المسلك في أصول الدّين

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

المسلك في أصول الدّين

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٠

هذا إمامكم بعدي وخليفتي عليكم. (٢٢)

ويعقوب بن منفوس. (٢٣)

وأبو نصر طريف. (٢٤)

ورآه البلالي

والعطّار

والعاصمي

ومحمّد بن إبراهيم بن مهزيار

وأحمد بن إسحاق القمّي

ومحمّد بن صالح الهمداني

والسامي «والبسّامي»

والأسدي

والقاسم بن العلاء. (٢٥)

__________________

(٢٢) كمال الدين ٢ / ٤٣٥ ، مع تلخيص.

(٢٣) كمال الدين ٢ / ٤٣٧ وفيه : يعقوب بن منقوش.

(٢٤) كمال الدين ٢ / ٤٤١.

(٢٥) قال الصدوق في كمال الدين ٢ / ٤٤٢ : ورآه من الوكلاء ببغداد : العمري وابنه وحاجز ، والبلالي ، والعطّار ، ومن الكوفة : العاصمي ، ومن أهل الأهواز : محمّد بن إبراهيم بن مهزيار ، ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق ، ومن أهل همدان : محمد بن صالح ، ومن أهل الريّ : السامي و (البسّامي) والأسدي ، ومن أهل آذربيجان : القاسم بن العلاء ، ومن أهل نيسابور : محمد بن شاذان.

٢٨١

وغير هؤلاء ممّن لو استقصينا عددهم لأطلنا. (٢٦)

وأمّا الوجه الذي لأجله وقعت الغيبة ، فقد ذكر جماعة من فضلاء الأصحاب أنّ ذلك هو الخوف على نفسه. قالوا : الحال في ذلك كحال النبيّ ـ عليه‌السلام ـ حين استتر تارة في الشعب (٢٧) واخرى في الغار (٢٨).

لا يقال : النبيّ ـ عليه‌السلام ـ استتر يسيرا ، وليس كذلك حال غيبة إمامكم.

لأنّا نقول : التفاوت غير مؤثّر في واحد من الحالين ، إذ تفوت مصالح دينيّة فإذا جاز تفويت تلك المصالح مع الخوف وقصر المدّة جاز مع تطاولها.

وحاله ـ عليه‌السلام ـ في ذلك يخالف حال آبائه إمّا لأنّهم آمنوا على أنفسهم وخاف هو ، أو لأنّه ـ عليه‌السلام ـ يلزمه من العروض (٢٩) مع ظهوره ما لا يلزمهم ، فيكون الحذر في جانبه أتمّ من غيره ، وهذا من الممكن.

وقد قيل : إنّما لم يظهر إلى أوليائه خوفا من إشاعة خبره.

وقيل : بل خوفا من أعدائه لا غير.

وقيل : خوفا على الوليّ من الشكّ في المعجز الدالّ على صدقه.

__________________

(٢٦) راجع كمال الدين ٢ / ٤٤٢ فانّ الصدوق ـ عليه الرحمة ـ ذكر عددا كثيرا ممن رآه ـ عليه‌السلام ـ من غير الوكلاء.

(٢٧) يعني شعب أبي طالب.

(٢٨) يعني غار ثور.

(٢٩) هنا كلمة تقرأ : الفروض ، والظاهر أنّ ما أثبتناه هو الصحيح.

٢٨٢

وكلّ ذلك لا يخلو من قدح بل الأولى اعتقاد أنّه لا بدّ في ذلك من وجه مقتض لحسنه ، وإن كنّا لا نستفصله. (٣٠)

على أنّا نقول : [لا نسلّم] أنّه لم يظهر إلى أوليائه ، بل من الجائز أن يظهر إلى من يرتفع مع ظهوره إليه وجه المفسدة ، فإنّا لا نعلم أحوال [كلّ انسان] بل كلّ إنسان يعلم حال نفسه حسب.

فأمّا ما شرط القيام (٣١) من الشرعيات وجوده كالحدود وغيرها من الأحكام ، فإنّها لا تسقط لغيبته بل تكون باقية في جنب من استحقّت عليه ، فإن ظهر والحق عليه باق ، استوفاه ، وإلّا كان اللوم على من كان سبب خوفه.

وأمّا استبعاد الخصم بقاءه عليه هذه المدّة ، فإنّما نشأ من ضعف البصيرة ، وإلّا فكيف يقال ذلك مع العلم بقدرة الله وقيام الدلالة على إمكان فعل الكرامات للأولياء ، غاية ما في الباب أن يقال : هو خرق العادة ، ونحن نمنع ذلك أوّلا ثمّ نسلّم ونجعل ذلك معجزا له ـ عليه‌السلام ـ.

واعلم أنّ تطاول الأعمار أضعاف عمر القائم ـ عليه‌السلام ـ وقع وقوعا مستمرّا حتّى حصل ذلك لجماعة من الملوك والجبابرة ، فلا يكون ذلك خرقا للعادة ، بل ممّا جرت به العوائد (٣٢) فإنّ القرآن المجيد أخبر في طرف الصلحاء

__________________

(٣٠) جاء في رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : وجه الحكمة في غيبته لا ينكشف إلّا بعد ظهوره وأنّ هذا الأمر أمر من أمر الله تعالى وسرّ من سرّ الله ... كمال الدين ٢ / ٤٨٢.

(٣١) هنا جملة لا تقرأ.

(٣٢) جمع العادة.

٢٨٣

أنّ نوحا عاش زيادة عن ألف سنة إلّا خمسين عاما. (٣٣) وفي نقل أهل التاريخ في طرف غير الصلحاء مثل شدّاد بن عاد بن إرم أنّه عاش سبع (٣٤) مائة سنة ، ومن المعلوم بين أهل المذاهب وجود الخضر ، وعمره أضعاف عمر القائم ـ عليه‌السلام ـ ، ولو حملت العصبيّة على إنكاره ، لكان النقل من طرقهم مساعدا لنا ، ولو فرق بين المقامين بأنّ الإمام يناط به امور لا يتعطّل مثلها لغيبة الخضر ، كان فرقا في غير موضعه ، لأنّا نتكلّم على استبعادهم طول العمر ، لا على فوات المصالح. وقد أجبنا على العذر فيما يفوت من المصالح بغيبة الإمام بأنّ الحال (٣٥) في ذلك من جهة المخيف لا من جهته ـ عليه‌السلام ـ.

وبيّنا أنّ الحال فيه كالحال في النبيّ ـ عليه‌السلام ـ حين استتر ، فما وجه استبعاد ذلك في حقّ القائم ـ عليه‌السلام ـ.

__________________

(٣٣) سورة العنكبوت ، الآية : ١٤.

(٣٤) تسع. ن خ.

(٣٥) كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : الحائل.

٢٨٤

المقصد الرابع

يشتمل على مباحث :

الأوّل : الملائكة معصومون ، لقوله تعالى : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١).

وقوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢).

وقوله تعالى حكاية عن الملائكة : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (٣).

وهذا يدل على أنّهم بخلاف ما وصفوا به غيرهم من الفساد و (٤) تعمّد المعاصي أجمع.

وما روي في بعض الأخبار من ضدّ ذلك (٥) ، وكذلك ما تضمّنته قصة

__________________

(١) سورة التحريم ، الآية : ٦.

(٢) سورة الأنبياء ، الآية : ٢٠.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٣٠.

(٤) وهو تعمّد. خ ل.

(٥) كقصّة فطرس وأشباهها.

٢٨٥

هاروت وماروت (٦) فقد صرف ذلك عن الظاهر إلى ضرب من التأويل. (٧)

الثاني : فاطمة ـ عليها‌السلام ـ معصومة لقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٨).

ولقوله ـ عليه‌السلام ـ : «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها» (٩).

__________________

(٦) المذكورة ذيل آية ١٠٢ من سورة البقرة في تفسير الميزان ج ١ / ٢٤١.

(٧) قال العلّامة الطباطبائي في الميزان ١ / ٢٤٢ : إنّ هذه الأحاديث كغيرها الواردة في مطاعن الأنبياء وعثراتهم لا تخلو من دسّ دسّته اليهود فيها.

(٨) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.

(٩) في تفسير علي بن إبراهيم ذيل الآية ٥٧ من سورة الأحزاب : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله.

وفي المناقب لابن شهرآشوب ٣ / ١١٢ عن سعد بن أبي وقّاص : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : فاطمة بضعة منّي من سرّها فقد سرّني ، ومن ساءها فقد ساءني.

وفيه أيضا عن عمر بن عبد العزيز قال : سمعت الثقة من الصحابة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فاطمة بضعة منّي ، يرضيني ما أرضاها ، ويسخطني ما أسخطها.

قال ابن شهرآشوب : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا يدل على عصمتها لأنّها لو كانت ممّن تقارف الذنوب لم يكن مؤذيها مؤذيا له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كلّ حال ، بل كان من فعل المستحق ـ من ذمّها وإقامة الحد إن كان الفعل يقتضيه ـ سارّا له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومطيعا.

وفي أمالي الصدوق ٣٩٣ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي إنّ فاطمة بضعة منّي ... يسوؤني ما ساءها ويسرّني ما سرّها.

وفي معاني الأخبار للصدوق عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ فاطمة شجنة منّي ، يؤذيني ما آذاها ويسرّني ما سرّها ، وإنّ الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها. ـ

٢٨٦

ولو واقعت المعصية لجاز أذاها ، لكن أذاها محرّم بالإطلاق على هذا الحديث. (١٠)

الثالث : الباغي على عليّ ـ عليه‌السلام ـ كافر ، ومعنى كفره أنّه لا يستحقّ اسم الايمان ويستحق العقاب الدائم ، لقوله ـ عليه‌السلام ـ : «حربك يا عليّ حربي وسلمك سلمي» (١١) ولا يخرجون بذلك عن اسم الإسلام وحقن المال والدم إذا لم يحاربوا لقوله ـ عليه‌السلام ـ : «امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا

__________________

والشجنة كالغصن يكون من الشجرة.

وفي مجالس المفيد وأمالي الطوسي مثل ما نقلنا من المناقب أوّلا.

وقال في المناقب : عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال : إنّما فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني. أخرجه البخاري. وفي مسلم : إنّما فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.

راجع البحار ج ٤٣ ص ١٩ ـ ٨٠ وصحيفة الرضا ص ٥ وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٤٦ وأمالي الصدوق ص ٢٩٣ و ٣١٣ و ٣٧٧ وكشف الغمّة ١ / ٤٧١ والاحتجاج ٢ / ١٠٣ والمناقب ٣ / ١١٢ وأمالي الطوسي ١ / ٢٤ و ٢ / ٤١ ومجالس المفيد ٩٤ و ٢٥٩ ومعاني الأخبار ٣٠٢ و ٣٠٣ كذا في العوالم ج ١١ ص ٥٢ ـ ٥٨ وذيله.

أقول : هذه الروايات بكثرتها واختلاف عباراتها تدلّ على أنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها مع الحقّ والحقّ معها كما أنّ عليّا ـ عليه‌السلام ـ مع الحقّ والحقّ معه ، لا يفارقان الحقّ ولا يفارقهما الحقّ ، فهما معصومان مطهّران ، وميزانان لتمييز الحقّ عن الباطل. وإذا كان الأمر كذلك ، فلا ريب في بطلان ما فعل الشيخان بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ لو كان ما فعلا حقّا لما خالفتهما الزهراء سلام الله عليها.

(١٠) قد مرّ توضيحه آنفا نقلا عن ابن شهرآشوب في مناقبه. راجع التعليقة الرقم : ٩.

(١١) راجع إحقاق الحق ٦ / ٤٤٠ و ٧ / ٢٩٦ و ١٣ / ٧٠.

٢٨٧

إله إلّا الله ، فإذا قالوا حقنوا دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها» (١٢) فإن حاربوا حلّ قتلهم حتّى يكفّوا ، ويؤخذ من أموالهم ما حواه العسكر خاصّة اقتداء بفعله ـ عليه‌السلام ـ (١٣).

الرابع : الأنبياء أفضل من الملائكة ، وكذلك الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ بوجوه :

الأوّل : طاعة البشر أشقّ من طاعة الملك ، فيكون أكثر ثوابا. أمّا الأولى فلأنّ الإنسان ينازع شهواته إلى الملاذّ المحرّمة ، ويدافع نفراته عن الأوامر اللازمة ، فيحصل مصادمة طبيعية تستلزم المشقّة لا محالة. وأمّا الثانية فلقوله ـ عليه‌السلام ـ : «أفضل العبادات أحمزها» (١٤) أي أشقّها ، لكن غير المعصوم لا

__________________

(١٢) الجامع الصغير ص ١١٠ نقلا عن صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجة والترمذي. وقال السيوطي : هذا الحديث متواتر صحيح.

أقول : في الجامع الصغير : حفظوا (أو عصموا) مكان : حقنوا. فراجع.

(١٣) قال المؤلّف في الشرائع : لا يجوز تملّك شيء من أموالهم التي لم يحوها العسكر لتحقق الاسلام المقتضي لحقن الدم والمال وهل يؤخذ ما حواه العسكر ممّا ينقل ويحول؟ قيل : لا لما ذكرناه من العلّة ، وقيل : نعم عملا بسيرة عليّ ـ عليه‌السلام ـ وهو الأظهر.

أقول : قال صاحب الجواهر : هو جيّد لو ثبت أنّ ذلك سيرة عليّ ـ عليه‌السلام ـ ، ولكن دعواها من المصنّف وغيره معارضة بدعواها من غيره كالشهيد في الدروس وغيره على العكس فراجع الجواهر ٢١ / ٣٤٠.

(١٤) هذه الرواية بلفظ «أفضل الأعمال أحمزها» مشهورة ورواها العلّامة المجلسي ـ ره ـ في البحار ٧٠ / ١٩١ مرسلة وكذا شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح. والمؤلّف نقل هذه الرواية أيضا في بعض كتبه الاخر كالمعارج ص ٢١٥ ـ ٢١٦ والمسائل العزّية ص ١٢٢.

٢٨٨

ينفكّ عن مواقعة مأثم ، فيقصر عن مساواة الملك ، ويبقى المعصوم من البشر راجحا عليه.

الوجه الثاني : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (١٥).

وتقرير هذا الاستدلال من وجهين : أحدهما : أنّ آدم ونوحا أفضل العوالم عدا من جمعتهم الآية فيكونان أفضل من الملائكة ، وكل من قال بذلك قال إنّ الباقي من الأنبياء أفضل. والثاني : أنّ آل إبراهيم وآل عمران عبارة عن ذريّتهما أجمع ، فإذا علمنا خروج من عدا المعصومين منهم تعيّن إرادة الباقي.

الوجه الثالث : النقل المأثور عن أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ بالنصّ الصريح على ذلك.(١٦)

[الخامس :] يجب الاقرار بإمامة الاثني عشر على أهل كلّ زمان ، ولا يجوز جحد أحدهم ، والإخلال بذلك مخرج للمكلّف عن كونه مؤمنا ، ولا يخرج بذلك عن كونه مسلما. ويدلّ على ذلك النقل المتواتر عن أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ : «إنّ من أنكر واحدا من الأحياء فقد أنكر الأموات». (١٧)

__________________

(١٥) سورة آل عمران ، الآية : ٣٣.

(١٦) راجع البحار ج ٦ ص ٢٦٧ باب تفضيلهم ـ عليهم‌السلام ـ على الأنبياء وعلى جميع الخلق وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق ...

(١٧) راجع كمال الدين ٢ / ٤١٠ باب في من أنكر القائم ... ففيه عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : قال من أنكر واحدا من الأحياء فقد أنكر الأموات. والكافي ١ / ٣٧٣ والبحار ٢٣ ص ٩٥.

أقول : أراد المؤلف من التواتر في هذه الرواية التواتر المعنوي فلا تغفل.

٢٨٩

وما رووه عن النبي ـ عليه‌السلام ـ انّه قال : «يا عليّ أنت والأئمّة [من ولدك] بعدي [حجج الله على خلقه] من أنكر واحدا منكم فقد أنكرني». (١٨)

وغير ذلك من الأحاديث ، فليطالع ذلك من كتب الأحاديث. (١٩) ولنقتصر على هذا القدر ليكون سهل الحفظ على الراغب فيه.

تمّ كتاب

المسلك في علم الاصول (٢٠)

بحمد الله ومنّه ...

يوم السبت وقت العصر غرّة شهر ربيع الأوّل سنة تسع وسبعمائة

على يد العبد الضعيف الفقير إلى رحمة ربّه اللطيف ...

غفر الله له ولوالديه ولمن دعا لهم بالرحمة والرضوان.

__________________

(١٨) كمال الدين ٢ / ٤١٣ مع تلخيص.

(١٩) راجع العوالم ج ١٥ / ٣ ومنتخب الأثر للصافي دام عمره وكمال الدين للصدوق الباب المذكور آنفا وغيرها.

(٢٠) في رجال ابن داود : سمّاه كتاب المسلك في اصول الدين. وفي النسخة المخطوطة الوحيدة : كتاب المسلك في علم الكلام كما ترى مصوّرته في أوائل الكتاب.

وهنا كتب كاتب النسخة : تمّ كتاب المسلك في علم الاصول

عباراتنا شتّى وحسنك واحد

وكلّ إلى ذاك الجمال يشير

تمّت هذه التعاليق في ٢٥ صفر المظفر سنة ١٤١٣ ه‍. ق وأنا العبد رضا الاستادي.

٢٩٠

الرّسالة الماتعيّة

٢٩١
٢٩٢

بسم الله الرحمن الرحيم

يجب على كلّ عاقل نشأ بين العقلاء وسمع اختلافهم في اثبات الصانع ونفيه ، وإثبات الثواب والعقاب ، أن يصرف فكرته إلى معرفة ذلك ، بحيث يأمن نزول الضرر المجوّز ، ولن يأمن ذلك إلّا بعد معرفة الله ومعرفة ما يجوز أن يوصف به وما لا يجوز ، وأنّه حكيم لا يفعل القبيح ولا يخلّ بواجب ، وإثبات النبوّة ، ومن يقوم مقام الأنبياء عند عدمهم ، ليهتدي بما سنّ له من الطرق الموصلة إلى النجاة ، فهذه أربعة فصول :

٢٩٣

الفصل الأوّل

في

معرفة الله تعالى

وما يجوز أن يوصف به وما لا يجوز

والطريق الموصل إلى ذلك النظر في أفعاله المختصّة به وهي الجواهر والأعراض المخصوصة ، لأنّه تعالى لا يعرف ضرورة ، لثبوت الشكّ في المعارف قبل النظر ، ولا بالتقليد لأنّ تقليد المحقّ ليس أولى من تقليد المبطل.

وكيفية النظر في أفعاله أنّه يجد (١) بعضها منتقلا في مراتب الحدوث من صغر إلى كبر ، وهو يعلم اضطرارا أنّ ذلك لم يحصل لها من ذاتها وإلّا استوت في المقادير والنشوء.

ويجد بعضها مختلفا في الألوان والطعوم والهيئات ، فيعلم أنّه لا بدّ من خالق لها ... (٢) لاستحالة أن يكون ذلك من ذاتها.

__________________

(١) أي العاقل ، كذا في هامش الأصل.

(٢) هنا كلمة لا تقرأ.

٢٩٤

ويجد الجواهر لا تخلو من الحوادث المتناهية وكلّ ما لا يخلو من الحوادث المتناهية فهو حادث ، وكلّ حادث فله محدث ضرورة.

ثمّ يعلم بواسطة اختلاف الأشياء وتباين أوصافها أنّ مبدعها مختار ، إذ لو كان موجبا لكانت أفعاله واقعة على وجه واحد ، ولدامت بدوامه ، إذ بقاء العلّة موجب لبقاء المعلول ، وفي اختلافها وعدمها بعد الوجود دلالة على اختيار الموجد.

ثمّ يجد العالم محكما مرتّبا على وجه المنفعة المقصودة ، وهو يعلم أنّ المحكم لا يقع اتّفاقا إلّا من عالم به قبل إيقاعه ، كالكتابة المحكمة ، فإنّها لا تقع إلّا من عالم بها ، فيعلم عند ذلك أنّ صانع العالم عالم.

وإذا عرف اتّصافه بهذين الوصفين علم أنّه حيّ موجود ، لأنّ الحيّ هو الذي لا يستحيل أن يقدر ويعلم ، ولأنّ المعدوم يستحيل أن يؤثّر في الموجودات.

فائدة

المعنيّ بكونه قادرا أنّه يصحّ أن يفعل وأن لا يفعل ، والمعنيّ بكونه عالما أنّه متبيّن الأشياء تبيّنا يصحّ معه ايقاع الفعل محكما ، والمعنيّ بكونه حيّا أنّه لا يستحيل كونه قادرا عالما ، والمعنيّ بكونه موجودا أنّ له ذاتا متحقّقة في الأعيان ، وليس له بهذه الأوصاف أحوال زائدة على هذا الاعتبار ، لأنّ هذا القدر يكفي في اطلاق الوصف ، ولا دلالة على ما زاد عليه.

وهذه الأوصاف الأربعة واجبة لذاته المقدّسة إذ لو كانت جائزة لم

٢٩٥

يتّصف بها إلّا لأمر.

ثمّ إن كان ذلك الأمر قديما لزم أن يكون في الوجود قديمان وهو محال ، وإن كان محدثا افتقر إلى محدث ، فإن كان المحدث هو الله تعالى لزم كونه قادرا قبل كونه قادرا وهو محال ، وإن كان غيره تسلسلت العلل أو ينتهي إلى قديم غير الله فيلزم أن يكون في الوجود قديمان وهو محال.

وإذا بينّا أنّها واجبة لزم أن يستحقّها لذاته تعالى لا لمعان توجبها له ، وإلّا لكانت جزء من ذاته فيلزم التركيب في ذاته وهو محال.

وإذا تحقّق أنّ هذه الصفات ذاتيّة وجب أن يكون قادرا على كلّ مقدور وعالما بكلّ معلوم ، لأنّ نسبة ذاته إلى الكلّ بالسويّة ، فيجب أن يكون قادرا على الكلّ لعدم المخصّص.

عقيدة

ويجب أن يوصف بما دلّ عليه القرآن المجيد والسنّة المتواترة ، من كونه سميعا بصيرا مدركا بمعنى كونه عالما بالمسموعات والمبصرات والمدركات ، لا بمعنى إثبات صفته ، ومريدا لافعاله والطاعات من أفعال عباده بمعنى أنّ له داعيا حكميّا إلى فعلها لا بمعنى إثبات أمر زائد على العلم المخصوص ، ومتكلّما بمعنى أنّه خاطب بعض رسله من الأنبياء والملائكة بالحروف والأصوات المعقولة يفعلها ، لا بجوارح وآلات ، ولا بمعنى إثبات معنى قائم بالنفس لأنّه غير معقول ، وإثباته جهالة.

٢٩٦

عقيدة

يجب أن يعلم أنّه تعالى قديم. إذ لو كان محدثا لافتقر إلى محدث ، وتسلسل العلل والمعلولات محال ، فلا بدّ من انتهاء الحوادث إلى قديم. فإذا عرف ذلك عرف استحالة أن يكون تعالى جسما أو عرضا أو حالّا في محلّ ، لأنّ كلّ متّصف بذلك حادث ، وقد وضح أنّه قديم.

وإذا تحقّق اتّصافه بالقدم ، وجب أن لا يشاركه فيه غيره ، إذ لو كان في الوجود قديمان لكان إن لم يتميّز (٣) أحدهما عن الآخر بأمر استحال التعدّد فيهما ، وإن تميّز (٤) أحدهما عن الآخر لزم أن يكون أحدهما مركّبا ممّا به الاشتراك وممّا به الامتياز ، والمركّب لا يكون قديما ، لأنّ القديم لا يكون موجودا إلّا بذاته ، والواجب الوجود لذاته يستحيل أن يكون مركّبا.

عقيدة

إذا عرف أنّه ليس بجسم ولا عرض ، عرف أنّه لا يجوز أن يرى ، لأنّه لو رئي في جهة فهو جسم أو عرض ، وإن رئي من غير مقابلة ولا في جهة كان ذلك غير معقول ، وإثباته جهالة.

ويدلّ على ذلك من القرآن قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ

__________________

(٣) كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : إن لم يتميّزا بتميّز.

(٤) كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : وإن تميّزا بتميّز أحدهما عن الآخر.

٢٩٧

الْأَبْصارُ) (٥) وقوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) (٦) ولن لنفي الأبد. ومن المستحيل أن يراه آحاد الناس ، وموسى ـ عليه‌السلام ـ لا يراه.

عقيدة

يجب أن يعلم أنّه تعالى غنيّ في ذاته وصفاته ، غير محتاج إلى اجتلاب نفع ولا دفع ضرر ، لأنّ اجتلاب النفع إنّما يصحّ على من يصحّ عليه الشهوة والشهوة لا تصحّ إلّا على الأجسام ، تعالى الله عن ذلك.

__________________

(٥) سورة الأنعام : ١٠٣.

(٦) سورة الأعراف : ١٤٣.

٢٩٨

الفصل الثاني

في أنّه تعالى

حكيم لا يفعل قبيحا ولا يخلّ بواجب

إنّك لتعلم حكم العقل في كثير من الأفعال بالقبح (٧) كالظلم والكذب وفي كثير من الأفعال بالوجوب كردّ الوديعة وقضاء الدين ، وفي كثير من الأفعال بالحسن كالصدقة وإرشاد الضالّ.

وتعلم أنّ الكذب إنّما قبح لكونه كذبا لا لأمر سوى ذلك ، وكذلك إنّما وجب ردّ الوديعة لكونه ردّا للوديعة ، تعلم عند ذلك أنّه لا يختلف باختلاف الفاعلين ، بل ممّن وقع الكذب كان قبيحا لحصول الوجه المقتضى قبحه.

وإذا تقرّر ذلك وجب أن يعلم أنّه تعالى لا يفعل قبيحا ولا يخلّ

__________________

(٧) في الأصل : بالقبيح.

٢٩٩

بواجب ، لأنّ القبيح لا يفعله إلّا جاهل بقبحه أو معتقد لاحتياجه إليه ، والأمران منفيّان عنه تعالى.

عقيدة

يجب أن يعلم أنّ العبد فاعل لتصرّفاته ، لأنّه يجد من نفسه ـ وجدانا ضروريا ـ قدرته على الحركة يمنة ويسرة ، وأنّه ليس كالملجإ الذي لا يقدر على الامتناع ، ولأنّه يذمّ على القبيح من أفعاله ويمدح على الحسن منها ، فلو لم يمكن فعلا له لما حسن ذمّه ، كما لا يحسن ذمّه على خلقته وصورته ، ولأنّه لو كانت أفعال المكلّفين أفعالا لله لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد ، ولم يكن لبعثة الأنبياء وشرع العبادات وإنزال القرآن فائدة ، وذلك هدم للدين ومصير إلى قول الملحدين.

عقيدة

ويجب أن يعلم أنّ إرادة القبيح قبيحة لأنّ الذمّ يتعلّق بمريد القبيح كما يتعلّق بفاعله.

وإذا ثبت ذلك وثبت أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح ، ثبت أنّه لا يريد القبيح ، وقول المسلمين : «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» يعنون بذلك من أفعاله خاصّة دون أفعال المكلّفين.

ويشهد لذلك قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (٨) وقوله : (وَمَا اللهُ

__________________

(٨) سورة البقرة : ٢٠٥.

٣٠٠