الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٠

وإنّ كنائني لنساء صدق

فما ألّى بنيّ ولا أساؤوا

والعرب تقول : أتاني فلان في حاجة فما ألوت ردّه ، أي : ما استطعت. وأتاني في حاجة فألوت فيها ، أي : اجتهدت.

وقال الأصمعي : يقال : ما ألوت جهدا ، أي : لم أدع جهدا.

وقوله تعالى : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) الآية ، أي : لا يقصّرون في فسادكم.

وقولهم : لا آلوك نصحا ولا آلوك جهدا ، والمعنى : لا أمنعك نصحا ولا أنقصكه.

أقول : هذا هو المعنى الذي ما نزال نستعمله في عربيتنا المعاصرة فنقول : فلان لا يألو جهدا في عمله ، أي : لا يقصر ، ولا ينقص من جهده.

ولكني أميل إلى أن أقرر أن المعاصرين التزموا ، في عربيتهم المعاصرة ، في الألفاظ والجمل والأبنية والصفات ، نماذج لا يحيدون عنها قيد أنملة ، وكأنّ العربية خلت من وجوه القول في هذه المسألة إلا ما ألفوا استعماله وسنشير إلى هذا الالتزام كلما عرض شيء من ذلك.

ألا ترى أنهم لزموا في الاستعمال الفعل المضارع المنفي ب «لا» ، ولم يدركوا أن الماضي «ألا» قد استعمله أهل الفصاحة طوال العصور. ولعل نفرا من العارفين بشيء من العلم اللغوي يقولون : «لم يأل جهدا» إذا ما أرادوا المضيّ.

وكنا قد مررنا بإيجاز على هذه المادة الغنية المعطاء.

١٣ ـ وقال تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما) [الآية ١٢٢].

أقول : لنا في هذه الآية قولان : الأول في كلمة «همّت» ، والثاني في قوله : «تفشلا».

فأما الأول ، فقد قالوا : همّ بالشيء يهمّ همّا : نواه وأراده وعزم عليه.

وأهمّه الأمر : أقلقه وحزنه.

وقوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) [يوسف / ٢٤].

غير أني أريد أن أشير إلى الفعل «همّ» في الآية ١٢٢ من سورة آل عمران. في قوله : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) ومثله في [الآية ١١٣

٦١

من سورة النساء] : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ).

إن الفعل «همّ» ، في كلتا الآيتين ، قد أتبع بالمصدر المؤوّل من «أن والفعل» ، وهذا الاستعمال يذكّرنا بطائفة من الأفعال ، أفرد لها النحاة بابا أسموه أفعال المقاربة والرجاء والشروع ، وهي كاد وكرب وأوشك ، وعسى وحرى واخلولق ، وجعل وأخذ وشرع وقام وأنشأ ونحوها.

قلت : إن الفعل «همّ» في الآيتين يذكرنا بهذه الأفعال في استعمالها من حيث أنها يليها «أن والفعل» (١).

ألا ترى أن في قوله تعالى (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ) شيئا من معنى «أوشك» واستعمالها واحد.

وكان على النحاة الأوائل أن يقفوا على هذا الاستعمال ، ويشيروا إلى هذه العلاقة كما أفصحت عنها لغة التنزيل العزيز.

وأما القول الثاني ، فهو في معنى «الفشل» ، لقد قالوا :

الفشل : الرجل الضعيف الجبان ، وفشل الرجل فشلا ، أي : كسل وضعف وتراخى وجبن ...

وعلى هذا يخرّج الفعل في الآية المذكورة.

ومثله في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) [الآية ١٥٢].

وقوله تعالى : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) [الأنفال / ٤٣].

وقوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا) [الأنفال / ٤٦].

أقول : فكيف آل الفعل في العربية المعاصرة؟ لقد صار الفعل «فشل» ، بمعنى خاب وأخفق في مسعاه ، يقال : فشل الولد في المدرسة ، وفشل المشروع الفلاني ، وفشلت التجربة.

أيكون هذا التحول في المعنى والدلالة ضربا من الاتساع صارت

__________________

(١). إن قول النحاة إن لهذه الأفعال عملا كعمل الفعل «كان» ، أي : أنها تقتضي الاسم والخبر ، وخبرها هو أن والفعل ، قول ضعيف متهافت ، ولا يمكن أن يكون أن والفعل مسندا كحال الخبر في «كان» من قولنا : كان زيد شاعرا.

٦٢

الكلمة به تعني الإخفاق والخيبة من الضعف والجبن والتراخي؟ (١).

١٤ ـ وقال تعالى : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) [الآية ١٢٥].

قال الزمخشري : (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) من قولك : قفل من غزوته ، وخرج من فوره إلى غزوة أخرى ، وجاء فلان ورجع من فوره. ومنه قول أبي حنيفة ، رحمه‌الله : الأمر على الفور لا على التراخي ، وهو مصدر من : فارت القدر ، إذا غلت ، فاستعير للسرعة ، ثم سمّيت به الحالة التي لا ريث فيها ، ولا تفريج على شيء من صاحبها. فقيل : خرج من فوره ، كما تقول : خرج من ساعته ، لم يلبث.

أقول : إن الاستعمال الجديد في العربية المعاصرة «على الفور» في قولهم مثلا : جاء فلان وخرج على الفور ، أو فورا ، ليس جديدا ذلك أن العربية في العصر العباسي عرفت هذا ودليلنا قول أبي حنيفة المذكور قبل قليل.

__________________

(١). ولشيوع هذا التجاوز في الاستعمال المعاصر للفعل «فشل» ، ذهبوا إلى المزيد منه فقالوا : «أفشل» كقولهم : أفشل خطط العدو ، بمعنى «أبطل» ، وكل ذلك تجاوز جديد.

٦٣
٦٤

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «آل عمران» (١)

أما قوله : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢) فإنّ (الْقَيُّومُ) على زنة : «الفيعول» ولكن الياء الساكنة إذا كانت قبل واو متحركة قلبت الواو ياء. وأصله «القيووم» و «الدّيّان» : «الفيعال» و «الدّيّار» : «الفيعال» وهي من «دار» «يدور» وأصله «الديوار» ولكن الواو قلبت ياء.

وأما (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) [الآية ٣] فنصب على الحال.

وقال : (هُدىً لِلنَّاسِ) [الآية ٤] ف (هُدىً) في موضع نصب على الحال ولكن هدى مقصور فهو متروك على حال واحد.

وقال (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) [الآية ٧] ولم يقل : «أمهات» كما تقول للرجل : «ما لي نصير» فيقول : «نحن نصيرك» وهو يشبه «دعني من تمرتان». قال (٢) [من الرجز وهو الشاهد الثاني والخمسون بعد المائة] :

تعرّضت لي بمكان حلّ

تعرّض المهرة في الطول

تعرّضا لم تأل عن قتلا لي (٣)

فجعله على الحكاية لأنه كان منصوبا

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» ، للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). هو منظور بن مرثد الأسدي ، مجالس ثعلب ، النشرة الثانية ص ٥٣٤ ، واللسان «طول» و «قتل» وهي اللهجات ، ٢٨٣ ، أنه رجل من بني فقعس.

(٣). في «مجالس ثعلب» «بمجاز» بدل «بمكان» و «قتل لي» بدل «قتلا لي» وفي اللسان «عرض» ب «تعرضت لم تأل عن قتل لي» وتقديمه على المصراع الثاني وبلا نسبة. وفي «انن» كما أورد الأخفش ولكن بلا نسبة أيضا. وفي «طول» و «قتل» معزوا ب «قتل لي» وجاء في «طول» بتقديم المصراع الثالث على الثاني.

٦٥

قبل ذلك كما ترى ، كما تقول : «نودي» «الصلاة الصلاة» «أي : تحكي قوله : «الصلاة الصلاة» وقال بعضهم (١) : إنّما هي «أن قتلا لي» ولكنه جعله عينا لأنّ من لغته في «أن» «عن» (٢). والنصب على الأمر كأنك قلت : «ضربا لزيد».

وقال : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) [الآية ٧] لأن «كلّ» قد يضمر فيها كما قال :

(إِنَّا كُلٌّ فِيها) [غافر / ٤٨] يريد : كلّنا فيها. ولا تكون «كلّ» مضمرا فيها وهي صفة انما تكون مضمرا فيها إذا جعلتها اسما فلو كان «إنّا كلّا فيها» على الصفة لم يجز لأن الإضمار فيها ضعيف لا يتمكن في كل مكان.

وقال : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) [الآية ١١] يقول : «كدأبهم في الشرّ» من «دأب» «يدأب» «دأبا».

وقال : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) [الآية ١٢] أي : أنّكم ستغلبون. كما تقول : «قل لزيد» : «سوف تذهب» أي : أنّك سوف تذهب. وقال بعضهم : (سيغلبون) (٣) أي : قل لهم الذي أقول. والذي أقول لهم «سيغلبون». وقال : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا) [الأنفال / ٣٨] فهذا لا يكون إلا بالياء في القرآن لأنه قال : (يُغْفَرْ لَهُمْ) (٤). ولو كان بالتاء قال : (يغفر لكم) (٥) وهو في الكلام جائز

__________________

(١). هو الخليل بن أحمد. العين ١ / ٣١.

(٢). هي العنعنة وهي قلب الهمزة عينا ، وهي لغة تميم وقيل قيس أيضا وقيل بل تميم وأسد قيل بل بني كلاب وقيل هذيل ؛ اللهجات ٢٨٤.

(٣). القراءة بالياء كما في الطبري ٦ / ٢٢٦ الى جماعة من أهل الكوفة وفي السبعة ٢٠٢ ، والكشف ١ / ٣٣٥ والتيسير ٨٦ والبحر ٢ / ٣٩٢ الى حمزة والكسائي وفي الجامع ٤ / ٢٤ الى نافع. وفي معاني القرآن ١ / ٥٤ و ٦٣ و ١ / ١٩١ و ١٩٨٢ وحجة ابن خالويه ٨٢ بلا نسبة. اما القراءة بالتاء ففي الطبري ٦ / ٢٢٧ ، الى عامة قراء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين. وفي السبعة ٢٠١ الى ابن كثير وابي عمرو وعاصم وابن عامر ونافع وفي الكشف ١ / ٤٣٥ و ٤٣٥ الى غير حمزة والكسائي ، وان اجماع الحرميين وعاصم عليها ، وفي التيسير ٨٦ والبحر ٢ / ٣٩٢ الى غير حمزة والكسائي وفي الجامع ٤ / ٢٤ الى عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس. وفي معاني القرآن ١ / ٥٤ و ٦٣ و ١٩١ و ١٩٢ وفي حجة ابن خالويه ٨٢ بلا نسبة.

(٤). في معاني القرآن ١ / ١٩٢ نسبها الفرّاء الى من هو منهم ، فقال في قراءتنا ، ولعله قصد قراءة الكوفة والكسائي وحمزة في مقدمتهم.

(٥). في معاني القرآن ١ / ١٩٢ الى ابن مسعود.

٦٦

بالتاء. وتجعلها «لكم» كما فسرت لك.

وقال : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ) [الآية ١٣] على الابتداء رفع ، كأنه قال : «إحداهما فئة تقاتل في سبيل الله» (١) وقرئت جرّا على أول الكلام على البدل (٢) وذلك جائز. قال الشاعر (٣) [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون بعد المائة] :

وكنت كذي رجلين : رجل صحيحة

ورجل بها ريب من الحدثان (٤)

فرفع. ومنهم من يجرّ على البدل ومنهم من يرفع على : إحداهما كذا وإحداهما كذا. وقال الشاعر [من الطويل وهو الشاهد الرابع والخمسون بعد المائة].

[و] إنّ لها جارين لن يغدرا بها

ربيب النبيّ وابن خير الخلائف (٥)

رفع ، والنصب على البدل. وقال تعالى : (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ) [ص] وان شئت جعلت «جنات» على البدل أيضا. وان شئت رفعت على خبر «إنّ» ، أو على «هنّ جنّات» فيبتدأ به. وهذا لا يكون على «إحداهما كذا» لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا ولم يقرأه أحد بالرفع (٦).

وقال تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) [الأنعام / ١٠٠] فنصب على البدل (٧) وقد يكون فيه الرفع على «هم الجنّ» (٨).

__________________

(١). في الجامع ٤ / ٢٥ والبحر ٢ / ٣٩٣ الى الجمهور ، وفي الطبري ٦ / ٢٣١ أن إجماع الحجة من القراء على هذا ، وفي معاني القرآن ١ / ١٩٢ بلا عزو.

(٢). في الشواذ ١٩ الى الزهري ومجاهد ، وفي الجامع ٤ / ٢٥ الى الحسن ومجاهد ، وفي البحر ٢ / ٣٩٣ الى مجاهد والحسن والزهري وحميد ، وفي معاني القرآن ١ / ١٩٢ وفي الطبري ٦ / ٢٣٢ بلا نسبة.

(٣). هو النجاشي الحارثي قيس بن عمرو بن مالك ، النوادر ١٠ الحماسة الشجرية ١ / ١٢٧ والوحشيات ١١٣ والخزانة ١ / ٤٠٠.

(٤). في النوادر : ورجل رمت فيها يد الحدثان ، وفي الحماسة ب وكنتم و «سليمة» وفي الوحشيات به «وكنتم» أيضا.

(٥). استشهد به في معاني القرآن كما سبق من غير عزو. وجاء في ديوان معن بن أوس ص ٣٥ ب «إنّ».

(٦). قراءة الجر في البحر ٧ / ٤٠٤ الى الجمهور ، وفي الكشاف ٤ / ١٠٠ بلا نسبة ، وقراءة الرفع في الشواذ الى عبد العزيز بن رفيع وابي حيوة ، وفي البحر ٧ / ٤٠٥ زاد زيد بن علي.

(٧). في البحر ٤ / ١٩٣ الى الجمهور ، وفي معاني القرآن ١ / ٣٤٨ والطبري ١٢ / ٧ بلا نسبة.

(٨). الرفع في الشواذ ٣٩ الى أبي حيوة ، وزاد في البحر ٤ / ١٩١ يزيد بن قطيب.

٦٧

وقال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ) [الأنعام / ١١٢] على البدل ورفع على «هم شياطين» كأنه إذا رفع قيل له ، أو علم أنه يقال له «ما هم»؟ أو «من هم» فقال : «هم كذا وكذا». وإذا نصب فكأنه قيل له أو علم أنه يقال له «جعل ماذا» أو «جعلوا ماذا» أو يكون فعلا واقعا بالشياطين (عَدُوًّا) حالا ، ومثله (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) [العلق] كأنه قيل أو علم ذلك فقال «بناصية» (١) وقد يكون فيه الرفع على قوله : «ما هي» فيقول (ناصية) (٢) والنصب على الحال. قال الشاعر [من البسيط وهو الشاهد الخامس والخمسون بعد المائة] :

إنّا وجدنا بني جلّان كلّهم

كساعد الضّبّ لا طول ولا عظم (٣)

على البدل أي ك «لا طول ولا عظم» ومثل الابتداء (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج / ٧٢].

وقوله : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) [الآية ١٥] كأنه قيل لهم : «ماذا لهم»؟ و «ما ذاك»؟ فقيل : «هو كذا وكذا». وأمّا (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ) [المائدة / ٦٠] فإنما هو على «أنبّئكم بشرّ من ذلك حسبا» و «بخير من ذلك حسبا». وقوله : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) [المائدة / ٦٠] موضع جرّ على البدل من قوله (بِشَرٍّ) ورفع على «هو من لعنه الله».

قال تعالى : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [الآية ١٤] مهموز منها موضع الفاء لأنه من «آب» «يؤوب» وهي معتلة العين مثل «قلت» «تقول» «والمفعل» «مقال». تقول : «آب» «يؤوب» «إيابا» قال الله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) (٢٥) [الغاشية] وهو الرجوع. قال الشاعر (٤) [من الطويل وهو الشاهد السادس والخمسون بعد المائة] :

__________________

(١). الجر هو في البحر ٨ / ٤٩٥ الى الجمهور.

(٢). في الشواذ ١٧٦ الى الكسائي في رواية.

(٣). في الحيوان ٦ / ١١٢ بغير نسبة ، وفي الخزانة ٢ / ٣٦٤ كذلك وبلفظ «قصر» بدل «عظم».

(٤). هو مضرس الاسدي ، البيان والتبيين ٣ / ٤٠ ، وقيل معقّر بن حمار البارقي او سليم بن ثمامة الحنفي ، او عبد ربه السلمي ، اللسان «عصا» ، وفي الاشتقاق ٤٨١ انه لمعقر ، وكذلك في «المؤتلف والمختلف» ١٢٨.

٦٨

فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

وأمّا «الأوّاب» فهو الراجع إلى الحق وهو من : «آب» «يؤوب» أيضا. وأمّا قوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ / ١٠] ، فهو كما يذكرون التسبيح أو هو ـ والله أعلم ـ مثل الأوّل يقول : «ارجعي إلى الحقّ» و «الأوّاب» الراجع إلى الحقّ.

وقال تعالى : (الصَّابِرِينَ) [الآية ١٧] الى قوله و (بِالْأَسْحارِ) [الآية ١٧] موضع جر على (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) [الآية ١٥] فجرّ بهذه اللام الزائدة.

وقال : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) [الآية ١٨] إنما هو «شهدوا أنّه لا إله إلّا هو قائما بالقسط» نصب (قائِماً) على الحال.

وقال : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) [الآية ١٩] يقول (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [الآية ١٩](بَغْياً بَيْنَهُمْ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) [الآية ١٩] (١).

وقال : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ) [الآية ٢٨] بكسر (يَتَّخِذِ) لأنه لقيته لام ساكنة وهي نهي فكسرته.

وقال الله تعالى : (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [الآية ٣٠] لأنّ «البين» هاهنا ظرف وليس باسم. ولو كان اسما لارتفع «الأمد». فإذا جئت بشيء هو ظرف للآخر وأوقعت عليه حروف النصب فانصب نحو قولك : «إنّ عندنا زيدا» لان «عندنا» ليس باسم ولو قلت : «إنّ الذي عندنا» قلت : «زيد» لأن «الذي عندنا» اسم.

وقال تعالى : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) [الآية ٣٤] فنصبه على الحال (٢) : ويكون على البدل (٣) على قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ) [الآية ٣٣] وقال تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) [الآية ٣٥] فقوله (مُحَرَّراً) على الحال.

وقال تعالى : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ

__________________

(١). نقله عنه في إعراب القرآن ، ١ / ١٤٩ و ١٥٠ ، واعراب القرآن للزجاج ٢ / ٧١٩ ، والجامع ٤ / ٤٤.

(٢). نقله في اعراب القرآن ١ / ١٥٤ والجامع ٤ / ٦٤. وفيهما ان الكوفيين يرون النصب على القطع. و «القطع» يشير الى معنى الحال عند الكوفيين ، وقد جاء النصب على القطع في هذا الموضع في معاني القرآن ١ / ٢٠٧.

(٣). نسبه في الجامع ٤ / ٦٤ الى الزّجاج ، والأخفش أسبق منه.

٦٩

حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) [الآية ٣٧] (١) وقال بعضهم (وكفلها (٢) زكرياء (٣)) و (كفلها) (٤) ايضا (زَكَرِيَّا) (٥) وبه نقرأ وهما لغتان (٦) وقال بعضهم (وكفلها زكرياء) بكسر الفاء. ومن قال : «كفل» قال «يكفل» ومن قال «كفل» قال (٧) «يكفل». وأما «كفل» فلم أسمعها وقد ذكرت (٨).

وقال الله تعالى : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [الآية ٣٨] لأن النون [في «لدن»] ساكنة مثل نون «من» وهي تترك على حال جزمها في الاضافة لأنها ليست من الأسماء التي تقع عليها الحركة ، ولذلك قال : (مِنْ لَدُنَّا) [النساء / ٦٧] (٩) ، وقال تعالى (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [النمل / ٦] فتركت ساكنة.

__________________

(١). تضعيف فاء «كفّلها» في الطبري ٦ / ٣٤٥ الى عامة قراء الكوفيين ، وفي السبعة ٢٠٤ و ٢٠٥ الى عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي ، وفي الكشف ١ / ٣٤١ ، والتيسير ٨٧ ، والجامع ٤ / ٧٠ ، والبحر ٢ / ٤٤٢ الى الكوفيين ، وفي معاني القرآن ١ / ٢٠٨ وحجة ابن خالويه بلا نسبة والإملاء ١ / ١٢٢ كذلك.

(٢). في الطبري ٦ / ٣٤٥ الى عامة قراء أهل الحجاز والمدينة والبصرة ، وفي السبعة ٢٠٤ الى ابن كثير ونافع وابن عامر وأبي عمرو ، وفي الكشف ١ / ٣٤١ ، والتيسير ٨٧ ، والجامع ٤ / ٧٠ الى غير الكوفيين ، وفي البحر ٢ / ٤٤٢ الى السبعة غير الكوفيين ، وفي حجة ابن خالويه ٨٣ ، ومعاني القرآن ١ / ٢٠٨ ، والإملاء ١ / ١٣٢ بلا نسبة.

(٣). رفع «زكريّاء» ولا يظهر إلا مع المد والهمز هو في السبعة الى ابن كثير ونافع وابي عمرو وابن عامر ، وفي التيسير ٨٧ الى غير ابي بكر وحفص وحمزة والكسائي. وفي الأصل (زكريا).

(٤). في الجامع ٤ / ٧٠ الى عبد الله بن كثير وأبي عبد الله المزني ، وفي البحر ٢ / ٤٤٢ اقتصر على المزني.

(٥). قصر «زكريا» ، في الطبري ٦ / ٣٤٧ الى عامة قراء الكوفة ، وفي الكشف ١ / ٣٤١ الى حفص وحمزة والكسائي ، وكذلك في البحر ٢ / ٤٤٢ والتيسير ٨٧ وسماه في الأخير ترك إعراب «زكريا» ، وفي معاني القرآن ١ / ٢٠٨ ، وحجة ابن خالويه ٨٣ ، والمشكل ٩٣ بلا نسبة. أما همز «زكريا» ، ونصبه ، ففي التيسير ٨٧ الى أبي بكر ، وفي حجة ابن خالويه ٨٣ ومعاني القرآن ١ / ٢٠٨ بلا نسبة.

(٦). في «اللهجات» ٤٣٨ ، أن مدّ زكريا وقصرها لغتان حجازيتان ، ويرى المؤلف أن المدّ لغة أهل الحضر والقصر لغة أهل المدر ٤٤٠. وفي إعراب القرآن ١ / ١٥٧ عن الفرّاء أن المد والقصر لغة أهل الحجاز ، وأن حذف الالف لغة أهل نجد. وفي معاني القرآن ١ / ٢٠٨ ، أن في «زكريا» ثلاث لغات.

(٧). مجاز القرآن ١٥ / ٩١ ذكرت اللغتان.

(٨). نقل عنه في إعراب القرآن ١ / ١٥٧ والجامع ٤ / ٧٠.

(٩). ورد في ستة مواضع في المصحف الشريف أولها [النساء ٤ / ٦٧] وآخرها [القصص / ٥٧].

٧٠

وقال تعالى : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [الآية ٣٧] فهذا مثل كلام العرب «يأكل بغير حساب» أي : لا يتعصّب عليه ولا يضيّق عليه. و (سَرِيعُ الْحِسابِ) (١) و (أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) [الأنعام / ٦٢] يقول : «ليس في حسابه فكر ولا روية ولا تذكّر».

وقال تعالى : (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٨) مثل «كثير الدّعاء» لأنه يجوز فيه الألف واللام تقول : «أنت السّميع الدّعاء» ومعناه «إنّك مسموع الدّعاء» أي : «إنّك تسمع ما يدعى به».

وقال تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ) [الآية ٣٩] (٢). ويقول من كسر همزة «إنّ» : لأنّه كأنه قال (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) فقالت : (إنّ الله يبشّرك) وما بعد القول حكاية. وقال بعضهم (أَنَّ اللهَ) (٣) يقول : «فنادته الملائكة بذلك».

وقال تعالى : (بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً) [الآية ٣٩] وقوله (وَسَيِّداً وَحَصُوراً) معطوف على «مصدّقا» على الحال.

وقال تعالى : (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) [الآية ٤٠] كما تقول «وقد بلغني الجهد» أي : أنا في الجهد والكبر.

وقال : (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) [الآية ٤١] يريد : «أن لا تكلّم الناس إلّا رمزا» وجعله استثناء خارجا من أول الكلام (٤). والرمز : الإيماء.

وقال : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ) [الآية ٤٢] ف «إذ» ها هنا ليس له خبر في اللفظ.

وقوله : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ) [الآية ٤٥] و (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [الآية ٣٠] وأشباه هذا في «إذ» و «الحين» وفي «يوم» كثير. وإنما حسن ذلك للمعنى ،

__________________

(١). ورد في سبعة مواضع في الكتاب الكريم أولها [البقرة / ٢٠٢] وآخرها [غافر / ١٧].

(٢). في المصحف بفتح همزة «أنّ» وكسرها قراءة هي في الطبري ٦ / ٣٦٦ الى بعض أهل الكوفة ، وفي السبعة ٢٠٥ ، والكشف ١ / ٣٤٣ ، والتيسير ٨٧ ، والبحر ٢ / ٤٤٦ الى حمزة وابن عامر ، وفي الجامع ٤ / ٧٥ ، إلى الكسائي وابن عامر ، وفي معاني القرآن ١ / ٢١٠ بلا نسبة.

(٣). هي القراءة الموافقة لرسم المصحف ، وهي في الطبري ٣ / ٣٦٦ الى عامة القراء ، وفي السبعة ٢٠٥ والكشف ١ / ٣٤٣ ، والتيسير ٨٧ ، والبحر ٢ / ٤٤٦ الى غير حمزة وابن عامر ، وفي معاني القرآن ١ / ٢١٠ بلا نسبة.

(٤). نقله في الجامع ٤ / ٨١.

٧١

لأن القرآن انما أنزل على الأمر والذي كأنه قال لهم : «اذكروا كذا وكذا» وهذا في القرآن وارد في غير موضع و «اتّقوا يوم كذا» أو «حين كذا».

وقال الله تعالى : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) [الآية ٤٤] لأنّ كل ما كان من طلب العلم فقد يقع بعده الاستفهام. تقول : «أزيد في الدّار»؟ و : «لتعلمنّ أزيد في الدّار». وقال : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) [الكهف / ١٢] أي : لننظر. وقال تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [هود / ٧ والملك / ٢] وأمّا قوله : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (٦٩) [مريم] فلم يرتفع على مثل ما ارتفع عليه الأول لأن قوله (لَنَنْزِعَنَ) ليس بطلب علم. ولكن لما فتحت «من» و «الذي» في غير موضع «أي» ، صارت غير متمكّنة ، إذ فارقت أخواتها تركت على لفظ واحد وهو الضم (١) وليس بإعراب. وجعل (أَشَدُّ) من صلتها وقد نصبها قوم وهو قياس (٢). وقالوا : «إذا تكلّم بها فإنّه لا يكون فيها إلّا الإعمال». وقد قرئ (تماما على الذي أحسن) [الأنعام / ١٥٤] برفع «أحسن» وجعله من صلة «الذي» (٣) وفتحه على الفعل أحسن (٤). وزعموا ان بعض العرب قال : «ما أنا بالّذي قائل لك شيئا» فهذا الوجه لا يكون للاثنين إلا «ما نحن باللّذين قائلان لك شيئا».

وقال تعالى : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً) [الآية ٤٥] نصبه على الحال (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الآية ٤٥] عطفه على (وَجِيهاً) وكذلك (وَكَهْلاً) [الآية ٤٦] معطوف على (وَجِيهاً) لأن ذلك منصوب. وأما قوله تعالى : (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ) [الآية ٤٥] فانه جعل «الكلمة» هي «عيسى» لأنه في المعنى

__________________

(١). في الجامع ١١ / ١٣٣ ، انها قراءة القراء كلهم إلا هارون القارئ الأعور.

(٢). في الجامع ١١ / ١٣٣ ، الى هارون القارئ الأعور ، والبحر ٦ / ٢٠٩ الى معاذ بن مسلم الهراء والى زائدة عن الأعمش ، وفي الشواذ ٨٦ الى معاذ أيضا وطلحة بن مصرف ، وفي الكتاب ١ / ٣٩٧ بلا نسبة وقصرها في المشكل على هارون القارئ ٢ / ٤٥٨.

(٣). في الطبري ١٢ / ٢٣٦ والمحتسب ٢٣٤ الى يحيى بن يعمر ، وزاد في الجامع ٧ / ١٤٢ و ٤ / ٢٥٥ ابن أبي إسحاق. وفي معاني القرآن ١ / ٣٦٥ والكشف ١٠١ بلا نسبة ، وكذلك في الكتاب ١ / ٢٧٠.

(٤). في الطبري ١٢ / ٢٣٦ الى قراء الأمصار ، وفي الجامع ٧ / ١٤٢ ومعاني القرآن ١ / ٣٦٥ بلا نسبة ، وزاد في الأخير أن «أحسن» منصوب على نية الخفض صلة ل «الذي» وليس فعلا.

٧٢

كذلك كما قال : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى) [الزمر / ٥٦] ثم قال : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها) [الزمر / ٥٩] وكما قالوا : «ذو الثديّة» لأن يده كانت مثل الثدي. كانت قصيرة قريبة من ثديه (١) فجعلها كأن اسمها «ثديّة» ولو لا ذلك لم تدخل الهاء في التصغير.

وأما قوله : (كَذلِكِ اللهُ) [الآية ٤٧] فكسر الكاف لأنها مخاطبة امرأة. وإذا كانت الكاف للرجل فتحت. قال للمؤنث (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) [يوسف / ٢٩].

وقوله : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) (٢) [الآية ٤٨] موضع نصب على (وَجِيهاً). و (رَسُولاً) [الآية ٤٩] معطوف على (وَجِيهاً).

وقال تعالى : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) [الآية ٥٠] على قوله (وَجِئْتُكُمْ) [الآية ٥٠](مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) [الآية ٥٠] لأنّه قال : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [الآية ٤٩].

وقال : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) [الآية ٥١] ف (إِنَ) على الابتداء (٣). وقال بعضهم : (أن) (٤) فنصب على «وجئتكم بأنّ الله ربّي وربّكم» هذا معناه.

وقال تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) [الآية ٥٢] لأنّ هذا من : «أحسّ» «يحسّ» «إحساسا» وليس من قوله (تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) [الآية ١٥٢] إذ ذلك من «حسّ» «يحسّ» «حسّا» وهو في غير معناه لأن معنى «حسست» قتلت ، و «أحسست» هو : ظننت (٥).

وقال تعالى : (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [الآية ٥٩] رفع على الابتداء ومعناه : «كن» «فكان» كأنّه قال : «فإذا هو كائن».

وقال : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (٦٠) يقول : «هو الحقّ من ربّك».

__________________

(١). هو حرقوص بن زهير السعدي الخارجي ، قتل في النهروان ، وأخباره في مروج الذهب ٢ / ٤١٧ وشرح نهج البلاغة ٢ / ٢٧٥ ـ ٢٧٧ ، والملل والنحل ١ / ١٠٦ ، والكنى والألقاب ٢ / ٤١٥.

(٢). في الأصل : ونعلمه بالنون ، وهي قراءة الإملاء ١ / ١٣٥.

(٣). وهي في الطبري ٦ / ٤٤١ الى عامة قراء الأمصار.

(٤). في الطبري ٦ / ٤٤١ ، والشواذ ٢٠ ، والبحر ٢ / ٤٦٩ بلا تعيين لمن نسبت اليه.

(٥). نقله في الصحاح «حسس» ، ونسب اليه أيضا رأي الفرّاء في أن أحسّ معناها وجد.

٧٣

وقال سبحانه وتعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) [الآية ٦٤] فجر (سَواءٍ) (١) لأنها من صفة الكلمة وهو «العدل» (٢). أراد «مستوية» ولو أراد «استواء» لكان النصب (٣). وإن شاء ان يجعله على الاستواء ويجرّ جاز ، ويجعله من صفة الكلمة مثل «الخلق» ، لأن «الخلق» قد يكون صفة ويكون اسما ، قال الله تعالى : (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) [الحج / ٢٥] لأن «السّواء» للآخر وهو اسم ليس بصفة فيجري على الأول ، وذلك إذا أراد به الاستواء. فان أراد «مستويا» جاز أن يجري على الأول ، فالرفع في ذا المعنى جيد لأنها صفة لا تغير عن حالها ولا تثنّى ولا تجمع على لفظها ولا تؤنّث ، فأشبهت الأسماء. وقال تعالى : (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) [الجاثية / ٢١] ف «السواء» للمحيا والممات ، فهذا المبتدأ. وإن شئت أجريته على الأول وجعلته صفة مقدمة من سبب الأول فجرى عليه ، فهذا إذا جعلته في معنى مستو فالرفع وجه الكلام كما فسرته لك من قوله (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) [الآية ٦٤] فهو بدل كأنه قال «تعالوا إلى أن لا نعبد إلّا الله».

وقال عزوجل : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الآية ٧٧] فهذا مثل قولك للرجل «ما تنظر إليّ» إذا كان لا ينيلك شيئا.

وقال تعالى : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) [الآية ٧٢] جعله ظرفا.

وقال تعالى : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) [الآية ٧٣] يقول : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) [الآية ٧٣] أي : ولا تؤمنوا أن يحاجّوكم (٤).

وقال تعالى : (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) [الآية ٧٥] لأنّها من «دمت»

__________________

(١). في البحر ٢ / ٤٨٣ الى الجمهور ، وفي الطبري ٦ / ٤٨٦ ، والمشكل ٩٧ بلا نسبة.

(٢). «عدل» بدل «سواء» قراءة عبد الله ، معاني القرآن ٢٢٠.

(٣). في الشواذ ٢١ والمشكل ٩٧ والبحر ٢ / ٤٨٣ الى الحسن ، وفي الطبري ٦ / ٤٨٦ بلا نسبة.

(٤). نقله في إعراب القرآن ١ / ١٦٩ ، والجامع ٤ / ١١٤. وكلامه على تتمة الآية (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) [الآية ٧٣].

٧٤

«تدوم». ولغة للعرب (١) «دمت» وهي قراءة (٢) مثل «متّ» «تموت» جعله على «فعل» «يفعل» فهذا قليل.

وقال تعالى : (بِدِينارٍ) [الآية ٧٥] أي : على دينار كما تقول : «مررت به» و «عليه».

وقال تعالى : (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) [الآية ٧٨] بفتح الياء (٣). وقال (يلوّون) (٤) بضم الياء وأحسبها (يَلْوُونَ) ، لأنّه قال (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) [النساء / ٤٦] (٥) فلو كان من (يلوّون) لكانت «تلوية بألسنتهم».

وقال تعالى : (ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ) [الآية ٧٩] نصب على (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ) [الآية ٧٩](ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ) لأنّ «ثمّ» من حروف العطف.

و (وَلا يَأْمُرَكُمْ) [الآية ٨٠] أيضا معطوف بالنّصب على (أَنْ) وإن شئت رفعت ؛ تقول (ولا يأمركم) لا تعطفه على الأوّل تريد : هو لا يأمركم (٦).

قال الله تعالى : (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) [الآية ٨١]

__________________

(١). هي لغة تميم. الشواذ ٢١ واللهجات ٤٦٨ والبحر ٢ / ٥٠٠ ، وقد نقله عنه في إعراب القرآن ١ / ١٧٠ والجامع ٤ / ١١٧.

(٢). في الشواذ ٢١ الى يحيى بن وثاب ، وفي الجامع ٤ / ١١٧ الى طلحة بن مصرف وأبي عبد الرحمن السلمي وغيرهما ، وفي البحر ٢ / ٥٠٠ الى أبي عبد الرحمن ويحيى بن وثاب والأعمش وابن أبي ليلى والغياض بن غزوان وطلحة وغيرهم ، وفي المشكل ٩٩ بلا نسبة.

(٣). في البحر ٢ / ٥٠٣ الى الجمهور وفي المشكل ٩٩ بلا نسبة.

(٤). في الجامع ٤ / ١٢١ الى أبي جعفر وشيبة ، وفي البحر ٢ / ٥٠٣ الى أبي جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح وأبي حاتم عن نافع ، وأن الزمخشري نسبها الى أهل المدينة.

(٥). لعله قصد (يلون) بواو واحدة وهي قراءة حميد كما في المشكل ١ / ١٦٤ ، وفي الإملاء ١ / ١٤١ بلا نسبة. وعللها بأنها في أصلها «يلوون» كقراءة الجمهور ، ثم همز الواو لانضمامها ، ثم ألقى حركتها على اللام.

(٦). نقل وجه الرفع في إعراب القرآن ١ / ١٧٢ وقال هي قراءة أبي عمرو والكسائي وأهل الحرميين وفي الطبري ٦ / ٥٤٧ الى عامة قراء الحجاز والمدينة ، وفي السبعة ٢١٣ الى ابن كثير ونافع وأبي عمرو والكسائي ، وفي البحر ٢ / ٥٠٧ الى الحرميين والنحويين والأعشى والبرجمي ، وفي الكشف ١ / ٣٥٠ والتيسير ٨٩ والجامع ٤ / ١٢٣ الى غير عاصم وحمزة وابن عامر ، وفي معاني القرآن ١ / ٢٢٤ وحجة ابن خالويه ٨٧ والمشكل ٩٩ بلا نسبة. أما النصب ففي الطبري ٦ / ٥٤٧ الى بعض الكوفيين والبصريين وفي السبعة ٢١٣ والكشف ١ / ٣٥٠ والتيسير ٨٩ والجامع ٤ / ١٢٣ والبحر ٢ / ٥٠٧ الى عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي ، وفي معاني القرآن ١ / ٢٢٤ الى أكثر القراء ، وفي حجة ابن خالويه ٨٧ والمشكل ٩٩ بلا نسبة.

٧٥

فاللام التي مع «ما» في أول الكلام هي لام الابتداء نحو «لزيد أفضل منك» ، لأن (ما آتيتكم) اسم والذي بعده صلة. واللام التي في (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) [الآية ٨١] لام القسم كأنه قال «والله لتؤمننّ به» فوكد في أول الكلام وفي آخره ، كما تقول : «أما والله أن لو جئتني لكان كذا وكذا» ، وقد يستغنى عنها. ووكّد في (لَتُؤْمِنُنَ) باللام في آخر الكلام وقد يستغنى عنها. جعل خبر (ما آتيتكم من كتاب وحكمة) (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) مثل «ما لعبد الله؟ والله لتأتينّه». وإن شئت جعلت خبر (ما) (مِنْ كُتُبٍ) تريد (لما آتيتكم كتاب وحكمة) وتكون «من» زائدة (١).

وقال تعالى : (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) [الآية ٩١] مهموزة من «ملأت» وانتصب (ذهبا) كما تقول : «لي مثلك رجلا» أي : لي مثلك من الرجال ، وذلك لأنك شغلت الاضافة بالاسم الذي دون «الذهب» وهو «الأرض» ثم جاء «الذهب» وهو غيرها فانتصب كما ينتصب المفعول إذا جاء من بعد الفاعل. وهكذا تفسير الحال ، لأنك إذا قلت : «جاء عبد الله راكبا» فقد شغلت الفعل (٢) ب «عبد الله» وليس «راكب» من صفته لأن هذا نكرة وهذا معرفة. وإنما جئت به لتجعله اسما للحال التي جاء فيها. فهكذا تفسيره ، وتفسير «هذا أحسن منك وجها» ، لأن «الوجه» غير الكاف التي وقعت عليها «من» و «أحسن» في اللفظ إنّما هو الذي تفضله ف «الوجه» غير ذينك في اللفظ. فلما جاء بعدهما وهو غيرهما ، انتصب انتصاب (٣) المفعول به بعد الفاعل.

وقال تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [الآية ٩٣] لأنه يقال : «هذا حلال» و : «هذا حلّ» ، و «هذا حرام» و «هذا حرم» ويقال (وَحَرامٌ عَلى

__________________

(١). نقله في المحتسب ١ / ١٦٤ ، واعراب القرآن ١ / ١٧٢ ، والمشكل ١ / ١٦٥ ، والتهذيب ١٥ / ٤١١ لام التوكيد. والجامع ٤ / ١٢٥ ، والبحر ٢ / ٥١١ و ٥١٢.

(٢). أي اكتفى الفعل بعبد الله فهو فاعله ، أما «راكب» فلا يكون مرفوعا ، لأنه ليس مسندا اليه ولا صفة للمسند اليه».

(٣). كل هذا مبني على ما قاله الخليل في غير موضع من الكتاب. فالاسم قد ينتصب في الجملة لأنه ليس من الاسم الأول ولا هو هو ، اي ليس جزا من الاسم الأول كأن يكون مضافا اليه ولا صفة له. والصفة التي تتبع الموصوف هي التي تكون من المنعوت أو الموصوف وكأنها هو.

٧٦

قَرْيَةٍ) [الأنبياء / ٩٥] (١) ويقال «وحرم على قرية» (٢) وتقول : «حرم عليكم ذاك» ولو قال «وحرم على قرية» (٣) كان جائزا [ولو قال] «وحرم على قرية» (٤) كان جائزا أيضا.

قال الله تعالى : (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [الآية ٩٥] نصب على الحال.

وقال تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) [الآية ٩٦] فهذا خبر «إنّ».

ثم قال : (مُبارَكاً) [الآية ٩٦] لأنه قد استغنى عن الخبر (٥) ، وصار (مُبارَكاً) نصبا على الحال. (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) [الآية ٩٦] في موضع نصب عطف عليه. والحال في القرآن كثير ، ولا يكون إلا في موضع استغناء.

وقال تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) [الآية ٩٧] فرفع (مَقامُ إِبْراهِيمَ) لأنه يقول : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) منها (مَقامُ إِبْراهِيمَ) على الإضمار (٦).

وقال الله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً) [الآية ١٠٣] على التفسير بقطع الكلام عند قوله (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ثم فسر آية التأليف بين قلوبهم وأخبر بالذي كانوا فيه قبل التأليف ، كما تقول «أسمك الحائط أن يميل».

__________________

(١). وهي قراءة نسبت في معاني القرآن ٢ / ٢١١ الى أهل المدينة والحسن ، وفي الطبري ١٧ / ٨٦ الى عامة قراء أهل المدينة والبصرة وعكرمة وأبي جعفر محمد بن علي ، وفي المصاحف ٨٢ الى عبد الله بن الزبير ، وفي السبعة ٤٣١ الى ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم. وفي الكشف ٢ / ١١٤ والتيسير ١٥٥ الى غير أبي بكر وحمزة والكسائي ، وفي الجامع ١١ / ٣٤٠ الى زيد بن ثابت واهل المدينة ، وهي اختيار ابي حاتم وابي عبيد وفي البحر ٦ / ٣٣٨ وفي حجة ابن خالويه ٢٢٦ بلا نسبة.

(٢). في معاني القرآن ٢ / ٢١١ الى ابن عباس وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ، وفي الطبري ١٧ / ٨٦ الى عامة قراء أهل الكوفة وابن عباس ، وزاد في الجامع ١١ / ٣٤٠ علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ، وفي السبعة ٤٣١ الى حمزة والكسائي والى عاصم في رواية وفي الكشف ٢ / ١١٤ والتيسير ١٥٥ أبدل بعاصم أبا بكر ، وفي البحر ٦ / ٣٣٨ زاد على ما في الكشف والتيسير طلحة والأعمش وأبا حنيفة وأبا عمرو في روايته.

(٣). في الجامع ١١ / ٣٤٠ الى ابن عباس ايضا وابي العالية فتح الحاء وضم الراء ، والى ابن عباس أيضا ضم الحاء وكسر وتضعيف الراء.

(٤). في الشواذ ٩٣ الى عكرمة ، وفي المحتسب ٢ / ٦٥ الى ابن عباس بخلاف ، وفي الجامع ١١ / ٣٤٠ الى قتادة ومطر الورّاق ، وزاد في البحر ٦ / ٣٣٨ محبوبا عن أبي عمرو.

(٥). إن السياق يقتضي أن يكون بالخبر.

(٦). نقله في إعراب القرآن ١ / ١٧٥ والجامع ٤ / ١٣٩.

٧٧

(وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ) [الآية ١٠٣] ف «الشّفا» مقصور مثل «القفا» وتثنيته بالواو تقول : «شفوان» لأنه لا يكون فيه الإمالة (١) ، فلما لم تجيء فيه الإمالة عرفت أنّه من الواو (٢).

وقال تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) [الآية ١٠٤] و «أمّة» في اللفظ واحد ، في المعنى (٣) جمع ، فلذلك قال (يَدْعُونَ).

وقال عزوجل : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (١٠٩) فثنى الاسم وأظهره ، وهذا مثل «أمّا زيد فقد ذهب زيد». قال الشاعر (٤) [من الخفيف وهو الشاهد السابع والخمسون بعد المائة] :

لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا

فأظهر في موضع الإضمار.

وقال : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) [الآية ١١١] استثناء يخرج من أول الكلام. وهو كما روى يونس (٥) عن بعض العرب ، أنه قال : «ما أشتكي شيئا إلّا خيرا». ومثله (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) (٢٥) [النبأ].

وقال : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) [الآية ١١٢] فهذا مثل (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) استثناء خارج من أول الكلام في معنى «لكنّ» وليس بأشدّ من قوله (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم / ٦٢].

وقال : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) [الآية ١١٣] لأنه قد ذكرهم ثم فسره فقال : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ) [الآية ١١٣] ولم يقل «وأمّة على خلاف هذه الأمّة» لأنه قد ذكر هذا كله قبل. وقال تعالى : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) فهذا قد دل على أمة خلاف هذه.

__________________

(١). لو كان فيه إمالة لرسم بالياء : شفى.

(٢). نقله في الصحاح «شفا» والجامع ٤ / ١٦٥.

(٣). نقله في الصحاح امم.

(٤). هو عدي بن زيد العبادي : ديوانه ٩٥ والخزانة ١ / ١٨٣ ، وقيل سوادة بن عدي بن زيد الكتاب ١ / ٣٠ وتحصيل عين الذهب ١ / ٣٠ وإعراب القرآن للزجّاج ٣ / ٩١٣ وشواهد سيبويه ٩٢ ، وقيل أمية بن أبي الصلت وتحصيل عين الذهب ١ / ٣٠ وشواهد سيبويه ٩٢ ، ولا وجود له في ديوانه.

(٥). هو يونس بن حبيب الضبي النحوي البصري ، وقد مرت ترجمته قبل.

٧٨

وأما قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) [الآية ١٠٦] على «فيقال لهم أكفرتم». مثل قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ) [الزمر / ٣] وهذا في القرآن كثير.

وقال تعالى : (آناءَ اللَّيْلِ) [الآية ١١٣] وواحد «الآناء» مقصور «إنى» فاعلم وقال بعضهم : «إني» كما ترى و «إنو» وهو ساعات الليل. قال الشاعر (١) [من البسيط وهو الشاهد الثامن والخمسون بعد المائة :]

السّالك الثّغر مخشيّا موارده

في كلّ إني قضاه اللّيل ينتعل (٢)

قال : وسمعته «يختعل» (٣).

وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) [الآية ١١٠] يريد «أهل أمّة» لأنّ الأمّة الطريقة. والأمّة أيضا لغة (٤). قال النابغة (٥) [من الطويل وهو الشاهد التاسع والخمسون بعد المائة] :

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع (٦) وقال تعالى : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً)

__________________

(١). في الصحاح «أنا» هو الهذلي ، وفي مجاز القرآن ١ / ١٠٢ هو أبو أثيلة ، وفي هامشه أبو أثيلة وهو المتنخل الهذلي مالك بن عمرو ، وفي اللسان «اني» هو الهذلي المتنخل.

(٢). في اللسان رواية عن الزجاج مطابقة لما رواه الأخفش إلا في إبدال الباء ب «في» وبعد قال : قال الأزهري : كذا رواه ابن الأنباري. وأنشد الجوهري :

حلو ومر كعطف القدح مرّته.

وما في الصحاح «أنا» مطابق لما رواه الأخفش. وفي مجاز القرآن ١ / ١٠٢ : «حلو ومرّ كعطف الليل مرّته». وفي ديوان الهذليين ٢ / ٣٥ :

حلوّ ومرّ كعطف القدح مرته

بكل إنّي حذاه الليل ينتعل

وجاء في ٢ / ٣٤ بيت في القصيدة نفسها هو :

السالك الثغرة اليقظان كالئها

مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل

وقد نقل هذه الآراء كلها في الصحاح «أنا» واللسان «إنّي» ونسبها الى الزّجّاج.

(٣). وردت في الأصل بهذا الرسم ولا معنى لها.

(٤). في اللهجات ١٨٣ وما بعدها ، يبدو أن كسر همزة «امة» لغة الحجاز ، وضمها لغة تميم ، قياسا على همزة «أسوة».

(٥). هو النابغة الذبياني زياد بن معاوية ، وقد مرت ترجمته من قبل.

(٦). البيت في ديوانه ٥١ واللسان امم والصحاح «امم» ، وفي الصحاح واللسان نقل هذا وزاد بعد قوله «أهل أمة» قوله : أي خير أهل دين ، وكذلك في الجامع ٤ / ١٧٠ ، وفي الجامع ٤ / ١٧٥ ، وإعراب القرآن ١ / ١٨٠ باختلاف قليل.

٧٩

[الآية ١١٨] لأنها من «ألوت» و «ما آلو» «ألوا».

وقال تعالى : (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) [الآية ١١٨] يقول (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) [الآية ١١٨](وَدُّوا) أي : أحبّوا (ما عَنِتُّمْ) جعله من صفة «البطانة» ، جعل (ما عَنِتُّمْ) في موضع «العنت».

وقرأ من ذكر في الحاشية : (لا يضركم كيدهم) [الآية ١٢٠] (١) لأنه من «ضار» «يضير» و «ضرته» خفيفة «فأنا أضيره» ، وفي الرسم القرآني : (لا يَضُرُّكُمْ) (٢) جعله من «ضرّ» «يضرّ» وحرّك للسكون الذي قبله ، لأن الحرف الثقيل بمنزلة حرفين ، الأول منهما ساكن. وقرأ بعضهم : (لا يضركم) (٣) جعلها من «ضار» «يضور» وهي لغة.

وقال تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) [الآية ١٢١] لأنها من «بوّأت» و «إذ» ها هنا إنّما خبرها في المعنى كما فسرت لك.

وقال : (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [الآية ١٢٥] (٤) لأنهم سوّموا الخيل. وقال بعضهم (مسوّمين) معلمين لأنّهم هم سوّموا ، وبها قرأ من قرأ (٥).

__________________

(١). في المصحف : يضركم بضم الضاد والراء المضعّفة. أما كسر الضاد وسكون الراء فهي في الطبري ٧ / ٥٧ الى جماعة من أهل الحجاز وبعض البصريين ، وفي السبعة ٢١٥ الى ابن كثير ونافع وأبي عمرو والى حمزة في رواية ، وفي الكشف ١ / ٣٥٥ الى أهل الحرمين وأبي عمرو والى غير الكوفيين وابن عامر ، وفي التيسير ٩٠ الى غير الكوفيين وابن عامر وفي الجامع ٤ / ١٨٤ الى الحرميين وأبي عمرو وزاد في البحر ٣ / ٤٣ حمزة ، وفي معاني القرآن ١ / ٢٣٢ الى بعض القراء وفي حجة ابن خالويه ٨٨ بلا نسبة.

(٢). في الطبري ٧ / ١٥٧ الى جماعة من أهل المدينة وعامة قراء أهل الكوفة ، وفي السبعة ٢١٥ الى ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ، وفي الشواذ ٢٢ الى المفضّل عن عاصم مع فتح الراء ، وفي الكشف ١ / ٣٥٥ الى الكوفيين وابن عامر ، وكذلك في التيسير ٩٠ والبحر ٣ / ٤٣ ، وأسقط في الجامع ٤ / ٨٤ ابن عامر وفي معاني القرآن ١ / ١٥٠ وحجة ابن خالويه ٨٨ والمشكل ١٠٦ بلا نسبة.

(٣). في المشكل ١٠٦ ، والجامع ٤ / ١٨٤ الى الكسائي وفي الطبري ٧ / ٥٧ بلا نسبة قياسا على لغة «ضار يضور».

وكذلك في معاني القرآن ١ / ٢٣٢. وقال بها استنادا الى لغة لبعض أهل العالية سمعها الكسائي.

(٤). في الطبري ٧ / ١٨٤ الى بعض قراء أهل الكوفة والبصرة ، وفي السبعة ٢١٦ والكشف ١ / ٣٥٥ والتيسير ٩٠ والجامع ٤ / ١٩٦ والبحر ٣ / ٥١ الى أبي عمرو وابن كثير وعاصم وفي حجة ابن خالويه ٨٩ بلا نسبة.

(٥). في الطبري ٧ / ١٨٤ الى عامة قراء أهل المدينة والكوفة ، وفي السبعة ٢١٦ الى ابن عامر ونافع وحمزة والكسائي ، وكذلك في الجامع ٤ / ١٩٦ ، وفي البحر ٣ / ١٥١ الى الصاحبين والأخوين ، وفي الكشف ١ / ٣٥٥ والتيسير ٩٠ الى غير ابن كثير وابي عمرو وعاصم. وزاد في أولها أن الجماعة عليها.

٨٠