المسلك في أصول الدّين

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

المسلك في أصول الدّين

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٠

الدليل الخامس :

أنّه ظهر على يده ـ عليه‌السلام ـ من المعجزات ما يدلّ على صدقه فيما يدّعيه وكان يدّعي الإمامة فوجب أن يكون إماما. أمّا الاولى فيدلّ عليها وجوه :

منها إخباره بالمغيبات وهو في مواطن :

منها قوله : «امرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين» (٩٨) فكان من حرب أصحاب الجمل ومعاوية والخوارج ما هو مشهور.

وقوله لطلحة والزبير : «والله ما تريدان العمرة وإنّما تريدان البصرة». (٩٩)

وقوله يوم البيعة : «يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا» فكان خاتمهم اويس القرني. (١٠٠)

__________________

(٩٨) الإرشاد للشيخ المفيد ص ١٤٩ ، إعلام الورى للطبرسي ص ١٧٢.

(٩٩) الإرشاد ص ١٤٩ وقال المفيد في ذيله : وكان الأمر كما قال ـ عليه‌السلام ـ. إعلام الورى ص ١٧٣.

(١٠٠) الإرشاد ص ١٤٩ ، إعلام الورى ص ١٧٣ وهذا أصل الحديث : قال ـ عليه‌السلام ـ بذي قار [موضع قرب البصرة] وهو جالس لأخذ البيعة : يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا يبايعونني على الموت ، قال ابن عبّاس ... فجعلت احصيهم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعة وتسعين رجلا ثم انقطع مجيء القوم ، فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ما ذا حمله على ما قال؟ فبينما أنا مفكّر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل حتّى دنا فإذا هو رجل عليه قباء ـ

٢٤١

ومنها إخباره بذي الثدية ، وبأنّه يقتل ولم يكن معروفا قبل ذلك. (١٠١)

ومنها قوله ـ وقد اخبر بعبور الخوارج النهر ـ مرارا ـ وهو يقول : كلّا لمّا عبروا وانّه لمصرعهم ومهراق دمائهم. (١٠٢)

__________________

ـ صوف ، معه سيفه وترسه وأدواته ، فقرب من أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ، فقال له : امدد يدك ابايعك ، فقال له أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ على م تبايعني؟ قال : على السمع والطاعة والقتال بين يديك حتّى أموت أو يفتح الله عليك ، فقال له : ما اسمك؟ قال : اويس ، قال : أنت اويس القرني؟ قال : نعم. قال : الله أكبر أخبرني حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّي ادرك رجلا من أمّته يقال له اويس القرني يكون من حزب الله ورسوله ، يموت على الشهادة ، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. قال ابن عبّاس : فسرى والله عنّي.

(١٠١) الإرشاد ص ١٥٠ ـ إعلام الورى ١٧٣. قال ـ عليه‌السلام ـ وهو متوجّه إلى قتال الخوارج ... وإنّ فيهم لرجل موذون اليد [أي صغير اليد وناقصها] له ثدي كثدي المرأة ، وهو شرّ الخلق والخليقة ، وقاتلهم أقرب خلق الله إلى الله وسيلة ـ ولم يكن المخدج [أي هذا الشخص الذي كان مخدج اليد وناقصها] معروفا في القوم ـ فلمّا قتلوا جعل ـ عليه‌السلام ـ يطلبه في القتلى ، ويقول والله : ما كذبت ولا كذّبت ، حتّى وجد في القوم وشقّ قميصه وكان على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعرات إذا جذبت انجذبت كتفه معها وإذا تركت رجع كتفه إلى موضعه ، فلمّا وجده كبّر وقال : إنّ في هذا لعبرة لمن استبصر.

(١٠٢) الإرشاد ص ١٥٠ ـ إعلام الورى ص ١٧٣ قال الشيخ المفيد ـ بعد نقل هذا الخبر بتفصيله ـ : وهذا حديث مشهور شائع بين نقلة الآثار ، وقد أخبر به الرجل [يعني جندب بن عبد الله الأزدي] عن نفسه في عهد أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ وبعده ولم يدفعه عنه دافع ، ولا أنكر صدقه فيه منكر ، وفيه إخبار بالغيب وإبانة عن علم الضمير ومعرفة ما في النفوس. والآية باهرة لا يعادلها إلّا ما ساواها في معناها من عظيم المعجز وجليل البرهان.

٢٤٢

ومنها إخباره في جويرية بن مسهر بمقتله وقوله : لتعتلنّ إلى العتلّ الزنيم ، وليقطّعنّ يدك ورجلك ثمّ يصلّبنّك. (١٠٣)

ومنها قوله لميثم : تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة [فإذا كان اليوم الثالث] فيبتدر منخراك وفمك دما وتصلب على باب عمرو بن حريث ، عاشر عشرة ، أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة ، وأراه النخلة التي يصلب عليها. (١٠٤)

ومنها قوله ـ عليه‌السلام ـ وقد اخبر بموت خالد بن عرفطة : إنّه لم يمت ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن

__________________

(١٠٣) الإرشاد ص ١٥٢ ـ إعلام الورى ص ١٧٥. قال المفيد ـ ره ـ : إنّ جويرية بن مسهر وقف على باب القصر فقال : أين أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ فقيل له : نائم ، فنادى : أيّها النائم استيقظ فو الذي نفسي بيده لتضربنّ ضربة على رأسك تخضب منها لحيتك كما اخبرتنا بذلك من قبل. فسمعه أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ فنادى: أقبل يا جويرية حتى احدّثك بحديثك ، فأقبل ، فقال : وأنت والذي نفسي بيده لتعتلنّ إلى العتلّ الزنيم وليقطعنّ يدك ورجلك ثم لتصلبنّ تحت جذع كافر ، فمضى على ذلك الدهر حتّى ولي زياد في أيّام معاوية فقطع يده ورجله ثمّ صلبه إلى جذع ابن مكعبر وكان جذعا طويلا فكان تحته. وراجع قاموس الرجال ٢ / ٤٦٩ الطبع الأوّل.

(١٠٤) الإرشاد ص ١٥٣ ـ إعلام الورى ص ١٧٥ ، وكان قتل ميثم ـ رحمه‌الله ـ قبل قدوم الحسين ـ عليه‌السلام ـ العراق بعشرة أيّام ، فلمّا كان اليوم الثالث من صلبه طعن ميثم بالحربة فكبّر ثمّ انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دما وهذا من جملة الأخبار عن الغيوب المحفوظة عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ وذكره شائع والرواية به بين العلماء مستفيضة.

٢٤٣

جماز (١٠٥).

ومنها إخباره البراء : إنّ الحسين ـ عليه‌السلام ـ يقتل ثمّ لا تنصره. (١٠٦)

ومنها إخباره بقتل الحسين ـ عليه‌السلام ـ ، وموضع مقتله ، وكيفيّة محاربة أعداء الله له.(١٠٧)

__________________

(١٠٥) الإرشاد ص ١٥٥ ـ إعلام الورى ص ١٧٧ وهذا ذيل الحديث : فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين والله إنّي لك شيعة وإنّي لك محبّ وأنا حبيب بن جماز. فقال : إيّاك أن تحملها ـ ولتحملنّها فتدخل بها من هذا الباب ـ وأومأ بيده إلى باب الفيل ـ فلمّا مضى أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ومضى الحسن ـ عليه‌السلام ـ من بعده وكان من أمر الحسين ـ عليه‌السلام ـ ومن ظهوره ما كان بعث ابن زياد ـ لع ـ بعمر بن سعد إلى الحسين ـ عليه‌السلام ـ وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته وحبيب بن جماز صاحب رايته فسار بها حتّى دخل المسجد من باب الفيل. وهذا الخبر مستفيض في أهل العلم بالآثار من أهل الكوفة.

وجماز بالجيم والزاي ، وفي بعض النسخ : الحماز بالحاء والزاي ، وقيل بغيرهما. راجع مقاتل الطالبيين ص ٧١ وقاموس الرجال ٣ / ٤٨٢ الطبعة الاولى.

(١٠٦) الإرشاد ص ١٥٦ ـ إعلام الورى ص ١٧٧ : إنّ عليّا ـ عليه‌السلام ـ قال للبراء بن عازب ذات يوم : يا براء يقتل ابني الحسين ـ عليه‌السلام ـ وأنت حيّ لا تنصره ، فلمّا قتل الحسين ـ عليه‌السلام ـ كان البراء بن عازب يقول : صدق ـ والله ـ علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ قتل الحسين ـ عليه‌السلام ـ ولم أنصره ، ثم أظهر الحسرة على ذلك والندم. قال المفيد ـ ره ـ بعد نقل هذا الخبر : وهذا أيضا لاحق بما قدّمنا ذكره من الأنباء بالغيوب والأعلام القاهرة للقلوب.

(١٠٧) الإرشاد ص ١٥٧ : عن جويرية بن مسهر العبدي قال : لمّا توجّهنا مع أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ إلى صفين فبلغنا طفوف كربلاء وقف ناحية من المعسكر ثمّ نظر يمينا وشمالا واستعبر ثم قال : هذا والله مناخ ركابهم وموضع منيّتهم : فقيل له : يا أمير المؤمنين ما هذا الموضع؟ فقال : هذا كربلاء يقتل فيه قوم يدخلون الجنّة بغير حساب.

٢٤٤

ومن معجزاته ما خصّ الله به من القوّة الخارقة لقوّة (١٠٨) البشر كدحوه باب خيبر(١٠٩) ، ودحوه الصخرة عن فم القليب أذرعا (١١٠)

ومن معجزاته إجابة الدعوة ، كدعوته على بسر بن أرطاة أن يسلبه الله عقله ، فخولط حتّى كان يدعو بالسيف فاتّخذ له سيف من خشب فكان يضرب به حتّى يغشى عليه ثمّ يعود بحاله الأوّل. (١١١)

وكدعوته على العيزار وقد حلف أنّه لا يرفع أخبار عليّ ـ عليه‌السلام ـ إلى معاوية : إن كنت كاذبا فأعمى الله بصرك ، فما دارت الجمعة حتّى اخرج أعمى يقاد. (١١٢)

__________________

(١٠٨) الخارقة لعوائد البشر. خ ل.

(١٠٩) قال الشيخ المفيد في الإرشاد ص ١٥٧ عن جابر : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع الراية إلى عليّ بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ يوم خيبر بعد أن دعا له فجعل علي ـ عليه‌السلام ـ يسرع السير وأصحابه يقولون له : ارفق ، حتّى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه بالأرض ثمّ اجتمع عليه منّا سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوا الباب.

(١١٠) الإرشاد ص ١٥٧ ـ إعلام الورى ص ١٧٨.

(١١١) الإرشاد ص ١٥٢ : لمّا بلغ ما صنعه بسر بن أرطاة باليمن قال : اللهمّ إنّ بسرا قد باع دينه بالدنيا فاسلبه عقله ولا تبق له من دينه ما يستوجب به عليك رحمتك فبقي بسر حتّى اختلط ...

أقول : لمّا انقضى أمر صفين والنهروان بعث معاوية بسر بن أرطاة إلى الحجاز واليمن ليقتل من بها من شيعة عليّ ـ عليه‌السلام ـ وكان من قبل عليّ ـ عليه‌السلام ـ في اليمن عبيد الله بن العبّاس فهرب من بسر فوجد ولديه الصغيرين قثما وعبد الرحمن فقتلهما ... راجع تنقيح المقال ١ / ١٦٨.

(١١٢) مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٢٧٩ وإرشاد المفيد ص ١٦٦.

٢٤٥

ومن معجزاته الدالّة على إخلاصه واختصاصه بمزيّة القرب من الله سبحانه وعلى تصديقه في ما يدّعيه رجوع الشمس له مرّتين : مرّة له في حياة النبيّ ـ عليه‌السلام ـ بالمدينة ، ومرّة بعد النبيّ ـ عليه‌السلام ـ بأرض بابل (١١٣).

وكلام الحيتان له في فرات الكوفة بالسلام عليه بإمرة المؤمنين إلّا الجرّي والزمار والمارماهي ، فقال ـ عليه‌السلام ـ : أنطق الله لي ما طهر وأصمت عنّي ما حرّمه ونجّسه وبعدّه.(١١٤)

وكلام الثعبان وهو مشهور. (١١٥)

وقوله ـ عليه‌السلام ـ يوما على المنبر : أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا سيّد الوصيّين وآخر أوصياء النبيّين ، لا يدّعي ذلك غيري إلّا أصابه الله بسوء ، فقال رجل من عابس : من لا يحسن أن يقول مثل هذا؟ أنا عبد الله وأخو رسوله ، فتخبّطه الشيطان فجرّ (١١٦) برجله إلى باب المسجد وسئل قومه عنه هل تعرفون به عرضا قبل هذا؟ فقالوا : اللهمّ لا. (٢١٦)

__________________

(١١٣) الإرشاد ص ١٦٣ وفي ذلك يقول السيّد الحميري :

ردّت عليه الشمس لمّا فاته

وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

وعليه قد ردّت ببابل مرّة

اخرى وما ردّت لخلق معرب ...

 (١١٤) الإرشاد ص ١٦٥. في أقرب الموارد : الجرّيّ صنف من السمك في ظهره طول وفي فمه سعة وليس له عظم إلّا عظم اللحيين والسلسلة. والزمير نوع من السمك ، وفي مجمع البحرين : الزمير كسكّيت نوع من السمك وفي بعض ما روي : الزمار من المسوخ.

(١١٥) الإرشاد ص ١٦٥ وقصّته عجيبة فراجع.

(١١٦) في الأصل : فخرّ بالخاء.

(٢١٦) الإرشاد ص ١٦٧ ، وعبس أبو قبيلة من قيس. كذا في مجمع البحرين.

٢٤٦

وهذه المعجزات قطرة من بحار ما نقل عنه ـ عليه‌السلام ـ ، فإنّ استقصاء ذلك متعذّر.

وأمّا أنّه ـ عليه‌السلام ـ ادّعى الإمامة لنفسه فهو متواتر بين الإماميّة لا يتناكرون فيه ، وقد بيّنا ما تقرّر به هذه الدعوى في دعوى النصّ عليه ـ عليه‌السلام ـ ، وأجبنا عن ما يعترض به عليها هناك (٢) ، وهو جواب ما يعترض به هنا. (١١٧)

__________________

(٢) راجع ص ٢٣٧.

(١١٧) قال المفيد ـ رحمه‌الله ـ في الإرشاد ص ١٦٦ : وكلّ من رام الطعن فيما ذكرناه من هذه الآيات فإنّما يقول في ذلك على مثال قول الملاحدة وأصناف الكفار من مخالفي الملّة ، ويطعن فيها بمثل ما طعنوا في آيات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلّهم راجعون إلى طعون البراهمة والزنادقة في آيات الرسل ـ عليهم‌السلام ـ والحجّة عليهم في ثبوت النبوّة وصحّة المعجز لرسل الله صلّى الله عليهم وسلّم.

٢٤٧

[أدلّة اخرى على إمامة عليّ ـ عليه‌السلام ـ]

وقد استدلّ أصحابنا رحمهم‌الله بوجوه كثيرة ، قرآنية وأخباريّة.

منها قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١).

و (إِنَّما) للحصر ، ويجري مجرى قوله : «لا وليّ لكم إلّا الله» و «وليّ» بمعنى «أولى» لاستحالة أن يراد به وليّ النصرة ، لأنّ ذلك لا يخصّ عليّا ـ عليه‌السلام ـ. فتكون الولاية ثابتة لمن زكّى في حال ركوعه. ولم يثبت ذلك إلّا لعليّ ـ عليه‌السلام ـ (٢).

ومنها قوله [تعالى] : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٥٥.

(٢) الأخبار في نزولها في عليّ ـ عليه‌السلام ـ إذ تصدّق بخاتمه وهو راكع في الصلاة متواترة عن أئمّة العترة الطاهرة ، وحسبك ممّا جاء نصّا في هذا من طريق غيرهم حديث ابن سلام مرفوعا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فراجعه في «صحيح النسائي» ج ص أو في تفسير سورة المائدة من كتاب «الجمع بين الصحاح الستّة» ومثله حديث ابن عبّاس ، وحديث عليّ مرفوعين أيضا فراجع حديث ابن عبّاس في تفسير هذه الآية من كتاب «أسباب النزول» للإمام الواحدي وراجع حديث عليّ في كنز العمّال ٦ / ٤٠٥. وفي الباب ١٨ من غاية المرام للبحراني ٢٤ حديثا من طريق الجمهور في نزولها في عليّ. على أنّ نزولها في عليّ ممّا أجمع المفسرون عليه ، وقد نقل إجماعهم هذا غير واحد من أعلام أهل السنّة كالقوشجي في مبحث الإمامة من شرحه على التجريد.

راجع المراجعات للسيّد شرف الدين ١٥٥ الطبعة الرابعة.

٢٤٨

الصَّادِقِينَ) (٣).

فلو كان الصادقون ممّن يجوز عليهم الخطأ لوجب اتّباعهم في ما أخطئوا فيه ، لكن ذلك محال ، فتعيّن اتّباع من لا يخطئ ، وذلك هو المعصوم (٤).

__________________

(٣) سورة التوبة ، الآية : ١١٩.

(٤) قال البهبهاني ـ رحمه‌الله ـ : يدلّ على اختصاص الصادقين في الآية الكريمة بالأئمّة المعصومين الطيّبين من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدم إرادة مطلق الصادقين منه كما دلّت عليه الروايات المستفيضة من الطرفين ـ وقد ذكر في غاية المرام للبحراني ص ٢٤٨ عشرة أخبار من طريقنا وسبعة أخبار من طريق العامة ـ أنّه لو كان المراد بالصدق مطلق الصدق الشامل لكلّ مرتبة منه المطلوب من كلّ مؤمن ، وبالصادقين المعنى العامّ الشامل لكلّ من اتّصف بالصدق في أيّ مرتبة كان لوجب أن يعبّر مكان «مع» بكلمة «من» ضرورة أنّه يجب على كلّ مؤمن أن يتحرّز عن الكذب وبكون من الصادقين. فالعدول عن كلمة «من» إلى «مع» يكشف عن أنّ المراد بالصدق مرتبة مخصوصة ، وبالصادقين طائفة معيّنة ، ومن المعلوم أنّ هذه المرتبة مرتبة كاملة بحيث يستحقّ المتّصفون بها أن يتبعهم سائر المؤمنين جميعا ، وهذه المرتبة الكاملة التي تكون بهذه المثابة ليست إلّا العصمة والطهارة التي لم يتطرّق معها كذب في القول والفعل [والاعتقاد لا عمدا ولا سهوا] إذ في الامّة من طهّره الله تعالى وهم أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنصّ آية التطهير واتّفاق جميع المسلمين فلو اريد من الصادقين غير المعصومين لزم أن يكون المعصومون مأمورين بمتابعة غير المعصومين المتطرّق فيهم الكذب ولو جهلا أو سهوا وهو قبيح عقلا فتعيّن أن يكون المراد الصادقون المطهّرون الحائزون جميع مراتب الصدق قولا وفعلا [واعتقادا] ولا يصدّق ذلك إلّا على أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ...

أقول : ولذا قال الباقر ـ عليه‌السلام ـ كما في الكافي ١ / ٢٠٨ : إيّانا عنى [من هذه الآية]. راجع الكتاب القيّم الثمين : «مصباح الهداية في إثبات الولاية» تأليف السيّد عليّ البهبهاني ـ رحمه‌الله ـ ص ٣١ الطبعة الاولى.

٢٤٩

ومنها قولهم : لو كان الإمام غير عليّ لكان ركونا إلى الظالم ، وهو منفيّ لقوله : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ...) (٥) لأنّه ليس أحد ادّعيت له الإمامة في ذلك الزمان إلّا وقد كان كافرا قبل إسلامه ، والكافر ظالم (٦).

ومنها قولهم : كلّ من عدا (٧) عليّا كان ظالما بكفره ، فلا يناله العهد ، لقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٨).

ومنها قوله ـ عليه‌السلام ـ : «من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه» (٩) والمولى هو الأولى لاستحالة أن يريد وليّ النصرة.

__________________

(٥) سورة هود ، الآية : ١١٣.

(٦) قال تعالى : (إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) سورة لقمان ، الآية : ١٣.

(٧) في هامش النسخة : عدا أي ظلم. فتأمل.

(٨) سورة البقرة ، الآية : ١٢٤. قال العلامة الطباطبائي في تفسيره القيّم «الميزان» ١ / ٢٧٧ : وقد سئل بعض أساتيدنا ـ رحمة الله عليه ـ عن تقريب دلالة الآية على عصمة الإمام فأجاب :

إنّ الناس بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام : من كان ظالما في جميع عمره ، ومن لم يكن ظالما في جميع عمره ، ومن هو ظالم في أوّل عمره دون آخره ، ومن هو بالعكس. هذا وإبراهيم ـ عليه‌السلام ـ أجلّ شأنا من أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل والرابع من ذرّيته ، فبقي قسمان ، وقد نفى الله أحدهما ، وهو الذي يكون ظالما في أوّل عمره دون آخره ، فبقي الآخر وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره.

(٩) هذا الحديث متواتر فراجع مجلدات الغدير من عبقات الأنوار أو تلخيصه المسمّى بفيض القدير وكلاهما قد طبعا أخيرا بصورة حسنة بقم.

٢٥٠

يدلّ عليه وجهان : الأوّل أنّ عمر قال في ضمن ذلك : «بخّ بخّ أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة» (١٠) وهذا يدلّ على اختصاص عليّ ـ عليه‌السلام ـ بما لم يحصل لغيره ، والنصرة ثابتة من المسلمين كافّة فلا يختص عليّا ـ عليه‌السلام ـ.

والثاني : أنّ ولاية النصرة ثابتة ، فلم تكن حاجة إلى تقريرها بمثل هذه الحال التي احتاج فيها إلى إصلاح المنزل ، وجمع الرجال ، وتقديم المقدّمات ، الدالّة على اهتمام القوى (١١) ، فكيف كان ينصّ عليه في ذلك المكان بأمر عامّ في المسلمين كلّهم. هذا ممّا ينبغي أن ينزّه عن مثله منصب النبوّة ، فتعيّن أنّه أراد الدلالة على أنّه أولى من غيره ، وأن يثبت له مثل منزلته ـ عليه‌السلام ـ في الحكم والسيادة. وهذا بيّن لا شبهة فيه على منصف.

__________________

(١٠) مناقب عليّ بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ص ١٩ وليست فيه جملة «ومؤمنة».

(١١) كذا.

٢٥١

[ردّ الأدلّة التي أقاموها لإمامة أبي بكر]

وأمّا القائلون بإمامة أبي بكر فطائفتان :

إحداهما تقول بالنصّ وهم المعروفون بالبكريّة (١٢) ، والاخرى بالاختيار.

واحتجّت الطائفة الاولى بوجوه :

الأوّل : قوله ـ عليه‌السلام ـ : «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» (١٣).

الثاني : قوله ـ عليه‌السلام ـ : «الخلافة بعدي ثلاثون ، ثم تصير ملكا» (١٤).

الثالث : أنّه ـ عليه‌السلام ـ استخلفه في الصلاة (١٥) ولم يعزل ، فوجب أن

__________________

(١٢) راجع ذيل ص ٢٢٠.

(١٣) قال ابن حزم في «الفصل» ٤ / ١٠٨ : لو أنّنا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحا أو ابلسوا أسفا لاحتججنا بما روي : «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» ولكنّه لم يصحّ ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصحّ.

(١٤) هذا الخبر يردّه الواقع ، لأنّ سني الخلافة من يوم بيعة أبي بكر إلى وفاة أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ تزيد على الثلاثين سنة ، وإذا ضممت إليها أيّام الحسن ـ عليه‌السلام ـ قبل الصلح فإنّها تكون أزيد ، مضافا إلى أنّه يخالف الخبر الصحيح المرويّ في البخاري ومسلم وغيرها في حصر الخلافة في اثني عشر خليفة ... راجع ذيل الشافي ٢ / ٢١١.

(١٥) يعني قبيل وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢٥٢

يبقى على الخلافة في الصلاة ، ويلزمه أن يكون خليفته في سائر الامور ، لعدم القائل بالفصل.

واحتجّت الطائفة الاخرى بوجوه :

الأوّل : قالوا : اجتمعت الامّة على إمامته فيكون إماما.

الثاني : قالوا : ليس عليّ بإمام بعد النبيّ بلا فصل ولا العبّاس ، فوجب أن يكون أبو بكر إماما. أمّا الاولى فلأنّ كلّ واحد منهما ترك المنازعة مع القدرة ، فلو كان إماما لبطلت إمامته بالعصيان ، وإذا بطلت إمامتهما ثبتت إمامة أبي بكر بالإجماع ، إذ لا قائل مع بطلان إمامتهما بغيره.

الثالث : قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) (١٦).

و «الذين» لفظ جمع ، وأقلّه ثلاثة ، فوجب أن يكون الذين توجّه [إليهم] الوعد ثلاثة أو أكثر ، ووعده تعالى واقع ، ولم يقع لأحد بعد النبيّ ـ عليه‌السلام ـ إلّا للخلفاء الأربعة فوجب أن يكونوا هم المرادين من ذلك الوعد.

الرابع : أبو بكر ممّن رضي الله عنه فوجب أن يكون إماما.

أمّا الاولى فبقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(١٧).

ولقوله : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) ـ إلى قوله ـ (وَرَضُوا عَنْهُ) (١٨).

__________________

(١٦) سورة النور ، الآية : ٥٥.

(١٧) سورة الفتح ، الآية : ١٨.

(١٨) سورة التوبة ، الآية : ١٠٠.

٢٥٣

ولقوله : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) (١٩).

والمراد بالأتقى هنا أبو بكر ، إذ لو لم يرد لكان المراد بها عليّا ـ عليه‌السلام ـ وعليّ غير مراد منها ، لأنّ الأتقى موصوف بكونه ممّن ليس لأحد عنده من نعمة تجزى (٢٠) وعليّ ـ عليه‌السلام ـ عليه نعمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتربيته وتغذيته والإنفاق عليه.

وإذا كان أتقى وجب أن يكون أكرم لقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(٢١) والأتقى مرضيّ عند الله تعالى ، وإذا كان أبو بكر ممّن رضي الله عنه ، وجب أن يكون إماما بالإجماع ، إذ كلّ من وصفه بذلك قال بإمامته.

الخامس : خاطبت الصحابة أبا بكر بالإمامة وبخلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذلك خاطبه عليّ ـ عليه‌السلام ـ فوجب أن يكون إماما صونا لألفاظ الصحابة عن الكذب والنفاق.

لا يقال : لعلّ خطاب عليّ ـ عليه‌السلام ـ تقيّة.

لأنّا نقول : لم يكن مضطرّا إلى خطابه بذلك ، لأنّ له مندوحة (٢٢) بغيره من الألفاظ.

السادس : لو كان عليّ ـ عليه‌السلام ـ منصوصا عليه بالإمامة نصّا مشهورا لكان إمّا يساعده الناس على حقّه أو يخذلونه ، ويلزم من الأوّل توجيه الخطأ

__________________

(١٩) سورة الليل ، الآية : ١٧.

(٢٠) (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى* وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى * إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى).

(٢١) سورة الحجرات ، الآية : ١٣.

(٢٢) في هامش النسخة : أي سعة.

٢٥٤

إليه ، ومن الثاني توجيه الخطأ إلى الصحابة ، والقسمان باطلان.

والجواب عن احتجاجهم بقوله : «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر».

أن نمنع الخبر أوّلا ، فإنّا لا نعرفه من طريق محقّق.

ولو سلّمناه لكان من أخبار الآحاد ، مع أنّه قد طعن فيه جماعة من أصحاب الحديث منهم.

ولو سلّمناه لم يلزم من الأمر بالاقتداء بهما مطلقا الاقتداء بهما في كلّ شيء ، لأنّ اللفظ المطلق يصدق بالجزء وبالكلّ. ثمّ نقول : الظاهر أنّه لم يرد العموم ، لأنّهما اختلفا في كثير من الأحكام ، فالاقتداء بهما في ذلك يلزم منه الجمع بين النقيضين.

وأمّا قوله : الخلافة بعدي ثلاثون ، فأضعف من الأوّل وأكثر شذوذا ، ومثل ذلك لا يثبت به مسألة علميّة.

ثمّ إنّه لا يجوز العدول عن أخبار صريحة دالّة على إمامة عليّ ـ عليه‌السلام ـ بمثل هذا الخبر الضعيف.

ثمّ نقول : الظاهر أنّ هذا الخبر موضوع لأنّه لو كانت إمامة معاوية ملكا لكانت إمامة أبي بكر وعمر كذلك ، لأنّ الذين بايعوا معاوية من أهل الشام أكثر ممّن بايع أبا بكر ، ثمّ بعد موت عليّ ـ عليه‌السلام ـ أظهر كثير من الناس الانقياد له ، وكفّ الآخرون عن الاعتراض ، وكذلك وقع في خلافة أبي بكر ، فلو كانت إحدى الخلافتين ملكا لكانت الاخرى كذلك.

٢٥٥

قوله : استنابه في الصلاة. قلنا : لم يثبت ذلك بل المرويّ بيننا وبين كثير ممّن خالفنا في الإمامة أنّ عائشة هي التي قدّمته ، حتّى أنّه لمّا سمع التكبير أنكر ذلك ، وقام معتمدا على رجلين ، حتى أزاله عن موقفه (٢٣) فلم يثبت التولية حتّى يفتقر إلى إثبات العزل.

والجواب عن الوجه الأوّل من احتجاج الطائفة الاخرى أن نقول :

لا نسلّم إجماع الصحابة على إمامته ، وكيف يثبت الإجماع ، وقد نقل المخالف والمؤالف توقّف جماعة كثيرة عن البيعة له ، مثل أبي سفيان ، والعبّاس ، وسعد بن عبادة ، وقيس ابنه ، وعليّ والزبير ، والنعمان بن يزيد (٢٤) وكثير من الصحابة. (٢٥)

فإن قال : عادوا بعد ذلك إلى القول بإمامته. قلنا : لا نسلّم ، فإنّ طاعة

__________________

(٢٣) قال الطبرسي في إعلام الورى ص ١٤١ : فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغمور بالمرض فنادى الصلاة رحمكم الله ، فقال : يصلّي بالناس بعضهم ، فقالت عائشة : مروا أبا بكر ليصلّي بالناس ، وقالت حفصة : مروا عمر ... ثمّ قام وهو لا يستقلّ على الأرض من الضعف ـ وقد كان عنده أنّهما خرجا إلى اسامة ـ فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب والفضل بن العبّاس فاعتمدهما ورجلاه يخطّان الأرض من الضعف فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب فأومأ إليه بيده فتأخّر أبو بكر وقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكبّر وابتدأ بالصلاة ، فلمّا سلّم وانصرف إلى منزله استدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر المسجد ، ثم قال : ألم آمركم أن تنفذوا جيش اسامة ...

(٢٤) والنعمان بن زيد. ن ل. في اسد الغابة ٥ / ٢٤ و ٣١ عدّ النعمان بن زيد والنعمان ابن يزيد بن شرحبيل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢٥) راجع تعليقة ص ٢٣٣.

٢٥٦

الرجل القادر في الظاهر لا يدلّ على الموافقة بالباطن.

وقد روي أنّ بعد جلوسه وانتصابه خطيبا قام إليه اثنا عشر رجلا ، ستّة من المهاجرين ومثلهم ستّة من الأنصار ، فأنكروا عليه مجلسه وخوّفوه بما هو موجود في الكتب. (٢٦)

لا يقال : هذه أخبار آحاد. لأنّا نقول : هي وإن كانت آحادا لكنّها يفيد الظنّ القويّ ، وذلك يقدح في الدليل الذي يتطرّق بها الاحتمال إليه.

وعن الوجه الثاني : قوله : إنّ عليّا والعبّاس ليسا بإمامين ، قلنا : لا نسلّم أنّ عليّا ـ عليه‌السلام ـ ليس بإمام.

قوله ترك المنازعة مع القدرة ، وذلك يدلّ على أنّ الإمامة ليست له ، إذ لو كانت له لكان ذلك قادحا في عدالته. (٢٧) قلنا : لا نسلّم أنّه ترك المنازعة ، بل نازع بالقدر الممكن منازعة تناسب تلك الحال. (٢٨)

لا يقال : لو نازع لأبي بكر لم يكن له من القوّة دفعه عن حقّه. لأنّا نقول : لا نسلّم ذلك ، فإنّ أبا بكر كان معه جماعة ممّن أظهر الإسلام ينصرونه ويرجون في ولايته ما لا يرجون من عليّ ـ عليه‌السلام ـ. وكثير ممّن كان في صدره إحنة (٢٩) على الإسلام أحبّ التستّر والتوصّل إلى اضطراب الإسلام

__________________

(٢٦) راجع الخصال أبواب الاثني عشر ص ٤٦١ ورجال البرقي ص ٦٣ ورجال الكشيّ ص ٣٨ طبع مشهد الرضا ـ عليه‌السلام ـ.

(٢٧) في إمامته. خ ل.

(٢٨) وأيّ منازعة أظهر وأبين من امتناعه عن البيعة حتّى راموا احراق بيته ، بل أحرقوا باب داره ووقع ما وقع.

(٢٩) أحن أحنا حقد وأضمر العداوة والاسم منه إحنة يقال : في صدره عليّ إحنة.

٢٥٧

بالانحياز (٣٠) عن صاحب الحقّ إلى من ينازعه إثارة للفتنة وطمسا لمعالم الدين ، فكان يؤثر مساعدة كلّ من ينازع عليّا ، حتّى لو اتّفق منازع خارج عن الإسلام لآثروا الدخول معه.

ولو سلّمنا أنّه لم ينازع لأمكن أن يكون ترك ذلك تقيّة وخوفا على نفسه.

لا يقال : هذا قدح في الصحابة.

لأنّا نقول : بل هو قدح في المعاند للحقّ دون الخائف المستتر بالتقيّة.

وعن الوجه الثالث : لا نسلّم أنّ المراد من الاستخلاف المذكور في الآية الإمامة ، بل لم لا يجوز أن يكون المراد كونهم يخلفون غيرهم في الاقامة في الأرض والاستيلاء عليها إقامة وتصرّفا كما قال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) (٣١) فيكون هذا المعنى عامّا في المؤمنين كلّهم ، وذلك أنّ أهل الكفر كانوا مستولين على الدنيا ، وكان المؤمنون مستضعفين خائفين مستترين بأديانهم فأخبر الله سبحانه بذلك تسلية لهم وتسكينا لقلوبهم. وهذا التأويل ممكن ، ومع إمكانه لا يبقى وثوق بما استدلّوا به. (٣٢)

__________________

(٣٠) كذا.

(٣١) سورة فاطر ، الآية : ٣٩ وسورة الأنعام ، الآية : ١٦٥ وهي هكذا : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ).

(٣٢) فالحقّ أنّ الآية الكريمة إن اعطيت حقّ معناها لم تنطبق إلّا على المجتمع الموعود الذي سينعقد بظهور المهديّ ـ عليه‌السلام ـ وبذلك وردت الأخبار عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ. وإن سومح في تفسير مفرداتها وجملها ... فالوجه أن الموعود بهذا الوعد الامّة ، والمراد باستخلافهم ما رزقهم الله من العزّة والشوكة بعد الهجرة إلى ما بعد ـ

٢٥٨

وعن الوجه الرابع : قوله : أبو بكر ممّن رضي الله عنه ، قلنا : ما الدليل على ذلك؟ قوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ) (٣٣) قلنا : الرضا ينصرف إلى من اتّصف بالإيمان ونحن نمنع حصوله.

قوله : هو من السابقين. قلنا : لا نسلّم حصول الشرائط المعتبرة في الرضا فيه.

قوله : المراد بقوله : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) (٣٤) هو أبو بكر (٣٥). قلنا لا نسلّم. قوله : إمّا أن يكون المراد هو أو عليّا ـ عليه‌السلام ـ. قلنا : لا نسلّم الحصر ، بل لم لا يجوز أن يكون للعموم ، أو لا لهما؟ سلّمنا الحصر ، لكن لا نسلّم أنّها ليست في عليّ.

قوله : لأنّ للنبيّ ـ عليه‌السلام ـ عليه ـ عليه‌السلام ـ نعمة تجزى. قلت : لا نسلّم

__________________

ـ الرحلة ، ولا موجب لقصر ذلك في زمن الخلفاء الراشدين ، بل يجري فيما بعد ذلك إلى زمن انحطاط الخلافة الإسلاميّة. وأمّا تطبيق الآية على خلافة الخلفاء الراشدين ، أو الثلاثة الاول ، أو خصوص عليّ ـ عليه‌السلام ـ فلا سبيل إليه البتّة. تفسير الميزان ١٥ / ١٧٠.

(٣٣) سورة الفتح ، الآية : ١٨.

(٣٤) سورة الليل ، الآية : ١٧.

(٣٥) في تفسير القرطبي ٢٠ / ٩٠ بعد نقله نزول سورة الليل في أبي بكر : وقال عطاء ـ وروي عن ابن عبّاس ـ أنّ السورة نزلت في أبي الدحداح ... (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) يعني أبا الدحداح.

أقول : وكذا ورد في بعض رواياتنا نزولها في أبي الدحداح ، وقصّته مذكورة في تفاسير الشيعة ، فراجع الصافي للفيض الكاشاني ٢ / ٨٢٦ ونور الثقلين ٥ / ٥٩٠ ومجمع البيان ذيل الآية الكريمة.

٢٥٩

بل كما جاز أن يكون الإرشاد إلى الإسلام خارجا عن ذلك ، لكونه يبتغى به وجه الله ، جاز أن تكون تربية النبيّ ـ عليه‌السلام ـ له كذلك ، فإنّ إحسان النبيّ ـ عليه‌السلام ـ لم يكن لعوض ، بل لله محضا ، فهو داخل في ذلك.

على أنّا لا نسلّم أنّه أراد ما ذهب إليه المستدلّ ، إذ من الجائز أن يكون أراد الإخبار بأنّه يؤتي ماله يتزكّى مع أنّه ليس لأحد عليه نعمة يجازيه عليها بتزكيته عليه ، (٣٦) ومع هذا الاحتمال يسقط ما ذكروه.

وعن الخامس : سلّمنا أنّ الصحابة خاطبته ، لكن ما المانع أن يكون ذلك تبعا لتسمية الناس له؟ كما يقال : عظيم الروم أي الذي يسمّونه عظيما. وكما قال تعالى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) (٣٧) على أنّا لم نستبن أنّ عليّا ـ عليه‌السلام ـ خاطبه بذلك من طريق مسكون إليه ، وإنّما هي أخبار آحاد شاذّة. ولو سلّمنا ذلك لكان الحال فيه كما ذكرنا في عذر الصحابة ، ولو لم يكن كذلك لأمكن أن يكون تلفّظ بذلك تقيّة.

قوله : التقيّة مرتفعة لإمكان أن يخاطبه بغير ذلك. قلنا : لا نسلّم لأنّ ذلك كان هو المراد ، فلم يتمكن من اطّراحه عند الخطاب ، وكيف وقد أخرج من منزله يقاد قهرا بعد أن قالوا : إن لم تخرج أحرقنا عليك بيتك (٣٨).

__________________

(٣٦) هذا الاحتمال هو الظاهر المستفاد من الآية والاحتمال الآخر ضعيف في الغاية ، والمؤلّف ـ رحمه‌الله ـ ليس بصدد تفسير الآية ، بل مقصوده ردّ كلام الخصم كما لا يخفى.

(٣٧) سورة طه ، الآية : ٩٧.

(٣٨) قال ابن قتيبة في كتابه «الإمامة والسياسة» : إنّ أبا بكر تفقّد قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، ـ

٢٦٠