المسلك في أصول الدّين

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

المسلك في أصول الدّين

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٠

لا يقال : هذه أخبار آحاد فلا يحتجّ بها في الامور اليقينيّة (٩١) لأنّا نقول : لا نسلّم أنّها من قبيل أخبار الآحاد ، بل منها المتواتر ، (٩٢) ومنها المشهور الذي يعضد بعضه بعضا حتّى يستفاد منه اليقين. ولو سلّمنا جدلا أن كلّ واحد منها بعينه واحد ، لكن يتّفق بأجمعها في الدلالة على حصول المعجز ، فنعلم صدور المعجز عنه من مجموعها ، كما يعلم كرم حاتم علما يقينيّا ، وإن كانت مفردات مكارمه آحاد. (٩٣)

وإذا ثبت أنّه ادّعى النبوّة وظهرت المعجزات على يده ، وجب أن يكون صادقا. وتقريره ما مرّ في بحوث مقدّمة هذا الباب.

واعلم أنّ الناس اختلفوا في وجه الإعجاز ، فقال قوم : هو الفصاحة. وقال آخرون : هو الاسلوب. (٩٤) وآخرون : هو مجموع الأمرين. وآخرون : هو

__________________

وفي المناقب لابن شهرآشوب ١ / ١٤٤ : ذكر أنّ له أربعة آلاف وأربعمائة وأربعين معجزة ، ذكرت منها ثلاثة آلاف ، تتنوّع أربعة أنواع : ما كان قبله ، وبعد ميلاده ، وبعد بعثته ، وبعد وفاته وأقواها وأبقاها القرآن ...

(٩١) أي الامور التي لا تثبت بالتعبّد كاثبات الصانع والنبوّة.

(٩٢) وليس لأحد أن يقول : إنّ هذه أخبار آحاد ، وذلك أنّ المسلمين تواتروا بها خلفا عن سلف ، وهي بينهم شائعة ذائعة ، وأكثر هذه المعجزات وقع بحضرة الجمع الكثير ، ثمّ تواتر النقل به. تمهيد الاصول ٣٤٦.

(٩٣) فهذه المعجزات وإن كان كلّ واحد منها مرويا بطريق الآحاد إلّا أنّا نعلم بالضرورة أنّها ليست بأسرها كاذبة ، بل لا بدّ أن يصدق بعضها ، وأيّها صدق ثبت به ظهور المعجز على يده موافقا لدعواه ، وهذا هو المسمّى بالتواتر المعنويّ ، كشجاعة عليّ ـ عليه‌السلام ـ وسخاوة حاتم. قواعد المرام ص ١٣٠.

(٩٤) قال السيّد المرتضى : قال قوم إنّه كان معجزا لاختصاصه بنظم مخالف للمعهود.

أقول : كأنّ كلامه تفسير للاسلوب الذي وقع في كلام غيره. فراجع.

١٨١

سلامته من الاختلاف. (٩٥) واختار المرتضى الصرفة. وذكر أنّ العرب قادرة على مثل فصاحته واسلوبه ، غير أنّ الله تعالى صرفهم عن ذلك. ولعلّ هذا الوجه أشبه بالصواب. (٩٦)

واحتجّ بعض المعتزلة (٩٧) على بطلان القول بالصرفة بأنّه لا وجه يعقل تفسير الصرفة به ، لأنّه إن اريد بها سلب القدرة ، لزم تعذّر النطق بالحروف عليهم ، لأنّ القدرة يتعلّق بجنس الفعل ، ولو لم يقدروا على حروف القرآن لما قدروا على مثلها. وإن اريد بها سلب العلوم ، لزم خروجهم عن العقل ، إذ هو عبارة عن العلوم المخصوصة. وإن اريد به سلب الدواعي ، لزم أن يكون الداعي أمرا (٩٨) زائدا على العلم المخصوص وإذا كان العلم بكون الشيء مصلحة ، لكن قد عرفت أنّ الداعي ليس أمرا زائدا على

__________________

(٩٥) قال الله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) سورة النساء ، الآية : ٨٢.

(٩٦) قال في الذخيرة : وقد حكي عن أبي إسحاق النظّام القول بالصرفة من غير تحقيق لكيفيتها وكلام في نصرتها وإلى هذا الوجه أذهب وله نصرت في كتابي المعروف بالموضح عن جهة إعجاز القرآن. ص ٣٧٨.

ومن الذاهبين إلى القول بالصرفة الشيخ المفيد في أوائل المقالات ص ٣١ ونسب إليه القول بالفصاحة أيضا فراجع ومن الذاهبين إلى القول بالصرفة أيضا أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف ١٠٧ وقال نصير الدين الطوسي في التجريد : واعجاز القرآن قيل لفصاحته ، وقيل لاسلوبه وفصاحته معا ، وقيل للصرفة ، والكلّ محتمل. راجع كشف المراد ٢٠٠.

(٩٧) القائلون بالصرفة من المعتزلة : النظّام ، وأبو إسحاق النصيبي (النصيبيني) وعباد ابن سليمان الضميري وهشام بن عمر الفوطي ، ولكن جمهورهم خالف فيه.

(٩٨) في الأصل : ليس أمرا زائدا ، والظاهر زيادة كلمة «ليس».

١٨٢

العلم المخصوص ، وإذا كان العلم حاصلا لهم كانوا عالمين بأنّ المعارضة مصلحة لهم ، فكان الداعي ثابتا. وإن اريد به المنع من المعارضة مع القدرة والعلم وتوفّر الداعي كان ذلك اشارة إلى ما لا يعقل وجهه وهو باطل.

ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن تكون الصرفة بمعنى إزالة العلوم المعتبرة في الإتيان بمثل القرآن؟ (٩٩)

قوله : «يلزم من ذلك خروجهم عن العقل ، إذ العقل عبارة عن علوم مخصوصة» قلنا : ليس كلّ علم داخلا في حقيقة العقل ، فإنّ العلم بالصناعات خارج عن ذلك ، وكذلك ما نحن فيه ، فلم لا يجوز أن يكون عندهم من العلوم ما يكفي في الاتيان بمثل القرآن ، فعند التحدّي سلب الله ذلك عن جميعهم ، فكان ذلك جهة الإعجاز. والله أعلم. (١٠٠)

__________________

(٩٩) إن قيل : بيّنوا كيفيّة مذهبكم في الصرفة. قلنا : الذي نذهب إليه أنّ الله تعالى صرف العرب عن أن يأتوا من الكلام بما يساوي أو يضاهي القرآن في فصاحته وطريقته ونظمه ، بأن سلب كل من رام المعارضة العلوم التي يتأتّى ذلك بها ... الذخيرة ٣٨٠.

(١٠٠) في نقد المحصّل ص ٣٥١ : إعجاز القرآن على قول قدماء المتكلّمين وبعض المحدّثين في فصاحته ، وعلى قول بعض المتأخّرين في صرف عقول الفصحاء القادرين على المعارضة عن إيراد المعارضة. قالوا : كلّ أهل صناعة اختلفوا في تجويد تلك الصناعة ، فلا محالة يكون فيهم واحد لا يبلغ غيره شأوه ، وعجز الباقون عن معارضته ، ولا يكون ذلك معجزا له ، لأنّ ذلك لا يكون خرقا للعادة ، لكن صرف عقول أقرانه القادرين على معارضته عن معارضته يكون خرقا للعادة ، فذلك هو المعجز.

وراجع إرشاد الطالبين للمقداد ـ ره ـ ص ٣٠٨ ـ ٣١١.

١٨٣
١٨٤

النّظر الرّابع

في الإمامة

١٨٥
١٨٦

النظر الرابع

في الإمامة

وفيه مقدّمة ومقاصد :

أمّا المقدمة فتشتمل على ثلاثة بحوث :

البحث الأوّل : في حقيقة الإمامة ووجوبها.

الإمامة رئاسة عامّة لشخص من الأشخاص بحق الأصل لا نيابة عن غير هو في دار التكليف.

فقولنا : «عامّة» احترازا من الامراء والقضاة. وقولنا : «بحقّ الأصل» احترازا عمّن يستخلفه الإمام نائبا عنه. وقولنا : «لا نيابة عن غير هو في دار التكليف» احترازا من نصّ النبيّ أو الإمام على إمام بعده ، فإنّه لا يثبت رئاسته مع وجود الناصّ عليه.

واعلم أنّ بهذا التفسير تكون لفظة «الإمام» واقعة على النبيّ كما تقع على خليفته حتى يكون كلّ نبيّ إماما ولا ينعكس فيتفاوتان تفاوت العامّ والخاصّ.

واعلم انّ الناس اختلفوا في وجوب الإمامة على ثلاثة أقوال : فمنهم

١٨٧

من لم يوجبها أصلا ، وهم الخوارج (١) مطلقا ، والأصمّ (٢) بتقدير أن لا تظهر الفتن. ومنهم من أوجبها عقلا. ومنهم [من] أوجبها سمعا. والموجبون لها عقلا اختلفوا على قولين : فمنهم من أوجبها دفعا للضرر ، فأوجب نصب الإمام بهذا الاعتبار على المكلّفين ، ومنهم من أوجبها لكونها لطفا في أداء الواجبات واجتناب المقبّحات ، فأوجب نصب الإمام بهذا الاعتبار على الله سبحانه وتعالى ، والأوّل هو مذهب النظّام والجاحظ (٣) والخيّاط (٤) وأبي الحسين البصري ، والثاني مذهب الإماميّة ، وهو الحقّ.

لنا أنّ الامّة مع وجود الإمام تكون أقرب إلى فعل الطاعة ، وأبعد من

__________________

(١) في كشف المراد : ذهب الأصمّ من المعتزلة وجماعة من الخوارج إلى نفي وجوب نصب الإمام ص ٢٠٢.

وفي إرشاد الطالبين ٣٢٧ : ذهب الجمهور من الناس إلى وجوبها خلافا للنجدات من الخوارج والأصمّ وهشام الفوطي من المعتزلة ، إلّا أنّ النجدات والأصمّ قالا : يجوز نصب الإمام حال الاضطراب وعدم التناصف ، ليردعهم عن مفاسدهم وهشاما عكس ، وقال : لا يجوز نصبه حال الاضطراب ، لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى زيادة الشرّ وقيام الفتنة.

(٢) أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم المتوفّى نحو ٢٢٥. طبقات المعتزلة ٥٦ والأعلام ٣ / ٣٢٣.

(٣) عمرو بن بحر الشهير بالجاحظ ورئيس الفرقة الجاحظيّة من المعتزلة له تصانيف كثيرة توفّي ٢٥٥.

(٤) عبد الرحيم محمد بن عثمان أبو الحسين الخيّاط شيخ المعتزلة ببغداد ، تنسب إليه فرقة منهم تدعى «الخياطيّة» توفّي نحو سنة ٣٠٠. طبقات المعتزلة ٨٥ والأعلام ٣ / ٣٤٧ وفيه ابن الخيّاط.

١٨٨

فعل المعصية ، وكلّ ما كان كذلك فهو واجب على الله في الحكمة. أمّا الاولى فاستقراء العوائد يحقّقها ، وأمّا الثانية فقد مرّت في أبواب العدل.

فإن قيل : لا نسلّم أنّ الإمامة لطف في امور الدين ، غاية ما يعلم حصول المضارّ الدنيويّة بفواتها ، ودفع المضارّ الدنيويّة غير واجب على الله سبحانه وتعالى مع تمكينه المكلّف من الاحتراز منها وإرشاده إليها. أمّا كونها لطفا في الامور الدينيّة فهو غير معلوم.

سلّمنا أنّها لطف في الامور الدينيّة ، لكن متى يجب على الله فعل اللطف؟ إذا خلا عن وجوه المفاسد أم إذا لم يخل؟ الأوّل مسلّم ، والثاني ممنوع ، ونحن لا نسلّم أنّها خالية من وجوه المفاسد ، فعليكم أن تثبتوا ذلك.

فإن قلتم : لا نعلم هناك مفسدة. قلنا : لا يكفي عدم علمكم في إيجابها على الله ، فإنّ عدم الدليل لا يدلّ على عدم المدلول (٥) ، ومهما جوّزتم أن تكون هناك مفسدة فقد جوزّتم الإخلال بنصب الرئيس عند حصول ذلك الجائز. لا يقال : يلزم من ذلك أن تكون المعرفة بالله غير واجبة على مذهب من يرى وجه وجوب المعرفة كونها لطفا. لأنّا نقول المعرفة واجبة على المكلّف ، وهو يبنى على وجوب التحرّز من الضرر على الظنّ كما نبنيه على العلم ، وليس

__________________

(٥) في كشف المراد ص ٢٠٣ : إنّ المفاسد معلومة الانتفاء عن الإمامة ، لأنّ المفاسد محصورة معلومة ، إذ لا يجب علينا اجتنابها أجمع وإنّما يجب اجتنابها إذا علمناها لأنّ التكليف بغير المعلوم محال وتلك الوجوه منتفية عن الإمامة فيبقى وجه اللطف خاليا عن المفسدة فيجب عليه تعالى.

أقول : هذا الجواب يناسب قول من ذهب إلى أنّ نصب الإمام واجب على الامّة من باب وجوب اللطف. لا قول الشيعة.

١٨٩

كذلك ما يجب على الله في الحكمة ، فإنّه يطلع على الغيوب ، فلا يجب من الألطاف إلّا(٦) ما يعلم خلوصه عن المفاسد. فالفرق بين البابين واضح.

سلّمنا خلوّها عن المفاسد ، لكن لا نسلّم وجوب ما هذا شأنه على الله ، فانّا لم نسمع دليلكم الدالّ على إيجابه. فإن عوّلتم على الدليل الذي أشرتم إليه في أبواب العدل ، من أنّ الإخلال بذلك نقض لغرض المكلّف سبحانه ، لأنّه إذا عرف أنّ المكلّف يكون أقرب إلى فعل ما أمر به إذا فعل معه فعلا لا يستضرّ الآمر به ، فإنّه بتقدير أن لا يفعله يعد ناقضا لغرضه. قلنا : نحن نطالبكم بدليل هذه الدعوى فإنّكم لم تأتونا بزيادة عنها.

سلّمنا أنّ الإمامة لطف ، وأنّ اللطف واجب على الله ، لكن لا نسلّم مع ذلك وجوب الإمامة ، وإنّما يلزم ذلك بتقدير أن يكون ذلك اللطف متعيّنا ، بحيث لا يقوم غيره مقامه. أمّا إذا احتمل أن يكون هناك لطف آخر يقوم مقام هذا اللطف ، فإنّا لا نسلّم وجوبه ، فعليكم أن تبيّنوا إزالة هذا الاحتمال ليتمّ لكم ما حاولتموه من هذا الاستدلال.

ثمّ إنّا نعارض (٧) ما ذكرتموه بوجوه ثلاثة :

الأوّل : لو وجب نصب الرئيس لكان إمّا مشروطا بانبساط يده أو لا مع ذلك الشرط. والقسمان باطلان. أمّا الملازمة فظاهرة. وأمّا بطلان الأوّل ، فلأنّ الأزمان تنقضي مع أنّا لا نرى إماما منبسط اليد ، متمكّنا من إمضاء الأحكام ، بل لا نعلم وجود مثله. وأمّا الثاني فبطلانه ظاهر ، إذ لا فائدة في

__________________

(٦) في الأصل : وإلّا. والظاهر زيادة الواو.

(٧) المعارضة اصطلاحا هي إقامة الدليل على خلاف ما أقام الدليل عليه الخصم ... التعريفات للسيّد الشريف.

١٩٠

إمام هذا شأنه.

الوجه الثاني : أنّ الغرض بنصب الرئيس تنفيذ الأحكام الشرعيّة ، فيكون نصبه تبعا لها ، وإذا لم يكن الأصل معلوما عقلا فالفرع أولى بذلك.

[الوجه] الثالث : لو كانت الإمامة واجبة على الله تعالى لعلمت الصحابة ذلك أو معظمهم ، لكن لو علموا ذلك لما عوّلوا على نصب رئيس ، ولفحصوا عن ذلك الرئيس الذي نصبه الله ، فلمّا لم يقع ذلك لم يكن ما ادّعته الإماميّة حقّا. لا يقال : لعلّ الصحابة لا تعلم ذلك ، أو إن علمه آحاد منهم لم يتمكّنوا من الاعتراض على الباقين ، كما أنّ النص على عليّ ـ عليه‌السلام ـ كان معلوما وعجز العارفون به عن الاعتراض على المعوّلين على الاختيار. لأنّا نقول : أمّا ذهاب ذلك على جملة الصحابة فبعيد ، إذ يستحيل أن يدّعى أنّ آحاد الإمامية أعرف بطرق النظر من الصحابة أجمع ، وأمّا تمثيل ذلك بالنصّ فظاهر البطلان ، لأنّ ما شهد به العقل يمكن إثباته عند كلّ عاقل ، ولا كذلك ما يدّعيه ناقل النصّ ، لأنّه يخبر بما سمعه فجائز أن يجحد دعواه.

والجواب : قوله : «لا نسلّم أنّ الإمام لطف في امور الدين» قلنا : هذا جحد للمعلوم ، فإنّ كان عاقل يجزم جزما ضروريّا مع تصفّح العادات وارتفاع العصمة عن العوالم بوقوع التنافس والتحاسد والميل إلى الراحة الباعثة على ترك العبادات الشاقّة (٨) ، ويعلم أنّ مع وجود الإمام يكون الناس

__________________

(٨) العلم الضروريّ حاصل بأنّ العقلاء متى كان لهم رئيس يمنعهم عمن التغالب والتهاوش ويصدّهم عن المعاصي ويعدهم ويحثّهم على فعل الطاعات ويبعثهم على التناصف والتعادل كانوا إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد ، وهذا أمر ضروريّ لا يشكّ فيه العاقل. كشف المراد ٢٠٣.

١٩١

إلى زوال ذلك أقرب ، ولا معنى للألطاف الدينيّة ، إلّا ما يكون المكلّف معها أقرب إلى فعل الطاعة ، والمجاحدة عن ذلك من أفحش البهت.

قوله : «متى يجب فعل اللطف إذا خلا عن وجوه المفاسد أو إذا لم يخل؟» قلنا : إذا خلا ، ووجه المفسدة مرتفع هاهنا جزما (٩).

وتحقيق ذلك أنّ المفسدة المفروضة إمّا أن تكون لازمة لذلك اللطف ، أو صادرة عن الإمام ، أو منه تعالى ، أو من المكلّف.

لا جائز أن تكون لازمة للإمامة من حيث هي ، إذ لو كان ذلك للزم محذوران : أحدهما استحالة تصوّر وجود الإمامة منفكّة عن تلك المفسدة ، تحقيقا للزوم. والثاني استحالة أن يأمر بها الشرع عند تحقّق ذلك الفرض ، لكن الشرع آمر بذلك مطلقا.

ولا جائز أن يكون صدورها من الإمام ولا من الله ، لتحقّق العصمة في الإمام ، وارتفاع المفسدة في حقّ الله ، لما تقرّر من أنّه لا يفعل القبيح.

وإن كانت من المكلّف اختيارا ، لم يمنع وجوب الإمامة على الله ، كما لم يمنع ذلك وجوب كثير من الواجبات بتقدير وقوع مفسدة من العبد. فقد تلخّص بهذه الوجوه أنّ الإمامة عريّة عن وجوه المفاسد.

ويمكن أن يقرّر هذا بوجه آخر ، وهو : أنّا نعلم علما يقينا أنّه كيف ما فرض لطف الإمامة ، فإنّه إمّا أن يكون صافيا عن المفسدة ، أو راجحا عليها ، إذ لو جوز خلاف هذين الأمرين لما حكم العقل بوجود الصلاح مع الإمام ، وانتفائه مع عدمه ، حكما مطلقا ، لكن العقل حاكم بذلك مطلقا ، فلا يكون

__________________

(٩) قال المحقّق الطوسي في التجريد : والمفاسد معلومة الانتفاء.

١٩٢

ذلك الاحتمال مؤثّرا في إيجاب ذلك اللطف.

قوله : «لا نسلّم أن اللطف واجب» قلنا : قد بيّنا ذلك.

قوله : «لم تأتوا بزائد على الدعوى» ، قلنا : لا شيء في الدلالة أظهر من برهان يكون مادّته ضروريّة (١٠) ، ونحن قد بيّنا أنّ كلّ عاقل يحاول من غيره أمرا ، يفعل كل ما يحرّك داعي ذلك الغير إلى ذلك الأمر ، إذا لم يكن في فعله عليه مشقّة ، وندّعي أنّ ترك ذلك نقض للغرض ضرورة ، وأنّ نقض الغرض قبيح في العقول ، فمع ذلك لا حاجة إلى مزيد إيضاح عند المنصف.

قوله : «متى يجب لطف الإمامة إذا كان له بدل أو إذا لم يكن؟» قلنا : إذا لم يكن وظاهر أنّه لا بدل له ، يدلّ على ذلك وجهان : أحدهما : أنّه لو كان له بدل لما حكم العقل حكما مطّردا على استمرار الأزمان بكون المكلّفين معه أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية. ولكان العقل يقف في الحكم بذلك على انتفاء البدل ، لكنّ العقل يحكم بذلك مطلقا ، وذلك دليل على عدم البدل. الوجه الثاني : أنّ مع فرض جواز الخطأ على المكلّفين يكون انضياف الإمامة إلى أيّ لطف فرض ادعى إلى وقوع الطاعة وارتفاع المعصية ، ومع انفراد ذلك اللطف المفروض عن الإمامة تكون الحال بالضدّ من ذلك ، فلا

__________________

(١٠) البديهيات ـ وهي اصول القضايا اليقينيّات ـ على ستة أنواع بحكم الاستقراء : أوّليّات ، ومشاهدات ، وتجربيّات ، ومتواترات ، وحدسيّات ، وفطريّات.

والأوليّات هي قضايا يصدق بها العقل لذاتها ، أي بدون سبب خارج عن ذاتها ، بأن يكون تصور الطرفين مع توجّه النفس إلى النسبة بينهما كافيا في الحكم والجزم بصدق القضية. المنطق للمظفر ٣١٤.

والضروريّة في كلام المصنّف هي الأوليّات ظاهرا.

١٩٣

تنقل الإمامة عن كونها لطفا كيف ما كان ، ومع ذلك تجب لأنّه لا يقوم مقامها شيء. اللهم إلّا أن يدّعى لطف ينتهي بالمكلّفين إلى العصمة ، فعند ذلك نسلّم سقوط فرض الإمامة ، إلّا أنّ الموجب للإمامة عقلا إنّما هو جواز الخطأ على المكلّفين.

قوله في المعارضة الاولى : «وجوب الإمامة إمّا أن يكون مشروطا بانبساط يد الإمام أو لا يكون» قلنا : لا يكون.

قوله : «لا فائدة في إمام هذا شأنه» قلنا : لا نسلّم ، بل فيه فوائد أيسرها قيام الحجّة على المكلّفين.

وتحقيق هذا أنّ لطف الإمامة ذو شعب ، فمنه ما يختصّ بالله سبحانه ، كنصب الرئيس ، ومنه ما يختصّ بالإمام ، وهو قبول اللطف ، والقيام بأعباء ما حمّل ، ومنه ما يختصّ بالمكلّف ، وهو الانقياد لأوامر الإمام والمعاضدة له. فلو أخلّ الله سبحانه بنصبه لكان مخلّا بما يجب عليه في الحكمة ، ولما انزاحت علّة المكلّف (١١) ، فيجب أن ينصبه بحيث إذا أخلّ المكلّف بالقبول يكون فوات مصلحته بسوء اختياره. (١٢)

قوله في المعارضة الثانية : «الغرض بنصب الرئيس تنفيذ الأحكام الشرعيّة» قلنا : لا نسلّم ، بل الغرض به تقوية دواعي المكلّفين إلى الطاعة وترك المعصية ، وذلك يعمّ الواجبات والمقبّحات شرعيّة كانت أو عقليّة ، فإذا وجبت الشرعيّات كانت الإمامة لطفا فيها وفي العقليات ، ولو فرض ارتفاع

__________________

(١١) ولما تحقّق إتمام الحجّة على المكلّف.

(١٢) قال المحقّق الطوسي في التجريد : وجوده لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا.

١٩٤

الشرعيّات لكانت الإمامة لطفا في العقليّات.

قوله في المعارضة الثالثة : «لو كان نصب الإمامة واجبا على الله تعالى لعلم ذلك الصحابة أو معظمهم» قلنا : لا نسلّم ، وهذا لأنّ العلم بذلك نظريّ لا ضروريّ ، والامور النظريّة قد تذهب على كثير. نعم لا يذهب ذلك على كلّ الصحابة بل نقول : إنّ فيهم جماعة عرفوا ذلك.

قوله : «لو عرف ذلك الصحابة لما عوّلوا على التعيين على إمام» قلنا : ليس كلّهم فعل ذلك ، وجماعة أنكروا ذلك ، وشهدوا أنّ عليّا ـ عليه‌السلام ـ هو الإمام دون غيره ، وأنشدوا في ذلك الأشعار. (١٣)

قوله : «لو عرفوا ذلك لفحصوا عن ذلك الإمام» قلنا : لا نسلّم ، وهذا لأنّ الصحابة بين عارف بوجوب الإمامة عقلا مقرّ بعين الإمام ، وبين عارف منكر (١٤) ، وبين شاكّ ، فالعارف بوجوب الإمامة وعين الإمام لا يفحص ، والفريقان الآخران لا يفحصان ، هذا لعلمه ، وذلك لجهله.

قوله : «لو عرف ذلك بعض لاعترض على الآخرين» قلنا : قد وقع ذلك.

كما روي أنّ سعد بن عويمر بن ساعدة قال : إنّ الخلافة لا تكون إلّا في أهل بيت النبوّة فاجعلوها حيث جعلها الله. (١٥)

__________________

(١٣) سيأتي في كلام المؤلف أشعار عدّة من الشعراء كالنابغة وعتبة بن أبي لهب وعليّ ابن جنادة وغيرهم ، فانتظر.

(١٤) كالذي قال يوم الغدير : بخّ بخّ لك يا عليّ أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. فهو أعرف الناس بإمامة عليّ ـ عليه‌السلام ـ ، ومع ذلك هو رئيس المنكرين.

(١٥) عويم أو عويمر بن ساعدة الأوسي أحد أعوان أبي بكر وعمر في السقيفة كما بيّنة شيخنا التستري ـ دامت إفاداته ـ في قاموس الرجال ٧ / ٢٥٢. وابنه سهل ـ قائل هذا الكلام ـ لم أجده عاجلا في كتب الرجال فيحتاج إلى تتبّع وتفحّص أكثر.

١٩٥

وكما روي أنّ ستّة من المهاجرين وستّة من الأنصار أنكروا على الجالس بعد النبي ـ عليه‌السلام ـ. (١٦)

وجماعة امتنعوا من بيعته كالعبّاس وعقيل وسلمان وبريدة وأبي حذيفة وغيرهم. (١٧)

__________________

(١٦) في الاحتجاج للشيخ الطبرسي ص ٤٧ الطبع الحجري : عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنى عشر رجلا من المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص ـ وكان من بني اميّة ـ وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمّار ابن ياسر وبريدة الأسلمي ، ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وابيّ بن كعب وأبو أيوب الأنصاري ...

وراجع الخصال للشيخ الصدوق أبواب الاثنى عشر ص ٤٦١.

(١٧) نقل شيخنا التستري ـ دام فيضه ـ في قاموس الرجال ٥ / ٢٣٤ عن ابن قتيبة في خلفائه ما جرى بين العبّاس وأبي بكر وعمر ، فراجع وفيه دليل واضح على امتناعه عن البيعة.

وقال : في تنقيح المقال : روي أنّه لما سمع بريدة بفوت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان في قبيلته ، أخذ رايته فنصبها على باب بيت أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ، فقال عمر : الناس اتّفقوا على بيعة أبي بكر ، ما لك تخالفهم؟ فقال : لا ابايع غير صاحب هذا البيت. راجع قاموس الرجال ٢ / ١٧٢.

وفي الإصابة لابن حجر ٤ / ٤٢ : أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ابن عبد مناف القرشي العبشمي ـ قال معاوية : اسمه : مهشم ، وقيل هشيم وقيل : هاشم وقيل : قيس ـ كان من السابقين إلى الإسلام وهاجر الهجرتين وصلّى إلى القبلتين ...

١٩٦

ويروى أنّ عبادة بن الصامت (١٨) قال :

يا للرجال أخّروا عليّا

أليس كان دونهم وصيّا

وغير ذلك من الأحاديث المتضمّنة للشهادة بعين الإمام المنصوص عليه عن الله سبحانه وعن رسوله ـ عليه‌السلام ـ. (١٩)

لا يقال : هذه الأخبار آحاد ، لأنّا نقول يكفي تجويز صحّتها في تطريق الاحتمال إلى ما استدلّوا به.

ثم نقول : إنّ السبب الذي لأجله لم يتواتر النكير قوّة المنتصبين ، وضعف المعترضين ، وخوف الناقلين. وذلك يوجب الاستتار بالنكير ، فيقع نادرا ، فيقلّ النقل ، ثمّ يعتوره خوف الناقل ، فيكاد يضمحلّ ، لو لا أن يريد الله إظهار الحقّ لعباده. (٢٠)

__________________

أقول : أبو حذيفة هذا كان ممّن أبى عليّا ـ عليه‌السلام ـ كما قيل ، إلّا أن يكون مراد المؤلّف ـ ره ـ من أبي حذيفة غير هذا : راجع العثمانية للجاحظ ص ٦.

وروى الطبري في خطبة عمر في شرح السقيفة : وانّه كان من خبرنا حين توفّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّ عليّا والزبير تخلّفا عنّا في بيت فاطمة ومن معهما ، وتخلّف عنّا الأنصار ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ... راجع قاموس الرجال ٧ / ٢٥٣.

(١٨) كان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين ، وفي خبر الخصال والعيون عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ : هو من الذين مضوا على منهاج نبيّهم ولم يغيّروا ولم يبدّلوا. قاموس الرجال ٥ / ٢٢٥. وراجع الخصال ٤٩٢.

(١٩) سيأتي بعضها في المقصد الأوّل.

(٢٠) (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).

١٩٧

البحث الثاني

في صفات الإمام

ويختصّ الإمام زيادة على غيره من الولاة بصفات أربع :

كونه معصوما ، وأفضل الرعيّة ، ويعلمان عقلا ، وكونه أعلمهم بالشرع بعد التعبّد بالشرع ، وأنّه مقتدى به فيه ، وأشجعهم بعد التعبّد بالجهاد ، وكونه مقدّما فيه.

أمّا كونه معصوما فقد انفرد أصحابنا باعتبار ذلك فيه دون غيرهم من الطوائف عدا الاسماعيليّة (٢١). ويدلّ على اعتبار وجوب العصمة وجوه :

الأوّل : لو لم يكن معصوما لكان جائز الخطأ ، لكن لو كان كذلك لافتقر إلى إمام ، لوجود العلّة المحوجة إليه فيه ، ثمّ الكلام في ذلك الإمام كالكلام في الأوّل ، ولا يتسلسل ولا يدور ، لبطلان كلّ واحد من القسمين ،

__________________

(٢١) قال العلّامة الحلّي ـ ره ـ في أنوار الملكوت ص ٢٠٤ : ذهب أصحابنا الإماميّة ـ رحمهم‌الله ـ إلى وجوب عصمة الإمام ، وهو قول الإسماعيليّة خلافا لجميع الفرق.

والإسماعيليّة فرقة من الإماميّة قالوا بإمامة الستّة وأنّ السابع هو إسماعيل بن جعفر الصادق ـ عليه‌السلام ـ لا موسى بن جعفر ـ عليهما‌السلام ـ وهم عدّة فرق. راجع معجم الفرق الإسلامية.

١٩٨

فتعيّن المصير إلى إمام لا يجوز عليه الخطأ.

فإن قيل : لا نسلّم أنّ العلّة المحوجة إلى الإمام جواز الخطأ على المكلّفين ، بل لم لا يجوز أن تكون العلّة هي دفع المضارّ الدنيوية ، أو الارشاد إلى الأغذية والتمييز بين نافعها وضارّها ، أو الهداية إلى العقائد ، أو غير ذلك من الفوائد.

سلّمنا أنّ العلّة هي جواز الخطأ ، لكن لا نسلّم أنّه يلزم من ذلك الانتهاء إلى إمام معصوم ، بل ما المانع أن يكون في الزمان إمامان كلّ منهما يستدرك على صاحبه خلله ، ثمّ لا يلزم الدور المحال إذ لا يتّفق خطؤهما في شيء واحد. وهذا وإن لم يصر إليه ذاهب فإنّه ممكن ، وإذا أمكن لم يكن إيجاب الانتهاء إلى معصوم لازما على الاستمرار.

سلّمنا أنّه لا بدّ من معصوم ، فلم لا يكون ذلك هو الامّة؟ فإنّ النبيّ ـ عليه‌السلام ـ أخبر أنّها لا تجتمع على خطأ (٢٢) ، فحينئذ يكون الإمام

__________________

(٢٢) حديث لا تجتمع أمّتي على الخطأ أو على الضلالة أقوى ما ينبغي أن يعتمد عليه من النقل لحجيّة الاجماع لاشتهاره وتعويل معظم العامّة ولا سيما أوائلهم عليه ، وتلقّيهم له بالقبول ، وادعاء جماعة منهم تواتره معنى ، وموافقة العلّامة من أصحابنا على ذلك في أوائل المنتهى ، وادّعاؤه في آخر المائة الاولى من كتاب الالفين أنّه متّفق عليه أي بين الفريقين ، وتعداده في القواعد من خصائص نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عصمة أمّته بناء على ظاهر هذا النبوي ، وكذا في التذكرة مع التصريح بعصمتهم من الاجتماع على الضلالة ، ووروده من طرق أصحابنا أيضا ، ففي الاحتجاج مرسلا عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ عن أبيه عن جدّه ـ عليهم‌السلام ـ في حديث : انّ أبا بكر احتجّ على حقّية إمامته بحديث : إنّ الله لا يجمع أمّتي على ضلال ، فردّ عليه أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ حجّته بعدم تحقّق الاجماع لا بانكار أصل ـ

١٩٩

سائسا (٢٣) للجميع فإن هفا (٢٤) أو أخطأ أخذت الامّة على يده وتداركت خطأه.

سلّمنا ذلك لكن ما ذكرتموه معارض بوجوه : أحدها : لو كانت العصمة معتبرة في الإمام لزم اعتبارها في القضاة وولاة البلدان ، لكن ذلك باطل بالإجماع. الثاني : لو كانت العصمة معتبرة في الإمام لكانت من أعظم الحجج لخصوم المنتصبين للإمامة من الصحابة والتابعين ، لأنّ المنتصبين للإمامة لم يدّع أحدهم العصمة ، ولمّا لم يعترض أحد من الخصوم بذلك ، دلّ على أنّه ليس بمعتبر ، إلّا أن يقول قائل : إنّ الإماميّة عرفت من شروط الإمامة ما لم يهتد إليه أحد من الصحابة والتابعين ، لكن في ذلك من المأخذ ما فيه. الثالث : لو وجبت عصمة الإمام لوجبت عصمة الجند والأعوان ، لكن ذلك باطل بالإجماع. أمّا الملازمة ، فلأنّ لطف الإمامة لا يتمّ إلّا بمساعدة الأعوان ، فإذا كان الأعوان جائزي الخطأ أمكن المخالفة ، فيحتاج إلى

__________________

الخبر ... وفي تحف العقول مرسلا عن الهادي ـ عليه‌السلام ـ في رسالته الطويلة في مسألة الجبر والتفويض إنّه ـ عليه‌السلام ـ استدلّ بحديث : لا تجتمع أمّتي على ضلالة. راجع كشف القناع ص ٦.

أقول : ولكن أين إجماع الامّة ، وهل يكون إجماع نفر يسير اجماع الامّة؟!! ومن مصادر الحديث سنن ابن ماجة ١٣٠٣ وفيه عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ أمّتي لا تجتمع على ضلالة ...

ولا يمتنع أن يكون الخبر قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجزوما يعني نهاهم أن يجتمعوا على خطأ ... تمهيد الاصول ٣٥٨.

(٢٣) في هامش الأصل : أي حافظا.

(٢٤) في هامش الأصل : أي عثر.

٢٠٠