تفسير البيان - ج ٥

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٠

[وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥) وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ

١٤١

وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣)]

قوله سبحانه : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي)

في تفسير القمّي : لقي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الجدّ بن قيس فقال له : يا أبا وهب! ألا تنفر معنا في هذه الغزوة لعلّك أن تحتفد (١) من بنات الأصفر فقال : يا رسول الله! والله ، إنّ قومي ليعلمون أنّه ليس فيهم أحد أشدّ عجبا بالنساء منّي ، وأخاف إن خرجت أن لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر فلا تفتنّي وائذن لي أن اقيم ، (٢) وقال لجماعة من قومه : لا تنفروا (٣) في الحرّ ، فقال ابنه : تردّ على رسول الله وتقول [له] ما تقول ثمّ تقول لقومك لا تنفروا في الحرّ؟! والله

__________________

(١). في المصدر : «تستحفد»

(٢). الكشف والبيان ٥ : ٥٢ ؛ السيرة النبوية ٥ : ١٩٥ ؛ المغاذي ٣ : ١٠٢٣ ؛ مجمع البيان ٥ : ٥٦.

(٣). في المصدر : «لا تخرجوا»

١٤٢

لينزلنّ الله (١) في هذا قرآنا تقرأه الناس إلى يوم القيامة ، فأنزل الله على رسوله في ذلك : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي)، ثمّ قال الجدّ بن قيس : أيطمع محمّد أنّ حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع من هؤلاء أحد أبدا. (٢)

قوله سبحانه : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ)

في تفسير القمّي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : أمّا الحسنة : فالغنيمة والعافية ، وأمّا المصيبة : فالبلاء والشدّة. (٣)

قوله سبحانه : (إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : لا يضرّ مع الإيمان عمل ، ولا ينفع مع الكفر عمل ، ألا ترى أنّه تعالى قال : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ). (٤)

أقول : وروى قريبا منه العيّاشي في تفسيره ، (٥) ويقرب من الآية في ذلك قوله تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) (٦)

قوله سبحانه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها)

__________________

(١). في المصدر : ـ «الله»

(٢). تفسير القمّي ١ : ٢٩٢ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤١٩.

(٣). تفسير القمّي ١ : ٢٩٢ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤١٩.

(٤). الكافي ٢ : ٤٦٤ ، الحديث : ٣ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٤٧٥.

(٥). تفسير العيّاشي ٢ : ٨٩ ، الحديث : ٦١ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤٢١.

(٦). التوبة (٩) : ١٧.

١٤٣

ما نعدّه نعمة من أعراض الحياة الدنيا وزخارفها ليست بنعمة بقول مطلق ، وعلى الحقيقة ، فإنّ النعمة إنّما تعدّ نعمة إذا لائمت ما يقتضيه الوجود وتحتاج إليه الحياة ، فلا بدّ أن تكون كمالا وسعادة ، وحيث كانت الخلقة ليجري الإنسان في مجرى التوحيد وطريق ولاية الله تعالى ، فلو وقع الإنسان في طريق السعادة وصراط ولاية الله فجميع ما آتاه الله تعالى من مال وجاه وولد وصحّة وعافية ، نعمة عليه باعتبار ، وفتنة وابتلاء باعتبار.

وإذا انحرف عن مجراه الفطري وصراطه الجبلّي انقلب جميع ذلك نقمة عليه ، لأنّها شاغلة إيّاه عن الوصول إلى خيره وسعادته ، فهي أنواع من العذاب يعذّبه الله سبحانه بها في الدنيا.

وقد مرّ بعض ما يناسب المقام في قوله : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (١) من سورة البقرة.

وقوله : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ)

الزهوق : الخروج بصعوبة.

وقوله : (يَفْرَقُونَ)

من الفرق بالتحريك وهو : الخوف.

قوله سبحانه : (أَوْ مُدَّخَلاً)

في المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : أسرابا في الأرض.

__________________

(١). البقرة (٢) : ٣٥.

١٤٤

وقوله : (يَجْمَحُونَ)

من جموح الفرس وهو : عدم طاعته لراكبه ، وعدوه من غير مبالاة ولا انقياد. (١)

قوله سبحانه : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ)

في المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : بينا رسول الله (٢) إذ جاءه ابن (٣) ذي الخويصرة التميمي ، (٤) وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج ، فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال : ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل. (٥)

وفي الكافي والمجمع وتفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : إنّ أهل هذه الآية أكثر من ثلثي الناس. (٦)

أقول : وهو من قبيل الجري والانطباق ، أو من قبيل بطن القرآن بالتحليل ، وظاهر الحصر في قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) إنّ اللمز والاعتراض كان في تقسيم الصدقة دون مطلق الغنيمة.

قوله سبحانه : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ)

__________________

(١). مجمع البيان ٥ : ٦٢.

(٢). في المصدر : + «يقسم قسما وقال ابن عبّاس كانت غنائم هوازن يوم حنين»

(٣). في المصدر : «ابن أبي ذي الخويصرة» ؛ في تفسير ابن كثير : «ذي الخويصرة» ؛ وفي سائر المصادر : «ابن ذي الخويصرة»

(٤). في نسخة : التيمي [منه ـ رحمه‌الله ـ].

(٥). مجمع البيان ٥ : ٦٢ ؛ الكشف والبيان ٥ : ٥٥ ؛ الكشاف ٢ : ٢٨١ ؛ تفسير ابن كثير ٢ : ٣٣١ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤٢٣.

(٦). الكافي ٢ : ٢١٤ ، الحديث : ٤ ؛ مجمع البيان ٥ : ٦٣ ؛ تفسير العيّاشي ٢ : ٨٩ ، الحديث : ٦٢ ؛ الزهد : ٤٧ ، الحديث : ١٢٦ ؛ بحار الأنوار ٧١ : ١١٠.

١٤٥

في تفسير القمّي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية قال ـ عليه‌السلام ـ : (الفقراء) : هم الذين لا يسألون وعليهم مؤونات من عيالهم ، والدليل على أنّهم هم الذين لا يسألون قول الله في سورة البقرة : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً). (١)

(وَالْمَساكِينِ)

هم أهل الزمانة (٢) من العميان والعرجان والمجذومين وجميع أصناف الزمنى من الرجال والنساء والصبيان.

(وَالْعامِلِينَ عَلَيْها)

هم السعاة والجباة في أخذها وجمعها وحفظها حتّى يؤدّوها إلى من يقسّمها.

(وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ)

قوم وحّدوا الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم (٣) أنّ محمّدا رسول الله ، فكان رسول الله يتألّفهم ويعلّمهم كيما يعرفوا ، فجعل الله لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا. (٤)

__________________

(١). البقرة (٢) : ٢٧٣.

(٢). الزمانة : العاهة ، راجع : لسان العرب ١٣ : ١٩٩.

(٣). في المصدر : + «من»

(٤). تفسير القمي ١ : ٢٩٩.

١٤٦

(وَفِي الرِّقابِ)

قوم قد لزمهم كفّارات في قتل الخطأ ، وفي الظهار وقتل الصيد في الحرم وفي الأيمان وليس عندهم ما يكفّرون وهم مؤمنون ، فجعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم.

(وَالْغارِمِينَ)

قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف ، فيجب على الإمام أن يقضي ذلك عنهم ويكفيهم من مال الصدقات.

(وَفِي سَبِيلِ اللهِ)

قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما ينفقون ، أو قوم من المسلمين ليس عندهم ما يحجّون به ، أو في جميع سبيل (١) الخير ، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتّى يتقوّوا به على الحجّ والجهاد.

(وَابْنِ السَّبِيلِ)

أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ، فيذهب مالهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.

والصدقات تتجزّى ثمانية أجزاء ، فيعطى كلّ إنسان من هذه الثمانية على قدر ما يحتاجون إليه بلا إسراف ولا تقتير ، يقوم في ذلك الإمام يعمل بما فيه الصلاح. (٢)

__________________

(١). في المصدر : «سبل»

(٢). تفسير القمّي ١ : ٢٩٩ ؛ تفسير الصافى ٣ : ٤٢٥ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٤٧٨ ، الحديث : ٤.

١٤٧

أقول : والروايات في الباب في غاية الكثرة ، من أرادها فعليه بكتاب الزكاة من الفقه ، وقد وردت عدّة من الروايات : أنّ الفقير هو الذي لا يسأل الناس ، والمسكين هو الذي يسأل ، (١) وفي بعضها والبائس أجهد منهما.

قوله سبحانه : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ)

في تفسير القمّي قال ـ عليه‌السلام ـ : كان سبب نزولها أنّ عبد الله بن نفيل كان منافقا ، وكان يقعد إلى رسول الله فيستمع كلامه وينقله إلى المنافقين وينمّ عليه ، فنزل جبرئيل على رسول الله فقال : يا محمّد ؛ إنّ رجلا من المنافقين ينمّ عليك وينقل حديثك إلى المنافقين ، فقال رسول الله : من هو؟ فقال : الرجل الأسود كثير شعر الرأس ينظر بعينين كأنّهما قدران وينطق بلسانه (٢) شيطان ، فدعاه رسول الله فأخبره فحلف أنّه لم يفعل ، فقال رسول الله : قد قبلت منك فلا تقع ، فرجع إلى أصحابه ، فقال : إنّ محمّدا اذن أخبره الله أنّي أنمّ عليه وأنقل أخباره فقبل وأخبرته أنّي لم أفعل فقبل ، فأنزل الله على نبيّه : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي يصدّق الله فيما يقول ، ويصدّقك فيما تعتذر إليه (٣) ولا يصدّقك في الباطن. (٤)

أقول : فقوله : (هُوَ أُذُنٌ) من الكناية.

__________________

(١). تفسير القمّي ١ : ٢٩٨ ؛ الكشف والبيان ٥ : ٥٧ ؛ مجمع البيان ٥ ؛ ٦٤ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤٢٥ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٤٧٧ ، الحديث : ٤.

(٢). في المصدر : «لسان»

(٣). في المصدر : + «في الظاهر»

(٤). تفسير القمّي ١ : ٣٠٠ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤٢٨.

١٤٨

وقوله : (يُؤْمِنُ بِاللهِ)

أي يصدّقه علما وقلبا.

وقوله : (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)

أي يصدّقه عملا ، ولكون الإيمانين مختلفين كرّر سبحانه لفظ الإيمان بتكرّر متعلّقه.

وقوله : (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا)

وضع الظاهر موضع المضمر من الشاهد على ما ذكرناه في سورة البقرة في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) (١) أنّ هذه اللفظة مختصّة بطائفة خاصّة وهم السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار ، فذكره بعينه بعد ذكر المؤمنين ليس من التكرار في شيء.

قوله سبحانه : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ)

الخطاب للمؤمنين ، وإنّما كانوا يرضونهم لكونهم مؤمنين ، فوليّهم وهو الله ورسوله أحقّ أن يرضوه ، وإذ لا يرضون الله ورسوله فهم منافقون البتّة.

*

__________________

(١). البقرة (٢) : ١٠٤.

١٤٩

[يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦) الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠) وَالْمُؤْمِنُونَ

١٥٠

وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)]

قوله سبحانه : (قُلِ اسْتَهْزِؤُا)

إن قلت : قوله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ ...)، تحكي عن أنّهم كانوا يخافون من ذلك على سبيل الجدّ ، فلا يلائمه قوله أخيرا : (قُلِ اسْتَهْزِؤُا)، الحاكي عن أنّه كان منهم هزءا وسخريّة.

قلت : ذكر القمّي وغيره في تفاسيرهم : أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لمّا خرج إلى تبوك كان جمع من المنافقين يتحدّثون بينهم ويقولون : أيرى محمّد أنّ حرب الروم مثل حرب غيرهم؟! لا يرجع منهم أحد أبدا ، فقال بعضهم : ما أخلقه أن يخبر الله محمّدا بما كنّا فيه وبما في قلوبنا وينزل عليه بهذا قرآنا يقرأه الناس ، وقالوا هذا على حدّ الاستهزاء ، (١) انتهى.

فهذا ما كان من قولهم ، غير أنّهم كانوا يخافون ظهور هذا الأمر منهم لمّا رأوا من نزول الوحي كلّما أحدثوا حدثا أو أسرّوا دسيسة وفسادا ، غير أنّهم لم يكونوا يرون أنّ ذلك مستند إلى أمر سماوي وإخبار إلهي حقيقة ، فهم كانوا

__________________

(١). تفسير القمّي ١ : ٣٠٠ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤١٩ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٤٩٥ ، الحديث : ٣.

١٥١

يخافون نزول سورة تظهر أمرهم وتهتك سترهم جدّا وينسبون ذلك إلى الوحي استهزاء ، فقال الله سبحانه : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا)

قوله سبحانه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَ)

سيأتي ما يتعلّق بها من القصّة عند قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) من هذه السورة. (١)

قوله سبحانه : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ)

في تفسير القمّي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ في قوله : (لا تَعْتَذِرُوا) قال : هؤلاء قوم كانوا مؤمنين صادقين ارتابوا وشكّوا ونافقوا بعد إيمانهم ، وكانوا أربعة نفر. (٢)

وقوله : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ)

كان أحد الأربعة مخشي بن حميّر ، (٣) فاعترف وتاب وقال : يا رسول الله! أهلكني اسمي ، فسمّاه رسول الله عبد الله بن عبد الرحمن ، فقال : يا ربّ ، اجعلني شهيدا حيث لا يعلم أين أنا ، فقتل يوم اليمامة ولم يعلم أحد أين قتل ، فهو الذي عفي عنه. (٤)

__________________

(١). التوبة (٩) : ٧٤.

(٢). تفسير القمّي ١ : ٣٠٠.

(٣). في بعض نسخ المصدر «مختبر بن الحمير» والصحيح ما في المتن ، وهو مخشي بن حميّر الأشجعي ، وكان من المنافقين من أصحاب مسجد الضرار ، راجع : أسد الغابة ٤ : ٣٣٨ ؛ الإصابة ٣ : ٣٩١.

(٤). تفسير القمّي ١ : ٣٠٠ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤٣١ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٤٩٥ ، الحديث : ٤.

١٥٢

قوله سبحانه : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ)

هذه الآية من الشواهد على أنّ المنافقين كانوا عدّة مؤتلفة من رجال ونساء ، وأنّهم كانوا هيئة متّحدة متّفقة النظر في أن يهدموا الدين ويفسدوا أمر الإسلام طمعا في زخرف الدنيا ، ولجاجا مع رسول الله ، وأنّ النساء كانت مع الرجال منهم في تشريك المساعي على نحو مؤثّر.

قوله سبحانه : (بِخَلاقِهِمْ)

الخلاق : هو النصيب ، والخوض : هو الدخول التامّ في شيء ، والمراد الخوض في الباطل.

قوله سبحانه : (وَالْمُؤْتَفِكاتِ)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : إنّه سئل عن المؤتفكات ، قال ـ عليه‌السلام ـ : اولئك قوم لوط ائتفكت عليهم أي (١) انقلبت. (٢) (٣)

أقول : يعني ـ عليه‌السلام ـ انقلاب ديارهم عليهم حيث جعل عاليها سافلها.

قوله سبحانه : (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ)

العدن : الإقامة والتوطّن ، ظاهر السياق كون جنّات عدن غير الجنّات التي ذكرها سابقا ، وإلّا كان من وضع الظاهر موضع المضمر من غير نكتة ظاهرة ،

__________________

(١). في المصدر : ـ «أي»

(٢). في المصدر : + «عليهم»

(٣). الكافي ٨ : ١٧٩ ، الحديث : ٢٠٢ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤٣٤ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٥٠٥.

١٥٣

فيمكن أن يكون لهم جنّات ثمّ يشرّفون بمساكن في جنّة هي أعلى منها ، وهو مرسوم في تشريف الضيف وإكرامه ، ويلائم ذلك الجملة التالية وهي قوله : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ).

وفي الفقيه في حديث بلال : جنّة عدن في وسط الجنان سورها ياقوت أحمر ، وحصائها (١) اللؤلؤ. (٢)

وفي المجمع عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : عدن : دار الله التي لم ترها عين ، ولم تخطر على قلب بشر ، لا يسكنها غير ثلاثة : النبيّين والصدّيقين والشهداء ، يقول الله تعالى : طوبى لمن دخلك. (٣)

أقول : ولا منافاة بين عموم الآية ، وتخصيص الرواية جنّة عدن بالطوائف الثلاث ، فإنّ عموم المؤمنين حقّا سيلحقون بهم ، قال سبحانه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ). (٤)

وفي تفسير العيّاشي عن السجّاد ـ عليه‌السلام ـ قال : إذا صار أهل الجنّة في الجنّة ودخل وليّ الله إلى جنّاته ومساكنه ، واتّكأ كلّ مؤمن على أريكته ، حفّته خدّامه وتهدّلت عليه الأثمار (٥) وتفجّرت حوله العيون وجرت من تحته الأنهار ، وبسطت له الزرابيّ ، ووضعت (٦) له النمارق ، وأتته الخدّام بما شاءت هدبه (٧)

__________________

(١). في المصدر : «حصاها» ، وفي تفسير الصافي : «حصباؤها»

(٢). من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٦ ، الحديث : ٩٠٥ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤٣٥.

(٣). مجمع البيان ٥ : ٧٧ ؛ جوامع الجامع ٢ : ٦٩ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٥٠٧.

(٤). الحديد (٥٧) : ١٩.

(٥). في المصدر : «الثمار»

(٦). في المصدر : «صففت»

(٧). في المصدر : «شهوته»

١٥٤

من قبل أن يسألهم ذلك.

قال : ويخرج عليه الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء الله ، ثمّ إنّ الجبّار يشرف عليهم ، فيقول لهم : أوليائي وأهل طاعتي وسكّان جنّتي في جواري ، ألا هل انبّئكم بخير ممّا أنتم فيه؟ فيقولون : ربّنا وأيّ شيء خير ممّا نحن فيه ممّا اشتهت أنفسنا ولذّت أعيننا من النعم في جوار الكريم؟ قال : فيعود عليهم القول فيقولون : ربّنا نعم ، فأتنا بخير ممّا نحن فيه ، فيقول لهم تبارك وتعالى : رضائي عنكم ومحبّتي لكم خير وأعظم ممّا أنتم فيه فيقولون : نعم ، يا ربّنا رضاك عنّا ومحبّتك لنا خير وأطيب لأنفسنا.

ثمّ قرأ عليّ بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ هذه الآية : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ). (١)

وفي ربيع الأبرار للزمخشري عن جابر عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : إذا دخل أهل الجنّة الجنّة ، قال الله تعالى : تشتهون شيئا فأزيدكم ، قالوا : ربّنا وما خير مما أعطيتنا؟ قال : رضواني أكبر. (٢)

*

__________________

(١). تفسير العيّاشي ٢ : ٩٦ ، الحديث : ٨٨ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٥٠٦.

(٢). ربيع الأبرار ١ : ٢٤٧ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٥٠٨ ، الحديث : ٤.

١٥٥

[يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤)]

قوله سبحانه : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ)

في تفسير القمّي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) بإلزام الفرائض. (١)

أقول : وقوله : (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) موضوع كالقرينة على أنّ المراد بالجهاد ليس هو القتال بالسيف.

قوله سبحانه : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا)

في المجمع نزلت الآيات في اثني عشر رجلا ، وقفوا على العقبة ليفتكوا

__________________

(١). تفسير القمّي ١ : ٣٠١ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤٣٦ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٥٠٨ ، الحديث : ٢.

١٥٦

برسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عند رجوعه من تبوك ، فأخبر جبرئيل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بذلك وأمره أن يرسل إليهم ويضرب وجوه رواحلهم وعمّار كان يقود دابّة رسول الله وحذيفة يسوقها.

فقال لحذيفة : اضرب وجوه رواحلهم ، فضربها حتّى نحّاهم ، فلمّا نزل قال لحذيفة : من عرفت من القوم؟ قال : لم أعرف منهم أحدا ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : إنّه (١) فلان وفلان حتّى عدّهم كلّهم ، فقال حذيفة : ألا تبعث إليهم فتقتلهم؟ فقال : أكره أن يقول العرب لمّا ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم.

عن ابن كيسان قال : وروي عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ مثله ، إلّا أنّه قال : ائتمروا بينهم وقال بعضهم لبعض : إن فطن نقل إنّما كنّا نخوض ونلعب ، وإن لم يفطن نقتله. (٢)

أقول : وقد سبقت القصّة في ضمن قصّة غزوة تبوك.

واعلم أنّ إشباع النظر في هذه الآيات من قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) إلى قوله : (وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) عشر آيات ، يكشف عن تحزّب سرّي واتّحاد باطنيّ بين جماعة من أصحاب رسول الله وأهل الاختصاص به كانوا قصدوا فيه هدم ما بناه وتخريب ما أسّسه حتّى انجرّ ذلك إلى التوطئة عليه وسوء القصد به ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، فكشف الله عن سوء سرّهم وفاسد سريرتهم.

__________________

(١). في نسخة : إنّهم ، [منه ـ رحمه‌الله ـ].

(٢). مجمع البيان ٥ : ٧٠ ؛ جوامع الجامع ٢ : ٧١ ؛ ونقل مضمونه الثعلبي في الكشف والبيان ٥ : ٧٠ ؛ والفيض في تفسير الصافي ٣ : ٤٣٨ ؛ والبحراني في البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٥٢.

١٥٧

[وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى

١٥٨

أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥) وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩) وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ

١٥٩

رِجْسٌ وَمَأْواٰهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلفَاسِقِينَ (٩٦)]

قوله سبحانه : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ)

في الجوامع هو ثعلبة بن حاطب قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا ، فقال : يا ثعلبة ، قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه ، فقال : والذي بعثك بالحقّ لئن رزقني مالا لأعطينّ كلّ ذي حقّ حقّه ، فدعا له فاتّخذ غنما فنمت كما ينمو الدود ، حتّى ضاقت بها المدينة ، فنزل واديا وانقطع عن الجماعة والجمعة ، وبعث رسول الله ليأخذ الصدقة فأبى وبخل وقال : ما هذه إلّا اخت الجزية. (١)

أقول : ورواه القمّي في تفسيره عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ إجمالا ، (٢) وفي المجمع مرفوعا. (٣)

قوله سبحانه : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ)

في تفسير القمّي : جاء سالم بن عمير الأنصاري بصاع من تمر ، فقال : يا رسول الله كنت ليلتي أجيرا لجرير (٤) حتّى عملت (٥) بصاعين من تمر ، فأمّا

__________________

(١). جوامع الجامع ٢ : ٧٢.

(٢). تفسير القمّي ١ : ٣٠١ ؛ تفسير الصافي ٣ : ٤٤٠ ؛ البرهان في تفسير القرآن ٤ : ٥١٥ ؛ الكشف والبيان ٥ : ٧٢.

(٣). مجمع البيان ٥ : ٨٠.

(٤). الجرير : اسم رجل ، لكن في تفسير الصافي : «أجرّ الجرير» اي كنت أجرّ الحبل الذي يجرّ به البعير ، يريد أنّه استقى الناس على أجرة صاعين ؛ وفي سائر المصادر : «أجرّ بالجرير».

(٥). في المصدر : «نلت»

١٦٠