المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٦

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٩

التفاوت بين هاتين الحركتين في السرعة والبطء ، لا بسبب تخلل السكنات. وهو المطلوب.

والوجه الثالث : إن الثقل يوجب النزول. فإذا كان الثقل موجبا للنزول ، وأنه باق في جميع الأوقات ، امتنع أن يوجب الحركة في أجزاء المسافة. ثم إنه بعينه يوجب السكون في جزء آخر ، من غير تفاوت بين الجزءين البتة. فثبت : أن القول بسكونه باطل. وإذا ثبت هذا ، ظهر أن التفاوت بين الحركة البطيئة والسريعة ، لا يجوز أن يكون لأجل تخلل السكنات.

الوجه الرابع : إنا إذا أخرجنا من مركز الرحى ، إلى محيطه خطا واحدا. فإنه يجب أن يفرض في ذلك الخط نقط كثيرة. فإذا استدارت الرحى ، ارتسم من كل واحدة من تلك النقط : دائرة. وكل نقطة كانت أقرب إلى المركز. فإن الدائرة المرتسمة منها أصغر ، وكل نقطة كانت أقرب إلى المحيط ، كانت الدائرة المرتسمة منها أعظم.

إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا استدارت الرحى. فقد استدارت الدائرة ، التي هي طرفي الرحى ، واستدارت أيضا الدائرة القريبة من القطب. فإما أن يقال : كلما تحركت الدائرة العظيمة جزءا ، فقد تحركت الدائرة الصغيرة جزءا وذلك محال. لأنه يلزم أن يكون مدار الدائرة [الصغيرة مساويا لمدار الدائرة العظيمة. وهو محال. وإما أن يقال : إن الدائرة (١)] العظيمة تتحرك جزءا مع أن الدائرة الصغيرة لا تتحرك البتة. وهذا محال أيضا. لأنه يوجب وقوع التفكك بين أجزاء الرحى. وهو محال. وإما أن يقال : كلما تحركت الدائرة العظيمة ، فإن الدائرة الصغيرة تتحرك حركة أبطأ من حركة الدائرة العظيمة. وهذا هو الحق. وإنه يوجب القطع بأن التفاوت بين البطيء والسريع ، ليس لأجل تخلل السكنات. وهو المطلوب.

الوجه الخامس : وهو أن الذي ذكرناه في حركة الرحى ، نذكره في

__________________

(١) من (ط).

١٠١

استدارة الفلك. ويلزم أنه كلما تحركت المنطقة ، فإن الدائرة القريبة من القطب ، قد تحركت بحركة أبطأ [منها (١)] وذلك هو المطلوب.

الوجه السادس : وهو أنا إذا فرضنا فرجارا ، له شعب ثلاثة. فوضعنا شعبة منه على مركز الدائرة ، والشعبة الثانية على دائرة مدارها خمسون جزءا ، والشعبة الثالثة على دائرة مدارها مائة جزء. فعند ما تتحرك الشعبة الثالثة المحيطة جزءين ، وجب أن تتحرك الشعبة المتوسطة جزءا واحدا. على [قياس (٢)] ما ذكرنا في الرحى وفي الفلك. وذلك يوجب حصول البطء. لا بسبب تخلل السكنات.

الوجه السابع : إنا إذا غرزنا خشبة في الأرض. فإذا طلعت الشمس وقع لها ظل على الأرض ، ثم كلما ازداد ارتفاع الشمس ، انتقص طول الظل. فإما أن يقال : كلما ارتفعت الشمس جزءا ، انتقص من الظل جزء. وهو محال. لأنه يلزم أن يكون طول الظل ، مساويا لمدار الفلك. وهو محال. وإما أن يقال : قد ترتفع الشمس جزءا ، مع أن الظل يبقى بحاله ، ولا ينقص منه شيء. وذلك محال. وإما أن يقال : كلما ارتفعت الشمس جزءا ، انتقص من الظل أقل من جزء. وذلك يوجب القطع بأن التفاوت بين السريع والبطيء ، لا يكون بسبب تخلل السكنات.

الوجه الثامن : إن الإنسان العاقل ، قد يمشي مشيا بطيئا. فلو كان البطء عبارة عن كونه ساكنا في بعض الأحياز ، ومتحركا في بعضها. فمن المعلوم أن تلك الحركة البطيئة عبارة عن الحركات المختلطة بالسكونات ، لكان ذلك الإنسان قد فعل باختياره في بعض الأحياز حركة ، وفي بعضها سكونا. [لكن (٣)] من المعلوم : أن الفعل الاختياري لا يحصل إلا بالقصد والاختيار.

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) من (م).

(٣) من (ط).

١٠٢

والفعل الحاصل بالقصد والاختيار ، لا يحصل إلا مع العلم ، بالفعل المقصود ، والأمر المطلوب.

فكان يجب فيمن يمشي مشيا بطيئا ، أن يعلم بالضرورة : أنه تحرك في الحيز الفلاني ، وأنه وقف في الحيز الفلاني. لأن الفعل الذي فعله بقصده واختياره ، لا بد وأن يكون عالما بأنه كيف اختاره؟ وكيف أوجده؟ ولما لم يكن الأمر كذلك ، بل الذي يمشي مشيا بطيئا ، يعتقد أنه متحرك في جميع الأحوال ، مع صفة البطء. علمنا : أن البطء في الحركة ، لا يمكن أن يكون لأجل تخلل السكنات.

واعلم : أن هاهنا وجوها كثيرة ، يستدل بها القائلون بإثبات الطفرة. ونحن ننقلها ، ونبين أنها دالة على أنه قد توجد حركتان خاليتان عن تخلل السكنات ، مع أن إحداهما أسرع من الأخرى. وحينئذ تصير تلك الوجوه كلها دالة على أن البطء ليس لأجل تخلل السكنات. فثبت بهذه الوجوه : أن التفاوت بين الحركة السريعة والبطيئة ، ليس لأجل تخلل السكنات. وإذا ثبت هذا ، فنقول : وجب أن يكون الجسم قابلا للقسمة إلى غير النهاية ، وأن يكون الزمان أيضا قابلا للقسمة إلى غير النهاية. والدليل عليه : أن المتحرك السريع ، إذا تحرك على جوهر واحد ، في قدر من الزمان. ففي مثل ذلك الزمان ، إذا تحرك المتحرك البطيء على جوهر واحد ، لزم أن يكون البطيء مثل السريع. وهو محال. فوجب أن يتحرك المتحرك البطيء في مثل تلك المدة على أقل من الجوهر الواحد. وذلك يوجب انقسام الجوهر. وأيضا : المتحرك البطيء إذا تحرك على جوهر واحد ، في قدر من الزمان. فالسريع إما أن يتحرك على الجوهر الواحد ، في مثل ذلك الزمان ، أو في أقل منه. والأول [باطل(١)] وإلا لزم أن يكون السريع مثل البطيء. وإنه محال. بقي الثاني وهو أن السريع يتحرك على الجوهر الواحد ، في أقل من الزمان ، الذي يتحرك البطيء فيه على الجوهر الواحد. فثبت : أن السريع والبطيء إذا تساويا في الزمان ، كانت مسافة

__________________

(١) من (ط ، س).

١٠٣

البطيء أقل ، فتنقسم المسافة. وأيضا : السريع والبطيء إذا تساويا في المسافة ، كان زمان السريع أقل ، فينقسم الزمان. وبهذا الطريق يظهر أن المسافة قابلة للقسمة أبدا [وأن الزمان قابل للقسمة أبدا (٣)] وهو المطلوب.

فهذا تمام الكلام في تقرير هذه الحجة.

قال المتكلمون : البطء لا يمكن حصوله إلا لأجل تخلل السكنات. والدليل عليه : إنا بينا بالدلائل الكثيرة القاهرة : أنه لا معنى للحركة إلا حصولات متعاقبة ، في أحياز متلاصقة. وإذا ثبت هذا ، فنقول : البطء. إما أن يحصل حال دخول ذلك الشيء في الوجود ، وإما أن يحصل بعد دخوله في الوجود. والأول باطل. لأنا قد ذكرنا الدلائل الكثيرة في بيان أن الشيء الواحد ، يمتنع أن يدخل في الوجود ، على سبيل المهلة والتدريج. بل إنما يدخل في الوجود دفعة واحدة. وإذا كان كذلك ، امتنع حصول البطء والسرعة في هذه الحالة ، وإذا بطل هذا ، بقي أن البطء والسرعة إنما يحصل بعد دخول الشيء في الوجود. فإنه إن بقي ذلك الشيء بعد دخوله في الوجود ، فذلك هو السكون. فيكون حصول البطء لأجل حصول ذلك (١) السكون. وإن كان ذلك الشيء بعد دخوله في الوجود : لا يبقى ، بل يفني (٢) دفعة واحدة ، ويحدث بعده شيء آخر ، بشرط أن يكون حدوثه أيضا دفعة. فذلك هو السريع ، الذي لا يعقل وجود سريع أسرع منه ، فثبت بما ذكرنا : أن قول من يقول : إنه توجد حركة أسرع من حركة ، لا لأجل تخلل السكنات : مفرع على قول من يقول : إن الحركة عبارة عن الحدوث على سبيل التدريج.

ولما ثبت فساد هذا ، يجب أن نجيب عن الوجوه التي تمسكوا بها.

أما الوجه الأول : وهو قوله : «لو كان بطء الحركات ، لأجل تخلل السكنات ، لوجب أن تكون حركات الفرس الذي يكون شديد العدو ، أقل

__________________

(١) مكررة في (م).

(٢) هذا (ط).

(٣) بل لا يفنى (م).

١٠٤

من سكناته بكثير» فنقول : هذا مسلم. لا نزاع فيه. أما قوله : «لو كان الأمر كذلك ، لوجب أن لا تظهر تلك الحركات الكثيرة ، فيما بين تلك السكنات» فنقول : هذا غير مسلم. وذلك لأن الحركات صفات موجودة. وأما السكنات فإنها عبارة عن عدم الحركات والأعدام لا تكون محسوسة ولا مرئية البتة. وعلى هذا التقدير ، فإن الحركات مرئية محسوسة، والسكنات غير محسوسة البتة. فلم يلزم ما ذكرتموه. وهذا بخلاف ما إذا اختلطت الأجزاء الموصوفة بالبياض ، بالأجزاء الموصوفة بالسواد ، وكان الغالب هو الأجزاء الموصوفة بالسواد. وذلك لأن في هذه الصورة : كلا اللونين أعني السواد والبياض محسوسا فيلزم ما ذكرتم. أما هاهنا فالحركة محسوسة (١). إما بالذات وإما بالعرض. وأما السكون فإنه غير محسوس. فظهر الفرق.

وأما الوجه الثاني : وهو قولهم : «إن الجسم إذا بلغ في الثقل ، بحيث صارت [حركاته (٢)] عند الهوىّ خالية عن السكنات ، فإذا ازدادا ثقله ، وجب أن تزداد سرعة حركاته. فقد حصل التفاوت هاهنا في السرعة والبطء ، لا لتخلل السكنات» فالجواب عنه: إن المقتضي إنما يعمل عمله إذا كان الأثر ممكن الحصول. فإذا بلغت الحركة في السرعة إلى حد معين ، لا يمكن الزيادة عليه. لم يلزم من ازدياد الثقل ، ازدياد السرعة. فإن بينتم أن السرعة تقبل الزيادة أبدا ، حصل مقصودكم. إلا أن هذا هو أول المسألة.

لا يقال : الدليل عليه : وهو أن الثقل الوافي بإيجاب السرعة الخالصة في الحركة تام لحصول تلك السرعة. فإذا جعل ذلك الجسم أثقل مما كان ، فهذا القدر الزائد من الثقل. لو انفرد لكان مستقلا باقتضاء لا لمؤثر. فهو أيضا محال. لأن على التقدير الأول يلزم أن يقال: لما جعل الجسم الثقيل ، أثقل (٣) مما كان. فإنه لا ينزل ولا يهوي. وذلك محال. وعلى هذا التقدير الثاني ، يلزم

__________________

(١) المحسوسة (م).

(٢) من (م).

(٣) أثقل. أثقل فما (م).

١٠٥

حصول الممكن لا عن مؤثر. وهو محال. ولما بطلت هذه الأجسام كلها ، فحينئذ لا يبقى إلا أن يقال : إنه لما ازداد الثقل ، وجب أن تزداد السرعة في الحركة. وحينئذ يحصل المطلوب.

هذا تمام تقرير هذا الكلام.

ولقائل أن يقول : لا شك أن الأصل متقدم في الوجود على انضمام الزيادة إليه : فبلوغ الجسم في الثقل (١) إلى حيث يجب أن تكون حركاته خالصة عن مخالطة السكنات : متقدم على انضمام الزيادة إليه. ولما كان الأصل متقدما في الوجود على هذه الزيادة ، لا جرم [كان (٢)] الثقل الحاصل في الأصل ، أولى بالاقتضاء من الثقل الحاصل في الزيادة.

وأما الوجه الثالث : وهو قولهم : «لما كان الثقل موجبا للنزول والهوى. فلم (٣) صار بحيث يوجب الحركة في بعض أجزاء المسافة ، ويوجب السكون في البعض الآخر؟ فنقول : إما أن نثبت كون السرعة أيضا. فلما اجتمع هذان الثقلان. فالقدر الحاصل من [السرعة (٤)] في الحركة. إما أن يحصل بهذين المقدارين من الثقل ، أو يحصل بأحدهما دون الثاني ، أو لا يحصل بواحد منهما ، والأول باطل. لأنه يقتضي وقوع الأثر الواحد بمؤثرين مستقلين بالاقتضاء ، وذلك محال. لأن الأثر [مع] (٥) المؤثر المستقل بالاقتضاء يكون واجب الحصول. وما يكون واجب الحصول ، كان غنيا عن غيره. فإذا اجتمع على الأثر الواحد : مستقلان مؤثران ، لزم أن يستغني بكل واحد منهما ، عن كل واحد منهما. فيلزم أن يصدق على كل واحد منهما كونه محتاجا إليه ، وكونه مستغنيا عنه. وإنه محال.

وأما القسم الثاني : وهو أن تقع تلك السرعة بأحد المؤثرين دون الثاني.

__________________

(١) العقل (م).

(٢) زيادة.

(٣) فلو (م).

(٤) من (ط ، س).

(٥) من (ط ، س).

١٠٦

فهو أيضا باطل. لأن كل واحد من الثقلين ، مستقل باقتضاء ذلك القدر من السرعة. فلو ترجح أحدهما على الآخر ، في كونه مقتضيا لذلك الأثر ، لزم رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح. وهو محال (١).

وأما القسم الثالث : وهو أن يندفع كل واحد منهما بالآخر ، ولا يحصل الأثر ، أو يحصل العالم ملاء أو تجوّز حصول الخلاء (٢) فيه فإن قلنا : بالملاء فلا شك أن الحجر النازل، لا بد وأن يخرق اتصال الهواء فيه ، عند نزول الحجر ، ويتصلب. وإذا كان كذلك ، فالهواء إذا تصلب وتلبد ، وقف الحجر ، وإذا وقف زالت تلك الصلابة ، فحينئذ ينزل ولا تزال هذه الأحوال تتعاقب ، وبسببها تتعاقب الحركات والسكنات. وأما إذا أثبتنا داخل العالم ، فعلى هذا التقرير ، لا نقول : العالم كله خلاء. لأنا نرى أن الهواء إذا تموج فقد يبلغ تموج الهواء في القوة إلى حيث يقلع الجبال ، ويهدم الصخور ، ويموج البحار والعدم المحض لا يكون كذلك ، وحينئذ يعود الوجه الذي ذكرناه على تقرير كون العالم ملاء.

نعم. لو قدرنا أحيازا خالية عن جميع الأجسام. فعلى ذلك التقدير ، وجب أن يبلغ نزول الحجر إلى أقصى درجات السرعة.

وأما الوجوه الأربعة الباقية : وهي حركة الرحى وحركة الفلك وحركة الفرجار ، وحركة الظل (٣) ، فالجواب عنها سيأتي بعد ذلك.

وأما الوجه الثامن. فالجواب عنه : أن يقال : لم لا يجوز أن يقال : إن الماشي حصل في أعضائه العجز والإعياء ، فلأجل حصول هذه الحالة ، يتوقف على بعض الأحياز. فإذا توقف قليلا ، زال ذلك الإعياء ، وعادته القوة ، فيقوى على الحركة ، فلأجل هذا السبب ، يفعل ذلك الفاعل في بعض الأحياز : الحركة ، وفي بعضها : السكون؟

وهاهنا آخر الكلام في الجواب عن هذه الكلمات. والله أعلم.

__________________

(١) وإما محال (م).

(٢) الملاء (ط).

(٣) الطول (م).

١٠٧
١٠٨

الفصل الثالث

في

حكاية وجوه

احتج بها من قال بالطفرة

وهي أيضا صالحة لأن يحتج بها في اثبات أنه قد

توجد حركتان خاليتان عن مخالفة السكنات.

مع أنه تكون إحداهما أشد سرعة من الأخرى.

احتج القائلون بالطفرة بوجوه :

الأول : إنا إذا قدرنا ثلاثة أجزاء متماسة ، على هذه [الصورة (١)] : o ١o ب o ج ثم وضعنا [فوق (٢)] طرفه الأيمن جزءا ، ثم تحرك هذا الخط بكليته ، بحيث دخل الألف مكانا جديدا ، ودخل الباء في مكان الألف ، ودخل الجيم في مكان الباء. ثم قدرنا : أن عند حركة الألف إلى المكان الجديد ، تحرك ذلك الجزء الفوقاني ، من الألف إلى الجانب الأيمن أيضا. فهذا الجزء بعد هذه الحركة ، حصل في حيز. فهذا الجزء. إما (٣) أن يحصل فوق المكان الجديد الذي دخل الألف فيه ، أو وصل إلى حيز آخر على يمين ذلك الحيز. والأول باطل. وإلا لزم أن يقال : إنه لم يتحرك عن مماسة الألف. لكنا قد فرضناه متحركا عنها ، فبقي الثاني. فعلى هذا التقدير يكون الجزء الفوقاني ،

__________________

(١) من (ط) والدوائر الثلاثة في (م) مكتوب عليهم : ١ ، ٣ ، ٨.

(٢) من (م).

(٣) إنما (م).

١٠٩

قد تحرك في حيزين ، حال ما تحرك [الجزء (١)] السفلاني في حيز واحد.

وعند هذا قال القائلون بالطفرة : إن هذا يدل على القول بالطفرة.

وأما الفلاسفة : فإنهم احتجوا بهذا الكلام على إثبات أمور.

أحدهما : إن هذا يدل على أن الزمان قابل للقسمة [أبدا (٢)] وذلك لأن في الزمان الذي تحرك الجزء التحتاني في حيز واحد ، فقد تحرك الجزء الفوقاني في جزءين. فيكون ذلك الزمان منقسما إلى قسمين.

وثانيها : إن هذا يدل على أن المسافة قابلة للقسمة أبدا. وذلك لأن الزمان لما كان منقسما ، وقد تحرك فيه الجزء السفلاني ، في حيز واحد. فالواقع في نصف ذلك الزمان ، هو الحركة على نصف تلك المسافة. فيلزم كون تلك المسافة منقسمة.

وثالثها : إن هذا يدل على أنه قد توجد حركتان خاليتان ، عن مخالطة السكنات. مع أنه تكون إحداهما أسرع من الأخرى. لأن هاهنا حركة الجزء التحتاني ، خالية عن مخالطة السكنات. وكذلك أيضا حركة الجزء الفوقاني خالية عن مخالطة السكنات ، مع أن حركة الجزء الفوقاني ، أسرع من حركة الجزء التحتاني.

فهذه (٣) الحجة أفادت هذه المطالب الثلاثة.

الحجة الثانية : أن نقول : ليكن الخط المفروض بحالته الأولى ، وعلى صفته المذكورة. إلا أنه عند ما تحركت كلية ، الخط إلى الجانب الأيمن ، تحرك الجزء الفوقاني إلى الجانب الأيسر. فنقول : إن الجزء الفوقاني لما انتقل من مماسة الألف إلى الجانب الثاني. فإما أن يصير ملاقيا للباء أو للجيم. والأول باطل ، لأن على هذا التقدير ، قد دخل الباء في مكان الألف. فالجزء الفوقاني لو بقي

__________________

(١) من (ط).

(٢) من (س).

(٣) لأن هذه الحجة (م).

١١٠

ملاقيا للباء ، لزم أن يقال : إنه دخل الباء في مكان الألف. فالجزء الفوقاني لو بقي ملاقيا للباء ، لزم أن يقال : إنه لم يتحرك البتة. لكنا قد فرضناه متحركا على مضادة حركة الخط الأسفل. ولما بطل هذا ، ثبت : أن الجزء الفوقاني يصير عند هذا الفرض ملاقيا للجيم. فالجزء الفوقاني قد انتقل من الجزء الأول إلى الجزء الثالث ، حال ما انتقل الجزء التحتاني من الجزء الأول إلى الجزء الثاني. وحينئذ تحصل المطالب الثلاثة المذكورة في الوجه الأول.

الحجة الثالثة : [إن (١)] البئر الذي عمقها مائة ذراع. إذا كان في منتصفها خشبة ، وعلق عليها حبل مقداره خمسون ذراعا ، وعلق بالطرف الآخر من الحبل : دلو. فإذا أرسلنا حبلا آخر مقداره خمسون ذراعا من رأس البئر ، وشددنا بالطرف الثاني من هذا الحبل الثاني معلاقا. فإذا علقنا ذلك المعلاق على طرف الحبل الأول ، ثم جررناه إلى رأس البئر فإن الدلو ينتهي من أسفل البئر إلى أعلاه في الزمان الذي ينتهي المعلاق فيه ، من وسط البئر إلى أعلاه. وذلك يفيد القول بالطفر ، عند من يقول به. أو كون إحدى الحركتين أسرع من الأخرى ، مع خلو كل واحد منهما عن مخالطة السكنات.

واعلم : أنا إذا قدرنا بئرا [يكون طولها ، مقدارا ينتهي عند التنصيف ، إلى الواحد. مثلا : قدرنا بئرا (٢)] طوله أربعة وستون ذراعا. فإذا نصفنا هذا البئر بالخشبة المذكورة بنصفين ، بحيث يكون طول كل واحد من هذين النصفين : اثنين وثلاثين ذراعا. ثم نصفنا النصف الفوقاني ، وجعلنا في منتصفه خشبة ، بالصفة المذكورة وعلقنا عليه حبلا ، مقداره ستة عشر ذراعا ، ثم علقنا على أسفله معلاقا ، على طرف الحبل الأول ، ثم نصفنا النصف الفوقاني ، بالطريق الذي تقدم. وعملنا بالنصف الباقي ما ذكرناه ، إلى أن ينتهي إلى الذراع الواحد. فإذا أخذنا حبلا بمقدار ذراع ، وعلقنا على طرفه معلاقا ، وأرسلناه إلى البئر ، وعلقنا معلاقة بالحبل المشدود بالخشبة الأولى. فإذا

__________________

(١) من (س).

(٢) من (م).

١١١

انجر ذلك المعلاق إلى رأس البئر ، انجرّ الدلو من أسفل البئر إلى أعلاه ففي الزمان الذي انتقل المعلاق الأعلى إلى رأس البئر وهو مقدار ذراع انتقل الدلو من أسفل البئر إلى أعلاه ، وهو أربعة وستون ذراعا.

واعلم : أنا لو فرضنا طول البئر مائة ألف ألف ذراع ، وعملنا العمل المذكور ، فإنه حال ما يتحرك المعلاق الأعلى : شبرا ، فإنه يجب أن ينتقل الدلو من الأسفل إلى الأعلى ، مع كون تلك المسافة مائة ألف ألف ذراع.

وإذا عرفت ذلك ، فهذا يدل على ثبوت المطالب الثلاثة : وهي انقسام المسافة أبدا ، وانقسام الزمان أبدا ، وحصول التفاوت في السرعة والبطء من غير تخلل السكنات.

الحجة الرابعة : إذا فرضنا سفينة تتحرك ، إلى جانب. وفرضنا إنسانا كان في تلك السفينة ، وهو يتحرك إلى ضد حركة السفينة. ففي الزمان الذي تحركت السفينة بمقدار جزء. إن تحرك الرجل بمقدار جزء ، ذهب الزائد بالنقاص. فيلزم : أن يبقى الرجل واقفا في مكانه. وهذا هو السبب في وقوف الكواكب المتحيرة في الرؤية. وأما إن تحرك أكثر ، لزم القول بالطفرة على قول البعض ، والتفاوت في السرعة والبطء على قول الحكماء.

الحجة الخامسة : إن الشمس كلما تطلع ، وصلت الأنوار في الحال إلينا ، دفعة واحدة. والأنوار أجسام. وقطع هذه الأجسام ، هذه المسافة العظيمة ، في هذه اللحظة اللطيفة ، لا يمكن إلا بالطفرة ، أو لأجل أنه لا نهاية لمراتب السرعة.

الحجة السادسة : إنا إذا سددنا الكوة. خرجت الأجزاء النورانية ، دفعة واحدة. وهذا لا يمكن إلا بالطفرة.

فهذه جملة الوجوه المذكورة في هذا الباب.

والقائلون بالطفر يتمسكون بها في إثبات الطفرة ، والقائلون بحصول حركة ، أسرع من حركة أخرى ، مع خلوها عن مخالطة كل السكنات. قد

١١٢

يتمسكون بها أيضا. والله أعلم.

وأما القائلون بإثبات الجزء الذي لا يتجزأ : فقد أجابوا عنها : أما الحجة الأولى والثانية : فقد أجابوا عنهما : بأن قالوا : إنها مبنية على أن المتمكن يجوز أن يتحرك ، حال حركة مكانه ، إلى جهة حركة مكانه ، أو إلى خلاف تلك الجهة. وهذا الجواز ممنوع. فلا بد من إقامة الدلالة على الجواز.

وأما الحجة الثالثة : فالجواب عنها : إن حركة المعلاق. لا بد وأن يتخللها السكنات ، وإما أن يذهب ذلك المعلاق يمينا ويسارا. فإن خلا المعلاق عن هذين النوعين ، فلا نسلم إمكان حركة الدلو ، بل ينقطع ذلك الحبل.

وأما الحجة الرابعة : فلا نسلم أن حركة السفينة ، إذا لم يتخللها السكنات. فإن الرجل الجالس فيها ، يمكنه أن يتحرك [والدليل (١)] عليه : أن السفينة إذا تحركت إلى جهة تحركات خالية عن تخلل السكنات. فإذا فرضنا أن الرجل الجالس فيها [إذا تحرك إلى (٢)] خلاف جهة السفينة ، بحركته الاختيارية. فمن المعلوم : أن من تحرك إلى جهة ، فإنه يحصل في تلك الجهة. فإذا تحرك إلى جهتين متضادتين : إحداهما بالقصد والاختيار ، والأخرى بتبعية حركة السفينة. فحينئذ يلزم أن يحصل الجسم الواحد دفعة واحدة ، في حيزين مختلفين. وذلك محال.

وأما الحجة الخامسة والسادسة : فالجواب عنهما : أن ذلك بناء على أن النور جسم، ينفصل من جوهر الشمس ، وينزل إلى هذا العالم ، وذلك ممنوع. بل النور كيفية تحدث من المضيء في القابل المقابل.

__________________

(١) من (س).

(٢) من (س) ..

١١٣
١١٤

الفصل الرابع

في

أنواع أخرى من الدلائل

على نفي الجوهر الفرد المبنية على الحركة

الحجة الأولى : أن نقول : إذا دارت الرحى. فإما أن يقال : مهما تحرك الطوق العظيم جزءا ، فإنه يتحرك الطوق الصغير جزءا. وذلك محال. وإلا لزم أن يكون مدار الدائرة الصغيرة ، مساويا لمدار الدائرة العظيمة. وإما أن يقال : إنه قد يتحرك الطوق [العظيم (١)] جزءا مع أنه لا يتحرك من الطوق الصغير شيء [البتة (٢)] وذلك باطل. لأن هذا يقتضي تفكك أجزاء الرحى بعضها عن البعض.

وذلك باطل لوجوه :

الأول : إن الحسن يدل على أن الحجر الصلب ، بل الأملس ، لا يصير عند استدارته ، كالدقيق الذي لا يتصل بعض أجزائه بالبعض.

الثاني : إنا نفرض الكلام في الفلك. وحينئذ يمتنع عليه التفرق والتمزق. لأنا بينا : أن الخرق على الفلك محال. وأيضا : فإنا نتمسك بقوله تعالى : (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) وإذا كانت الأفلاك أبدا متحركة على الاستدارة ، وكانت [الحركة على (٤)] الاستدارة. توجب التفرق والتمزق ،

__________________

(١) من (س).

(٢) من (م).

(٣) النبأ ١٢.

(٤) من (س).

١١٥

وجب أن لا تكون الأفلاك موصوفة بالشدة والإحكام ، وذلك على خلاف نص القرآن. وأيضا : نتمسك بقوله تعالى في صفة السموات : «فارجع البصر هل ترى من فطوة (١)؟ ولو كانت الأفلاك متخرقة متمزقة ، لوجب أن تكون كلها خروقا. وذلك على نقيض قوله تعالى : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)؟

والثالث : إن الإنسان لو وضع عقبه على الأرض ، ثم أدار نفسه على عقبه ، دورة تامة. لزم أن يقال : إنه في تلك الحالة ، تفككت أجزاؤه وتفرقت وتمزقت. والحس يدل على أن ذلك باطل. فإن هذا الإنسان يعلم من نفسه : أنه بقي متصل الأجزاء ، كما كان قبل ذلك. لا سيما وعند المعتزلة : أن افتراق أجزاء البنية يوجب الموت.

الرابع : إن القول بتفكك أجزاء الرحى ، يقتضي أن يقال : إن كل واحدة من تلك الدوائر ، يجب أن يعلم : أنه كم ينبغي أن يسكن؟ وكم ينبغي أن يتحرك؟ حتى لا تتغير تلك الأجزاء عن مسامتاتها ومناسباتها ، التي كانت موجودة. ومعلوم : أن أعقل الناس لا يهتدي إلى هذه الحالة ، فضلا عن أجزاء الحجر ، مع أنها جمادات خالية عن الفهم والإدراك.

إلا أن المتكلمين يقولون : إن إله العالم يحرك كل واحد منها في بعض الأحياز ، ويسكنها في البعض ، على وجه تبقى تلك المسامتات والمناسبات كما كانت. ومثل هذا الفعل من الإله الحكيم غير مستبعد. ولما ثبت بالدليل : أنه لا يجوز أن يقال : إنه عند حركة ، الدائرة العظيمة جزءا ، تتحرك الدائرة الصغيرة أيضا جزءا تاما. وثبت : أنه لا يجوز أن يقال : عند حركة الدائرة العظيمة جزءا [لا يتحرك من الصغيرة شيء البتة. بقي أن يقال : إن عند حركة العظيمة (٢)] تتحرك الدائرة الصغيرة ، أقل من جزء. وذلك يفيد كون كون المقدار قابلا للقسمة ، إلى غير النهاية.

واعلم : أن هذه الحجة تقتضي انقسام الزمان والمسافة معا إلى غير

__________________

(١) الملك (٣).

(٢) من (س).

١١٦

النهاية. لأن الكبرى إذا قطعت جزءا ، ففي مثل ذلك الزمان ، قطعت الدائرة الصغرى ، أقل من جزء. فتنقسم المسافة والدائرة الكبيرة. وإذا (١) قطعت مثل المقدار الذي قطعتها الدائرة الصغيرة ، فإنها تقطع مثل ذلك المقدار ، في أقل من ذلك الزمان. فثبت : أن الدائرة الصغرى قاسمة للمسافة ، والكبرى قاسمة للزمان. واعلم : أنه لا يختلف وجه الاستدلال. سواء فرضتم الكلام في استدارة الفلك. بل الكلام هاهنا أقوى وأولى ، للوجوه التي تقدم ذكرها.

الحجة الثانية : الخشبة المغروزة في الأرض. عند طلوع الشمس يقع ظلها في جانب المغرب ، وعند ارتفاع الشمس بمقدار جزء ، إما أن ينتقص من الظل بمقدار جزء ، وإما أن لا ينتقص شيء من الظل أصلا ، وإما أن ينتقص من الظل بمقدار أقل [من جزء (٢)].

والأول باطل وإلا لزم أن يكون طول الظل ، مثل مدار ربع الفلك الأعظم.

والثاني أيضا باطل لوجوه :

الأول : إنه لو جاز أن ترتفع الشمس جزءا ، مع بقاء الظل كما كان. فلم لا يجوز أن ترتفع بمقدار جزءين وثلاثة وأربعة ، مع بقاء الظل كما كان؟ ومعلوم [أنه (٣)] باطل.

والثاني : إن الشمس حين كانت حاصلة في نقطة معينة من ذلك المدار ، فإنه يخرج من مركز الشمس خط على الاستقامة ، ويمر برأس تلك الخشبة ، وينتهي إلى طرف ذلك الظل. فإذا انتقلت الشمس من تلك النقطة إلى نقطة أخرى. فهل يخرج خط آخر من مركز الشمس ، ويمر بالاستقامة على طرف تلك الخشبة ، وينتهي إلى طرف ذلك الظل؟ فلو قدرنا أن طرف الظل باق بحاله في الوقتين ، لزم أن يحصل للخط المستقيم رأسان ، في الجانب الذي

__________________

(١) الكبيرة إذا (م ، ط).

(٢) من (ط ، س).

(٣) من (ط ، س).

١١٧

يتعلق بالشمس. وذلك محال. والدليل عليه : أن النقطة التي منها انشعب الرأسان ، وافترق الخطان. إذا فرضنا قيام خط عليها ، فوجب أن يكون ذلك الخط قائما على هاتين الشعبتين ، فيلزم أن تكون الزاويتان الحادثتان من الجانبين : قائمة. والقوائم كلها متساوية. فيلزم أن يكون الزائد مثلا للناقص. وهو محال. ولما بطل القسمان الأولان المذكوران في الدليل ، ثبت: أنه مهما ارتفعت الشمس بمقدار جزء ، فإنه ينتقص من الظل أقل من جزء. وذلك يوجب القول بفساد الجزء الذي لا يتجزأ.

الحجة الثالثة : إذا أخذنا فرجارا ذا شعب ثلاثة ، ووضعنا رأس الشبعة الأولى منه على مركز الدائرة ، ورأس الشعبة الثانية منه على محيط دائرة مركبة من خمسين جزءا ، ورأس الشعبة الثالثة منه على محيط دائرة أخرى محيطة بالأولى ، مركبة من مائة جزء. ثم نقول : إما أن يقال : مهما قطع رأس الشعبة الثالثة الموضوعة على الدائرة المحيطة المركبة من مائة جزء : جزءا. فإنه يقطع رأس الشعبة الثانية الموضوعة على الدائرة المركبة من خمسين جزءا بتمامه. وإما أن لا يتحرك البتة. وإما أن (١) يتحرك على أقل من جزء والأول يقتضي أن تكون الدائرة الصغيرة مساوية للدائرة العظيمة. والثاني يقتضي انكسار ذلك الفرجار. والثالث يقتضي انقسام الجزء.

واعلم : أن هذه الدلائل الثلاثة في الحقيقة : شيء واحد والاختلاف واقع في المثال.

الحجة الرابعة من الدلائل المبنية على الحركة : إنا إذا فرضنا جوهرين متماسين ، وفرضنا فوق أحدهما جوهرا. ثم انتقل ذلك الجوهر من مكانه ، إلى الجوهر الثاني. فنقول : هذا الجوهر المتحرك إما أن يكون موصوفا بالحركة ، حال بقائه على الجوهر الأول ، أو حال (٢) حصوله في الجوهر الثاني. أو يقال : [إنه (٣)] إنما يكون موصوفا بالحركة فيما بين هاتين الحالتين. والأول باطل.

__________________

(١) أن لا (م).

(٢) الأول وحال (م).

(٣) من (م).

١١٨

لأنه ما دام يكون باقيا على الجوهر الأول ، فهو بعد لم يتحرك. والثاني باطل. لأنه إذا وصل بتمامه إلى ملاقاة الجوهر الثاني ، فقد حصلت الحركة ، وانقطعت. ولما بطل القسمان ، ثبت: أنه إنما يكون متحركا فيما بين هاتين الحالتين. وذلك يوجب القول بانقسام الجوهر.

الحجة الخامسة : إن الجسم قد يكون ظله مثليه (١) في وقت من السنة فيكون مثله من الظل : ظل نصفه. إذا ثبت هذا ، فنقول : الجسم الذي تكون أجزاؤه وترا ، يكون ظله شفعا. فيكون لظله نصف. وقد ثبت : أن نصف ظله ظل نفسه ، فيكون لهذا الجسم : نصف. وحينئذ يلزم انقسام الجوهر الفرد.

واعلم : أن للمتكلمين أن يجيبوا عن الحجة الأولى : فيقولوا : إن هذه الحجة لو صحت ، فإنها توجب كون حجر الرحى ، مركبا من أجزاء لا نهاية لها بالفعل. وذلك محال. فثبت : أن هذه الحجة تنتج نتيجة باطلة ، فوجب القطع بأن هذه الحجة باطلة. وإنما قلنا : إنها توجب كون حجر [الرحى (٢)] مركبا من أجزاء لا نهاية لها بالفعل. وذلك لأنا إذا أخرجنا من مركز الرحى إلى محيطه : خطا. افترض في ذلك الخط نقط (٣) غير متناهية ، على مذهب نفاة الجزء. فإذا استدار الرحى ، فإنه يرتسم من كل واحدة من تلك النقط دائرة معينة. وكل دائرة من تلك الدوائر ، كانت أقرب إلى المحيط ، فهي أسرع حركة من التي تكون أبعد منه (٤) وإذا كان الأمر كذلك ، فقد اختص كل واحد من تلك الدوائر الممكنة ، بخصاصية معينة. وهي قبول حركة معينة ، بمقدار معين من السرعة والبطء. فإن تلك الحركة بذلك القدر المعين من السرعة والبطء. لا تقبلها إلا تلك الدائرة. فثبت : أن كل واحدة من تلك النقط قد اختص بخاصية معينة ، ممتنعة الحصول في الآخر. وقد ثبت : أن الاختلاف في

__________________

(١) مثله (م).

(٢) من (م).

(٣) من (م).

(٤) منها (ط ، س).

١١٩

الصفات والأعراض ، يوجب حصول المغايرة بالفعل ، فوجب أن تحصل المغايرة بالفعل بين جميع تلك النقط. فإذا كانت النقط الممكنة فيها غير متناهية بالفعل ، لزم أن يحصل في تلك الدائرة ، أجزاء لا نهاية لها بالفعل.

وإنما قلنا : إن ذلك محال. لأن ما لا نهاية له لا يمكن الحركة من أوله إلى آخره ، في زمان متناه بالفعل. فوجب أن لا تتم تلك الدورة في زمان متناه. وحيث تمت هذه الدورة ، علمنا : أن ذلك باطل. فثبت مما ذكرنا : أن هذه الحجة لو صحت ، لأفادت نتيجة باطلة ، فوجب القطع بأن هذه الحجة باطلة مغالطية.

وإذا ثبت هذا فنقول : ظهر بما ذكرنا : اشتمال هذا الدليل على مقدمة باطلة. فلما تأملنا لم نجد فيه مقدمة يمكن الطعن فيها [إلا (١)] قولهم : «إن القول بتفكك حجر الرحى باطل» فقلنا : إنه لم يثبت بالبرهان بطلانه ، فوجب التزامه لئلا يلزمنا إنكار الدلائل القطعية ، الدالة على إثبات الجوهر الفرد.

والذي يدل على أن التزام هذا الكلام مع كونه مستبعدا في الخيال : ليس بممتنع قطعا. وجوه :

الأول : إن التقسيم اليقيني [قد دل (٢)] على أن المذاهب الممكنة في الأجسام البسيطة ، ليست إلا أحد هذه الثلاثة. وذلك لأنا نقول : هذا الجسم البسيط. إما أن يكون في نفسه مركبا من الأجزاء ، وإما أن لا يكون كذلك بل كان في نفسه شيئا واحدا ، كما هو عند الحسّ كذلك. فإن كان مركبا. فهو إما أن يكون مركبا من أجزاء غير متناهية ، أو من أجزاء متناهية.

فثبت : أن المذاهب الممكنة في الأجسام البسيطة ليست إلا هذه الثلاثة :

أحدهما : قول من يقول : إنها مركبة من أجزاء متناهية.

وثانيها : قول من يقول : إنها مركبة من أجزاء غير متناهية.

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) من (ط ، س).

١٢٠