة ص ٢٠٢. واما الطبعة الثانية لنفس المؤسسة ١٤١٢ في بيروت وفي قم لم يذكر هذا الامر.

٢٢٥

مثلا لو قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيدا ، يكون المستعمل فيه هو الجميع لا العلماء غير زيد ، والخاص يوجب التصرف في الارادة الجدية ، وبسببه يحكم بعدم إرادة تمام مدلول العام بالارادة الجدية ، وفي المقام كل من المنطوقين استعمل فيما وضع له ، ويدل على الثبوت عند الثبوت مع الحصر ، إلا انه لا بد من التصرف في مدلوله الثاني ، والالتزام بعدم كونه بتمامه مرادا جديا ، والتبعيض في ذلك المقام بالالتزام بارادة الحصر ، بالنسبة إلى غير هذا الفرد مما لا محذور فيه فتدبر فانه دقيق.

واما الوجه الرابع : فهو بظاهره غير معقول إلا ان يرجع إلى الوجه الثاني إذ المفهوم من المداليل الالتزامية ، والدلالة عليها دلالة عقلية.

والتصرف فيه بتقييد أو تخصيص ، من دون التصرف في المنطوق.

غير معقول : لان الحكم العقلي لا يقبل ذلك ، لان مرده إلى انفكاك اللازم عن الملزوم والمعلول عن علته وهو مستحيل.

واما الوجه الخامس : فقد استدل له المحقق الخراساني (١) بان الأمور المتعددة بما هي مختلفة لا يمكن ان يكون كل منها مؤثرا في واحد ، فانه لا بد من الربط الخاص بين العلة والمعلول ، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان ، ولذلك أيضاً لا يصدر من الواحد إلا الواحد ، فلا بد من المصير إلى ان الشرط في الحقيقة واحد وهو القدر المشترك بين الشرطين.

وفيه : ما تقدم من انه ليس في باب الأحكام الشرعية تأثير وتأثر وعلية

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٠١.

٢٢٦

حتى يجرى ذلك.

مع انه لو التزمنا بالوجه الثالث ، وهو كون المجموع شرطا لا مجال لهذا الوجه.

اما الوجه السادس : فاورد عليه المحقق الخراساني بان رفع اليد عن المفهوم في خصوص احد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه لا يصار إليه إلا بدليل آخر ، إلا ان يكون ما ابقى على المفهوم اظهر.

وفيه : انه بذلك لا يرتفع التعارض وان دل عليه الدليل : لان التنافي إنما يكون بين منطوق كل منهما مع مفهوم الآخر ، إذ مفهوم كل منهما انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط المأخوذ فيه ، وهذا ينافي ثبوته عند ثبوت الشرط الآخر ، وعلى ذلك فلو رفع اليد عن المفهوم في أحدهما بقى التنافي بين مفهوم الآخر ، ومنطوق هذا.

فيدور الأمر بين الوجه الثاني وهو تقييد إطلاق كل من الشرطين باثبات العدل له ، وبين الوجه الثالث ، وهو تقييد إطلاق كل منهما بانضمامه إلى الشرط الآخر.

وبعبارة أخرى : يدور الأمر بين تقييد الإطلاق المقابل للعطف بكلمة أو ـ وبين تقييد الإطلاق المقابل للعطف بكلمة واو

وللمحقق النائيني (ره) في المقام كلام ، بعد الاعتراف بدوران الأمر بين الامرين وتعين التصرف في احد الاطلاقين.

٢٢٧

وحاصله (١) ، انه حيث لا مرجح لاحدهما على الآخر ، ولا يمكن الاخذ بكليهما للعلم الاجمالي بعدم إرادة أحدهما ، فيسقطان معا وحيث انه يعلم بوجوب القصر في المثال عند تحقق مجموع الشرطين على كل تقدير ، واما في فرض انفراد كل من الشرطين بالوجود ، فثبوت الجزاء فيه يكون مشكوكا فيه ، ولا اصل لفظي في المقام على الفرض ، لسقوط الاطلاقين بالتعارض ، فتصل النوبة إلى الاصل العملي ، وهو يقتضي عدم وجوب القصر عند تحقق احد الشرطين لاستصحاب بقاء وجوب التمام الثابت في حال عدم خفائهما المشكوك تبدله إلى وجوب القصر عند خفاء أحدهما ، ويوافقه اصل البراءة ، فتكون النتيجة موافقة لتقييد الإطلاق المقابل للعطف بواو.

ويرد عليه ، مضافا إلى ما سنبينه في وجه المختار من انه لأحد الإطلاقين مرجح على الآخر.

انه لو سلم ذلك يقع التعارض بين الاستصحاب المشار إليه ، واستصحاب بقاء وجوب القصر في نفس ذلك المحل ، لو عاد إلى منزله من السفر حيث ان الثابت هناك وجوب القصر فيستصحب ذلك.

كما ان اصالة البراءة عن وجوب القصر تعارضها اصالة البراءة عن وجوب التمام بعد العلم بوجوب أحدهما.

مع انه لو سلم تمامية الاصل المشار إليه وعدم المعارض له ، لا تصل النوبة إليه لعموم ما دل على وجوب القصر على المسافر بناء على ما هو الظاهر من

__________________

(١) اجود التقريرات ج ١ ص ٤٢٥ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٦٢ (واما ما ربما يقال ..).

٢٢٨

صدق المسافر على من خرج من منزله قاصدا السفر إلى المسافة ، وقد خصص ذلك ، بما دل على انه لا يقصر ما لم يصل إلى حد الترخص ، وحيث انه مجمل مفهوما ، والقدر المتيقن منه ما لو لم يخف الاذان ولا الجدران ، وفي مورد الشك وهو ما لو خفى أحدهما لا بد من الرجوع إلى ما دل على وجوب القصر فتكون النتيجة موافقة لتقييد الإطلاق المقابل للعطف بأو.

وحق القول في المقام انه يتعين تقييد الإطلاق المقابل ب (أو) وابقاء الإطلاق المقابل للعطف بواو وتكون النتيجة كفاية أحدهما في وجوب القصر ، وهو يبتنى على مقدمة.

وهي ان الميزان الكلي الذي يعمل به في موارد المعارضة هو انه إذا كان للمتعارضين ظهورات عديدة لا بد من ملاحظة ان ايا منها طرف للمعارضة ثم العلاج برفع اليد عنه أو عن طرفه ، واما رفع اليد عن الظهور الآخر الذي ليس طرف المعارضة فمما لاوجه له ، وان ارتفعت المعارضة به مثلا ، إذا ورد اكرم العلماء ، ثم ورد لا يجب اكرام زيد العالم فحيث ان طرف المعارضة هو ظهور الأول في العموم ، فالمتعين هو رفع اليد عنه خاصة ، وان كان ترتفع المعارضة برفع اليد عن ظهوره في الوجوب وحمله على إرادة الاستحباب.

إذا عرفت هذه المقدمة ، فاعلم انه في المقام بما ان التعارض إنما يكون بين مفهوم كل من القضيتين وبين منطوق الاخرى ، وكل من المنطوقين اخص من مفهوم الاخرى ، فيتعين تقييد اطلاقه ولكن ، حيث انه لا يعقل التصرف في المفهوم نفسه لما تقدم ، فلا بد من رفع اليد عن ملزوم المفهوم بمقدار يرتفع به التعارض إذ الضرورات تتقدر بقدرها.

٢٢٩

وهو إنما يكون بتقييد إطلاق المنطوق المقابل للتقييد بكلمة أو.

وأما رفع اليد عن إطلاق المنطوق المقابل للعطف بكلمة واو ، وهو وان كان يرتفع به التعارض ، إلا انه لا موجب لهذا التصرف.

وان شئت قلت ان التعارض إنما يكون بين دلالة كل من القضيتين على الثبوت عند الثبوت ، مع إطلاق دلالة الاخرى على الحصر بالنسبة إلى جميع الأمور ، فلا بد من تقييد إطلاق دلالة كل منهما على الحصر ، بدلالة الاخرى على الثبوت عند الثبوت.

فتكون النتيجة ، ان الشرط هو احد أمرين ، وهذا معنى تقييد الإطلاق المقابل للعطف بكلمة أو ، والتعارض وان كان يرتفع بجعل المجموع شرطا واحدا وتقييد الإطلاق المقابل للعطف بواو.

إلا انه لعدم كونه طرف المعارضة لاوجه لرفع التعارض به.

تداخل الاسباب

الأمر الرابع : إذا تعدد الشرط اتحد الجزاء ، وثبت بالدليل من الخارج ، أو من نفس القضيتين أو القضايا ان كل شرط سبب مستقل للجزاء وترتبه عليه ، فهل القاعدة تقتضي تداخل الشروط في تأثيرها اثرا واحدا ، مثلا ، إذا اجتمع اسباب للغسل في شخص واحد كالجنابة ومس الميت والحيض وما شاكل ، فهل القاعدة تقتضي تعدد الجزاء ، أو لا تستدعى إلا اثرا واحدا ، ويعبر عن ذلك بتداخل الاسباب.

٢٣٠

وعلى تقدير اقتضائها التعدد ، فهل القاعدة تقتضي تداخل الجزاء ، بان يكتفى بغسل واحد في مقام الامتثال ، أو عدم التداخل فلا يكتفى به في هذا المقام بل لا بد من الاتيان به متعددا حسب تعدد الشرط ، وهو المراد بالعنوان المعروف بمسألة تداخل المسببات.

فالكلام يقع في مقامين :

الأول : في تداخل الاسباب.

الثاني : في تداخل المسببات.

وقبل الشروع في البحث في المقامين ينبغى تقديم أمور :

الأول : ان محل الكلام في المقام ما لم يعلم من الخارج ، التداخل ، أو عدمه ، وإلا فهو خارج عن محل الكلام كما هو الحال في بابى الوضوء والغسل.

اما الأول فلان الظاهر من رواياته من جهة التعبير عن الموجبات له بالنواقض مثل : " لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك" (١) ، وما شاكل ذلك ، وبديهي ان النقض غير قابل للتكثر والتعدد ، هو ان اسبابه إذا تعددت فان اقترنت اثر مجموعها في هذه الصفة على نحو يكون كل واحد جزء السبب ، وان ترتبت اثر المتقدم خاصة.

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٦ ح ٢ / الاستبصار ج ١ ص ٧٩ ح ٢ / الوسائل ج ١ ص ٢٤٦ ح ٦٣٣.

٢٣١

واما الغسل ، فلانه دلت الروايات (١) الكثيرة على انه إذا اجتمعت حقوق متعددة" يجزى غسل واحد" عن الجميع فبمقتضى الأخبار يحكم في الوضوء بتداخل الاسباب ، وفي الغسل بتداخل المسببات.

نعم ، في الغسل حكم الأفراد من سبب واحد كما لو اجنب مرات حكم تعدد اسباب الوضوء.

الثاني : ان محل الكلام إنما هو الأحكام القابلة للتعدد ، واما ما لا يكون قابلا له كالقتل فسيأتى الكلام فيه فيما بعد.

الثالث : في تأسيس الاصل في المسألة.

وملخص القول فيه : ان الشك ، تارة يكون في تداخل الاسباب ، وأخرى في تداخل المسببات.

اما الشك من الناحية الأولى ، وانه لو اجتمع السببان أو الفردان من سبب واحد ، هل هما معا سبب واحد ، أو كل منهما سبب لحكم غير ما يكون الآخر سببا له ، فالاصل يقتضي التداخل ، إذ الحكم الواحد متيقن الثبوت ، والشك إنما يكون في ثبوت حكم آخر فيرجع فيه إلى البراءة.

واما الشك من الناحية الثانية ، بعد احراز عدم التداخل من الناحية الأولى ، فحيث ان الشك يكون في الامتثال لا في التكليف فيكون المرجع قاعدة الاشتغال فتكون النتيجة عدم التداخل.

__________________

(١) الوسائل ج ٢ باب ٤٣ من ابواب الجنابة «باب اجزاء الغسل الواحد عن الاغسال المتعددة ... وفيه عدة روايات.

٢٣٢

ثم انه لا فرق فيما ذكرناه في الموردين بين الحكم التكليفي والوضعى : إذ الشك في حدوث حكم زائدا على المقدار المتيقن ثبوته مورد لاصالة العدم ، كما ان الشك في سقوطه بعد احراز الثبوت مورد لاصالة بقاء الحكم وعدم سقوطه.

فما أفاده المحقق النائيني (ره) (١) من انه لا ضابطة كلية لجريان الاصل في موارد الأحكام الوضعية فلا بد من ملاحظة كل مورد بخصوصه والرجوع فيه إلى ما يقتضيه الاصل ، لا يمكن المساعدة عليه.

الرابع : ان المنسوب إلى فخر المحققين (ره) (٢) ان القول بالتداخل وعدمه يبتنيان على كون الاسباب الشرعية معرفات أو مؤثرات ، فعلى الأول لا بد من البناء على التداخل إذ يمكن ان تكون أمور متعددة حاكية عن امر واحد ، ومع احتمال وحدة السبب الحقيقي لا مجال للبناء على تعدد المسبب ، وعلى الثاني لا بد من القول بعدم التداخل إذ مقتضى سببية كل من الأمور المتعددة ان يكون له مسبب مستقل : إذ لو كان هناك مسبب واحد لزم اجتماع العلل المتعددة على معلول واحد.

__________________

(١) اجود التقريرات ج ١ ص ٤٢٦ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٦٤ (هذا كله في الاحكام التكليفية ...).

(٢) حكاه عنه غير واحد من الاعلام كالشيخ الاعظم في مطارح الانظار ص ١٧٦ (الثالث : حكي عن فخر المحققين ..).

٢٣٣

وأورد عليه المحقق الخراساني (ره) (١) بايرادين :

الأول : انه حيث يمكن ان يكون الاسباب الشرعية على القول بكونها معرفات ، حاكيات عن اسباب حقيقية متعددة وظاهر القضايا الشرطية تعدد المسبب بتعدد السبب ، فلا محالة تدل الشرطية على تعدد السبب الحقيقي.

وفيه : انه يتم لو كان المراد من المعرفات الكواشف عن حدوث السبب واما لو كان المراد منها الكواشف عن ثبوت السبب أو عن ثبوت الحكم ، فلا يتم : إذ مرجع ذلك حينئذ إلى انكار دلالة الشرطية على الحدوث عند الحدوث وانها تدل على مجرد الثبوت.

الثاني : ان الاسباب الشرعية على نوعين : معرفات ، ومؤثرات ، لا انها على نوع واحد ، فتكون كسائر الاسباب فالمبنى فاسد.

وفيه : انها ليست معرفات ، ولا مؤثرات : فان المؤثر في الحكم هو إرادة الجاعل.

والحق ان يورد على الفخر ، بأنه :

ان اريد بكون العلل الشرعية غير مؤثرات انها لا تكون دخيلة في الحكم كدخل العلة في المعلول ، فهو وان كان متينا جدا لما عرفت مرارا من ان الأحكام الشرعية مجعولات اختيارية للشارع ، والمؤثر فيها إرادة الشارع فحسب.

نعم ، حيث ان اللغو لا يصدر من الشارع الحكيم فلا محالة تكون هناك

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٠٥.

٢٣٤

ملاكات ، وهي أمور واقعية ولكنها بالنسبة إلى المؤثر في الحكم ، من قبيل الدواعى كبقية الدواعى للفعل الاختياري ، وعلى أي حال لا تكون العلل مؤثرات.

إلا انه لا يلازم ذلك كونها معرفات لجواز كونها موضوعات للاحكام الشرعية ، فإذا كانت كذلك فحيث ان الشارع جعل تلك الأحكام على موضوعاتها على نحو القضية الحقيقية فلا محالة يتوقف فعلية تلك الأحكام على فعلية موضوعاتها ، ولا تنفك ابدا عنها ، ولذلك قيل انها تشبه العلة التامة من هذه الناحية.

وان اريد بذلك كونها معرفات للموضوعات الواقعية ، ولا مانع من تعدد المعرف لموضوع واحد واجتماعه عليه ، مثلا عنوان الافطار في نهار شهر رمضان المأخوذ موضوعا لوجوب الكفارة ، لا يكون بنفسه موضوعا ، بل هو معرف لما هو الموضوع له واقعا.

فهو وان كان ممكنا ، إلا انه خلاف ظواهر الأدلة ، إذ الظاهر من كل عنوان دخيل في الحكم كونه موضوعا له بنفسه لا بما انه معرف لعنوان آخر ، فلا يصح الحمل على كونه معرفا بلا قرينة.

وان اريد بذلك كونها معرفات لملاكاتها الواقعية.

فيرده انها ليست بكاشفة عنها بوجه إذ الكاشف عنها اجمالا هو نفس الحكم الشرعي ، واما الشرط فلا يكون كاشفا عنها هذا إذا كان المراد من الاسباب الشرعية موضوعات الأحكام وشرائطها.

٢٣٥

واما لو اريد بها ملاكاتها الواقعية ، فالامر اوضح إذ لا معنى لدعوى كونها معرفات.

الخامس : ان محل الكلام في التداخل وعدمه ، هو ما إذا كان الشرط قابلا للتعدد ، واما إذا لم يكن قابلا له كما في الافطار في نهار شهر رمضان المأخوذ سببا لوجوب الكفارة فانه إذا اكل أو شرب مرة واحدة ، فقد صدق عليه الافطار ولو اكل بعده لا يكون الاكل الثاني مفطرا ، ولا يصدق عليه هذا العنوان ، ولذا لو اكل أو شرب في نهار شهر رمضان مرات لا يجب عليه إلا كفارة واحدة ولا ربط له بالتداخل.

وما عن الفقيه صاحب العروة (ره) (١) من ان عنوان الافطار كناية عن نفس الاكل والشرب ، وإنما اخذ عنوان الافطار معرفا لما هو الموضوع له ، ثم قال وتدل عليه الروايات أيضاً.

غير سديد : إذ ظاهر كل عنوان مأخوذ في الدليل كونه بنفسه موضوعا لا كناية عما هو الموضوع له فحمله عليه لا بد فيه من قيام قرينة عليه.

وما ذكره من دلالة الروايات عليه لم نعثر على واحدة منها.

نعم ، يمكن ان يكون نظره الشريف إلى خصوص ما ورد في الجماع والاستمناء.

لكنه لاوجه للتعدى عن مورد النصوص.

__________________

(١) كما حكاه عنه آية الله الخوئي في المحاضرات ج ٥ ص ١١٦.

٢٣٦

والالتزام بالتفصيل بينهما وبين ساير المفطرات لا محذور فيه.

وبعد ذلك نقول :

اما الكلام في المقام الأول وهو التداخل في الاسباب ففيه اقوال :

١ ـ عدم التداخل وهو المشهور بين الاصحاب.

٢ ـ التداخل اختاره جماعة منهم المحقق الخونسارى (١) ، والمحقق صاحب العروة في ملحقات العروة (٢).

٣ ـ التفصيل بين ما إذا كان الشرطين من نوع واحد كما إذا تعدد الوطء بالشبهة ، فالثاني.

__________________

(١) مشارق الشموس ج ١ ص ٦١ فبعد التحدث عن تداخل الاغسال .. قال : «وان قلنا بعد جواز اجتماع علل مستقلة على معلول واحد لان ذلك في الاسباب العقلية دون الشرعية ، وما يقال ان الاصل عدم التداخل كلام خال عن التحصيل كما لا يخفى» ثم انه ص ٦٢ قال : «وقد وردت روايات كثيرة دالة على التداخل في خصوص بعض الاغسال ، وهي وان لم تدل على تمام المدّعى لكن يمكن تتميمها بعدم القول بالفصل» وايضا التزم بالتداخل في غير هذا الباب.

(٢) اختار المحقق اليزدي التداخل في غير مورد من العروة منها : ج ١ ص ٣١٥ حيث اشكل على القول بعدم التداخل م ١٧ ، وايضا ج ٤ ص ٥١٤ قال : «والاقرب هو القول بالتداخل» وكذلك في تكملة العروة ج ١ ص ١٠٧ قال : «التحقيق في المقام هو التداخل بمقتضى الاصل والقاعدة» وايضا التزم بالتداخل في غير هذه الموارد.

٢٣٧

وبين ما إذا كانا من نوعين فالأول ، نسب ذلك إلى الحلى (١).

واما الاحتمالات فهي اربعة :

الأول : ان يلتزم بحدوث الاثر عند وجود كل شرط.

إلا انه هو الحكم عند الشرط الأول ، وتاكده عند تحقق الشرط الثاني ، مثلا ، إذا ورد ، إذا بلت فتوضأ ، ثم ورد ، إذا نمت فتوضأ ، فبال المكلف ثم نام ، يكون المتحقق عند البول وجوب الوضوء ، وعند النوم تأكد ذلك الوجوب ، فتكون النتيجة مع التداخل ، وان لم يكن ذلك تداخلا اصطلاحيا.

الثاني : تقييد إطلاق المادة في كل من القضيتين بفرد غير الفرد الذي اريد من المادة الواقعة في حيز الخطاب الآخر ، فتكون النتيجة عدم التداخل.

الثالث : الالتزام بعدم دلالة شيء منهما على الحدوث عند الحدوث بل على مجرد الثبوت فتكون النتيجة التداخل المصطلح.

الرابع : الالتزام بان متعلق الجزاء وان كان واحدا صورة إلا انها حقائق مختلفة متصادقة على واحد ، فتكون النتيجة عدم التداخل من حيث الاسباب ، والتداخل من حيث المسببات.

__________________

(١) السرائر ج ١ ص ٢٥٨ قال : «ان كانت المرات ـ أي التي سهى فيها ـ من جنس واحد فمرة واحدة يجب سجدتا السهو» إلى ان قال : «فاما اذا اختلف الجنس فالأولى عندي بل الواجب الاتيان عن كل جنس بسجدتي السهو لانه لا دليل على تداخل الاجناس ، بل الواجب اعطاء كل جنس ما تناوله اللفظ».

٢٣٨

وقد يقال كما في الكفاية (١) انه لما كان ظاهر الجملة الشرطية ، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط ، وكان مقتضى ذلك تعدد الجزاء بتعدد الشرط ، كان الاخذ بظاهر القضية إذا تعدد الشرط حقيقية أو وجودا محالا ، فانه يلزم منه كون حقيقة واحدة مثل الوضوء محكوما بحكمين متماثلين ، وهو واضح الاستحالة ، فلا بد للقائل بالتداخل من الالتزام باحد أمور.

اما بعدم دلالة الجملة الشرطية في صورة التعدد على الحدوث عند الحدوث بل على مجرد الثبوت.

أو بكون متعلق الجزاء وان كان واحدا صورة إلا انه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط متصادقة على واحد.

أو بتأثير الشرط الأول في الوجوب والثاني في تأكد الوجوب ، وكل ذلك خلاف الظاهر.

واما القول بعدم التداخل فلا يلزم منه التصرف في ظهور : لان ظهور الجملتين في عدم تعدد الفرد ووحدة المتعلق إنما يكون بالإطلاق ، وهو يتوقف على عدم البيان ، وظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب المقتضى لتعدد الفرد في فرض تعدد الجملة ، يصلح بيانا لما هو المراد من الإطلاق ، ومعه لا ينعقد ذلك الإطلاق فلا يلزم على ذلك تصرف في ظهور أصلاً.

وفيه : اولا : ان ذلك لو تم فإنما هو بالنسبة إلى ظهور الحكم في الجزاء في

__________________

(١) كفاية الاصول ص ٢٠٢ (والتحقيق).

٢٣٩

التأسيس ، ولا يكفي ظهور الجملة الشرطية في الحدوث عند الحدوث وحده لذلك فانه يلائم مع الالتزام بالتأكد كما عرفت.

وعليه ، فاثبات ذلك يتوقف على اثبات ان ظهور الحكم في التأسيس ، كظهور الجملة الشرطية في الحدوث عند الحدوث بالوضع ، لا بالإطلاق ، وإلا فيقع التعارض بين الاطلاقين فيتساقطان معا ، ولازم ذلك هو البناء على ان الأمر بشيء بعد الأمر به قبل امتثاله مقتضيا للاتيان بفردين عملا بظهور الهيئة في التأسيس ، مع انه (قدِّس سره) اختار هناك أي في تلك المسألة التأكيد.

وثانيا : لو سلمنا كونه بالوضع لكان ذلك موجبا لتقييد الإطلاق لا عدم انعقاده فتدبر.

وللمحقق النائيني (ره) (١) في المقام كلام ، قال الأستاذ (٢) :

انه في غاية المتانة فانه (ره) اختار القول بعدم التداخل مطلقا

ومحصل ما أفاده يتضح ببيان أمرين :

أحدهما : انه إذا تعدد الشرط جنسا ، يكون استفادة تعدد الحكم من ظهور كل من القضيتين في انه كل من الشرطين ، يكون مستقلا في سببيته للجزاء ، وانه يترتب عليه الجزاء مطلقا سبقه الآخر أو قارنه ، أم لا؟

وإذا تعدد الشرط من جنس واحد ، فاستفادة تعدده إنما تكون من جهة ما

__________________

(١) اجود التقريرات ج ١ ص ٤٢٨ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٦٦.

(٢) في حاشيته على اجود التقريرات ج ١ ص ٤٣١ ، وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٧٠.

٢٤٠