المسلك في أصول الدّين

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

المسلك في أصول الدّين

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٠

وممّا شاكل ذلك من الأحاديث. (٤٦)

فالجواب من حيث الإجمال ومن حيث التفصيل.

أمّا الإجمال فنقول : إذا تعارض ما ذكرتموه مع ما ذكرنا من الدليل العقلي فالترجيح لجانب العقل لوجهين :

أحدهما : أنّ النقل يتوقّف ثبوته على العقل ، فلو طرح العمل بدليل العقل لأجله لزم اطراح الدليلين معا.

والثاني : أنّ دلالة العقل لا يحتمل التأويل ، والنقل محتمل للتأويل ، فوجب العمل بما لا يحتمل ، وتنزيل المحتمل على التأويل ، توفيقا بين الدليلين.

وأمّا التفصيل فنقول : لمّا منع العقل من إجراء الألفاظ على ظاهرها وجب تنزيلها على المجاز.

فالمراد بالوجه : الذات (٤٧) كقولهم :

__________________

ـ المتألّهين للكافي باب الروح ، وكتاب أبي هريرة للسيّد شرف الدين ص ٦٦ ، وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ٢١٩ ، وشرح الأربعين للقاضي سعيد القمّي ص ٢١٩ ، والتوحيد للصدوق ص ١٠٣ ، ١٥٣.

(٤٦) كحديث إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا يعني القمر ليلة أربع عشرة. رواه البخاري في صحيحه ٦ / ١٧٣ وسيأتي.

(٤٧) قال الشريف الرضيّ رحمه‌الله : المراد : وتبقى ذات ربّك وحقيقته ، ولو كان الكلام محمولا على ظاهره لكان فاسدا مستحيلا على قولنا وقول المخالفين ، لأنّه لا أحد يقول من المشبّهة والمجسّمة الذين يثبتون لله سبحانه أبعاضا مؤلّفة وأعضاء مصرّفة : إنّ وجه الله تعالى يبقى وسائره يبطل ويفنى ، تعالى الله عن ذلك علوّا ـ

٦١

هذا وجه الصواب. (٤٨)

وباليدين : القوّة كما يقال : لا يدلي بكذا. (٤٩)

وبالساق : شدّة الأمر كما يقال : شمّرت الحرب عن ساق. (٥٠)

__________________

ـ كبيرا. ومن الدليل على أنّ المراد بوجه الله هاهنا : ذات الله سبحانه قوله : (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) فكأنّه قال: ويبقى ربّك ذو الجلال والإكرام ، ألا ترى أنّه سبحانه لمّا قال في خاتمة هذه السورة : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) قال : (ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) ولم يقل ذو ، لأنّ اسم الله غير الله ، ووجه الله هو الله ، وهذا واضح البيان. راجع مجازات القرآن طبع بغداد ص ٢٣٦ و ١٧٨.

(٤٨) قال الجوهري في الصحاح ج ٦ ص ٢٢٥٥ : يقال هذا وجه الرأي ، أي هو الرأي نفسه.

(٤٩) قال الزمخشري في أساس البلاغة ص ٥١٢ يقال : «ولا يدي لك به» ، «ومالك به يدان» إذا لم تستطعه.

وقال الشريف الرضي في مجازات القرآن ص ٣٢ : يقول القائل : ليس لي بهذا الأمر يدان ، وليس يريد به الجارحتين ، وإنّما يريد به المبالغة في نفي القوّة على ذلك الأمر. وقال أيضا : ليس المراد بذكر اليدين هاهنا الاثنتين اللتين هما أكثر من الواحدة وإنّما المراد به المبالغة ...

(٥٠) قال الشريف الرضي في مجازات القرآن ص ٢٥٥ : المراد بها الكناية عن هول الأمر وشدّته ، وعظم الخطب وفظاعته ، لأنّ من عادة الناس أن يشمّروا عن سوقهم عند الامور الصعبة التي يحتاج فيها إلى المعاركة ، ويفزع عندها إلى الدفاع والممانعة ، فيكون تشمير الذيول عند ذلك أمكن للقراع وأصدق للمصاع ، وقد جاء في أشعارهم في غير موضع. قال قيس بن زهير بن جذيمة العبسي :

وإذ شمّرت لك عن ساقها

فويها ربيع فلا تسأم

٦٢

وبالاستواء على العرش : الاستيلاء كما يقال : استوى بشر على العراق. (٥١)

والجبّار المذكور في الخبر يحتمل أن يكون إشارة إلى جبّار من كفّار البشر. (٥٢)

__________________

وقال الآخر :

قد شمّرت عن ساقها فشدّوا

وجدّت الحرب بكم فجدّوا

(٥١) قال الشريف الرضي ـ ره ـ في المجازات ص ٦٨ : المراد بالاستواء هاهنا الاستيلاء بالقدرة والسلطان لا بحلول القرار والمكان كما يقال : استوى فلان الملك على سرير ملكه بمعنى استولى على تدبير الملك وملك معقد الأمر والنهي ، ويحسن صفته بذلك وإن لم يكن له في الحقيقة سرير يقعد عليه ، ولا مكان عال يشار إليه وإنّما المراد نفاذ أمره في مملكته واستيلاء سلطانه على رعيته.

وقال الطبرسي في مجمع البيان ١ / ٧١ ذيل آية : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) فيه وجوه : أحدها ... ثانيها أنّه بمعنى استولى على السماء بالقهر ... ومنه قول الشاعر :

فلمّا علونا واستوينا عليهم

تركناهم صرعى لنسر وكاسر

[الكاسر : العقاب]

وقال آخر :

ثمّ استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

قال السيد القاضي الطباطبائي في تعليقته على اللوامع الإلهيّة : قائل هذا الشعر الأخطل كما في تاج العروس للزبيدي ١٠ / ١٨٩.

(٥٢) وقد يقال : إنّ المراد بالقدم في هذا الحديث : المتقدّم وهو سائغ في اللغة ، ومعناه حتّى يضع الله فيها من قدّمه لها من أهل العذاب. أو المراد من قدمه ـ بكسر القاف وفتح الميم ـ من خلقه في قديم الأيّام. والمراد بالرجل التي جاءت في بعض الروايات مكان القدم الجماعة ، كما تقول رجل من جراد ، فالتقدير يضع فيها ـ

٦٣

وقوله ـ عليه‌السلام ـ : إنّ الله خلق آدم على صورته : من الأخبار الشاذّة ، ولو سلّم لكان يمكن عود الضمير إلى آدم ، على أنّه قد ذكر فيه قصّة تزيل الريب ، وهو أنّه ـ عليه‌السلام ـ رأى رجلا يضرب عبدا له [فقال له] : لا تضربه إنّ الله خلق آدم على صورته ، (٥٣) فيكون الضمير على هذا التقدير عائدا إلى العبد. والله أعلم.

الثاني : البارئ سبحانه ليس بعرض ، وقد عرفت أنّ العرض ما حلّ في الجوهر من غير تجاور. وتحقيق ذلك أنّ كلّ شيء قام بشيء فإمّا أن يكون جهة أحدهما مغايرة لجهة الآخر وإمّا أن لا يكون ، والأوّل هما الجوهران المتجاوران كالماء في الظرف ، والجوهران المتماسّان إن لم يكن أحدهما محيطا بصاحبه ، وأمّا الثاني وهو أن لا تكون جهة أحدهما مغايرة لجهة الآخر ، فالمحلّ جوهر والحالّ عرض.

إذا عرفت هذا فنقول : لو كان عرضا بهذا التفسير ، لزم أن يكون حادثا ، لكن ذلك محال. أمّا الملازمة فلأنّا بيّنا حدوث الجسم ، والعرض لا يوجد

__________________

ـ جماعة ، وإضافتهم إليه إضافة اختصاص. راجع تفسير أبو الفتوح الرازي ١٠ / ٢٨٢ وعمدة القارئ في شرح صحيح البخاري ١٩ / ١٨٨.

(٥٣) قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ٢١٩ : وزاد قوم في الحديث : انّه ـ عليه‌السلام ـ مرّ برجل يضرب وجه رجل آخر فقال : لا تضربه فانّ الله تعالى خلق آدم ـ عليه‌السلام ـ على صورته أي صورة المضروب.

وراجع التوحيد للصدوق ص ١٥٣ و ١٠٣ ، وذيله للمرحوم السيد هاشم الطهراني ، والأربعين للقاضي سعيد القمي ص ٢١٩ ، ومصابيح الأنوار للسيد شبّر ١ / ٣٠٦ ، وأبو هريرة للسيّد شرف الدين ٦٦ ، واللوامع الإلهيّة للفاضل مقداد بن عبد الله السيوري ١٠١ ، ففي هذه الكتب ذكرت تأويلات هذا الخبر.

٦٤

مجرّدا عن الجسم ، فيكون وجوده موقوفا على وجود الجسم ، وما توقّف وجوده على وجود الحادث فهو حادث.

الثالث : البارئ سبحانه ليس بمحلّ ، ولا يجوز عليه الحلول ، خلافا للغلاة (٥٤). والدليل عليه أن لو حلّ لكان إمّا أن يحلّ مع وجوب أن يحلّ ، أو مع الجواز ، ويلزم من الأوّل حدوثه تبعا لحدوث المحلّ ، ومن الثاني أن يحلّ في كلّ شيء أو في شيء دون شيء ، فهو ترجيح من غير مرجّح.

الرابع : البارئ تعالى لا يجوز عليه الاتّحاد خلافا للنصارى. والدليل على ذلك أنّه لو اتّحدت ذاتان لكان إمّا أن تبقيا ، أو تعدما ، أو يعدم أحدهما ، فإن كان الأوّل ، فهما اثنان لا واحد ، وإن كان الثاني ، فمع العدم لا اتّحاد ، وإن كان الثالث ، فالباقي غير متّحد ، لاستحالة اتّحاد الموجود بالمعدوم.

الخامس : البارئ سبحانه ليس بمرئيّ خلافا للحشويّة (٥٥) ومن تابعهم من الأشعريّة(٥٦). وقبل الخوض في ذلك لا بدّ من تحرير محلّ النزاع.

__________________

(٥٤) الغلاة هم عدّة طوائف من المسلمين غلوا في حقّ الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ وحكموا فيهم بأحكام إلهيّة ، ومن اعتقاداتهم الحلول ، أي حلول الله في أبدان أوليائه مثلا.

(٥٥) هم جماعة يستندون في كل شيء من الاصول والفروع إلى رواية رويت من دون رعاية شرائط الحجيّة. واختلف في ضبطها فقيل بإسكان الشين لأنّ منهم المجسّمة والمجسّمة محشوّ ، والمشهور أنّه بفتحها نسبة إلى الحشاء لأنّهم كانوا يجلسون أمام الحسن البصري في حلقته فتكلّموا بالسقط عنده فقال : ردّوا هؤلاء إلى حشا الحلقة ـ أي جانبها ـ فسمّوا حشويّة. راجع توضيح المراد للطهراني ٥٧٧ ومعجم الفرق للأمين ٩٧.

(٥٦) هم أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (٢٦٠ ـ ٣٢٤).

٦٥

فنقول : لا ريب أنّ رؤية الأجسام والأعراض مشروطة بمقابلة الحاسّة في جهاتها أو محالّها. ثمّ إنّ عند العلم بالشيء مجرّدا عن إدراكه يعقل منه كيفيّة ، ثمّ إذا أدركناه مقابلا للحاسّة عرفنا كيفيّة أخرى ، ثمّ إنّا لا نعقل زيادة عن ذلك.

وعند هذا نقول : البارئ مرئيّ بالقسم الأوّل في الدنيا والآخرة ، بمعنى أنّه معلوم ، وإن كان في الآخرة يحصل العلم به تعالى زيادة ، ربّما بلغت حدّ الضرورة على رأي ، وعلى الآخر تقصر عن ذلك. فأمّا الرؤية بالمعنى الثاني ، فهي التي ندّعي استحالتها ، وهي الرؤية التي تحصل معها مقابلة المرئيّ ، وأمّا بتقدير أن يطلق عليه الرؤية بغير هذين التقديرين ، فهو غير معقول المعنى.

والدليل على أنّه سبحانه غير مرئيّ على ذلك التقدير ، المعقول والمنقول :

أمّا المعقول : فهو أنّه لو كان مرئيّا لوجب أن نراه الآن ، واللازم محال ، فالملزوم مثله. بيان الملازمة : أنّا على الصفة التي يجب معها أن نرى المرئيّ ، لأنّا قد بيّنا أنّ المقتضي لكون المدرك مدركا كونه حيّا مع ارتفاع الآفات ووجود المدرك ، والواحد منّا حيّ ، والموانع مرتفعة ، فلو كان تعالى ممّن يصحّ أن يرى لوجب أن نرى الآن ، لكنّ الموانع لا يعقل في حقّه سبحانه ، إذ هي القرب المفرط ، والبعد المفرط ، والحجاب ، والرقّة ، واللطافة ، وكلّ ذلك لا يعقل فيه تعالى.

لا يقال : لم لا يجوز أن يكون الإدراك معنى يوجب كون المدرك مدركا ثمّ لم يفعل الله ذلك المعنى في العبد ، فلذلك لم يدركه في الدنيا ، ثمّ إذا فعله

٦٦

في الآخرة أدركه. لأنّا نقول : لو كان الإدراك معنى يدرك به ، لوقف الإدراك على حصوله ، لكن ذلك محال ، لأنّه كان يلزم حصول الشرائط المعتبرة في الإدراك وحصول المقتضي لكون المدرك مدركا ثمّ لا يحصل الإدراك ، لكن لو جاز ذلك لجاز أن يكون بين أيدينا من الجبال العالية والأنهار الجارية ما لا ندركه وإن كنّا أحياء ، وحواسّنا صحيحة ، والموانع مرتفعة. لا يقال : لم لا يجوز أن يكون الله أجرى العادة بفعل ذلك عند حصول هذه الشرائط! لأنّا نقول : نعلم انتفاء ذلك علما بديهيّا لا بحسب العادة ، ولو طرقنا هذا الاحتمال إلى الضروريّات لم يبق وثوق بشيء منها إذ لا سبيل إلى الفرق بين العاديّات والبديهيّات إلّا الجزم بالبديهيّات جزما مطلقا عن الالتفات إلى العادة ، وأمّا العاديّات ، فالعقل يجوز انخراقها بالإمكان ، ووجوب استمرارها باعتبار العادة ، وما أشرنا إليه لو كان عاديّا لكان العقل يقضي بالاحتمال فيه ، لكن الاحتمال منفيّ قطعا. والله أعلم.

وأمّا المنقول فوجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ). (٥٧) وجه الاستدلال أنّه تمدّح بنفي الرؤية ، وكلّ صفة تمدّح بنفيها فإثباتها نقص. أمّا التمدّح فلأنّ ذلك ورد بين مدحين في أوّل الآية وآخرها (٥٨) ، ومن البيّن قبح إدخال ما ليس بمدح بين مدحين ، وإنّما قلنا إنّه يفيد نفي الرؤية ، لأنّ الإدراك إذا قرن بالبصر أفاد الرؤية ، ضرورة أنّه لا يجوز سلب الرؤية معه ،

__________________

(٥٧) سورة الأنعام ، الآية : ١٠٣.

(٥٨) (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ* لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) سورة الأنعام ١٠٢ ـ ١٠٣.

٦٧

فلا يقال : أدركت ببصري شيئا ولم أره. وأمّا أنّ كلّ صفة تمدّح بنفيها فإثباتها نقص فإنّه ظاهر ، كما تمدّح بنفي الصاحبة ونفي الشريك.

الوجه الثاني : قوله تعالى في قصّة موسى ـ عليه‌السلام ـ جوابا لسؤال الرؤية : (لَنْ تَرانِي) (٥٩) ولن لنفي الأبد. لا يقال : لو كانت الرؤية ممتنعة ، لما سألها موسى ، إذ منصب النبوّة تنافي الجهل بذلك. لأنّا نقول : الظاهر أنّ السؤال لقومه ، وإنّما أضافه إلى نفسه ليكون أبلغ في الإعذار إليهم ، ويبيّن ذلك قوله تعالى حكاية عنهم : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (٦٠).

الوجه الثالث : ما روي من الأحاديث الصريحة من نفي الرؤية ، وهي كثيرة في كتب الأحاديث. (٦١)

احتجّ المخالف بالعقل والنقل.

أمّا العقل فقالوا : اشترك الجوهر والسواد في صحّة الرؤية ، ولا بدّ من

__________________

(٥٩) سورة الأعراف ، الآية : ١٤٣.

(٦٠) سورة النساء ، الآية : ١٥٣.

(٦١) راجع التوحيد للشيخ الصدوق ، باب ما جاء في الرؤية. وفيها الأحاديث الصريحة في عدم إمكان رؤية الله. وقال الصدوق في آخر هذا الباب : ولو أوردت الأخبار التي رويت في معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها وشرحها وإثبات صحّتها ، ومن وفّقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ بالأسانيد الصحيحة وسلّم لهم ، وردّ الأمر في ما اشتبه عليه إليهم ، إذ كان قولهم قول الله ، وأمرهم أمره ، وهم أقرب الخلق إلى الله عزوجل ، وأعلمهم به صلوات الله عليهم أجمعين.

٦٨

علّة مشتركة بينهما ، ولا مشترك إلّا الوجود أو الحدوث ، لكنّ الحدوث يزيد على الوجود بقيد عدميّ ، والعدم لا يصلح للعلّية ، فتعيّن الوجود. وإذا كان الوجود علّة لصحّة الرؤية ، والبارئ موجود ، فيجب أن يصحّ رؤيته عملا بالعلّية.

وأمّا المنقول : فقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٦٢).

وقوله ـ عليه‌السلام ـ : ترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة تمامه لا تضامون في رؤيته. (٦٣)

والجواب عن ما ذكروه أوّلا : أن نقول : لا نسلّم أنّه يجب تعليل صحّة الرؤية لعلّة مشتركة ، بل لم لا يجوز أن يكون صحّة الرؤية في كلّ واحد منهما لعلّة مختصة به ، لأنّ صحّة الرؤية حكم ، والحقائق المختلفة يجوز اشتراكها في بعض الأحكام المتّفقة. سلّمنا أنّه لا بدّ من علّة مشتركة ، لكن لا نسلّم الحصر ، سلّمنا الحصر وأنّ العلّة هي الوجود ، ولكن لم لا يجوز أن يكون تأثيرها مشروطا بشرط ، وهو كون المرئيّ مقابلا لحاسّة (٦٤) الرائي أو في حكم

__________________

(٦٢) سورة القيامة ، الآية : ٢٢ ـ ٢٣.

(٦٣) روى البخاري في صحيحه ٦ / ١٧٣ عن جرير بن عبد الله ، قال : كنّا جلوسا ليلة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة ، فقال : إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثمّ قرأ : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ).

وفي عمدة القارئ ٥ / ٤٢ نقلت هذه الرواية وغيرها فراجع.

ولا تضامون روي بضمّ التاء وبتخفيف الميم من الضيم وهو التعب.

(٦٤) هنا كلمة لا تقرأ فاحتملنا أن تكون «لحاسّة» فأثبتناها هكذا.

٦٩

المقابل ، والحكم كما يتوقّف على علّته ، يتوقّف على شرط التأثير. سلّمنا ذلك ، لكن لا نسلّم أنّ البارئ قابل لصحّة الرؤية ، والحكم كما يتوقّف على علّته يتوقّف على قبول المحلّ له.

ثمّ ولو صحّ ذلك ، للزم أن يكون البارئ حالا في المحلّ ، لأنّ السواد والبياض يشتركان في الحلول ، فلو علّل بأمر مشترك هو الوجود ، للزم أن يكون البارئ حالا بعين ما ذكرتموه.

والجواب عن الآية أن نقول : لا نسلّم أنّ النظر يفيد الرؤية ، إذ حقيقته في الوضع اللغويّ تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئيّ طلبا لرؤيته (٦٥) ، ولذلك يقال : نظرت إلى الهلال فلم أره ، ولو كان مفيدا للرؤية لما صحّ سلب الرؤية معه ، وإذا لم تكن الحقيقة مرادة وجب صرفه إلى المجاز ، وهو التوقّع والرجاء لمنافع الغير ، كما يقال : أنا ناظر إليك ، أي راج لك (٦٦) خصوصا وقد نسب النظر إلى الوجه لا إلى العين.

وأمّا الخبر فمن أضعف أخبار الآحاد ، فلا يصار إليه في مسائل الاعتقاد ، وقد طعن فيه أصحاب الحديث بوجوه كثيرة من الطعن ، مذكورة في مظانّها (٦٧).

__________________

(٦٥) في الصحاح : النظر : تأمّل الشيء بالعين. وقال الراغب في المفردات : النظر : تقليب البصر والبصيرة لادراك الشيء ورؤيته ... وفي أقرب الموارد : نظره وإليه نظرا : أبصره وتأمّله بعينه ، ومدّ طرفه إليه رآه أو لم يره.

(٦٦) قال الزمخشري في أساس البلاغة : وسيّد منظور : يرجى فضله ، وأنا أنظر إلى الله ثمّ إليك ، معناه أتوقّع فضل الله ثمّ فضلك. وسمعت صبية سروية بمكّة تقول : عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم.

(٦٧) راجع تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى ص ١٣٣ ففيه بيان كون الخبر مطعونا ـ

٧٠

مع أنّها يحتمل أن تكون الرؤية بمعنى العلم وتشبيهه برؤية القمر مبالغة في الإخبار عن الوضوح. (٦٨).

السادس : البارئ ليس في جهة ، خلافا للكرامية. (٦٩) لنا أنّه لو كان في جهة للزم أحد امور ثلاثة : إمّا حلوله في كلّ جهة وهو باطل بالإجماع ، أو في جهة دون جهة وهو ترجيح من غير مرجّح ، أو كون الجهات مختلفة بالحقيقة وهو باطل بالضرورة.

__________________

ـ عليه وراويه مقدوحا. ونقل السيّد شرف الدين ـ ره ـ في رسالته : «كلمة حول الرؤية» حديثين من أحاديث الرؤية من البخاري ومسلم ، ثم قال : هذان الحديثان باطلان من حيث سنديهما ومن حيث متنيهما ... على أنّ هذين الحديثين وسائر الأحاديث التي تشبّث بها القائلون بالرؤية ، لو فرضنا صحّتها متنا وسندا ، لا تخرج بالصحّة عن كونها من الآحاد ، وخبر الواحد مع صحّته إنّما يكون حجّة في الفروع لا في العقائد ، كما هو مقرّر في اصول الفقه مفروغ عنه ، لأنّ غاية ما يحصل منه الظنّ ، والمسألة التي هي محلّ البحث ليست بفرعيّة لنرتّب الأثر فيها على الخبر الواحد الصحيح وإن كان ظنّيا. بل نرتّب الأثر عليه وإن لم يفدنا الظنّ تعبّدا بتصديق العدل ... وإنّما المسألة عقيدة ، والعقيدة لا تحصل من الآحاد ، بل لا تحصل في مسألتنا هذه حتّى من التواتر ، شأن كلّ ممتنع عقلا ، إذ لو فرض حصول التواتر فيها لوجب تأويله أو ردّ العلم بالمراد منه إلى الله تعالى كما لا يخفى.

راجع الرسالة ص ٨٤ طبع صيدا.

(٦٨) في الكلّيات لأبي البقاء : حقيقة الرؤية إذا اضيفت إلى الأعيان كانت بالبصر وقد يراد بها العلم مجازا ومنه قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ...

(٦٩) الكراميّة ـ بفتح الكاف وتشديد الراء ـ أو الكراميّة ـ بكسر الكاف وتخفيف الميم ـ أتباع أبي عبد الله محمد بن كرام السجستاني المتوفّى ٢٥٥.

٧١

ومن لواحق الكلام في الصفات : الكلام في كونه تعالى متكلّما وقد أجمع المسلمون على وصفه تعالى بذلك ووصف به نفسه بقوله (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (١٦٨) ثمّ اختلفوا في معنى ذلك فقال أهل الحق : إنّه متكلّم بمعنى أنّه فعل الكلام الذي هو الحروف والأصوات ، وأنّ ذلك الكلام محدث ومجعول ومخلوق ، بمعنى أنّه فاعل له. وقال قوم : انّه متكلّم بكلام قديم قائم بذاته وهم الأشعريّة ومن تابعهم. وذهب أهل الحشو إلى أنّ كلامه هو الحروف والأصوات وهي مع ذلك قديمة. (١٦٩)

واعلم أنّ الكلام على هاتين الطائفتين يستدعي تقديم مقدّمة يكشف بها عن موضوع لفظة الكلام ، فنقول : الكلام هو ما انتظم من حرفين فصاعدا من هذه الحروف المعقولة المتواضع عليها إذا صدرت من معبّر واحد. وبهذه القيود يتبيّن أنّ ما صيغ من غير هذه الحروف لا يسمّى كلاما ، ولا الحرف الواحد ما لم تكن الزيادة منويّة كقولنا : ق وع ، وكذلك ما كان من هذه الحروف غير متواضع على تركيبها فانّه يكون مهملا ، وربّما سمّاه بعضهم كلاما ، ولو نطق ناطقان كلّ (٧٠) واحد منهما بحرف لم يسمّ مجموع نطقيهما كلاما بمقتضى هذا التحديد.

__________________

(١٦٨) سورة النساء ، الآية : ١٦٤.

(١٦٩) قال البحراني في قواعد المرام ص ٩٢ : وقالت الحنابلة : إنّه عبارة عن الحروف والأصوات المسموعة مع أنّ كلامه قديم ... فاستدلّوا على أنّ كلامه هو الحروف والأصوات ، بأنّ كلامه مسموع ، ولا مسموع إلّا الحرف والصوت ، فكلامه ليس إلّا الحرف والصوت ... ثمّ اثبتوا كونه قديما بأنّه لو كان حادثا لكان إمّا قائما بذاته أو بغيره أو لا في محلّ والأقسام الثلاثة باطلة ...

(٧٠) في الأصل : ناطقان لكلّ واحد. والصحيح ما أثبتناه.

٧٢

إذا عرفت هذا فنقول : الدليل على أنّ المتكلّم فاعل الكلام دوران الاشتقاق معه وجودا وعدما. لا يقال : لو كان البارئ متكلّما بهذا التفسير لكان ذا جوارح وأدوات يفعل بها الكلام ، لأنّه لو فعله خارجا عن ذاته لا في محلّ كان باطلا بالضرورة ، أو في حيوان لم يرجع حكمها إليه تعالى ، ولا يصحّ فعله في جماد كما قلتموه في الإرادة ، فتعيّن أن يكون قائما بذاته ، فلو كان كلامه هو الحروف والأصوات المخصوصة لزم أن يكون ذاته محلّا للحوادث وهو محال.

لأنّا نقول : ما المانع أن يفعل الكلام في غيره من جماد؟ قوله : لا يجوز وجود الكلام في الجماد. قلنا : لا بدّ لهذا من دليل ولم تذكروه. وتشبيهه بالإرادة قياس من غير جامع ، (٧١) ونحن نذهب إلى نفس ما أنكرتموه ، ونقول : إنّ الله سبحانه يفعل كلامه في الجماد كما أخبر سبحانه في قصّة موسى بقوله : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) (٧٢).

أمّا الأشعريّة فيقال لهم : لو كان البارئ تعالى متكلّما بكلام قديم لكان إمّا جزء ذاته فيلزم التركيب ، وإمّا خارجا عن ذاته فيكون في الوجود قديمان مستقلّان وهو باطل.

وأمّا الحشويّة فيقال لهم على تقدير تسليمهم أنّ الكلام هو الحروف والأصوات المسموعة : لو كان الكلام بهذا الاعتبار قديما لكان إمّا موجودا دفعة واحدة أو مترتّبا ، ويلزم من الأوّل عدم الافادة ومن الثاني الحدوث.

__________________

(٧١) أركان القياس أربعة : الأصل وهو المقيس عليه ، والفرع وهو المقيس ، والعلّة وهي المعنى المشترك ، والحكم وهو المطلوب إثباته في الفرع ، وقد يسمّى الثالث بالجامع.

(٧٢) سورة القصص ، الآية : ٣٠.

٧٣
٧٤

النّظر الثّاني

في أفعاله سبحانه وتعالى

٧٥
٧٦

النظر الثاني

في أفعاله سبحانه وتعالى

وهو يشتمل على مقدّمة ومباحث أربعة :

أمّا المقدّمة :

فهي أنّ العدل كلام (٧٣) في أفعاله تعالى وأنّها حكمة وصواب. ولا بدّ من بيان الفعل ما هو؟ فنقول : الفعل ما وجد من مؤثّر فيه على سبيل الاختيار. وربّما حدّه الشيوخ (٧٤) بأنّه ما وجد بعد أن كان مقدورا ، وهم دائما يحدّون القادر بأنّه من صحّ منه الفعل وأن لا يفعل إذا لم يكن هناك منع ، ويلزم من ذلك الدور ، فإذا الحقّ ما أومأنا إليه.

__________________

(٧٣) عبارة تمهيد الاصول للشيخ الطوسي هكذا : الكلام في العدل كلام في أنّ أفعال الله كلّها حسنة وليس فيها قبيح ... ص ٩٧.

(٧٤) قال الشيخ الطوسي ـ رحمه‌الله ـ في التمهيد ص ٩٨ : الفعل ما وجد بعد أن كان مقدورا وإن شئت قلت : ما حدث عن قادر عليه.

٧٧

البحث الأوّل

في أنّا فاعلون خلافا للأشاعرة والكلابيّة (٧٥)

والدليل على ذلك وجوه :

الأوّل : أنّا نجد من أنفسنا وجدانا ضروريّا الفرق بين حركاتنا وسكناتنا وصورنا وألواننا ، فنعلم أنّ ما صدر عنّا من الحركات والسكنات واقع بحسب قصودنا ودواعينا خلاف ألواننا وصورنا ، إذ ليست تابعة لذلك ، فلو كانت حركاتنا وسكناتنا من غيرنا فينا ، لوجب أن تتساوى الحالان.

الوجه الثاني : أنّا نعلم استحقاق المدح لفاعل الواجب والمندوب ، واستحقاق الذمّ لفاعل القبيح ، فلو لا كون الفعل صادرا منه ما احسن (٧٦) مدحه ولا ذمّه.

لا يقال : المدح والذمّ على الأفعال فرع على العلم بكون الفعل فعلا

__________________

(٧٥) هم أصحاب عبد الله بن سعيد بن محمد بن كلّاب القطان البصري أحد المتكلّمين زمن المأمون. الفهرست لابن النديم ص ٢٦٩ وراهنماى دانشوران ٣ / ٣٤ ومعجم الفرق ٢٠٠.

(٧٦) كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : ما حسن مدحه.

٧٨

للمدوح والمذموم ، فلو استدلّ بالمدح والذمّ على كونه فعلا له لزم الدور.

لأنّا نقول : سبق الذهن على المدح والذمّ دليل على العلم الضروريّ بكونه فعلا له ، فلو كان هناك تردّد لما حصل الجزم بالمدح والذمّ من غير توقّف.

الوجه الثالث : لو كانت أفعال المكلّف من فعل الله تعالى فيه ، لم يكن لإرسال الرسل ولا للترغيب القرآني ولا للعظات فائدة. وبيان ذلك : أنّ بتقدير أن يكون الله تعالى فاعلا للايمان والكفر لم يكن لهذه الأشياء أثر في وقوع التكليف.

لا يقال : لم لا يجوز أن يجري الله تعالى العادة بفعل هذه الأفعال في العبد عند إرسال الرسل وسماع العظات.

لأنّا نقول : قد كان يمكن فعل الإيمان في العبد من دون ذلك ، فتوقّفه عليه عبث ، والعبث قبيح بالضرورة.

احتجّ المخالف بوجوه أقواها : لو كان العبد فاعلا لتصرّفاته لزم الترجيح من غير مرجّح ، لكن ذلك محال. بيان الملازمة أنّ بتقدير كونه قادرا يكون نسبته إلى الفعل والترك واحدة ، فإن فعل والحال هذه حصل الترجيح من غير مرجّح ، وإن لم يفعل إلّا بزيادة تقتضي الترجيح من داع أو إرادة ، فعند ذلك ، إمّا أن يجب الفعل ، أو يصير أولى ، أو يبقى على ما كان عليه ، ويلزم من الأوّل الجبر ، ومن الثاني إمّا الجبر بتقدير أن يجب ما هو أولى ، أو تجويز وقوع المرجوح حال كونه مرجوحا بتقدير أن لا يجب وقوع الراجح ، ومن الثالث حصول أحد الجائزين من غير مرجّح ، وهو محال.

٧٩

الوجه الثاني : لو كان العبد فاعلا لتصرّفاته ، لكان عالما بتفصيل تلك الأفعال ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله ، أمّا الملازمة فلأنّ الفعل الاختياري يستتبع القصد المرتّب على العلم ، ضرورة أنّ من ليس بعالم بالشيء يستحيل قصده إليه. وأمّا بطلان اللازم فلأنّ الواحد يحرّك إصبعه مثلا بتحرّك جميع أجزائها ، ففي كلّ جزء منها حركة ، مع أنّه لا يعلم عدد تلك الحركات.

الوجه الثالث : ثبت في أبواب التوحيد أنّه تعالى قادر على كلّ مقدور ، ومقدورات العباد ممّا يصحّ أن يكون مقدورا لله تعالى ، لأنّها مساوية لمقدوراته في الجنس ، والقدرة على أحد الجنسين يجب أن تكون متعلّقة بالجنس الآخر ، فلو كانت هذه الأفعال واقعة بقدرة العبد وقدرة الله تعالى ، لزم وقوع مقدور بقادرين ، وإن وقعت بقدرة العبد دون قدرة الله تعالى مع تعلّقها بها ، لزم خروجها عن التعلّق.

الوجه الرابع : إذا ثبت أنّ الله تعالى قادر على كلّ مقدور ، فلو كان العبد قادرا على شيء ، لزم اشتراك البارئ والعبد في الاقتدار على ذلك الشيء ، فلو أراد البارئ إيقاع شيء من تلك الأشياء ، وأراد العبد إيقاع ضدّه ، فإن وقع المرادان اجتمع الضدّان ، وإن وقع مراد الله امتنع وقوع فعل العبد مع قدرته عليه من غير وجه منع ، وإن وقع مراد العبد لزم المحذور بعينه.

لا يقال : الله سبحانه أقوى في الاقتدار من حيث هو قادر بالقدرة القديمة. لأنّا نقول: إذا تساويا في الاقتدار على ذلك الشيء لزم هذا المحذور ، وإن كان البارئ قادرا لذاته وبالقدرة القديمة ، والعبد قادر بالقدرة المحدثة.

٨٠