الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٠

المبحث الرابع

مكنونات سورة «آل عمران» (١)

٥٨ ـ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) [الآية ١٢].

هم يهود بني قينقاع (٢).

٥٩ ـ (فِئَةٌ تُقاتِلُ) [الآية ١٣].

هم أهل بدر ، ثلاث مائة وثلاثة عشر (٣).

٦٠ ـ (وَأُخْرى كافِرَةٌ) [الآية ١٣].

كانوا ألفا. أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود.

وأخرج عن الربيع قال : كانوا تسع مائة وخمسين.

٦١ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ) [الآية ٢٣].

سمّي منهم : النّعمان (٤) بن عمرو ، والحارث بن زيد ، أخرجه ابن جرير (٥) وابن أبي حاتم عن ابن عباس.

٦٢ ـ (وَآلَ عِمْرانَ) [الآية ٣٣].

أراد : موسى وهارون.

وقيل : عيسى وأمّه. حكاه الكرماني ، ورجّحه ابن عسكر والسّهيلي.

٦٣ ـ (امْرَأَتُ عِمْرانَ) [الآية ٣٥].

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). كما رواه ابن إسحاق : انظر «سيرة ابن هشام» ١ / ٢٥٢.

(٣). تخريجه في الفقرة التالية ، وانظر البخاري (عدة أصحاب بدر) ، وانظر الفقرة رقم ٤٧ وقد سقط هذا المبهم من النسخ المطبوعة.

(٤). كذا في «الدر المنثور» ٢ / ١٤ ، وفي «الطبري» : «نعيم» والاختلاف في أسماء يهود كثير مشكل!.

(٥). ٣ / ١٤٥ ، وابن إسحاق وابن المنذر. «الدر المنثور» ٢ / ١٤.

٤١

أخرج ابن المنذر ، عن عكرمة أن اسمها حنّة (١). وقال ابن إسحاق : اسمها حنّة بنت قابوذ (٢) ؛ وقيل : فاقوذ بن قبيل (٣). أخرجه ابن جرير.

٦٤ ـ (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) [الآية ٣٩].

قال السّدّي : جبريل. أخرجه ابن جرير.

٦٥ ـ (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) [الآية ٤٠].

اسمها : إشياع بنت فاقوذ.

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن شعيب الجبائي (٤) قال : كان اسمها أشيع.

٦٦ ـ (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) [الآية ٤٤].

أخرج ابن عساكر في «تاريخه» ، عن سعيد بن إسحاق الدمشقي في قوله : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) قال : على نهر بحلب يقال له قويق (٥).

٦٧ ـ (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) [الآية ٣٩].

قال ابن عباس : عيسى بن مريم.

أخرجه ابن أبي حاتم (٦).

٦٨ ـ (كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) [الآية ٤٩].

هو الخفاش. أخرجه ابن جرير [عن ابن جريج].

٦٩ ـ (الْحَوارِيُّونَ) [الآية ٥٢].

سمي منهم : قطرش ، ويعقويس ، ولحيس ، واندراييس ، وقيلس ، وابن ثلما ، ومتنا ، ويوقاس ، ويعقوب ابن حلقيا ، ويداوسيس ، وقياسا ، ويودس ، وكدمابوطا ، وسرجس ، وهو الذي ألقي عليه شبهه. أخرج ذلك ابن جرير عن ابن إسحاق (٧).

__________________

(١). وهو موافق لما في روايات «الدر المنثور» ٢ / ١٨ و ١٩ ، «الطبري» ٣ / ١٥٨ ، و «حنة» : اسم عبري ، معناه : «حنان ، حنون ، نعمة» ، كما في «قاموس الكتاب المقدس» ص : ٣٢٤.

(٢). كذا في النسخ الخطية ؛ وفي «الطبري» ط شاكر وغيرها : «فاقوذ».

(٣). كذا في النسخ الخطية ، وفي «تفسير الطبري» ط شاكر ٦ / ٣٢٨ : «فاقوذ بن قبيل» وفي ط الحلبي ٣ / ٢٣٥ والخشاب : «قتيل» بدل «قبيل».

(٤). بلا تشديد للباء ، راجع «الأنساب» ٣ / ١٧٦ للسمعاني ، وهي نسبة إلى جبل في بلاد اليمن

(٥). راجع «معجم البلدان» و «تهذيب ابن عساكر» ٦ / ١٢١.

(٦). و «الطبري» ٣ / ١٧٢.

(٧). انظر أسماء الحواريين في «سيرة ابن هشام» ٢ / ٦٠٨ ، وفيها اختلاف عما هو مثبت في الخطيتين ، وانظر أسماء الاثني عشر في «قاموس الكتاب المقدس» ص : ٤٠٣.

٤٢

٧٠ ـ (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا) [الآية ٧٢].

وقال السّدّي : هم اثنا عشر حبرا من اليهود. أخرجه ابن جرير. وسمي منهم : عبد الله بن الضّيف ، وعدي بن زيد ، والحارث بن عوف (١). أخرجه ابن جرير عن ابن عباس.

٧١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ) [الآية ٧٧].

قال عكرمة : نزلت في أبي رافع ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وكعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب.

٧٢ ـ (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) [الآية ٨٦].

سمّي منهم : الحارث بن سويد الأنصاري. أخرجه عبد الرزاق عن مجاهد ، وابن جرير عن السّدّي.

وأخرج عن عكرمة : أنها نزلت في اثني عشر رجلا ، منهم : أبو عامر الراهب ، والحارث بن سويد بن الصامت ، ووحوح بن الأسلت.

زاد ابن عسكر : وطعمة بن أبيرق.

٧٣ ـ (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [الآية ١٠٠].

قال زيد بن أسلم (٢) : عنى به شاس بن قيس اليهودي. أخرجه ابن جرير.

قال السّهيلي : هم عمرو بن شاس ، وأوس بن قبطي ، وجبار بن صخر.

٧٤ ـ (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) [الآية ١١٣].

قال ابن عباس : نزلت في عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، ومن أسلم معهم من يهود. أخرجه ابن جرير ، وابن أبي حاتم.

وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : هم عبد الله بن سلام ، وأخوه ثعلبة بن سلام ، وسعية (٣) ، ومبشر ، وأسيد ، وأسد ابنا كعب.

٧٥ ـ (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ) [الآية ١٢٢].

__________________

(١). في «الإتقان» ٢ / ١٤٩ : «عمرو».

(٢). زيد بن أسلم : أبو عبد الله (أو أبو أسامة) المدني ، ثقة عالم ، فقيه مفسر ، كان مع عمر بن عبد العزيز أيام خلافته ، روي عنه الكثير من الآثار ، توفي سنة ١٣٦.

(٣). «الطبري» : «شعية».

٤٣

هما : بنو حارثة ، وبنو سلمة. أخرجه البخاري ومسلم ، عن جابر بن عبد الله (١).

٧٦ ـ (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) [الآية ١٤٩].

قال السّدّي : يعني أبا سفيان بن حرب. أخرجه ابن أبي حاتم (٢).

٧٧ ـ (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [الآية ١٥٤].

هم المنافقون. أخرجه البخاري (٣) والترمذي ، وغيرهما عن أبي طلحة.

٧٨ ـ (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) [الآية ١٥٤].

قال ذلك عبد الله بن أبيّ. أخرجه ابن جرير (٤) ، عن ابن جريج.

٧٩ ـ (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) [الآية ١٥٤].

قال ذلك معتّب بن قشير. أخرجه ابن أبي حاتم ، وغيره عن الزّبير.

و (٥) : عبد الله بن أبيّ. أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن (٦).

٨٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) [الآية ١٥٥].

أخرج ابن مندة في «الصّحابة» (٧) من طريق الكلبي ، عن أبي صالح (٨). عن ابن عباس في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) ؛ قال نزلت في عثمان (٩). ورافع بن المعلّى ، وخارجة بن زيد.

__________________

(١). البخاري : (٤٠٥١) في المغازي و (٤٥٥٨) في التفسير ، ومسلم (٢٥٠٥) في فضائل الصحابة.

(٢). وابن جرير في «تفسير» ٤ / ٨٠.

(٣). الحديث في البخاري في التفسير ، باب (أَمَنَةً نُعاساً) برقم : (٤٥٦٢) وفي المغازي : (٤٠٦٨) ، والترمذي (٣٠١١) في التفسير ؛ لكن تعيين المنافقين جاء في الترمذي فقط.

(٤). في «تفسيره» ٤ / ٩٤.

(٥). أي وممن قال ذلك أيضا.

(٦). انظر «الطبري» ٤ / ٩٤.

(٧). كتاب «الصحابة» هو «معرفة الصحابة» لم يطبع بعد ونسخه الخطية عزيزة.

(٨). هذا الإسناد من أوهى الأسانيد وأضعفها ، حتى إن الحافظ بن حجر قال عنه : هذه سلسلة الكذب ، لا سلسلة الذهب.

(٩). هو ابن عفان ، كما في رواية ابن إسحاق عن «الطبري» ٤ / ٩٦.

٤٤

زاد عكرمة : والوليد بن عقبة ، وأبي حذيفة بن عتبة ، وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان ، أخوين من زريق.

أخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير (١) ، وابن المنذر.

٨١ ـ (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) [الآية ١٥٦].

قال ذلك عبد الله بن أبيّ. أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد.

٨٢ ـ (وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) [الآية ١٦٧].

القائل ذلك : عبد الله والد جابر بن عبد الله الأنصاري.

والمقول لهم : عبد الله بن أبيّ ، وأصحابه. أخرجه ابن جرير عن السّدّي.

٨٣ ـ (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا) [الآية ١٦٨].

قال الرّبيع وغيره (٢) : نزلت في عبد الله بن أبيّ وأصحابه.

أخرجه ابن أبي حاتم ، وابن جرير.

٨٤ ـ (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) [الآية ١٦٩].

قال أبو الضّحى (٣) : نزلت في قتلى أحد ؛ وهم سبعون : أربعة من المهاجرين ، وسائرهم من الأنصار.

أخرجه (٤) سعيد بن منصور.

٨٥ ـ (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) [الآية ١٧٢].

سمّي منهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والزّبير ، وسعد ، وطلحة ، وابن عوف ، وابن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو عبيدة بن الجراح ، في سبعين رجلا.

__________________

(١). ٤ / ٩٦. لكن عكرمة لم يزد إلا أبا حذيفة بن عتبة. وأما سعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان ، فقد زاده ابن إسحاق ، فهو سبق نظر من المؤلف رحمه‌الله تعالى. ولم أر في «الطبري» ذكرا للوليد بن عقبة.

(٢). ابن إسحاق ، والسّدّي ، وابن جريج.

(٣). أبو الضّحى : مسلم بن صبيح الهمداني الكوفي ، ثقة فاضل ، مات سنة (١٠٠) ه.

(٤). والأربعة الذين هم من المهاجرين ، حمزة بن عبد المطلب : ومصعب بن عمير ، وعثمان بن شماس ، وعبد الله بن جحش. «الدر المنثور» ٢ / ٩٤ ـ ٩٥. وانظر «تفسير الطبري» ٤ / ١١٣.

٤٥

أخرجه ابن جرير (١) من طريق العوفي عن ابن عباس.

وسمّى عكرمة : جابر بن عبد الله. أخرجه ابن جرير.

٨٦ ـ (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [الآية ١٧٣].

قائل ذلك أعرابيّ من خزاعة. أخرجه ابن مردويه عن أبي رافع.

وقال ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : ركب من عبد القيس. أخرجه ابن جرير.

وقال السّهيلي : نعيم بن مسعود الأشجعي.

٨٧ ـ (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [الآية ١٨١].

قائل ذلك : فنحاص اليهودي من بني مرثد.

أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس ، وابن جرير عن السّدّي.

وأخرج (٢) عن قتادة : أنه حييّ بن أخطب.

قال ابن عسكر : وقيل : هو كعب بن الأشرف.

٨٨ ـ (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) [الآية ١٨٨].

قال ابن عباس : يعني فنحاص ، وأشيع ، وأشباههما من الأخبار.

أخرجه ابن جرير.

٨٩ ـ (مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) [الآية ١٩٣].

قال محمد بن كعب (٣) : هو القرآن.

__________________

(١). ٤ / ١١٧ ـ ١١٨. بسند ضعيف. وروى الحميدي في «مسنده» برقم (٢٦٣) والطبري (٨٢٣٩) عن عائشة فذكرت : أبا بكر ، والزبير بن العوام.

وروى نحو حديث الحميدي البخاري في «صحيحه» عن عائشة رضي الله عنها برقم (٤٠٧٧) في المغازي ، وابن ماجة ، وأحمد ، والحاكم ٢ / ٢٩٨ ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «الدلائل» كما في «الدر المنثور» ٢ / ١٠٢. وقال الحافظ في «فتح الباري» ٧ / ٣٧ : وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن ذكر الخمسة الأولى [أي : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعمار بن ياسر] وعند عبد الرزاق من مرسل عروة ذكر ابن مسعود».

ملاحظة : في «فتح الباري» زيادة عمار بن ياسر ؛ وهي ليست في «تفسير الطبري».

(٢). «ابن جرير» ٤ / ١٣٠.

(٣). محمد بن كعب القرظيّ : ثقة عالم ، قال ابن عون : ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي. وقال ابن سعد : كان ثقة ، ورعا ، كثير الحديث ، روى له الأئمة الستة.

٤٦

وقال ابن جريج : هو محمد (ص). أخرجهما ابن أبي حاتم وغيره (١).

٩٠ ـ (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) [الآية ١٩٩].

نزلت في النّجاشي. كما أخرجه النّسائي من حديث أنس ، وابن جرير (٢) من حديث جابر.

وقال ابن جريج : نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه. أخرجه ابن جرير.

__________________

(١). «الطبري» ٤ / ١٤١.

(٢). ٤ / ١٤٦ رقم (٨٣٧٦) ط شاكر. وقال الشيخ أحمد شاكر : وهذا الحديث ضعيف. انتهى. وانظر تفسير «ابن كثير» ١ / ٤٤٣.

٤٧
٤٨

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «آل عمران» (١)

١ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢).

أقول : القيّوم من أسماء الله ـ عزوجل ـ وكذلك القيّام ، وهو الذي لا ندّ له. والقيّوم : فيعول ، فهو قيووم ، فأعلّت الواو ، وأبدلت ياء ، وأدغمت فيها. وكأنّ القيّوم مبالغة القائم. وأكثر ما جاء على فيعول يفيد الوصف ف «يوم صيخود» : شديد الحرّ ، و «أتان قيدود» : طويلة.

وقد يأتي علما ، نحو طيفور ، وهو طويئر ، واسم أبي يزيد البسطامي ، وسيحون اسم نهر في ما وراء النهر. وميسون اسم الزبّاء الملكة ، وبنت بحدل أم يزيد بن معاوية.

ومن الأعلام الحديثة : صيهود وشيبوب.

٢ ـ وقال تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ).

أقول : لقد انتهت الآية الثالثة كما في المصحف الشريف بكلمة الإنجيل ، وكان يمكنها أن تنتهي بقوله تعالى : (مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ) ، لأنها متعلقة بها ، متصلة بالمعنى محتاجة إلى ذلك. غير أن هذه التكملة الضرورية كانت من الآية ٤ ، في حين كان يمكن الآية الرابعة أن تبدأ بقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) ، ولكن بسبب من الحرص على أن تكون الآيات متناسبة في طولها كان ما هو ثابت في المصحف.

٣ ـ وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٤٩

عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [الآية ٧].

جاء في «لسان العرب» ، مادة «شبه» :

وفي التنزيل العزيز : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ).

قيل : معناه يشبه بعضها بعضا.

قال أبو منصور : وقد اختلف المفسرون في تفسير قوله : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) ، فروي عن ابن عباس أنه قال : المتشابهات : الم ، الر ، وما اشتبه على اليهود من هذه ونحوها.

قال أبو منصور : وهذا لو كان صحيحا عن ابن عباس كان مسلّما له ، ولكن أهل المعرفة بالأخبار وهّنوا إسناده ، وكان الفرّاء يذهب إلى ما روي عن ابن عباس.

وروي عن الضحّاك أنه قال : المحكمات ما لم ينسخ ، والمتشابهات ما قد نسخ.

وقال غيره :

المتشابهات : هي الآيات التي نزلت في ذكر القيامة والبعث ، ضرب قوله تعالى :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) [سبأ].

وضرب قوله جلّ وعلا :

(يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) (٤٨) [الواقعة].

فهذا الذي تشابه عليهم ، فأعلمهم الله الوجه الذي ينبغي أن يستدلوا به على أن هذا المتشابه عليهم كالظاهر لو تدبّروه ، فقال تعالى :

(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) [يس].

أي : إذا كنتم أقررتم بالإنشاء والابتداء فما تنكرون من البعث والنشور ، وهذا قول كثير من أهل

٥٠

العلم ، وهو بيّن واضح ، ومما يدلّ على هذا القول قوله عزوجل :

(فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [الآية ٧].

أي : أنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم ، فأعلم الله أنّ تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلّا الله عزوجل ، والدليل على ذلك قوله :

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) [الأعراف / ٥٣] يريد قيام الساعة وما وعدوا من البعث والنشور.

وأما قوله سبحانه : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) [البقرة / ٢٥] فإنّ أهل اللغة قالوا : معنى «متشابها» يشبه بعضه بعضا في الجودة والحسن.

وقال المفسرون : «متشابها» يشبه بعضه بعضا في الصورة ، ويختلف في الطعم ، ودليل المفسرين قوله تعالى من الآية نفسها : (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ).

وفي الحديث في صفة القرآن : «آمنوا بمتشابهه واعملوا بمحكمه» ، المتشابه : ما لم يتلقّ معناه من لفظه ، وهو على ضربين :

أحدهما إذا ردّ إلى المحكم عرف معناه. والآخر ما لا سبيل إلى معرفة حقيقته ، فالمتتبّع له مبتغ للفتنة لأنه لا يكاد ينتهي إلى شيء تسكن نفسه إليه.

أقول : لقد صرفت لغة القرآن مادة «تشابه» إلى مصطلح علمي من مصطلح التنزيل ، ابتعادا عن الأصل في قولنا : تشابه الشيئان مثل اشتبها ، أي : أشبه كل واحد منهما صاحبه.

٤ ـ وقال تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) [الآية ٩].

قال الزمخشري «في الكشاف ١ / ٣٣٩» :

(جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ) ، أي : تجمعهم لحساب يوم ، أو لجزاء يوم كقوله تعالى :

(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) [التغابن / ٩]. وقرئ : (جامع الناس) ، على الأصل.

أقول : والقراءة الشهيرة والمثبتة في التنزيل العزيز هي بإضافة «جامع» إلى الناس. وهذا يعني أنه ، سبحانه ، سيجمعهم في يوم لا ريب فيه ، وهو قيام الساعة.

والدلالة على الاستقبال ، وهذا يخالف ما ذهب إليه النحويون كما سنبيّن :

٥١

قال النحويون :

لا يخلو اسم الفاعل من أن يكون مقرونا ب «أل» أو مجرّدا ، فإن كان مجرّدا عمل عمل فعله ، من الرفع والنصب إن كان مستقبلا أو حالا ، نحو :

هذا ضارب زيدا الآن ، أو غدا ، وإنما عمل لجريانه على الفعل الذي هو بمعناه ، وهو المضارع. ومعنى جريانه عليه أنه موافق له في الحركات والسكنات ، لموافقة «ضارب» ليضرب ، فهو مشبه للفعل الذي هو بمعناه لفظا ومعنى.

وإن كان بمعنى الماضي لم يعمل لعدم جريانه على الفعل الذي هو بمعناه ، فهو مشبه له معنى لا لفظا ، فلا تقول : «هذا ضارب زيدا أمس» بل يجب إضافته ، فتقول : «ضارب زيد أمس» ، وأجاز الكسائي إعماله ، وجعل منه قوله تعالى :

(وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف / ١٨] ، فذراعيه منصوب بباسط وهو ماض ، وخرّجه غيره على أنه حكاية حال ماضية.

وقالوا :

وإذا وقع اسم الفاعل صلة للألف واللام ، عمل ماضيا ومستقبلا وحالا ، لوقوعه موقع الفعل ، إذ حقّ الصلة أن تكون جملة فتقول هذا الضارب زيدا الآن أو غدا أو أمس ، هذا هو المشهور من قول النحويين. وزعم جماعة ومنهم الرمّاني : أنه إذا وقع صلة للألف واللام ، لا يعمل إلّا ماضيا ولا يعمل مستقبلا ولا حالا ...

أقول : وعلى هذا يكون اسم الفاعل في قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) دالّا على المضي لأنه أضيف إلى (الناس) ، ولكن الحقيقة أنه دالّ على الاستقبال ، ومع ذلك كانت الإضافة.

وهذا يدل على أن استقراء النحاة غير واف ، فلم يستوفوا ما ورد في لغة التنزيل.

ومثل هذا ما ورد في هذه السورة نفسها ، وهو قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الآية / ١٨٥].

فالدلالة على المستقبل حاصلة ، ومع ذلك أضيف اسم الفاعل.

وقرأ اليزيدي : (ذائقة الموت) على

٥٢

الأصل. وقرأ الأعمش : (ذائقة الموت) بطرح التنوين مع النصب كقول أبي الأسود :

فذكّرته ثم عاتبته

عتابا رقيقا وقولا جميلا

فألفيته غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلا قليلا

وقد أضيف اسم الفاعل (ذائقة) إلى (الموت) في آيتين أخريين هما : [الأنبياء / ٣٥ ، والعنكبوت / ٥٧].

٥ ـ وقال تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) [الآية ١٨].

قال الزمخشري في «الكشاف ١ / ٣٤٣» :

(قائِماً بِالْقِسْطِ) ، مقيما للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ، ويثيب ويعاقب ، وما يأمر به عباده من إنصاف بعضهم لبعض ، والعمل على السويّة فيما بينهم. وانتصابه على أنه حال مؤكّدة منه كقوله : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) [البقرة / ٩١].

فإن قلت لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه؟ ولو قلت جاءني زيد وعمرو راكبا لم يجز؟ قلت إنما جاز لعدم الإلباس كما جاز في قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) [الأنبياء / ٧٢] أن انتصاب (نافِلَةً) حال عن يعقوب ...

أقول : هذه المشكلات اللغوية التاريخية من النماذج التي تقدمها لغة القرآن ، والتي تدل على أن لبناء العربية أسلوبا قد أحكم إحكاما لأداء المعاني ، فهو طورا واضح بيّن ، وطورا فيه إشكال ، وجماع هذا أمر يقتضيه البيان القرآني.

٦ ـ وقال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [الآية ١٩].

قال الزمخشري في «الكشاف ١ / ٣٤٥» :

«... إن الإسلام هو العدل والتوحيد ، وهو الدين عند الله ، وما عداه فليس عنده في شيء من الدين.

وفيه أن من ذهب إلى تشبيه أو ما يؤدي إليه ، كإجازة الرؤية أو ذهب إلى الجبر الذي هو محض الجور ، لم يكن على دين الله الذي هو الإسلام ، وهذا بيّن جليّ كما ترى ...

وقد رد الشيخ محمد عليان على قولة الزمخشري من أن الإسلام هو

٥٣

العدل والتوحيد فقال في حاشيته : «قوله : «فقد آذن أن الإسلام هو العدل تعسف لا يقتضيه النظم الكريم ، لكن دعا إليه التعصب ... وبالجملة فالعدل والتوحيد لم ينحصرا في مذهب المعتزلة».

٧ ـ وقال تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [الآية ٢٠].

القول في «اتّبعن» أن الأصل هو «اتبعني» بالياء التي هي ياء المتكلم.

فلم اجتزئ بالنون المكسورة عن مدة الياء التي يقتضيها المعنى ، كما يقتضيها سنن العربية؟ ولم خرج خط المصحف على الأصل؟

لن يكون القول بأن خط المصحف توقيف لا يقاس عليه ، جوابا عن هذين السؤالين على صدق هذا القول وأصالته.

وأرى أن لغة القرآن قد أصابت كل الإصابة في هذا الرسم ، ذلك أن المسألة ليست مسألة رسم خاصة بلغة التنزيل ، بل إنها مسألة تتصل بإجادة النظم والحفاظ على نسق موقّع موزون ، يخدم الكلمة في بنائها الخاص ، كما يخدمها في مجاورتها لما بعدها. ألا ترى أن الاجتزاء بهذا المدّ القصير الذي توفره الكسرة بعد النون عن المد الطويل الذي يتحقق بالياء ، يخدم الآية من قوله : (فَإِنْ حَاجُّوكَ) ، فيجنّبها شيئا من الطول ، وبذلك يحسن الوقف ، والوقف هنا شيء جائز لأرباب التلاوة الفنية ، والوقف أحسن من الوصل على جوازه. كل ذلك من تمام حسن الأداء لهذه اللغة الشريفة المختارة.

ولو أنك استقريت النماذج الكريمة في آي القرآن التي صير فيها إلى المدّ ، وإلى قصره ابتغاء حسن الأداء لوجدت من ذلك الشيء الكثير الذي يثبت أن العربية في القرآن ، على إصابتها الفائقة في المعاني ، والتحليق في مدارج الفكر ، قد عنيت باللفظ وبنائه عناية توفر الحسن والجمال والفن والإبداع. ألا ترى أن الهاء من «فيه» محركة بالكسرة ، وأنها في «عنه» محركة بالضمة ، ولكنك تجد هذه الهاء في «به» محركة بالكسرة تتبعها في الرسم المصحفي ياء صغيرة؟

إن هذه الياء الصغيرة بعد الهاء من («به» ي) ، إشارة إلى القارئ : أنه ملزم

٥٤

أن يطيل قليلا جدا من الكسرة بعد الهاء ، بحيث يتولد من ذلك شيء من مدّ طويل. كل هذا يرمي إلى أن تجوّد التلاوة فيتأتّى من ذلك عربيّة فائقة الأداء ناصعة البيان.

ثم إنّ هذا يظهر أن للعربية نظاما في أصوات المد واللين ، قصيرها وطويلها ، وأن هذا النظام أداة حكيمة في مجيء هذه اللغة رشيقة البناء في مفرداتها وجملها ، فقد يقصر الصوت حتى يؤول إلى حركة هي الفتحة والكسرة والضمة ، وقد يطول فيكون أصوات المد التي تدعى ألفا وواوا وياء (١).

على أن طول ما يدعى ب «الحركات» ليس ثابتا ، فقد يختلف نفر عن آخر في هذا الطول ، وقد تختلف الفتحة في طولها عن نظيرتها الفتحة الأخرى في الكلمة الواحدة ، ومثل ذلك يقال في الكسرة والضمة ، ألا ترى أن الضمة في «حسام» غير الضمة في «كسر» المبنيّ للمجهول.

وإذا كان الناس متفاوتين في إخراج هذه الأصوات القصيرة بحسب طولها ، فهم متفاوتون أيضا في إعطاء شيء من هذه الفتحة إلى شيء من تلك الكسرة. وهم متفاوتون أيضا في الأصوات الطويلة ، فقد يختلف اثنان في مدّ كلمة «شاعر» مثلا ، فبعضهم يمد الفتح فيكون الألف ، وآخر يقصر الفتح قليلا ، فيحمل الضيم على كسرة «العين» فتطول قليلا (٢).

ومن أجل حسن الأداء يصار إلى القصر كما أشرنا في أصوات اللين ، ألا ترى أن «يا» ، أداة النداء يتحقق فيها المدّ كاملا ، إذا وليها صوت متحرك فتقول : «يا عبد الله» ، ولكنها تقصر كثيرا حتى تتحول إلى صوت قصير هو الفتحة إذا وليها صوت ساكن نحو : «يا ابن مالك».

ولقد كان مقدار المدّ مظهرا من مظاهر اللهجات الخاصة في العربية الواسعة الرقعة. وما أظن أن كلمة «سلسل» ، وكلمة «سلسال» ، وهما بمعنى ، إلّا شيء من هذا.

__________________

(١). لعل من أهم المشكلات اللغوية الصوتية ، عدم التفريق في التسمية بين طبيعتين مختلفتين في الأصوات ، فالواو والألف والياء ، وهي من أصوات المد أو اللين غير الأصوات الصامتة الأخرى في «أمر» و «وجد» ، و «ينع» فالألف في الأولى هي همزة ، والواو في الثانية صوت صامت ، ومثل ذلك الياء في الثالثة.

(٢). قد يتبين هذا واضحا في نطق المغاربة لهذه الألفاظ الفصيحة.

٥٥

ثم ألا ترى أن طائفة من العرب في عصرنا يقولون «عمود» ، وآخرين يقولون : «عامود» في نطقهم الدارج.

٨ ـ وقال تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٦).

تشتمل هذه الآية على فقر متسقة النظام ، متساوقة يكاد يتصل بعضها ببعض ، وهذا النظام يتيح لمن يتلو أن يعمد إلى ضرب من التقسيم يسعفه بوقفات إن شاء ، لا تنال من الوحدة الموضوعية التي تجعل من هذه الأقسام ما يأخذ بعضها برقاب بعض.

ومثل هذا يتحقق في الآية اللاحقة ٢٧ :

(تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢٧).

قلت : إن هذه الفقر تتيح لمن يتلو أن يقف وقفات ، إن أحسّ أنّ الوقف يحسن في تجويد التلاوة ، والوقف جائز ، على أنه أحسن من الوصل ، وقد يكون العكس ، وهو جواز الوقف في حين يكون الوصل أولى.

هذا كله من الرّخص فسحة للقارئ في تجويد التلاوة المحكمة.

٩ ـ وقال تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) [الآية ٣٧].

أقول : لا بد من وقفة على الفعل «دخل» ، واستعماله في لغة التنزيل. لقد دلّ استقراؤنا للآيات التي اشتملت على هذا الفعل أنه لا بد أن يتطلب ما يتعلق به من الأسماء التي تفيد «المكانية». وفي هذه الحالة ، يصل الفعل إلى مدخوله من غير أداة واسطة كحروف الخفض ، ولنجتزئ من الآيات الكثيرة التي تفيد هذه الخصوصية بالآيات التي سنوردها :

قال تعالى :

١ ـ (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) [القصص / ١٥].

٢ ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) [البقرة / ٢١٤].

٣ ـ (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) [الأحزاب / ٥٣].

٤ ـ (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (٤٦) [الحجر].

٥٦

ومثل هذه الآيات آيات أخرى استعمل فيها الفعل هذا الاستعمال.

وقد يطوى ذكر المكان الذي يصير إليه الداخل ، فيكون الدخول على الآدميين ، وهنا لا بد من حرف الجر «على» كما في الآيات التي نوردها :

(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) [يوسف / ٦٩].

(إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ) [ص / ٢٢].

(وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) (٢٣) [الرّعد].

وقد يظهر المكان المدخول فيه مع ذكر الآدميين كقوله تعالى :

(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) [الآية ٣٧].

وقد استعمل فعل الدخول في بضع آيات ، قاصرا لازما غير متصل بمتعلق به كقوله تعالى :

(كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها).

[الأعراف / ٣٨].

(وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا) [الأحزاب / ٥٣].

(لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) [يوسف / ٦٧].

ومن غير شك أن المتعلق وهو الاسم المكاني ، أو المدخول عليهم من الآدميين قد طوي ذكره في هذه الآية لعدم الحاجة إليه ، وعلى هذا فالاستعمال واحد.

هذا كله يتصل باستعمال فعل الدخول في المحسوسات من الأسماء الدالة على الأمكنة والظروف المكانية ، واستعماله في الدخول على العاقل من الآدميين ، فإذا كان الدخول في الأمور العقلية ، أو ما يدعى بأسماء المعاني فالاستعمال يختلف ، وذلك أن الفعل يتطلب في هذه الحال حرف الجر «في» أو «الباء» كقوله تعالى :

(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) (٢) [النصر].

(وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) [المائدة / ٦١].

وقد يحمل على استعمال الفعل في الأمور المعنوية قوله تعالى :

(فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠) [الفجر].

والمراد بالدخول في العباد الاتصال بهم والعيش بينهم فجاز استعمال «في» ، في حين عطف عليه قوله :

٥٧

(وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠) وذلك لأن المدخول فيه من الأسماء الدالة على المكان.

ومن المفيد أن نشير إلى أن استعمال هذا الفعل يجاوز حقيقته مجازا لعلاقة من العلاقات ، فيصير الدخول بالزوج أي : المرأة بمعنى البناء بها ، والتزوج منها كقوله تعالى :

(فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) [النساء / ٢٣].

١٠ ـ قال تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٥٤).

أقول : لا أريد أن أعرض لمكر بني إسرائيل ، وكيف قابلهم الله على مكرهم جزاء وعقوبة ، ولكني أود أن أقف على المكر ومعناه ، وكيف ساغ أن ينسب إلى الله ، جلّ شأنه.

قال تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٠) [النمل].

قال أهل العلم بالتأويل : المكر من الله تعالى جزاء سمّي باسم مكر المجازى ، كما قال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى / ٤٠].

فالثانية ليست بسيّئة في الحقيقة ، ولكنها سمّيت سيئة لازدواج الكلام ، وكذلك قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [البقرة / ١٩٤].

فالأول ظلم ، والثاني ليس بظلم ، ولكنه سمّي باسم الذّنب ليعلم أنّه عقاب عليه وجزاء به ، ويجري مجرى هذا القول قوله تعالى :

(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء / ١٤٢].

وفي حديث الدعاء : «اللهم امكر لي ولا تمكر بي».

قال ابن الأثير : مكر الله إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه.

أقول :

هذه حقيقة المكر ، وهذه حقيقة نسبته إلى الله ، جلّ وعزّ ، ولم يلتفت أهل العربية في عصرنا إلى حسن استعمال هذه الكلمة في لغة التنزيل ، بل ظلّت الكلمة على ما نعرف من دلالة الخديعة والاحتيال.

١١ ـ وقال تعالى : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) [الآية ١١٢].

الفعل «ثقف» بهذه الدلالة عرفته لغة التنزيل في ست آيات ، في أربع منها جاء مبنيا للمعلوم ، وفي اثنتين ورد

٥٨

مبنيا للمجهول ، والآية التي ذكرناها إحدى هاتين ، والفعل فيها بمعنى الوجود. وقد كنا أشرنا إلى هذا بإيجاز كما في الآية ١٩١ من سورة البقرة : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي : حيث وجدتموهم وقوله تعالى : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا) بمعنى أينما وجدوا.

أقول :

لم يبق هذا الفعل بهذه الدلالة في العربية المعاصرة ، على أننا لا نجده بهذه الدلالة في العربية القديمة ، ولم يرد من ذلك إلا بيت واحد ذكره أهل المعجمات غير منسوب إلى قائل. إن هذا يعني أن لغة القرآن قد أكدت هذا الفعل بهذا المعنى الواضح.

أما دلالة الفعل الأخرى فهي قولنا : ثقف الشيء ثقفا وثقافا وثقوفة ، أي : حذقه.

ورجل بيّن الثّقافة وهو ثقف وثقف إذا كان ضابطا لما يحويه قائما به.

وثقف الخلّ ثقافة فهو ثقف وثقيف ، أي : حذق وحمض جدا. والثّقافة والثّقافة : العمل بالسيف.

والثّقاف : ما تسوّى به الرماح ، وتثقيفها تسويتها.

أقول :

هذا أكثر ما أثر في العربية من هذه الكلمة فما حالها اليوم. لعل من حياة المواد اللغوية ، والمسيرة التي تنتابها ، ما يذكّرنا بمختلف نماذج الكائن الحي في دنيانا هذه ، فمن نشأة وحياة واستمرار إلى نكوص وانزواء ففناء ، أو إلى استحالة أخرى تقطع الصلة بين الأول والآخر. ولعل من هذا أيضا ما كتب لمادة «الثقافة» في عصرنا هذا. إن «الثقافة» ، في موادنا اللغوية المعاصرة ، كلمة ذات مدلول كبير واسع ، يتصل بالحضارة والفكر والعلم والخلق وسائر ضروب السلوك البشري. ولعل من الصعب أن يصار إلى تعريفها تعريفا يستوفى فيه ما يجب أن يشتمل عليه. وما كان لهذه الكلمة أن تنال ما نالته لو لا الأثر الأجنبي ، الذي عرض لما يحزبنا نحن العرب في شؤون الفكر والعلم ، وسائر مواد الحضارة المعاصرة.

إن هذا الأثر الأجنبي هو ما نعانيه من الرغبة في ترجمة المعاني الأجنبية ، وأخصّ منها الغربية في عصرنا الحديث. لقد واجه أهل الفكر في عصرنا مادة erutluc : وعرفوا شيئا من

٥٩

دلالاتها في اللغات الغربية ، وقد أفضى إلى هذه الدلالات ، من غير شك ، علاقات عدة هي المشابهة والقرينة ، كما أفضى إليها التطور اللغوي التاريخي ، الذي يندرج في حقول مختلفة.

إذا كانت هذه الكلمة تعني «الفلاحة» ، أو «الزراعة» ، فلا شك أنها ، بسبب من المشابهة بعد مسيرة تطورية ، إنما تعني التربية والسلوك والمرانة.

ومن أجل هذا ، اقتضى جماع هذه المواد والأفكار أن يثقل رصيد هذه الكلمة ويزداد ثقلا يوما بعد يوم.

فماذا صنع المترجمون العرب؟

لقد أخذوا هذه الكلمة الواسعة فنظروا إليها بما يخدم السلوك والتربية ، فدخلت في عداد المعجم التربوي التعليمي ، ثم كتب لها أن تتسع فتغزو دوائر أخرى.

ثم كيف اختاروا مادة «ثقف» للدلالة الجديدة الوافدة؟

لقد وجدوا أن في هذه المادة العربية كلمة «ثقاف» ، وهو من أسماء الآلات والأدوات ، والثّقاف ما تقوّم به الرماح وتسوّى ، فاشتقوا منه مصدرا هو «الثقافة» ، لما في الأصل ، وهو اسم الآلة ، من معنى التقويم والتسوية والتعديل ، وكل ذلك يدخل في معاني التربية القائمة على تقويم السلوك البشري.

وعلى هذا نستطيع أن نقول : إن العربية البدوية ، بثروتها القديمة ذات الأصول البدوية ، قد أمدّت العربية الحضارية بمصدر لغوي كبير ، أفضى إلى مواد الحضارة المشهورة ، كالعقل والحكمة ، والحكم والحكومة ، والنقد والبناء ، والجمال وغير ذلك مما عرف في المعاني الحضارية. ولو أنك أعملت الفكر لاهتديت بيسر إلى تلك الأصول البدوية التي أوشك أن يمحي أثرها.

١٢ ـ وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) [الآية ١١٨].

أريد أن أقف على الفعل «ألا ، يألو».

قالوا : ألا يألو ألوا وألوّا وأليّا ، وألّى يؤلّي تألية.

ومثلهما ائتلى بمعنى قصّر وأبطأ ، قال :

٦٠