المسلك في أصول الدّين

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

المسلك في أصول الدّين

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٠

٢١

٢٢

٢٣

٢٤

٢٥

٢٦

٢٧

٢٨

٢٩

٣٠

مقدمة المؤلّف

٣١
٣٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله على ما أباح من النعم ، وأتاح (١) من القسم ، حمدا يبلّغنا أرفع محالّ ذوي الهمم ، ويوصلنا إلى المقام الأكرم ، وصلّى الله على أشرف الأمم ، وأفضل العرب والعجم ، محمّد بن عبد الله ذي الفضل الأقدم ، والمجد الأعظم ، وعلى آله مصابيح الظلم ، وينابيع الحكم ، وسلّم وكرّم.

أمّا بعد فإنّه لمّا كان الخوض في تحقيق العقائد من أنفس الفوائد ، وأعزّ الفرائد ، وجب على كلّ ذي فطنة أن يصرف رويّته (٢) إلى استخراج حقائقها ، وكشف غوامضها ودقائقها ، ولمّا كانت الطرق إلى ذلك مختلفة ، والوسائل إليه منكّرة ومعرّفة ، وجب أن نسلك أتمّها تحقيقا ، وأوضحها مسلكا وطريقا ، وهو النهج الذي سلكه متأخّرو المعتزلة (٣) ، رأيت أن املي مختصرا يقصر عن

__________________

(١) قال الجوهري في الصحاح ١ / ٣٥٧ : أتاح الله له الشيء ، أي قدّره له.

(٢) الرويّة : التفكّر في الأمر كذا في الصحاح ٦ / ٢٣٦٦.

(٣) أبو الحسن قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني المتوفّى (٤١٥ ـ ٤١٦) ومعاصروه وأصحابه يعدّون من متأخّري المعتزلة راجع طبقات المعتزلة ، لأحمد بن يحيى بن المرتضى.

٣٣

هجنة (٤) التطويل ؛ ويرتفع عن لكنة (٥) التقليل ، يكون مدخلا إلى مطوّل كتبهم ، وموصلا إلى تحصيل مذاهبهم ، فاقتصرت منها على المهمّ ، امتثالا لسؤال من سأل ، متوكّلا على الله ، مستمدّا منه المعونة والتوفيق.

والغرض بهذا العلم إنّما هو التوصّل إلى السعادة الاخرويّة بسلوك طريق الحقّ.

وتحصيل هذا الغرض يقف على بيان إثبات الصانع ، وما يصحّ أن يوصف به من الصفات الاثباتيّة والسلبيّة ، والنظر في أفعاله سبحانه وتعالى ، والنظر في النبوّات والإمامة ، (٦) فإنّ من عرف هذه الأمور بالأدلّة أمن من الزلل في كلّ مقام منها ، وأمكنه أن يرشد إليها من ضلّ عنها ، وكان آمنا في معاده ، واثقا بصحّة ما أخبرت به الرسل ، إذ العلم بصدق الرسل يتوقّف على ثبوت الحكمة الإلهيّة ، المتوقّفة على ثبوت الغنى الذاتي ، المتوقّف على وجوب الوجود وإحاطة العلم ، المتوقّف على وجوب ثبوت الذات الإلهيّة. وأنت متحقّق أنّ العلم بالفرع متوقّف على العلم بالأصل. ثمّ العلم بإثبات الصانع إنّما يتوصّل إليه بأفعاله ، فما كان متفرّدا بالاقتدار عليه كان هو

__________________

(٤) الهجنة ـ بالضمّ ـ في الكلام : ما يلزمك منه العيب ، تقول : لا تفعل كذا فيكون عليك هجنة. كذا في لسان العرب. وفي بعض كتب اللغة : الهجنة من الكلام : العيب والقبح أو ما يعيبه.

(٥) أي قصور العبارات عن أداء المراد للاختصار المفرط. واللكنة : عجمة في اللسان وعيّ.

(٦) لا يخفى أنّ المؤلف أدرج بحث المعاد في بحث أفعاله تعالى ولذا لم يذكره هنا على حدة.

٣٤

الطريق الموصل إليه كالجواهر والأعراض المخصوصة ، فلتكن العناية حينئذ بإثبات العلم بأبواب التوحيد (٧) مقدّمة على سائر الأبواب العقليّة ، ويحصرها ثلاثة مطالب.

__________________

(٧) وهو النظر الأوّل ويتلوه بعد أوراق : النظر الثاني في أفعاله سبحانه ، ثمّ النظر الثالث في النبوّات ، ثمّ النظر الرابع في الإمامة ، وبحث المعاد قد أدرجه في النظر الثاني.

٣٥
٣٦

النظر الأوّل

في أبواب التوحيد

٣٧
٣٨

المطلب الأوّل

في إثبات العلم بالصانع

والدليل على ذلك أنّ الأجسام محدثة ، وكلّ محدث فله محدث.

وقبل تقرير هذه الحجّة ، لا بدّ من بيان المراد بالألفاظ التي اشتملت عليها ، وما يتعلّق بها تقريبا.

فالجسم هو الطويل العريض العميق.

والجوهر هو الحجم الذي لا ينقسم. (٨)

والمحدث هو الذي لوجوده أوّل.

والقديم عكسه.

والعرض ما وجد في الجوهر من غير تجاور. (٩)

__________________

(٨) يراد بالجوهر أحد امور أربعة ، الأوّل : المتحيّز الذي لا يقبل القسمة ، هذا على قول من يثبت الجوهر الفرد المسمّى بالجزء الذي لا يتجزّأ ... راجع الكلّيات لأبي البقاء ص ١٣١.

(٩) قال علم الهدى ـ ره ـ في رسالة الحدود والحقائق ص ٢٠ : العرض : ما يوجد في الجواهر من غير تجاور احترازا عن وجود المظروف في الظرف.

٣٩

والحركة هي زوال الجوهر من محاذاة إلى اخرى. (١٠)

والسكون حصول الجوهر في محاذاة أزيد من وقت واحد.

والاجتماع تماسّ جوهرين.

والافتراق عكسه.

والكون هو حصول الجوهر في المحاذاة. (١١)

إذا عرفت هذا فنقول : الدلالة على المقدّمة الاولى هي (١٢) أنّ الأجسام لم تسبق الحوادث المتناهية ، وكلّ ما كان كذلك فهو محدث.

أمّا أنّها لم تسبق الحوادث ، فلأنّا نعني بها الكون المطلق ، وقد بيّنا أنّه عبارة عن الحصول في المحاذاة ، وينقسم إلى الحركة والسكون بالمزايلة والليث ، وبالضرورة أنّ الجسم بعد وجوده يستحيل أن يخرج عن المحاذاة ، ثمّ هو إمّا لابث ، وهو الساكن ، أو منتقل وهو المتحرّك.

وبيان أنّ هذه الامور زائدة على الجسم أنّها تزول مع بقاء الجسم ، ويقدر عليها من لا يقدر عليه.

وأمّا بيان حدوثها فلأنّها يجوز عليها العدم ، والقديم لا يجوز عليه

__________________

(١٠) قال السيد الشريف في التعريفات ص ٧٤ : الحركة : الخروج من القوّة إلى الفعل على سبيل التدريج. قيّد بالتدريج ليخرج الكون عن الحركة. وقيل : هي شغل حيّز بعد أن كان في حيّز آخر. وقيل : الحركة كونان في آنين في مكانين ، كما أنّ السكون كونان في آنين في مكان واحد.

(١١) المحاذاة : الجهة التي يصحّ أن يشغلها الجوهر. كذا في الحدود والحقائق لعلم الهدى ص ٢٥.

(١٢) في الأصل : وهي. والظاهر زيادة الواو.

٤٠