الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٠

المدينة يقول : فلان يستنكف أن يشتغل سائقا لسيّارة ، والمعنى يأنف ويذهب بنفسه عزّة.

وهذا من الغرائب اللغوية التاريخية وذلك أننا نجد جمهرة من الألفاظ الفصيحة القديمة قد عفا أثرها في الفصيحة المعاصرة ، وبقيت في العامية على أنها استعمال دارج.

١٦١
١٦٢

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «النساء» (١)

قال تعالى : (تَسائَلُونَ بِهِ) [الآية ١] خفيفة لأنها من تساؤلهم فإنهم «يتساءلون» فحذفت التاء الأخيرة ، وذلك كثير في كلام العرب نحو (تكلّمون) وان شئت ثقّلت فأدغمت (٢).

قال الله تعالى (وَالْأَرْحامَ) [الآية ١] منصوبة أي : اتقوا الأرحام (٣). وقرأ بعضهم (وَالْأَرْحامَ) جرّا (٤). والأوّل أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور.

وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١) تقول من «الرقيب» : «رقب» «يرقب» «رقبا» و «رقوبا».

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). هي في الطبري ٧ / ٥١٧ قراءة أهل المدينة والبصرة ، وفي السبعة ٢٢٦ إلى ابن كثير ونافع وابن عامر ، وإلى أبي عمرو في رواية وأجاز ابن عباس القراءتين ، وفي الكشف ١ / ٣٧٥ ، والتيسير ٩٣ الى غير الكوفيين ، وفي الجامع ٥ / ٢ الى أهل المدينة وفي معاني القرآن ١ / ٢٥٣ بلا نسبة. أما قراءة عدم التثقيل ففي الطبري ٧ / ٥١٧ هي قراءة بعض قراء أهل الكوفة وفي السبعة ٢٢٦ إلى عاصم وحمزة والكسائي وإلى أبي عمرو وفي رواية أن ابن عباس أجاز القراءتين وفي الكشف ١ / ٣٧٥ والتيسير ٩٣ والجامع ٥ / ٢ والبحر ٣ / ١٥٦ الى الكوفيين.

(٣). في السبعة ٢٢٦ هي قراءة القراء كلّهم إلا حمزة وفي الكشف ١ / ٣٧٥ والتيسير ٩٣ كذلك وفي البحر ٣ / ١٥٧ الى الجمهور وفي الجامع ٥ / ٤ الى النبي الكريم وفي معاني القرآن ١ / ٢٥٢ والطبري ٧ / ٥٢٠ و ٥٢٣ وحجة ابن خالويه بلا نسبة.

(٤). في معاني القرآن ١ / ٢٥٢ الى أبي عمران ابراهيم بن يزيد النخعي الكوفي وفي السبعة ٢٢٦ والكشف ١ / ٣٧٥ والتيسير ٩٢ إلى حمزة وفي الجامع ٥ / ٢ والبحر ٣ / ١٥٧ إلى ابراهيم النخعي وقتادة والأعمش وحمزة وفي الطبري ٧ / ٥١٩ وحجة ابن خالويه ٩٢ بلا نسبة.

١٦٣

وقال تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) (٢) أي : «مع أموالكم» (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) [الآية ٢] يقول : «أكلها كان حوبا كبيرا».

قال : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) [الآية ٣] لأنه من «أقسط» «يقسط». و «الإقساط» : العدل. واما «قسط» فإنّه «جار» قال تعالى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (١٥) ف «أقسط» : عدل و «قسط» : جار. قال (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٩) [الحجرات].

وقال : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) [الآية ٣] يقول : «فانكحوا واحدة (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ). أي : انكحوا ما ملكت أيمانكم. وأما ترك الصرف في (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [الآية ٣] فإنه معدول عن «اثنين» و «ثلاث» و «أربع» ، كما أن «عمر» معدول عن «عامر» فلم يصرف. وقال تعالى : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [فاطر / ١] بالنصب. وقال (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) [سبأ / ٤٦] فهو معدول كذلك ، ولو سمّيت به صرفت ، لأنه إذا كان اسما فليس في معنى «اثنين» و «ثلاثة» و «أربعة». كما قال «نزال» حينما كان في معنى «انزلوا» وإذا سميت به رفعته.

قال الشاعر (١) [من الوافر وهو الشاهد الثاني والستون بعد المائة] :

أحمّ الله ذلك من لقاء

أحاد أساد في شهر حلال (٢)

وقال (٣) [من الطويل وهو الشاهد الثالث والستون بعد المائة] :

ولكنّما أهلي بواد أنيسه

ذئاب (٤) تبغّى الناس مثنى وموحدا (٥)

وقال تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ

__________________

(١). هو عمرو ذو الكلب الكاهلي وكان جار الهذيل ديوان الهذليين ٣ / ١١٧ واللسان «حمم» وفي مجاز القرآن ١ / ١١٥ إلى صخر الغي الهذلي.

(٢). في ديوان الهذليين ومجاز القرآن وشرح المفصّل لابن يعيش ١ / ٦٢ وهامش المخصّص ١٧ / ١٢٤ صدره : منت لك ان تلاقيني المنايا وفي اللسان «حمم» وديوان الهذليين ب «الشهر الحلال».

(٣). هو ساعدة بن جوية الهذلي ديوان الهذليين ١ / ٢٣٧ والكتاب وتحصيل عين الذهب ٢ / ١٥ والاقتضاب ٤٦٧ ،

(٤). في الديوان واللسان «سباع».

(٥). في الكتاب والتحصيل وشرح المفصل لابن يعيش ١ / ٦٢ و ٨ / ٥٧ وأدب الكاتب ٤٥٨ والاقتضاب وشرح ابن الناظم ٢٦٢ وشرح شواهد ابن الناظم والمقاصد النحوية والجامع والمرتجل ٨١ ب «موحد» مرفوعة.

١٦٤

النِّساءِ) [الآية ٣] يقول : «لينكح كلّ واحد منكم كلّ واحدة من هذه العدّة» كما قال تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور / ٤] يقول : «فاجلدوا كلّ واحد منهم».

وقال : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) [الآية ٤] وواحد «الصّدقات» (١) صدقة وبنو تميم تقول : «صدقة» (٢) ساكنة الدال (٣) مضمومة الصاد.

وقال تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) [الآية ٤] فقد يجري الواحد مجرى الجماعة لأنه إنّما أراد «الهوى» و «الهوى» يكون جماعة. قال الشاعر (٤) [من الطويل وهو الشاهد الرابع والستون بعد المائة] :

بها جيف الحسرى أمّا عظامها

فبيض وأمّا جلدها فصليب (٥)

وأما «هنيء مريء» (٦) فتقول : «هنؤ هذا الطعام ومرؤ» و «هنيء ومريء» ، كما تقول : «فقه» و «فقه» يكسرون القاف ويضمونها. وتقول : «هنأني» و «هنئته» و «استمرأته» (٧).

وقال تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) [الآية ٦] وقال : (آنَسْتُمْ) ممدودة. تقول : «آنست منه رشدا وخيرا» و (آنَسْتُ ناراً) [طه / ١٠ والنمل / ٧] مثلها ممدودة وتقول : «أنست بالرّجل» «أنسا». ويقال «أنسا».

وقال تعالى : (إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) [الآية ٦] يقول لا تأكلوها مبادرة أن يشبّوا.

وقال تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ) [الآية ٧] إلى قوله في الآية نفسها (نَصِيباً مَفْرُوضاً) فانتصابه كانتصاب (كِتاباً مُؤَجَّلاً) [آل عمران / ١٤٥].

__________________

(١). في البحر ٣ / ١٦٦ أن الجمهور على القراءة بفتح الصاد وضم الدال. وفي الكشاف ١ / ٤٦٩ بلا نسبة.

(٢). في الشواذ ٢٤ أنّ أبا السمال وقتادة قرءا بضم الصاد وسكون الدال واقتصر في الجامع ٥ / ٢٤ على قتادة وزاد في البحر ٣ / ١٦٦ قوله «وغيره» وفي الكشاف ١ / ٤٦٩ بلا نسبة.

(٣). نقله في اعراب القرآن ١ / ٢٠٥.

(٤). هو علقمة بن عبدة. ديوانه ٤٠ والكتاب وتحصيل عين الذهب ١ / ١٠٧ والاختيارين ٦٥٢.

(٥). في شرح أبيات الفارقي ٤ / ٢٧٤ ب «القتلى» بدل «الحسرى» وفي الاختيارين «به» بدل «بها».

(٦). الكلام على تتمة الآية في قوله تعالى (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).

(٧). في الصحاح «مرأ» : نقل هذا مع اختلاف يسير.

١٦٥

وقال تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ) [الآية ٨] ثم قال : (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) لأن معناه المال والميراث فذكّر على ذلك المعنى.

وقال تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً) [الآية ٩] لأنه يريد «وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية يخافون عليهم» أي : فلا يفعلنّ ذلك حتى لا يفعله بهم غيرهم «فليخشوا» أي «فليخشوا هذا» أي : فليتّقوا. ثم عاد أيضا فقال : «فليتّقوا الله».

وقال تعالى : (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (١٠) فالياء تفتح (١) وتضم (٢) ها هنا وكل صواب. وقوله (فِي بُطُونِهِمْ) [الآية ١٠] توكيد.

وقال تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [الآية ١١]. فالمثل مرفوع على الابتداء وإنما هو تفسير الوصية كما قال : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٩) [المائدة] فسر الوعد يقول : «هكذا وعدهم» أي : قال «لهم مغفرة». قال الشاعر [من الطويل وهو الشاهد الخامس والستون بعد المائة] :

عشيّة ما ودّ ابن عرّاء أمّه

لها من سوانا إذ دعا أبوان

في قوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) [الآية ١١] ترك الكلام الأول وقيل : «إذا كان المتروكات نساء» نصب ؛ وكذلك قوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً) [الآية ١١].

وقال تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) [الآية ١١] فهذه الهاء التي في «أبويه» ضمير الميت لأنه لما قال : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) [الآية ١١] كان المعنى : يوصي الله الميت قبل

__________________

(١). في الطبري ٨ / ٢٩ هي قراءة عامة قراء المدينة والعراق وفي السبعة ٢٢٧ الى ابن كثير ونافع وابي عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية وفي الكشف ١ / ٣٧٨ والتيسير ٩٤ الى غير أبي بكر وابن عامر وزاد عليهما في الجامع ٥ / ٥٤ عاصما وأبا حيوة وفي البحر ٣ / ١٧٩ الى الجمهور وفي حجة ابن خالويه ٩٥ بلا نسبة وذكر انها لغة وفي الكشاف ١ / ٤٧٩ والإملاء ١ / ١٦٩ كذلك.

(٢). في الطبري ٨ / ٢٩ الى بعض المكيين وبعض الكوفيين وفي السبعة ٢٢٧ الى ابن عاصم وفي رواية الى عاصم وفي الكشف ١ / ٣٧٨ والتيسير والبحر ٣ / ١٧٩ الى أبي بكر وابن عامر وأبدل في الجامع ٥ / ٥٣ عاصما بأبي بكر في رواية ابن عباس كذا وفي الكشاف ١ / ٤٧٩ والإملاء ١ / ١٦٩ وفي حجة ابن خالويه ٩٥ بلا نسبة وذكر في الأخير انها لغة.

١٦٦

موته بأنّ عليه لأبويه كذا ولولده كذا. أي : فلا يأخذنّ إلّا ماله.

وقال : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) [الآية ١١] ، فيذكرون أن الإخوة اثنان ومثله «إنّا فعلنا» وأنتما اثنان ، وقد يشبه ما كان من شيئين وليس مثله ، ولكن الاثنين قد جعلا جماعة [في] قول الله عزوجل : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم / ٤]. وقال تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة / ٣٨] ، وذلك ان في كلام العرب : أن كل شيئين من شيئين فهما جماعة وقد يكون اثنين في الشعر قال الشاعر (١) [من الطويل وهو الشاهد السادس والستون بعد المائة] :

بما في فؤادينا من الشوق والهوى

فيجبر منهاض الفؤاد المشعّف (٢)

وقال الفرزدق (٣) [من الطويل وهو الشاهد السابع والستون بعد المائة] :

هما نفثا في فيّ من فمويهما

على النّابح العاوي أشدّ لجام (٤)

وقد يجعل هذا في الشعر واحدا.

قال (٥) [من الرجز وهو الشاهد الثامن والستون بعد المائة] :

لا ننكر القتل وقد سبينا

في حلقكم عظم وقد شجينا (٦)

وقال الآخر (٧) [من الوافر وهو الشاهد التاسع والستون بعد المائة] :

__________________

(١). الشاعر هو الفرزدق همام بن غالب. الديوان ٢ / ٥٥٤ والكتاب وتحصيل عين الذهب ٢ / ٢٠٢.

(٢). عن الكتاب وفي الأصل المسقف وفي التحصيل المعذب.

(٣). هو همام بن غالب. وقد مرت ترجمته والبيت في ديوانه ٢ / ٧٧١ والكتاب وتحصيل عين الذهب ٢ / ٨٣ و ٢٠٢ والخزانة ٢ / ٢٦٩ و ٣ / ٣٤٦.

(٤). في الديوان تفلا بدل نفثا ولجامي بالياء وفي الكتاب والخزانة ب «رجام» بدل لجام والبيت في الإنصاف ١ / ١٩١ وفي الصحاح فمو ب «رجام» ايضا مع نقله لهذه المعاني.

(٥). هو المسيب بن زيد مناة الغنوي كما في تحصيل عين الذهب ١ / ١٠٧ وهو الغنوي كذا في مجاز القرآن ٢ / ١٩٥ وهو طفيل الغنوي في شرح الأبيات للفارقي ٢٧٥ ، وليس في ديوان طفيل.

(٦). المصراع الأول في مجاز القرآن ٢ / ١٩٥ ب «ان تقتلوا اليوم فقد شرينا». وجاء المصراع الثاني في ١ / ٧٩ و ٢ / ٤٤ وورد المصراع الثاني في البيان ١ / ٥٢ و ٢ / ٤٤٧.

(٧). لم تفد المراجع شيئا في الشاعر. والشاهد في الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ / ١٠٨ ومعاني القرآن ١ / ٣٠٧ و ٢ / ١٠٢ والأمالي الشجرية ١ / ٣١١ و ٢ / ٣٨ و ٣٤٣ وهو في معاني القرآن والأمالي بلفظ «نصف» بدل «بعض».

١٦٧

كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

فإنّ زمانكم زمن خميص

ونظير هذا قوله : «تسع مائة» وانما هو «تسع مئات» أو «مئين» فجعله واحدا ، وذلك ان ما بين العشرة إلى الثلاثة يكون جماعة نحو : «ثلاثة رجال» و «عشرة رجال» ثم جعلوه في «المئين» واحدا.

وقال تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها) [الآية ١١] (١) فقد ذكر الرجل حين قال في الآية نفسها : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) وقرأ بعضهم (يُوصِي) (٢) وكلّ حسن. ونظير (يُوصِي) بالياء قوله تعالى : (تُوصُونَ) [الآية ١٢] و (يُوصِينَ) [الآية ١٢] حين ذكرهن ، واحتج الذي قرأ (يُوصِي) بالياء بنصبه وصيّة في قوله تعالى : (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) [الآية ١٢] ونصب (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) [الآية ١١] كما نصب (كِتاباً مُؤَجَّلاً) [آل عمران / ١٤٥]. وقرئ : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) [الآية ١٢] (٣) ولو قرئت (يورث) (٤) كان جيدا. وتنصب (كَلالَةً) وقد ذكر عن الحسن (٥) ، فإن شئت نصبت كلالة على خبر (كانَ) وجعلت (يُورَثُ) من صفة الرجل ، وإن شئت جعلت (كانَ) تستغني عن الخبر نحو «وقع» ، وجعلت نصب (كَلالَةً) على الحال أي : «يورث كلالة» كما تقول : «يضرب قائما» (٦) ،

__________________

(١). في المصحف يوصي بكسر الصاد والقراءة بالألف المقصورة بالتاء للمجهول في الطبري ٨ / ٤٧ الى بعض أهل مكة والشام والكوفة وفي السبعة ٢٢٨ الى ابن عامر وابن كثير وعاصم وفي الكشف ١ / ٣٨٠ الى ابن كثير وابن عامر وابي بكر وكذلك في التيسير ٩٤ وفي الجامع ٥ / ٧٣ الى ابن كثير وابي عمرو وابن عامر وعاصم في اختلاف عنه. وفي البحر ٣ / ١٨٦ الى الابنين وابي بكر وفي حجة ابن خالويه ٩٦ بلا نسبة.

(٢). في الطبري ٨ / ٤٧ و ٤٨ قراءة أهل المدينة والعراق وفي السبعة ٢٢٨ الى نافع وابي عمرو وحمزة والكسائي وعاصم وفي الكشف ١ / ٣٨٠ الى غير من ذكرهم في القراءة الأولى وكذلك فعل في التيسير ٩٤ والبحر ٣ / ١٨٦ وفي الجامع ٥ / ٧٣ انها اختيار ابي حاتم وابي عبيدة وفي حجة ابن خالويه ٩٦ بلا نسبة.

(٣). في الطبري ٨ / ٥٣ قراءة عامة قراء أهل الإسلام. وفي البحر ٣ / ١٨٩ الى الجمهور وفي الجامع ٥ / ٧٧ بلا نسبة وفي المشكل ١ / ١٩٢ والكشاف ١ / ٤٨٥ والبيان ١ / ٢٤٥ والإملاء ١ / ١٧٠ بلا نسبة.

(٤). في الطبري ٨ / ٥٣ الى بعضهم وفي البحر ٣ / ١٨٩ الى الحسن وزاد في الجامع ٥ / ٧٧ أيوب وفي الشواذ ٢٥ قصرها على الأعمش.

(٥). هو الحسن البصري. وقد مرت ترجمته قبل وانظر الهامش السابق.

(٦). نقل هذه الآراء في اعراب القرآن ١ / ٢١٠ مع تقديم وتأخير فيها.

١٦٨

قال الشاعر (١) في «كان» التي لا خبر لها [من الطويل وهو الشاهد السبعون بعد المائة] :

فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي

إذا كان يوم ذو كواكب أشهب (٢)

في قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا) [الآية ١٢] يريد من المذكورين. ويجوز ان نقول للرجل إذا قلت : «زيد أو عمر منطلق» : «هذان رجلا سوء» أي : اللذان ذكرت.

قال تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [الآية ٢٢] لأن معناه : فإنكم تؤخذون به. فلذلك قال : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ، أي : فليس عليكم جناح (٣). ومثل هذا في كلام العرب كثير ، تقول : «لا نصنع ما صنعت» «ولا نأكل ما أكلت».

وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) [الآية ٢٥] على «ومن لم يجد طولا أن ينكح» يقول : «إلى أن ينكح» : لأن حرف الجر يضمر مع «أن».

وقال تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [الآية ٢٥] برفع (بَعْضُكُمْ) على الابتداء.

وقال جل شأنه : (بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) [الآية ٢٥] : لأن «الأهل» جماعة ولكنه قد يجمع فيقال : «أهلون» ، كما تقول : «قوم» و «أقوام» فتجمع الجماعة وقال كما في قوله تعالى : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) [الفتح / ١١] ، بالجمع ؛ وقال : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم / ٦] فهذه الياء ياء جماعة فلذلك سكّنت ، من هنا نصبها وجرّها بإسكان الياء ، وذهبت النون للاضافة.

وقال تعالى : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [الآية ٢٥] أي : «والصبر خير لكم».

وقال تعالى (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ) [الآية ٢٦] أي : «وليهديكم» ومعناه : يريد كذا وكذا ليبين لكم. وإن

__________________

(١). هو مقاس مسهر بن النعمان العائذي الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ / ٢١ وشرح ابن يعيش ٧ / ٩٨.

(٢). البيت في المصادر السابقة وهو في شرح الأبيات للفارقي ٢٣٥ بلا نسبة.

(٣). نقله في البحر ٣ / ٢٠٨.

١٦٩

شئت أوصلت الفعل باللام الى «أن» المضمرة بعد اللام نحو : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) (٤٣) [يوسف] وكما قال (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى / ١٥] ، فكسر اللام أي : أمرت من أجل ذلك.

وقال تعالى : (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٣١) لأنها من «أدخل» «يدخل» : والموضع من هذا مضموم الميم لأنه مشبه ببنات الأربعة «دحرج» ونحوها. ألا ترى أنّك تقول : «هذا مدحرجنا» ، فالميم ، إذا جاوز الفعل الثلاثة ، مضمومة. قال أميّة بن أبي الصلت (١) [من البسيط وهو الشاهد الحادي والسبعون بعد المائة] :

الحمد لله ممسانا ومصبحنا

بالخير صبّحنا ربّي ومسّانا (٢)

لأنه من «أمسى» و «أصبح». قال تعالى (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) [الإسراء / ٨٠]. وتكون الميم مفتوحة إن شئت إذا جعلته من «دخل» و «خرج». وقال سبحانه (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) (٥١) [الدخان] ، إذا جعلته من «قام» «يقوم» ، فإن جعلته من «أقام» «يقيم» قلت : «مقام أمين».

وحذفت الياء كما تحذف من رؤوس الآي نحو : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) (٨) [ص] يريد «عذابي». وأما قوله تعالى (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) (٦٥) [الواقعة] ، فإنما قرئ بكسر الظاء في (فظلتم) ، على اعتبار أن أصله «ظللتم». فلما ذهب أحد الحرفين استثقالا حولت حركته إلى الظاء. قال أوس بن مغراء (٣) [من البسيط وهو الشاهد الرابع والسبعون بعد المائة] :

مسنا السّماء فنلناها وطالهم

حتّى رأوا أحدا يهوي وثهلانا (٤)

لأنها من «مسست» والقراءة المثبتة في المصحف الشريف هي : (فَظَلْتُمْ) بترك الظاء على فتحتها وحذف إحدى اللامين. وهذا الحذف ليس بمطّرد ،

__________________

(١). الشاعر الجاهلي المعروف. انظر ترجمته وأخباره في الأغاني ٣ / ١٨٦ و ١٦ / ٧١. وطبقات الشعراء ١ / ٢٦٢ والشعر والشعراء ١ / ٤٥٩.

(٢). الشاهد في الديوان ٥١٦ والكتاب وتحصيل عين الذهب ٢ / ٢٥٠ ومعاني القرآن ١ / ٢٦٤ والخزانة ١ / ١٢٠ وشرح المفصل لابن يعيش ٦ / ٥٠ و ٥٣ «صدره».

(٣). هو أوس بن مغراء. طبقات الشعراء ٢ / ٥٧٢ والشعر والشعراء ٢ / ٦٨٧.

(٤). البيت في الصحاح «مس» والتهذيب «مس» ٢ / ٣٢٥ واللسان «مسس» وفيه «وطاء لهم».

١٧٠

وإنما حذف من هذه الحروف التي ذكرت لك خاصة ولا يحذف إلّا في موضع ، لا تحرك فيه لام الفعل ، فأمّا الموضع الذي تحرك فيه لام الفعل فلا حذف فيه.

وقال تعالى : (شِقاقَ بَيْنِهِما) [الآية ٣٥] فأضاف إلى البين لأنه قد يكون اسما كما في قوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام / ٩٤] (١) بالضم. ولو قرئ (شقاقا بينهما) في الكلام فجعل البين ظرفا كان جائزا حسنا. ولو قرأت (شقاق بينهما) تريد «ما» وتحذفها جاز ، كما تقرأ ، في النسخة الموحّدة : (تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) تريد «ما» التي تكون في معنى شيء. وقال تعالى (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) [آل عمران / ٦٤]. وتقول «بينهما بون بعيد» تجعلها بالواو وذلك بالياء. ويقال : «بينهما بين بعيد» بالياء.

وقال تعالى : (وَالْجارِ الْجُنُبِ) [الآية ٣٦] (٢) وقرأ بعضهم (الجنب) (٣) وقال الراجز [وهو الشاهد الخامس والسبعون بعد المائة] :

الناس جنب والأمير جنب (٤) يريد ب «جنب» : الناحية (٥). وهذا هو المتنحي عن القرابة فلذلك قال «جنب» و «الجنب» أيضا : المجانب للقرابة ويقال : «الجانب» أيضا (٦).

وأما (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) [الآية ٣٦] فمعناه : «هو الذي بجنبك» ، كما تقول «فلان بجنبي» و «إلى جنبي».

قال تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (٤٢) أي : لا تكتمه الجوارح أو

__________________

(١). وهي في معاني القرآن ١ / ٣٤٥ قراءة حمزة ومجاهد وفي السبعة ٢٦٣ أهمل مجاهدا وزاد أبا عمرو وابن عامر وابن كثير وعاصما في رواية وفي الكشف ١ / ٤٤٠ الى غير نافع والكسائي وزاد في التيسير ١٠٥ استثناء حفص وزاد في الجامع ٧ / ٤٣ استثناء ابن مسعود وفي البحر ٤ / ١٨٢ إلى الجمهور وفي الطبري ١ / ٥٤٩ الى قراء مكة والعراقيين وفي حجة ابن خالويه ١٢٠ بلا نسبة.

(٢). وهي في السبعة ٢٣٣ الى القراء كلهم إلا عاصما وفي الجامع ٥ / ١٨٣ ان ابن عباس تأول بها.

(٣). في السبعة ٢٣٣ والشواذ ٢٦ الى عاصم وفي البحر ٣ / ٢٤٥ اليه في رواية المفضل عنه وفي الجامع ٥ / ١٨٣ الى المفضل والأعمش.

(٤). المصراع في الصحاح واللسان «جنب» مرويا عن الأخفش وفي التهذيب «جنب» ١١ / ١٢٢ مرويا عن الليث.

(٥). نقله في الصحاح واللسان «كما سبق». والجامع ٥ / ١٩٢.

(٦). نقله في اعراب القرآن ١ / ٢٢٠ و ٢٢١.

١٧١

يقول : «لا يخفى عليه وإن كتموه».

وقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [الآية ٤٧] إلى قوله من الآية نفسها : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) أي : من قبل يوم القيامة.

قال تعالى : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [الآية ٣٩] فان شئت جعلت (ما ذا) بمنزلتها وحدها وان شئت جعلت (ذا) بمنزلة «الذي».

وقوله تعالى : (وَلا جُنُباً) [الآية ٤٣] في اللفظ واحد وهو للجمع كذلك ، وكذلك هو للرجال والنساء ، كما قال جل شأنه : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٤) [التحريم] فجعل «الظهير» واحدا. والعرب تقول : «هم لي صديق». وقال تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (١٧) [ق] وهما قعيدان. وقال (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦) [الشعراء] وقال : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) [الشعراء / ٧٧] لأن «فعول» و «فعيل» مما يجعل واحدا للاثنين والجمع.

وقال تعالى : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) [الآية ٤٢] قرأ بعضهم (تسوّى) (١) وكل حسن. وقال تعالى : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) [الآية ٤٣] على قوله : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [الآية ٤٣] فقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ سُكارى) في موضع نصب على الحال ، و (وَلا جُنُباً) على العطف كأنه قال : «ولا تقربوها جنبا إلّا عابري سبيل» كما تقول : «لا تأتي إلّا راكبا».

وقال تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [الآية ٤٦] كأنّه يقول «منهم قوم» فأضمر «القوم». قال النابغة الذبياني (٢) [من الوافر وهو الشاهد السادس والسبعون بعد المائة] :

كأنّك من جمال بني أقيش

يقعقع بين رجليه بشنّ (٣)

__________________

(١). في الطبري ٨ / ٣٧٢ هي قراءة عامة قراء أهل الكوفة وفي السبعة ٢٣٤ الى حمزة والكسائي وكذلك في الكشف ١ / ٣٩٠ والتيسير ٩٦ والجامع ٥ / ١٩٨ والبحر ٣ / ٢٥٣. اما قراءة ضم التاء فهي في السبعة ٢٣٤ والبحر ٣ / ٢٥٣ الى ابن كثير وابي عمرو وعاصم وفي الكشف ١ / ٣٩٠ والتيسير ٩٦ الى غير نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وفي الجامع ٥ / ١٩٨ الى غير من قرأ بغيرها وفي الطبري ٨ / ٣٧٢ الى «آخرون» يقصد غير من أخذ بالسابقة وفي معاني القرآن ١ / ٣٦٩ وحجة ابن خالويه ٩٩ بلا نسبة.

(٢). هو الشاعر الجاهلي زياد بن معاوية وقد مرت ترجمته قبل.

(٣). ديوان النابغة ١٩٨ والكتاب وتحصيل عين الذهب ١ / ٣٧٥.

١٧٢

أي : كأنّك جمل منها. وكما قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) [الآية ١٥٩] أي : وإن منهم واحد إلّا ليؤمننّ به. والعرب تقول : «رأيت الذي أمس» أي : رأيت الذي جاءك أمس» أو «تكلّم أمس».

(وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا) [الآية ٤٦] وقوله تعالى : (راعِنا) أي : «راعنا سمعك». في معنى : أرعنا. وقوله تعالى : (غَيْرَ مُسْمَعٍ) ، أي : لا سمعت. وأما (غير مسمع) أي : لا يسمع منك فأنت غير مسمع.

وقال تعالى : (وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) [الآية ٤٦]. وإنّما قال : (وَانْظُرْنا) لأنّها من «نظرته» أي : «انتظرته». وقال سبحانه (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد / ١٣] أي : انتظروا. وأما قوله تعالى (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) [النبأ / ٤٠] فإنما هي : إلى ما قدّمت يداه. قال الشاعر [من الخفيف وهو الشاهد السابع والسبعون بعد المائة] :

ظاهرات الجمال والحسن ينظر

ن كما تنظر الأراك الظّباء

وان شئت كان (يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) على الاستفهام مثل قولك «ينظر خيرا قدّمت يداه أم شرّا».

قال تعالى : (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) [الآية ٥٦] فإن قال قائل : «أليس إنّما تعذّب الجلود التي عصت ، فكيف يقول (غَيْرَها)»؟

قلت : «إنّ العرب قد تقول : «أصوغ خاتما غير ذا» فيكسره ثم يصوغه صياغة أخرى. فهو الأول إلّا أن الصياغة تغيرت.

وقال تعالى (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) (٥٥) فهذا مثل «دهين» و «صريع» لأنك تقول : «سعرت» ف «هي مسعورة» وقال جلّ شأنه (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) (١٢) [التكوير] (١).

وقال تعالى : (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٦٥) أي : (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) [الآية ٦٥] وحتى (وَيُسَلِّمُوا) هذا كله معطوف على ما بعد حتى.

وقرئ : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [الآية ٦٦] برفع (قَلِيلٌ) لأن الفعل جعل لهم ، وجعلوا بدلا من الأسماء المضمرة في الفعل.

__________________

(١). وقد نقل هذا كله في الصحاح «سعر».

١٧٣

قال تعالى : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٦٩) فنصب (رَفِيقاً) ليس على «نعم الرّجل» لأن «نعم» لا تقع الا على اسم فيه الالف واللام أو نكرة ، ولكن هذا على مثل قولك : «كرم زيد رجلا» تنصبه على الحال (١). و «الرفيق» واحد في معنى جماعة مثل «هم لي صديق».

وقال تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) [الآية ٧٢] فاللام الأولى مفتوحة لأنها للتوكيد نحو : «إنّ في الدّار لزيدا» واللام الثانية للقسم كأنه قال : «وإنّ منكم من والله ليبطئنّ».

وقال تعالى : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) [الآية ٧٤] وقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) [البقرة / ٢٠٧] أي : يبيعها. فقد تقع «شريت» للبيع والشراء.

وقال تعالى : (مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) [الآية ٧٥] فجررت «الظالم» لأنه صفة مقدمة ما قبلها مجرور وهي لشيء من سبب الأول ، وإذا كانت كذلك جرّت على الأول حتى تصير كأنها له.

قال تعالى : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [الآية ٧٩] فجعل الخبر بالفاء لأن «ما» بمنزلة «من» وأدخلت «من» (٢) على السيئة لأن «ما» نفي و «من» تحسن في النفي مثل قولك : «ما جاءني من أحد».

قال تعالى : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) [الآية ٨١] أي : ويقولون : «أمرنا طاعة» (٣).

وان شئت نصبت الطاعة على «نطيع طاعة» (٤). وقال تعالى (بَيَّتَ) فذكّر فعل الطائفة لأنهم في المعنى رجال وقد أضافها إلى مذكرين. وقال : (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ) [الأعراف / ٨٧].

وقال تعالى : (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٣) على (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) [الآية ٨٣](إِلَّا قَلِيلاً).

__________________

(١). نقله في المشكل ١ / ٢٠٢ واعراب القرآن ١ / ٢٣٢ والجامع ٥ / ٢٧٢.

(٢). نقله في اعراب القرآن ١ / ٢٣٥ والجامع ٥ / ٢٨٥.

(٣). الرأي في معاني القرآن ١ / ٢٧٨ ، ونقله للاخفش في اعراب القرآن ١ / ٢٣٦.

(٤). في معاني القرآن ١ / ٢٧٨ والجامع كما مر ولم يشر إلى كونه قراءة.

١٧٤

وقال تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) [الآية ٨٨] بالنصب على الحال كما تقول : «مالك قائما» (١) أي : «مالك في حال القيام».

وقال تعالى في قراءة من قرأ : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [الآية ٩٠] أو (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) ف (حصرة) اسم نصبته على الحال (٢) و (حَصِرَتْ) «فعلت» وبها نقرأ (٣).

وقال تعالى : (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [الآية ٩٢].

وقال تعالى : (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ) [الآية ٩٢] أي : فعليه ذلك.

وقال تعالى : (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [الآية ٩٢] اي : فعليكم ذلك إلّا أن يصّدّقوا.

وقال تعالى : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) [الآية ٩٤] (٤) وقرأ بعضهم (فتثبّتوا) (٥) ، وكلّ صواب لأنك تقول : «تبيّن حال القوم» و «تثبّت». و «لا تقدم حتّى تتبيّن» و «حتّى تتثبّت».

وقال تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) [الآية ٩٥] مرفوعة لأنك جعلته من صفة

__________________

(١). نقله في اعراب القرآن ١ / ٢٣٩ والجامع ٥ / ٣٠٧ وورد الرأي بتعليل كوفي وبالمثال المذكور في معاني القرآن ١ / ٢٨١.

(٢). في معاني القرآن ١ / ٢٨٢ هي قراءة الحسن وفي الطبري ٩ / ٢٢ والجامع ٥ / ٣٠٩ كذلك وزاد في الشواذ ٢٧ و ٢٨ يعقوب وزاد في البحر ٣ / ٣١٧ قتادة وكذا قال المهدوي عن عاصم في رواية حفص.

(٣). وهي في الطبري ٩ / ٢٢ قراءة القراء في جميع الأمصار وعليها الإجماع وفي البحر ٣ / ٣١٧ الى الجمهور وفي حجة ابن خالويه ١٠٠ بلا نسبة ولا إشارة الى الأخرى وفي معاني القرآن كالسابق أشار إليها ولم يقل بها قراءة.

ونقله في البيان ١ / ٢٦٣ ، ونقله في المغني ٢ / ٤٣٠ والصحاح «حصر».

(٤). هي في الطبري ٩ / ٨١ قراءة عامة قراء المكيين والمدنيين وبعض الكوفيين والبصريين وفي السبعة ٢٣٦ الى ابن كثير ونافع وابي عمرو وابن عامر وعاصم وفي الكشف ١ / ٣٩٥ الى ابي عبد الرحمن والحسن وابي جعفر وشيبة والأعرج وقتادة بن جبير وهي اختيار ابي حاتم وابي عبيد وفي الجامع ٥ / ٣٢٧ اقتصر على ذكر الاختيار ونسبها الى «الجماعة» وفي البحر ٣ / ٣٢٨ الى غير حمزة والكسائي وهو ما قاله في الكشف ١ / ٣٩٤ ايضا وفي معاني القرآن ١ / ٢٨٣ وحجة ابن خالويه بلا نسبة.

(٥). في معاني القرآن ١ / ٢٨٣ قراءة عبد الله بن مسعود وأصحابه وفي الطبري ٩ / ٨١ الى معظم القراء الكوفيين وفي السبعة ٢٣٦ والتيسير ٩٧ والبحر ٣ / ٣٢٨ الى حمزة والكسائي واغفل منهما في الجامع ٥ / ٣٢٧ الكسائي وزاد عليهما في الكشف ١ / ٣٩٤ انها قراءة ابن مسعود وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى وفي حجة ابن خالويه ١٠١ بلا نسبة.

١٧٥

القاعدين (١). وإن جررته فعلى «المؤمنين» وإن شئت نصبته إذا أخرجته من أول الكلام فجعلته استثناء وبها نقرأ (٢). وبلغنا انها أنزلت من بعد قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ) ولم تنزل معها ، وانما هي استثناء غنى بها قوما لم يقدروا على الخروج ثم قال (وَالْمُجاهِدُونَ) [الآية ٩٥] يعطفه على القاعدين لأن المعنى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ وَالْمُجاهِدُونَ). وقال سبحانه (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (٩٥) (دَرَجاتٍ مِنْهُ) [الآية ٩٦] يقول فعل ذلك درجات منه. وقال : (أَجْراً عَظِيماً) لأنه قال : «فضّلهم» فقد أخبر انه آجرهم فقال على ذلك المعنى كقولك : «أما والله لأضربنّك إيجاعا شديدا» لأنّ معناه : لأوجعنّك.

قال تعالى : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) لأنه استثناهم منهم كما تقول : «أولئك أصحابك إلّا زيدا» و : «كلّهم أصحابك إلّا زيدا». وهو خارج من أوّل الكلام.

وقال تعالى : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) [الآية ١٠٤] أي : توجعون. تقول : «ألم» «يألم» «ألما».

وقال تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) [الآية ١١٤] يقول : «إلّا في نجوى من أمر بصدقة».

وقال تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ) [الآية ١٠٩] فردّ التنبيه مرتين كما قال (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ) [محمد / ٣٨] (٣) أراد التوكيد.

وقال تعالى (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا

__________________

(١). نقله في اعراب القرآن ١ / ٢٤٣ والجامع ٥ / ٣٤٣.

(٢). الرفع قراءة في الطبري ٩ / ٨٥ الى عامة قراء أهل الكوفة والبصرة وفي السبعة ٢٣٧ الى ابن كثير في رواية والى ابي عمرو وعاصم وحمزة وكذلك في البحر ٣ / ٣٣٠ وفي الجامع ٥ / ٣٤٣ الى أهل الكوفة وابي عمرو وفي التيسير ٩٧ الى غير نافع وابن عامر والكسائي وفي الكشف ١ / ٣٩٦ الى غير من أخذ بالآخريين وفي حجة الفارسي ١ / ١١٦ وحجة ابن خالويه ١٠١ بلا نسبة. أما قراءة الجر ففي الجامع ٥ / ٣٤٣ الى أبي حياة وفي البحر ٣ / ٣٣٠ زاد الأعمش. أما قراءة النصب ففي الطبري ٩ / ٨٥ الى عامة قراء أهل المدينة ومكة والشام وفي السبعة ٢٣٧ الى نافع والكسائي وابن عامر وفي رواية الى ابن كثير وفي البحر ٣ / ٣٣٠ أهمل ابن كثير وزاد أنها رويت عن عاصم. وفي الكشف ١ / ٣٩٦ أضاف أنها قراءة النبي الكريم وزيد بن ثابت وأبي جعفر وشيبة وأبي الزناد وشبل وابن الهادي وهي اختيار أبي عبيد والطبري وأبي طاهر. وفي التيسير ٩٧ كما في السبعة مع إغفال ابن كثير وفي الجامع ٥ / ٣٤٤ الى اهل الحرمين وفي حجة ابن خالويه ١٠١ وحجة الفارسي ١١٦ بلا نسبة.

(٣). نقله في اعراب القرآن ١ / ٢٥١ والجامع ٥ / ٤٠٨.

١٧٦

الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) [الآية ١٣١] أي بأن اتّقوا الله.

وقال تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [الآية ١٣٤] فموضع «كان» جزم والجواب الفاء وارتفعت «يريد» لأنه ليس فيها حرف عطف. كما قال (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ) [هود / ١٥]. في قوله تعالى (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) [الشورى / ٢٠] جزم الجواب ، لأن الأول في موضع جزم ، ولكنه فعل واجب فلا ينجزم ، و «يريد» في موضع نصب بخبر «كان». وفي قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) [الآية ١٢٨] جعل الاسم يلي «إن» لأنّها أشدّ حروف الجزاء تمكنا. وإنّما حسن هذا فيها إذا لم يكن لفظ ما وقعت عليه جزما نحو قوله (١) [من البسيط وهو الشاهد الثامن والسبعون بعد المائة] :

عاود هراة وإن معمورها خربا وقال تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) [الآية ١٣٥] لأنّ «أو» ها هنا في معنى الواو (٢) ، أو يكون جمعهما في قوله (بِهِما) لأنهما قد ذكرا (٣) نحو قوله عزوجل : (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا) [الآية ١٢]. أو يكون أضمر (من) كأنه «إن يكن من تخاصم غنيّا أو فقيرا» يريد «غنيين أو فقيرين» يجعل «من» في ذلك المعنى ويخرج (غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) على لفظ «من».

وقال تعالى : (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) [الآية ١٣٥] لأنها من «لوى» «يلوي» (٤). وقرأ بعضهم (وإن تلوا) (١) فان كانت

__________________

(١). في الأصل : قولك. والقائل هروي معجم شواهد العربية ٢ / ٥٧٥ ويراجع المقتضب ٤ / ٢٥٦ واشعار الهذليين في قول عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي :

لكنه شاقه ان قيل ذا رجب

يا ليت عدة حول كله رجب

(٢). نقله في المشكل ١ / ٢١٠ واعراب القرآن ١ / ٢٥٢ والجامع ٥ / ٤١٣ والبحر ٣ / ٣٧٠ والبيان ١ / ٢٦٩.

(٣). نقله في الإملاء ١ / ١٩٧.

(٤). في الطبري ٩ / ٣١٠ هي قراءة عامة قراء الأمصار سوى الكوفة وفي السبعة ٢٣٩ الى ابن كثير ونافع وابي عمرو وعاصم والكسائي وفي الكشف ١ / ٣٩٩ والتيسير ٩٧ الى غير حمزة وابن عامر وفي معاني القرآن ١ / ٢٩١ وحجة ابن خالويه ١٠٢ والجامع ٥ / ٤١٣ بلا نسبة.

١٧٧

لغة فهو لاجتماع الواوين ، ولا أراها إلّا لحنا على معنى «الولاية» وليس ل «الولاية» معنى ها هنا الا في قوله «وإن تلوا عليهم» فطرح «عليهم» فهو جائز.

وقال تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [الآية ١٤٨] لأنه حين قال : (لا يُحِبُّ اللهُ) [الآية ١٤٨] قد أخبر أنه لا يحل. ثم قال (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (٢) إنه يحل له أن يجهر بالسوء لمن ظلمه. وقرأ بعضهم (ظلم) (٣) على قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ) [الآية ١٤٧] [فيكون] (إلّا من ظلم) على معنى «إلّا بعذاب من ظلم».

وقال تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [الآية ١٥٥] ف «ما» زائدة كأنه قال «فبنقضهم».

وقال تعالى : (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ) [الآية ١٥٦](وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ) [الآية ١٥٧] كله على الأول.

وقال تعالى : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) [الآية ١٦٤] فانتصب لفظ «رسلا» لأن الفعل قد سقط بشيء من سببه وما قبله منصوب بالفعل.

وقال تعالى : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) [الآية ١٧٠] فنصب (خَيْراً) لأنه حين قال لهم (فَآمِنُوا) أمرهم بما هو خير لهم فكأنه قال : «اعملوا خيرا لكم» وكذلك (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) [الآية ١٧١] فهذا إنما يكون في الأمر والنهي خاصة ولا يكون في الخبر ، لأنّ الأمر والنهي لا يضمر فيهما وكأنّك أخرجته من شيء الى شيء. قال الشاعر(٤) :

ففواعديه سرحتي مالك

__________________

(١). في تأويل مشكل القرآن ٦٢ الى يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة. وفي الكشف ١ / ٣٩٩ والتيسير ٩٧ الى حمزة وابن عامر وكذلك في السبعة ٢٣٩ واستبدل في الجامع ٥ / ٤١٤ بحمزة الكوفيين وفي البحر ٣ / ٣٧١ الى جماعة وابن عامر وحمزة وفي الطبري ٩ / ٣١٠ الى جماعة من قراء أهل الكوفة وفي معاني القرآن ١ / ٢٩١ وحجة ابن خالويه ١٠٢.

(٢). هي في الطبري ٩ / ٣٤٣ الى عامة قراء الأمصار وفي الجامع ٦ / ١ والبحر ٣ / ٣٨٢ الى الجمهور.

(٣). في الطبري ٩ / ٣٤٣ الى بعضهم وقال ابن زيد رواها عن أبيه وفي الشواذ ٢٩ و ٣٠ الى الضحاك بن مزاحم وفي الجامع ٦ / ١ الى زيد بن اسلم وابن أبي إسحاق وفي البحر ٣ / ٣٨٢ الى ابن عباس وابي عمرو وابن جبير وعطاء بن السائب والضحاك وزيد بن اسلم وابن ابي إسحاق ومسلم بن يسار والحسن وابن المسيب وقتادة وأبي ٦٥٢.

(٤). هو عمر بن أبي ربيعة المخزومي. ديوانه ٣٤٩ والكتاب وتحصيل عين الذهب ١ / ١٤٣.

١٧٨

أو الرّبا بينهما أسهلا (١) كما تقول : «واعديه خيرا لك» وقد سمعت نصب هذا في الخبر. تقول العرب : «آتي البيت خيرا لي» و «أتركه خيرا لي» وهو على ما فسرت في الأمر والنهي.

قال تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) [الآية ١٧٦] مثل : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) [الآية ١٢٨] تفسيرهما سواء.

وقال سبحانه (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (١٦٤) الكلام خلق من الله على غير الكلام منك ، وبغير ما يكون منك. خلقه الله ثم أوصله الى موسى.

وقال تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [الآية ٢٥] أي : الله أعلم بإيمان بعضكم من بعض.

__________________

(١). في الديوان ب «سورتي» و «أوذ» الذي «بدل» «سرحتي» و «او الربا».

١٧٩
١٨٠