المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٦

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٩

كان؟ سواء كان مثلثا أو مربعا أو مخمسا. أو غير ذلك من المضلعات التي لا نهاية لها. فإنك إذا أخرجت كل واحد من أضلاعه في جهة واحدة ، فإن مجموع الزوايا الحادثة في الخارج من ذلك الضلع ، يساوي أربع قوائم. لا أزيد ولا أنقص. والدليل عليه : الاستقراء والبرهان.

أما الاستقراء : فهو أن المثلث إذا أخرج كل واحد من أضلاعه الثلاثة على الاستقامة، حيث من كل منها زاويتان معادلتان لقائمتين ومجموعهما ست قوائم ، والواقع (١) في داخل المثلث اثنان. فالباقي من تلك الستة (٢) في الخارج : أربع قوائم. وأيضا : المربع إذا أخرج كل واحد من أضلاعه الأربعة إلى الخارج ، حدث بسبب كل ضلع قائمتان (٣) أو معادلتان لقائمتين. فالمجموع : ثمانية. لكن المربع يحصل فيه مثلثان ، فتكون القوائم الحاصلة في داخل المربع : أربعة. فبقيت (٤) الحاصلة في الخارج أربعة. وأيضا : المخمس إذا أخرج كل واحد من أضلاعه على الاستقامة إلى الخارج ، حدث بسبب كل ضلع زاويتان (٥) معادلتان لقائمتين. فيكون مجموع القوائم : عشرة. والواقع منها في داخل المخمس : ست ، فيبقى في الخارج : أربعة. واعتبر حال سائر الأشكال من نفسك. لتعرف أن الحال كما ذكرناه.

وأما البرهان : فنقول إن كل مضلع (٦) فإنه يمكن إخراج كل واحد من أضلاعه على الاستقامة. فإذا فعلنا حصل بسبب ذلك زاويتان معادلتان لقائمتين إحداهما واقعة في داخل [ذلك (٧)] المضلع ، والأخرى خارجة عنه. وإذا كان كذلك ، وجب أن يكون عدد القوائم الحاصلة في الداخل والخارج : ضعيف عدد أضلاع ذلك المضلع.

__________________

(١) والراجع منها (ط) مكرر.

(٢) النسة : غير (م ، ط)

(٣) قائمتان ومعادلتان (م).

(٤) فيثبت : الحاصلة في داخل المربع أربعة ، فيثبت الحاصلة في الخارج أربعة (م).

(٥) زاويتان ومعادلتان (م).

(٦) ضلع (م).

(٧) من (ط) مكرر.

١٦١

ثم نقول : قد عرفت ان القوائم الحاصلة في داخل كل مضلع : ضعف عدد المثلثات الواقعة فيه. والمثلثات الواقعة فيه : أنقص من تلك الأضلاع باثنين. والقوائم الحاصلة [له (١)] بسبب المضلعين : أربعة. ولما لم توجد هذه الأربع في داخل المضلع ، وجب حصولها في الخارج. فثبت : أن جميع الزوايا الحاصلة في الخارج ، لا تزيد على أربع قوائم.

المقدمة الرابعة : إن كل مضلع. فإنه لا بد وأن يتصل كل واحد من أضلاعه بالضلع الثاني منه. لا على الاستقامة. وإلا لصار الكل خطا مستقيما. والخط المستقيم لا يحصل منه المضلع. فثبت : أنه لا بد وأن يتصل كل واحد من تلك الأضلاع بالضلع الثاني ، على زاوية ، تحصل في داخل ذلك المضلع.

المقدمة الخامسة : إنا إذا أخرجنا ذلك المضلع على الاستقامة إلى الخارج ، حدث من ذلك الخط ، ومن الضلع الثاني من أضلاع ذلك المضلع : زاوية خارج المضلع (٢). فإن كان المضلع [مثلثا متساوي الأضلاع والزوايا ، كانت الزوايا الثلاثة الحادثة في الخارج منفرجة. وإن كان المضلع (٣)] مربعا متساوي الأضلاع [والزوايا (٤)] كانت الزوايا الحادثة في الخارج بأسرها قوائم ، وإن كان المضلع مخمسا متساوي الأضلاع والزوايا ، كانت الزوايا الحادثة [في الخارج (٥)] بأسرها حادة. وكذا القول في سائر المضلعات الحاصلة بعد المخمس إلى غير النهاية.

المقدمة السادسة : إنه ظهر بما ذكرنا : أنه كلما كانت الأضلاع أكثر عددا ، كانت الزوايا المنفرجة الحادثة في داخل ذلك المضلع أوسع. وكانت الزوايا الحادثة في خارج ذلك المضلع أضيق (٦).

__________________

(١) من (ط) مكرر.

(٢) الدائرة (ط) مكرر.

(٣) من (ط) مكرر.

(٤) سقط (ط) مكرر.

(٥) سقط (ط) مكرر.

(٦) سقط (ط) مكرر.

١٦٢

وإذا عرفت هذه المقدمات. فنقول : اعتبار حال هذه المضلعات يدل على بطلان القول بالجوهر الفرد من ثلاثة أوجه :

الأول : إنه لا نهاية لمراتب المضلعات. فإن مراتبها بحسب مراتب الأعداد. فأولها : الذي له ثلاثة أضلاع. وثانيها : الذي له أربعة أضلاع. وثالثها : الذي له خمسة أضلاع. وإذا كان لا نهاية لمراتب الزيادة في الأعداد. فكذلك لا نهاية لمراتب الأضلاع. وقد عرفت أنه كلما كانت الأضلاع أكثر عددا ، كان اتساع الزوايا الداخلة أكثر. مع أنها البتة لا تنتهي إلى حد (١) القائمتين. وإلا لزم أن يتصل أحد الضلعين (٢) بالآخر على الاستقامة. وذلك (٣) محال. فثبت : أن مجموع القائمتين ، أولى أن يقبل القسمة إلى غير النهاية.

والثاني : إنا بينا : أنه كلما صارت الزوايا الداخلة أوسع ، صارت الزوايا الخارجة أضيق. ولما كان لا نهاية لمراتب [ذلك (٤)] الاتساع ، فكذلك لا نهاية لمراتب هذا الضيق. وعند هذا يظهر أن القائمة الثابتة [تبتدئ (٥)] بالانقسام من وقت عمل المخمس ، وتمر في قبول القسمة إلى غير النهاية. أما في داخل المضلع فبسبب الاتساع (٦) وأما في الخارج فبسبب التضايق.

والثالث : إن كل نقطة في السطح ، فإنه يفرض (٧) حولها أربع قوائم. إذا ثبت هذا ، فنقول : لما كانت الأضلاع قابلة للتزايد إلى غير النهاية ، كانت المثلثات الواقعة [في المضلعات قابلة للتزايد إلى غير النهاية. وإذا كانت (٨)

__________________

(١) أحد : غير (م).

(٢) المضلعين (م ، ط).

(٣) وهو (ط) مكرر.

(٤) من (ط) مكرر.

(٥) سقط من (ط) مكرر والثانية (م).

(٦) الامتناع (م ، ط).

(٧) يفترض (م ، ط)

(٨) وتكون (ط ، ط) مكرر

١٦٣

رءوس تلك المثلثات الواقعة (١)] عند المركز قابلة للتزايد [إلى غير النهاية (٢)] كانت القوائم الأربع الحاصلة عند مركز المضلع ، قابلة للقسمة إلى غير النهاية.

فهذه وجوه ثلاثة دالة على كون المقدار قابلا للقسمة إلى غير النهاية : مستنبطة من هذه المباحث ، المفرعة على هذه المضلعات.

واعلم : أنها مباحث قوية. والذي يمكن أن يقال في دفعها : إن هذا الكلام (٣) مبني على أنه يمكن تركيب المضلع ، بأي عدد أزيد. فلم قلتم : إن ذلك ممكن؟ و [ما (٤)] الدليل عليه؟ فإن المضلع إذا اتسع جدا ، لم تبق الزاوية البتة. وحينئذ لا يمكن أن يتصل أحد الخطين بالآخر ، [إلا (٥)] على الاستقامة. فإن أرادوا إقامة البرهان عليه بالبناء على الدائرة. فإن الكلام (٦) على إثبات الدائرة قد سبق [والله أعلم (٧)].

__________________

(١) سقط (م).

(٢) سقط (م).

(٣) في (م) تكرير.

(٤) سقط (ط) مكرر.

(٥) الدائرة فالكلام (ط ، ط) مكرر.

(٦) الدائرة فالكلام (ط ، ط) مكرر.

(٧) من (ط) مكرر.

١٦٤

الفصل العاشر

في

الدلائل الدالة على نفي الجوهر الفرد

المستنبطة من قسمة الخطوط

وفيه وجوه :

الأول : إن «أقليدس» بين أن كل خط يقبل التنصيف. فالخط المركب من الأجزاء الفردة ، يقبل التنصيف. فوجب أن ينقسم الجوهر الفرد.

الثاني : إن «أبا علي بن الهيثم» بين في كتاب «حل شكوك أقليدس» : أن كل خط فإنه يقبل التثليث. فالخط المركب من الأربعة والخمسة ، وجب أن يقبل التثليث. وذلك يوجب القسمة.

الثالث : إن «أقليدس» بين أن كل خط ، فإنه يمكن قسمته ، بحيث يكون ضرب كل الخط في أحد قسميه ، مساويا لمربع القسم الثاني. وهذا النوع من التقسيم ، يسمى بنسبة ذات وسط وطرفين. والخط المركب من ثلاثة أجزاء ، ومن أربعة أجزاء. لا يقبل القسمة ، إلا عند قسمة الجزء.

وأيضا : فقد بين «أقليدس» في المقالة الثالثة عشر : أن كل خط ، قسم على نسبة ذات وسط وطرفين. فإن القسمين جميعا منفصلان. وإذا كان كذلك ، امتنع كون كل واحد منهما مركبا من أجزاء معدودة بعدد معين. وإلا لكان منقطا (١). وهذا لا يتم إلا مع القول بقسمة الجزء.

__________________

(١) منطقا (م).

١٦٥

الرابع : إن «أقليدس» بين أن الخطوط. بعضها متباينة ، وبعضها مشتركة. ولو كانت الخطوط مؤلفة من نقط معدودة متناهية ، لكانت نسبة كل خط إلى خط ، كنسبة عدد إلى عدد. فكانت الخطوط بأسرها مشتركة وذلك باطل. لما ثبت : أن بعضها مشتركة ، وبعضها متباينة.

الخامس : [إنه بين (١)] أن الخطوط منها منقطة. ومنها صم. وفرع على هذا الأصل: تقسيم الخطوط المركبة إلى ستة أقسام في ذي الاسمين ، وإلى ستة أخرى (...).

السادس : إن الجذور منها منقطة ، ومنها (٢)] صم. ولو كانت المقادير مركبة من وحدات ، كل واحد منها لا يقبل القسمة ، لكان القول بإثبات الجذور الصم باطلا.

السابع : إن «أبلونيوس» (٣) بين في كتاب «المخروطات» وجود خطين يتقاربان أبدا ، ولا يلتقيان. ونحن قد بينا بوجوه أخرى مبنية على أصول الهندسة : أن ذلك ممكن. ولو كان قبول القسمة متناهيا ، لامتنع ذلك قطعا.

واعلم : أن علم الهندسة من أوله إلى آخره ، يبطل القول بالجوهر الفرد. والذي شرحناه في هذا الموضع ، هو قليل من كثير. فمن أثبت الجوهر الفرد ، وجب عليه الطعن في علوم (٤) الهندسة.

وليكن هاهنا آخر الكلام في هذه المسألة. وبالله التوفيق.

قال مصنف الكتاب. قدس الله سره (٥) وقد تمت هذه المسألة بكرة يوم الأحد ، عند انتقال الشمس إلى الجدي. سنة خمس وستمائة. والحمد لله على كل حال.

__________________

(١) سقط (ط) مكرر.

(٢) سقط (ط) مكرر ومنطقة (م).

(٣) سقط (ط) مكرر.

(٤) آخر المكرر في آخر مخطوطه (ط) وأول المكرر من «مراتب المثلثات. فعلمنا أن هذا الشكل» في الفصل الثامن.

(٥) قليونيوس (م).

١٦٦

المقالة الثالثة

في

بقية أحكام الأجسام

١٦٧
١٦٨

الفصل الأول

في

اقامة الدلالة على تناهي الأبعاد

مجموع الوجوه المذكورة في هذا الباب أربعة :

الحجة الأولى : لنفرض نقطة معينة ، ولنفرض أنه ابتدأ الخط من تلك النقطة ، وذهب إلى غير النهاية. ثم نزيد على ذلك الخط ، ذراعا آخر ، من الجانب الذي [يلينا (١)] ولنتوهم انطباق طرف القدر [الزائد على طرف القدر (٢)] الناقص. فإن مر إلى غير النهاية، من غير ظهور النقصان ، لزم أن يكون الكل مساويا للجزء ، وأن يكون الشيء مع غيره ، كهو ، لا مع غيره. وإن ظهر النقصان ، فنقول : إنه يمتنع ظهور النقصان من الجانب الذي يلينا لأنا فرضنا حصول التطبيق من هذا الجانب ، فوجب أن يظهر النقصان من الجانب الآخر. وإذا كان [كذلك (٣)] فقد تناهى الخط الناقص من (٤) الجانب الآخر ، والزائد زائد عليه بمقدار متناه. والمتناهي مع المتناهي : متناه. فالكل متناه.

الحجة الثانية : قالوا : لنفرض خطا غير متناه ، ونفرض خطا آخر ،

__________________

(١) سقط (م).

(٢) من (ط ، س).

(٣) من (ط ، س).

(٤) بين (م).

١٦٩

متناهيا موازيا للأول. فإذا انتقل من الموازاة إلى المسامتة [وجب أن يحصل في الخط الذي هو غير متناه نقطة معينة ، هي أول نقط المسامتة] (١) لكن لو كان ذلك الخط غير متناه ، لامتنع ذلك. لأن على هذا التقدير ، لا نقطة إلا وفوقها نقطة أخرى. وتكون المسامتة مع النقطة الفوقانية ، متقدمة في الوجود على المسامتة مع النقطة التحتانية. وذلك يمنع من حصول نقطة هي أول نقط (٢) المسامتة. وأن لا تحصل. وذلك يوجب الجمع بين النقيضين. وهو محال. وهذا المحال إنما لزم من فرضنا ذلك الخط غير متناه. فوجب أن يكون هذا الفرض محالا. وذلك يوجب [وجوب (٣)] تناهي الأبعاد.

الحجة الثالثة : وهي الحجة المذكورة في «الإشارات» وهي مبنية على مقدمات :

فالمقدمة الأولى : إنه لو كانت الأبعاد غير متناهية ، لجاز أن يخرج امتدادان ، من مبدأ واحد ، كساقي مثلث ، لا يزال البعد بينهما يتزايد.

والثانية : إنه يمكننا أن نفرض بينهما أبعادا ، تتزايد بقدر واحد من الزيادات. مثلا : يكون التفاوت الأول ذراعا ، وبعده ذراعين ، وبعده ثلاثة أذرع ، وتكون زيادة كل مرتبة على ما تحته بذراع واحد.

والثالثة : إن كل زيادة توجد ، فإنها مع المزيد عليه ، تكون موجودة في البعد الفوقاني. فإن المرتبة العاشرة يكون طولها لا محالة عشرة أذرع. فالمزيد عليه مع جميع تلك الزيادات قد اجتمعت. فحصل من جميعها هذا البعد ، الذي هو عشرة أذرع.

وإذا تلخصت هذه المقدمات. فنقول : لا شك أنه يحصل من الامتدادين أبعاد غير متناهية. كل واحد منها أزيد مما تحته بذراع. فقد حصلت هناك

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) نقطة (م).

(٣) من (ط ، س).

١٧٠

زيادات غير متناهية ، كل واحد منها ذراع. وقد بينا : أن هذه الزيادات ، لا بد وأن تجتمع في بعد واحد. فيلزم وجود بعد ، يحصل فيه زيادات غير متناهية ، مع كونه محصورا بين حاصرين. وذلك محال.

فإن قيل : هذه الزيادات يمكن اجتماعها في بعد واحد ، بشرط أن يكون ذلك البعد، هو البعد الأخير ، الذي لا يوجد بعد أعظم منه. [فأما (١)] إذا فرضنا الامتدادين غير متناهيين ، امتنع أن يحصل هناك بعد ، هو البعد الأخير. فامتنع وجود بعد ، يكون مشتملا على تلك الزيادات ، التي لا نهاية لها.

فنقول في الجواب : إما أن يوجد في تلك الأبعاد المتزايدة بعد ، لا يشتمل عليه غيره. وإما أن لا يوجد هذا البعد. فإن كان الأول. فذلك البعد هو البعد الأخير. وحينئذ وجب أن ينقطع الامتدادان المذكوران. إذ لو لم ينقطعا ، لوجد فوق البعد (٢) الأخير ، بعد آخر يشتمل عليه ، وعلى زيادة أخرى. فالبعد الذي فرضناه أنه لم يشتمل عليه غيره ، يصير على هذا التقدير بحيث يشتمل عليه. وذلك محال. وأما القسم الثاني : وهو أنه لا يوجد بعد من تلك الأبعاد ، إلا ويشتمل عليه غيره. فعلى هذا التقدير ، يصح قولنا : إن جميع الأبعاد الغير المتناهية المفترضة ، فيما بين الامتدادين المذكورين ، قد اشتمل عليها غيرها. وإذا صدق هذا ، فقد حصل بعد واحد ، حصلت تلك الزيادات التي لا نهاية بأسرها فيه. مع كونه محصورا بين حاصرين (٣) فيلزم أن يكون غير المتناهي ، محصورا بين حاصرين. وهو محال.

فهذا غاية الكلام في تقرير هذا الدليل.

وللسائل أن يعود فيقول : أتدعي أن كل واحد من تلك الزيادات ، يجب حصوله في شيء واحد. إذا كانت تلك الأبعاد متناهية؟ أو تعدي أنه

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) فوق ان بعد الأخير (م).

(٣) الحاضرين (م).

١٧١

يجب حصولها في بعد واحد ، سواء كانت متناهية أو غير متناهية؟

أما الأول : فحق ، ولا يضرنا. وأما الثاني : فباطل. لأن شرط البعد المشتمل على جميع الزيادات : أن يكون وآخر الأبعاد. إذا لو لم يكن آخر الأبعاد ، فحينئذ يمتنع اشتماله على البعد الذي فوقه. فثبت : أن هذا الغلط إنما جاء ، لأن هذه القضية صدقت عند شرط خاص ، وهو ما إذا كان ذلك البعد آخر الأبعاد. فلما (١) صدقت بهذا الشرط ، وقع في الحال أنها (٢) صدقت. سواء حصل هذا الشرط ، أو لم يحصل. إلا أن البحث التام دل على أنها لا تصدق إلا مع ذلك الشرط. وحينئذ لا يفيد المقصود البتة.

فهذا تمام الكلام في هذا الدليل.

الحجة الرابعة : ما ذكره الشيخ الرئيس ، في مباحثاته. فقال : «لو فرضنا جرما غير متناه ، لافترضت فيه خطوط غير متناهية ، فكل واحد من تلك الخطوط ، لا يمكن الزيادة عليه ، لأجل كونه غير متناه. وكل واحد منها مع الآخر ، فإنه يكون أزيد منه وحده. فيلزم: أن يجتمع في كل واحد من تلك الخطوط إمكان الزيادة عليه. وذلك يوجب الجمع بين النقيضين. وذلك محال».

ولقائل أن يقول : هذا الكلام ضعيف جدا. لأن كل واحد من تلك الخطوط إذا كان [غير (٣)] متناه. فإنه لا يمكن الزيادة عليه البتة من جهة طوله. أما إذا فرضنا انضمام خط إلى آخر. فهذا الانضمام لا يوجب حصول الزيادة في طول كل واحد منهما ، بسبب انضمام الآخر إليه ، بل ذاك إنما يوجب حصول الزيادة في جانب الفرض. وذلك لا يناقض قولنا : إنه لا يمكن الزيادة عليها في جانب الطول.

فظهر بما ذكرنا : أن هاتين الحجتين في غاية الضعف.

__________________

(١) قل اصدقت (م).

(٢) إنما (م).

(٣) من (ط ، س).

١٧٢

فلنبحث عن الدليلين الأولين فنقول :

[أما (١)] الدليل الأول فالسؤال [عليه (٢)] من وجوه :

الأول : إن تطبيق طرف الجملة الزائدة على الجملة الناقصة ، لا يمكن إلا بطريقين : أحدهما : أن يجذب الخط الناقص ، حتى يصل طرفه إلى طرف الخط الزائد.

والثاني : أن يدفع الخط الزائد ، حتى يصل طرفه إلى طرف الخط الناقص. إلا أن الجذب والدفع لا يعقل ، إلا إذا كان الجانب المجذوب عنه ، أو الجانب المدفوع [إليه : متناهيا. لأن على تقدير أن يكون غير متناه (٣)] فليس هناك موضوع فارغ ، حتى يدفع إليه، أو يجذب عنه. فثبت : أن هذا التطبيق لا يمكن إلا بالجذب أو الدفع ، وثبت أنه لا يعقل إلا في الخط المتناهي. فثبت : أن هذا التطبيق لا يمكن فرضه ، إلا إذا كان الخط متناهيا. فلو أثبتنا كون الخط متناهيا ، بواسطة هذا التطبيق ، لزم الدور ، وإنه فاسد.

السؤال الثاني : إن من مذهب الفلاسفة : أن النفوس الناطقة المفارقة عن الأبدان : لا نهاية لها. مع أن دليل الزيادة والنقصان حاصل فيها. فإن جملة النفوس التي كانت موجودة قبل هذا بمائة سنة ، أقل عددا من جملة النفوس التي هي موجودة في هذا الزمان ، بمقدار العدد الذي حدث من النفوس ، في هذه المائة سنة. وحينئذ نقول : عدد الجملة الناقصة إن كان مثل عدد الجملة الزائدة. كان الزائد مساويا للناقص. وهو محال. وإن كان أقل ، لزم أن يكون عدد الجملة الناقصة متناهيا. ولا شك أن الفضلة (٤) متناهية ، فالجملة متناهية. مع أنها عند الحكماء غير متناهية.

السؤال الثالث : الحوادث الماضية من زمان الطوفان ، إلى الأزل (٥) أقل

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) من (ط ، س).

(٣) الجملة مكررة في (م).

(٤) الغفلة (م).

(٥) زمان الآبد (م).

١٧٣

من الحوادث الماضية ، من زماننا هذا ، إلى الأزل ، بمقدار ما بين زمان الطوفان إلى هذا الزمان. وحينئذ تجري تلك الحجة فيها. فيلزم أن يكون للحوادث أول. وذلك غير معقول عند القوم.

السؤال الرابع : إن استمرار وجود الله تعالى من الأزل إلى هذا الزمان ، الذي نحن فيه: أزيد من استمرار وجوده من الأزل إلى زمان الطوفان [بما بين زمان الطوفان (١)] إلى هذا الزمان. وحينئذ تجري الحجة المذكورة فيه. وذلك يوجب أن يحصل لدوام الله : أول وبداية. وتعالى الله عنه علوا كبيرا.

السؤال الخامس : تضعيف الألف مرارا ، لا نهاية لها. أقل من تضعيف الألفين مرارا لا نهاية لها. وما كان أقل من غيره ، فهو متناه. فيلزم أن يكون غير المتناهي متناهيا. هذا خلف.

السؤال السادس : المدة التي انقضت من الأزل ، إلى زمان الطوفان ، أقل من المدة المنقضية من الأزل إلى الآن. وحينئذ تذكر فيه طريقة التطبيق ، فيلزم أن يقال : المدة التي تكون من الأزل إلى الآن : لها أول فيكون الأزل له أول. هذا خلف.

لا يقال : المدة لها أول. لأنا نقول : الشبهات المذكورة في إمكان [أن (٢)] يكون للمدة أول ، قد ذكرناها في كتاب (٣) الزمان والمكان.

السؤال السابع : صحة حدوث الحوادث : لا أول لها. إذ لو حصل لها أول ، لكان الحاصل قبل ذلك الأول ، هو الامتناع الذاتي (٤) وحينئذ يلزم أن يقال : العالم انتقل من الامتناع الذاتي ، إلى الإمكان الذاتي. وهو محال. فنثبت : أنه لا أول لصحة حدوث الحوادث. ثم نقول : صحة حدوث الحوادث من الأزل إلى وقت الطوفان ، أقل من صحتها من الأزل [إلى هذا

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) من (ط ، س).

(٣) باب (م).

(٤) الذي (م).

١٧٤

الزمان (١)] ما بين زمان الطوفان إلى هذا الزمان. وحينئذ تعود فيه طريقة التطبيق. فيلزم أن يكون لصحة حدوث الحوادث أول ، مع أنا بينا أنه محال.

السؤال الثامن : لنفرض جملة متناهية من المعلومات. فنقول : جملة معلومات الله ، بدون هذه الجملة ، أقل من جملة معلوماته ، مع هذه الجملة المتناهية. فالناقص متناه ، والفضلة (٢). فجملة معلومات الله ، يلزم أن تكون متناهية. وهذا باطل بالاتفاق بين المتكلمين والفلاسفة.

أما عند المتكلمين : فلأن معلومات الله غير متناهية.

وأما عند الفلاسفة : فلأن الماهية النوعية معلومة لله تعالى : مع أنها غير متناهية. فإن أحد أقسام الماهيات هي الطبائع النوعية العددية. وهي غير متناهية.

السؤال التاسع : معلومات الله أزيد من مقدوراته ، مع أنه لا نهاية لكل واحد منها.

السؤال العاشر : صحة حدوث الحوادث من الطوفان إلى الأبد ، الذي لا آخر له ، أزيد من صحة حدوثها من وقتنا هذا إلى الأبد ، الذي لا آخر له. ونعيد فيه طريقة التطبيق. فيلزم : إثبات آخر لهذه الصحة. وذلك محال ، لا يقول به أحد. ولأنه يلزم أن ينقلب الشيء عند الانتهاء إلى ذلك المقطع (٣) من الإمكان الذاتي ، إلى الامتناع الذاتي. وهو محال.

السؤال الحادي عشر : لنأخذ العدد من الواحد إلى ما لا نهاية [له (٤)] ولنأخذ مرة أخرى من العاشر إلى ما لا نهاية له. ونقابل المرتبة الأولى من الجملة الأولى ، بالمرتبة الأولى من الجملة الثانية. والثانية من تلك الجملة ، بالثانية من

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) والغفلة (م).

(٣) القطع (م).

(٤) من (ط ، س).

١٧٥

هذه الجملة. وهكذا على هذا الترتيب. فإن لم تظهر الفضلة ، كان الزائد مساويا للناقص. وإن ظهر ، لزم التناهي في آخر المراتب. فيلزم أن يكون للعدد في جانب الزيادة [نهاية (١)] وذلك باطل في بديهة العقل.

السؤال الثاني عشر : الواحد نصف الاثنين ، وثلث الثلاثة ، وربع الأربعة. وهلم جرا ، إلى ما لا نهاية له من الأمور النسبية. ثم نقول : لا شك أن مجموع هذه النسبة مع إسقاط عشر مراتب منها ، أزيد من هذا المجموع بدون هذا الإسقاط. فوجب أن يكون مجموع هذه النسب متناهيا. مع أنا بينا أنه غير متناه.

السؤال الثالث عشر : لم لا يجوز أن يقال : الجملتان تذهبان إلى غير النهاية ، ويحصل أبدا مع الجملة الزائدة قدر زائد ، لا يحصل مثله في الجملة الناقصة. وإذا ذهبتا إلى غير النهاية ، مع اشتمال أحدهما على مقدار الزيادة ، ولم يلزم انقطاع إحداهما ، ولا كون الزائد مساويا للناقص؟

فهذا جملة الكلام في طرف السؤال.

والجواب :

أما السؤال الأول : فجوابه أن نقول : لا حاجة في التطبيق المذكور ، إلى الجذب والدفع. بل يكفينا بناء الدليل (٢) على التطبيق ، بحسب المراتب. وبيانه : أنا نقابل الشبر الأول من الجملة الزائدة ، بالشبر الأول من الجملة الناقصة ، والشبر الثاني من تلك الجملة بالشبر الثاني من هذه الجملة. والمراد من [هذا (٣)] التقابل : أنه كما أن ذلك الشبر هو الشبر الأول من تلك الجملة ، فكذلك هذا الشبر هو الشبر الأول من هذه الجملة.

وإذا عرفت هذا ، فنقول : مرادنا من التطبيق المذكور : هذا القدر. ومعلوم : أن هذا لا يحتاج في ثبوته إلى الجذب ولا إلى الدفع. وحينئذ نقول :

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) الليل (م).

(٣) من (م).

١٧٦

إما أن يحصل في مقابلة كل فرد من الأفراد الحاصلة في الجملة الزائدة ، فرد يساويه في المرتبة في الجملة الناقصة ، أو لا يكون كذلك. فإن كان الأول لزم أن يكون الزائد مساويا للناقص، وإن كان الثاني فحينئذ تصير الجملة الناقصة متناهية ، فيجب أن تكون الجملة الزائدة متناهية. لا محالة.

ولقائل أن يقول : إذا أخذنا مراتب الأعداد من الواحد إلى ما لا نهاية له جملة. وأيضا : أخذنا مراتب الأعداد من (١) العاشر إلى ما لا نهاية له جملة أخرى. ثم قابلنا الأول من هذا ، بالأول من ذاك. والثاني من هذا ، بالثاني من ذاك. فعلى هذا التقدير ، يلزمكم القول بكون الأعداد متناهية ، في طرف الزيادة. ومعلوم : أن ذلك باطل. وأيضا : قولكم : كل مرتبة من تلك المراتب الموجودة في الزائد ، هل توجد في مقابلتها مرتبة تساويها في الناقص. أم لا؟» فنقول : الحق. أن الأمر كذلك. ومع هذا فلا يلزم أن يكون الزائد مساويا للناقص. لأن كل مرتبة من المراتب المتعينة فهي متناهية. والذي لا نهاية له ، يقع خارجا عن المرتبة المتعينة. فإذا قلنا : إن كل مرتبة من المراتب المتعينة في هذه. فإنه حصل في الجملة الناقصة مرتبة تساويها في الدرجة. فهذا الكلام إنما يتناول مراتب متناهية. لأن كل مرتبة يشير العقل إليها ، فهي حد معين ، وطرف [معين (٢)] فيكون متناهيا. فالتقسيم الذي ذكرتم ، لا يتناول إلا المراتب المتناهية. والذي لا نهاية له فإنه يقع خارجا عنه. وعلى هذا التقدير ، فإنه يسقط هذا الكلام.

ولمجيب أن يجيب عن الأول : فيقول : أما الأول : فجوابه : إن الفرق بين البابين ظاهر. لأنا هاهنا (٣) إذا فرضنا الأبعاد التي لا نهاية لها موجودة ، فحينئذ يحصل التطبيق ، بحسب المراتب في نفس الأمر ، بخلاف مراتب الأعداد ، فإنه لا وجود لها في الأعيان. وذلك ظاهر ، ولا وجود لها في الأذهان

__________________

(١) إلى (ط ، س).

(٢) من (ط).

(٣) لا هاهنا (ط).

١٧٧

أيضا. لأن الذهن لا يقوى على استحضار ما لا نهاية له على التفصيل. وإذا كان لا وجود لهذه المراتب الغير متناهية البتة في الأعداد ، لا جرم لم يحصل التطبيق فيها في نفس الأمر. فظهر الفرق.

وأما السؤال الثاني : وهو قوله : «إن قول القائل : كل مرتبة من [هذه (١)] المراتب الموجودة في هذه الجملة الزائدة. إما أن يحصل مثلها في الجملة الناقصة ، وإما أن (٢) يتناول المراتب المتناهية» فجوابه : إن ما لا نهاية له إذا كان موجودا ، كان جميع أبعاضه وأقسامه موجودا. وحينئذ نقول : إن مرادنا بقولنا : كل مرتبة : جملة تلك الأقسام والأجزاء.

وللسائل الأول أن يعود فيقول : أما الجواب عن السؤال الأول فضعيف. لأن مراتب الأعداد متباينة بماهيتها ، مختلفة بحقائقها. فإن ماهية العشرة مخالفة لماهية العشرين. وإذا كان الأمر كذلك ، فمراتب تلك الماهيات قائمة بأنفسها ، مستقلة بذواتها. سواء وجد الفرض والاعتبار ، أو لم يوجد. وإذا كان كذلك ، فقد عاد الإشكال كما كان.

وأما الجواب عن السؤال الثاني : فنقول : لا شك أنا إذا ابتدأنا من هذه النقطة المعينة ، وترقينا في مراتب الزيادات فكل مرتبة وصل عقلنا وفهمنا إليها. فهي طرف لهذا المقدار [المبتدأ (٣)] من هذه النقطة ونهاية له. فيكون متناهيا. واللانهاية إنما تقع في الخارج منه. ونظير هذا : بقاء الله تعالى. فيكون ابتدأنا من هذه الساعة ، وترقينا في طرف الزيادات. فإنا لا نصل إلى مرتبة من المراتب ، وإلى درجة م الدرجات ، إلا ويكون ذلك الجموع متناهيا. وإنما الأزلية واللانهاية تقع خارجا عنه. وإذا عقلنا ذلك في أزلية الله ، فلم لا يجوز مثله في قول من يقول : إنه لا نهاية للأبعاد؟

فهذا تمام الكلام في هذا المبحث.

__________________

(١) من (م).

(٢) إنما (م ، ط).

(٣) من (ط ، س).

١٧٨

وأما السؤال الثاني : وهو المعارضة بالنفوس الناطقة. فجوابه : أن الحكماء قالوا : كل ما له ترتيب في الطبع ، أو في الوضع. فدخول ما لا نهاية له فيه : جائز. والنفوس الناطقة ليس لها ترتيب. لا في الطبع ولا في الوضع. فظهر الفرق.

قال بعض المتكلمين : هذا الفرق في غاية الضعف. لأن مدار هذا الدليل على حرف واحد. وهو أن الجملة الناقصة ، تنقطع حال ما تكون الجملة الزائدة باقية وذلك يقتضي كون الجملة الناقصة متناهية ، والفضلة أيضا متناهية. فوجب أن تكون الجملة متناهية. وهذا الحرف قائم ، سواء كان لتلك الجملة ترتيب في الطبع ، كما في أدوار الفلك. أو في الوضع ، كما في الأبعاد. أو لا في الطبع ولا في الوضع ، كما في النفوس. وإذا كان وجه الدليل قائما في الكل [كان (١)] الضابط الذي ذكرتموه عبثا.

هذا غاية ما وصل إلينا في هذا المقام.

ولقائل أن يقول : هذا الضابط الذي ذكره الحكماء : معتبر جدا. وتقريره : أنه لما انطبق الشبر الأول من الجملة الزائدة ، على الشبر الأول من الجملة الناقصة ، استحال أن ينطبق الشبر الثاني من الجملة الأولى ، على الشبر الأول (٢) من الجملة الناقصة. لأنه لما تقابل الأول بالأول ، وجب أن يتقابل الثاني بالثاني ، حتى يكون التقابل بحسب مراتب الأعداد حاصلا. وإذا كان الأمر كذلك ، وجب انتهاء الجملة الناقصة إلى الانقضاء والعدم. وذلك يوجب كونها متناهية.

فهذا تقرير هذه الحجة في العدد ، الذي له ترتيب في الوضع.

وأما العدد الذي له ترتيب في الطبع ، فكذلك أيضا. لأن المعلول الأخير من الجملة الزائدة ، مقابل بالمعلول الأخير. والثاني بالثاني. والثالث بالثالث.

__________________

(١) من (س).

(٢) الثاني الأول (م)

١٧٩

وإذا كان الأمر كذلك ، فلا بد من الانتهاء إلى واحد ، حاصل في الجملة الزائدة ، لم يوجد في الجملة الناقصة ما يساويه في المرتبة. وذلك يوجب الانتهاء. أما الكثرة التي لا يحصل فيها ترتيب ، لا في الوضع ولا في الطبع. فهذا المعنى غير حاصل فيه. لأنا إذا قلنا : هذه الجملة أنقص من تلك الأخرى ، وكل ما أنقص من غيره ، فهو متناه. فإن عنينا بكونها متناهية : أنه قد حصل في غيرها ، ما لم يحصل فيها. فحينئذ يصير معنى كونها متناهية هو [أنها (١)] أنقص من غيرها. وحينئذ يصير الأكبر عين الأوسط في القياس ، ويصير تقدير الكلام : كأنا قلنا : هذه الجملة فقد فيها ، ما حصل في غيرها. وكل ما كان كذلك ، فهو متناه. وإن عنينا بكونها متناهية : هو أنه فقد فيها ما حصل في غيرها. فيصير كأنا قلنا : وكل جملة فقد فيها ما حصل في غيرها. فقد فيها ما حصل في غيرها (٢). ومعلوم أن هذا الكلام : عبث. وإن عنينا بكونها متناهية ، وجوب انتهاء الناقص إلى مرتبة لا يبقى وراءها غيرها. فهذا إنما يحصل فيما له ترتيب في الوضع أو في الطبع. فما لا يكون كذلك ، لا يحصل فيه هذا المعنى. فثبت : أن هذا البرهان المذكور إنما يتم في العدد الذي له ترتيب في الطبع أو في الوضع. أما الذي لا يكون كذلك ، فإنه لا يجري فيه هذا الكلام.

أما السؤال الثالث : وهو المعارضة بالحركات الماضية. فجوابه : إن المحكوم عليه بالزيادة والنقصان. إما كل واحد من الحوادث الماضية ، وإما مجموعها. والأول يوجب تناهي كل واحد منها. وذلك مسلم. وأما الثاني فباطل. لأن المحكوم عليه بالزيادة والنقصان ، يجب أن يكون موجودا. لأن العدم المحض لا يمكن وصفه بالزيادة والنقصان. ومجموع الحوادث لا وجود له البتة ، لا في الخارج ولا في الذهن. أما [في (٣)] الخارج فظاهر. وأما [في (٤)] الذهن فلاجل أن الذهن لا يقوى على استحضار ما لا نهاية له

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) العبارة ليست مكررة.

(٣) من (م).

(٤) من (ط).

١٨٠