المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٦

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٩

التي هي كنسبة الخامس إلى السادس ـ وجب أن تكون نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الخامس إلى السادس. وهذه القضية أيضا بديهية. لأن العلم بأن الأشياء المتساوية لشيء واحد : متساوية : علم ضروري بديهي.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إن «أقليدس» اشتغل بإقامة البراهين الغامضة على تصحيح هذه القضايا ، التي هي معلومة الصحة بالبديهة. ثم [لما (١)] آل الأمر إلى إثبات الدائرة والكرة والمخروط والأسطوانة : اكتفى في إثباتها بهذه الهندسة المتحركة ، التي اتفقوا على أنها لا تفيد الخيال الضعيف ، فضلا عن اليقين. وذلك يدل على وقوع التقصير العظيم في هذه الصناعة. حيث ذكروا البرهان في إثبات قضايا غنية عن البرهان ، وأهملوا ذكر البرهان في إثبات قضايا لا سبيل إلى إثباتها ، إلا بالبرهان.

وأما الحجة الثانية : وهي قولهم : «الجسم الواقف في الهواء إذا نزل. فإنه يرتسم من حركة الطرف الفوقاني منه قوس دائرة» فنقول : هذا مسلم. لو ثبت [أن (٢)] في هذه الحالة بقي الطرف الأسفل منه في موضعه (٣) الأول ، ولم ينجر على السطح. أما قوله : «لو انجر على السطح ، فذلك الانجرار إما أن يكون طبيعيا أو قسريا» قلنا : لم لا يجوز أن يكون قسريا. إلا أن السبب القاسر لحصول هذه الحالة ، غير معلوم على التفصيل؟ ألستم قد ذكرتم : أن بين الحركة الصاعدة والهابطة ، لا بد من حصول السكون. وأن ذلك السكون يوجب وقوف (٤) الجبل في الهواء؟ وقلتم : «إن الدليل لما أوجب (٥) القول به ، وجب التزامه ، وإن كنا لا نعرف سببه بعينه. فكذا هاهنا. لم لا يجوز أن يقال : إن الجسم الواقف في الهواء إذا سقط. ففي حال سقوطه يجب أن ينجر طرفه الأسفل على السطح ، وإن كنا لا نعرف الموجب لذلك الانجرار على التفصيل؟».

__________________

(١) من (ط).

(٢) من (م).

(٣) موضعها (م ، ط).

(٤) وقوع (م).

(٥) وجب (م).

١٤١

وأما الحجة الثالثة : وهي قولهم : «شكل البسيط يجب أن يكون هو الكرة» فنقول : هذه الحجة منقوضة بأشياء.

أولها : إن الفلك الممثل ، إذا انفصل عنه فلك خارج المركز ، فإنه ينفصل من الفلك الممثل : متممان.

أحدهما : من خارج الفلك الخارج المركز. والثاني : في داخله. ومعلوم أن طبيعة كل واحد من هذين المتممين : طبيعة بسيطة مع أنه في أحد الجانبين في غاية الثخن ، ومن الجانب الثاني [في (١)] غاية الرقة. فههنا البسيطة اقتضت أثرا غير متشابه في كل الجوانب.

وثانيها : إن الفلك جرم بسيط. ثم إن الكوكب وقع في بعض جوانبه دون البعض. فالطبيعة بسيطة ، والأثر غير متشابه.

وثالثها : إن الفلك [طبيعة (٢)] بسيطة. مع أن تلك الطبيعة ، اقتضت (٣) حصول الشكل المقبب في الخارج ، وحصول الشكل المقعر في الداخل. وهما أثران مختلفان. وأيضا : السطح الخارج يكون أعظم مقدارا من السطح الداخل. فالبسيطة واحدة ، والآثار مختلفة.

ورابعها : إن الأجسام إما أن تكون بسيطة أو مركبة. أما البسائط فإن جزءها يكون مساويا لكلها ، في تمام الماهية. فلو كانت تلك الطبيعة موجبة للشكل الكروي (٤) ، لزم أن يكون شكل كل واحد من الأجزاء المفترضة فيه ، هو الكرة. ولو كان الأمر كذلك ، لزم وقوع الخرق في جميع الأجسام المحسوسة.

لا يقال : الجسم شيء واحد في نفسه. فطبيعته اقتضت حصول الشكل الكروي لذلك المجموع. وأما الجزء فإنما افترض بعد ذلك ، وحصول

__________________

(١) من (ط).

(٢) من (ط).

(٣) اقتضته (م).

(٤) الكرف (م).

١٤٢

الشكل لذلك الكل أولا ، صار مانعا لحصوله للجزء الذي افترض بعد ذلك الكل. لأنا نقول : هذا بناء على أن الجسم البسيط شيء واحد في نفسه. وإنما يفترض الجزء فيه ، بسبب منفصل غريب. لكنا قد بينا بالدلائل اليقينية : فساد هذا الأصل.

سلمنا : صحة هذا الأصل. إلا أنا نقول : إنا إذا أشرنا إلى جانب معين من الفلك ، أو من سائر الأجسام البسيطة. فقد تميز ذلك الجزء عن سائر الجوانب. وطبيعة ذلك الجزء توجب الشكل الكروي. إلا أن طبيعته أيضا توجب اتصال ذلك الجزء ، بسائر الأجزاء (١) وذلك الاتصال مانع من حصول الشكل الكروي. وحينئذ يلزم أن تكون الطبيعة الواحدة موجبة أثرين متضادين. وذلك باطل.

وأما الأجسام المركبة في عالمنا هذا. فنقول : إذا كان المركب موجودا ، كانت البسائط موجودة. إلا أن تلك البسائط تكون صغيرة جدا ، ويكون بعضها مختلطا بالبعض. إلا أن كونها صغيرة ومخلوطة بغيرها ، لا يمنع من كونها موصوفة بتلك الطبيعة البسيطة. فلو اقتضت الطبيعة البسيطة ، حصول شكل الكرة ، لزم أن يكون كل واحد من تلك الأجزاء المخلوطة الصغيرة ، موصوفا بشكل الكرة. ولو كان الأمر كذلك ، لزم وقوع الفرج والخلاء فيما بينها. وذلك عند القوم باطل.

فثبت بهذه الوجوه : أن الذي يقال : إن شكل البسيط هو الكرة : كلام إقناعي ، ولم تثبت صحته بالدلائل اليقينية.

وهاهنا سؤالات أخر. إلا أن فيما ذكرناه : كفاية.

ثم نقول : إن سلمنا إمكان القول بالكرة. فلم قلتم : «إن قطع الكرة ، بحيث يكون موضع القطع خاليا عن الخشونات والتضريسات : أمر ممكن؟ فإن صحة هذه القضية. لما لم تكن بديهية ، كان الجزم بصحتها من غير

__________________

(١) الأجسام (م).

١٤٣

البرهان [باطلا (١)] وكيف لا نقول وقد ذكرنا : أن «أقليدس» اشتغل بإقامة البرهان على صحة البديهيات. فكيف لا يطالب بإقامة البرهان على صحة هذه القضايا الحقة جدا؟.

وهاهنا آخر الكلام في بيان أن دلائلهم في إثبات هذه المطالب ضعيفة سخيفة جدا. والله ولي الإرشاد.

النوع الثاني من مباحث هذا الفصل : في إقامة البراهين اليقينية على أن القول بالكرة والدائرة : محال.

فنقول : الذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه :

الحجة الأولى : إنا قد ذكرنا الدلائل القطعية على إثبات الجوهر الفرد. وذكرنا الدليل القطعي على أن القول بإثبات الجوهر الفرد ، مع القول بإثبات الكرة والدائرة ، مما لا يجتمعان البتة. وإذا ثبت هذا ، فنقول : ثبت القول بالجوهر الفرد ، فوجب أن يكون القول بالكرة والدائرة باطلا. وهذا البرهان مبني على إثبات مقدمتين :

إحداهما : إثبات الجوهر الفرد. والثانية : إن إثبات الجوهر الفرد ، ينافي القول بإثبات الدائرة. وكل واحدة من هاتين المقدمتين ، قد سبق تقريرها على أقصى الغايات.

الحجة الثانية : إن القول بالكرة يوجب إثبات الجوهر الفرد ، ويوجب نفيه (٢). فيكون موجبا للنقيضين معا ، فوجب أن يكون القول به باطلا. أما أنه يوجب القول بإثبات الجوهر الفرد فلأنا بينا : أنا إذا وضعنا الكرة على السطح [فإنها تلاقي السطح (٣)] بنقطة غير منقسمة. فإذا أدرناها وجب أن يرتسم ذلك الخط من نقطة متلاصقة. وذلك يوجب إثبات الجوهر الفرد.

__________________

(١) من (ط).

(٢) ويوجب نفيها ، فيكون نفيها ، فيكون موجبا .... إلخ (م).

(٣) من (ط).

١٤٤

وقررنا هذا الدليل ، ودفعنا الشكوك والأسئلة عنه ، دفعا لا يبقى للعاقل مرية في صحة هذه الحجة.

وأما أن القول بالكرة والدائرة يوجب نفي الجوهر الفرد. فلأنا بينا البرهان القاطع أن مع القول بالجوهر الفرد لا يمكن إثبات الدائرة. ومع إثبات الدائرة ، لا يمكن إثبات الجوهر الفرد. فثبت بما ذكرنا : أن القول بالكرة والدائرة ، يوجب القول بإثبات الجوهر الفرد ، ويوجب القول بنفيه. وما كان كذلك ، كان باطلا. فكان القول (١) بإثبات الكرة والدائرة (٢) باطلا. ويمكن أيضا أن يعبر (٣) عن هذا الكلام بعبارة أخرى. فيقال : القول بالكرة والدائرة يفضي ثبوته إلى نفيه. وما كان كذلك ، كان ثبوته باطلا محالا. وإنما قلنا : إنه يفضي ثبوته إلى نفيه. وذلك لأنه لو ثبت بالكرة ، لكنا إذا فرضنا استدارتها على السطح ، فإنه يلزم تركب ذلك الخط من النقط المتشافعة على ما بيناه في دليل الكرة ـ لكن لو ثبت كون الكرة مركبة من النقط المتشافعة ، لوجب أن يمتنع وجود الكرة ، لما بينا أن تأليف الكرة والدائرة من الأجزاء التي لا تتجزأ : قول باطل محال. فثبت : أن القول بالكرة والدائرة ، يفضي ثبوته إلى نفيه ، فوجب أن يكون القول به باطلا.

الحجة الثالثة : إنا بينا : أن الكرة إذا استدارت ، فإنه يفترض منطقتها. وهي أوسع الدوائر ، وأسرعها حركة. ثم يرتسم هناك مدارات متوازية ، وموازية للمنطقة. وكل ما كان منها أقرب إلى المنطقة ، فهو أوسع وأسرع حركة مما كان أبعد منها. وإذا ثبت هذا ، فنقول : كل واحد من تلك المدارات مختص بخاصية واجبة الحصول [فيه (٤)] وممتنعة الحصول في غيره لأن قبوله تلك الحركة الموصوفة بذلك القدر المعين من السرعة والبطء : مختص بذلك المدار ، وواجب الحصول فيه ، وممتنع الحصول لغيره. وأيضا : ذلك المدار

__________________

(١) القول بالكرة (م).

(٢) والدائرة والكرة باطلا (م).

(٣) يعبروا (م).

(٤) من (ط).

١٤٥

المعين من التتابع : مختص بذلك المدار ، بمعنى أنه واجب الحصول فيه ، وممتنع الحصول في غيره. وإذا ثبت هذا ، فقد ظهر أن كل واحد من المدارات التي يمكن فرضها فيه ، فإنه مختص بخاصية معينة. ومتى كان الأمر كذلك ، كانت المدارات الممكنة موجودة فيه بالفعل. فلو كانت تلك المدارات غير متناهية ، لزم أن الكرة المستديرة مركبة من أجزاء لا نهاية لها بالفعل. وذلك محال. فثبت : أن المدارات الممكنة فيه : متناهية. وإذا ثبت [هذا (١)] كان القول بالجوهر الفرد : حقا. وإذا ثبت هذا ، كان القول بالكرة والدائرة : باطلا. قطعا على ما ثبت تقريره.

الحجة الرابعة : إن كل كرة مجوفة مثل : الأفلاك. فإن سطحها الخارج أعظم من الداخل. وأيضا : سطحها الخارج محدب ، وسطحها الباطن مقعر. وإذا كان كذلك ، فقد اختص كل واحد من هذين السطحين بصفات ، يمتنع ثبوتها في الآخر. فوجب أن ينفصل ثخن ذلك الفلك إلى نصفين ، ثم الحال (٢) في كل واحد من نصفيه كما سبق. فلو كان ثخنه قابلا لانقسامات غير متناهية ، لزم كونه مركبا من أجزاء غير متناهية بالفعل. وذلك باطل. فوجب أن يكون ثخنه قابلا لانقسامات متناهية.

فيكون القول بالجوهر الفرد. حقا. فيكون القول بإثبات الكرة والدائرة : باطلا. على ما تقدم بيانه.

وأما الحجة المبنية على قولهم : «شكل الجوهر الفرد. إما أن يكون هو الكرة أو المضلع» فنقول : الحق : أن الجوهر الفرد. لا كرة ولا مضلع. لأن هذا إنما يعقل فيما يكون مؤلفا من الجوانب والأبعاض. والجوهر الفرد ليس كذلك. فلا يمكن وصفه بشيء من هذه الصفات.

__________________

(١) من (ط).

(٢) المحال (ط).

١٤٦

الفصل الثامن

في

ذكر الدلائل الدالة على

نفي الجوهر الفرد المبنية

على القول بالمثلثات والمربعات

والكلام فيه مرتب على نوعين :

النوع الأول : ما يتعلق بالمثلثات. وفيه وجوه :

الحجة الأولى : بيّن «أقليدس» أن كل خط متناهي الطرفين ، فإنه يمكننا أن نعمل عليه مثلثا متساوي الأضلاع. فالخط المركب من الجزءين يمكن أن يعمل عليه مثلث متساوي الأضلاع. ولا يتم ذلك ، إلا بأن نضع جزءا على متصل الجزءين وذلك يوجب انقسام الأجزاء.

واعلم : أنا متى وضعنا جزءا على متصل جزءين. كان كل واحد من الأجزاء الثلاثة واقعا على متصل الجزءين.

الحجة الثانية : إن جميع المثلثات لا تتم إلا عند وقوع كل واحد من الأجزاء المفترضة فيها ، على متصل الجزءين. وذلك لأن كل واحد من أضلاع المثلث المذكور ، يكون مركبا (١) من جزءين. فإذا وضعنا ذلك المثلث على خط آخر مركب من ثلاثة أجزاء ، بحيث يقع كل واحد من الجزءين (٢) اللذين عنهما حصل ضلع المثلث الأول ، على متصل جزءين من الأجزاء الثلاثة ، التي

__________________

(١) يكون كل مركبا (م).

(٢) الجزء (ط).

١٤٧

حصلت في هذا الخط. فهذا هو المثلث الثاني. ثم إذا وضعنا ذلك المثلث على خط آخر ، مركب من أربعة أجزاء بالطريق الأول ، فهو (١) المثلث الثالث. وقس عليه سائر المراتب التي لا نهاية لها. فثبت : بما ذكرنا : أنا إذا قلنا : الجسم مركب من أجزاء لا تتجزأ. فإن شيئا من المثلثات لا يوجد إلا بسبب وقوع جزء متصل الجزءين. وذلك يوجب القسمة.

ولقائل أن يقول : قولكم «الجزء إذا وقع على متصل الجزءين ، لزم حصول القسمة» وقد سبق الكلام عليه.

الحجة الثالثة : قالوا : إذا أردنا أن نعمل مثلثا من الواحد والاثنين والثلاثة ، امتنع. وإلا لزم أن يكون مجموع الضلعين مساويا للضلع الثالث. وهو محال : أما إذا أردنا أن نعمل مثلثا من الاثنين والثلاثة والأربعة ، حصل منه مثلث منفرج الزواية. لأن مربع الأربعة ، أزيد من مجموع مربع الاثنين ومربع الثلاثة. وبهذا البيان. يظهر أن المثلث الذي يكون منفرج الزواية ، أقدم أنواع المثلثات. أما إذا أردنا أن نعمل مثلثا من الثلاثة والأربعة والخمسة. فإنه يحصل منه مثلث قائم الزاوية ، لأن مربع الخمسة يساوي مجموع مربع الثلاثة ، ومربع الأربعة. أما إذا أردنا عمله من الأربعة والخمسة والستة ، حصل منه مثلث حاد الزوايا. لأن مربع الستة أقل من مجموع مربع الخمسة ومربع الأربعة. إلا أن هذا المثلث ـ وإن كان حاد الزوايا ـ إلا أنه مختلف الزوايا. وأعظمها هي الزاوية التي بوترها (٢) الضلع الأعظم ـ وهو الستة ـ وأما (٣) إذا أردنا عمل المثلث من الخمسة والستة والسبعة ، حصل أيضا مثلث حاد الزوايا. إلا أن الزاوية التي كان بوترها الضلع الأعظم من المثلث السابق ، أعظم من الزاوية التي بوترها الضلع الأعظم من هذا المثلث. فإنا بينا : أن أول تلك الزوايا هي المنفرجة ثم القائمة ثم الحادة. وعلى هذا الطريق فلا يزال يزداد ضيق تلك الزوايا.

__________________

(١) فهو المثلثات الثالثة وقس (م).

(٢) يؤثرها (م).

(٣) وإذا أردنا (م).

١٤٨

إذا عرفت هذا ، فنقول : إنه لا نهاية لمراتب تزايد الأعداد ، فوجب القطع بأنه لا نهاية لمراتب تصاغر تلك الحادة وتضايقها. وذلك يوجب القطع بكون المقادير قابلة للقسمة إلى غير النهاية.

الحجة الرابعة : فرضنا مثلثا متساوي الأضلاع على خط مركب من ثلاثة أجزاء. هكذا. ولنفرض أنه نزل من إحدى زواياه خط إلى الضلع الذي بوتر تلك الزاوية. فحينئذ ينقسم ذلك المثلث بمثلثين متساويين. كل (١) واحد منهما قائم الزاوية. فيحصل في ذلك المثلث زاوية قائمة ، وأخرى حادة ، وهي التي كانت زاوية المثلث الأول. وأخرى نصف الحادة ، التي كانت حاصلة في المثلث الأول.

إذا عرفت هذا ، فنقول : وتر القائمة : هو الذي كان أحد أضلاع المثلث الأول. وهو ثلاثة أجزاء. ووتر نصف الحادة : جزءان. بقي الكلام في وتر الحادة التي كانت حاصلة في المثلث ، وهو الخط العمودي النازل من زاوية المثلث الأول. فإن قلنا : إنه ثلاثة أجزاء ، لزم أن يكون وتر الزاوية الحادة ، مساويا لوتر الزاوية القائمة. وإن قلنا : إنه جزءان ، لزم أن يكون وتر الحادة ، مساويا لوتر نصف [تلك (٢)] الحادة. وهو محال. فلم يبق إلا أن يقال: إنه أزيد من الجزءين ، وأقل من الثلاثة. وذلك يوجب القسمة.

الحجة الخامسة : قالوا : ثبت بشكل العروس ، أن وتر الزاوية القائمة ، لا بد وأن يكون جذرا. لمجموع مربعي الضلعين المحيطين بتلك القائمة. وإذا ثبت [هذا (٣)] لزم فساد القول بالجوهر الفرد ، من وجوه :

الأول : إنا إذا ركبنا خطا من جزءين ، ووضعنا فوق أحد هذين الجزءين جزءا آخر ، حتى حصل هناك مثلث قائم الزاوية ، كل واحد من ضلعيه جزءان. فههنا يجب أن يكون وتر هذه القائمة جذر الثمانية. لكنه أصم ،

__________________

(١) وبين كل واحد (م).

(٢) من (ط).

(٣) من (ط).

١٤٩

ويوجب انكسار الجزء. فإن جعلنا أحد الضلعين جزءين ، والثاني ثلاثة. لزم أن يكون وتر القائمة جذر [ثلاثة عشر. وهو أيضا أصم. فإن جعلنا أحد الضلعين اثنين ، والثاني أربعة. لزم أن يكون وتر القائمة جذر عشرين. وهو أيضا أصم. فإن جعلنا أحد الضلعين اثنين والثاني خمسة ، كان وتر القائمة جذر (١)] تسعة وعشرين. وهو أصم. ثم نقول : إن جعلنا الضلع الأول ثلاثة ، والثاني أيضا ثلاثة ، كان وتر القائمة جذر ثمانية عشر. وهو أصم. فإن جعلنا الأول ثلاثة ، والثاني أربعة ، كان وتر القائمة جذر خمسة وعشرين. وهذا منطق لا يصلح لمطلوبنا.

فإن جعلنا الضلع الأول ثلاثة ، والثاني خمسة ، كان وتر القائمة جذر أربعة وثلاثين. فيصلح لمطلوبنا. واعتبر حال سائر المراتب من نفسك. حتى أنك إذا جعلت كل واحد من الضلعين المحيطين بتلك القائمة : عشرة عشرة ، كان وتر [تلك (٢)] القائمة جذر مائتين. وإنه أصم. وذلك يوجب انكسار الأجزاء.

الحجة السادسة : إذا ركبنا خطا من أربعة لا تتجزأ ، ووضعنا على أحد طرفيه جزءا لا يتجزأ على هذه الصورة (٣) : o ٠ oooo كان ذلك مثلثا قائم الزاوية. فوتر هذه القائمة. إن كان أربعة أجزاء ، كان وتر القائمة مساويا لأحد الضلعين المحيطين بها. هذا خلف. وإن كان خمسة ، كان وتر القائمة مساويا لمجموع الضلعين. وهو محال. وإن كان أزيد من الأربعة ، وأقل من الخمسة ، فهو يوجب القسمة.

ويمكن أن تذكر هذه الحجة أيضا في صورة أخرى ، فنقول : إذا أخذنا خطا مركبا من جزءين ، ووضعنا على أحد هذين الجزءين جزءا آخر ، على هذه الصورة : o ٠ o فيحصل هناك زاوية قائمة. فوترها (٤) إن كان جزءين ،

__________________

(١) من (ط).

(٢) من (ط).

(٣) الرسم من (م).

(٤) فوترتها (م ، ط).

١٥٠

كان الوتر مساويا للضلع ، وإن كان ثلاثة كان أحد أضلاع المثلث ، مساويا لمجموع ضلعيه. فهو إذن أزيد من الاثنين ، وأقل من الثلاثة [وذلك (١)] يوجب القسمة.

الحجة السابعة (٢) : إذا فرضنا سلما موضوعا على جدار ، بحيث يكون من الطرف الأعلى لذلك السلم ، إلى أسفل الجدار : خمسة. ومن أسفل الجدار إلى الطرف الأسفل من ذلك السلم : خمسة [أخرى (٣)] فنقول : يجب أن يكون ذلك السلم جذرا لخمسين. ثم إذا جررنا ذلك السلم من الطرف الأعلى ، بمقدار واحد. وجب أن ينجر من الطرف الأسفل بمقدار أقل من الواحد. لأنه لو كان واحدا تاما ، فحينئذ يصير [أحد (٤)] الضلعين المحيطين بتلك القائمة أربعة. والضلع الثاني ستة. ومربعاهما : اثنان وخمسون. فوجب أن يكون ذلك [السلم (٥)] جذر اثنين وخمسين. مع أنه بعينه كان جذر خمسين. فيكون الشيء الواحد أزيد من نفسه. وهذا محال. فثبت : أنه لما انجر ذلك السلم من الطرف الأعلى جزءا ، وجب أن ينجر من الطرف الأسفل أقل من جزء. وذلك يوجب القسمة. والله أعلم.

الحجة الثامنة : لنفرض خط : أب وانفصل [عنه (٦)] ج ب بحيث [أن (٧)] يكون جزءا من ألف ، جزء من أب. ثم نقيم على نقطة أخط أه خمسة أجزاء ، وعلى ج خط ج د خمسة أجزاء أيضا. ثم نصل ه (٨) ب ولا شك أن ه (٩) ب يقطع ج د ولتكن نقطة التقاطع د فنقول : مثلثا : ب ج د ،

__________________

(١) من (ط).

(٢) الرابعة (م).

(٣) من (ط).

(٤) من (ط).

(٥) من (ط).

(٦) من (م).

(٧) من (م).

(٨) د (م).

(٩) د (م).

١٥١

ب أه متشابهان ، فنسبة ب ج إلى ب أكنسبة ج د (١) إلى أه فحينئذ د جزء من خمسة أجزاء لا تتجزأ. هذا خلف (٢).

ولو زادت في طول أب وعملت العمل المذكور ، ازداد الخط المركب من الأجزاء الخمسة انقساما. ولما كان ذلك محالا ، كان القول بالجزء الذي لا يتجزأ باطلا. والله أعلم.

النوع الثاني من مطالب هذا الفصل : الدلائل المستنبطة من المربعات. وهي وجوه :

الحجة الأولى : قالوا : فرضنا أربعة خطوط. كل واحد منها مركب من أربعة أجزاء ، وضممنا البعض إلى البعض ، على أقصى الوجوه. فلا شك أن الجزء الأول من الخط الأول ، والثاني من الثاني ، والثالث من الثالث ، والرابع من الرابع : هو القطر. فنقول: هذه الأجزاء في جانب القطر. إما أن تكون متلاقية ، وإما أن تكون غير متلاقية ، فإن كانت جانب القطر متلاقية ، فمقاديرها في جانب القطر. إما أن تكون أعظم من مقاديرها من جانب الطول والعرض ، وإما أن لا تكون أعظم. فإن كان الأول ، فحينئذ تكون مقاديرها في جانب القطر منقسمة. وذلك يوجب قسمة الجزء. وأما إن قلنا : مقادير هذه الأجزاء في جانب القطر ، ليست أعظم من مقاديرها في جانب الطول والعرض. ثم فرضنا أنها في جانب القطر متلاقية ، كما أنها في جانب الطول

__________________

(١) ه (م).

(٢) الرسم من (ط).

١٥٢

والعرض متلاقية. فحينئذ يلزم أن يكون القطر مساويا للضلع. وهذا باطل محال. وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : إن هذه الأجزاء غير متلاقية من جانب القطر. بل تكون متباعدة ، فحينئذ حصل فيما بين تلك الأجزاء الأربعة : فرج ثلاثة من جانب القطر. فكل واحد من تلك الفرج. إما أن يتسع لجوهر فرد ، أو لا يتسع له. فإن كان الأول. فحينئذ يكون مقدار القطر مثل سبعة أجزاء ، ومجموع الضلعين أيضا سبعة أجزاء. فيكون القطر مساويا للضلعين. هذا خلف. وإن كان الثاني وهو أن كل واحد من تلك الفرج أصغر من الجوهر ، فحينئذ قد وجد شيء أصغر حجما من الجوهر الفرد. فيكون الجوهر الفرد منقسما. هذا خلف. فظهر أن على تقدير إثبات الجوهر الفرد تكون جميع هذه الأقسام باطلة. فوجب أن يكون القول بالجوهر الفرد باطلا.

الحجة الثانية : إن «أقليدس» برهن في الشكل الأخير من المقالة الثانية : على أنه يمكن عمل مربع مساوي ، لأي سطح مستقيم الخطوط. لكن (١) القول بأن السطوح إنما تتألف من الأجزاء التي لا تتجزأ يبطل ذلك. لأن المثلث المعمول من ثلاثة أجزاء لا يمكن البتة عمل مربع مساوي له. وأيضا : إذا عملنا مثلثا ، بحيث يكون كل واحد من أضلاعه : ثلاثة ثلاثة. فإنه يكون مجموع أجزائه. ولا يمكن عمل مربع مساوي له إلا بقطع الأجزاء. وهذا القول في سائر (٢) [مراتب المثلثات. فعلمنا : أن هذا الشكل يبطل القول بإثبات الجوهر الفرد.

الحجة الثالثة (٣) : ثبت بالبراهين الهندسية : أن القطر مباين للضلع. ولو كان القطر مركبا من الأجزاء التي لا تتجزأ [والضلع أيضا مركب من

__________________

(١) بغرض لكن القول (م).

(٢) من هنا : السادس : أن الجذور منها منطقة. ومنها» في الفصل العاشر : مكرر في آخر مخطوطة (ط).

(٣) في المكرر الذي في آخر (ط) : الثانية.

١٥٣

الأجزاء التي لا تتجزأ (١)] فحينئذ تكون نسبة القطر إلى الضلع كنسبة إلى عدد [آخر (٢)] وحينئذ يكونان مشتركين [لا (٣)] متباينين. فثبت بهذا : أن تركيب المربع من الجوهر الفرد محال [والله أعلم (٤)].

الحجة الرابعة (٥) : إن «أقليدس» برهن في المقالة الأولى : على أن السطوح المتوازية الأضلاع ، التي تكون على قاعدة واحدة ، وفي جهة واحدة ، وفيما بين خطوط بأعيانها متوازية [فإنه (٦)] يجب أن يساوي بعضها بعضا. وإذا ثبت هذا ، فنقول : إن هذا يبطل القول بالجوهر الفرد لأنا إذا قدرنا أحد السطحين عشرة في عشرة [حتى (٧)] كان مجموعه مائة ، وكان (٨) السطح الآخر مائة. يلزم أن يكون مجموع الأجزاء الحاصلة في ذلك السطح ، مساوية لمائة جزء. وذلك محال.

فإن قالوا : «هذا الإشكال أيضا لازم على «أقليدس» لأن أحد السطحين ، إذا كان ذراعا ، والآخر طوله من المشرق إلى المغرب. فكيف يعقل كون أحدهما مساويا للآخر؟» قلنا : السطحان المتوازيان. إذا كان أحدهما قائما على قاعدته ، وكان الآخر مائلا ، وكانا جميعا على قاعدة واحدة ، فيما بين (٩) خطين متوازيين ، فإن بمقدار ما يزداد السطح المائل في الطول ، فإنه ينتقص من العرض. والمحال إنما كان يلزم لو كان عرض السطح المائل. بقدر

__________________

(١) سقط (م).

(٢) سقط (م).

(٣) سقط (م).

(٤) من (ط) مكرر.

(٥) الثالثة في (ط) مكرر.

(٦) من (ط) مكرر.

(٧) سقط (م).

(٨) وكان السطح الآخر طوله من المشرق إلى المغرب. فإنه يلزم أن يكون مجموع الأجزاء الحاصلة في ذلك السطح مساوية لمائة جزء. وذلك محال. فإن قالوا : فهذا المحال أيضا لازم على «أقليدس» لأن ... إلخ [عبارة (ط) غير المكررة] وعبارة (م) هكذا : كان مجموعة مائة ، وكان السطح الآخر طوله من المشرق إلى المغرب فإنه يلزم أن يكون ...

(٩) واحدة وقسمين خطين (م).

١٥٤

القاعدة المشتركة. لكنه ليس الأمر كذلك ، بمقدار ما ازداد في الطول ، انتقص عن العرض. فزال الإشكال. [والله أعلم (١)].

فهذه جملة الوجوه التي يمكن استنباطها من المثلثات والمربعات في إبطال الجوهر الفرد.

واعلم : أن هذه الوجوه : قوية ، ولا حيلة في دفعها. إلا أن نقول (٢) بأن «أقليدس» بنى الأشكال التي قررها في كتابه على أصلين :

الأول : إثبات الدائرة. والآخر : تطبيق أحد المقدارين على الآخر. وذلك لأن أكثر أشكال المقابلة الأولى ، ينتهي تحليها إلى الشكل الرابع [وهذا الشكل (٣)] برهانه (٤) غير مبني على إثبات الدائرة ، بل على التطبيق.

إذا عرفت هذا ، فنقول : أما القول بالدائرة : فقد بينا : أن دلائلهم في إثباته في غاية الضعف. ودلائلنا على نفيه في غاية القوة. فسقط الاعتماد على ذلك الأصل.

بقي الأصل الثاني : وهو التطبيق : فنقول : إن هذا الأصل يعسر الطعن فيه ، وإذا ثبتت صحته ، ثبتت صحة ما تفرع عليه من هذه الدلائل. والذي يمكن أن يقال فيه مع الاعتراف بأنه في غاية الصعوبة. أن يقال : إنا لا نسلم إمكان تطبيق خط على خط ، أو سطح على سطح. والدليل عليه : أنا إذا أطبقنا خطا على خط آخر ، فإما أن يلقاه ببعضه أو بكله. والأول يقتضي انقسام الخط في الطول. وهو محال. والثاني يوجب نفوذ أحد الخطين في الآخر ، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما عين (٥) الإشارة إلى الآخر. وهو

__________________

(١) من (ط) مكرر.

(٢) إلا أن القول : بأن «أقليدس» بيّن الأشكال التي قررها في كتابه على أصلين : أحدهما : .. إلخ (م) والعبارة مصححة من (ط) مكرر.

(٣) سقط (م).

(٤) برهانه على مبنى إثبات ... (م).

(٥) غير (ط) مكرر.

١٥٥

محال. لأنه إذا حصل هذا النفوذ. فههنا إما أن يبقى [به (١)] الامتياز ، أو لا يبقى. والأول باطل. لأن الامتياز لا يمكن أن يقع بنفس الماهية. لأن الخطين مشتركان في تمام الماهية ، لا بلوازم الماهية. لأن لوازم الماهية مشتركة بين أفراد الماهية. وما يكون مشتركا فيه ، لا يكون موجبا للامتياز. ولا بالعوارض المفارقة ، لأن كل عارض يفرض كونه عارضا لأحدهما ، فإنه لا بد وأن يكون عارضا للآخر. لأنهما لما تداخلا ، ولم يتميز أحدهما عن الآخر ، بوجه من الوجوه. فكل عارض يوجد ، فإنه تكون نسبته إلى أحدهما ، كنسبته إلى الآخر ، فيصير (٢) ذلك العارض مشتركا فيه. وما يكون مشتركا فيه ، لا يكون سببا للامتياز. فثبت : أنه يمتنع امتياز أحد الخطين عن الآخر في نفس الأمر وإذا لم يبق الامتياز ، لزم إما اتحاد الاثنين. وهو محال. أو عدمهما (٣) معا ، وهو أشد امتناعا. فثبت : أن القول بالتطبيق يفضي إلى هذه الأقسام الباطلة ، فوجب أن يكون القول به باطلا.

فإن قالوا : فهذا الذي ذكرتم ، يقتضي أن لا يماس شيء شيئا ، وأن لا يلقى شيء شيئا. فنقول : قد ذكرنا في الدلائل المبنية على المماسة والملاقاة : أنه لا معنى لكون الشيئين متماسين ، إلا حصولهما في حيزين (٤) بحيث لا يحصل بينهما حيز فارغ ، ولا شيء آخر. وأما ما سوى هذا المعنى في المماسة والملاقاة ، فكل ذلك من الأمور الوهمية ، والقضايا الظنية. وقد ثبت : أنه لما قامت الدلائل القطعية ، الموجبة لنفيها. وجب أن لا يلتفت إلى حكم الظن والخيال. و [قد (٥)] ذكرنا لهذا المعنى أمثلة كثيرة من مباحث الفلاسفة. فكذا هاهنا الدلائل التي ذكرناها في إثبات الجوهر الفرد : دلائل قاطعة (٦) غير محتملة للشك البتة. وهذه الدلائل الهندسية المذكورة ، لما كانت مبنية على هذين الأصلين

__________________

(١) مكرر من (ط).

(٢) فيكون (ط) مكرر

(٣) أو أحدهما معا (ط) مكرر.

(٤) حيز (م ، ط).

(٥) من (م).

(٦) قطعية (م).

١٥٦

أعني إثبات الدائرة ؛ وإثبات التطبيق وكان الطعن فيهما وإن كان بعيدا عن الوهم ، إلا أنه في الجملة محتمل احتمالا بعيدا وجب المصير إليه ، صونا لتلك الدلائل القاطعة عن القدح ، والطعن. فهذا منتهى ما وصل إليه بحثنا في هذا [الباب (١)] [والله أعلم (٢)].

__________________

(١) سقط من (ط) مكرر.

(٢) من (ط) مكرر.

١٥٧
١٥٨

الفصل التاسع

في

الدلائل المذكورة في نفي

الجوهر الفرد المبنية على قسمة الزوايا

والكلام فيه يجب أن يكون مسبوقا بمقدمات :

فالمقدمة الأولى : إن أول المضلعات هو المثلث. وذلك [لأن (١)] السطح الذي يحيط به خط واحد هو الدائرة. والذي يحيط به خطان مستقيمان ، هو ممتنع الوجود. والذي يحيط به الأضلاع الثلاثة ، هو المثلث. فثبت : أن أول المضلعات هو المثلث. وأما سائر المضلعات. فهي في الحقيقة مركبة من المثلثات. فالمربع مؤلف من مثلثين ، والمخمس من ثلاثة مثلثات ، والمسدس من أربعة [مثلثات (٢)]. فإذا أردت أن تعرف كم عدد المثلثات الحاصلة في كل مضلع؟ [أخذت من عدد الأضلاع اثنين مما بقي ، فهو عدد مثلثات ذلك المضلع (٣)] فالمعشر عدد أضلاعه عشرة فلا جرم كان عدد المثلثات الواقعة فيه : ثمانية.

المقدمة الثانية : قد ثبت أن الزوايا الثلاثة من المثلث ، مساوية لقائمتين. ولما كان المربع حصل فيه مثلثان ، وجب أن تكون زواياه الأربع (٤) ، معادلة

__________________

(١) سقط (ط).

(٢) سقط من (ط) مكرر

(٣) من (ط) مكرر.

(٤) الأربع أربع قوائم (ط) مكرر ليست : الأصل.

١٥٩

لأربع قوائم ، ولما كان المخمس حصل فيه ثلاثة مثلثات ، وجب أن تكون زوايا المخمس معادلة لست (١) قوائم. وقس الباقي عليه.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إذا أردت أن نعرف عدد القوائم الواقعة في المضلعات ، فالطريق فيه : أن نعرف عدد المثلثات الواقعة في ذلك المضلع ، ثم تضعفه. فما بلغ ، فهو عدد القوائم الحاصلة في ذلك المضلع.

مثاله : إن المخمس فيه ثلاث مثلثات. فلا جرم قلنا : القوائم الحاصلة في داخل المخمس : ست فكان مقدار كل واحدة من زوايا المخمس ، قائمة وخمس قائمة. وأما المسدس فمثلثاته أربعة وقوائمه ثمانية (٢). فكل واحدة من زواياه قائمة وسدسان من قائمة. وأما المسبع فمثلثاته خمسة ، وقوائمه عشرة. فكل واحدة من زواياه قائمة وثلاثة أسباع قائمة [وأما المثمن (٣)] فمثلثاته ستة وقوائمه اثنتا عشرة. فكل واحدة من زواياه قائمة وأربعة أثمان قائمة. وأما المتسع فمثلثاته سبعة ، وقوائمه أربع عشرة ، فكل واحدة من زواياه قائمة وخمسة أتساع قائمة. وأما المعشر فمثلثاته ثمانية وقوائمه ست عشرة. فكل واحدة من زواياه قائمة وستة أعشار قائمة.

والضابط فيه : أن المضلع الذي قد يكون كل واحد من زواياه ، أزيد من قائمة. إنما يبتدئ من المخمس ، ويمر إلى غير النهاية. فأول هذه المراتب هو المخمس. فلا جرم قلنا : زاويته قائمة [وخمس قائمة. والمرتبة الثانية هي المسدس. فلا جرم قلنا : زاويته قائمة (٤)] وسدسان من قائمة. والمرتبة الثالثة هي المسبع ، فلا جرم قلنا : زاويته قائمة وثلاثة أسباع قائمة. وعلى هذا القياس يطرد حساب هذا الباب.

المقدمة الثالثة : إن كل شكل (٥) مسطح مستقيم الأضلاع. أي شكل

__________________

(١) قوائمه ثلاثة (ط) قوائمه ثمانية (م) ، (ط) مكرر.

(٢) سقط من (ط) مكرر.

(٣) من (ط) مكرر.

(٤) من (ط) مكرر.

(٥) سطح (ط) مكرر.

١٦٠