الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٠

على الاعتداء عليهم ، ثم فصل ما استثناه من بهيمة الأنعام ، فحرم الميتة وغيرها إلى الاستقسام بالأزلام وهو الميسر ، وكانوا ، إذا اجتمعوا في الحرم ، يهلون بذبائحهم للنّصب ، ثم يلطخونها بالدماء ويضعون اللحوم عليها ، ثم ينحرون جزورا ويسهمون عليها بالأزلام ، ثم ذكر لهم أن الكفار قد يئسوا من التأثير عليهم في دينهم ، ونهاهم أن يخشوهم إذا خالفوهم في مناسكهم ، وذكر لهم أنه أكمل لهم دينهم ، ورضي لهم الإسلام دينا ، فيجب عليهم أن يرضوا ما يرضاه لهم ، ولا يخشوا فيه لومة لائم.

ثم ذكر أنهم سألوا النبي (ص) قولا جامعا في ما أحل لهم من ذلك ، فذكر أنه أحل لهم الطيبات وصيد ما علموا من جوارح الطير والسباع ، وأن ذبائح أهل الكتاب حلّ لهم ، كما أن ذبائحهم حلّ لهم ، وأنه أحل لهم المحصنات من المؤمنات ومن أهل الكتاب ، إذا أعطوهن مهورهن ، محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ، (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٥).

أحكام الوضوء والتيمم

[الآية ٦]

ثم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [الآية ٦]. فذكر حكم الصلاة بعد حكم الحج والعمرة ، لأنهما ركنان من أركان الإسلام الخمسة ، فأمرهم بالوضوء أو التيمم عند القيام للصلاة ، ثم ذكر حكمة الوضوء والتيمم فقال : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٦).

التحذير من نقض العقود

[الآيات ٧ ـ ١١]

ثم قال تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٧). فعاد إلى المقصود الأول من السورة ، وأمرهم أن يذكروا نعمته عليهم بظهورهم على المشركين ، وأن يفوا بميثاقه عليهم ، وأن يكونوا قوّامين ، له شهداء بالعدل ، ونهاهم أن تحملهم عداوتهم للمشركين على نقض ميثاقهم ، ثم وعدهم على

٢٢١

ذلك بالمغفرة والأجر ، وأوعد الكفار بأنهم من أصحاب الجحيم ، ثم أمرهم أن يذكروا نعمته عليهم إذ كانوا في مكة مغلوبين للمشركين ، فكف أيديهم عنهم وجعلهم يرضون بصلحهم لشعورهم بقوتهم ، ثم أمرهم أن يتقوه في ذلك ويتوكلوا عليه (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١١).

الاعتبار بناقضي العقود

من الأولين

[الآيات ١٢ ـ ٤٠]

ثم قال تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الآية ١٢] ، فذكر أنه أخذ الميثاق عليهم بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والإيمان برسله الذين يبعثهم إليهم. فلما نقضوا ذلك الميثاق ، أوقع عليهم لعنته في الأرض ، فأذلهم وجعل قلوبهم قاسية لا تبالي بشيء ، فحرفوا كتبهم ونسوا بعض ما أنزل إليهم ، ولا يزال أثر تلك الخيانة فيهم بما فعلوه في عقودهم مع النبي (ص).

ثم ذكر أنه أخذ على النصارى مثل ذلك العهد فلم يفوا به أيضا ، فأوقع بينهم العداوة والبغضاء باختلافهم في دينهم ، بعد نسيانهم بعض ما أنزل إليهم.

ثم ذكر أنه أرسل النبي (ص) إلى الفريقين ليبين لهم ما أخفوه من كتبهم ، وأنزل عليهم كتابا يخرجهم من الظلمات إلى النور في أمر دينهم ، ثم أظهر ما وقع فيه كل منهما بنقض عهودهم ، من قول النصارى : إن الله هو المسيح بن مريم ، مع أنه إن أراد أن يهلكه وأمه ومن في الأرض جميعا لم يملك أحد منه شيئا ، ومن قول اليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه ، مع أنه يعذبهم بذنوبهم ، ولا فرق عنده بينهم وبين غيرهم ، ثم ذكر أنه أرسل إليهم النبي (ص) بعد انقطاع الرسل عنهم ، ليبين لهم ما أحدثوه بعدهم ، ويقطع بذلك العذر عنهم.

ثم ذكر ما كان من موسى (ع) حينما أمر قومه أن يذكروا نعمته عليهم ، وأن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها لهم ، ليقوموا بما عاهدوا الله عليه من محاربة أهلها ، فأبوا أن يحاربوهم خوفا منهم ، ثم ذكر عقابه لهم على ذلك بتحريمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض.

ثم ذكر ما كان من أمر هابيل وقابيل

٢٢٢

ابني آدم عليه‌السلام ، وقد اختلفا في أمر من الأمور ، فقدّم كل منهما قربانا إلى الله ليحكم بينهما فيه ، فتقبّل الله قربان هابيل دون قابيل ، فلم يرض قابيل بذلك وهدد أخاه بالقتل ، ولم يخف الله في ما عهد به إليهم من تحريم ذلك عليهم ، وكف هابيل عن قتله خوفا من الله تعالى. ثم ذكر أن قابيل قتل بعد ذلك أخاه فأصبح من الخاسرين ، وأدركه من الندم ما ساءت به حياته بعد أخيه.

ثم عقّب على هذا بأنه كتب من أجله على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها بإقامة القصاص فكأنما أحيا الناس جميعا ، فنقضوا أيضا ما كتبه عليهم من ذلك ، وأسرفوا في الأرض بالقتل وقطع الطريق والسرقة وغيرها ، ثم ذكر أن جزاء الذين يبغون في الأرض بهذا الفساد أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، أو ينفوا من الأرض ، واستثنى منهم الذين يتوبون قبل القدرة عليهم ، وأمر المؤمنين بالتقوى وابتغاء الوسيلة إليه وجهاد أولئك المفسدين ، وأنذرهم بأن لهم من عذاب القيامة ما لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به منه ما تقبّل منهم ، ثم ذكر أن جزاء السرقة من ذلك الفساد قطع الأيدي ، وأن من تاب يقبل توبته ولا يعاقبه ، لأنه المتفرد بالملك في السماوات والأرض (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٠).

نقض المنافقين

واليهود لعقودهم

[الآيات ٤١ ـ ٨٦]

ثم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) [الآية ٤١]. فنهى النبي (ص) أن يحزن لمسارعة المنافقين واليهود في نقض عهودهم معه ، وذكر من أمر اليهود في ذلك أنهم كانوا يجلسون إليه لكي يسمعوا منه ، ويكذبوا عليه ، ويتجسسوا لمن لا يحضر مجالسه من رؤسائهم ، وأن رؤساءهم كانوا يحذرونهم ، إذا تحاكموا إليه ، أن يقبلوا منه ما يخالف ما حرفوه من أحكام التوراة في جاهليتهم ، وكانوا قد حرفوا أحكامها في القصاص ، وعدلوا عنها بالرشوة إلى أحكام جائرة ظالمة ، فجعلوا دية

٢٢٣

القتيل من بني قريظة نصف دية القتيل من بني النّضير ، ثم خيره في الحكم بينهم والإعراض عنهم ، وأمره عند اختيار الحكم بينهم أن يحكم بالعدل الذي أنزله وهو القصاص ، ثم عجّبه من أنهم يحكّمونه وعندهم التوراة فيها حكمه في القتل ، ثم يتولّون عنه بعد التحكيم إذا علموا أنه سيحكم بينهم بذلك لا بما حرفوه في جاهليتهم ، ثم ذكر أنه أنزل التوراة فيها هدى ونور من الأحكام التي لم يحرفوها ، وأن أسلافهم كانوا يحكمون بها لا بتلك الأحكام التي تواضعوا عليها ؛ ونهاهم أن يخشوا الناس في الرجوع إلى حكم التوراة في القصاص ، وأمرهم أن يخشوه وحده ولا يشتروا بآياته تلك الرّشوة الزائلة ، ثم ذكر ما جاء فيها من القصاص في النفس والعين والأنف والأذن والسنّ والجروح ، وأن عيسى ، عليه‌السلام ، جاء بعد ذلك مصدقا لأحكام التوراة ، وأنه أنزل عليه الإنجيل مصدقا لها أيضا ، وأنه أنزل القرآن بعد ذلك مصدقا لأحكام التوراة والإنجيل ومهيمنا عليهما. وقد توافقت الكتب الثلاثة على القصاص ، فيجب الحكم بينهم به ، ولا يصح اتباع أهوائهم في الحكم ، ثم ذكر أنه جعل لكل من اليهود والنصارى والمسلمين شرعة ومنهاجا ، وله في اختلاف تلك الشرائع حكمة الابتلاء فيها ، وقد جعل شرعتنا خير الشرائع التي أنزلها ، ثم حذر النبي (ص) من اليهود أن يفتنوه عما جاء فيها من القصاص ، وعجّب من أنهم يبغون حكم الجاهلية الذي يفرق بين الدماء (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٥٠).

ثم نهى المؤمنين أن يتخذوا اليهود والنصارى أولياء لنقضهم عهودهم ، ولإيثارهم أعداءهم منهم عليهم ، ثم ذكر أن المنافقين يتمسكون بحلفهم ويقولون نخشى أن تصيبنا دائرة من هزيمة أو نحوها فنحتاج إليهم ، وكانوا أهل ثروة ومال يقرضونه بالربا وغيره ، ثم ذكر أنه سيفتح على المؤمنين فيندم المنافقون على نفاقهم ، ويقول المؤمنون متعجبين من أمرهم (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) (٥٣).

ثم ذكر أن من يرتد من أولئك المنافقين عن دينه ، فسوف يأتي بقوم خير منهم يجاهدون في سبيله ، وأنه يجب أن يكون وليهم الله ورسوله والمؤمنون لينصرهم على أعدائهم.

ثم عاد إلى نهي المؤمنين عن موالاة أهل الكتاب والمنافقين ليذكر سببا آخر

٢٢٤

في ذلك ، وهو أنهم يتخذون دينهم هزوا ولعبا ، ويستهزئون بصلاتهم عند قيامهم بها ، ثم أمر النبي (ص) أن يخبر أهل الكتاب بأنهم لا ينقمون منهم إلا أنهم يؤمنون بسائر الكتب المنزلة ، وأن أكثرهم فاسقون ، وأن يخبرهم بأن هناك من هو شرّ مثوبة عند الله ممن يظنونهم كذلك ويستهزئون بهم ، وهو من لعنه الله وجعل منهم من هو على غرائز القردة والخنازير في الشره والطمع ، ثم ذكر أن منهم من إذا جاءوا المؤمنين قالوا آمنا ، وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ، وأن كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكل السّحت ، وقد كان على ربّانيّيهم وأحبارهم أن ينهوهم عن ذلك ، ولكنهم تركوه طمعا في ما يأخذونه منهم ، ثم ذكر أنهم كانوا ، إذا طلب منهم الإنفاق في سبيله ، قالوا إن الإله الذي يستقرض شيئا من عباده فقير يده مغلولة ، يتهكمون بذلك ويتعللون به في كف أيديهم عن الإنفاق ، ويقولون على الله هذا القول الشنيع ، وهو الغني المبسوط اليدين بالعطاء ، ومن يكون هذا شأنه لا ينتظر منه إلا أن يزيده ما ينزل من القرآن طغيانا وكفرا ، ثم ذكر أنه ألقى بينهم العداوة إلى يوم القيامة بسبب تكالبهم على الدنيا ، فكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها بتفرقهم وتخاصمهم ، ثم ذكر أنهم ، لو آمنوا وأقاموا حكم التوراة والإنجيل في القصاص وغيره ، بدل أحكام الجاهلية ، لكفّر عنهم سيئاتهم ، ورزقهم سعادة الآخرة والدنيا ، وأن منهم من اقتصد في أمره وحافظ على عهده ، ولم ينقضه كما نقضه كثير منهم.

ثم أمر النبي (ص) أن يمضي في تبليغ رسالته إليهم ، ووعده بعصمته وحفظه منهم ، ثم فصل ما يبلغه بأن يقول لهم إنهم ليسوا على شيء حتى يقيموا عهد التوراة والإنجيل والقرآن في القصاص وغيره من الأحكام ، وأخبره بأن تبليغه إليهم ذلك سيزيدهم طغيانا وكفرا ، ونهاه أن يحزن على قوم كافرين مثلهم ، وذكر ما أعده لمن آمن منهم ومن غيرهم ليقلعوا عن كفرهم ، ثم ذكر ، من خروجهم على عهد التوراة والإنجيل ، أنه أخذ على بني إسرائيل ميثاقهم أن يؤمنوا برسله ، فكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذّبوا بعضهم وقتلوا بعضهم ، وأن النصارى كفروا بعد إيمانهم ، فقال بعضهم إن الله هو المسيح بن مريم ،

٢٢٥

مع أنه قد أمرهم أن يعبدوا الله ربه وربهم ، وقال بعضهم إن الله ثالث ثلاثة ، مع أنه ما من إله إلا إله واحد ، ثم رد عليهم جميعا بأن المسيح لم يكن إلا رسولا ، وبأن أمه لم تكن إلا صدّيقة ، وكانا يأكلان الطعام كما يأكل سائر البشر ، ثم وبخهم على أن يعبدوا من دونه ما لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، ونهاهم أن يغلوا في أمر المسيح ، وأن يتّبعوا في ذلك من ضل قبلهم فقال بالتثليث ونحوه مما يقولون به.

ثم ذكر أنه لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ، وأن كثيرا منهم كانوا لا يتناهون عن المنكر فيما بينهم ، وأن كثيرا منهم يتولون المشركين على المؤمنين ، ولو كانوا يؤمنون بالله ونبيهم موسى عليه‌السلام ما اتخذوهم أولياء ، ثم ذكر أن اليهود والمشركين الذين يوالي بعضهم بعضا أشد الناس عداوة للمؤمنين ، وأن النصارى أقرب منهم مودة لهم ، لأن منهم قسيسين ورهبانا قد أقبلوا على العبادة ولم يحرصوا على الدنيا حرص اليهود والمشركين ، ومنهم من إذا سمعوا ما أنزل على النبي (ص) تفيض أعينهم من الدمع ، ويؤمنون بأنه النبي الذي بشّروا به في التوراة والإنجيل ، فكان جزاؤهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (٨٦).

عود إلى ما سبق من الأحكام

[الآيات ٨٧ ـ ١٠٨]

ثم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٨٧) فنهاهم أن يحرموا شيئا من الطيبات التي أحلها لهم فيما سبق ، وأمرهم أن يأكلوا مما رزقهم حلالا طيبا ، ثم ذكر لهم أنه لا يؤاخذهم باللغو في أيمانهم ، ولكن يؤاخذهم بما قصدوه منها ، وبين لهم كفارته ، ثم حرم عليهم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ، وذكر أن الشيطان يريد أن يوقع بينهم العداوة في الخمر والميسر ، ثم ذكر أنه لا حرج عليهم فيما طعموا إذا ما اتقوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ثم ذكر أنه سيبلوهم في حال الإحرام بشيء من الصيد تناله أيديهم ورماحهم ، وأعاد ذكر تحريمه ليبين حكم من يقتله

٢٢٦

متعمدا ، وأن الذي يحرم صيد البر لا صيد البحر ، ثم ذكر أنه جعل البيت الحرام أمنا للناس فلا يحل القتال فيه ، وكذلك جعل الشهر الحرام أمنا لهم ، وكذلك جعل الهدي والقلائد لتسير إلى البيت آمنة ، ثم ذكر أنه شرع لهم ذلك بواسع علمه وحكمته ، وهددهم على مخالفة ذلك بشديد عقابه ، وذكر أنه ليس على الرسول (ص) إلا تبليغه لهم.

ثم ذكر أنه لا يستوي الخبيث الذي حرمه عليهم ، والطيب الذي أحله لهم ، ولو كان في كثرة الخبيث ما يدعو إلى الإعجاب به ، ثم نهاهم أن يسألوا عن أشياء من ذلك يريدون التشديد فيها ، لأنه قد سألها قوم من قبلهم ثم كفروا بها ولم يقووا عليها.

ثم أبطل ما كانوا يهدونه للأصنام ، فذكر أنه ما جعل لهم من بحيرة ولا سائبة ولا غيرهما من هدايا الأصنام ، وأنهم يفترون عليه في نسبة تشريعها إليه ، وأنهم يقلدون فيها آباءهم ولو كانوا لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ، ثم أمر المؤمنين أن يعرضوا عنهم لأنهم لا يضرّونهم بشيء من ضلالهم ، وذكر أن مرجعهم إليه فينبئهم بأعمالهم ثم ذكر أن أحدهم إذا كان مسافرا وحضره الموت ، أشهد على وصيته اثنين من المسلمين ، فإذا لم يجدهما أشهد عليها اثنين من غيرهم ، ثم أكد في الشهادة على الوصية بما أكد به ليأتوا بها على وجهها (أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١٠٨).

الخاتمة

[الآيات ١٠٩ ـ ١٢٠]

ثم قال تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (١٠٩). فذكر أنه يجمع رسله يوم القيامة ليسألهم عما فعله أتباعهم فيما عهدوا به إليهم ، فيجيبوا بأنهم لا يعلمون ما أحدثوه فيها بعد وفاتهم ، لأنهم غابوا عنهم ولا يعلم الغيب غيره ، ثم خصّ النصارى بذكر ما أحدثوه في عهدهم لأنهم كانوا أشد انحرافا من غيرهم ، فذكر أنه ، في يوم القيامة ، يذكر لعيسى عليه‌السلام ما أنعم به عليه وعلى والدته ، وأنه علّمه الكتاب والحكمة إلخ ، ومما ذكره في هذا حديث المائدة التي سميت هذه السورة باسمها ، ثم ذكر أنه يسأله بعد

٢٢٧

هذا (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [الآية ١١٦] وأنه يجيبه بتنزيهه عن أن يكون له شريك ، وبأنه ليس له أن يقول مثل هذا الذي نسبه أتباعه إليه ، وبأنه إنما أمرهم بعبادة الله ربه وربهم ، وكان عليهم شهيدا بذلك في حياته ، فلما توفاه كان هو الشهيد عليهم ، ثم فوض الأمر إليه في تعذيبهم والمغفرة لهم إظهارا لكمال العبودية ، وإن كان الشرك لا يغفر لأصحابه.

ثم ذكر أنه يقول لرسله بعد ذلك (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [الآية ١١٩] وهم الذين صدقوا في عهودهم ولم يغيروا فيها بعد وفاة رسلهم ، وذكر أن لهم على ذلك جنات يتمتعون فيها برضاه عنهم ورضاهم عنه ، وأن ذلك هو الفوز العظيم (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٢٠).

٢٢٨

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «المائدة» (١)

وقد تقدم وجه في مناسبتها.

أقول : هذه السورة أيضا شارحة لبقية مجملات سورة البقرة ، فإن آية الأطعمة والذبائح فيها أبسط منها في البقرة (٢). وكذا ما أخرجه الكفار تبعا لآبائهم في البقرة موجز (٣) وفي هذه السورة مطنب أبلغ إطناب في قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ) [الآية ١٠٣].

وفي البقرة ذكر القصاص في القتلى (٤). وهنا ذكر أول من سن القتل ، والسبب الذي لأجله وقع ، وقال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ م.

(٢). قال تعالى هنا : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) [الآية ٣] الى (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) [الآية ٥]. أمّا في البقرة فلم يكن هذا التفصيل ، إذ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) [البقرة / ١٧٢]. ثم قال : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة / ١٧٣].

(٣). في البقرة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) [البقرة / ١٦٨].

(٤). من دلائل الترتيب أنه قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) في [البقرة / ١٧٨]. ثم زاده بيانا في السورة نفسها فقال : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة / ١٧٩]. ثم قال تعالى : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) [الآية ١٩٤]. ثم ذكر قتل الخطأ والنسيان في النساء فقال تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [النساء / ٩٢]. وزاد تفصيل القصاص فيما ساقه المؤلف في الآية ٣٢ من المائدة. ثم فصل أحكام القصاص في قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) [الآية ٤٥].

وهذا تدرج بديع يدل على إحكام الترتيب والتلاحم.

٢٢٩

النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [الآية ٣٢]. وذلك أبسط من قوله تعالى في [البقرة / ١٧٩] : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ).

وفي البقرة : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) [البقرة / ٥٨]. وذكر في قصتها هنا : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [الآية ٥٤].

وفي البقرة قصة الأيمان موجزة ، وزاد هنا بسطا بذكر الكفارة (١).

وفي البقرة ، قال في الخمر والميسر : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة / ٢١٩]. وزاد هنا في هذه السورة ذمها ، وصرح بتحريمها (٢).

وفي سورة المائدة من الاعتلاق بسورة الفاتحة : بيان المغضوب عليهم والضالين في قوله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) [الآية ٦٠]. وقوله تعالى : (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (٧٧).

وأما اعتلاقها بسورة النساء ، فقد ظهر لي فيه وجه بديع جدا. وذلك أن سورة النساء اشتملت على عدة عقود صريحة وضمنية.

فالصريحة : عقود الأنكحة ، وعقد الصداق ، وعقد الحلف ، في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ) [النساء / ٣٣]. وعقد الأيمان في هذه الآية ؛ وبعد ذلك عقد المعاهدة والأمان في قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) [النساء / ٩٠]. وقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ) [النساء / ٩٢].

والضمنية : عقد الوصية ، والوديعة ، والوكالة ، والعارية ، والإجارة ، وغير ذلك من الداخل في عموم قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النساء / ٥٨]. فناسب أن يعقب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود.

__________________

(١). قال هنا : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) [الآية ٨٩].

وقال في البقرة : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (٢٢٥).

(٢). في هذه السورة قال تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ).

٢٣٠

فكأنه قيل (في المائدة) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [الآية ١] التي فرغ من ذكرها في السورة التي تمت. فكان ذلك غاية في التلاحم والتناسب والارتباط.

ووجه آخر في تقديم سورة النساء ، وتأخير سورة المائدة ، وهو : أن تلك أولها : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) [النساء / ١] وفيها الخطاب بذلك في مواضع ، وهو أشبه بخطاب المكي ، وتقديم العام (١) وشبه المكي أنسب.

ثم إن هاتين السورتين (النساء والمائدة) ، في التقديم والاتحاد ، نظير البقرة وآل عمران ، فتلكما في تقرير الأصول ، من الوحدانية ، والكتاب ، والنبوة ، وهاتان في تقرير الفروع الحكمية.

وقد ختمت المائدة بصفة القدرة ، كما افتتحت النساء بذلك (٢).

وافتتحت النساء ببدء الخلق ، وختمت المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء (٣) فكأنهما سورة واحدة ، اشتملت على الأحكام من المبتدأ إلى المنتهى.

ولما وقع في سورة النساء : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء / ١٠٥]. فكانت نازلة في قصة سارق سرق درعا (٤) ، فصل في سورة المائدة أحكام السراق والخائنين.

ولما ذكر في سورة النساء أنه أنزل إليك الكتاب للحكم بين الناس ، ذكر في سورة المائدة آيات في الحكم بما أنزل الله حتى بين الكفار ، وكرر قوله

__________________

(١). يريد بالعام : الخطاب ب يا أيّها النّاس ، فهو أعم من : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) [الآية ١]. أو (يا أَهْلَ الْكِتابِ) [النساء / ١٧١].

(٢). ختام المائدة قوله تعالى (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٢٠). وأول النساء : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) [النساء / ١]. وهو دليل القدرة.

(٣). بدء الخلق في أول النساء قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) [النساء / ١]. والمنتهى في ختام المائدة قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [الآية ١١٩].

(٤). قصة الدرع أخرجها ابن كثير في التفسير : ٢ / ٣٥٨ ، ٣٥٩ ، وعزاها الى ابن مردويه ، من طريق عطية العوفي.

ورواها الترمذي في حديث طويل فيه سرقة طعام وسلاح : ٨ / ٣٩٥ ـ ٣٩٩ بتحفة الاحوذي. وأخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٣٨٥ ـ ٣٨٨ ، وانظر ارشاد الرحمن في المتشابه والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وتجويد القرآن للاجهوري ورقة : ١٣٦ أ ، ب لزيادة التفاصيل.

٢٣١

تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [الآيات ٤٤ ـ ٤٥ و ٤٧].

فانظر إلى هذه السور الأربع المدنيات ، وحسن ترتيبها ، وتلاحمها ، وتناسقها ، وتلازمها.

وقد افتتحت بالبقرة التي هي أول ما نزل بالمدينة ، وختمت بالمائدة التي هي آخر ما نزل بها ، كما في حديث الترمذي (١).

__________________

(١). أخرج الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص : ٨ / ٤٣٦ ، ٤٣٧ : (آخر سورة نزلت المائدة والفتح). وقال المياركفوري : روى الشيخان عن البراء : آخر آية نزلت (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ) [النساء / ١٧٦]. وآخر سورة نزلت سورة التوبة. وردّ البيهقي هذا التعارض بأن كل واحد أجاب بما عنده. وقال الباقلاني : ليس في هذه الأقوال شيء مرفوع الى النبي (ص) وكل واحد قال بضرب اجتهاد (تحفة الاحوذي : ٨ / ٤٣٦ ، ٤٣٧). وانظر (نكت الانتصار لنقل القرآن للباقلاني ص ١٣٥).

٢٣٢

المبحث الرابع

مكنونات سورة «المائدة» (١)

١ ـ (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) [الآية ٢].

قال عكرمة : هو ذو القعدة. أخرجه ابن جرير (٢). واختار أنّ المراد : هو رجب.

٢ ـ (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) [الآية ٢].

قال عكرمة ، والسّدّي : نزلت في الحطم بن هند البكري. أخرجه ابن جرير (٣).

وقال ابن زيد : في أناس من المشركين ، من أهل المشرق ، مرّوا بالحديبية ، يريدون العمرة. أخرجه ابن أبي حاتم (٤).

٣ ـ (شَنَآنُ قَوْمٍ) [الآية ٨].

هم قريش.

٤ ـ (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الآية ٣].

نزلت بعد عصر يوم عرفة عام حجّة الوداع ؛ كما في «الصحيح» (٥).

٥ ـ (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) [الآية ٤].

سمّى عكرمة من السائلين : عاصم بن عدي ، وسعد بن خيثمة ، وعويم بن

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). ٦ / ٣٧.

(٣). ٦ / ٣٨ ـ ٣٩.

(٤). و «الطبري» نحوه ، دون قوله : «من أهل المشرق». ٦ / ٣٩.

(٥). «صحيح البخاري» كتاب التفسير برقم (٤٦٠٦).

٢٣٣

ساعدة. أخرجه ابن جرير (١).

وقال سعيد بن جبير : عدي بن حاتم ، وزيد بن المهلهل.

٦ ـ (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) [الآية ٨].

أخرج ابن جرير (٢) ، من طريق ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال : نزلت في يهود خيبر حين أرادوا قتل النبي (ص).

٧ ـ (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا) [الآية ١١].

قال ابن عباس : نزلت في قوم من اليهود صنعوا لرسول الله (ص) طعاما ليقتلوه.

وقال عكرمة : في كعب بن الأشرف ، ويهود بني النضير. أخرجه ابن جرير (٣).

وأخرج عن أبي مالك : في كعب بن الأشرف وأصحابه ، حين أرادوا أن يغدروا برسول الله (ص).

وأخرج عن يزيد بن أبي زياد : أنّ منهم حيي بن أخطب.

وأخرج عن قتادة : أنها نزلت في قوم من العرب أرادوا الفتك به ، وهو في غزوة ، فأرسلوا له أعرابيا ليقتله ببطن نخل ، وهم بنو ثعلبة ، وبنو محارب (٤).

٨ ـ (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) [الآية ١٢].

قال ابن إسحاق : هم شموع بن زكور من سبط روبيل ، وشوقط ابن حوري من سبط شمعون ، وكالب بن يوقنا من سبط يهودا ، ويعوول بن يوسف من سبط أساخر ، ويوشع بن نون من سبط افرائيم بن يوسف ، ويلطي بن زوفو (٥) من سبط بنيامين ، وكرابيل بن سودي (٦) من سبط زبالون ،

__________________

(١). ٦ / ٥٧. ووقع في النسخ المطبوعة : «عويمر» بدلا من «عويم» ؛ والصواب ما أثبته.

(٢). ٦ / ٩١.

(٣). ٦ / ٩٣. وفي «الإتقان» زيادة : و «وحيي بن أخطب».

(٤). «الطبري» ٦ / ٩١.

(٥). «الإتقان» : «بلطي بن روفو».

(٦). «الإتقان» : «سوري» بالراء.

٢٣٤

وكدّى بن سوسا (١) من سبط منشا بن يوسف ، وعمائيل بن كسل من سبط دان ، وستور بن مخائيل من سبط شيز (٢) ، ويحنّى بن وقوسي من سبط تفتال (٣). وإأل بن موخا من سبط كادلوا.

أخرجه ابن جرير (٤).

٩ ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ) [الآية ١٨].

قالها من اليهود : نعمان بن أحي ، وبحريّ بن عمرو ، وشاس بن عدي (٥).

١٠ ـ (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) [الآية ١٩].

قال قتادة : كان بين عيسى ومحمد خمسمائة وستون سنة.

وفي رواية عنه قال : ذكر أنّها ستمائة سنة.

وقال معمر عن أصحابه : خمسمائة وأربعون سنة.

وقال الضّحّاك : أربعمائة سنة ، وبضع وثلاثون سنة. أخرجها محمد بن جرير.

١١ ـ (ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً) [الآية ٢٠].

قال مجاهد : المنّ ، والسّلوى ، والحجر ، والغمام. أخرجه ابن جرير (٦).

١٢ ـ (الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) [الآية ٢١].

قال ابن عباس : الطور وما حوله.

وقال قتادة : الشام.

وقال عكرمة عن ابن عبّاس : أريحا.

وقيل : دمشق ، وفلسطين ، وبعض الأردن.

أخرج ذلك ابن جرير (٧).

١٣ ـ (قَوْماً جَبَّارِينَ) [الآية ٢٢].

__________________

(١). «الإتقان» : «سوساس».

(٢). «الإتقان» : «أشير».

(٣). «الإتقان» : «نفتال».

(٤). «الإتقان» : «كاذلو» بالمعجمة ٦ / ٩٦. وفي ضبط الأسماء اختلاف بين نسخ هذا الكتاب والطبري ، فصّلهما الأستاذ محمود محمد شاكر في تعليقه على «الطبري» ١٠ / ١١٤ ـ ١١٥ ط دار المعارف.

(٥). أخرجه الطبري ٦ / ١٠٥ عن ابن عباس.

(٦). ٦ / ١٠٩.

(٧). ٦ / ١١٠.

٢٣٥

هم العمالقة (١).

١٤ ـ (قالَ رَجُلانِ) [الآية ٢٣].

قال مجاهد : هما يوشع بن نون ، وكالب بن يوقنّا أو ابن يوفنّة (٢).

وقال السّدّي : يوشع ، وكالب بن يوفنّه : ختن (٣) موسى. أخرجه ابن جرير (٤).

قال ابن عسكر : يوشع : ابن أخت موسى ، وكالب : صهره. واختلف في اسمه ، فقيل : كالوب. وقيل : كلاب. وأبوه : قيل : يوفنا ، بالنون بعد الفاء. وقيل بالياء بعدها.

١٥ ـ (نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ) [الآية ٢٧].

قال مجاهد : هابيل ، وهو المتقبّل منه والمقتول ؛ وقابيل ، وهو القاتل.

أخرجه ابن جرير (٥).

١٦ ـ (قُرْباناً) [الآية ٢٧].

هو كبش (٦).

فائدة :

أخرج ابن عساكر في «تاريخه» ، عن عمرو بن خير الشّعباني (٧) قال : كنت مع كعب الأحبار على جبل دير مرّان (٨) ، فأراني لمعة حمراء سائلة في الجبل ، فقال : هاهنا قتل ابن آدم أخاه ، وهذا أثر دمه جعله الله آية للعالمين (٩).

__________________

(١). انظر «الدر المنثور» ٢ / ٢٧٠.

(٢). رواه ابن منيع. قال البوصيري الحافظ. رواته ثقات : «المطالب العالية» (٣٥٩٠) وضبط في «سفر العدد» و «يفنّه» بفتح الياء وضم الفاء وتشديد النون.

(٣). الختن : كل من كان من قبل المرأة ، كالأب والأخ.

(٤). ٦ / ١١٣.

(٥). انظر «الطبري» ٦ / ١٢٠ ـ ١٢١.

(٦). المصدر السابق الموضع نفسه.

(٧). عمرو بن خير الشّعباني ، قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» ٣ / ٢٥٩ وتبعه الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» : «لا يعرف».

(٨). دير مرّان : محلة كانت عامرة آهلة بالسكان في دمشق غرب قاسيون ، ومحلها اليوم في السفح الواقع أسفل قبة سيار وأعلى بستان الدواسة يطل منها الإنسان على الربوة ، وعرفت تلك الجهة بهذا الاسم لوجود دير يدعى بدير مران. انظر «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» ١ / ٤٤ لابن طولون الصالحي.

(٩). في أعلى قاسيون في دمشق ، مسجد صغير يسمى ب «مسجد الأربعين» تقع جانبه لمعة حمراء في الجبل ، يزعمون أنها دم هابيل ، ولا تزال حتى الآن.

٢٣٦

١٧ ـ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ) [الآية ٣٣].

نزلت في العرنيين ، وكانوا ثمانية (١).

١٨ ـ (لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) [الآية ٤١].

قيل : هم اليهود (٢).

وقيل : المنافقون (٣).

وقيل : نزلت في عبد الله بن صوريا (٤).

حكاها ابن جرير (٥).

١٩ ـ (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) [الآية ٤١].

هم أهل فدك. كما أخرجه «الحميدي» (٦) ، وابن أبي حاتم من طريق الشّعبي عن جابر بن عبد الله.

٢٠ ـ (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [الآية ٥٢].

قال عطيّة : نزلت في عبد الله بن أبيّ. أخرجه ابن جرير (٧).

٢١ ـ (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [الآية ٥٤].

قال (ص) لما نزلت : «هم قوم هذا» ، وأشار إلى أبي (٨) موسى الأشعري. أخرجه الحاكم.

وأخرجه ابن أبي حاتم ، من طريق محمد بن المنكدر (٩) ، عن جابر قال : سئل رسول الله (ص) عن هذه الآية

__________________

(١). انظر : «صحيح البخاري» رقم (٦٧٩٩) في الديات ، باب القسامة.

(٢). أخرجه ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس موقوفا.

(٣). أخرجه ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس. «الدر المنثور» ٢ / ٢٨١.

(٤). أخرجه البيهقي في «السنن» وابن المنذر ، وابن إسحاق ، عن أبي هريرة.

(٥). في «تفسيره» مسندة ٦ / ١٤٩ ـ ١٥١.

(٦). في «مسنده» برقم (١٢٩٥) من طريق زكريا ، وهو ابن أبي زائدة ، عن الشعبي ، عن جابر. وسنده ضعيف ؛ لأن زكريا معروف بتدليسه عن الشعبي ، وروايته عنه ما لم يسمع منه. انظر «تهذيب التهذيب» ٣ / ٣٣٠.

(٧). ٦ / ١٨٠ ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم «الدر المنثور» ٢ / ٢٩١. وعطية ، راوي الأثر ؛ هو ابن سعد ، كما في «تفسير الطبري».

(٨). في «المستدرك» ٢ / ٣١٣ على شرط مسلم وأقره الذهبي ، والطبراني كما في «مجمع الزوائد» ٧ / ١٦ ورجاله رجال الصحيح ، وأبو بكر بن أبي شيبة عن عياض الأشعري كما في «المطالب العالية» برقم (٣٥٩٨) قال الحافظ البوصيري : رواته ثقات.

(٩). والحاكم في «الكنى» ، وأبو الشيخ ، والطبراني في «الأوسط» ، وابن مردويه ، بسند حسن. كما في «الدر المنثور» ٢ / ٢٩٢.

٢٣٧

فقال : «هؤلاء قوم من أهل اليمن ، ثم من كنده ، ثم من السّكون ، ثم من تجيب (١)».

وأخرج من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مثله.

وأخرج (٢) عن الحسن قال : هم ، والله ، أبو بكر وأصحابه.

وأخرج عن الضّحّاك مثله.

وأخرج عن مجاهد قال : قوم من سبأ.

وأخرج عن أبي بكر بن عياش (٣) قال : هم أهل القادسية.

٢٢ ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [الآية ٦٤].

أخرج الطبراني عن ابن عباس : أن قائل ذلك النّبّاش بن قيس.

وأخرج أبو الشيخ عنه : أنه فنحاص (٤).

٢٣ ـ (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) [الآية ٨٢].

أخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال : هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة.

وأخرج عن عطاء قال : ما ذكر الله به النصارى من خير ، فإنما يراد به : النجاشي ، وأصحابه.

وأخرج عن سعيد بن جبير قال :

نزلت في ثلاثين من خيار أصحاب النجاشي.

وأخرج من طرق أخرى عنه : انهم سبعون رجلا.

وأخرج عن السدي : أنهم اثنا عشر رجلا.

وقد سماهم جماعة منهم إسماعيل الضرير (٥) في «تفسيره» : ابرهد ، وأيمن ، وإدريس ، وابراهيم ، والأشرف ، وتميم ، وتمام ، ودريد ، وبحيرا ، ونافع.

__________________

(١). تجيب : بفتح التاء ، وضمها ، بطن من كندة.

(٢). ابن جرير ٦ / ١٨٢.

(٣). وفي «الدر المنثور» : رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس.

واسمه : «النباش» ، كذا وقع اسمه في «تفسير ابن كثير» ٢ / ٧٥ : «شاس».

(٤). من يهود بني قينقاع. كما في «الدر المنثور». والرواية في الطبري عن عكرمة.

(٥). إسماعيل الضرير ، إسماعيل بن أحمد الحيري النيسابوري ، الضرير ، المفسر ، المقرئ ، أحد أئمة المسلمين ، والعلماء العاملين ، ومن فقهاء الشافعية ، من أهل نيسابور ، له تصانيف في علم القرآن والقراءات والحديث. ولد سنة ٣٦١ ، وتوفي نحو ٤٣٠. («طبقات المفسرين» للسيوطي ٣٥ ، و «الأعلام» ١ / ٣٠٩).

٢٣٨

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «المائدة» (١)

١ ـ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) [الآية ٢].

الشعائر جمع شعيرة ، وهي اسم ما أشعر ، أي : جعل شعارا وعلما للنّسك ، من مواقف الحجّ ، ومرامي الجمار ، والمطاف ، والمسعى ، والأفعال التي هي علامات الحجّ يعرف بها من الإحرام ، والطواف ، والسّعي ، والحلق ، والنّحر.

ولا بد لنا أن نبسط هذه المادة اللغوية ، لنعرف شيئا مما يتصل بها ، ولنبدأ بالشّعار فنقول :

الشّعار : العلامة في الحرب وغيرها.

وشعار العساكر أن يسموا لها علامة ينصبونها ، ليعرف الرجل بها رفقته. وفي الحديث : «إن شعار أصحاب رسول الله (ص) كان في الغزو : يا منصور أمت أمت!» وهو تفاؤل بالنّصر بعد الأمر بالإماتة. واستشعر القوم : إذا تداعوا بالشّعار في الحرب ، قال النابغة :

مستشعرين قد الفوا في ديارهم

دعاء سوع ودعميّ وأيّوب

وشعار القوم : علامتهم في السّفر. وأشعر القوم في سفرهم : جعلوا لأنفسهم شعارا.

قال الأزهري : ولا أدري مشاعر الحجّ إلّا من هذا ، لأنها علامات له.

أقول : إذا كان من معاني الشّعار العلامة ، فكأن «الشّعيرة» وهي البدنة

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرائي ، مؤسسة الرسالة العربية ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٣٩

المهداة تصبح علامة ، فكانت من الشعائر للحاجّ ، أي : علامة له ، ولأنها تذبح ، فقد صار «الإشعار» هو الإدماء ، أي : الذّبح.

وفي حديث مقتل عمر ، رضي الله عنه : أن رجلا رمى الجمرة فأصاب صلعته بحجر ، فسال الدم ، فقال رجل : أشعر أمير المؤمنين.

وإذا كانت الشعائر عامة مناسك الحج ، فهي أيضا الشّعارة والمشعر ، وقوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) [البقرة / ١٩٨].

أي : مزدلفة.

والمشاعر : المعالم التي ندب الله إليها ، وأمر بالقيام عليها.

أقول : من غير شك أن هذه المواد الاصطلاحية ، التي أصبحت شيئا من المعجم التاريخي الإسلامي ، تشير إلى الأصل البعيد ، وهو مادة «الشعور» بمعنى «الحسّ» ، أو «الإحساس». وعلى هذا يكون «الشّعار» ، وهو العلامة ، واسطة يشعر بها الرجل في الحرب وغير الحرب.

ثم كان من هذا الشعيرة ـ وهي البدنة ـ «المعلّمة» بعلامة ، التي تنحر هديا ، ثم كانت هذه الشعيرة العلامة لعامة ما يتصل بالحج ، فأطلقت على المناسك كلّها.

ثم ماذا من هذه المواد القديمة؟

أقول : استقرّت الشعيرة والشعائر في استعمالها الاصطلاحي في الحجّ. وقد يتوسع الآن فتطلق «الشعائر» على جميع الواجبات الدينية ، فيقال مثلا : الشعائر الدينية ، وهي الفرائض والسنن وغيرها.

أما الشعار والشعارات في عصرنا ، فهي ما يتخذ ، من قول أو عمل ، واسطة ، أو مظهرا للإعراب عن حقيقة ما ، كأن يقال : شعار الطلاب : السعي والعمل الوطني ، وشعار الجندي : الطاعة ، وشعار العامل : الإخلاص.

وليس هذا الاستعمال الجديد إلا شيئا من الاستعمال القديم.

وأما المشاعر ، فهي في لغتنا المعاصرة تعني الشعور والإحساس ، يقال : أظهر فلان لضيفه مشاعر الودّ مثلا. وليس لهذه المشاعر مفرد ، كما أنه لا مفرد للمحاسن ، أو المساوئ ، أو المباهج أو غيرها مما شابهها.

٢ ـ وقال تعالى : (إِذا آتَيْتُمُوهُنَ

٢٤٠