تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٤

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٤

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٩١

عبد الله بن ابىّ ، وعن الكاظم (ع) انّ الله تبارك وتعالى سمّى من لم يتّبع رسوله (ص) في ولاية علىّ (ع) وصيّه منافقين ، وجعل من جحد وصيّه إمامته كمن جحد محمّدا (ص) وانزل بذلك قرآنا فقال : يا محمّد إذا جاءك المنافقون بولاية وصيّك قالوا نشهد انّك لرسول الله والله يعلم انّك لرسوله والله يشهد انّ المنافقين بولاية علىّ لكاذبون ، اتّخذوا ايمانهم جنّة فصدّوا عن سبيل الله والسّبيل هو الوصىّ انّهم ساء ما كانوا يعملون ، ذلك بانّهم آمنوا برسالتك وكفروا بولاية وصيّك فطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ، يقول : لا يعقلون نبوّتك ، وإذا قيل لهم : ارجعوا الى ولاية علىّ (ع) يستغفر لكم النّبىّ (ع) من ذنوبكم لوّوا رؤسهم قال الله ورأيتهم يصدّون عن ولاية علىّ (ع) وهم مستكبرون عليه ، ثمّ عطف القول بمعرفته بهم فقال : سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم انّ الله لا يهدى القوم الفاسقين يقول الظّالمين لوصيّك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) فانّ القلب للطافته يران عليه ويقسيه اشتغاله بالكثرات الخياليّة وذكر الله يجلوه عن الرّين ، فلو اشتغل الإنسان بالأموال والأولاد فاذا كان ذاكرا لله صار الذّكر جاليا لقلبه عن الرّين ، وإذا كان غافلا عن ذكر الله صار الرّين متراكما على قلبه بحيث يتشكّك اوّلا ثمّ يكفر وينافق (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لاتلاف بضاعتهم وعدم أخذ العوض له (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) من الأموال والقوى والاعراض ، ومن نسب الأفعال والأوصاف الى أنفسكم ، ومن انانيّاتكم (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) فيؤخذ جميع ذلك منكم فلا تروا شيئا ممّا تنسبونه الى أنفسكم (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) يعنى الى مدّة قريبة من هذه المدّة ان كان هذا القول حال الاحتضار ، أو من مدّة قريبة من وقت الموت ان كان هذا القول في القيامة أو في البرزخ (فَأَصَّدَّقَ) فأتصدّق ممّا ينبغي ان يتصدّق منه (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) مجزوم معطوف على مجموع الفاء وما بعده فانّه واقع موقع المضارع المجزوم في جواب لو لا ، وقرئ منصوبا عطفا على ما بعد الفاء ، ومرفوعا بتقدير انا أكون من الصّالحين (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ) جملة حاليّة ورفع لتوهّم انّه يجوز التّأخير أم لا (نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها) إذا قدّر مجيء أجلها ، عن الباقر (ع) انّ عند الله كتبا موقوفة يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، فاذا كان ليلة القدر انزل الله فيها كلّ شيء يكون الى مثلها فذلك قوله : ولن يؤخّر الله نفسا إذا جاء أجلها إذا انزل الله ، وكتبه كتاب السّموات وهو الّذى لا يؤخّره (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) تهديد للمنافقين والكافرين ، أو ردع وزجر للكافر في القيامة.

سورة التّغابن

مدنيّة ، وقيل : مكّيّة غير ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ) (الى آخر السّورة) ثماني عشرة آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ) اى ما ينبغي ان يملك (وَلَهُ الْحَمْدُ)

١٨١

اى ما ينبغي ان يوصف الكامل به (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على استنطاق الأشياء بالتّسبيح وهذه تعداد الأوصاف الجميلة واشارة الى علّة تسبيح الأشياء له ، ولكونها تعدادا لاوصافه الحميدة قال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) بدون العاطف والمعنى فمنكم مؤمن بالولاية ، ومنكم كافر بالولاية كما مرّ مرارا انّ مناط الكفر والايمان معرفة الولاية وإنكارها ، وعن الصّادق (ع) انّه سئل عن هذه الآية فقال : عرّف الله ايمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم (ع) وهم ذرّ (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تهديد للكافر وترغيب للمؤمن (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) فلم يكن أسباب السّماوات والأرض الّتى بها ايجادكم وابقاؤكم الّا لأمر حقّ وغاية شريفة متقنة لا لهذه الغايات الدّنيّة الباطلة الّتى هي وصول القوى الشّهويّة والغضبيّة والشّيطانيّة الى مستلذّاتها فلا تقطعوا غاياتكم الشّريفة ولا تبطلوا ذواتكم (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) لتكونوا مقرّبين له فانّه خلقكم وصوّركم مشتملين على جميع ما في عالم الأمر والخلق بل على جميع ما في العالم الإلهيّ لتصيروا بطرح الطّوارى عن وجوه ذواتكم بشأنه تعالى وتصيروا احقّاء بقربه فلا تبطلوا ذواتكم دون الوصول الى غاياتكم (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) اى مصيركم ترغيب وتهديد يعنى استعدّوا للحضور عنده وتهيّؤا للوصول اليه بأحسن الوجوه (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) تهديد وترغيب (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) قد مضى أمثال هذه الآية مع تفسيرها مكرّرا (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) ايّها النّاس (نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) فتعتبروا بأحوالهم وترتدعوا عن مثل أفعالهم (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) في الدّنيا فاحذروا عن مثل أفعالهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) كما جاءكم رسولكم بالبيّنات (فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) مثل ما تقولون لو شاء الله ان يرسل رسولا لأنزل ملائكة (فَكَفَرُوا) بالرّسل مثلكم (وَتَوَلَّوْا) عنهم وعن بيّناتهم وعن التّدبّر فيها (وَاسْتَغْنَى اللهُ) عنهم يعنى استغنى الله في مظاهر رسلهم (ع) بمعنى استغنى الرّسل عنهم وعن الاعتداد بهم فلم يكن من قبلهم استعداد لقبول الايمان ولم يكن من قبل الرّسل دعوة لهم (وَاللهُ غَنِيٌ) عنهم وعن عبادتهم وعن ايمانهم (حَمِيدٌ) في نفسه عرف أم لم يعرف ، حمد أم لم يحمد (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ فَآمِنُوا) يعنى إذا كنتم تبعثون فآمنوا (بِاللهِ) الّذى تبعثون اليه (وَرَسُولِهِ) الّذى يعلّمكم طريق الايمان به (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) والنّور المنزل هو ولاية علىّ (ع) الّتى كانت مع كلّ بنىّ سرّا ومع محمّد (ص) سرّا وجهرا ، وقد فسّر في الاخبار بالامامة وبالإمام ، وسئل الباقر (ع) عن هذه الآية فقال : النّور والله الائمّة (ع) ، لنور الامام في قلوب المؤمنين أنور من الشّمس المضيئة بالنّهار ، وهم الّذين ينوّرون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشيهم بها.

اعلم ، انّ النّور هو الّذى ظهر بذاته وأظهر غيره وهذا حقّ الوجود فانّه الظّاهر بذاته بحيث انّه أقدم البديهيّات واوّل المدركات ، وبعد تعيين المفهوم هو اوّل المسؤلات ، فانّ السّؤال بما الشّارحة الّذى هو سؤال عن مفهوم اللّفظ مقدّم على السّؤال بهل البسيطة ، وبعد تعيين مفهوم اللّفظ لا يسأل الّا بهل البسيطة وبعد السّؤال بهل البسيطة يكون سائر السّؤالات ، ومعنى كونه مظهرا للأشياء انّه لا ظهور لشيء من الأشياء على مدرك من المدارك الّا بالوجود ،

١٨٢

والوجود الظّاهر بذاته المظهر لغيره هو المشيّة الّتى هي فعل الحقّ الاوّل تعالى وإضافته الى الأشياء وهي الولاية المطلقة الّتى جميع الولايات الجزئيّة حصص منها وكلّ موجود موجود بها وكلّ ظاهر ظاهر بها حتّى النّور العرضىّ الّذى به يظهر السّطوح والاشكال والألوان ، فانّه لو لا الوجود لما ظهر ذلك النّور على الأبصار ولما أظهر الأشياء ، وكلّ امام لمّا صار متّصلا بالمشيّة نحو اتّصال في الصّعود بعد ما كان متّصلا بها مثل سائر الأشياء في النّزول وبذلك الاتّصال يؤثّر فيمن اتّصل به ويفيده فعليّة وجوديّة في الصّعود لم تكن له تلك الفعليّة وبتلك الفعليّة يظهر عليه وجوده وفسّروا النّور بالإمام قبل الاتّصال بالإمام ، وتلك الفعليّة وجود حادث في فعليّات هذا المتّصل ومقوّمة لسائرها ومحيطة بها ، وهي الايمان الدّاخل في قلب المؤمن بالبيعة الخاصّة الولويّة ، وبتلك الفعليّة يظهر على المؤمن السّالك دقائق أخلاقه الّتى هي ادقّ من الشّعر وأخفى من دبيب النّملة السّوداء على الصّخرة الصمّاء في اللّيلة الظّلماء ، ويظهر عليه مثل هذا الشّرك الخفىّ ولم تكن تظهر عليه أمثال هذه قبل ذلك ، ولم تكن تظهر بنور الشّمع والسّراج ، ولا بنور الكواكب والقمر ، ولا بنور الشّمس الّتى هي أنور ، ولمثل هذا النّور وهذا الظّهور قد يرى المؤمن نفسه أسوء من كلّ مسيء واشدّ ذنبا من كلّ مذنب ، وقد يصير مبغضا لنفسه اشدّ بغض ، ولمثل هذا الظّهور يصير الدّنيا سجنا له ، هذا هو الظّهور العلمىّ والحالىّ الوجدانىّ ، وقد يظهر الامام بصورته الملكوتيّة النّورانيّة على صدر السّالك وهذا الظّهور هو ظهور القائم (ع) في العالم الصّغير وحينئذ تشرق ارض وجود السّالك بنور ربّه إشراقا اشدّ من اشراق ارض العالم الكبير بنور الشّمس ولشدّة الاشراق لا ترى فيها عوجا ولا امتا ، ويومئذ تحدّث اخبارها ، وأخرجت أثقالها ، فعليكم بالاتّصال بهذا النّور فان لم يظهر عليكم الامام بصورته الملكوتيّة فلا اقلّ من ظهور الرّذائل والخصائل بنوره ولا اقلّ من ادراك قبح الرّذائل ثمّ الانزجار منها وادراك حسن الخصائل ثمّ الرّغبة فيها والطّلب لها (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ترغيب وتهديد (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) ظرف لخبير أو لا ذكروا مقدّرا كأنّه قيل : فما نفعل حتّى يستقيم ايماننا بهذا النّور؟ ـ فقال : اذكروا حضوركم عند ربّكم حتّى يسهل عليكم الايمان بهذا النّور وتستقيموا على الايمان به (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) يوم ظهور غبن المغبون ، أو يوم غبن أهل الجنّة أهل النّار بنزولهم منازل أهل النّار في الجنّة ، وفي الخبر يوم يغبن أهل الجنّة أهل النّار (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) اىّ صالح كان حتّى يظهر بعمل صالح ما صحّة ايمانه أو يعمل صالحا عظيما هو قبول الولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) قد مضى الآيتان مكرّرتين (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ان كان من يؤمن بالله ويعمل صالحا كذا وكذا في الآخرة فلم يصيبهم المصائب في الدّنيا؟ ـ فقال : اصابة المصيبة لا تكون الّا بإذن الله ، وليست الّا لحكمة تكميل المؤمن ، أو كأنّه قيل : كأنّ كفر الكافر ليس بإذن الله؟ ـ فقال : ما أصاب من مصيبة الّا بإذن الله غاية الأمر انّ مصيبة المؤمن تكون تكميلا له ، ومصيبة الكافر أو كفره كانت باستعداده السّابق ونقمة له (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) بالبيعة العامّة (يَهْدِ قَلْبَهُ) للايمان الخاصّ والبيعة الخاصّة ، أو من يؤمن بالله بالبيعة الخاصّة يهد قلبه الى العلم بانّ اصابة المصائب ليست الّا بإذن الله ، عن الصّادق (ع) انّ القلب ليترجّج (١) فيما بين الصّدر والحنجرة حتّى يعقد على الايمان ، فاذا عقد على الايمان قرّ وذلك قول الله عزوجل : ومن يؤمن بالله يهد قلبه (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيعلم القلوب وايمانها وسائر أحوالها (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في جميع ما قالاه لكم أو في خصوص ولاية علىّ (ع) وهذا هو المنظور ، فانّ المقصود من طاعة الله ورسوله (ص) في سائر ما امر رسوله (ص) انتهاء الطّاعة الى قبول

__________________

(١) اى يتزلزل وترجرج تحرّك واضطرب.

١٨٣

الولاية لانّها المنظور من كلّ منظور ، والمطلوب من كلّ مطلوب (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) عن الله ورسوله فلا يرد عليه شين من ذلك (فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقد بلّغ رسالته أو احكام رسالته أو ولاية خليفته (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) لانّ الايمان يقتضي الإقرار بان لا مبدء لحادث من الحوادث الّا الله ، وهذا الإقرار يقتضي التّوكّل عليه والتّوسّل به ؛ وترك التّوسّل والتّوكّل على غيره ، ولمّا كان الاشتغال بالكثرات مطلقا مانعا للقلب عن التّوجّه الى الله والاشتغال بطريق الولاية وكان الايمان بالنّور الّذى هو الولاية امرا مهمّا مرغوبا فيه ، وكان الاشتغال بما يكون القلب متعلّقا به من الكثرات اشدّ منعا وأكثر تأثيرا في ذلك خصوصا الأزواج والأولاد لشدّة تعلّق القلب بهما نادى المؤمنين تلطّفا بهم وحذّرهم عن التّعلّق بهما ، ثمّ أمرهم بالعطوفة عليهما فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) يعنى انّ بعض الأولاد والأزواج يكونون معينين لكم في امر آخرتكم ويكونون محبّين لكم في ذلك ، لكنّ البعض الآخر يكونون أعداء لكم في امر آخرتكم لا سيّما إذا كانوا مخالفين أو موافقين في جهة الدّنيا لا في جهة الآخرة سواء ظهر منهم عداوة في الظّاهر أو لم يظهر (فَاحْذَرُوهُمْ) ولا تخالفوا امر الله في رضاهم ولكن لا تدعوهم الى أنفسهم وادعوا الله لهم واطلبوا من الله المغفرة لهم (وَإِنْ تَعْفُوا) عن مسيئهم (وَتَصْفَحُوا) بتطهير القلوب عن الحقد عليهم (وَتَغْفِرُوا) مساويهم يغفر الله لكم ويرحمكم أو يغفر الله لكم ولهم ويرحمكم وايّاهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) نسب الى الباقر (ع) في هذه الآية ، انّ الرّجل كان إذا أراد الهجرة الى رسول الله (ص) تعلّق به ابنه وامرأته وقالوا : ننشدك الله ان تذهب عنّا وتدعنا فنضيع بعدك ، فمنهم من يطيع اهله فيقيم فحذّرهم الله أبناءهم ونساءهم ونهاهم عن طاعتهم ، ومنهم من يمضى ويذرهم ويقول : اما والله لئن لم تهاجروا معى ثمّ يجمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبدا ، فلمّا جمع الله بينه وبينهم امره الله ان يحسن إليهم ويصلهم فقال : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ) الّتى امر الله بحفظها (فِتْنَةٌ) لكم اى اختبار أو فساد أو عذاب لكم (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لمن آثر طاعة الله على محبّة الأموال والأولاد ، أو لمن حفظهما بأمر الله وتوجّه إليهما لله وتحمّل مشاقّ حفظهما ومشاقّ تربية الأولاد وتنمية الأموال لله ، عن أمير المؤمنين (ع) : لا يقولنّ أحدكم : اللهمّ انّى أعوذ بك من الفتنة لانّه ليس أحد الّا وهو مشتمل على فتنة ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلّات الفتن فانّ الله يقول : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) وقد مضى هذه الآية في سورة الأنفال (فَاتَّقُوا اللهَ) في تعلّق القلب بالكثرات وفي ترك الكثرات وطرحها وفي الانتقام من الأزواج والأولاد أو الحقد عليهم ، أو إذا كان الله عنده أجر عظيم فاتّقوا الله في جميع أوامره ونواهيه (مَا اسْتَطَعْتُمْ) فانّ الله لا يكلّف نفسا الّا وسعها (وَاسْمَعُوا) منه أوامره ونواهيه على السنة خلفائه (وَأَطِيعُوا) رسوله (ص) (وَأَنْفِقُوا) من أموالكم واعراضكم وقواكم ونسب الأفعال والأوصاف الى أنفسكم وانانيّاتكم (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) صفة مفعول مطلق ، أو هو مفعول به لانفقوا ، أو مفعول لمحذوف اى أنفقوا وأدركوا خيرا ممّا تنفقون لأنفسكم وهو النّعيم الباقي الاخروىّ ، أو خبر لكان محذوفا اى أنفقوا يكن الإنفاق خيرا لأنفسكم (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قد سبق هذه الآية في سورة الحشر (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) قد مضى الآية مع بيانها

١٨٤

في سورة البقرة (وَاللهُ شَكُورٌ) ومقتضى شكوريّته ان يضاعف المقرض عوض قرضه (حَلِيمٌ) لا يعاجل بالمؤاخذة من لم يقرض (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

سورة الطّلاق

مدنيّة ، احدى عشرة آية ، وقيل : اثنتا عشرة آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّبِيُ) نداء وخطاب له تشريفا له ولكنّ المقصود بالحكم أمّته ولذلك أشرك الامّة في الخطاب معه حين الحكم (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) في عدّتهن ، والعدّة هاهنا هي الطّهر كما عن الباقر (ع) : العدّة الطّهر من المحيض (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) اى مدّة التّربّص وهي ثلاثة قروء في ذوات القرء ، وثلاثة أشهر في ذوات الأشهر ، ووضع الحمل في الحامل (وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) في التّضييق عليهنّ حتّى يضطررن الى الفداء للطّلاق ، أو في تطويل المدّة والعدّة ، أو في حبسهنّ بعد العدّة ، أو في عدم طلاقهنّ وابقائهنّ بلا قسامة (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) بعد الطّلاق حتّى تنقضي عدّتهنّ (وَلا يَخْرُجْنَ) بانفسهنّ لعلّ الله يجعل بينهنّ وبين أزواجهنّ تعاطفا والفة ، وعن الكاظم (ع) انّما عنى بذلك الّتى تطلّق تطليقة بعد تطليقة فتلك الّتى لا تخرج ولا تخرج حتّى تطلّق الثّالثة ، فاذا طلّقت الثّالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها ، والمرأة الّتى يطلّقها الرّجل تطليقة ثمّ يدعها حتّى يخلوا أجلها فهذه أيضا تقعد في منزل زوجها ولها النّفقة والسّكنى حتّى تنقضي عدّتها (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) المراد بالفاحشة هاهنا الزّنا أو أذاها لأهل الرّجل وسوء خلقها ، أو اشرافها على الرّجال ، أو سلاطتها على زوجها ، أو مساحقتها وقد أشير الى كلّ في الاخبار (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) حدود حماه واحكامه المقرّرة لعباده (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي) يا محمّد (ص) ، أو يا من يتأتّى منه الخطاب ، أو الفاعل راجع الى النّفس في نفسه ، أو الى المطلّقة المستفادة بالتّضمّن (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ) الطّلاق أو بعد ذلك البقاء في بيوت أزواجهنّ (أَمْراً) وهو رغبة الزّوج في المطلّقة ورجوعه إليها ، وهذا هو علّة التّربّص وعدم الخروج من بيوتهنّ (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) اى قاربن من آخر مدّتهنّ (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) اى راجعوهنّ وأمسكوهنّ في بيوتكم مع ان تحسنوا صحبتهنّ وقسامتهنّ (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) بنحو يعدّه العقل والعرف حسنا بان تدعوهنّ يخرجن من بيوتكم ويتزوّجن بغيركم (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) على الطّلاق أو على الطّلاق وعلى الإمساك يعنى الرّجوع إليهنّ (وَأَقِيمُوا) ايّها الشّهود (الشَّهادَةَ لِلَّهِ) لابتغاء مرضاة الله لا لرضا المشهود له ، أو للاعراض والأغراض الدّنيويّة (ذلِكُمْ) الأمر بالطّلاق في الطّهر وإحصاء العدّة وعدم إخراج المطلّقات والإمساك بالمعروف أو المفارقة بالمعروف (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فانّه الملتفت لحكمه ومصالحه والطّالب لان يأتمر بأوامر الله

١٨٥

(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) في خلاف أوامره ونواهيه والتّجاوز عن حدوده (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) من شبهات الدّنيا ومن غمرات الموت وشدائد يوم القيامة ومن كلّ فتنة ومن كلّ بليّة في الدّنيا أو الآخرة وقد أشير الى كلّ في الاخبار ، ولعلّ اطلاق المخرج كان لتعميمه لكلّ ما يمكن ان يصدق عليه ، وعن الصّادق (ع) عن آبائه عن علىّ (ع): من آتاه الله برزق لم يخط اليه برجله ، ولم يمدّ اليه يده ، ولم يتكلّم فيه بلسانه ، ولم يشدّ اليه ثيابه ، ولم يتعرّض له كان ممّن ذكره الله عزوجل في كتابه : ومن يتّق الله (الآية) ، وعنه (ع) انّ قوما من أصحاب رسول الله (ص) لمّا نزلت هذه الآية أغلقوا الباب وأقبلوا على العبادة وقالوا : قد كفينا فبلغ ذلك النّبىّ (ص) فأرسل إليهم فقال : ما حملكم على ما صنعتم؟ ـ فقالوا : يا رسول الله (ص) تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة ، فقال : انّه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطّلب (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) عن الصّادق (ع) : هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس عندهم ما يتحمّلون به إلينا فيستمعون حديثنا ويقتبسون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم حتّى يدخلوا علينا فيسمعوا حديثنا فينقلوه إليهم فيعيه هؤلاء ويضيعه هؤلاء فأولئك الّذين يجعل الله عزوجل لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون ، ولا يخفى تعميم الرّزق للرّزق النّباتىّ والحيوانىّ والانسانىّ (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في أمور دنياه وآخرته لانّ التّوكّل عبارة عن الخروج عن ارادة النّفس وانتفاعه والايتمار بأمر الله من دون النّظر الى غاية نافعة من امره تعالى وامتثاله للنّفس ، وهذا المعنى لا ينافي الجدّ في مكاسب الدّنيا أو عبادات العقبى كما يظنّ (فَهُوَ حَسْبُهُ) لكمال علمه وقدرته واحاطته (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) الى ما يريد من غير مانع يمنعه ومن غير عجز له (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فما لنا نرى المتوكّلين على الله لا يكفى مهمّاتهم؟ ـ فقال : قد جعل الله لكلّ شيء قدرا تقديرا في عالم التّقدير ، أو مقدّرا لا يتجاوز عنه ، ولذلك : لا يعجّل كفاية أمور المتوكّلين ، أو هو أيضا تعليل للأمر بالتّوكّل (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ) بانقطاع الحيض عنهنّ لمرض أو حمل أو لكبر لكن لم يبلغ كبرهنّ الى خمسين أو ستّين ، أو كان بلوغهنّ مشكوكا فيه ، وامّا اللّائى يئسن من المحيض بسبب البلوغ الى الخمسين أو السّتّين فلا يصبرن بعد التّفريق ثلاثة أشهر ولا يعتددن من الطّلاق أصلا ولذلك قال (إِنِ ارْتَبْتُمْ) في كبرهنّ وبلوغهنّ الى سنّ من لا تحيض (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) بعد ولكنّهنّ بلغن سنّ من تحيض فعدتهنّ ثلاثة أشهر مثل من قطع حيضهنّ ولم يبلغن خمسين أو ستّين (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ) اى مدّة عدّتهنّ أو آخر عدّتهنّ (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) وبيان الطّلاق وكيفيّة واقسامه مذكورة في الكتب الفقهيّة (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) في امر النّساء ، أو في احكام الطّلاق ، أو في الرّفق بهنّ وعدم الاقدام على الطّلاق ، أو في مطلق احكام الله (يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) في الدّنيا أو في الدّنيا والآخرة (ذلِكَ) المذكور من امر النّساء أو من امر الطّلاق والعدّة (أَمْرُ اللهِ) اى حكمه (أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) تأكيد للسّابق واشارة الى غاية اخرى ، أو الاوّل اشارة الى التّقوى في امر النّساء ، والثّانى الى التّقوى في مطلق احكام الله (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) الّتى وقعت منه قبل التّقوى أو بالخطاء (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) في الآخرة (أَسْكِنُوهُنَ) اى أسكنوا المطلّقات اللّاتي لا يخرجن من بيوتكم (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) يعنى لا تجعلوا مساكنهنّ أدون من مساكنكم (مِنْ وُجْدِكُمْ) ممّا تجدون لسكناكم (وَلا تُضآرُّوهُنَ) في السّكنى أو لا تضارّوهنّ من جهة اخرى غير السّكنى (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) فتلجئوهنّ الى

١٨٦

الخروج من مساكنكم (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) يعنى انّ الرّجعيّات اللّاتى عليهنّ البقاء في بيت الزّوج لهنّ النّفقة والبائنات لا نفقة لها الّا ان يكنّ حاملات فلهنّ النّفقة حتّى يضعن حملهنّ (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) أولادكم بعد وضع الحمل وانقطاع علاقة النّكاح (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) على الإرضاع لكم (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) يعنى ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف في الإرضاع وفي إيتاء الأجر (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) اى تضايقتم ايّها الآباء عن إتمام الاجرة وإيفاء ما هو حقّ الامّهات من الأجور ، وايّتها الامّهات من المساهلة في مقدار الاجرة (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) مرضعة اخرى وهو عتاب للآباء على المضائقة في الاجرة ومقدارها ، وللامّهات على المضائقة المزبورة (لِيُنْفِقْ) على ما ينبغي ان ينفق عليه من النّفس والأولاد والآباء والأزواج وسائر من تحت اليد من العبيد والإماء والخدم والمطلّقات الرّجعيّات والبائنات الحاملات ، أو لينفق على المطلّقات الرّجعيّات والبائنات الحاملات ، أو على البائنات الحاملات ، أو على البائنات الخارجات عن العدّة المرضعات للأولاد (ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ) وضيق في المعيشة (يُسْراً) وسعة في المعيشة ، روى عن الصّادق (ع) انّه سئل عن الرّجل الموسر يتّخذ الثّياب الكثيرة الجياد والطّيالسة والقمص الكثيرة يصون بعضها بعضا يتجمّل بها أيكون مسرفا؟ ـ قال : لا ، لانّ الله عزوجل قال : لينفق ذو سعة من سعته (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) عطف على قوله : ومن يتّق الله ، وتلويح الى انّ من لا يتّقى يكون له العاقبة السّوءى (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) بالاستقصاء في المحاسبة والمدّاقّة فيها ومن يداقّه الله فلا مناص له (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) منكرا لا يعرفه أحد لعظمته (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) ضياعا لاصل البضاعة وبيانه قوله (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) في الدّنيا أو القيامة وبعدها (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) الّذين صاروا ذوي لبّ بالولاية والبيعة الولويّة ولذلك فسّره بقوله (الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة الخاصّة الولويّة ودخول الايمان بها في قلوبهم ، ويجوز ان يكون التّقدير يا ايّها الّذين آمنوا ، ويجوز ان يكون خبرا لمبتدء محذوف (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً) المراد بالذّكر الرّسول (ص) ، أو المراد بالذّكر جبرئيل ، أو المراد بالذّكر القرآن ، ورسولا بدل منه بدل الاشتمال (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة أو الخاصّة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بالوفاء بالشّروط المأخوذة في البيعتين (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً اللهُ) بدل من الله في أحسن الله له رزقا ، أو مبتدء خبره الموصول الآتي ، أو خبر لمبتدء محذوف (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) في العدد ، روى عن الرّضا (ع): انّ الأرضين السّبع احديها الأرض الّتى تحت أقدامنا ، وثانيتها السّماء الاولى ، وثالثتها السّماء الثّانية ، الى السّادسة ، وعلى ما سبق منّا مكرّرا من انّ العوالم بعضها الغالب عليه الكيفيّة الارضيّة ، وبعضها الغالب عليه الكيفيّة السّماويّة نقول : الأرض الاولى هي الهيولى الاولى ، والثّانية الامتداد الجسمانىّ ، والثّالثة البسائط العنصريّة ، والرّابعة المادّة الجماديّة ، والخامسة المادّة النّباتيّة ، والسّادسة المادّة الحيوانيّة ، والسّابعة المادّة البشريّة ؛ أو الاولى عالم المثال السّفلىّ ، والثّانية عالم الموادّ ، والثّالثة عالم الطّبائع ، والرّابعة عالم النّفوس النّباتيّة ، والخامسة

١٨٧

عالم النّفوس الحيوانيّة ، والسّادسة عالم النّفوس البشريّة ، والسّابعة عالم المثال العلوىّ (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا) بتنزّل الأمر بينهنّ أو بخلق السّماوات السّبع والأرضين السّبع (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) فانّ النّاظر الى السّماوات في العالم الكبير أو الصّغير والى الأرضين فيهما يظهر آثار قدرته وعلمه ورأفته بخلقه له ، وهكذا احاطة علمه بالجليل والحقير :

سورة التّحريم

مدنيّة ، واثنتا عشرة آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ) يغفر لكم ما لحقكم من ايمانكم (رَحِيمٌ) يرحمكم بعد المغفرة (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ) اى أوجب الله أو قدّر الله أو اثبت (تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) اى تحليل ايمانكم أو كفّارة ايمانكم فانّها ما به التّحليل (وَاللهُ مَوْلاكُمْ) فهو اولى بالاسترضاء (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بمصالحكم فاذا قال حلّلوا ايمانكم بالكفّارة فحلّلوا (الْحَكِيمُ) في فعاله وأقواله فلا يشرع لكم ولا يأمركم ولا ينهاكم الّا بما فيه مصالح وله غايات شريفة انيقة ، وقال الّذين توسّلوا بأمثال هذه الآية في تصحيح خلافة خلفائهم وإمامة ائمّتهم : انّ في هذه الآية دلالة على انّه تعالى عاتب نبيّه (ص) وليس العتاب الّا لذنب صدر منه والذّنب هاهنا كما نقل في نزول الآية تحريمه (ص) من قبل نفسه بدون امر الله مارية القبطيّة أو شرب العسل على نفسه ، فنقول : مثل هذا العتاب يدلّ على كمال عنايته بمحمّد (ص) ورأفته به بحيث لم يرض انّه (ص) حرّم على نفسه بعض الملاذّ المباحة ، كالأب الشّفيق الّذى يمنع ولده عن ترك بعض الملاذّ النّفسانيّة شفقة عليه ومنعا له من الإمساك عن بعض ما فيه حظوظ النّفس ، ولا يدلّ على انّه صدر منه ذنب أو خلاف امر ، غاية الأمر انّه يدلّ على انّه امتنع عن بعض الملاذّ استرضاء لبعض أزواجه ، واسترضاء الأزواج ممّا ندب عليه ، اما ترى جواز الكذب للأزواج استرضاء لهنّ قال القمّىّ وغيره سبب نزول الآيات انّ رسول الله (ص) كان في بيت عائشة أو في بيت حفصة ، فتناول رسول الله (ص) مارية ، فعلمت حفصة بذلك فغضبت وأقبلت على رسول الله (ص) ، فقالت يا رسول الله ، في يومى في داري وعلى فراشي؟!. فاستحيى رسول الله (ص) ، فقال كفّى ، فقد حرّمت مارية على نفسي وانا اقضى إليك سرّا ان أنت أخبرت به فعليك لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين ، فقالت نعم ما هو!. فقال (ص) انّ أبا بكر يلي الخلافة بعدي ثمّ بعده أبوك ، فقالت من انبأك هذا؟ قال نبّأنى العليم الخبير ، فأخبرت حفصة به عائشة من يومها ذلك ، وأخبرت عائشة أبا بكر ، فجاء ابو بكر الى عمر ، فقال له انّ عائشة أخبرتني بشيء عن حفصة ولا أثق بقولها ، فاسئل أنت حفصة ، فجاء عمر الى حفصة وقال ، ما هذا الّذى أخبرت عنك عائشة؟ فأنكرت ذلك وقالت ما قلت لها من ذلك شيئا ، فقال لها عمر انّ هذا حقّ فأخبرينا حتّى نتقدّم فيه ، فقالت نعم قال رسول الله (ص) ، فنزل جبرئيل على رسول الله بهذه السّورة وأظهره الله عليه يعنى أظهره الله على ما أخبرت به وعرّف بعضه اى خبرها وقال لم أخبرت ما أخبرتك؟! واعرض عن بعض يعنى لم يخبرهم بما يعلم ، وقيل : خلا النّبىّ (ص) في بيت عائشة مع مارية فاطّلعت عليه حفصة فقال لها رسول الله : لا تعلمي عائشة ذلك وحرّم مارية على نفسه ، وأخبرها انّ أباها يملك بعده وبعده عمر فأعلمت حفصة عائشة الخبر واستكتمتها ايّاه فاطلع الله نبيّه (ص) على ذلك وهو قوله : وإذ اسرّ النّبىّ الى بعض أزواجه حديثا (الآية) ، وقيل : انّ

١٨٨

رسول الله (ص) كان إذا صلّى الغداة يدخل على أزواجه واحدة واحدة وكان إذا دخل على حفصة حبسته وأحضرت العسل له وانّ عائشة أنكرت احتباسه عندها ، فتواطئت مع بعض أزواجه انّه إذا دخل النّبىّ (ص) عليهنّ يقلن متّفقات : انّا نجد منك ريح المغافير (١) ، فلمّا دخل الرّسول على كلّ قلن ذلك ، فقال الرّسول (ص) : لا اشرب العسل بعد ذلك ، وقيل : كانت زينب بنت جحش تحبس النّبىّ (ص) فتواطئت عائشة مع بعض أزواجه ان يقلن ذلك لما علمن انّه كان يشرب عند زينب العسل (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) حديث خلافة ابى بكر وعمر ، أو حديث تحريم مارية وأمرها بكتمانه (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) عائشة به (وَأَظْهَرَهُ اللهُ) اى أظهر اخبارها لعائشة (عَلَيْهِ) على محمّد (ص) (عَرَّفَ) تلك الزّوج المأمورة بالكتمان (بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) كما مضى (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ) حفصة (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) ثمّ خاطب الله على لسان جبرئيل ومحمّد (ص) حفصة وعائشة فقال : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) من إفشاء ما امرتما بكتمانه أو من همّتكما لسمّه (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) الفاء سببيّة والجزاء محذوف يعنى ان تتوبا الى الله لأجل ميل قلوبكم عن الحقّ والى خلاف محمّد (ص) الّذى ينبغي التّوبة منه كان خيرا لكما فقد صغت قلوبكما ، أو الفاء للجزاء وقوله : قد صغت قلوبكما قائم مقام الجزاء والمعنى ان تتوبا الى الله كان واجبا عليكما التّوبة لانّه قد صغت قلوبكما ، وجمع القلوب لما عليه العرب من انّه إذا أضيف تثنية الى تثنية أتى بالتّثنية الاولى بصورة الجمع كراهة الاجتماع بين التّثنيتين ، وللاشعار بانّ لكلّ منهما قلوبا متعدّدة ، والآية باتّفاق المفسّرين من الخاصّة والعامّة في عائشة وحفصة (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) والمراد بصالح المؤمنين علىّ بن ابى طالب (ع) قيل : انّه سئل عمر بن الخطّاب من اللّتان تظاهرتا على رسول الله (ص)؟ ـ فقال : عائشة وحفصة ، وعن الباقر (ع) قال : لقد عرّف رسول الله (ص) عليّا (ع) أصحابه مرّتين ، امّا مرّة فحيث قال : من كنت مولاه فعلىّ (ع) مولاه ، وامّا الثّانية فحيثما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله (ص) بيد علىّ (ع) وقال : يا ايّها النّاس هذا صالح المؤمنين ، وقد ورد الرّواية بطريق العامّة والخاصّة انّ المراد بصالح المؤمنين علىّ بن ابى طالب (ع) (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) الإتيان بالايمان بعد الإسلام للاشارة الى انّ الايمان غير الإسلام فليكن الطّالب للآخرة طالبا للايمان بعد الإسلام (قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ) قيل : المراد منه الصّائمات ، لقول النّبىّ (ص): سياحة أمّتي الصّيام ، فانّ الصّوم عن مشتهيات النّفس اطلاق للنّفس ، وفي إطلاقها سياحة لها في ملك الرّبّ ، وقيل : المراد به ماضيات في امر الله وطاعته ، وقيل : مهاجرات الى رسول الله (ص) (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) أتى بالعاطف لانّهما بمنزلة صفة واحدة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة النّبويّة ، أو بالبيعة الخاصّة الولويّة (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) وقاية الشّخص لنفسه من النّار بحفظه لها عن اتّباع الشّهوات والغضبات والحيل الشّيطانيّة ، ووقايته لاهليه بأمرهم بالمعروف وتعليمه لهم ونهيهم عن المنكر وتعليمه لهم وترغيبهم في الخيرات وتحذيرهم عن الشّرور واعلامهم بما هو غاية الغايات ونهاية النّهايات من الولاية واتّباع ولىّ الأمر ، عن الصّادق (ع): لمّا نزلت هذه الآية جلس رجل من المسلمين يبكى وقال : عجزت عن نفسي كلّفت أهلي ، فقال رسول الله (ص) : حسبك ان تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك ، وبهذا

__________________

(١) المغافر كمنابر والمغافير صمغ شجر فيه حرقة كريه الريح ، الواحد مغفر كمنبر ومغفر بضمتين ومغفور بزيادة الواو على الضمتين ، ومغفار ومغفير بكسرهما.

١٨٩

المضمون ورد عنهم اخبار كثيرة (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وهو حال أو مستأنف بتقدير القول من الملائكة أو من الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة (تُوبُوا إِلَى اللهِ) بالبيعة الخاصّة ، أو المعنى يا ايّها الّذين آمنوا بالبيعة الخاصّة توبوا وارجعوا من مقام نفوسكم الى الله الّذى مظهره قلوبكم (تَوْبَةً نَصُوحاً) خالصة من وصمة العود ، أو توبة ناصحا صاحبها لنفسه فيها بان يكون نادما على ما مضى وعازما على التّرك فيما يأتى ، أو توبة ترقع الخروق الّتى وقعت في الدّين وترتق الفتوق وتصلح الفاسد من النّصح بمعنى الخياطة ، أو المراد بها التّوبة الجارية على يد ولىّ الأمر في البيعة الخاصّة الولويّة فانّها الّتى يخلّص صاحبها عن كلّ سوء وغشّ وغلّ ، وهي الّتى يبصر بها صاحبها كلّ سوء ورذيلة فينصح نفسه في الخلاص عنها ، وهي الّتى ترقع كلّ خرق وقع للنّفس قبلها. اعلم ، انّ للتّوبة بحسب الصّورة معاني فانّ معناها ان يقول الإنسان : أتوب الى الله ، أو تبت الى الله ، وان يرجع الى نبىّ وقته أو ولىّ وقته وباع على يده بيعة عامّة أو بيعة خاصّة ، وان يندم على المعاصي القالبيّة ، وان يندم على الرّذائل النّفسانيّة ، وان يندم على العقائد الزّائغة ، وان يرجع عن ملاحظة نسبة الأفعال الى نفسه ، أو ملاحظة نسبة الصّفات الى نفسه ، أو نسبة الوجود الى نفسه ، وان يندم على تلوّنه في مقاماته ويطلب التّمكين ويرجع اليه والكلّ توبة والكلّ منظور من الآية بحسب مراتب الأشخاص (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) من المعاصي القالبيّة والرّذائل النّفسانيّة والعقائد الزّائغة ومن رؤية الأفعال من أنفسكم ونسبة الصّفات الى أنفسكم ومن انانيّاتكم (وَيُدْخِلَكُمْ) بعد ازالة السّيّئات (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد مضى في سورة آل عمران في آخرها بيان جريان الأنهار من تحت الجنّات (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) اى باعوا البيعة العامّة أو الخاصّة معه لكنّ المناسب لقوله تعالى (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) هو المعنى الثّانى وقد مضى في سورة التّغابن بيان هذا النّور وانّه في قلب المؤمن أنور من الشّمس المضيئة بالنّهار ، واختار من جملة الجهات ما بين الأيدي والايمان اشعارا بجهتى النّفس المطيعة الّتى هي بحسب قوّتيها العلّامة والعمّالة ، وامّا الخلف واليسار فانّهما لا يكونان للنّفس المطيعة بمعنى انّه لا يكون لها جهة شيطانيّة ولا جهة حيوانيّة اللّتان يعبّر عنهما بالخلف واليسار ولو كانتا لم يكن ذلك النّور في تينك الجهتين (يَقُولُونَ) حالا وقالا (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) فانّهم بظهور هذا النّور والصّورة الملكوتيّة من امامهم يشتدّ لوعتهم ويزداد حرقتهم ويزيد طلبتهم فيطلبون ازدياد الظّهور واشتداد هذا النّور بحيث لا يبقى لهم ذات واثر ، فانّ مثلهم في تلك الحال مثل الفراش والسّراج لا يسكنون ما كان لهم ذات وحركة (وَاغْفِرْ لَنا) الحدود والنّقائص الملحقة بنا المانعة لنا من كمال ادراك هذا النّور (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) في العالم الصّغير والعالم الكبير ، وقرأ الصّادق (ع) : جاهد الكفّار بالمنافقين قال : انّ رسول الله (ص) لم يقاتل منافقا قطّ انّما كان يتألّفهم ، وفي خبر عنه : جاهد الكفّار والمنافقين ، قال : هكذا نزلت فجاهد رسول الله (ص) الكفّار ، وجاهد علىّ (ع) المنافقين فجهاد علىّ (ع) جهاد رسول الله (ص) (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) كفر النّفاق وان كان لهم قرب الى الأنبياء والأولياء (ع) (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا) الخاصّين بنا (صالِحَيْنِ) وكونهما تحتهما كناية عن كمال قربهما (فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ

١٩٠

ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) فانّ وصلة الكفّار ومخالطتهم لا تضرّهم كما انّ وصلة آسية ومخالطتها لفرعون ما كانت تضرّها (إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) اى القبطىّ التّابعين له (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) من ان ينظر اليه أو تنظر هي بنفسها اليه (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ) المراد بالكلمات هي الكلمات الوجوديّة وهي مراتب العالم مندرجة في ابن آدم (ع) ، والمراد بالكتب احكام النّبوّات والرّسالات وآثار الولايات ، ومنها الكتب التّدوينيّة (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) لا من القانتات بل هي عدّت من الرّجال ، روى عن النّبىّ (ص) انّه قال : كمل من الرّجال كثير ولم يكمل من النّساء الّا اربع ، آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وخديجة (ع) بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الجزء التّاسع والعشرون

سورة الملك

مكّيّة ، ثلاثون آية ، وقيل : احدى وثلاثون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) الملك يطلق على عالم الطّبع مقابل الملكوت العامّة الّتى هي جملة عالم الأرواح ، أو الخاصّة وهي عالم المثال ، وهذا الإطلاق هو المشهور عندهم ، ويطلق على جملة ما سوى الله ، وعلى الرّسالة والصّدر المستنير بنورها ، وعلى النّبوّة والقلب المستضيء بضوئها ، وعلى الولاية الّتى بها يكون التّصرّف في العباد ودعوتهم الى التّوحيد ، واليد تطلق على ما به التّصرّف ، وعلى القدرة الّتى هي مبدء التّصرّف ، وعلى صفات الله اللّطفية والقهريّة ، وعلى عالمي الملكوت العليا والملكوت السّفلى ، والكلّ مناسب هاهنا (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الممكنات الواقعة في عالم الطّبع وعالمي الملكوت (قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ) لمّا كان الموت من اعدام الملكات ، واعدام الملكات لها حظّ ضعيف من الوجود وما له حظّ من الوجود صحّ تعلّق الخلق به قال: خلق الموت (وَالْحَياةَ) ولمّا كان الموت في عالم الطّبع بوجه مقدّما على الحيوة بالطّبع ، أو كان المنظور من ذكر خلق الموت والحيوة التّهديد عن الشّرور والتّرغيب في الخيرات وكان الموت في هذا المنظور أبلغ قدّم الموت (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ولم يقل ، أو أسوء عملا ، للاشارة الى انّ المنظور من كلّ ذلك ان يحسن الإنسان عمله ، وسوء العمل يكون من الطّوارى وليس علّة غائيّة وحسن العمل يكون بنيّة حسنة كاملة ، والنّيّة الحسنة تكون بالعقل الكامل ولذلك ورد في اخبار عديدة انّ المراد به ايّكم أتمّ عقلا ، وروى عن الصّادق (ع) انّه قال : ليس يعنى أكثر عملا ولكن أصوبكم عملا وانّما الاصابة خشية الله والنّيّة الصّادقة ثمّ قال : الإبقاء على العمل حتّى يخلص اشدّ من العمل ، والعمل الخالص الّذى لا تريد ان يحمدك عليه أحد الّا الله عزوجل ، والنّيّة أفضل من العمل ، الا وانّ النّيّة هو العمل ، ثمّ تلا قوله

١٩١

عزوجل : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) يعنى على نيّته (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الّذى لا مانع له من حكمه وإرادته فليحذر الّذين يخالفون امره ويسيئون في عملهم وليرج الّذين يطيعونه ويحسنون عملهم (الْغَفُورُ) فلا ييأس الّذين يعملون السّيّئات (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) مصدر أو جمع ، والموصول بدل من الّذى في تبارك الّذى ، أو صفة للعزيز ، أو خبر بعد خبر ، أو مبتدء وخبره قوله (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) والعائد الرّحمن الّذى هو بمعناه والمنظور منه بيان قدرته وحكمته وعنايته بخلقه وعدم إهمالهم بلا ثواب وعقاب والمراد بالتّفاوت الاختلاف في الإتقان وعدمه ، وقرئ من تفوّت وهو بمعنى التّفاوت (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) يعنى انظر الى السّماء ثمّ تفكّر في نفسك وتأمّل في خلل السّماء ثمّ ارجع بصرك الى السّماء (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) انشقاق فيها وخلل وفساد في خلقها (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) في ارتياد الخلل والنّقص والفساد ليس التّثنية منظورة بل المنظور تكرار النّظر وكثرته (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) خسأ الكلب كمنع طرده ، وخسأ الكلب بعد كانخسأ ، وخسى من باب علم وخسأ البصر كمنع كلّ ، والخاسئ من الكلاب والخنازير المبعد الّذى لا يترك ان يدنو من النّاس (وَهُوَ حَسِيرٌ) كليل ومنقطع من الأبصار من طول المدى في الأبصار ، ونعم ما قال المولوىّ قدس‌سره في بيان هذه الآية :

اندر اين گردون مكرر كن نظر

زانكه حق فرمود ثمّ ارجع بصر

يك نظر قانع مشو زين سقف نور

بارها بنگر ببين هل من فطور

چونكه گفتت كاندر اين سقف نكو

بارها بنگر چو مرد عيب جو

(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) اى أقرب السّماوات الى الأرض فانّ جنس سماء الطّبع أقرب أصناف السّماوات الى الأرض ، وان كان المكوكبة منها هي الثّامنة منها ، فانّ سماوات عالم المثال وعالم النّفوس وعالم العقول ابعد السّماوات الى الأرض ، وهكذا في العالم الصّغير سماء الصّدر المنشرح بالإسلام وسماء القلب الدّاخل فيه الايمان أقرب السّماوات الى ارض البدن وارض النّفس الامّارة واللّوّامة (بِمَصابِيحَ) بالكواكب الصّوريّة أو بالكواكب الذّكريّة النّفسانيّة (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) كون النّجوم الذّكريّة رجوما للشّياطين واضح ، وامّا كون الشّهب السّماويّة رجوما للشّياطين فقد أنكر الفلاسفة سقوط الكواكب عن محالّها لانّها بسائط وليست مركّبة من العناصر بل هي على ما خلقت من غير تغيير وتغيّر ، والشّهب الّتى تترائى انّما تتكوّن في كرة الدّخان وهي أنموذج للشّهب الّتى بها ترجم الشّياطين والّا فالشّياطين من أهل عالم المثال السّفلىّ ولا تزاحم بين أهل عالم المثالين وأجزاء عالم الطّبع ، وقد مضى في سورة الحجر وسورة الصّافّات بيان لهذه الآية (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) في الآخرة (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً) صوتا كصوت الحمير وقد مضى في سورة هود بيان انّ لهم فيها زفيرا وشهيقا (وَهِيَ تَفُورُ) اى تغلى بهم غليان المرجل بما فيه (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) اى تتفرّق من الغيظ على أعداء الله (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقالُوا) اعترافا بعدم التّحقيق وعدم التّقليد (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) وننقاد لأولياء الأمر وكنّا في تقليد صحيح (أَوْ نَعْقِلُ) اى

١٩٢

ندرك بعقولنا ونميّز الحق من الباطل وكنّا محقّقين (ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) لمّا رأوا قصورهم وتقصيرهم في تشخيص حال الأنبياء (ع) (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) اى بعدا ، روى انّ هذه الآيات في أعداء علىّ (ع) وأولاده ، والّتى بعدها في أوليائهم (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) حالكونهم في الغيب من ربّهم ، أو حالكون الرّبّ في الغيب منهم ، أو بسبب غيبة حالهم ، أو غيبة حال الرّبّ في رضاه وسخطه عنهم ، وقد سبق الاشارة الى انّ الخوف في مقام النّفس وظنّه والخشية أيضا في مقام النّفس لكن بعد ترقّبه الى ادنى مرتبة العلم أو أعلاها ، وقد سبق في سورة الفاطر عند قوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) بيان للخشية (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) والآيتان وعيد ووعد للفريقين (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) عطف على واحد من الجمل السّابقة لكون الإنشاء في معنى الخبر فانّ الأمر للتّخيير فهو في معنى أنتم مخيّرون بين الأسرار والإعلان أو للتّسوية ، والمعنى سواء اسراركم واجهاركم بالقول عنده (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) الّتى هي أخفى من القول الخفىّ ، والمراد بذات الصّدور الخطرات والخيالات ، أو النّيّات والعزمات ، أو القوى والاستعدادات المكمونات الّتى لا شعور لصاحبي الصّدور بها (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) تأكيد لاحاطة علمه فانّ الخالق لا يكون جاهلا بمخلوقه (وَهُوَ اللَّطِيفُ) في علمه بحيث لا يشذّ عن علمه أصغر ما يكون (الْخَبِيرُ) ببواطن الأمور ، روى انّ المشركين كانوا يتكلّمون فيما بينهم بأشياء فيخبر الله بها رسوله فيقولون : اسرّوا قولكم لئلّا يسمع اله محمّد (ص) فنبّه الله على جهلهم (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) مستأنف جواب لسؤال مقدّر (فَامْشُوا) اى إذ كانت ذلولا فامشوا (فِي مَناكِبِها) اى في نواحيها (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) فاحذروا كفران نعمه ومخالفة امره (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) يعنى الملائكة الّذين هم في السّماء (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) كما فعل بقارون (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) تضطرب قبل الخسف أو بعده يعنى صرتم آمنين فتكفرون به وتكفرون بنعمائه لذلك وتخالفون امره وامر رسوله (ص) في ولاية علىّ (ع) (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) اى راميا لكم بالحصباء أو ريحا حاملة للتّراب (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) اى إنذاري حين رأيتم المنذر به (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) إنكاري عليهم فاعتبروا أنتم بهم وتسلّ أنت يا محمّد (ص) عن تكذيبهم (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) الم ينظروا في آيات قدرته ولم يروا الى الطّير (فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) باسطات أجنحتهنّ (وَيَقْبِضْنَ) بالدّفيف أتى به مضارعا لانّ الدّفيف يكون مكرّرا متدرّجا ويناسبه المضارع الدّالّ على الاستمرار التّجدّدىّ ، والصّفيف إذا وقع يكون باقيا على الحالة الاولى ويناسبه الفاعل الدّالّ على الاستمرار من دون التّجدّد في الحدوث (ما يُمْسِكُهُنَ) في الجوّ (إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) فيعلم دقائق ما يحتاج اليه المخلوق والغرض من النّظر الى الطّير ان ينظر العاقل الى انّها مخلوقة من التّراب والغالب عليه الجزء الارضىّ وهي بالطّبع طالب للمركز ، وانّ الله تعالى خلقها بحيث يكون تعيّشها في الجوّ وقوتها يكون من حركتها في الجوّ في الأغلب فخلقها تعالى بحيث يكون جميع ما تحتاج اليه في حركتها وتعيّشها في الجوّ مهيّأة ، وليس هذا الّا فعل حكيم بصير قدير وليس فعل طبيعة السّماء والسّماويات كما يقول الدّهريّون ، ولا فعل الطّبائع الارضيّة كما يقول الطّبيعيّون فيعلم من ذلك مبدء قديرا عليما حكيما لنفسه ، ويعلم انّ الّذى لا يهمل شيئا ممّا يحتاج

١٩٣

اليه الطّير لا يهمل الإنسان الّذى هو أشرف من الطّير ولم يخلقه عبثا (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) أم منقطعة ومن استفهاميّة للإنكار وهذا الّذى خبره (يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) ينصركم حال أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر أو صفة لجند وتوحيد الضّمير لوحدة صورة الجند ولذلك حمل على هذا ومن دون الرّحمن بمعنى من عند الرّحمن متعلّق بينصركم أو حال عن فاعل ينصركم ، أو بمعنى من غير الرّحمن ، وحال من فاعل ينصركم أو صفة اخرى لجند يعنى لا يقدر أصنامكم وسائر جنودكم ان تنصركم فباىّ قوّة تعصوننى (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) من الشّيطان (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ) الله (رِزْقَهُ بَلْ) ليس اعتمادهم في مخالفتهم على رازق سوى الله يرزقهم ولكنّهم (لَجُّوا) خاصموا نبيّنا (فِي عُتُوٍّ) في استكبار عن الحقّ واهله وتجاوز عن الحدّ في اللّجاجة (وَنُفُورٍ) من الحقّ واهله (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) اى مصروعا على وجهه فانّ كبّه واكبّه بمعنى صرعة ، واكبّ بمعنى انكبّ لازم ومتعدّ (أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) غير منحرف عن المقصد ، سئل الكاظم (ع) عن هذه الآية فقال : انّ الله ضرب مثلا من حادّ عن ولاية علىّ (ع) كمن يمشى على وجهه لا يهتدى لأمره وجعل من تبعه سويّا على صراط مستقيم ، والصّراط المستقيم أمير المؤمنين (ع) (قُلْ) يا محمّد (ص) لقومك (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) ذكرا من أصول ما يحتاج اليه الإنسان ما هو أظهر ، والحاجة اليه أكثر (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) شكرا قليلا أو نعيما قليلا من نعمائه تشكرون (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فهو المبدء والمنتهى والفاعل والغاية ، ومن تحتاجون اليه في الدّنيا والآخرة (وَيَقُولُونَ) اى قومك المنكرون للبعث (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ) لهم انّ البعث خارج عن الزّمان انّما هو في طول الزّمان لا في عرضه وأنتم تسألون عن وقته في عرض الزّمان و (إِنَّمَا الْعِلْمُ) بمرتبته في طول الزّمان (عِنْدَ اللهِ) من العلوم الخاصّة به لا يعلمها غيره (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ) من عنده (مُبِينٌ) ظاهر أو مظهر لصدقى (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً) ذا زلفة اى لمّا رأوا الموعود ذا قرب (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ) لهم (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) قرئ بتخفيف الدّالّ وبتشديده ، والمعنى في كليهما واحد يعنى هذا الّذى كنتم تستعجلون به وتدعون الله بتعجيله ، وقيل : هو من الدّعوى والمعنى كنتم تدّعون انّه ليس بحقّ ، ويكون الباء للتّعدية أو للإلصاق ، روى عن الباقر (ع) : هذه نزلت في أمير المؤمنين (ع) وأصحابه الّذين عملوا ما عملوا ، يرون أمير المؤمنين (ع) في أغبط الأماكن لهم فيسيء وجوههم ويقال : هذا الّذى كنتم به تدّعون الّذى انتحلتم اسمه ، وعنه (ع) فلمّا رأوا مكان علىّ (ع) من النّبىّ (ص) سيئت وجوه الّذين كفروا يعنى الّذين كذّبوا بفضله ، والإتيان بالماضي في قوله فلمّا رأوا لتحقّق وقوعه على الاوّلين ولماضويّته على الأخير (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) ايّها الكفّار (إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ) أماتني (وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا) بابقائنا الى آخر أعمارنا (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) هو عذاب الدّنيا أو عذاب الموت أو البرازخ أو القيامة ، وهذا جواب لهم حيث قالوا نتربّص به ريب المنون (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ) المفيض للوجود وكمالات الوجود على كلّ موجود (آمَنَّا بِهِ) تؤمنون به أو لا تؤمنون (وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) فلا نبال معاداتكم ومودّتكم (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) روى عن الباقر (ع) فستعلمون يا معشر المكذّبين حيث انبأتكم رسالة ربّى في ولاية علىّ (ع) والائمّة (ع) من بعده من

١٩٤

هو في ضلال مبين ، كذا أنزلت (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) غائرا في الأرض بحيث لا يمكن اجراؤه على وجه الأرض ولا نيله بدلو وغيره (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) جار أو ظاهر ، ولمّا لم يكن اسم الماء خاصّا بالماء العنصرىّ الّذى هو جسم سيّال محيط بالأرض بل كلّ ما كان سببا لحياة ما وسببا لتماسك الأجسام اليابسة ماء فالعلم والايمان وإفاضات الله كلّها مياه بوجه ، والامام الّذى به يكون الايمان ، والولاية الّتى هي البيعة الخاصّة الايمانيّة الّتى بها يحصل الايمان ويدخل بذر المعرفة في القلوب ماء ، والحياة النّباتيّة والحيوانيّة بمراتبها ، والانسانيّة بمراتبها كلّها مياه ، والعقول والأرواح والنّفوس الكلّيّة والجزئيّة البشريّة والحيوانيّة والنّباتيّة كلّها مياه ، والرّوح النّفسانيّة الّتى هي مركب القوى الدّرّاكة والحيوانيّة الّتى هي مركب حياة الأعضاء ماء ، والمشيّة الّتى هي أصل كلّ أصل ومبدء كلّ مبدء ومنتهى كلّ منتهى أصل المياه ، فاذا عرفت ذلك سهل عليك تصوّر وجوه الآية ونعم ما قال المولوىّ قدس‌سره في بيان وجه من وجوه الآية :

مقرئى مى خواند از روى كتاب

ماؤكم غورا ز چشمه بندم آب

آب را در چشمه كه آرد دگر

جز من بى مثل وبا فضل وخطر

فلسفيّى منطقيّى مستهان

مى گذشت از سوى مكتب آن زمان

چونكه بشنيد آيت أو از ناپسند

گفت آريم آب را ما با كلند

شب بخفت وديد أو يك شير مرد

زد طپانچه هر دو چشمش كور كرد

گفت زين دو چشمه چشم اى شقي

با تبر نوري بيار ار صادقي

روز برجست ودو چشمش كور ديد

نور فائض از دو چشمش ناپديد

سورة القلم

وهي مكّيّة ، وقيل : من اوّله (الى قوله تعالى) (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) ، مكّىّ ، وما بعده (الى قوله تعالى) (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ، مدنىّ ، وما بعده (الى قوله تعالى) يكتبون ، مكّىّ ، وما بعده مدنىّ ،

وهي اثنتان وخمسون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(ن) روى عن الصّادق (ع) وامّا ن فهو نهر في الجنّة قال الله عزوجل : اجمد ، فجمد ، فصار مدادا ثمّ قال عزوجل للقلم : اكتب ، فسطر القلم في اللّوح المحفوظ ما كان وما هو كائن الى يوم القيامة فالمداد مداد من نور والقلم قلم من نور ، واللّوح لوح من نور ، وبهذا المعنى مع اختلاف في اللّفظ اخبار كثيرة ، وقيل : المراد به الحوت الّذى عليه الأرضون ، وقيل : هو لوح من نور ، وقيل : هو الدّواة ، وقيل : هو مطلق الحوت في البحر ، وقيل : هو من أسماء السّورة ، وقيل : هو من حروف اسم الرّحمن ، وقيل : هو من أسماء محمّد (ص) ولعلّك بعد ما سبق في اوّل البقرة يسهل عليك التّوفيق بين هذه الأقوال ؛ وتعلم انّ ن كناية عن مرتبة من مراتب العالم وانّ محمّدا (ص) متّحد مع جميع مراتب العالم وانّ مراتب العالم مراتب سعة وجود الله تعالى ، وانّ السّورة ظهور لتلك المرتبة (وَالْقَلَمِ) قيل : المراد به مطلق القلم ، اقسم الله به لكثرة منافع الخلق به ، إذ هو أحد لساني الإنسان بل هو أشرف لسانيه لانّ لسانه لا يبلّغ ما في جنانه الى من بعد منه زمانا أو مكانا ، والقلم يبلّغ ما في جنان الإنسان الى الأباعد منه ، والكلام يفنى من حينه ولو بقي اثره في قلب

١٩٥

السّامع لم يبق في الأغلب الى آخر عمره ، ولو بقي لم يبق بعده بخلاف كتاب القلم كما قيل : انّ البيان بيانان ، بيان اللّسان وبيان البنان ، وبيان اللّسان تدرسه الأعوام ، وبيان الأقلام باق على مرّ الايّام ، وبالقلم يحفظ احكام الأديان وبه يستقيم أمور العالمين كما قيل : انّ قوام الدّنيا بشيئين ، القلم والسّيف ، والسّيف تحت القلم ، وقد قيل :

ان يخدم القلم السّيف الّذى خضعت

له الرّقاب ودانت حذره الأمم

كذا قضى الله للاقلام مذ برئت

انّ السّيوف لها مذ أرهفت خدم

وروى انّ المراد به القلم الأعلى الّذى سطر ما كان وما هو كائن وهو ملك من الملائكة (وَما يَسْطُرُونَ) اقسم بالمسطورات أو بالملائكة الّذين يسطرون ما كان وما هو كائن أو الملائكة الّذين يسطرون أحوال الارضيين ، أو كتّاب الأعمال الّذين يسطرون اعمال بنى آدم ، أو النّاس الّذين يسطرون الكتب السّماويّة والأحكام الإلهيّة والشّرائع الحقّة والفنون والصّناعات المعاشيّة والدّيون والمعاملات والمحاسبات الخلقيّة (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) بنعمة ربّك حال والباء للمصاحبة ، والعامل فيها معنى النّفى ، أو للسّببيّة ومتعلّقة بمعنى النّفى (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) على التّبليغ وتحمّل مشاقّه (غَيْرَ مَمْنُونٍ) اى غير مقطوع أو غير ممنون به عليك (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) الخلق بالضّمّ وبالضّمّتين السّجيّة والطّبع والمروءة والدّين ، والكلّ مناسب هاهنا ، ولكنّ المراد هو السّجيّة ، فانّ المقصود انّك على خلق تتحمّل به كلّ ما يرد عليك ممّا يغيّر غيرك إذا ورد عليه ولا يغيّرك لا ظاهرا ولا باطنا ، ومثل ذلك الخلق لا يكون الّا عن دين عظيم هو ولاية علىّ (ع) وهي الولاية المطلقة ، فانّ من ترقّى عن مقام البشريّة ووصل الى مقام الولاية المطلقة يتبدّل جميع أوصافه الرّذيلة الّتى هي الأخلاق الحيوانيّة والرّذائل النّفسانيّة بالأوصاف الملكيّة الّتى هي الخصائل الحسنة ومنها المروّة الكاملة ، وسبب الكلّ هو الطّبع الكامل والمزاج المعتدل وقد فسّر في الاخبار بالدّين والإسلام ، وعن الصّادق (ع) : انّ الله عزوجل ادّب نبيّه (ص) فأحسن أدبه فلمّا أكمل له الأدب قال : انّك لعلى خلق عظيم ، وفي خبر انّ الله ادّب نبيّه (ص) فأحسن تأديبه فقال : خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين ، فلمّا كان ذلك انزل الله انّك لعلى خلق عظيم (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) الباء بمعنى مع ، والمفتون بمعنى المصدر ، أو المفتون اسم مفعول ، والمعنى بأيّكم العقل المفتون ، أو هو من باب التّجريد اى مع ايّكم الرّجل المفتون ، أو الباء زائدة ، أو بمعنى في والمعنى في اىّ الفريقين منكم المفتون ، روى عن الباقر (ع) انّه قال : قال رسول الله (ص) : ما من مؤمن الّا وقد خلّص ودّى الى قلبه ، وما خلّص ودّى الى قلب أحد الّا وقد خلّص ودّ علىّ (ع) الى قلبه ، كذب يا عليّ من زعم انّه يحبّنى ويبغضك ، فقال رجلان من المنافقين : لقد فتن رسول الله (ص) بهذا الغلام فأنزل الله تبارك : فستبصر ويبصرون بايّكم المفتون ، قال : نزلت فيهما (الى آخر الآيات) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) الّذى هو ولاية علىّ (ع) والضّالّ عن سبيل الولاية هو المجنون حقيقة (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) الى الولاية (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) لله أو لك في علىّ (ع) أو لعلىّ (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) المداهنة والادهان إظهار خلاف ما تضمر والغشّ (فَيُدْهِنُونَ) والمعنى ودّوا ادهانك وغشّك أو نفاقك أو مداراتك معهم بخلاف ما أضمرت فيدهنون بعدك أو ودّوا ادهانك بسبب انّهم يدهنون على الاستمرار ، وقال القمّى : اى احبّوا ان تغشّ في علىّ (ع) فيغشّون معك (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) تأكيد للاوّل وتبديل للمكذّبين بالأوصاف الاخر ذمّا لهم بجميع ذلك فانّ كلّ كذّاب يكون كثير الحلف ، وكلّ كثير الحلف يكون مهينا عند الخلق وعند الله ، فانّ كثرة الحلف لا تكون الّا من كون الحالف مهينا لا يقبل منه ،

١٩٦

وكثرة حلفه تصير سببا لكونه مهينا أيضا (هَمَّازٍ) عيّاب طعّان (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) النّمّ التّوريش والإغراء ورفع الحديث اشاعة له وإفسادا وتزيين الكلام ، والنميم والنّميمة اسم له (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) يمنع قواه ومداركه وأهل مملكته عن خيراتهم الحقيقيّة الّتى هي انقيادهم لولىّ أمرهم وللعقل ثمّ عن خيراتهم المجازيّة اللّازمة لتلك الخيرات ، ثمّ يمنع أهل المملكة الكبيرة عن الخيرات الحقيقيّة ، ثمّ عن الخيرات المجازيّة (مُعْتَدٍ) متجاوز عن الحدّ أو ظالم على نفسه بالطّغيان على الامام (أَثِيمٍ) كثير الإثم (عُتُلٍ) العتلّ الأكول المنيع الجافي الغليظ (بَعْدَ ذلِكَ) المذكور من المثالب (زَنِيمٍ) الزّنيم المستلحق في قوم ليس منهم والدّعىّ واللّئيم المعروف بلؤمة أو شره ، روى عن النّبىّ (ص) انّه سئل عن العتلّ الزّنيم فقال : هو الشّديد الخلق المصحيح (١) الأكول الشّروب الواجد للطّعام والشّراب الظّلوم للنّاس ، الرّحب الجوف ، وعن علىّ (ع): الزّنيم هو الّذى لا أصل له ، وقال القمّىّ : الخير أمير المؤمنين (ع) معتد اى اعتدى عليه عتلّ بعد ذلك قال : العتّل العظيم الكفر والزّنيم الدّعىّ (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) قد مضى بيان الأساطير مكرّرا في السّابق ، وقيل : نزلت الآيات في الوليد بن المغيرة كان يمنع عشيرته عن الإسلام وكان موسرا وله عشر بنين فكان يقول لهم وللحمته : من أسلم منكم منعته رفدي وكان دعيّا ادّعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) على الأنف قيل : قد أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر فبقي اثره ، وقيل : انّه كناية عن ان يذلّه غاية الاذلال ، وقال القمّىّ : أساطير الاوّلين اى أكاذيب الاوّلين سنسمه على الخرطوم قال في الرّجعة إذا رجع أمير المؤمنين (ع) ويرجع اعداؤه فيسمهم بميسم معه كما يوسم البهائم على الخراطيم الأنف والشّفتان (إِنَّا بَلَوْناهُمْ) اى أهل مكّة بالقحط والجوع (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) المعهودة الّتى كانت مالكوها مستعدّين لان يصرموها فلمّا دخلوها وجدوها بلا ثمر لانّهم لم يستثنوا وكانت تلك الجنّة على تسعة أميال من صنعاء اليمن وكانت يقال لها الرّضوان (إِذْ أَقْسَمُوا) اى المالكون لها (لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) وقت الصّباح (وَلا يَسْتَثْنُونَ) لا يقولون ان شاء الله وسمّى استثناء لما فيه من الإخراج من مشيّة القائل والتّعليق على مشيّة الله تعالى (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ) اى حرّ طائف كالسّموم ، أو برد طائف (مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ) صارت وقت الصّباح (كَالصَّرِيمِ) كالجنّة المقطوعة الثّمار أو كاللّيل المظلم باحتراقها ، أو كالنّهار المضيء بابيضاضها وعدم خضرتها ، فانّ الصّريم يطلق على اللّيل والنّهار (فَتَنادَوْا) نادى بعضهم بعضا (مُصْبِحِينَ) وقت الصّباح (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ فَانْطَلَقُوا) الى جنّتهم للصّرم (وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) يتسارّون (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا) مفعول ليتخافتون بلا واسطة أو بواسطة الباء الجارّة (الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ) اى على منع للفقراء ، أو على جدّ من أمرهم ، أو على غضب على الفقراء وقت الصّرم (قادِرِينَ) اى يقدّرون عند أنفسهم ذلك (فَلَمَّا) دخلوا بستانهم و (رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) عن جنّتنا فانّها ليست على صفة جنّتنا ، أو لضالّون عن طريق الحقّ في أمرنا حيث أردنا منع الفقراء فلذلك عوقبنا (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) بل هي جنّتنا لكنّا صرنا محرومين من ثمارها بإرادتنا منع الفقراء (قالَ أَوْسَطُهُمْ) سنّا أو أعدلهم

__________________

(١) وزن مبالغة اى غالب الصّحة وقليل المرض ومقابله الممريض والممراض ، والخبر انّه لا خير في البدن المصحاح.

١٩٧

أو أفضلهم واعقلهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) تنزّهون الله فتؤدّوا شكر نعمه وتؤدّوا حقوقها ، أو تصلّون (قالُوا) اعترافا بظلمهم لأنفسهم وتنزيها للحقّ تعالى عن الظّلم (سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قالُوا) اعترافا بطغيانهم (يا وَيْلَنا) يا قوم ويلنا أو نادوا الويل لغاية دهشتهم (إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) وهذه تقال عند شدّة الغيظ وغلظ اليأس ، ويقال عند التّوجّه الى الله والتّوبة اليه والنّدم على ما فرّط (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) وهذه تدلّ على انّهم تابوا الى الله وندموا على ما فرّط منهم (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ كَذلِكَ الْعَذابُ) في الدّنيا (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) نسب الى عبد الله بن مسعود انّه قال : بلغني انّ القوم أخلصوا وعرف الله تعالى منهم الصّدق فأبدلهم بها جنّة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا ، وقال ابو خالد اليمامىّ : رأيت تلك الجنّة ورأيت كلّ عنقود منها كالرّجل الأسود القائم (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) عن المعاصي أو عن رؤية أنفسهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ أَ) لم نجعل لهم جنّات (فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) كانوا يقولون ان كان بعث وجزاء كما يقوله محمّد (ص) فانّ حالنا يكون أفضل في الآخرة كما في الدّنيا ولو لم يكونوا يقولون ذلك بألسنتهم فانّهم كانوا يقولون ذلك بلسان حالهم فقال الله تعالى ، ذلك ظنّ فاسد وزعم باطل (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) على الله ما لا يرضاه الجاهل أو كيف تحكمون بينكم بترجيح الكافر المعاند على المسلم الموافق (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) ذلك اى تقرأون والحال ان ليس لكم كتاب وكتاب الله الّذى هو القرآن يحكم بخلاف ذلك (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) تدرسون معلّق عنه أو هو استفهام على الاستيناف بتقدير اداة الاستفهام (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) اى ثابت علينا الى يوم القيامة أو كاملة باقية (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) جواب للقسم (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ) المذكور من جعلنا المسلمين كالمجرمين (زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) لله يجعلونهم مثل المسلمين (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في دعواهم امر للتّعجيز (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) ظرف لقوله تعالى : فليأتوا ، أو المعنى فليأتوا بشركائهم في الدّنيا حتّى نعلم انّ لهم شركاء ويوم يكشف ظرف لقوله تعالى : ترهقهم ذلّة كناية عن هول اليوم وشدّته ، فانّ الأمر إذا اشتدّ واحتاج الإنسان الى الفرار يكشف عن ساقه يعنى يوم يشتدّ الأمر عليهم ، أو المعنى يوم يكشف عن ساق البدن الاخروىّ فانّ البدن الدّنيوىّ كالحجاب واللّباس للبدن الاخروىّ بل بساق البدن الاخروىّ ولارادة ساق البدن الاخروىّ نكّر السّاق اشارة الى منكوريّته لهم أو الى تفخيمه ، أو المعنى يكشف عن شدّة عظيمة فانّه يكنّى عن الشّدّة بالسّاق ، وهذا معنى قوله تعالى : والتفّت السّاق بالسّاق ، أو المعنى يوم يكشف عن أصل الأمور وحقيقتها (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) لانّ استكبارهم عن السّجود في الدّنيا يظهر بصورة عدم الاستطاعة له في الآخرة ، عنهما (ع) انّهما قالا : أفحم (١) القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من النّدامة والخزي والذّلّة ، وعن الرّضا (ع) انّه قال حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجّدا ويدبّح (٢) أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السّجود (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) من شدّة الهول وكثرة الشّدائد (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ)

__________________

(١) أفحم القوم عجزوا ـ وأفحمه الهمّ منعه.

(٢) دبّح بالدّال والباء الموحّدة المشدّدة والحاء المهملة بسط ظهره وطأطأ رأسه.

١٩٨

في الدّنيا ، وعن الصّادق (ع) وهم سالمون اى مستطيعون ، وقال القمّىّ : يكشف عن الأمور الّتى خفيت وما غصبوا آل محمّد (ص) حقّهم ويدعون الى السّجود قال : يكشف لأمير المؤمنين (ع) فيصير أعناقهم مثل صياصي البقر يعنى قرونها فلا يستطيعون ان يسجدوا وهي عقوبة لهم لانّهم لم يطيعوا الله في الدّنيا في امره وهو قوله وقد كانوا يدعون الى السّجود وهم سالمون قال الى ولايته في الدّنيا وهم يستطيعون (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) اى حديث ولاية علىّ (ع) ، تهديد بليغ لهم (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) قد مضى الآية في سورة الأعراف (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) قد مضت الآية في سورة الطّور (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) من ذلك ما يستغنون به عنك وما يحكمون به (فَاصْبِرْ) اى فانتظر (لِحُكْمِ رَبِّكَ) فيهم ولا تعجل بالدّعاء عليهم أو فاصبر على أذاهم وتدبيرهم لمنع علىّ (ع) عن حقّه لأجل حكم ربّك بإمهالهم ولا تعاجل بالدّعاء عليهم (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) يعنى يونس بن متّى (ع) حيث تعجّل بالدّعاء على قومه فوعده الله العذاب وتاب على قومه ورفع عنهم العذاب فغضب يونس (ع) وفرّ منهم وابتلى ببطن الحوت (إِذْ نادى) في بطن الحوت أو نادى الله بالعذاب على قومه (وَهُوَ مَكْظُومٌ) مملوّ غيظا على قومه ، وعن الباقر (ع) اى مغموم (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وهي التّوبة عليه والشّفقة (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) اى الأرض الخالية من الأشجار والنّبات والسّقوف (وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) بان أخرجه من بطن الحوت ونبذه بأرض ذات ظلّ وجعله ثانيا رسولا الى قومه (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ) اى محمّد (ص) أو القرآن أو قرآن ولاية علىّ (ع) (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) قيل : نزلت حين نزول القرآن وقراءته حيث كانوا ينظرون اليه من شدّة البغض والحسد نظرا يكادون يصرعونه بنظرهم ، وورد في الخبر : انّها نزلت حين قال : من كنت مولاه فهذا علىّ مولاه آخذا بعضد علىّ (ع) رافعا له وقال بعضهم لبعض : انظروا الى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون ، وقيل : نزلت في اصابة العين فانّه روى انّه كان في بنى أسد عيّانون فأراد بعضهم على ان يعيّنه (ص) ، وورد انّ العين ليدخل الرّجل القبر والجمل القدر ، وروى انّه مرّ الصّادق (ع) بمسجد الغدير فنظر الى ميسرة المسجد فقال : ذاك موضع قدم رسول الله (ص) حيث قال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، ثمّ نظر الى الجانب الآخر فقال : ذاك موضع فسطاط بعض المنافقين فلمّا ان رأوه رافعا يده قال بعضهم لبعض : انظروا الى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون ، فنزل جبرئيل بهذه الآية.

سورة الحاقة

مكّيّة ، احدى وخمسون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) من حقّ بمعنى وجب أو ثبت ، أو من حقّ يحقّ من باب نصر من حاققته فحققته احقّه من المغالبة ، وعلى اىّ معنى فسمّيت القيامة حاقّة لتحقّقها وثبوتها ، أو لغلبتها على الكافرين وإبطالهم ، أو لتحقّق الأمور

١٩٩

فيها وثبوت الحقّ فيها وبطلان الباطل ليكون من قبيل الوصف بحال المتعلّق ، والاستفهام عنها وإتيان الظّاهر موضع المضمر للتّفخيم والتّعجيب (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) انكار درايته (ص) بالاستفهام الانكارىّ الدّالّ على المبالغة والإتيان بالاسم الظّاهر موضع المضمر والإتيان بالاستفهام كلّها يدلّ على التّفخيم (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) بالقيامة سمّيت بها لانّها تقرع قلوب الكفّار بأهوالها وإفزاعها ، أو تقرع فيها رؤسهم بالمقارع من النّار فلينظر هؤلاء الى تكذيبهم بها وعاقبتهم حتّى يرتدعوا عن التّكذيب (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) الصّيحة والرّجفة المتجاوزة عن الحدّ كما مضى مكرّرا (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) قد مضى قصّتهم مكرّرا ومضى في سورة فصّلت وسورة القمر بيان الرّيح الصّرصر (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) قد مضى في سورة القمر بيان الايّام الثّمانية ، وقد مضى سابقا قصّة عاد وثمود (حُسُوماً) الحسوم بالضّمّ الشّؤم والدّؤب (١) في العمل ، ويجوز ان يكون جمعا لحاسم بمعنى القاطع أو بمعنى المانع ، فالمعنى ثمانية ايّام شومات ، أو متتابعات أو قاطعات لحياتهم ، أو مانعات لهم ، قال القمّىّ : كان القمر منحوسا بزحل (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) موتى (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) خالية الأجواف تشبيه لهم بعد خروج أرواحهم باعجاز النّخل المتأكّلة الأجواف (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) من الأمم الماضية ، وقرئ من قبله بكسر القاف وفتح الباء اى من عنده من اتباعه (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) اى قرى قوم لوط الّتى ائتفكت بأهلها (بِالْخاطِئَةِ) اى بالخطيئة (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ) ربّهم (أَخْذَةً رابِيَةً) مثل زيادة عملهم في القبح ، أو اخذة زائدة على خطائهم (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) في أمّة نوح (ع) (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) اى السّفينة الجارية يعنى حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) اى لنجعل الفعلة من طغيان الماء وحملكم في الجارية وإهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين تذكرة لكم وعظة وتعى هذه الفعلة أو التّذكرة اذن واعية ، وللاشارة الى التّأويل روى انّه قال الرّسول (ص) لعلىّ (ع): يا علىّ انّ الله تعالى أمرنى ان أدنيك ولا أقصيك ، وان اعلّمك وتعى ، وحقّ على الله ان تعى ، فنزل : وتعيها اذن واعية ، وفيه اشارة ما الى التّأويل فانّ فيه انّا لمّا التقى ماء البحر الأجاج من الأرض الهيولويّة وماء سماء الاهوية وطغى الماءان الملتقيان وحملناكم في سفينة نوح (ع) الّتى هي سفينة الشّريعة الّتى من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك ، أو سفينة الولاية الّتى هي المركب المنجى الحقيقىّ فانّ مثل عترته مثل سفينة نوح (ع) ينجو من ركبها ويهلك من تخلّف عنها ، لنجعل تلك الفعلة من طغيان الماء أو ركوب السّفينة أو نفس السّفينة الّتى هي الشّريعة أو الطّريقة تذكرة لأمور الآخرة وتعيها اى الشّريعة أو الطّريقة بآدابها ، أو هذه التّذكرة اذن واعية شأنها ان تعى ما يسمع ويرى ، وورد انّ رسول الله (ص) لمّا نزلت هذه الآية قال : سألت الله عزوجل ان يجعلها اذنك يا علىّ (ع) ، وفي رواية قال (ص): اللهمّ اجعلها اذن علىّ (ع) (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) لمّا ذكر القيامة وفخّمها فضّلها للتّهويل والتّهديد والمراد بالنّفخة هي النّفخة الاولى أو الثّانية ، والتّوصيف بالواحدة للاشعار باختصارها وسهولتها مثل قوله تعالى : وما أمرنا الّا واحدة كلح بالبصر (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ) اى رفعت عن مكانها (وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) اى دقّتا وكسرتا ، والتّوصيف بالواحدة مثل توصيف النّفخة يعنى يجعل الأرض مثل الأديم المنبسط ليس فيها تلال ولا وهاد (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) اى القيامة ، سمّيت واقعة لوقوعها لا محالة (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ)

__________________

(١) الدّؤب بالضّم الجدّ والتّعب في العمل.

٢٠٠