الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٠

وأخرج عن عكرمة : أنها نزلت في رفاعة ، وكردم بن زيد ، وأسامة بن حبيب ، ورافع بن أبي رافع ، وبحري بن عمرو ، وحيي بن أخطب.

٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا) [الآية ٤٧].

قال السّدّي : نزلت في رفاعة بن زيد ، ومالك بن الضّيف (١).

وقال عكرمة : في كعب بن الأشرف ، وعبد الله بن صوريا.

أخرجهما ابن أبي حاتم.

٦ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) [الآية ٤٩].

قال قتادة ، والضّحّاك ، والسّدّي : هم اليهود. أخرجه ابن جرير (٢).

٧ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) [الآية ٥١].

نزلت في كعب بن الأشرف. كما أخرجه أحمد من حديث ابن عبّاس (٣).

٨ ـ (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) [الآية ٥٤].

أخرج ابن جرير (٤) عن عكرمة قال : «الناس» في هذا الموضع : النبيّ (ص) خاصّة.

٩ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا) [الآية ٦٠].

نزلت في الجلاس بن الصّامت ، ومعتّب بن قشير ، ورافع بن زيد ، وبشر. أخرجه ابن أبي حاتم ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس (٥).

١٠ ـ (أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) [الآية ٦٠].

هو أبو برزة الأسلمي الكاهن.

أخرجه الطّبرانيّ (٦) من طريق عكرمة ، عن ابن عباس.

__________________

(١). انظر «الطبري» ٥ / ٧٨.

(٢). ٥ / ٨٠ ـ ٨١.

(٣). لم أجده في مطبوعة «المسند» لأحمد وانظر «الطبري» ٥ / ٨٤ و «أسباب النزول» للواحدي : ١١٤ ـ ١١٥ ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ / ٦ مضافا إلى كعب : «وحيي بن أخطب». وقال : «رواه الطبراني ، وفيه يونس بن سليمان الحجال ، لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح».

(٤). ٥ / ٨٧.

(٥). بسند ضعيف. وجاء في ق «قريش» بدلا من «قشير» ، كما سقطت «العوفي» منها.

(٦). وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ / ٦ وقال : ورجاله رجال الصحيح.

١٤١

أو : كعب بن الأشرف. أخرجه ابن أبي حاتم (١) عن طريق العوفي عن ابن عباس.

١١ ـ (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [الآية ٦٥].

أخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن المسيّب قال : نزلت في الزّبير بن العوّام ، وحاطب بن أبي بلتعة ، اختصما في ماء فقضى النبي (ص) للزبير (٢).

١٢ ـ (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [الآية ٦٦].

قال النبيّ (ص) ، وأشار إلى عبد الله بن رواحة ، : «لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل». أخرجه ابن أبي حاتم.

١٣ ـ (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) [الآية ٧٢].

قال مقاتل : هو عبد الله بن أبيّ.

أخرجه ابن أبي حاتم وغيره.

١٤ ـ (مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) [الآية ٧٥].

قالت عائشة : هي مكّة. أخرجه ابن أبي حاتم (٣).

١٥ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) [الآية ٧٧].

سمّي منهم : عبد الرحمن بن عوف.

أخرجه النّسائي ، والحاكم من حديث ابن عباس (٤).

١٦ ـ (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) [الآية ٨١].

قال الضّحّاك : هم أهل النّفاق.

أخرجه ابن جرير (٥).

١٧ ـ (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) [الآية ٩٠].

__________________

(١). بسند ضعيف.

(٢). وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ / ٦ وقال : «رواه الطبراني» وفيه يعقوب بن حميد ، وثقه ابن حبان ، وضعّفه غيره» انتهى وانظر تخريجا وافيا له في «تفسير ابن كثير» ١ / ٥٢٠.

(٣). وأخرجه «الطبري» ٥ / ١٠٧ ، عن مجاهد والسّدّي وابن عباس.

(٤). «النسائي» ٦ / ٣ ، و «ابن جرير» ١٧٠ ـ ١٧١ ، والحاكم في «المستدرك» ٢ / ٣٠٧ وقال : «هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وأقره الذهبي». وذكر ابن جرير الطبري قولا آخر ، أن هذه الآية وآيات بعدها نزلت في اليهود.

(٥). ٥ / ١١٣.

١٤٢

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي ، وسراقة بن مالك المدلجي ، وفي خزيمة (١) بن عامر بن عبد مناف.

١٨ ـ (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ) [الآية ٩١].

قال مجاهد : هم أناس من أهل مكة (٢).

وقال قتادة : حيّ كانوا بتهامة.

وقال السّدّي : جماعة ، منهم نعيم بن مسعود الأشجعي.

أخرج ذلك ابن أبي حاتم.

١٩ ـ (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) [الآية ٩٤].

المقول له ذلك ، وهو المسلّم : عامر بن الأضبط الأشجعي. أخرجه أحمد (٣) ، من حديث عبد الله بن أبي حدرد. وفيه : أن القائلين له «لست مؤمنا» نفر من المسلمين ، فيهم أبو قتادة ، ومحلّم بن جثّامة.

وعند ابن حرير (٤) من حديث ابن عمر : أن القائل هو محلّم ، وهو الذي قتله.

وعند البزّار (٥) من حديث ابن عبّاس : أن القائل هو المقداد بن الأسود.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن الزبير ، عن جابر ؛ والثّعلبي (٦) من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن

__________________

(١). كذا في «الطبري» ٥ / ١٢٤ ، والأثر فيه عن عكرمة لا عن ابن عباس كما هو هنا.

(٢). انظر «تفسير الطبري» ٥ / ١٢٧.

ووقع في «ق» : «بني جذيمة» وفي «خ» : «بني خذيمة».

(٣). في «المسند» ٦ / ١١ ، وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ / ٨ وقال : «رواه أحمد والطبراني ، ورجاله ثقات».

(٤). ٥ / ١٤٠.

(٥). «كشف الأستار عن زوائد البزار» برقم : (٢٢٠٢) ، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ / ٨ : «إسناده جيد».

(٦). الثعلبي : أحمد بن محمد ، مفسر من أهل نيسابور ، له اشتغال بالتاريخ ، له «عرائس المجالس» في قصص الأنبياء ، فيه رزايا وبلايا ، وله «الكشف والبيان في تفسير القرآن» (توجد أجزاء خطية منه في دار الكتب المصرية والأزهرية). قال ابن تيمية فيه : «لقد أجمع أهل العلم بالحديث أنه يروي طائفة من الأحاديث الموضوعة .. وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الواحد من جنس الثعلبي والنقاش والواحدي ، وأمثال هؤلاء المفسرين ، لكثرة ما يروونه من الحديث ويكون ضعيفا بل موضوعا» توفي المترجم عام ٤٢٧ للهجرة.

١٤٣

عباس (١) : أن اسم المقتول : مرداس.

زاد ابن عباس : واسم القاتل : أسامة بن زيد.

٢٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) [الآية ٩٧].

سمّى عكرمة منهم : عليّ بن أميّة بن خلف ، والحارث بن زمعة ، وأبا (٢) قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبا العاص بن منبّه (٣) بن الحجاج ، وأبا قيس بن الفاكه. أخرجه ابن أبي حاتم ، وعبد (٤).

٢١ ـ (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) [الآية ٩٨].

قال ابن عباس : كنت أنا وأمي من المستضعفين. أخرجه البخاري (٥).

وسمّي منهم في حديث آخر (٦) : عيّاش بن أبي ربيعة ، [والوليد] (٧) وسلمة بن هشام.

٢٢ ـ (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الآية ١٠٠].

نزلت في ضمرة (٨) بن جندب. أخرجه أبو يعلى بسند رجال ثقات عن ابن عباس.

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير : أنّه أبو ضمرة بن العيص. وأخرج عبد عنه قال : هو رجل من خزاعة يقال له : ضمرة بن العيص.

__________________

(١). سبق في رقم (٨٠) بيان أن هذا الإسناد من أوهى الأسانيد.

وقد سقط من النسخ المطبوعة حتى : «زاد ابن عباس».

(٢). زيادة من «سيرة ابن هشام» ١ / ٦٤١ و «جمهرة النسب» ١ / ١٢٦.

(٣). وقع في «السيرة» : «العاص» وهو مخالف لما في «تفسير الطبري» وغيره.

(٤). و «الطبري» ٥ / ١٤٨.

وعبد هو ابن حميد ، صاحب «التفسير المسند».

وانظر في ذكر هؤلاء الفتية «سيرة ابن هشام» ١ / ٦٤١.

(٥). برقم (٤٥٨٧) في كتاب التفسير ، والطبري في «تفسيره» ٥ / ١٤٩.

(٦). أخرجه «الطبري» ٥ / ١٥٠.

(٧). زيادة من «الطبري» و «الدر المنثور» وهو ابن الوليد بن المغيرة ، كما في «سيرة ابن هشام» ١ / ٣٢١ ، وكان من خيار المسلمين ، كما في «جمهرة النسب» ١ / ١٢٦.

(٨). اختلف في اسمه وانظر في (جندع بن ضمرة) من «الإصابة».

١٤٤

وأخرج عن قتادة قال : يقال له سبرة.

وعن عكرمة قال : هو رجل من بني ليث. وأخرج ابن جرير (١) عن سعيد بن جبير قال : هو رجل من خزاعة يقال له ضمرة بن العيص ، أو العيص بن ضمرة.

وأخرج ابن أبي حاتم عن الزبير : أنها نزلت في خالد بن حزام ، هاجر إلى الحبشة فمات في الطريق.

وهو غريب جدّا!

وقيل : هو أكثم بن صيفي. أخرجه أبو حاتم في «كتاب المعمّرين (٢)» من طريقين عن ابن عباس ، والأموي (٣) في «مغازيه» عن عبد الملك بن عمير.

٢٣ ـ (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) [الآية ١٠٥].

هم بنو أبيرق : بشر ، وبشير (٤) ، ومبشّر. أخرجه الترمذي (٥) ، من حديث قتادة بن النعمان.

٢٤ ـ (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) [الآية ١١٢].

عنى به : لبيد بن سهل ، كما في حديث الترمذي (٦).

وقيل : عنى به زيد بن السمين ؛ رجلا من اليهود. أخرجه ابن جرير (٧) عن قتادة ، وعكرمة ، وابن سيرين.

٢٥ ـ (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) [الآية ١١٣].

هم أسير (٨) بن عروة ، وأصحابه. كما في حديث الترمذي (٩).

__________________

(١). ٥ / ١٥١.

(٢). أبو حاتم : هو سهل بن محمد السجستاني ، من كبار العلماء باللغة والشعر في البصرة ، توفي سنة ٢٤٨ ه‍.

(٣). هو الوليد بن مسلم ، عالم الشام في عصره ، ومن حفاظ الحديث ، له سبعون تصنيفا في الحديث والتاريخ يعزّ وجودها الآن و «مغازيه» هي في حكم المفقود من تراثنا ، توفي سنة ١٩٥ ه‍.

(٤). في «سيرة ابن هشام» ١ / ٥٢٤ بفتح الباء. وقال الدار قطني : انما هو «بشير» بضم الباء.

(٥). برقم (٣٠٣٩) ، والحاكم ، و «الطبري» ٥ / ١٦٩ ـ ١٧٠ ، وبنو أبيرق هم بطن من الأنصار من الأزد من القحطانية ، كما في «معجم قبائل العرب» ١ / ٤ ،

(٦). انظر «الترمذي» رقم : (٣٠٣٩).

(٧). ٥ / ١٧٣.

(٨). ق و «الإتقان» ٢ / ١٤٩ : «أسيد». وكذا في نسخة من «سنن الترمذي» كما في التعليق عليه ٨ / ٢٠٦.

(٩). انظر الترمذي : (٣٠٣٩).

١٤٥

٢٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) [الآية ١٣٧].

قال أبو العالية : هم اليهود ، والنّصارى.

وقال ابن زيد : هم المنافقون. أخرج ذلك ابن جرير (١).

٢٨ ـ (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [الآية ١٤٢].

قال ابن جريج : نزلت في عبد الله بن أبيّ ، وأبي عامر بن النّعمان. أخرجه ابن جرير (٢).

٢٩ ـ (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) [الآية ١٤٣].

قال مجاهد : لا إلى أصحاب محمد [ص] (٣) ولا إلى [هؤلاء] اليهود.

وقال ابن جريج : لا إلى أهل الإيمان ، ولا إلى أهل الشرك (٤) أخرجهما ابن جرير (٥).

٣٠ ـ (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) [الآية ١٥٣].

سمّى منهم ابن عسكر : كعب ابن الأشرف ، وفنحاص.

٣١ ـ (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) [الآية ١٥٧].

أخرج ابن جرير (٦) عن ابن إسحاق : أن الذي ألقى عليه شبهه رجل من الحواريين ، اسمه سرجس.

٣٢ ـ (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) [الآية ١٦٢].

قال ابن عباس : نزلت في عبد الله بن سلام ، وأصحابه. أخرجه ابن أبي حاتم (٧).

__________________

(١). ٥ / ٢١٠.

(٢). ٥ / ٢١٤ ـ ٢١٥.

(٣). زيادة من «الطبري».

(٤). ٥ / ٢١٦.

(٥). ووقع في «الإتقان» ٢ / ١٤٩ تفسير مبهم قوله تعالى (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) [الآية ١٢٧] ولم يأت به المؤلف هنا. قال في «الإتقان» «سمي من المستفتين : خولة بنت حكيم».

(٦). ٦ / ١١.

(٧). قال السيوطي في «الدر المنثور» ٢ / ٢٤٦ : أخرج ابن إسحاق ، والبيهقي في «الدلائل» عن ابن عباس في قوله : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) [الآية ١٦٢] قال : نزلت في عبد الله بن سلام ، وأسيد بن سعية ، وثعلبة بن سعية ، حين فارقوا يهود وأسلموا.

١٤٦

٣٣ ـ (الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [الآية ١٧٢].

أخرج ابن جرير (١) عن الأجلح (٢) قال : قلت للضّحّاك : ما المقرّبون؟ قال : أقربهم إلى السماء الثانية.

٣٤ ـ (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [الآية ١٧٦].

المستفتي : هو جابر بن عبد الله. كما أخرجه الأئمة الستة من حديثه (٣).

__________________

(١). ٦ / ٢٦.

(٢). أجلح بن عبد الله : صدوق : شيعي ، مات سنة ١٤٥ ه‍. ووقع في النسخ المطبوعة «الأصلح»!.

(٣). البخاري (٦٧٤٣) ونحوه (٤٥٧٧) ، ومسلم (١٦١٦) ، وأبو داود : (٢٨٨٦) ، والترمذي (٢٠٩٨) وابن ماجة (٢٧٢٨) وأحمد ، والحميدي في «مسنده» (١٢٢٩) وابن خزيمة في «صحيحه» (١٠٦) ، والطبري ٦ / ٢٨ ، وانظر : «اسباب النزول» للواحدي : ١٣٩ ، وانظر حول شرح الحديث : «معالم السنن» للخطابي ٣ / ٣٠٩ ، و «شرح صحيح مسلم» للنووي ٤ / ١٣٨ ، و «فتح الباري» ١٢ / ٢٥ ، و «شرح ثلاثيات مسند أحمد» للسّفّاريني ١ / ٢٠٣.

١٤٧
١٤٨

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «النساء» (١)

١ ـ قال تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤).

أقول : إن استعمال «الأكل» بمعنى الإفادة ، والانتفاع ، والاستحواذ على الشيء ولا سيما ما يدعى «مالا» ورد غير مرة ، ومن ذلك :

قال تعالى : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) (١٩) [الفجر].

وقوله تعالى : (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ) [الآية ١٦١].

ومن المفيد أن نشير إلى أن مادة «الأكل» ما زالت تستعمل هذا الاستعمال ، على سبيل الاتساع في العربية المعاصرة ، فصيحة ، ودارجة.

٢ ـ قال تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) [الآية ١٢].

قال الزمخشري (٢) : ... فإن قلت : ما الكلالة؟ قلت : يطلق على ثلاثة : على من لم يخلّف ولدا ولا والدا ، وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلّفين ، وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد.

ومنه قولهم : ما ورث المجد عن كلالة كما تقول : ما صمت عن عيّ ، وما كفّ عن جبن.

والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال ، وهو ذهاب القوّة من الإعياء ، قال الأعشى :

فآليت لا أرثي لها من كلالة

ولا من وجى حتى تلاقي محمّدا

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). «الكشاف» ، ١ / ٤٨٥.

١٤٩

فاستعيرت للقرابة من جهة الوالد والولد ...

أقول : واستعمال «الكلالة» في باب الإرث ، وانصرافها إلى مخصوص بعلاقة وقرابة خاصة كما نصّوا على ذلك ، بيان في أن لغة القرآن العزيز تمكنت من هذه العربية وحوّلت طائفة منها إلى المصطلح الفني بعد أن كانت لغة لا تشتمل على هذا النوع من المعجم الاصطلاحي الفني.

٣ ـ وقال تعالى : (أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٨).

لقد ورد الفعل «أعتدنا» بهذه الصيغة المسندة إلى ضمير المتكلمين ثلاث عشرة مرة في آيات القرآن ، كما ورد «أعتدت» مع تاء التأنيث في قوله تعالى : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) [يوسف / ٣١].

ونريد أن نقف وقفة خاصة على هذا الفعل.

قالوا : أعتد الشيء : أعدّه ، وقوله تعالى : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) ، أي : هيّأت وأعدّت.

وقوله : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) [الآية ٣٧] ، أي : هيّأنا.

والعتاد : العدّة ، وما تعدّه لأمر مّا وتهيّئه له.

يقال : أخذ للأمر عدّته وعتاده ، أي : أهبته وآلته.

والعتاد : ما أعدّه الرجل من السلاح والدّوابّ وآلة الحرب.

أقول : لم يبق من هذه المادة الواسعة إلا العتاد في اللغة المعاصرة : ويراد بها السلاح على اختلاف أنواعه ، وما يتصل بالسلاح من أجزاء ولواحق. كأن هذه الكلمة قد ضاقت رقعتها حتى قيّدت بهذه الخصوصية. ولم يبق شيء من استعمال الفعل «أعتد» في العربية المعاصرة.

٤ ـ وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [الآية ٢٥].

وردت كلمة الطّول في آيتين أخريين هما :

(اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) [التوبة / ٨٦].

(غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) [غافر / ٣].

١٥٠

قال الزجاج (١) في تفسير الطّول في [الآية ٢٥ من آل عمران] :

معناه من لم يقدر منكم على مهر الحرّة ، قال : والطّول : القدرة على المهر.

وقوله تعالى : (ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [غافر / ٣] ، أي : ذي القدرة.

وقيل : الطّول : الغنى.

وقيل : الطّول : الفضل ، يقال : لفلان عليّ طول ، أي : فضل.

أقول : أفادت العربية من كلمة «الطّول» ضد «العرض» فوائد كثيرة ، أفعالا ، ومصادر ، وصيغا أخرى. وإن نظرة وافية إلى هذه المادة ، في المعجم ، لتهدي إلى القدر الكبير من الفوائد ، التي حفلت بها لغة العرب من هذه المادة ، اعتمادا على تغيير الأصوات القصيرة (الحركات).

ألا ترى أنهم قالوا : طويل ثم طوال للمبالغة.

وأنهم قالوا : طول للحبل الطويل جدا كما في قول طرفة :

لعمرك إنّ الموت ، ما أخطأ الفتى ،

لكالطّول المرخى وثنياه باليد

ومن المفيد أن نجد «التطاول» ، بمعنييه الحسي والعقلي ، فندرك كم أفادت العربية من الأصول المادية الأولى ، ففرّعت المعاني ، وشقّقت الصيغ.

٥ ـ وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) [الآية ٣٨].

أريد أن أقف على «الرّئاء» ، وهو مصدر كالمراءاة ، مثل السّباق والمسابقة ، ويراد به الذين ينفقون أموالهم تظاهرا وزهوا.

وفي الرّئاء خداع وكذب ، وهذا كقوله تعالى أيضا :

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) [الأنفال / ٤٧].

أقول : وهذا المصدر الصريح هو الذي تحول إلى «الرياء» ، واكتسب خصوصية معنوية نعرفها في الاستعمال.

وليس «الرياء» اسما كما ورد في «اللسان» ، بل هو المصدر نفسه كالمراءاة ، وهو مقلوب «الرّئاء» وقد صير إلى هذا القلب التماسا للخفة ، وهو كالقلب في آبار وآرام ، والأصل

__________________

(١). «اللسان» (طول).

١٥١

أبآر وأرءام. إن هذه الخفة لا تتحقق في اجتماع الهمزة مع المدّ (آ).

وبسبب من القلب ، حدث تطور في الدلالة ، ألا ترى أن استعمال «رئاء» يختلف قليلا في الدلالة عن استعمال «رياء»؟

٦ ـ وقال تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) [الآية ٤٣].

أقول : الأصل في «التيمّم» القصد.

ومنه قوله تعالى :

(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) [البقرة / ٢٦٧].

أي : ولا تقصدوا المال الرديء تخصّونه بالإنفاق.

أما «التيمّم» في سورة النساء ، وفي الآية ٤٣ ، فهو شيء آخر ، وهو أمر من الله ، جل وعلا ، خصّ به المرضى ، والذين كانوا عابري سبيل ، أو من جاء من الغائط ، أو لامس النساء ، وطلب إليهم أن يتيمّموا بالتراب إن لم يجدوا ماء يتطهّرون به.

ولا بد أن نرجع إلى تاريخ الكلمة في مسيرتها وتطورها.

عرفنا أن التّيمّم هو القصد ، وهذا يعني أنه صيغة أخرى لكلمة «الأمّ» ، (بفتح الهمزة) ، ومن هنا كان أصحاب المعجمات القديمة على حق في إدراج كلمة «التيمّم» في مادة «أمم» لأن المعنى واحد وهو القصد.

وجاء في كتب اللغة (١) :

وتيمّمته : قصدته. وفي حديث ابن عمر : من كانت فترته إلى سنّة فلأمّ ما هو ، أي : قصد الطريق المستقيم ، يقال : أمّه يؤمّه أمّا وتأمّمه وتيمّمه.

قال : ويحتمل أن يكون الأمّ (بفتح الهمزة) ، بمعنى المأموم ، أي : هو على طريق ينبغي أن يقصد.

ومنه الحديث : كانوا يتأمّمون شرار ثمارهم في الصدقة ، أي : يتعمّدون ويقصدون ، ويروى : يتيمّمون ، وهو بمعناه.

ومنه حديث كعب بن مالك : وانطلقت أتأمّم رسول الله (ص).

وقال ابن السكيت في قوله تعالى :

__________________

(١). انظر «اللسان» (مادة أمم).

١٥٢

(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ، أي : اقصدوا لصعيد طيّب ، ثم كثر استعمالهم لهذه الكلمة حتى صار التيمّم علما لمسح الوجه واليدين بالتراب.

وقال ابن سيده : التّيمّم التّوضّؤ بالتراب على البدل ، وأصله من الأول ، (يريد التأمّم) ، لأنه يقصد التراب فيتمسّح به. أقول : هذا طريق مسيرة الكلمة في تحولها من «القصد» العام الى المصطلح الفنّي بحيث صار التيمم ، لدى الخاصة والعامة ، التمسّح بالتراب. ولا بد من فائدة أخرى هي :

أن «الأمّ» ، (بفتح الهمزة) ، و «اليمّ» ، وكلاهما يعني القصد ، أصلهما البعيد هو الظرف «أمام» ، وبشيء من لطف الصنعة ، كما قالوا ، صير إلى القصد فكأن من «يؤمّ» ، يذهب إلى «أمام» في الأصل ثم اتسع فيه.

وأرى أن «الإمام» ، وهو من يؤتمّ به ، يلمح إلى هذا الأصل البعيد وهو الظرف «أمام» ، وكذلك الإمامة من غير شك.

وأسماء الجهات أمدّت العربية بطائفة كبيرة من المواد النافعة ، ألا ترى أن «خلف» ، قد جاء منها الفعل «خلف» بفوائده الكثيرة ، وصيغه المختلفة ، ومن غير شك أن «الخليفة» ، و «الخلافة» من هذا.

ولا تحسبن كلمات «الخلف» ، و «الخلاف» ، و «الاختلاف» بعيدة عن الظرف «خلف».

وإذا قلنا هذا ، فإنما نقول مثله في «وراء» ، وليست التورية والمواراة إلا من هذا الظرف المكاني.

وهذا باب واسع لو استوفيته لتهيأ منه مجموع ظريف لطيف.

٧ ـ وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [الآية ٦٦].

أريد أن أشير إلى أن الآية الكريمة جعلت الخروج من الديار من الأمور الكبيرة التي تأتي بعد قتل النفس ، فإذا كان قتل النفس عسيرا صعبا ، لا يقدم عليه الإنسان إلا في أحوال نادرة ، فإن الخروج من الديار من أشق الأمور على الإنسان.

٨ ـ وقال تعالى : (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) [الآية ٧٣].

ليس من شيء في هذه الآية الكريمة

١٥٣

يدفعني إلى وقفة خاصة ، إلا استعمال «لئن».

قال النحاة : إن اللام موطئة للقسم ، وهذا يعني أن الجواب في هذه الجملة الإنشائية ينبغي أن يكون جوابا للقسم ، وإذا كان جوابا للقسم فقد يكون مؤكدا بالنون إن كان مثبتا مستقبلا مقترنا بلام القسم كما هي الحال في الآية نفسها (لَيَقُولَنَ).

أقول : وعلى هذا جرى الأسلوب القرآني وذلك في قوله تعالى :

(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي) [فصّلت / ٥٠].

(لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) [مريم / ٤٦].

(وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٢٦).

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم / ٧].

(وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم / ٧].

وآيات أخرى جرت على هذا الأسلوب ، وهو كون الجواب للقسم لا للشرط. وعلى هذا جرى أسلوب الفصحاء في الجاهلية والإسلام ، حتى إذا جاء العصر العباسي ، وجدنا تحوّلا عن هذا الأسلوب وهو كون الجواب للشرط بدليل اقترانه بالفاء. ومن الشعراء العباسيين الذين جروا على هذا الأسلوب أبو نواس ، والسّريّ الرفّاء ، ومسلم بن الوليد ، والشريف الرّضي وغيرهم. ولكننا نجد أبا تمام والمتنبي قد اتبعا الأسلوب الفصيح الذي استقريناه في الآيات الكريمة ، على أننا نجد البحتري قد اتبع الأسلوبين ، وها نحن نعرض نماذج من أقوال أبي تمام والشريف الرضي والبحتري.

قال أبو تمام من قصيدة يمدح بها حبيش بن المعافى (١) :

لئن ظمئت أجفان عين إلى البكا ،

لقد شربت عيني دما فتروّت

وقال من قصيدة يمدح بها الفضل بن صالح الهاشمي (٢) :

لئن قليبك جاشت بالسماحة لي

لقد وصلت بشكري حبل مائحها

__________________

(١). «ديوان أبي تمام» (ط بيروت ١٨٨٧) ص : ٥٨.

(٢). المصدر السابق ص ٦٩.

١٥٤

وقال من قصيدة يمدح بها أبا سعيد محمد بن يوسف الطائي (١) :

لئن عمّت بني حوّاء نفعا

لقد خصّت بني عبد الحميد

ونجتزئ بذكر هذه الأبيات الثلاثة عن الكثير غيرها مما اتبع فيه الشاعر هذا الأسلوب ، وهو جعل الجواب للقسم المتقدم المتمثل باللام الموطئة ولقد جرى المتنبي على هذا الأسلوب فقد قال من قصيدة في رثاء جدّته (٢) :

لئن لذّ يوم الشامتين بموتها ،

لقد ولدت منّي لآنفهم رغما

وقال من مقطوعة في إنسان ينشده شعرا في وصف بركة (٣) :

لئن كان أحسن في وصفها

لقد ترك الحسن في الوصف لك

وقال من قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويعاتبه (٤) :

لئن تركنا ضميرا عن ميامننا ،

ليحدثنّ لمن ودّعتهم ندم

على أن هذا هو الأسلوب الذي جرى عليه الجاهليون بدلالة ما ورد في الآيات المحكمات ، وهو الأسلوب الذي جرى عليه الإسلاميون كعمر بن أبي ربيعة ، وجميل ، وكثيّر ، وغيرهم ، وها هو الفرزدق يخاطب جريرا فيقول :

لئن فركتك علجة آل زيد ،

وأعوزك المرقّق والصّناب

لقد ما كان عيش أبي ممرّا

يعيش بما تعيش به الكلاب

وعلى ذلك سار جرير أيضا ، فقال يرثي جبير بن عياض الكليبي (٥) :

لعمري لئن خلّى جبير مكانه ،

لقد كان شعشاع العشية شيظما

وقال يهجو التيم (٦) :

لئن سكنت تيم زمانا بغرّة ،

لقد حديت تيم حداء عصبصبا

__________________

(١). المصدر السابق ص ٩٧.

(٢). «ديوان المتنبي» (شرح الواحدي ، ط. اوربا) ص : ٢٦٣.

(٣). المصدر السابق ص : ٣٦٢.

(٤). المصدر السابق ص : ٤٨٥.

(٥). الديوان ص : ٥١٦.

(٦). الديوان ص : ١٣.

١٥٥

ومما ينسب إلى المجنون قوله (١) :

لئن كان يهدى برد أنيابها العلى

لأفقر منّي ، إنّني لفقير

وإذا عدنا إلى عصر بني العباس وجدنا ابن الرومي يتّبع الأسلوب الفصيح ، فيقول مادحا أحمد بن ثوابة (٢) :

لعمري لئن حاسبتني في مثوبتي

بخفضي ، لقد أجريت عادة حاسب

وقال من قصيدة في الحسن بن عبيد بن سليمان (٣) :

أقسمت حقا : لئن طابت ثمارهم ،

لقد سرى عرفهم في أكرم التّرب

وقال أيضا من قصيدة يرثي بها يحيى بن عمر (٤) :

لئن لم تكن بالهاشميين عاهة

لما شكّكم ، تالله ، إلا المعلهج

على أننا نجد البحتري قد جرى على الأسلوب الفصيح كما جرى على خلافه ، فقد قال من قصيدة يمدح بها الفتح بن خاقان (٥) :

فلئن جحدت عظيم ما أوليتني

إنّي إذا واهي الوفاء ضعيفه

وقال أيضا من قصيدة يمدح بها الخليفة المتوكل (٦) :

لئن أضحت محلّتنا عراقا

مشرّقة وحلّتها شآما

فلم أحدث لها إلّا ودادا

ولم أزدد بها إلّا غراما

وقد جرى الشريف الرضي على الأسلوب الذي استحدث خطأ ، فجرى عليه الكثير من المعربين.

قال الشريف من قصيدة يمدح بها أباه ويهنئه بعيد الأضحى (٧) :

لئن أبغضت منّي شيب رأسي ،

فإنّي مبغض منك الشبابا

__________________

(١). «شروح سقط الزند» ٣ / ١٠٤٢.

(٢). «ديوان ابن الرومي» (ط. دار إحياء التراث ، بيروت) ص : ٢٧٦.

(٣). «ديوان ابن الرومي» (تحقيق حسين نصار) ١ / ١٩٢.

(٤). المصدر السابق ٢ / ٤٩٨.

(٥). «ديوان البحتري» (دار القاموس الحديث ، بيروت) ص : ٤٢.

(٦). المصدر السابق ص ١٨.

(٧). «ديوان الشريف» (مطبعة نخبة الأخبار) ص : ٤٢.

١٥٦

وقال أيضا من مقطوعة في النسيب (١) :

لئن كنت أخليت المكان الذي أرى

فهيهات أن يخلو مكانك من قلبي

وبعد ، فكيف هو الأسلوب في العربية المعاصرة؟

لا نعرف في العربية المعاصرة إلا الأسلوب الذي جرى على خلاف ما اشتهرت فصاحته ، ودلت عليه لغة التنزيل العزيز ، وذلك أن المعربين جروا على أن الأسلوب هو أسلوب الشرط ، وأن الجواب فيه جواب للشرط فيقال :

ولئن فاتنا شيء من ذلك ، فلم يفتنا ما هو ضروري.

وأنت تجد مثل هذا الأسلوب جاريا شائعا في كتابة الأديب وغير الأديب.

٩ ـ وقال تعالى : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) [الآية ١٠٠].

قالوا :

والمراغم : السّعة والمضطرب ، وقيل : المذهب والمهرب في الأرض.

وقال الزّجّاج في قوله تعالى : (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً) معنى مراغما مهاجرا ، المعنى يجد في الأرض مهاجرا لأنّ المهاجر لقومه والمراغم بمنزلة واحدة ، وإن اختلف اللفظان ، وأنشد :

إلى بلد غير نائي المحلّ

بعيد المراغم والمضطرب

وقال : وهو مأخوذ من الرّغام وهو التراب.

ويقال : راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلّة تلحقه بذلك ، قال النابغة الجعدي :

كطود يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمذهب أقول : وأكبر الظن أن «المراغم» من كلم القرآن ، ذلك أن البيت الذي أنشده أبو إسحاق لا نعرف من أمره ونسبته شيئا ، والنابغة الجعدي شاعر إسلامي. على أن هذا لا يمنع أن تكون الكلمة معروفة في العربية قبل الإسلام ، ولكني أقول بأن الاستعمال القرآني خصص هذه اللفظة باسم المكان فجاءت على زنة اسم المفعول ، وذلك جار في غير الثلاثي من الأفعال.

__________________

(١). المصدر السابق ص : ٧٩.

١٥٧

ثم إن الأصل في هذه الكلمة ، كما قال الزجاج ، هو «الرّغام» أي التراب. وهنا نقول إن قولنا : أرغمت فلانا ، أي : أجبرته وقهرته لمحا إلى أن «المرغم» في الأصل من مسّ جبهته التراب ، وقد امّحت هذه الحقيقة التاريخية اللغوية فبقي الإجبار والقهر ، وعلى هذا لا يكون «المراغم» اسم مكان بمعنى المهرب والمضطرب فحسب ، بل يضاف إلى ذلك أنه المهرب الذي يضطرّ الإنسان إلى أن يلجأ إليه ويكره على سلوكه.

١٠ ـ وقال تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) [الآية ١٠٢].

أقول : أشار الفعل «فلتقم» إلى أن الفاعل مؤنث وهو طائفة ، وهذا يعني أن العربية تراعي اللفظ كثيرا. فلما كان لفظ الفاعل مؤنثا أشار الفعل إلى التأنيث بالتاء في أوله. حتى إذا أسند إلى الفاعل فعل بعده ظهرت المراعاة للأصل والمعنى ، وذلك لأن الطائفة مجموع من الناس قد تكون مساوية ل «قوم» ، أو «جمع» ، أو شيء من هذا. ومثل هذا قوله تعالى :

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) (١١٣).

في مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى ، وهذا كثير في القرآن وكثير في العربية الفصيحة ولا سيما القديمة.

ومراعاة اللفظ في العربية كثيرة ، وقد تكون سمة من سمات الفصاحة ، ومن ذلك مثلا أن كلمة «بعض» ، تدلّ على الواحد في شواهد كثيرة كما تدل على الجمع في شواهد أخرى. غير أن دلالتها على الواحد تأتي مراعاة للفظها الذي هو مفرد ، قال تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ) [الشعراء].

وقوله تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) [التحريم / ٣].

وقوله تعالى : (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) [يوسف / ١٠].

وفي كلام الفصحاء وأشعار العرب الشيء الكثير من هذه الدلالة على الواحد لمراعاة اللفظ.

على أن مراعاة المعنى وهو الجمع كثيرة أيضا.

١١ ـ وقال تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ

١٥٨

خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (١١٢).

أقول : ورد «الكسب» في لغة التنزيل ودلالته عامة ، ينصرف إلى الخير كما ينصرف إلى الشر.

قال الله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (٢١) [الطور].

وقال تعالى : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) [لقمان / ٣٤].

وقال تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) [البقرة / ١٣٤].

وقال تعالى : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة / ٢٨١].

وقد اجتزأنا بهذه الآيات عن كثير مما يدخل في هذا الخصوص.

غير أننا نجد آيات كثيرة تشير إشارة واضحة إلى أن المراد ب «الكسب» هو الشرّ ، ومن ذلك :

قال تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) [البقرة / ٨١].

وقال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) [الروم / ٤١].

وقال تعالى : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) [آل عمران / ١٥٥].

وقال تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) [الآية ٨٨].

وقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [يونس / ٢٧].

كما يتحقق هذا المراد من الكلمة بانصرافها إلى الشرّ في آيات كثيرة أخرى.

وقد نجد «الكسب» في آيات عدّة يعني الخير المحض كقوله تعالى :

.... (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) [الأنعام / ١٥٨].

وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) [البقرة / ٢٦٧].

ومثل «الكسب» «الاكتساب» في آيات الله فليس الفعل المزيد خاصا بفائدة معنوية تميزه ، وعلى ذلك فهو ينصرف إلى الخير كما ينصرف إلى الشرّ.

قال تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) [النور / ١١].

١٥٩

وقال تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (١) [البقرة / ٢٨٦].

ولكنك تجد «الاكتساب» دالا على الكسب الحلال في قوله تعالى :

(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) [الآية ٣٢].

أقول : في هذا العرض لهذه الآيات بيان في عموم اللفظ ، وخصوصه لأداء المعنى ، وقد يكون ذلك أجزى وأوفى من التخصيص والتقييد ، وقد كنا أشرنا إليه.

١٢ ـ وقال تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (١٧٢).

والمعنى : لن يأنف المسيح ، ولن يذهب بنفسه عزّة ، من نكفت الدمع إذا نحّيته عن خدّك (٢).

وقال الأزهري : سمعت المنذريّ يقول : سمعت أبا العبّاس ، وقد سئل عن الاستنكاف في قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) فقال : هو أن يقول : لا ، وهو من النّكف والوكف.

يقال : ما عليه في ذلك الأمر نكف ولا وكف ، فالنكف أن يقال له سوء.

واستنكف ونكف إذا دفعه وقال : لا (٣).

وعند المفسرين : الاستنكاف والاستكبار واحد.

أقول : والفعل «استنكف» من الأفعال المستعملة في العربية المعاصرة ، ولكن المعنى شيء آخر فيقال : استنكف فلان عن المشاركة في الأمر ، أي : عدل وتنحّى ، واستنكف عن «التصويت» في مجلس النواب ، أي : عدل وانصرف.

ولكننا نجد هذا الفعل في العامية الدارجة في الحواضر العراقية مستعملا كما أشارت إليه الآية الكريمة ، فابن

__________________

(١). قد يقال : إن الفعل المجرد في هذه الآية انصرف إلى الخير ، في حين أن المزيد انصرف إلى الشر ، وهذا صحيح ، ولكني أقول : إن هذا الانصراف لم يكن من البناء في كل منهما ، بل هو من استعمال حرف الخفض اللام في الأول ، و «على» في الثاني كقوله : ما له وما عليه ، واستقراء الآيات ينفي هذا الاختصاص المزعوم.

(٢). «الكشاف» ١ / ٥٩٤.

(٣). «التهذيب» (نكف).

١٦٠