تفسير البيان - ج ٥

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٠

قوله : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا)

في تفسير القمّي : قاله أبو جهل ، وفيه أيضا : نزلت ـ يعني الآيات ـ لمّا قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لقريش : إنّ الله بعثني لأقتل (١) جميع ملوك الدنيا وأجرّ الملك إليكم ، فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونوا ملوكا في الجنّة.

فقال أبو جهل : اللهمّ إن كان هذا الذي يقول محمّد هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم حسدا لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ.

ثمّ قال : كنّا وبني هاشم كفرسي رهان ، نحمل إذا حملوا ونطعن إذا طعنوا ونوقد إذا أوقدوا ، فلمّا استوى بنا وبهم الركب ، قال قائل منهم : منّا نبيّ ، لا نرضى بذلك أن يكون في بني هاشم ولا يكون في بني مخزوم.

ثمّ قال : غفرانك اللهمّ فأنزل الله في ذلك : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) حين قال : غفرانك اللهمّ ، فلمّا همّوا بقتل رسول الله وأخرجوه من مكّة ، قال الله : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ)، يعني قريشا ما كانوا أولياء مكّة ، (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ)، أنت وأصحابك يا محمّد ، فعذّبهم الله يوم بدر فقتلوا. (٢)

وفي المجمع عن الصادق عن آبائه ـ عليهم‌السلام ـ : لمّا نصب رسول الله عليّا يوم غدير خم ، قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، طار ذلك في البلاد ، فقدم على النبيّ النعمان بن الحارث الفهري فقال :

__________________

(١). في المصدر : «أن أقتل»

(٢). تفسير القمّي ١ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٣٢٢.

٦١

أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها ، ثمّ لم ترض عنها حتّى نصبت هذا الغلام ، فقلت : من كنت مولاه فعليّ مولاه فهذا شيء منك أو أمر من الله؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : والله الذي لا إله إلّا هو ، إنّ هذا من الله ، فولّى النعمان بن الحرث وهو يقول : اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله ، وأنزل الله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ). (١) (٢)

أقول : والرواية غير ظاهرة في كونه شأن النزول ، وإنّما هي كلمة قالها.

وفي نهج البلاغة قال ـ عليه‌السلام ـ : كان في الأرض أمانان من عذاب الله ، فرفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسّكوا به ، أمّا الأمان الذي رفع فرسول الله ، وأمّا الأمان الباقي فالإستغفار ، ثمّ تلا الآية. (٣)

أقول : وروى العيّاشي في تفسيره عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ ما في معناه. (٤)

قوله سبحانه : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)

إتيان خبر كان مضارعا ودخول اللام فيه يفيد نفي العذاب حالا واستقبالا ، وتبديل الفعل بالإسم في قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)، يفيد النفي استقبالا.

قوله سبحانه : (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ)

__________________

(١). المعارج (٧٠) : ١.

(٢). مجمع البيان : ١٠ : ٥٣٠ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٣٣٤.

(٣). نهج البلاغة : ٤٨٣ ، حكمه عليه‌السلام : ٨٨.

(٤). تفسير العيّاشي ٢ : ٥٤ ، الحديث : ٤٤.

٦٢

فإنّه بيت التقوى والهداية ، فلا يليه إلّا المتّقون ، ولكن أكثرهم لا يعلمون فيظنّون أنّ الملك بالغلبة.

قوله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ)

في تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : التصفير والتصفيق. (١)

وفي العيون عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ : سمّيت مكّة مكّة لأنّ الناس يمكّون فيها ، وكان يقال لمن قصدها : قد مكا وذلك قول الله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً)، فالمكاء التصفير ، والتصدية صفق اليدين. (٢)

أقول : فالاشتقاق من الاشتقاق الكبير ، فإنّ مكّة مضاعف والمكاء من المعتلّ.

وفي الخبر تأييد لما ذكره بعضهم : أنّهم كانوا يطوفون عراة يشبّكون بين أصابعهم ويصفّرون فيها ويصفّقون ، ثمّ ذكر أنّهم كانوا يفعلون ذلك إذا قرأ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في صلاته يخلطون عليه.

وفي المجمع روي أنّ النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كان إذا صلّى في المسجد الحرام ، قام رجلان من بني عبد الدار عن يمينه فيصفّران ، ورجلان عن يساره فيصفّقان بأيديهما فيخلطان عليه صلاته فقتلهم الله جميعا ببدر. (٣)

قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ)

في تفسير القمّي : نزلت في قريش لمّا وافاهم ضمضم وأخبرهم بخبر رسول الله

__________________

(١). تفسير العيّاشي ٢ : ٥٥ ، الحديث : ٤٦.

(٢). عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ ٢ : ٨٩ ، الباب : ٣٣ ، الحديث : ١ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٣٢٤.

(٣). مجمع البيان ٤ : ٨٣١.

٦٣

في طلب العير ، فأخرجوا أموالهم وحملوا وأنفقوا وخرجوا إلى محاربة رسول الله ببدر ، فقتلوا وصاروا إلى النار وكان ما أنفقوا حسرة عليهم. (١)

قوله سبحانه : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)

الآية تدلّ على لحوق الكفّار بعضهم ببعض ، فكلّ خبيث من نفس أو عمل يرجع إلى ما يسانخه ، ويساق المجموع بصفة الركوم والجمع إلى جهنّم ، وتفيد أيضا أنّ صفة الانتزاع والتمّيز إنّما تتعلّق بالخبيثات ، وأمّا الطيّبات فهي أصل ثابت مجتمع الأطراف ، لا تحتاج إلى جمع وتميّز ، وقد مرّ في قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٢) من سورة الأعراف ما يناسب المقام من الكلام.

وفي العلل عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ في حديث : إنّ الله سبحانه مزج طينة المؤمن حين أراد خلقه بطينة الكافر ، فما يفعل المؤمن من سيّئة فإنّما هو من أجل ذلك المزاج ، وكذلك مزج طينة الكافر حين أراد خلقه بطينة المؤمن ، فما يفعل الكافر من حسنة فإنّما هو من أجل ذلك المزاج.

ثمّ قال : فإذا كان يوم القيامة ينزع الله من العدوّ الناصب سنخ المؤمن ومزاجه وطينه وجوهره وعنصره مع جميع أعماله الصالحة ويردّه إلى المؤمن ، وينزع الله من المؤمن سنخ الناصب ومزاجه وطينه وجوهره وعنصره مع جميع أعماله السيّئة الرديّة ويردّه إلى الناصب عدلا منه جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه ، ويقول للناصب : لا ظلم عليك هذه الأعمال الخبيثة من طينتك ومزاجك وأنت أولى بها ، وهذه الأعمال الصالحة من طينة المؤمن ومزاجه وهو أولى بها (لا ظُلْمَ

__________________

(١). تفسير القمّي ١ : ٢٧٧.

(٢). الأعراف (٧) : ٢٩.

٦٤

الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ). (١)

ثمّ قال : أزيدك في هذا المعنى من القرآن ، أليس الله عزوجل يقول : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ، (٢) وقال عزوجل : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ* لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ). (٣) (٤)

أقول : وقد اتّضح معنى الحديث فيما تقدّم ، وأمّا قوله تعالى : (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ، (٥) فتعليل ارتفاع الظلم بسرعة محاسبته سبحانه ، إنّما هو لأنّ التأخير في الجزاء لتأخير الحساب بالمسامحة والتعويق ظلم ، فإذا وقعت السرعة في الحساب من غير بطء لم يقع ظلم.

فإن قلت : فتأخير حساب الأعمال الدنيويّة إلى يوم القيامة ظلم.

قلت : المجازاة الدنيويّة واقعة في الدنيا بأقرب وقت ، والمجازاة البرزخيّة كذلك ، وأمّا فصل القضاء والمجازاة التامّة الحقيقيّة فموطنه يوم القيامة ، وما في يوم القيامة لا يمكن ظهوره في غيره وإن تحقّق أصله ، ويدلّ على هذا الذي ذكرنا آيات كثيرة جدّا سنتعرّض لبيان كلّ منها فيما يختصّ به من الموارد ، وقد مرّ في أوائل سورة البقرة ما ينفع في هذا المقام فارجع إليه والله الهادي.

__________________

(١). غافر (٤٠) : ١٧.

(٢). النور (٢٤) : ٢٦.

(٣). الأنفال (٨) : ٣٦ ـ ٣٧.

(٤). لم نجده في علل الشرائع ولكن رواه المجلسي ـ رحمه‌الله ـ في بحار الأنوار ٦٧ : ١٠٥ ـ ١٠٧ الحديث : ٢١.

(٥). غافر (٤٠) : ١٧.

٦٥

قوله سبحانه : (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ)

أي طريقتنا في الامم السالفة حين جحدوا الحقّ وتحزّبوا على الأنبياء فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم ، تخويف وإنذار لكفّار قريش وغيرهم.

قوله سبحانه : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ)

في تفسير القمّي : أي كفر ، قال عليه‌السلام : هي ناسخة لقوله : (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) ، (١) ولقوله : (وَدَعْ أَذاهُمْ). (٢) (٣)

قوله سبحانه : (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)

في الكافي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : لم يجئ تأويل هذه الآية بعد أنّ رسول الله رخّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه ، ولو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم ، ولكنّهم يقتلون حتّى يوحّد الله وحتّى لا يكون شرك. «ژ»

وفي تفسيري المجمع والعيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : لم يجئ تأويل هذه الآية ، ولو قد قام قائمنا بعد ، سيرى من يدركه ما يكون عن تأويل هذه الآية وليبلغن دين محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ما بلغ الليل حتّى لا يكون شرك على ظهر الأرض ، كما قال الله تعالى : (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً). (٤) (٥)

__________________

(١). النساء (٤) : ٧٧.

(٢). الأحزاب (٣٣) : ٤٨.

(٣). تفسير القمّي ١ : ٢٧٨.

(ژ). الكافي ٨ : ١٧٢ ، الحديث : ٢٤٣ ؛ المحجة : ٧٨ ؛ منتخب الأثر : ٢٩٠.

(٤). مجمع البيان ٤ : ٨٣٤ ؛ تفسير العيّاشي ٢ : ٥٦ ، الحديث : ٤٨ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٣٢٦ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٣٣٩ ؛ بحار الأنوار ٥١ : ٥٥ ؛ المحجه : ٧٨ ؛ ينابيع المودة : ٤٢٣.

(٥). آل عمران (٣) : ٥٥.

٦٦

أقول : وقد تقدّم في قوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) من آل عمران ما يتعلّق بهذا المقام.

*

__________________

(١). المائدة (٥) : ٦٤.

٦٧

[وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ

٦٨

الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤)]

قوله سبحانه : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ)

هي آية الخمس ، وقد أطبقت الشيعة على أنّ موردها مطلق الاستفادة ، ومحلّها سبيل الله والرسول والإمام وقرابة الرسول لا غير ، وذهبت العامّة إلى عدم اختصاصه بهم وأنّ ذلك بنظر الإمام يصرفه فيمن شاء وفيما شاء ، وأنّ ما عدّ من المورد فيها فإنّما هو كالتمثيل لا للتخصيص.

وظاهر الآية عليهم ، إذ لو كان ذكر الموارد من باب التمثيل ونحوه ، لكان لسبيل الله محضا ، فكانت المقابلة بين قوله : (لِلَّهِ) وقوله : (وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) غير صحيحة ، كما أنّ ذكر سبيل الله في آية الزكاة قبال سائر الموارد

٦٩

أوجب كونه موردا في عرض سائر الموارد.

وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ)، قال ـ عليه‌السلام ـ : هي والله الإفادة يوما بيوم. (١)

أقول : وهو استفادة الإطلاق من لفظ الغنيمة وهو كذلك لغة ، والمورد ـ وهو غنيمة الجهاد وفائدته ـ لا يكون مخصّصا.

وفي الكافي أيضا عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) قال : أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ. (٢)

وفي الكافي أيضا عن العبد الصالح قال : الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم ، والغوص ، ومن الكنوز ، ومن المعادن والملاحة ، يؤخذ من كلّ من هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعل الله له ، ويقسم أربعة أخماس : بين من قاتل عليه ووليّ ذلك ، ويقسّم بينهم الخمس على ستّة أسهم : سهم لله ، وسهم لرسوله ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل.

فسهم الله وسهم رسوله لاولي الأمر من بعد رسول الله وراثة ، فله ثلاثة أسهم : سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله ، فله نصف الخمس كلا ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته ، فسهم ليتاماهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم ، يقسّم بينهم على الكتاب والسنّة ممّا يستغنون به في سنتهم ، فإن فضل منهم شيء فهو للوالي ، وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنّما صار عليه أن يمونهم لأنّ له ما فضل عنهم ، وإنّما

__________________

(١). الكافي ١ : ٥٤٤ ، الحديث : ١٠ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٣٤٠.

(٢). الكافي ١ : ٤١٤ ، الحديث : ١٢ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٣٣١.

٧٠

جعل الله هذا الخمس خاصّة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضا لهم عن صدقات الناس ، تنزيها من الله لهم ، لقرابتهم من رسول الله ، وكرامة من الله لهم من أوساخ الناس ، فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم به من أن يصيرهم في موضع الذلّ والمسكنة ، ولا بأس بصدقة بعضهم على بعض.

وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، الذين ذكرهم الله فقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، (١) وهم بنو عبد المطّلب أنفسهم ، الذكر منهم والانثى ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد ، ولا فيهم ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم ، وقد تحلّ صدقات الناس لمواليهم وهم والناس سواء ، ومن كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش ، فإنّ الصدقات تحلّ له وليس له من الخمس شيء ، لأنّ الله يقول : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ). (٢) (٣)

أقول : الروايات في هذه المعاني مستفيضة متظافرة ، من أرادها فليرجع إلى جوامع الحديث ، وقد مرّ شأن نزول الآية.

قوله سبحانه : (يَوْمَ الْفُرْقانِ)

يوم الفرقان : يوم بدر لمّا فرق فيه بين الحقّ والباطل.

وقوله : (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ)

بدل أو بيان منه.

__________________

(١). الشعراء (٢٦) : ٢١٤.

(٢). الأحزاب (٣٣) : ٥.

(٣). الكافي ١ : ٥٣٩ ، الحديث : ٤ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٣٣٣.

٧١

وقوله : (بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا)

العدوة : ـ مثلّثة ـ شطّ الوادي ، والمراد بالعدوة الدنيا : العدوة القربية من المدينة وهي العدوة الشاميّة ، نزل بها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، والعدوة القصوى : العدوة البعيدة وهي العدوة اليمانيّة نزل بها المشركون.

وقوله : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)

يعني : العير حيث أخذت في الساحل.

في تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : يعني أبا سفيان وأصحابه. (١)

أقول : يعني ـ عليه‌السلام ـ العير ، فإنّ أبا سفيان كان فيه مع أربعين فارسا.

وقوله : (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ)

أي لو كان اجتماعكم مع المشركين في بدر عن ميعاد لما توافقتم هذا التوافق في الورود ، يشير تعالى إلى توافق الأسباب في التقائهم ، وكون الأسباب جميعا عليهم ، ليستيقنوا أنّ غلبتهم عليهم لم يستند إلى سبب من الأسباب العاديّة ، غير أنّ الله تعالى شاء أن يظهرهم على المشركين.

قوله سبحانه : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ)

أي جعلنا اليوم ، يوم الفرق بين الحقّ والباطل بهذه الآيات الباهرة والنصرة الظاهرة ، ليهلك من هلك ويضلّ من ضلّ عن بيّنة وحجّة ، ويحيى ويهتدي من

__________________

(١). تفسير العيّاشي ٢ : ٦٥ ، الحديث : ٦٩ ؛ بحار الانوار ١٩ : ٣١٩.

٧٢

حيّ واهتدى عن بيّنة وحجّة.

وعن تفسير القمّي قال : يعلم من بقى أنّ الله نصره. (١)

قوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ)

الروايات وإن خلت عن ذكر رؤيا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، غير أنّ الآية بقرينة قوله : (لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ) ظاهرة في أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ رأى رؤيا ونقله لأصحابه ، فكان في ذلك تقوية لقلوبهم وشدّ لأزرهم ، والفشل : الجبن.

وقوله : (سَلَّمَ)

قيل : أي أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع.

قوله سبحانه : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ)

في الجوامع عن ابن مسعود قال : لقد قلّلوا في أعيننا حتّى قلت لرجل إلى جنبى : أتراهم سبعين؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلا منهم ، فقلنا : كم كنتم؟ قال : ألفا. (٢)

وفي القصّة المنقولة سابقا قال أبو جهل : ما هم إلّا أكلة رأس ، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد.

قوله سبحانه : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً)

ولو رآهم المؤمنون كثيرا لفشلوا ، ولو رآهم المشركون كثيرا أمكن أن ينسلّوا

__________________

(١). تفسير القمّي ١ : ٢٧٨.

(٢). جوامع الجامع ٢ : ٢٤.

٧٣

قبل النزال ، كلّ ذلك ليوقع الله بينهم القتال فينصر المؤمنين ويظهرهم على المشركين ويعلي كلمة الحقّ.

قوله : (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)

ذهاب الريح كناية عن زوال النفوذ وبطلان الأثر ، يقال : هبّت ريح فلان إذا نفذ أمره.

قوله سبحانه : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ)

في المجمع عن الباقر والصادق ـ عليهما‌السلام ـ : إنّهم لمّا التقوا كان إبليس في صفّ المشركين ، آخذا بيد الحارث بن هشام فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث : يا سراقة! أتخذلنا على هذه الحال؟ فقال : إنّي أرى ما لا ترون ، فقال : والله ما نرى إلّا جعاسيس (١) يثرب فدفع في صدر الحارث وانطلق وانهزم الناس ، فلمّا قدموا مكّة قال الناس : هزم [الناس] سراقة ، فبلغ سراقة فقال : والله ما شعرت بمصيركم حتّى بلغني هزيمتكم فقالوا : إنّك أتيتنا يوم كذا فحلف لهم ، فلمّا أسلموا علموا أنّ ذلك كان الشيطان. (٢)

وفي تفسير العيّاشي عن السجّاد ـ عليه‌السلام ـ قال : لمّا عطش القوم يوم بدر انطلق عليّ بالقربة يستقي ـ وهو على القليب ـ إذ جاءت ريح شديدة ثمّ مضت ، فلبث ما بدا له ، ثمّ جاءت ريح اخرى ثمّ مضت ، ثمّ جاءت اخرى كاد أن تشغله ـ وهو على القليب ـ ، ثمّ جلس حتّى مضت ، فلمّا رجع إلى رسول الله أخبره بذلك فقال رسول الله : أمّا الريح الاولى : ففيها جبرئيل مع ألف من الملائكة ،

__________________

(١). رجل جعسوس ، اي : قصير دميم. [منه ـ رحمه‌الله ـ].

(٢). مجمع البيان ٤ : ٨٤٤ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٣٤٩ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٣٤٩.

٧٤

والثانية : فيها ميكائيل مع ألف من الملائكة ، والثالثة : فيها إسرافيل مع ألف من الملائكة وقد سلّموا عليك وهم مدد لنا ، وهم الذين رآهم إبليس فنكص على عقبيه يمشي القهقرى حين يقول : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ). (١)

قوله سبحانه : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ)

قيل : المراد ب : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) المشركون ، ويدفعه أنّ هذه الكلمة يراد بها أصحاب الشكّ والريب كما في نظائره الواقعة في القرآن.

وقيل : باحتمال أن يكون بيانا للمنافقين ، ويدفعه أنّ المنافقين كلّما اطلق في القرآن اريد به الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر.

وقيل : إنّهم فتية من قريش أسلموا بمكّة واحتبسهم آباؤهم (٢) فخرجوا مع قريش يوم بدر وهم : قيس بن الوليد بن المغيرة ، وعليّ بن اميّة بن خلف ، والعاص بن منبّه بن الحجّاج ، والحارث بن رفعة ، وأبو قيس بن الفاكهة بن المغيرة ، لمّا رأوا قلّة المسلمين قالوا : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ).

أقول : وكيف كان فالآية تشهد بوجود عدّة من المنافقين بين أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، فلو صحّ ما رووه عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : أنّ الله اطّلع اطّلاعة على أهل بدر وقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، (٣) الحديث ،

__________________

(١). تفسير العياشي ٢ : ٦٥ ، الحديث : ٧٠ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٣٥٠ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٣٤٩ ؛ بحار الانوار ٣٩ : ١٠٣.

(٢). السيرة النبويّة ٣ : ١٩٠.

(٣). راجع : بحار الأنوار ٣١ : ٢٥٣ ؛ الإفصاح : ٤٩ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن ابي الحديد ٣ : ٦٨ ؛ ٤ : ١٠٠ ؛ ١٣ : ٢٨٥ ؛ ١٧ : ٢٦٦ ؛ ٢٠ : ١١.

٧٥

وجب أن يصرف عن الإطلاق على أنّ ظاهره ينافي تشريع التكاليف. (١)

قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً)

من الكلّيّات التي أعطاها القرآن كقوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، (٢) فهو من المقضيّات المحتومة.

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال : كان أبي يقول : إنّ الله قضى قضاء حتما لا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها إيّاه حتّى يحدث العبد ذنبا يستحقّ بذلك النقمة. (٣)

*

__________________

(١). قال بعض المحققين : معنى الحديث : الشريف ـ لو صحّ صدوره عن النبى ـ أنّ الله تعالى إطلع إطلاعة على أهل بدر وقال : «إعملوا ما شئتم ـ من الخير ، قليلا أو كثيرا ـ فقد غفرت لكم» وحينئذ لا ينافي تشريع التكاليف.

(٢). هود (١١) : ٥٦.

(٣). الكافي ٢ : ٢٧٣ ، الحديث : ٢٢.

٧٦

[إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ

٧٧

قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)]

٧٨

قوله سبحانه : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ)

كلمة «من» للتبعيض ظاهرا ، أي الذين عاهدت من جملة هؤلاء الدوابّ الذين لا يؤمنون ، ثمّ ينقضون عهدهم في كلّ مرّة.

قيل : إنّهم يهود بني قريظة عاهدوا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على أن لا يضرّوا به ولا يمالئوا عليه عدوّا ، فنكثوا وأعانوا عليه مشركي مكّة بالسلاح وقالوا : نسينا ، ثمّ عاهدوا ثانيا ثمّ نكثوا ومالئوا عليه الأحزاب يوم الخندق.

أقول : والسياق لا ينافي ذلك ، وينبغي أن يعدّ الآيتان مع ذلك من ملاحم القرآن ، فإنّهم لم يؤمنوا حتّى هلكوا.

قوله سبحانه : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ)

أي : إن تثقلهم بالظفر والقتل ، وفي التأكيد بلفظة «ما ونون التأكيد» إشارة إلى الوقوع والتشريد والتفريق والتبعيد.

قوله : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ)

قيل : أي اطرح إليهم عهدهم على طريق مقتصد ، بأن تخبرهم بإلغاء العهد ثمّ تقاتلهم بعد الإخبار والإعلان حتّى لا تكون خيانة ، فقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) في مقام تعليل الحكم.

قوله سبحانه : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ)

الرباط : اسم للخيل الذي تربط.

٧٩

قوله سبحانه : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ)

تقدّم في بيان القصّة شأن نزولها.

قوله : (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)

وهذا من الشواهد على أنّ المراد بالقلب في القرآن هو النفس ، حيث قال سبحانه : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) وقال : (ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ)، ثمّ بدّله بقوله : (أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) فدلّ على أنّهم وقلوبهم واحد.

قوله سبحانه : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ)

وهذا هو الدليل على أنّ الآية مسوقة لتشريع الحكم ، وإن كان ظاهرها الخبر.

وفي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في حديث : نسخ الرجلان العشرة. (١)

وفي تفسير العيّاشي عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : من فرّ من رجلين في القتال فقد فرّ من الزحف ، ومن فرّ من ثلاثة رجال في القتال من الزحف فلم يفرّ. (٢)

قوله : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى)

قد تقدّم شأن نزول الآية وبعض ما يتعلّق بها من الكلام.

قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ)

قد تقدّم شأن نزول الآية في القصّة.

__________________

(١). الكافي ٥ : ٦٥ ، الحديث : ١.

(٢). تفسير العيّاشي ٢ : ٦٨ ، الحديث : ٧٨.

٨٠