الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٠

أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) [الآية ٥].

أقول يحسن بنا أن نقرأ [النساء / ٢٥] :

(وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ).

والأخدان جمع خدن ، الذكر والأنثى فيه سواء ، والخدن والخدين : الصديق. وخدن الجارية محدّثها ، وكانوا في الجاهلية لا يمتنعون من خدن يحدّث الجارية فجاء الإسلام بهدمه.

والمخادنة : المصاحبة.

٣ ـ وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) [الآية ١١].

تشير الآية إلى أن النبي (ص) جاء قوما ، وهم بنو قريظة ، ومعه الشيخان وعلي ، يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمريّ خطأ يحسبهما مشركين. فأراد اليهود قتل النبي ، والقصة معروفة في كتب السيرة والتفسير ونزلت الآية.

ويقال : بسط لسانه إذا شتمه ، وبسط إليه يده إذا بطش به.

ومعنى بسط اليد مدّها إلى المبطوش به ، ألا ترى إلى قولهم : فلان بسيط الباع ومديد الباع بمعنى.

(فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) ، أي : منعها أن تمدّ إليكم.

ومثل هذه الآية قوله تعالى : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) [الممتحنة / ٢].

أي : يبطشوا بكم.

والذي نعرفه من استقرائنا للآيات الكريمة وغيرها من النصوص أن «البسط» ، و «البسطة» تفيد السرور والانبساط والاتساع ، جاء في الحديث في الكلام على الزهراء عليها‌السلام : يبسطني ما يبسطها ، أي : يسرّني ما يسرّها. والبسط ضد القبض حقيقة ومجازا.

وجاء في الآية ٢٦ من سورة الرعد : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ).

وتكرر مثل هذا في تسع آيات أخرى. والمعنى ينشر الرزق ويوسّعه.

أمّا «بسط اليد» بالمعنى الذي ورد في الآية التي يجري الكلام عليها فهو

٢٤١

استعمال خاص ، ورد في سورة الممتحنة ، كما ورد في سورة المائدة أيضا وهو قوله تعالى : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ) [الآية ٢٨].

ملاحظة :

وبعد ، ألا يحق لنا أن نقول : إن الذي جرى عليه عامة أهل المدن في العراق في قولهم : «بسط فلان ولده بسطة فأوجعه» ، أي : ضربه ، له أصل فصيح في قول الأقدمين : وبسط فلان يده إليه ، أي : بطش به كما صدق ذلك في الآيات الشريفة؟

٤ ـ وقال تعالى : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً) [الآية ١٣].

أي : هذه عادتهم وهجّيرهم ، وكان عليهما أسلافهم ، كانوا يخونون الرّسل و «على خائنة» ، أي : على خيانة ، وقرئ : «على خيانة».

أقول : والخائنة اسم فاعل ، ولذلك قال المفسرون : المعنى فعلة ذات خيانة ، أو على نفس ، أو فرقة خائنة.

ولعل الخائنة هنا هي الخيانة كالعافية ، وهي اسم فاعل تعني المصدر ، ومثلها العاقبة وغيرها.

٥ ـ وقال تعالى : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [الآية ١٤].

المراد ب «أغرينا» ألصقنا وألزمنا ، من «غري بالشيء إذا لزمه ولصق به ، وأغراه غيره ، ومنه الغراء الذي يلصق به (١).

أقول : والأصل في كل ذلك الغراء وهو الذي تلصق به الأشياء ، ويتّخذ من أطراف الجلود والسّمك. وغروت الجلد ، الصقته بالغراء.

وإذا كان الفعل غري بالشيء ، أي : لصق ولزم فمنه «الإغراء» ، وهو الحثّ على عمل الخير ونحو ذلك.

وهكذا جرت العربية على «الإغراء» بهذا المعنى الحسن. وما زال هذا المعنى هو المعروف المشهور ، أما ما جاء في الآية من استعمال «الإغراء» بمعنى إلقاء العداوة بينهم ، فهو غير معروف في العربية المعاصرة.

٦ ـ وقال الله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ

__________________

(١). اللسان : (غري).

٢٤٢

آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) (٥٣).

أي : أهؤلاء الذين أقسموا لكم بإغلاظ الأيمان أنّهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار.

والقسم جهد الأيمان هو القسم بأغلظ الأيمان. وهذا يعني أن المصدر «جهد» بهذا الاستعمال يفيد الغاية كما نقول سعى جدّ السّعي.

٧ ـ وقال تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (٥٦).

الفعل «يتولّى» ، في هذه الآية بمعنى يجعل الله وليّا له ، وكذلك الرسول والذين آمنوا ، وهذا من الاستعمال الجميل الذي لا نعرفه لهذا الفعل فقد اشتهر الفعل «تولّى» بمعنى ذهب وانصرف.

وتولّى الأمر ، أي باشره ولزمه وأخذه. وتولّى الله جعله وليا له ، أي : ناصرا. وهذا الاستعمال القرآني الأخير مما لا نعرفه في العربية المعاصرة.

٨ ـ وقال تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) [الآية ٥٩].

وقرأ الحسن : (هل تنقمون) بفتح القاف ، والفصيح كسرها ، والمعنى هل تعيبون منا وتنكرون إلّا الايمان بالكتب المنزلة كلها (١).

أقول : ومن هذا الاستعمال قول علي بن أبي طالب (ع) :

ما تنقم الحرب العوان منّي

بازل عامين فتيّ سنيّ

ويقال : نقمت الأمر ونقمته ، أي : كرهته ، وقال تعالى :

(وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ) [البروج / ٨].

أي : أنكروا منهم.

ومثله قوله تعالى : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) [التوبة / ٧٤].

وليس لنا من الفعل «نقم» إلا المزيد «انتقم» ، ومعناه مشهور. فأما المجرد فلا نعرف منه في العربية المعاصرة إلا المصدر «النقمة».

__________________

(١). «الكشاف» ١ / ٦٥٠.

٢٤٣

وما أرانا إلا أن نعود الى هذا الفعل وغيره ، فنعيده إلى الاستعمال الحديث.

٩ ـ وقال تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [الآية ٦٨].

والمعنى : لستم على دين يعتدّ به حتى يسمّى شيئا لفساده وبطلانه.

أقول : وقوله تعالى : (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) [الآية ٦٨] لبيان أنه لا قيمة له ، نظير قولنا : إن هذا ليس بشيء مثلا ، إقرارا منّا بأنه فاقد القيمة.

١٠ ـ وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٩).

موضع الإشكال في هذه الآية مجيء «الصابئون» بالواو وسنعرض لما قيل في ذلك من كلام طويل.

وعندي أن قراءة أبيّ غير المشهورة «والصابئين» وجيهة مقبولة تنفي عنا هذا الإشكال ، والتعقيد الذي سنعرض له. ماذا قيل في هذه المشكلة النحوية؟

«الصابئون» رفع على الابتداء ، وخبره محذوف ، والنيّة به التأخير عما في حيّز إنّ من اسمها وخبرها ، كأنّه قيل : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا ، والصابئون كذلك ، وانشد سيبويه :

وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم

بغاة ما بقينا في شقاق

 أي : فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك فإن قلت : هلّا زعمت أنّ ارتفاعه للعطف على محل إنّ واسمها؟

قلت : لا يصح ذلك قبل الفراغ من الخبر ، لا تقول : إن زيدا وعمرو منطلقان.

فإن قلت : لم لا يصحّ ، والنيّة به التأخير ، فكأنّك قلت : ان زيدا منطلق وعمرو؟ قلت : لأني إذا رفعته رفعته عطفا على محل إنّ واسمها ، والعامل في محلهما هو الابتداء ، فيجب أن يكون هو العامل في الخبر لأن الابتداء ينتظم الجزأين في عمله كما تنتظمهما «إنّ» في عملها ، فلو رفعت «الصابئون» المنويّ به التأخير بالابتداء وقد رفعت الخبر بأنّ ، لأعملت فيهما رافعين مختلفين. فإن قلت : فقوله : «والصابئون» معطوف لا بدّ له من معطوف عليه فما هو؟ قلت : هو مع

٢٤٤

خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ولا محل لها كما لا محلّ للتي عطفت عليها ، فإن قلت : ما التقديم والتأخير إلّا لفائدة ، فما فائدة هذا التقديم؟ قلت : فائدته التنبيه على أن الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالا ، وأشدّهم غيّا ، وما سمّوا صابئين إلّا لأنّهم صبئوا عن الأديان كلها. أي : خرجوا (١) .... وفي حاشية الشيخ أحمد بن المنير الإسكندري المسماة (الانتصاف) جاء : ...... ولكن ثمّ سؤال متوجّه ، وهو أن يقال : لو عطف «الصابئين» ونصبه كما قرأ ابن كثير لأفاد أيضا دخولهم في جملة المتوب عليهم ، ولفهم من تقديم ذكرهم على النصارى ما يفهم من الرفع من أن هؤلاء الصابئين ، وهم أوغل الناس في الكفر يتاب عليهم ، فما الظنّ بالنصارى ، ولكان الكلام جملة واحدة بليغا مختصرا ، والعطف إفرادي ، فلم عدل عن النصب إلى الرفع وجعل الكلام جملتين. (٢) .....

أقول : ما كان أغنانا عن هذه التوجيهات والأقوال النحوية التي لا تخلو من التعسّف والتكلّف ، لو أخذنا بقراءة أبيّ وابن كثير على نصب «الصابئين» ، وهل من حاجة إلى هذه التأويلات لنجري هذه القراءة المشهورة التي ثبتت في المصحف ، ولم يكتب للقراءة الأخرى هذه الشهرة؟

أقول هذا لأني أجد مثل هذه القراءة المرفوضة ، أي : على النصب في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة / ٦٢].

وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الحج / ١٧].

أترى الزمخشري وغيره من المفسرين والنحاة ، كانوا قد اتبعوا الأسلوب الذي سلكوه في توجيه «الصابئون» ، أي الآية التي هي موضع درسنا. ولو أن قراءة شاذة قد وردت في هاتين الآيتين من سورتي البقرة والحج ، فجاءت كلمة «الصابئين» ،

__________________

(١). «الكشاف» ١ / ٦٦٠ ـ ٦٦١.

(٢). المصدر السابق.

٢٤٥

مرفوعة على شذوذ القراءة ، لكان لهم أن يتبعوا الأسلوب الذي أتينا على ذكره بما فيه من الحذلقة والتزيّد.

كلمة أخيرة :

الذي أراه في توجيه «الصابئون» أن القراءة صحيحة ، ولكن أقول : إن نحو العربية في باب الجمع المذكور بالواو والنون والياء والنون ، في عصر القرآن ، لم يكن قد استقر فتخلص من اللغات الخاصة ، وهذا يعني أن الواو والنون كانتا سمة وعلامة للجمع كيفما كان موضع الكلمة من الإعراب ، فالواو والنون علامة الجمع ، كما أن الياء والنون علامة أخرى ، وأما اختصاص كل منهما بحالة إعراب خاصة فقد استفادته العربية شيئا فشيئا حتى استقر على هذا النحو الذي نعرفه في النحو العام المشهور. ثم ألم يقولوا : إن «اللذون» لغة في «الذين» ، وأن الواو لازمة في هذا الموصول كما في الشاهد المعروف :

نحن اللذون صبّحوا الصّباحا

ثم ألم يقرأ الحسن : (تنزّل الشياطون) (١)؟

١١ ـ وقال تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) [الآية ٧١].

في هذه الآية مسألة تتصل ب «كثير» لا بد من الوقوف عليها.

قالوا : «كثير» بدل من الضمير ، أو على قولهم : أكلوني البراغيث.

أقول :

ما أظن أن القول بأن الآية جرت على لغة «أكلوني البراغيث» قول سديد مقبول ، وذلك لأن هذه اللغة قد خصت بها قبيلة واحدة هي بنو الحارث بن كعب ، ولكني أقول : إن الفاعل هو «كثير» وهو أقوى في الفاعلية من «الواو» الذي سمّي «ضميرا» وليس الواو إلا إشارة إلى أن الفاعل «جمع» أو دالّ على الجمع وهو «كثير» في الآية.

__________________

(١). أقول : ألم يأتنا في كتب البلدان : فلسطون ونصيبون وصريفون في فلسطين ونصيبين وصريفين ، أريد أن أقول كما تكون الواو والنون لازمة كذلك الياء والنون لازمة في جمع المذكر العاقل وغيره كالاسم الموصول مثلا.

٢٤٦

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «المائدة» (١)

قال تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [الآية ١] ، (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) [الآية ١]. ففي قوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) نصبت (غير) على الحال (٢).

وقال تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) [الآية ٢] واحدها «شعيرة».

وقال (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) [الآية ٢] ف «الشنئان» متحرك مثل «الدرجان» و «الميلان» ، وهو من «شنئته» ف «أنا أشنؤه» «شنئانا». (لا يَجْرِمَنَّكُمْ) أي : لا يحقّنّ لكم (٣). لأنّ قوله تعالى (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) [النحل / ٦٢] إنّما هو حقّ أنّ لهم النار. قال الشاعر (٤) [من الكامل وهو الشاهد الثمانون بعد المائة] :

ولقد طعنت أبّا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا (٥).

اي : حقّ لها.

وقوله تعالى : (أَنْ صَدُّوكُمْ)

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن للأخفش» ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). نقله في الكشاف ١ / ٦٠١ ونقل في زاد المسير ٢ / ٢٦٩ واعراب القرآن ١ / ٢٦٥ والجامع ٦ / ٣٦ والبحر ٣ / ٤١٤.

(٣). نقله في التهذيب ١١ / ٦٥ «جرم» والجامع ٦ / ٤٤ و ٤٥ واللسان جرم.

(٤). هو أبو أسماء بن الضريبة مجاز القرآن ١ / ٣٥٨ والخزانة ٤ / ٣١٤ واللسان «جرم» ، وقيل هو عطية بن عفيف مجاز القرآن ١ / ٣٥٨ والخزانة ٤ / ٣١٤ ، وقيل هو الفرزدق الخزانة كالسابق ، وقيل الفزاري الكتاب ، وتحصيل عين الذهب ١ / ٤٦٩.

(٥). في معاني القرآن ٢ / ٩ ب «تغضبا» وفي الخزانة كما سبق «أبا عبيدة» وقد جاء في ٤ / ٣١٠ كما جاء في رواية الأخفش.

٢٤٧

[الآية ٢] (١) يقول : «لأن صدّوكم» وقد قرئت (إن صدّوكم) (٢) على معنى «إن هم صدّوكم» أي : «إن هم فعلوا» أي : إن همّوا ولم يكونوا فعلوا. وقد تقول ذلك أيضا وقد فعلوا كأنك تحكي ما لم يكن ؛ كقول الله تعالى (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) [يوسف / ٧٧] وكانت السرقة عندهم قد وقعت.

وقال تعالى : (أَنْ تَعْتَدُوا) [الآية ٢] أي : لا يحقّنّ لكم شنئان قوم أن تعتدوا. أي : لا يحملنّكم ذلك على العدوان. ثم قال (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) [الآية ٢].

وقال تعالى : (وَالْمَوْقُوذَةُ) [الآية ٣] من «وقذت» ف «هي موقوذة».

(وَالنَّطِيحَةُ) [الآية ٣] فيها الهاء [اي التاء المربوطة] لأنها جعلت كالاسم مثل «أكيلة الأسد». وانما تقول «هي أكيل» و «هي نطيح» لأنّ كل ما فيه «مفعولة» ف «الفعيل» فيه بغير الهاء نحو «القتيل» و «الصريع» إذا عنيت المرأة و «هي جريح» لأنك تقول «مجروحة».

وقال تعالى : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) [الآية ٣] (٣) ولغة يخففون «السبع» (٤).

(وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [الآية ٣] وجميعه : «الأنصاب».

(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) [الآية ٣] يقول : «وحرّم ذلك» وواحدها «زلم» و «زلم» (٥).

وقال تعالى : (مَخْمَصَةٍ) [الآية ٣]

__________________

(١). هي في الطبري ٩ / ٤٨٧ إلى بعض أهل المدينة وعامة قراء الكوفيين وفي السبعة ٢٤٢ الى نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وفي الكشف ١ / ٤٠٥ والتيسير ٩٨ والبحر ٣ / ٤٢٢ الى غير أبي عمرو وابن كثير من السبعة. وفي حجّة ابن خالويه ١٠٤ بلا نسبة وفي معاني القرآن ١ / ٣٠٠ لم تنسب قراءة.

(٢). في الطبري ٩ / ٤٨٨ الى بعض قراء الحجاز والبصرة وانتصر لها بقراءة ابن مسعود «ان يصدوكم» ، وفي السبعة ٢٤٢ والكشف ١ / ٤٠٥ والتيسير ٩٨ الى ابن كثير وابي عمرو وزاد في البحر ٣ / ٤٢٢ ابن مسعود ، وزاد في الجامع ٦ / ٤٦ انها اختيار ابي عبيد وأنّ الأعمش قرأ «ان يصدوكم» وفي حجة ابن خالويه ١٠٤ بلا نسبة.

(٣). وعليها في الجامع ٦ / ٥٠ قراءة ابن مسعود وابن عباس.

(٤). وفي الجامع ٦ / ٥٠ قراءة الحسن وابي حيوة وفي البحر ٣ / ٤٢٣ زاد الفياض وطلحة بن سليمان ، ورويت عن ابي بكر عن عاصم ، ورويت عن الحسن. ويبدو مما في ١٧٣ «اللهجات» أنّ الإسكان لغة تميم ، وقياسا على ما جاء في «لهجة تميم» ١٦٦ أيضا.

(٥). نقله في التهذيب ١٣ / ٢١٩ «زلم» منسوبا إلى الأخفش وحده.

٢٤٨

تقول : «خمصه الجوع» نحو «المغضبة» لأنّه أراد المصدر.

وقال (يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الآية ٣] مهموزة الياء الثانية وهي من «فعل» «يفعل» وكسر الياء الأولى لغة نحو «لعب» (١) ؛ ومنهم من يكسر اللام والعين (٢) ويسكنون العين ويفتحون اللّام أيضا (٣) ويكسرونها (٤) وكذلك «يئس». وذلك أنّ «فعل» ، إذا كان ثانيه احد الحروف الستة (٥) ، كسروا اوله وتركوه على الكسر ، كما يقولون ذلك في «فعيل» نحو «شعير» و «صهيل» (٦). ومنهم من يسكن الثانية ويكسر الأولى نحو «رحمه‌الله» فلذلك تقول : «يئس» تكسر الياء وتسكن الهمزة (٧). وقد قرئت هذه الآية (نعم ما يعظكم به) [النساء / ٥٨] (٨) على تلك اللغة التي يقولون فيها «لعب» (٩). وأناس يقولون «نعم الرّجل زيد» (١٠) فقد يجوز كسر هذه النون التي في «نعم» ، لأن التي بعدها من الحروف الستة ، كما كسر «لعب». وقولهم : «ان العين ساكنة من «نعمّا» إذا أدغمت خطأ لأنه لا يجتمع ساكنان. ولكن إذا شئت أخفيته فجعلته بين الإدغام والإظهار ، فيكون في زنة متحرك ، كما قرئت (إنّي ليحزنني) [يوسف / ١٣] يشمون النون الأولى الرفع (١١).

__________________

(١). هي لهجة تميم «لهجة تميم ١٦٧» واللهجات العربية ١٦٧.

(٢). الهامش السابق

(٣). الهامش السابق أيضا

(٤). الهامش السابق أيضا

(٥). هي حروف الحلق الستة الهمزة والعين والهاء والحاء والخاء والغين.

(٦). ما جاء في المصادر الطبري ٢ / ٢٣٨ والكتاب ٢ / ٢٥٥ والمخصص ١٤ / ٢١٤ يقول ان هذه لغة تميم.

(٧). في الكتاب كالسابق بلا عزو وفي «لهجة تميم ١٦٧» و «اللهجات ١٦٧» نسبت الى تميم.

(٨). وهي في رسم المصحف الشريف «نعمّا».

(٩). هي في السبعة ١٩٠ قراءة ابن كثير وقراءة عاصم ونافع في رواية. وفي الجامع ٣ / ٣٣٤ الى ابي عمرو ونافع في رواية ورش وعاصم في رواية حفص وابن كثير.

(١٠). أورد هذه اللغة في الجامع ٣ / ٣٣٤ وهي لغة قريش «اللهجات ١٦٧ و ١٦٨ و ١٦٩».

(١١) قراءة تضعيف النون ولا يكون الإشمام الا بها ، هي في البحر ٥ / ٢٨٦ إلى زيد بن علي وابن هرمز وابن محيصن وقراءة الفك الى الجمهور.

٢٤٩

وقال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [الآية ٣] لأن الإسلام كان فيه بعض الفرائض ، فلما فرغ الله جل جلاله ممّا أراد منه قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [الآية ٣] لا على غير هذه الصفة.

وقال تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣) كأنه قال : «فإنّ الله له غفور رحيم». كما تقول «عبد الله ضربت» تريد : ضربته. قال الشاعر [من الوافر وهو الشاهد الحادي والثمانون بعد المائة] :

ثلاث كلّهنّ قتلت عمدا

فأخزى الله رابعة تعود (١)

وقال الآخر (٢) [من الرجز وهو الشاهد الثاني والثمانون بعد المائة] :

قد أصبحت (٣) أم الخيار تدّعي عليّ ذنبا كلّه لم أصنع (٤) وقال تعالى : (ما ذا أُحِلَ) [الآية ٤] فان شئت جعلت «ذا» بمنزلة «الذي» وان شئت جعلتها زائدة كما قال الشاعر (٥) [من البسيط وهو الشاهد الثالث والثمانون بعد المائة] :

يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم

لا يستفقن الى الديرين تحنانا (٦)

ف «ذا» لا تكون هاهنا إلّا زائدة. إذ لو قلت : «ما الذي بال نسوتكم» لم يكن كلاما.

وقال تعالى : (الْجَوارِحِ) [الآية ٤] وهي الكواسب كما تقول : «فلان جارحة أهله» و «مالهم جارحة» أي : مالهم مماليك «ولا حافرة».

وقال تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) [الآية ٤] ، فأدخل «من» كما أدخلها في : «كان من حديث» و «قد

__________________

(١). الشاهد في تحصيل عين الذهب ١ / ٤٤ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٣٢٦ ، والخزانة ١ / ١٧٧ بلا عزو.

(٢). هو أبو النّجم العجلي : الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ / ٤٤ ، وفي تحصيل عين الذهب وحده ١ / ٢١٨ ، ومجاز القرآن ٢ / ٨٤.

(٣). في معاني القرآن ١ / ١٤٠ و ٢٤٢ و ٢ / ٩٥ ب «علقت».

(٤). والشاهد بعد في الكتاب ١ / ٦٩ س ٥ و ٧٣ س ١٠ قطعة منه.

(٥). هو جرير بن عطية بن الخطفي. الديوان ١ / ١٦٧.

(٦). البيت بعد في مغني اللبيب ١ / ٣٠١.

٢٥٠

كان من مطر». وقوله (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) [البقرة / ٢٧١] (١) و (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) [النور / ٤٣] (٢). وهو فيما فسر «ينزّل من السّماء جبالا فيها برد». وقال بعضهم في قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) أي : في السّماء جبال من برد. أي : يجعل الجبال من برد في السّماء ويجعل الإنزال منها.

وقال تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) [الآية ٥] فيعني به الرجال.

وقال تعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) [الآية ٥] (و) أحلّ لكم (الْمُحْصَناتُ) من النساء (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي : أحلّ لكم في هذه الحال.

وقال تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) [الآية ٦] فردّه الى «الغسل» في قراءة بعضهم (٣) لأنه قال : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [الآية ٦] وقرأ بعضهم : (وأرجلكم) (٤) على المسح أي : وامسحوا بأرجلكم. وهذا لا يعرفه الناس. وقال ابن عباس (٥) : «المسح على الرّجلين يجزئ» ويجوز

__________________

(١). قد نقل عنه في الإملاء ١ / ٥١ والبحر ١ / ٣٠٦ وشرح المفصل لابن يعيش ٨ / ١٣ والأشباه والنظائر ٤ / ٤٤ واعراب القرآن للزجاج ٢ / ٦٧٣ وزاد المسير ٢ / ٢٩٤.

(٢). وقد نقل عنه في الإملاء ٢ / ١٥٨ واعراب القرآن ٧٢٦ والجامع ١٢ / ٢٨٩ وشرح المفصل لابن يعيش ٨ / ١٤ والتمام لابن جني ١٤٩ والبحر ٤٦٤.

(٣). هي في معاني القرآن ١ / ٣٠٢ قراءة عبد الله بن مسعود ، وفي الطبري ١٠ / ٥٢ ـ ٥٧ الى جماعة من قراء الحجاز والعراق ، والى علي بن أبي طالب وابن عباس وعروة وعبد الله واصحاب عبد الله ومجاهد والأعمش والضحّاك ، وفي الجامع ٦ / ٩١ الى نافع وابن عامر والكسائي ، وزاد في البحر ٣ / ٤٣٨ والتيسير ٩٨ حفصا ، وكما زاد في السبعة ٢٤٢ و ٢٤٣ ، بدل حفص عاصما في رواية ، وفي الكشف ١ / ٤٠٦ و ٤٠٧ كما في التيسير ، وزاد نسبتها الى علي بن ابي طالب وابن مسعود وابن عباس وعروة بن الزبير وعكرمة ومجاهد والسدي.

(٤). انتصر لها في معاني القرآن ١ / ٣٠٢ بحديث وفي الطبري ١٠ ـ ٥٧ ـ ٦٤ الى جماعة من قراء الحجاز والعراق ، وأنس ، وقتادة ، وعلقمة ، والأعمش ، ومجاهد ، والشعبي ، وابي جعفر ، والضحاك ، وفي السبعة ٢٤٣ الى ابن كثير ، وحمزة ، وابي عمرو ، والى عاصم ، في رواية. وفي التيسير ٩٨ الى غير من أخذ بالسابقة ، وزاد في الكشف ١ / ٤٠٦ نسبتها الى الحسن والحسين ، وأنس بن مالك ، وعلقمة ، والشعبي ، والحسن ، والضحّاك ، ومجاهد ، وفي الجامع ٦ / ٩١ الى ابن كثير ، وحمزة ، وأبي عمرو ، وزاد في البحر ٣ / ٤٣٧ أبا بكر ، وأنسا ، وعكرمة ، والشعبي ، والباقر ، وقتادة ، وعلقمة ، والضحّاك ، وفي حجّة ابن خالويه ١٠٤ بلا نسبة.

(٥). عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي الكريم ترجمته في طبقات ابن الخياط ٤ ، ووفيات الأعيان ٣ / ٦٢ ، ونكت الهميان ١٨٠.

٢٥١

الجر على الإتباع وهو في المعنى «الغسل» (١) نحو «هذا جحر ضبّ خرب». والنصب أسلم وأجود من هذا الاضطرار. ومثله قول العرب : «أكلت خبزا ولبنا» واللبن لا يؤكل. ويقولون : «ما سمعت برائحة أطيب من هذه ولا رأيت رائحة أطيب من هذه» و «ما رأيت كلاما أصوب من هذا». قال الشاعر (٢) [من مجزوء الكامل وهو الشاهد الرابع والثمانون بعد المائة] :

يا ليت زوجك قد غدا

متقلّدا سيفا ورمحا (٣)

ومثله (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) [الآية ٢](وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) [الآية ٢].

وقال تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) [الآية ٦] أي : ما يريد الله ليجعل عليكم حرجا.

وقال تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٩) كأنه فسر الوعد ليبين ما وعدهم أي : هكذا وعدهم فقال (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).

وقال تعالى : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) [الآية ١٢](لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [الآية ١٢] فاللام الأولى على معنى القسم والثانية على قسم آخر.

وقال تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) [الآية ١٤]. كما تقول : «من عبد الله أخذت درهمه» (٤).

وقال تعالى : (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) [الآية ٢٢] فعملت «إنّ» في «القوم» وجعلت الصفة «جبارين» لأنّ «فيها» ليس باسم.

وقال تعالى : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) [الآية ٢٦] فهي من «أسي» «يأسى» «أسى شديدا» وهو الحزن. و «يئس» من «اليأس» وهو انقطاع الرجاء من «يئسوا» وقوله تعالى : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) [يوسف / ٨٧] : أي

__________________

(١). نقل عنه في المشكل ١ / ٣٠١ ، و ٣٠٢ والجامع ٦ / ٩٤ ، وإعراب القرآن ١ / ٦٤ «المقدمة» و ١ / ٢٧٠.

(٢). هو عبد الله بن الزبعرى. الكامل ١ / ٢٨٩.

(٣). والبيت في معاني القرآن ١ / ١٢١ و ٤٧٣ وفي ٣ / ١٢٣ ب «ورأيت زوجك في الوغى» وفي الإنصاف ٢ / ٣٢٢ ب «يا ليت بعلك في الوغى».

(٤). هو جرير بن عطية بن الخطفي. الديوان ١ / ١٦٧.

٢٥٢

انقطاع الرجاء وهو من : يئست وهو مثل «أيس» في تصريفه. وإن شئت مثل «خشيت» في تصريفه. وأما «أسوت» «تأسوا» «أسوا» فهو الدواء للجراحة. و «است» «أؤوس» «أوسا» في معنى : أعطيت. و «است» قياسها «قلت» و «أسوت» قياسها «غزوت».

وقال تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ) [الآية ٢٧] فالهمزة ل «نبأ» لأنها من «أنبأته». وألف «ابني» تذهب لأنها ألف وصل في التصغير. وإذا وقفت قلت «نبأ» مقصور ولا تقول «نبا» لأنها مضاف فلا تثبت فيها الألف.

وقال تعالى : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) [الآية ٣٠] مثل [فطوّقت] ومعناه : «رخّصت» (١) وتقول «طوّقته أمري» أي : عصبته به.

وقال تعالى : (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ) [الآية ٣١] فنصب «فأواري» لأنّك عطفته بالفاء على «أن» وليس بمهموز لأنه من «واريت» وإنما كانت «عجزت» لأنها من «عجز» «يعجز» وقال بعضهم «عجز» «يعجز» (٢) ، و «عجز» «يعجز» (٣). وقال تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [الآية ٣٢]. وان شئت أذهبت الهمزة من (أَجْلِ) وحركت النون في لغة من خفف الهمزة (٤). و «الأجل» : الجناية من «أجل» «يأجل» ، تقول : «قد أجلت علينا شرا» ويقول بعض العرب «من جرّا» من : «الجريرة» ويجعله على «فعلى».

وقال تعالى : (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) [الآية

__________________

(١). نقله في زاد المسير ٢ / ٣٣٧ والبحر ٤٦٤ والصحاح «طوع» اما في «طوق» فقال : «طوقت له نفسه» لغة في طوعت : أي : رخصت وسهلت حكاها الأخفش.

(٢). يبدو مما جاء في ٤٤٥ من «اللهجات» ، أنّه لا اختصاص لقبيلة ، بصيغة من هاتين الصيغتين.

(٣). هي لغة لبعض قيس في رأي الفرّاء ، وعدها الكسائي لحنا ، والميمني لغة رديئة اللهجات ٤٤٨ ، وقد قرأ بها الحسن ، كما ذكر ذلك الجامع ٦ / ١٤٥.

(٤). انظر تخفيف الهمزة فيما سبق ، وقراءة تخفيف الهمزة في «أجل» وفتح النون هي في حجة ابن خالويه ١٠٥ ، قراءة نافع برواية ورش ، واقتصر في الشواذ ٣٢ على ورش ، وفي البحر ٣ / ٤٦٨ كذلك. وفي الكشّاف ١ / ٦٢٧ بلا نسبة. وفي الجامع ٦ / ١٤٥ ، والكشّاف ١ / ٦٢٧ ، والبحر ٣ / ٤٦٨ نسبت القراءة ، بكسر النون وتخفيف الهمزة ، الى ابي جعفر يزيد بن القعقاع.

٢٥٣

٣٢] كأنه يقول «أو بغير فساد في الأرض».

وقال تعالى : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) [الآية ٣٦] كأنّه يقول : «لو أنّ هذا معهم للفداء ما تقبّل منهم».

وقال تعالى : (لا يَحْزُنْكَ) [الآية ٤١] خفيفة مفتوحة الياء (١) وأهل المدينة يقولون (يحزنك) (٢) يجعلونها من «أحزن» والعرب تقول : «أحزنته» و «حزنته».

وقال تعالى : (الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) [الآية ٤١] أي : «من هؤلاء ومن هؤلاء» ثم قال مستأنفا : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) [الآية ٤١] أي : هم سمّاعون. وان شئت جعلته على (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) [الآية ٤١](سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) ثم تقطعه من الكلام الأول. ثم قال تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) [الآية ٤٢] على ذلك الرفع للأول وأما قوله تعالى : (لَمْ يَأْتُوكَ) [الآية ٤١] فههنا انقطع الكلام والمعنى «ومن الّذين هادوا سمّاعون للكذب (٣) يسمعون كلام النبيّ (ص) ليكذبوا عليه سماعون لقوم آخرين لم يأتوك بعد» اي : «يسمعون لهم فيخبرونهم وهم لم يأتوك».

وقال تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) [الآية ٤٥] إذا عطف على ما بعد «أنّ» نصب (٤) والرفع على الابتداء (٥) كما تقول : «إنّ زيدا منطلق وعمرو

__________________

(١). هي في الجامع ٦ / ٨١ قراءة غير نافع. وهي لغة قريش عنده.

(٢). هي في الجامع ٦ / ١٨١ قراءة نافع وهي عنده لغة تميم وفي الكشاف ١ / ٦٣٢ والإملاء ١ / ٢١٥ بلا نسبة.

(٣). نقله في زاد المسير ٢ / ٣٥٧.

(٤). نسبت في معاني القرآن ١ / ٢١٠ الى حمزة ، وزاد في السبعة ٢٤٤ عاصما وزاد نافعا ، في رواية ، وفي الكشف ١ / ٤٠٩ ، والبحر ٣ / ٤٩٤ ، نسبت الى ثلاثتهم ، بلا تمييز ، وفي التيسير ٩٩ الى غير ابن كثير ، وابن عامر ، وأبي عمرو ، وفي حجّة ابن خالويه ١٠٥ بلا نسبة.

(٥). في معاني القرآن ١ / ٢١٠ الى الكسائي ، ورفعها الى الرسول الكريم ، وفي السبعة ٢٤٤ الى ابن كثير ، وأبي عمرو وابن عامر والكسائي ، والى نافع في رواية ، وأهمل في التيسير ٩٩ نافعا ، والكسائي ، وفي الكشف ١ / ٤٠٩ الى غير نافع ، وحمزة ، وعاصم ، وخصّ الكسائي وحده بالذكر ، من قرّائها وفي حجّة ابن خالويه ١٠٥ بلا نسبة. والرأي في معاني القرآن كما سبق.

٢٥٤

ذاهب» ، وإن شئت قلت : «وعمرا ذاهب» نصب ورفع.

وقال تعالى : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) [الآية ٤٦] لأن بعضهم يقول : «هي الإنجيل» وبعضهم يقول «هو الإنجيل». وقد يكون على ان الإنجيل كتاب فهو مذكر في المعنى فذكروه على ذلك. كما قال تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا) ثم قال (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) [النساء / ٨] (١) فذكّر والقسمة مونثة لأنها في المعنى «الميراث» و «المال» ، فذكر على ذلك.

وقال تعالى : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [الآية ٤٨] أي : «وشاهدا عليه» بالنصب على الحال.

وقال تعالى : (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [الآية ٤٨] ف «الشّرعة» : الدين ، من «شرع» «يشرع» ، و «المنهاج» : الطريق من «نهج» «ينهج».

وقال تعالى : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [الآية ٥١] ثم قال : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [الآية ٥١] على الابتداء.

وقال تعالى : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [الآية ٦٠] أي : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) [الآية ٦٠](وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ).

وقال تعالى : (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) [الآية ٦٣] وقال (عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ) [الآية ٦٣] بنصبهما بإسقاط الفعل عليهما.

وقال تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) [الآية ٦٤]. فذكروا [ان اليد ، هنا] «العطيّة» و «النّعمة». وكذلك (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [الآية ٦٤] كما تقول : إنّ لفلان عندي يدا» أي : نعمة. وقال تعالى (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) [ص / ٤٥] أي : أولي النّعم. وقد تكون «اليد» في وجوه ، تقول : «بين يدي الدار» تعني : قدّامها ، وليس للدار يدان.

وقال تعالى : (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [الآية ٦٧] (٢) قرأ بعضهم (رسالاته) (٣)

__________________

(١). النساء ٤ / ٨ وقد سبق له الإشارة الى هذا في الآية المذكورة.

(٢). هي في السبعة ٢٤٦ قراءة ابي عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وابن كثير ، وقراءة عاصم في رواية ، وفي الجامع ٦ / ٢٤٤ الى ابي عمرو ، وأهل الكوفة ، وفي الكشف ١ / ٤١٥ والتيسير ١٠٠ الى غير نافع ، وابن عامر ، وابي بكر ، وفي البحر ٣ / ٥٣٠ إلى غير من قرأ بالأخرى ، وفي حجّة ابن خالويه ١٠٨ بلا نسبة.

(٣). في السبعة ٢٤٦ الى نافع ، والى عاصم في رواية ، وفي الكشف ١ / ٤١٥ والتيسير ١٠٠ والبحر ٣ / ٥٣٠ الى نافع ، وابن عامر ، وأبي بكر ، وفي الجامع ٦ / ٢٤٤ الى اهل المدينة ، وفي حجّة ابن خالويه ١٠٧ بلا نسبة.

٢٥٥

وكلّ صواب لأنّ «الرسالة» قد تجمع «الرّسائل» ، كما تقول «هلك البعير والشّاة» ، و «أهلك الناس الدينار والدرهم» ، تريد الجماعة.

وقال تعالى : (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) [الآية ٦٩] ، وقال في موضع آخر (وَالصَّابِئِينَ) [البقرة / ٦٢ والحج / ١٧] ، والنصب القياس على العطف على ما بعد (إِنَ) فأما هذه فرفعها على وجهين ، كأن قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) [الآية ٦٩] في موضع رفع في المعنى لأنه كلام مبتدأ لأنّ قوله : «إنّ زيدا منطلق» و «زيد منطلق» من غير ان يكون فيه «إنّ» في المعنى سواء ، فان شئت إذا عطفت عليه شيئا جعلته على المعنى. كما قلت : «إن زيدا منطلق وعمرو». ولكنه إذا جعل بعد الخبر فهو أحسن واكثر. وقال بعضهم : «لما كان قبله فعل شبه في اللفظ بما يجري على ما قبله ، وليس معناه في الفعل الذي قبله وهو (الَّذِينَ هادُوا) [الآية ٦٩] أجري عليه فرفع به وان كان ليس عليه في المعنى (١) ، ذلك أنه تجيء أشياء في اللفظ لا تكون في المعاني ، منها قولهم : «هذا جحر ضبّ خرب» ، وقولهم «كذب عليكم الحجّ» يرفعون «الحج» «بكذب» وإنما معناه عليكم الحج نصب بأمرهم (٢). وتقول : «هذا حبّ رمّاني» فتضيف «الرّمان» إليك وإنّما لك «الحبّ» وليس لك «الرّمّان». فقد يجوز اشباه هذا والمعنى على خلافه.

وقال تعالى : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) [الآية ٧١] ولم يقل «ثمّ عمي وصمّ» وهو فعل مقدّم ، لأنه أخبر عن قوم أنهم عموا وصمّوا ، ثم فسّر كم صنع ذلك منهم كما تقول «رأيت قومك ثلثيهم» (٣) ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء / ٣] وإن شئت جعلت الفعل للآخر فجعلته على لغة الذين يقولون : «أكلوني البراغيث» (٤) كما قال (٥) [من

__________________

(١). نقله في اعراب القرآن ١ / ٢٨٧ والجامع ٦ / ٢٤٦ مشركا معه فيه الكسائي ولعل هذا ما دفع الأخفش الى نسبة الرأي الى «بعضهم» والبيان ١ / ٣٠٠ والإملاء ١ / ٢٢٢.

(٢). نقله في الصحاح بشيء من التغيير «كذب».

(٣). نقله في اعراب القرآن ١ / ٢٨٨ والجامع ٦ / ٢٤٨.

(٤). وهي لغة ضعيفة لا يليق ان نخرّج بها النصّ القرآني.

(٥). هو الفرزدق همام بن غالب. الديوان ١ / ٥٠ وامالي ابن الشجري ١ / ١٣٣.

٢٥٦

الطويل وهو الشاهد الخامس والثمانون بعد المائة] :

ولكن ديافيّ أبوه وأمّه بحوران يعصرن السّليط أقاربه وقال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) [الآية ٧٣] وذلك انهم جعلوا معه «عيسى» و «مريم». كذلك يكون في الكلام إذا كان واحد مع اثنين قيل «ثالث ثلاثة» كما قال تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ) [التوبة / ٤٠] وانما كان معه واحد. ومن قال : «ثالث اثنين» دخل عليه أن يقول : «ثاني واحد». وقد يجوز هذا في الشعر وهو في القياس الصحيح. قال الشاعر (١) [من الوافر وهو الشاهد السادس والثمانون بعد المائة] :

ولكن لا أخون الجار حتّى يزيل الله ثالثة الأثافي ومن قال : «ثاني اثنين» و «ثالث ثلاثة» قال : «حادي أحد عشر» إذا كان رجل مع عشرة. ومن قال : «ثالث اثنين» قال : «حادي عشرة» فأمّا قول العرب : «حادي عشر» و «ثاني عشر» فهذا في العدد إذا كنت تقول : «ثاني» و «ثالث» و «رابع» و «عاشر» من غير ان تقول : «عاشر كذا وكذا» ، فلما جاوز العشرة أراد أن يقول : «حادي» و «ثاني» ، فكان ذلك لا يعرف معناه إلّا بذكر العشرة ، فضم إليه شيئا من حروف العشرة.

وقال تعالى : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) [الآية ٩٤] على القسم أي : والله ليبلونّكم. وكذلك هذه اللام التي بعدها النون لا تكون إلا بعد القسم.

وقال تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) [الآية ٩٥]. أي فعليه جزاء مثل ما قتل من النّعم.

وقال تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً) [الآية ٩٥] انتصب على الحال (بالِغَ الْكَعْبَةِ) [الآية ٩٥] من صفته وليس (بالِغَ الْكَعْبَةِ) بمعرفة لأن فيه معنى التنوين ، لأنّه إذا قال : «هذا ضارب زيد» في لغة من حذف النون ولم يفعل بعد ، فهو نكرة. ومثل ذلك قوله تعالى : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف / ٢٤] ففيه بعض التنوين غير أنّه لا يوصل اليه من أجل الاسم المضمر.

ثم قال تعالى : (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ

__________________

(١). لم أجد ما يشير الى القائل والقول ، إلّا ما جاء في المنصف ٣ / ٨٢ من عجزه : يخون الدهر ثالثة الاثافي.

٢٥٧

مَساكِينَ) [الآية ٩٥] أي : أو عليه كفارة. رفع منوّن (١) ثم فسّر فقال (طَعامُ مِسْكِينٍ) وقرأ بعضهم (كفّارة طعام مساكين) (٢) بإضافة الكفارة اليه.

وقال تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [الآية ٩٥] (٣) أي : أو عليه مثل ذلك من الصيام. كما تقول : «عليها مثلها زبدا». وقرأ بعضهم : (أو عدل ذلك صياما) فكسر وهو الوجه (٤) لأن «العدل» : المثل. وأمّا «العدل» ، فهو المثل أيضا. وقال (وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ) [البقرة / ١٢٣] أي : مثل ففرقوا بين ذا وبين «عدل المتاع» كما تقول : «امرأة رزان» و «حجر رزين».

وقال تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) [الآية ٩٧](وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) [الآية ٩٧] أي : وجعل لكم الهدي والقلائد.

وقرأ بعضهم (يضركم) بدلا من (يَضُرُّكُمْ) في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ) [الآية ١٠٥] خفيفة ، بالجزم لأنه جواب الأمر ، من «ضار» «يضير» (٥). وقرأ بعضهم (يضرّكم) (٦) فجعل الموضع جزما فيهما جميعا ، الا انّه حرّك لأنّ الرّاء ثقيلة فأولها ساكن فلا يستقيم إسكان آخرها فيلتقي ساكنان وأجود ذلك (لا يَضُرُّكُمْ) (٧) رفع على الابتداء لأنه ليس بعلة لقوله تعالى :

__________________

(١). هي في الطبري ١١ / ٣٠ الى قراء اهل العراق ، وفي السبعة ٢٤٨ إلى ابن كثير ، وعاصم ، وابن عمرو ، وحمزة ، والكسائي ؛ وفي البحر ٤ / ٢١ إلى السبعة عدا الصاحبين ، وأن الأعرج وعيسى بن عمر قرءا كذلك مع توحيد «مسكين» ، وفي الكشف ١ / ٤١٨ والتيسير ١٠٠ الى غير نافع وابن عامر ، وفي حجّة ابن خالويه ١٠٩ بلا نسبة.

(٢). في الطبري ١١ / ٣٠ إلى عامة قراء أهل المدينة ، وفي البحر ٤ / ٢٠ إلى الصاحبين ، وفي السبعة ٢٤٨ ، والكشف ١ / ٤١٨ ، والتيسير ١٠٠ إلى نافع وابن عامر ، وفي حجة ابن خالويه ١٠٩ بلا نسبة.

(٣). القراءة بفتح العين في البحر ٤ / ٢١ إلى الجمهور ، وفي معاني القرآن ١ / ٣٢٠ وجه إعرابي لم ينسب قراءة.

(٤). في الشواذ ٣٥ قراءة منسوبة الى النبي الكريم (ص) ، وعبد الله بن عباس ، وفي البحر ٤ / ٢١ الى عبد الله بن عباس وطلحة بن مصرف والجحدري ، وفي معاني القرآن ١ / ٣٢٠ لم ينسب قراءة ، بل ذكر لغة لبعض العرب.

(٥). في البحر ٣٥ قراءة يحيى وإبراهيم في المحتسب ٢٢٠ ، والبحر ٤ / ٣٧ على إبراهيم وذكره في الثاني بقلبه ، ونقله في اعراب القرآن.

(٦). هي في البحر ٤ / ٣٧ الى أبي حيوة ، وفي معاني القرآن ١ / ٣٢٣ وجه لم ينسب قراءة ، وفي الكشاف ١ / ٦٨٦ أن قراءة أبي حيوة : يضيركم.

(٧). في البحر ٤ / ٣٧ إلى الجمهور ، وفي معاني القرآن ١ / ٣٢٣ لم ينسب هذا الوجه قراءة.

٢٥٨

(عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) وانما أخبر أنّه لا يضرّهم.

وقال تعالى : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) [الآية ١٠٦] ثم قال (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الآية ١٠٦] أي : شهادة بينكم شهادة اثنين. فلما القى «الشهادة» قام «الاثنان» مقامها ، وارتفعا بارتفاعها ، كما (١) (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف / ٨٢] يريد : أهل القرية. وانتصبت «القرية» بانتصاب كلمة «الأهل» وقامت مقامها. ثم عطف (أَوْ آخَرانِ) [الآية ١٠٦] على «اثنان».

وقرأ بعضهم : (من الذين استحقّ عليهم الأوّلين) [الآية ١٠٧] (٢) أي : من الأوّلين الذين استحقّ عليهم. وقرأ بعضهم (الأوليان) (٣) وبها نقرأ. لأنّه حين قال : (يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) [الآية ١٠٧] كان كأنه قد حدّهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى فقال (الْأَوَّلِينَ) فأجرى المعرفة عليهما بدلا (٤). ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير. قال الراجز [وهو الشاهد السابع والثمانون بعد المائة] :

عليّ يوم تملك الأمورا

صوم شهور وجبت نذورا

وبدنا مقلّدا منحورا

فجعله على «أوجب» لأنه في معنى «قد أوجب».

قال تعالى : (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) [الآية ١١٤] بجعل «تكون» من صفة «المائدة» كما (فَهَبْ

__________________

(١). نقله في إيضاح الوقف ٢ / ٦٢٦ ، مع نقص في بعض العبارات وتغيير طفيف.

(٢). في الطبري ١١ / ١٩٤ الى عامة قراء الكوفة ، وفي الكشف ١ / ٤٢٠ والتيسير ١٠٠ الى أبي بكر وحمزة ، وفي الجامع ٦ / ٣٥٩ الى ابن سيرين ، وفي السبعة ٢٤٨ الى حمزة والى عاصم في رواية ، وفي حجة ابن خالويه ١١٠.

(٣). في معاني القرآن ١ / ٣٢٤ هي قراءة الامام علي بن ابي طالب وأبيّ بن كعب ، وفي الطبري ١١ / ١٩٦ الى عامة قراء اهل المدينة والشام والبصرة ، وفي السبعة ٢٤٨ الى ابن كثير ونافع وابي عمرو ونافع وابن عامر والكسائي وعاصم في رواية ، وفي التيسير ١٠٠ الى غير ابي بكر وحمزة ، وزاد في الكشف ١ / ٤٢٠ ان عليه الجماعة ، وفي الجامع ٦ / ٣٥٩ الى ابي بن كعب ، وفي البحر ٤ / ٤٥ الى الحرميين والعربيين والكسائي والامام علي بن ابي طالب وابي وابن عباس والى ابن كثير في رواية قرة عنه.

(٤). نقله في اعراب القرآن للزجاجي ٢ / ٥٧٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦١ والهمع ٢ / ١١٧ ، والاملا ١ / ٢٣٠.

٢٥٩

لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي) [مريم] (١) برفع «يرث» (٢) إذا جعل صفة ، وبجزمه (٣) إذا جعل جوابا (٤) كما تقول : «أعطني ثوبا يسعني» إذا أردت واسعا و «يسعني» إذا جعلته جوابا كأنك تشترط.

وقال تعالى : (وَآيَةً مِنْكَ) [الآية ١١٤] عطف على «العيد» كأنه قال : «يكون عيدا وآية» ، وذكر أنّ قراءة ابن مسعود (٥) (تكن لنا عيدا).

وليس (هَلْ يَسْتَطِيعُ) [الآية ١١٢] لأنهم ظنوا انه لا يطيق. ولكن معناه كقول العرب : أتستطيع أن تذهب في هذه الحاجة وتدعنا من كلامك» ، وتقول : «أتستطيع أن تكفّ عنّي فإنّي مغموم». فليس هذا لأنه لا يستطيع ولكنه يريد «كفّ عنّي» ، ويذكر له الاستطاعة ليحتج عليه أي : إنّك تستطيع. فإذا ذكّره إياها علم أنها حجة عليه. وإنما قرئت (هل تستطيع ربّك) (٦) فيما لديّ لغموض هذا المعنى

__________________

(١). مريم ١٩ / ٦ وقراءة الرفع هي في الطبري ١٦ / ٤٨ الى عامة قراء المدينة ومكة وجماعة من اهل الكوفة وفي السبعة ٤٠٧ الى ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة في الكشف ٢ / ٨٤ والتيسير ١٤٨ الى غير ابي عمرو والكسائي وفي الجامع ١١ / ٨١ الى اهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة وفي البحر ٦ / ١٧٤ الى الجمهور وفي المحتسب ٢ / ٣٨ الى علي بن ابي طالب وابن عباس وابن يعمر وابي حرب بن ابي الأسود والحسن والجحدري وقتادة وابي نهيك وجعفر بن محمد.

(٢). قراءة الرفع في آية المائدة في البحر ٤ / ٥٦ الى الجمهور وفي معاني القرآن ١ / ٣٢٥ بلا نسبة.

(٣). الجزم في آية مريم هو قراءة في معاني القرآن ٢ / ١٦١ يحيى بن وثاب وفي الطبري ١٦ / ٤٨ الى جماعة من اهل الكوفة والبصرة وفي السبعة ٤٠٧ والكشف ٢ / ٨٤ والتيسير ١٤٨ الى ابي عمرو والكسائي وزاد في الجامع ١١ / ٨١ يحيى بن يعمر ويحيى بن وثاب والأعمش وفي البحر ٦ / ١٧٤ الى النحويين والزهري والأعمش وطلحة واليزيدي وابن عيسى الاصفهاني وابن محيصن وقتادة. وفي الشواذ ٨٣ الى ابن عباس والجحدري وفي الحجة ٢٠٩ بلا كشف. أما قراءة الجزم في آية المائدة ، ففي معاني القرآن ١ / ٣٢٥ إلى عبد الله وفي الشواذ ٣٦ إلى ابن مسعود والجامع ٦ / ٣٦٨ الى الأعمش وفي البحر ٤ / ٥٦ زاد عبد الله.

(٤). نقله في البحر ٤ / ٥٦.

(٥). هو عبد الله بن مسعود وقد مرت ترجمته فيما سبق.

(٦). هي في معاني القرآن ١ / ٣٢٥ وقراءة الامام علي بن ابي طالب وعائشة ، وقرأ بها معاذ ورفعها الى رسول الله (ص) ١ / ٣٢٥ وفي الطبري ١١ / ٢١٨ و ٢١٩ الى جماعة من الصحابة والتابعين منهم سعيد بن جبير وتأولت بها عائشة وفي السبعة ٢٤٩ والتيسير ١٠١ الى الكسائي وزاد في البحر ٤ / ٥٤ الامام علي بن ابي طالب ومعاذا وابن عباس وعائشة وابن جبير وفي الجامع ٦ / ٣٦٥ الى النبي الكريم (ص) برواية معاذ وفي حجة ابن خالويه ١٠٩ بلا نسبة. اما القراءة بالياء ففي معاني القرآن ١ / ٣٢٥ الى اهل المدينة وعاصم بن أبي النجود والأعمش ـ

٢٦٠