تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٤

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٤

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٩١

خارجا من دين الله فانّه إذا جاء الفتح المطلق للسّالك يرى جميع الحدود والتّعيّنات مرتفعة كما قيل :

صورت خود را شكستى سوختى

صورت كلّ را شكست آموختى

وإذا انقلب البصر ورأى السّالك ذلك كان زمان ارتحاله الكلّىّ ونقلته العظمى قريبا فيستنبط من هذا أيضا نعى نفسه (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) اى نزّه ربّك أو لطيفتك الانسانيّة عمّا لا يليق بشأنه تعالى وشأنها وليكن تنزيهك بالجمع بين صفات الجلال والجمال ولا تكن كموسى (ع) ناظرا الى المظاهر ولا كعيسى (ع) ناظرا الى الظّاهر ، وكن ناظرا الى المظاهر والظّاهر من دون رجحان أحد النّظرين الى الآخر ، فانّ هذا معنى التّسبيح بالحمد يعنى إذا جاء نصر الله المطلق والفتح المطلق بحيث ترى الكلّ يدخلون في دين الله أفواجا فجاهد حتّى لا يختفى الكثرات عن نظرك ولا تشتغل بالتّوحيد عن حضورك ، والكلّ جنودك بل تكون جامعا بين الوحدة والكثرة والحقّ والخلق (وَاسْتَغْفِرْهُ) واطلب منه ستر الحدود حتّى لا يغلب رؤية الحدود على رؤية الحقّ الاوّل تعالى في المظاهر (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) كثير المراجعة على العباد ، أو استغفره لجنودك ما ترى عليهم من الحدود والنّقائص انّه كان توّابا على جميع خلقه.

سورة تبّت

مكّيّة خمس ايات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) تبّ تبّا وتببا وتبابا وتبيبا نقص وخسر ، وتبّ الشّيء قطعه ، ونسبة التّبّ الى يديه لأجل قطعه حياته الابديّة ووصلته الاخرويّة بيديه ، ولكون اعماله الّتى هي سبب الخسران والهلاك ظاهرة على يديه في الأغلب ، والجملة الاولى دعائيّة والثّانية خبريّة أو كلتاهما دعائيّة أو خبريّة ، ويكون الاولى بالنّسبة الى الدّنيا والاخرى بالنّسبة الى الآخرة ، أو بملاحظة انّ الاولى بالنّسبة الى نفسه والثّانية بالنّسبة الى الإغناء بالمال ، وابو لهب هذا عمّ رسول الله (ص) واسمه عبد العزّى وكنّوه بتلك الكنية لبريق وجنتيه ، وأتى بكنيته دون اسمه لمراعاة الجناس مع قوله : ذات لهب ، وكان شديد المعاداة لمحمّد (ص) : قيل : رأيت في سوق ذي المجاز شابّا يقول : ايّها النّاس قولوا : لا اله الّا الله تفلحوا ، وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه ، ويقول : ايّها النّاس انّه كذّاب فلا تصدّقوه ، فقلت : من هذا؟ ـ فقالوا : هو محمّد (ص) يزعم انّه نبىّ وهذا عمّه ابو لهب : يزعم انّه كذّاب (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ) لفظة ما موصولة وهي فاعل تبّ اى تبّ الإغناء الّذى اغنى عنه ماله أو مصدريّة وهي مع صلتها فاعل تبّ ، أو فاعل تبّ ابو لهب ، وما نافية والجملة خبريّة أو دعائيّة أو لفظة ما استفهاميّة (وَما كَسَبَ) ما موصولة أو مصدريّة أو نافية أو استفهاميّة ومعطوفة على ما اغنى أو مصدريّة أو موصولة ومعطوفة على ماله والمقصود ممّا كسب ما كسبه بما له من الأرباح والعرض والجاه والخدم والحشم ، أو المقصود ممّا كسب أولاده ، أو المجموع ، وهذا اخبار منه (ص) بما سيقع وقد وقع الأمر كما أخبر فانّه لمّا أنذره النّبىّ (ص) بالنّار قال : ان كان ما تقول حقّا افتد بمالي وولدي ، فافترسه أسد في طريق الشّام وقد احدق به العير ولم يغن عنه ماله ولا ولده ، ومات بالعدسة بعد وقعة بدر بايّام معدودة وترك ثلاثا حتّى أنتن ثمّ استأجروا بعض السّودان حتّى دفنوه (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) اى سيقاسى حرّها (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ

٢٨١

الْحَطَبِ) قرئ حمّالة الحطب بالرّفع وحينئذ يجوز ان يكون امرأته عطفا على المستتر في يصلى وان يكون عطفا على ما اغنى على ان يكون فاعل تبّ أو على يدا ابى لهب ويكون حمّالة الحطب على التّقادير خبر مبتدء محذوف أو صفة لامرأته إذا جعل معرفة بالاضافة ، ويجوز ان يكون امرأته مبتدء وحمّالة الحطب خبره أو صفته ، والجملة معطوفة على واحدة من الجمل السّابقة ، وقرئ حمّالة الحطب بالنّصب حالا أو مفعولا لمحذوف أو منصوبا على الاختصاص ، وامرأته على الوجوه السّابقة الّا انّه إذا كان مبتدء ويكون خبره بعده وسمّيت حمّالة الحطب لانّها كانت تحمل الأوزار الّتى هي وقود جهنّم بمعاداة الرّسول (ص) ، أو تحمل النّاس وتحمل زوجها على معاداة الرّسول وتجرّهم الى جهنّم بالصّدّ عن رسول الله (ص) والحمل على معاداته ، أو لانّها كانت تمشي بالنّميمة بين النّاس فيوقد نار العداوة بينهم وتسمّى النّميمة حطبا لذلك ، أو لانّها كانت تحمل حزمة الشّوك والخسك فتنشرها في طريق الرّسول (ص) (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) المسد بالسّكون الفتل ، وبالتّحريك المحور من حديد ، وحبل من ليف أو ليف المقل أو من اىّ شيء كان ، أو المفتول المحكم الفتل من اىّ شيء كان ، وقيل : هو حبل يكون له خشونة اللّيف وحرارة النّار وثقل الحديد يجعل في عنقها زيادة في عذابها ، وقيل : في عنقها سلسلة من حديد طولها سبعون ذراعا تدخل من فيها وتخرج من دبرها وتدار على عنقها في النّار ، وقيل : كانت قلادة في عنقها فاخرة من الجواهر فقالت : لانفقنّها في عداوة محمّد (ص) فيكون عذابا لها يوم القيامة ، وزوجة ابى لهب كانت بنت حرب وأخت ابى سفيان وكنيتها امّ جميل ولقبها العوراء ، ولمّا نزلت السّورة أقبلت ولها ولولة وهي تذمّ رسول الله (ص) فقال ابو بكر : يا رسول الله (ص) قد أقبلت امّ جميل وانّى أخاف عليك ، فقال رسول الله (ص): انّها لا تراني فجاءت ورأت أبا بكر ولم تر محمّدا (ص).

سورة الإخلاص

مكّيّة ، وقيل : مدنيّة ، اربع ايات ، وقيل : خمس ايات ، سمّيت سورة الإخلاص ، لانّ من قرأها واعتقد بها صار خالصا من جميع أنواع الشّرك ، وسمّيت سورة التّوحيد لدلالتها على التّوحيد ذاتا ووصفا ، ولانّ من قرأها على ما نزلت صار موحّدا ، وسمّيت سورة الصّمد ، وسورة قل هو الله ، وسورة نسبة الرّبّ ، وسورة الولاية كما تسمّى فاتحة الكتاب بسورة النّبوّة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) نزلت السّورة حين سأل المشركون رسول الله (ص) فقالوا : انسب لنا ربّك ، أو حين أتى رجلان منهم فقالا ذلك ، أو حين جاء أناس من أحبار اليهود فسألوه ذلك ، أو حين انطلق عبد الله بن سلام اليه فسأل ذلك وقد نقل كلّ ذلك في نزوله ، وقرئ أحد الله الصّمد بالوصل وتحريك التّنوين بالكسر ، وقرئ أحد الله الصّمد بالوصل وإسقاط التّنوين تشبيها للتّنوين بحرف اللّين ، وقرئ بالوقف بإسقاط التّنوين ، وقرئ كفوا مضمومة الفاء وبالواو وقرئ كفؤا ساكنة الفاء مهموزة ، وقرئ كفوا مضمومة الفاء مهموزة.

٢٨٢

بيان السعادة

واعلم ، انّ الأنبياء (ع) لهم حالات بالنّسبة الى الله والى عالم الغيب وتختلف مناجاتهم لله ومخاطبات الله لهم ومخاطباتهم للخلق بحسب اختلاف أحوالهم ، فانّه إذا انسلخ النّبىّ (ص) من جميع ماله من نسبة الأفعال والأوصاف والذّات ولم يبق في وجوده الّا فاعليّة الله تعالى يكون مخاطبات الله له بلسانه الّذى صار لسان الله فيصير كلام الله كلاما الهيّا بشريّا ويسمّى حديثا قدسيّا ، وإذا تنزّل عن ذلك المقام باقيا ببقاء الله متوجّها الى كثرات وجوده وهذا التّوجّه والالتفات يسمّى بالنّبوّة أو خلافة النّبوّة ، أو متوجّها الى كثرات العالم وهذا التّوجّه يسمّى بالرّسالة أو خلافة الرّسالة ، فكلّما تلقّى من الله بطريق القذف والإلهام وكلّما شاهد في عالم المثال في هذه الحال أو قبل النّزول الى ذلك المقام وكلّما وجد انموذجة من مدركاته وكلّما القى اليه الملك من العلم والحكم لا بنحو الوساطة من الله كان حديثا نبويّا ، وإذا تنزّل الى مقام البشريّة فكلّما تكلّم به من حيث تدبير الحياة الدّنيويّة من غير إظهار لحاظ الجهة الالهيّة يكون كلاما بشريّا ، وإذا كان خطاب الله في تلك الأحوال بتوسّط الملك المرسل من الله لتبليغ خطابه كان كلاما الهيّا وكتابا سماويّا ، فان كان النّبىّ (ص) في مقام الانسلاخ كان الخطاب من مقام الغيب واحديّة الذّات ، وان كان في مقام النّبوّة والرّسالة كان الخطاب من مقام الظّهور والواحديّة وهو مقام الولاية ، وكان الكلام في المقام الاوّل مشتملا على التّنزيه ونفى النّسب والإضافات ، وفي المقام الثّانى مشتملا على الإضافات واحكام الكثرات : ولذلك سمّيت السّورة بسورة التّوحيد ، وسورة الإخلاص ، وسورة الولاية ، لانّ المخاطب بها خوطب بها حين خلوصه من شوب الكثرات وحصول مقام الوحدة له وظهوره بشأن الولاية ، وسمّيت الفاتحة بسورة النّبوّة لانّ المخاطب بها خوطب بها حين ظهوره بشأن النّبوّة فقوله تعالى : قل هو الله أحد خطاب من مقام الاحديّة ولذلك أتى باسمه الخالص من شوب الصّفات اوّلا وهو لفظ هو بخلاف قوله تعالى : قل أعوذ بربّ الفلق ، وقل أعوذ بربّ النّاس ، وأمثال هذين.

اعراب سورة الإخلاص

واعراب السّورة المباركة بحسب الوجوه المحتملة كثيرة : فأقول ، لفظ هو ضمير الشّأن أو ضمير يشاربه الى مقام الغيب لتعيّنه في الأذهان أو ادّعاء تعيّنه أو هو علم واسم لمقام الغيب ، وعلى الأخيرين فالله بدل منه أو عطف بيان أو خبر أو مبتدء ثان ، واحد خبره والجملة خبر هو واكتفى عن العائد بتكرار المبتدء بالمعنى ، وأحد خبر أو خبر بعد خبر والله الصّمد مبتدء وخبر ، أو صفة وموصوف وخبر بعد خبر أو مبتدء وخبره لم يلد ، وعلى تقدير كونه مبتدء فالجملة خبر بعد خبر أو حاليّة أو مستأنفة جواب لسؤال عن حاله تعالى في نفسه أو عن علّة الحكم ولم يلد خبر أو خبر بعد خبر أو حال أو مستأنفة جواب لسؤال عن حاله تعالى مع غيره أو عن علّة الحكم ، وإذا كان هو ضمير الشّأن فالله أحد خبره والله الصّمد مبتدء وخبر وخبر بعد خبر لهو أو خبر بعد خبر لله أو حال أو مستأنفة في مقام السّؤال عن الحال أو عن علّة الحكم أو الله الصّمد موصوف وصفة وخبر بعد خبر لله ، أو مبتدء ولم يلد خبره والجملة خبر بعد خبر لهو أو لله أو حال أو مستأنفة.

معنى الأحد

واحد يقال بمعنى الواحد سواء جعل مهموزا في الأصل أو واويّا ويوم من الايّام ، ويقال للأمر المتفاقم احدىّ الأحد ، ويقال : فلان أحد الاحدين وواحد الاحدين وواحد الآحاد واحدىّ الأحد لا مثل له ، وقد يستعمل الأحد خاصّا بالله والوجه انّ في الأحد مبالغة في الوحدة والبالغ في الوحدة ان لا يكون فيه شوب كثرة بوجه من الوجوه لا كثرة العدد ولا كثرة الاجزاء المقداريّة ولا كثرة الاجزاء الخارجيّة من المادّة والصّورة ولا كثرة الاجزاء العقليّة من الجنس والفصل أو من المهيّة والوجود ، وبهذا المعنى لا يوصف به الّا الله ، ولهذه المبالغة خصّص الأحد في اصطلاحهم بمقام الغيب الّذى ليس فيه كثرة ولا لحاظ كثرة وقالوا : الأحد اسم لمقام الغيب الّذى

٢٨٣

لا اسم له ولا رسم ولا صفة له ولا خبر عنه ، والواحد اسم لمقام ظهوره تعالى بأسمائه وصفاته ففي مقام الواحديّة هو متكثّر بكثرة الأسماء والصّفات بحيث لا ينثلم وحدته بها ، وفي مقام الاحديّة لا كثرة فيه لا في الواقع ولا في العقل ولا في الاعتبار.

معنى الصّمد

والصّمد بالتّحريك السّيّد لانّ الصّمد بالسّكون بمعنى القصد والسّيّد من شأنه ان يقصد ، والدّائم والرّفيع والمصمت الّذى لا جوف له ، والرّجل الّذى لا يعطش ولا يجوع في الحرب ، خاطب الله سبحانه نبيّه (ص) في مقام انسلاخه عن جميع الكثرات وجميع الاعتبارات بقوله : قل يا محمّد (ص) في ذلك المقام مشيرا الى الذّات بدون اعتبار صفة من الصّفات.

تفسير السّورة

هو ، فانّ لفظ هو اسم له تعالى مجرّدا عن جميع الاعتبارات حتّى عن اعتبار التّعيّن ، الله يعنى انّ الذّات المجرّدة عن اعتبار الصّفات عين الذّات المعتبرة باعتبار جميع الأسماء والصّفات لا مغايرة بينهما الّا بالاعتبار ، فانّ الله اسم للذّات باعتبار جملة الصّفات ولذلك قيل : انّه امام الائمّة وقد مضى بيان لفظ الله في اوّل الفاتحة ، أحد يعنى انّه في عين استجماعه لجملة الصّفات منزّه عن جميع الكثرات لا يشوبه كثرة من كثرة الصّفات ، الله الصّمد اى السّيّد المصمود الّذى يصمده كلّ موجود وانتهى سؤدده ومصموديّته فانّه يستفاد الانتهاء في ذلك من الحصر المستفاد من تعريف المسند ، والدّائم الّذى لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ، والمرتفع الّذى لا رفيع فوقه ، والقائم بنفسه الغنىّ عن غيره ، لم يلد بانفصال شيء منه سواء كان المنفصل ولدا مماثلا له أو شيئا غير مماثل له فانّه لا مباين له حتّى يكون منفصلا منه أو غير منفصل ، ولم يولد ولم ينفصل هو من شيء من الأشياء فانّه لا شيء غيره حتّى يكون هو منفصلا منه ومباينا له ، ولم يكن له كفوا أحد تقديم الظّرف لشرافته ، وتقديم الخبر للاهتمام بنفي الكفاءة ولمراعاة رؤس الآي ، وقد ورد في بعض الاخبار ما يدلّ على اعتبار الحروف في الأسماء ، وما يدلّ على انّ دلالة الأسماء على المسميّات ليست بمحض المواضعة بل يعتبر المناسبات الذّاتيّة بين الأسماء وحروفها وبين المسميّات فانّه ورد عن الباقر (ع) انّه قال : قل اى أظهر ما أوحينا إليك ونبّأناك به لتأليف الحروف الّتى قرأناها لك ليهتدى بها من القى السّمع وهو شهيد ، وهو اسم مكنّى مشار به الى غائب ، فالهاء تنبيه على معنى ثابت ، والواو اشارة الى الغائب عن الحواسّ كما انّ قولك هذا اشارة الى الشّاهد عند الحواسّ وذلك انّ الكفّار نبّهوا عن الهتهم بحرف اشارة الشّاهد المدرك ، فقالوا : هذه الهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار فأشر أنت يا محمّد (ص) الى إلهك الّذى تدعو اليه حتّى نراه وندركه ولا نأله فيه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : قل هو فالهاء تثبيت للثّابت ، والواو اشارة الى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواسّ وانّه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواسّ ، قال (ع): الله معناه المعبود الّذى أله الخلق عن درك مائيّته والاحاطة بكيفيّته ، ويقول العرب : أله الرّجل إذا تحيّر في الشّيء فلم يحط به علما ، ووله إذا فزع الى شيء ممّا يحذره ويخافه ، والإله هو المستور عن حواسّ الخلق ، قال (ع): الأحد الفرد المتفرّد ، والأحد والواحد بمعنى واحد وهو المتفرّد الّذى لا نظير له ، والتّوحيد الإقرار بالوحدة وهو الانفراد ، والواحد المتباين الّذى لا ينبعث من شيء ولا يتّحد بشيء ومن ثمّ قالوا : انّ بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لانّ العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله : الله أحد اى المعبود الّذى يأله الخلق عن إدراكه والاحاطة بكيفيّته فرد بالهيّته متعال عن صفات خلقه ، قال (ع): وحدّثنى ابى زين العابدين (ع) عن أبيه الحسين بن علىّ (ع) انّه قال : الصّمد الّذى لا جوف له والصّمد الّذى قد انتهى سؤدده ، والصّمد الّذى لا يأكل ولا يشرب ، والصّمد الّذى لا ينام ، والصّمد الدّائم الّذى لم يزل ولا يزال ، قال (ع): كان محمّد بن الحنفيّة يقول : الصّمد القائم بنفسه والغنىّ عن غيره ، وقال غيره : الصّمد المتعالي عن الكون والفساد ، والصّمد الّذى لا يوصف بالتّغاير قال (ع): الصّمد السّيّد المطاع

٢٨٤

الّذى ليس فوقه آمر ولا ناه ، قال (ع): وسئل علىّ بن الحسين (ع) عن الصّمد فقال : الصّمد الّذى لا شريك له ولا يؤده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء ، وروى عن زيد بن علىّ (ع) انّه قال : الصّمد الّذى إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، والصّمد الّذى أبدع الأشياء فخلقها اضدادا واشكالا وأزواجا ، وتفرّد بالوحدة بلا ضدّ ولا شكل ولا مثل ولا ندّ ، وعن الصّادق (ع) عن أبيه (ع) انّ أهل البصرة كتبوا الى الحسين بن علىّ (ع) يسألونه عن الصّمد فقال : كتب إليهم بسم الله الرّحمن الرّحيم امّا بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علم فقد سمعت جدّى رسول الله (ص) يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النّار ، وانّ الله سبحانه قد فسّر الصّمد فقال الله : قل هو الله أحد الله الصّمد ثمّ فسّره فقال : لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، لم يلد يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة الّتى تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنّفس ولا تنشعب منه البدوات كالسّنة والنّوم والخطرة والهمّ والحزن والضّحك والبكاء والخوف والرّجاء والرّغبة والسّأمة والجوع والشّبع ، تعالى عن ان يخرج منه شيء وان يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف ، ولم يولد ولم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشّيء من الشّيء والدّابّة من الدّابّة والنّبات من الأرض والماء من الينابيع والثّمار من الأشجار ، ولا كما يخرج الأشياء اللّطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسّمع من الاذن ، والشّمّ من الأنف ، والذّوق من الفم ، والكلام من اللّسان ، والمعرفة والتّميز من القلب ، وكالنّار من الحجر ، لا بل هو الله الصّمد الّذى لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدء الأشياء وخالقها ، ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه ، فذلكم الله الصّمد الّذى لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشّهادة الكبير المتعال ، ولم يكن له كفوا أحد ، وعن الصّادق (ع) انّه قدم وفد من فلسطين على الباقر (ع) فسألوه من مسائل ، فأجابهم ، ثمّ سألوه عن الصّمد فقال : تفسيره فيه ، الصّمد خمسة أحرف ، فالالف دليل على انيّته وهو قوله عزوجل : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وذلك تنبيه واشارة الى الغائب عن درك الحواسّ ، واللّام دليل على الهيّته بانّه هو الله ، والالف واللّام مدغمان ولا يظهر ان على اللّسان ولا يقعان في السّمع ويظهر ان في الكتابة دليلان على انّ الهيّته بلطفه خافية لا تدرك بالحواسّ ولا تقع في لسان واصف ولا اذن سامع لانّ تفسير الإله هو الّذى أله الخلق عن درك مائيّته وكيفيّته بحسّ أو بوهم لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواسّ وانّما يظهر ذلك عند الكتابة فهو دليل على انّ الله تعالى أظهر ربوبيّته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللّطيفة في أجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الى نفسه لم ير روحه كما انّ لام الصّمد لا يتبيّن ولا يدخل في حاسّة من حواسّه الخمس فاذا نظر الى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف ، فمتى تفكّر العبد في مائيّة الباري وكيفيّته أله فيه وتحيّر ولم تحط فكرته بشيء يتصوّر له لانّه عزوجل خالق الصّور فاذا نظر الى خلقه ثبت له انّه عزوجل خالقهم ومركّب أرواحهم في أجسادهم ، وامّا الصّاد فدليل على انّه عزوجل صادق ، وقوله صدق ، وكلامه صدق ، ودعا عباده الى اتّباعه الصّدق بالصّدق ، ووعد بالصّدق دار الصّدق ، وامّا الميم فدليل على ملكه وانّه الملك الحقّ لم يزل ولا يزول ملكه ، وامّا الدّال فدليل على دوام ملكه وانّه عزوجل دائم تعالى عن الكون والزّوال بل هو عزوجل مكوّن الكائنات الّذى كان بتكوينه كلّ كائن ثمّ قال (ع) : لو وجدت لعلمي الّذى أتاني الله عزوجل حملة لنشرت التّوحيد والإسلام والايمان والدّين والشّرائع من الصّمد وكيف لي بذلك ولم يجد جدّى أمير المؤمنين (ع) حملة لعلمه حتّى كان يتنفّس الصّعداء ويقول على المنبر: سلوني قبل ان تفقدوني ، فانّ بين الجوانح منّى علما جمّا هاه هاه الا لا أجد من يحمله ألا وإنّي عليكم من الله الحجّة البالغة ف (لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) ، وعن الصّادق (ع) انّه سأله سائل عن التّوحيد فقال : انّ الله عزوجل علم انّه يكون في آخر الزّمان أقوام متعمّقون فأنزل الله

٢٨٥

قل هو الله أحد والآيات من سورة الحديد الى قوله : عليم بذات الصّدور فمن رام وراء ذلك فقد هلك ، والمراد بالآيات من سورة الحديد آيات اوّلها الى قوله عليم بذات الصّدور فانّ الله تعالى أدرج فيها دقائق التّوحيد الّذى لا يصل إليها ادراك المتعمّقين في التّوحيد فكيف بغيرهم!. وسئل الرّضا (ع) عن التّوحيد فقال : كلّ من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التّوحيد ، قيل : كيف يقرؤها؟ ـ قال : كما يقرؤها النّاس وزاد فيها كذلك الله ربّى مرّتين ، ولمّا كان السّورة مشتملة على توحيده تعالى وإضافاته وكان القارى كأنّه يقرأ بلسان الله ويأمر بلسان الله نفسه بالتّوحيد وبكيفيّة إضافاته ورد عنهم بعد تمامه : كذلك الله ربّى ، مرّتين ، اشارة الى امتثال امره وإقرارا بتوحيده وإضافاته ، ولمّا كان السّورة مشتملة على توحيده وإضافاته وسلوبه روى عن الفضيل بن يسار ، انّ أبا جعفر أمرني ان اقرأ قل هو الله أحد وأقول إذا فرغت منها : كذلك الله ربّى ، ثلاثا ، اشارة الى الامتثال بالإقرار بالتّوحيد وإضافاته وسلوبه ، ولمّا كان العلوم ثلاثة بمضمون ما ورد عن النّبىّ (ص) من قوله : انّما العلم ثلاثة ؛ آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنّة قائمة ، وتمام القرآن لبيان هذه الثّلاثة ، وهذه السّورة مشتملة بايجازها على تمام الآيات المحكمات ورد عنهم : انّ من قرأها كان كمن قرء ثلث القرآن ، والوجه الآخر في ذلك انّ السّالك الى الله لا يحصل له السّلوك الّا بالجذب والانسلاخ من الكثرات وبالتّوجّه الى الكثرات ، والتّوجّه الى الكثرات امّا لمرمّة المعاش أو تزوّد المعاد ، وتمام القرآن لبيان كيفيّة هذه الثّلاثة والسّورة المباركة في مقام الجذب والانسلاخ ، والوجه الآخر انّ القرآن لاثبات الرّبّ وتوحيده وإثبات الخلق وتكثيرهم ، وإثبات الوسائط بين الرب والخلق ، والوجه الاخر ان القران لبيان اضافة الحقّ الى الخلق واضافة الخلق الى الرّبّ وبيان الوسائط بين الاضافتين ، ولمّا لم يكن يتمّ سلوك السّالك الّا بطروّ حال الجذب والانسلاخ عليه فانّه لو لم يكن للسّالك حرارة الجذب جملة ولم يتحرّك الى الله ورد عن الصّادق (ع): من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات ولم يقرء فيه بقل هو الله أحد قيل له : يا عبد الله لست من المصلّين ، وليس المراد بقراءة قل هو الله لقلقة اللّسان فقط فانّها ربّما تصير وبالا على القارى ، بل المراد توفيق الحال للقال حتّى ذاق القارى ووجد في وجوده أنموذج الانسلاخ ولهذا الوجه ورد عنه (ع): من مضت له جمعة ولم يقرء بقل هو الله أحد ثمّ مات مات على دين ابى لهب لانّ أبا لهب كان فارغا من حرارة الجذب الفطرىّ ، وقد ورد في حقّ هذه السّورة فضائل كثيرة عنهم (ع) ولفضلها لا يجوز العدول عنها في الفريضة الى غيرها إذا شرع المصلّى فيها ، وإذا صلّى ولم يقرء في صلوته بقل هو الله أحد كان صلوته ناقصة كما في الاخبار ، وقد روى عن النّبىّ (ص) انّه قال : من قرأ قل هو الله أحد مرّة بورك عليه ، فان قرأها مرّتين بورك عليه وعلى اهله ، فان قرأها ثلاث مرّات بورك عليه وعلى اهله وعلى جميع جيرانه ، فان قرأها اثنتى عشره مرّة بنى له اثنا عشر قصرا في الجنّة ؛ فتقول الحفظة : انطلقوا بنا ننظر الى قصر أخينا! فان قرأها مأة مرّة كفّر عنه ذنوب خمس وعشرين سنة ما خلا الدّماء والأموال ، فان قرأها اربعماة كفّر عنه ذنوب اربعمائة سنة ، فان قرأها الف مرّة لم يمت حتّى يرى مكانه من الجنّة أو يرى له ، والاخبار في انّها تعدل ثلث القرآن وانّ من قرأها ثلاث مرّات الف مرّة لم يمت حتّى يرى مكانه من الجنّة أو يرى له ، والاخبار في انّها تعدل ثلث القرآن وانّ من قرأها ثلاث مرّات كان كمن قرأ القرآن كلّه كثيرة ، وروى انّه جاء رجل الى النّبىّ (ص) فشكا اليه الفقر وضيق المعاش فقال له رسول الله (ص) : إذا دخلت بيتك فسلّم ان كان فيه أحد وان لم يكن فيه أحد فسلّم واقرأ قل هو الله أحد مرّة واحدة ، ففعل الرّجل فأفاض الله عليه رزقا حتّى أفاض على جيرانه ، وعن الصّادق (ع) انّه قال : من اصابه مرض أو شدّة فلم يقرأ في مرضه أو شدّته بقل هو الله أحد ثمّ مات في مرضه وفي تلك الشّدّة الّتى نزلت به فهو من أهل النّار ، وسبب ذلك انّ هذا المبتلى لو كان بقي فطرته الّتى بها ينجذب الى عالم الآخرة والى الله يصير مرضه وشدّته لا محالة سببا لانسلاخه وتوجّهه الى الله ، وهذا الانسلاخ هو قراءة قل هو الله قرأ أو لم يقرء ، وإذا لم ينسلخ علم انّه لم يبق فيه الفطرة فكان من أهل النّار لانّ من لم يبق

٢٨٦

فيه فطرة الانسانيّة كان مرتدّا فطريّا غير مقبول التّوبة ، وعنه (ع) انّه قال : من يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع ان يقرأ في دبر الفريضة بقل هو الله أحد فانّه من قرأها جمع له خير الدّنيا والآخرة وغفر الله له ولوالديه وما ولد ، أو وجهه يستنبط ممّا ذكرنا ، فانّ الفريضة عبارة عن التّوجّه الى الله والى الآخرة ، فاذا كان من صلّى الفريضة كما هو مأمور بها لا بدّ وان تنتهي به الى حالة الانسلاخ والدّخول في دار القلب الّتى هي دار التّوحيد وفي ذلك الانسلاخ وهذا الدّخول خير الدّنيا والآخرة وغفران الذّنوب له ولمن اتّصل به ؛ فجاهدوا إخواني حتّى يكون صلوتنا باعثة لانسلاخنا من أنفسنا واهويتها ومورثة لدخولنا في دار القلب أو توجّهنا إليها ، ولا نكون ممّن يصلّى والصّلوة تلعنه ، وعن ابى الحسن (ع) انّه يقول : من قدّم قل هو الله أحد بينه وبين كلّ جبّار منعه الله منه ، يقرأها بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، فاذا فعل ذلك رزقه الله خيره ومنعه شرّه ، وسرّ ذلك ما ذكرنا.

سورة الفلق

مدنيّة ، وقيل : مكّيّة ، خمس ايات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) يعنى قل يا محمّد (ص) إذا تنزّلت الى مقام بشريّتك وصرت بحال تتأثّر ممّا يرد عليك إذا لم يكن ملائما لك ويؤثّر فيك تصرّفات الخلق وسحرهم أعوذ بربّ الفلق يعنى أنشئ العوذ بهذه الكلمة أو أخبر من عوذى بهذه الكلمة حتّى تكون بذلك العوذ محفوظا من شرّ الأشرار ، والفلق محرّكة الصّبح ، أو ما انفلق من عموده ، أو الفجر ، أو الخلق كلّهم أو جهنّم أوجب فيها ، والمناسب ان يكون الاستعاذة في حال نزوله (ص) الى مقام البشريّة الى ربّ الصّبح منتظرا لطلوعه وذهاب ظلمة ليلة بشريّته (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) أتى بلفظ ما دون من للتّعميم وأتى بلفظ خلق للاشارة الى انّ المبدعات والمنشآت والمخترعات العلويّة لا شرّيّة فيها ، وامّا المخترعات السّفليّة فهي داخلة في الخلق (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) الغاسق اللّيل إذا غاب الشّفق والقمر وكلّ هاجم بضرره والمعنى أعوذ من شرّ اللّيل إذا دخل لانّ كلّ ذي شرّ في الأغلب يظهر شرّه في اللّيل أكثر من النّهار ، أو من شرّ كلّ ما يهجم بشرّه ، وقيل : المعنى من شرّ الثّريّا إذا سقطت لكثرة الأسقام عند سقوطها ، وقيل : المعنى من شرّ الذّكر إذا قام ، والغسق محرّكة ظلمة اوّل اللّيل وشيء من قماش الطّعام كالزّوان (١) ونحوه ، وغسقت عينه كضرب وسمع أظلمت أو دمعت ، وغسق الجرح سال منه ماء اصفر ، وغسق اللّيل واغسق اشتدّت ظلمته (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) اى من شرّ النّفوس اللّاتى يعقدن على الشّعور والخيوط وينفثن فيها ويسحرن النّاس بها ، أو النّساء اللّاتى يفعلن ذلك (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) اى من شرّ من له قوّة الحسد إذا ظهر حسده فانّ الحسد المكمون لا يضرّ المحسود ولا يضرّ الحاسد الّا انّه نقصان في وجود الحاسد ، خصّ هذه الثّلاث بالذّكر بعد تعميم الاستعاذة من شرّ جميع ذوي الشّرور للاهتمام بالاستعاذة منها ، لانّ ضرّ هذه الثّلاث وشرّها خفىّ لا يمكن التّحرّز منها فينبغي ان يتعوّذ منها بالله العليم بالخفيّات القدير على الحفظ منها ، روى انّ لبيد بن الأعصم اليهوديّ سحر رسول الله (ص) ثمّ دسّ ذلك في بئر

__________________

(١) الزّوان بكسر المعجمة وقد تضمّ حبّ يخالط البرّ.

٢٨٧

لبني زريق ، فمرض رسول الله (ص) فبينا هو نائم إذا أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فأخبراه بذلك وانّه في بئر كذا ، فانتبه رسول الله (ص) وبعث عليّا والزّبير وعمّارا ، فنزحوا ماء تلك البئر ثمّ رفعوا الصّخرة الّتى كانت في قعر البئر فاذا فيه مشّاطة رأس وأسنان من مشطة وإذا فيه معقد فيه اثنا عشر عقد مفروزة بالابر ، فنزلت هاتان السّورتان فجعل كلّما يقرأ آية انحلّت عقدة ووجد رسول الله (ص) خفّة فقام فكأنّما انشط من عقال ، وروى قصّة نزول السّورتين بغير هذا الطّريق مع اختلاف في اللّفظ والمعنى ، ولمّا كان المقصود من الأمر بالقراءة ان يصير القارى بحال يكون لسانه لسان الله أو لسان الملك النّازل من الله لا لسان نفسه ويصير سمعه سمع اللّطيفة النّبويّة فيصير في أمثال هذه المخاطبات آمرا من الله للطيفته النّبويّة ويجعل عالمه الصّغير أنموذجا للعالم الكبير ، جاز ان ينظر القارى حين قراءة السّورة الى عالمه واستعاذ من أهل مملكته من أعضائه وقواها ونفسه وجنودها فيقول امتثالا لأمر الله : أعوذ بربّ الفلق اى بربّ المواليد المنفلق من بدني ونفسي ، أو بربّ الصّبح المنفلق أو الفالق لظلمة ليل طبعي ونفسي من شرّ ما خلق في مملكتي من القوى البهيميّة والسّبعيّة والشّيطانيّة ، ومن الأعضاء والآلات البدنيّة أو من شرّ الاحتجاب بالخلق عن الحقّ فانّ شرّ الكلّ من أهل العالم الكبير أو الصّغير راجع الى الاحتجاب بهم عن الحقّ ، ومن شرّ غاسق اى البدن وظلماته إذا دخل ظلمته في عالم الرّوح وجعل الرّوح مظلما بظلمانيّته ، أو من شرّ امراض البدن إذا دخلت واثّرت في الرّوح ، أو من شرّ القبض أو النّفس واهويتها إذا اثّرت في الرّوح ، ومن شرّ النّفّاثات اى القوى العلّامة والعمّالة الّتى تعقد في طريق السّالك وتنفث بحيلها فيها حتّى لا يمكن للرّوح حلّها والتّجاوز عنها فانّ العلّامة الشّيطانيّة تحمل العمّالة على امر باطل لا حقيقة له فيجعله العلّامة بتمويهاتها بحيث لا يمكن الإنسان ان يتجاوز عنها ولا ان يتركها فتهوي بالانسانيّة من عالمها الى شبكة ذلك الأمر فتهلكها ، ومن شرّ حاسد من النّفس وقواها الّتى تتمنّى مداما زوال النّعمة عن الانسانيّة وعدم ترقّيها الى مقام القلب ومقام الشّهود والغنى ، وتتمنّى ان تكون الانسانيّة في الحجاب والبعد والعذاب مثلها إذا حسد الانسانيّة وألقاها في شبائكها.

سورة النّاس

مدنيّة ، ستّ ايات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) لمّا كان الله تعالى شأنه امر نبيّه (ص) بالاستعاذة من الوسواس الصّادر من شياطين الجنّ والانس ، وكان ذلك الوسواس لا يتعلّق بغير الإنسان النّاسى لذكر الله أضاف الرّبّ الى النّاس وعبّر بالنّاس للاشارة الى انّ ذلك الوسواس لا يكون الّا للنّاسى ، وربّ النّاس هو ربّ الأرباب لكن باسمه المحيط بكلّ الأسماء المسخّر لكلّ الأرباب وهو ربّ النّوع الانسانىّ ، وهو المعبّر عنه بالرّوح وهو أعظم من جبرئيل وميكائيل ولم يكن مع أحد من الأنبياء (ع) وكان مع محمّد (ص) ومرتبته فوق الإمكان وتحت الوجوب وهي مقام علويّة علىّ (ع) والمعنى يا محمّد (ص) أخبر عن استعاذتك بالله وانشئها بلسان قالك وبلسان حالك ، ولمّا كان استعاذتك من شرّ الوسواس وليس يظهر ذلك الّا في مظهر النّاس سواء كان بلسان النّاس أو بلسان الجنّ في صدر النّاس كان ينبغي لك الاستعاذة بربّ النّاس مخصوصا بخلاف استعاذتك في السّورة السّابقة ، ولمّا كان يظهر اوّل الأمر آثار ربوبيّته للسّالك بالتّنقيص والتّكميل والخذلان والجبران بالغفران امر نبيّه (ص) بان يعبّر عنه اوّلا بعنوان الرّبوبيّة وأبدل عنه قوله

٢٨٨

(مَلِكِ النَّاسِ) شعارا بانّه تعالى في ثانى الأحوال يظهر على السّالك ملكيّته ومالكيّته لكلّ الأشياء ، وذلك بعد الفناء التّامّ والتّقوى التّامّة وأبدل عنه آخرا قوله (إِلهِ النَّاسِ) للاشارة الى انّه تعالى بعد فناء العبد وبقائه بعد الفناء يصير معبودا للعبد ، وامّا قبل ذلك فمعبوده يكون اسما من أسمائه وأظهر النّاس مع انّ المقام كان مقام الإضمار اشعارا بذمّه على نسيانه بفطرته مع انّه لا ينبغي ان يكون ناسيا لربّه الموصوف بتلك الأوصاف الثّلاثة (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) الوسواس بكسر الواو مصدر وسوس والوسواس بالفتح اسم للمصدر وهو على معناه المصدرىّ فيكون قوله تعالى (الْخَنَّاسِ) بدلا منه بدل الاشتمال أو هو بمعنى الموسوس فيكون الخنّاس صفة له ، وسمّى الموسوس بالوسواس للمبالغة ، والخنوس التّأخّر أو الغيبة ، ولمّا كان الشّيطان الموسوس من عادته التّأخّر عن الإنسان أو الغيبة عنه حين ذكر الله سمّى خنّاسا (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) والوسوسة حديث النّفس وحديث الشّيطان بما لا خير فيه ولا نفع ، ووسوس له واليه (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) من تبعيضيّته أو بيانيّة ، والظّرف حال من الوسواس على ان يكون الوسواس بمعنى الموسوس ، أو ابتدائيّة والظّرف أيضا حال على ان يكون بمعنى المصدر ، أو ابتدائيّة والظّرف متعلّق بيوسوس اى يوسوس من جهة الجنّة والنّاس.

قد تمّ الكتاب بتوفيق الملك الوهّاب على يد مؤلّفه سلطان محمّد بن حيدر محمّد بن سلطان محمّد بن دوست محمّد بن نور محمّد بن الحاجّ محمّد بن الحاج قاسم علي البيدختىّ الجنابذىّ الخراسانىّ بشّرهم الله بما بشّر به عباده المؤمنين في الرّابع عشر من شهر صفر المظفّر من شهور السّنة الحادية عشرة بعد الثّلاثمائة بعد الالف من الهجرة النّبويّة على هاجرها آلاف التّحيّة.

والحمد لله على توفيقه للتّدبّر في كتابه والتّفكّر في أحاديث خلفائه ، والصّلوة والسّلام على جميع خلفائه ، ولا سيّما على محمّد وأهل بيته الطّاهرين خصوصا على ابن عمّه وخليفته بلا فصل ووصيّه وصهره علىّ بن ابى طالب عليهما الصّلوة والسّلام ١٤ شهر صفر المظفّر ١٣١١.

تمّ طبع الكتاب بعون الله الملك الوهّاب

وكان اختتام طبعه سابع رمضان المبارك من شهور السّنّة السّادسة والثّمانين بعد ثلاثمائة والف من الهجرة النّبويّة على مهاجرها وآله الف سلام وتحيّة ، وهذا من حسن الاتّفاق لانّه هو الشّهر الّذى نزل فيه القرآن فالحمد لله على ذلك وكان افتتاح طبعه في شوال المكرّم من شهور سنة اربع وثمانين وثلثمائة بعد الف من الهجرة.

اللهمّ لك الحمد على ما أنعمت به علينا بهذا التّوفيق فصلّ على نبيّك وآله واجعل هذا الأمر منا خالصا لوجهك الكريم وتقبّله بقبول حسن وأنفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون الّا من أتى الله بقلب سليم والسّلام على من اتّبع الهدى.

وكان ذلك سابع رمضان المبارك ١٣٨٦ الهجرية

ويطابقه (٢٩ / ٩ / ١٣٤٥ الهجرية الشّمسية)

٢٨٩

فهرست السّور والمطالب

عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

سورة مريم

١

وفي معنى ليعبدون ، اي ، ليعرفون)

١١٦

تحقيق كون الكفربارادة الله وعدم رضاءبه ورضاء بالايمان

٢

سورة الطور

١١٧

بيان انباع احسن القول وتحقيقه

٥

سورة النجم

١٢٠

الجزء الرابع والعشرون

٨

سورة القمر

١٢٦

تحقيق تبديل الارض واشراقها بنوريّها

١٥

سورة الرحمن

١٣١

سورة المؤمن

١٧

سورة الواقعة

١٣٧

تحقيق البداء ونسبة التردد والمخو والاثبات الى الله تعالى

٢٧

العم (شرح في اصحاب الشمال واصحاب اليمين)

١٣٨

سوم حم السجدة

٣١

سورة الحديد

١٤٣

الجزء الخامس والعشرون

٣٩

الانفاق قبل الفتح

١٤٦

سورة الشورى

٤١

الجزء الثامن والعشرون

١٥٣

سورة الزخرف

٥٢

سورة المجادلة

١٥٣

سورة الدخان

٦٤

اعلم (بيان في النجوى)

٥٦١ و ١٥٧

اعلم (تأويل معنى الليالي والايام وبيان في علة اختلاف الاحكام والاخبار

٦٤

سورة الحشر

١٦٠

سورة الجالية

٧٠

سورة الحشر

١٦٠

الجزء السادس والعشرون

٧٥

سورة الممتحنة

١٦٨

سورة الاحقاف

٧٥

اعلم (بيان في البيعة وبيعة النساء)

١٧١

سورة محمد

٨١

سورة الصف

١٧٢

حديث في احوال الناس في آخرالزمان

٨٤

سورة الجمعة

١٧٤

سورة الفتح

٨٨

اعلم (بيان في ايام الاسبوع)

١٧٦

شرح في صلح الحديبية

٨٩

سورة التغابن

١٨٠

اعلم (بيان في ذنب كل انسان بحسب مقامه)

٩١

سورة الطلاق

١٨٤

شرح في فتح خيبر

٩٥

سورة التحريم

١٨٧

اعلم (بيان في شأن السلوك بحسب مقامه)

٩١

الجزء التاسع والعشرون

١٩٠

شرح في فتخ خيبر

٩٥

سورة الملك

١٩٠

اعلم (بيان في شأن السلوم وشأن الجذب)

٩٩

سورة القلم

١٩٤

سورة الحجرات

١٠٠

سورة الحاقة

١٩٨

اقسام الظن وهي خمسة بحسب احكام الخمسة

١٠٣

سورة المعارج

٢٠٢

معنى الغيبة

١٠٣

سورة نوح

٢٠٥

اعلم (بيان في معنى الاسلام والايمام)

١٠٥ و ١٠٦

سورة المزمل

٢١١

سورة ق

١٠٧

سورة المدثر

٢١٤

حديث في تجدد العوالم غير هذا العالم

١٠٨

كلمات متغايرة من وليدين مغيرة في حق الرسول (ص)

٢١٥

سورة الذاريات

١١٢

سوة القيامة

٢١٨

حديث في كيفية وضع الارض وطبقات السماوات

١١٢

سورة الدهر

٢٢١

الجزء السابع والعشرون

١١٥

اعلم (بيان في تجسم الاعمال في الآخرة)

٢٢٢

اعلم (في معنى المقدسي : كنت كترا مخفيا (الخ)

٢٩٠

عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

الجزء الثلاثون

٢٢٨

سورة العلق

٢٦٥

سورة النبأ

٢٢٨

سورة القدر

٢٦٦

سورة النازعات

٢٣١

سورة البينة

٢٦٨

سورة عبس

٢٣٤

سورة الزلزال

٢٦٩

سورة التكوير

٢٣٦

غزوة علي (ع) لاهل الوادي اليابس

٢٧٠

سورة الانفطار

٢٣٨

سورة القارعة

٢٧١

سورة التطفيف

٢٣٩

سورة التكاثر

٢٧١

بيان في بسط معنى التطفيف

٢٣٩

سورة العصر

٢٧٣

سورة الانشقاق

٢٤٢

سورة الهمزة

٢٧٤

سورة البروج

٢٤٣

سورة الفيل

٢٧٥

ذكر حكاية اصحاب الاخدود

٢٤٤

سورة قريش

٢٧٦

سورة الطارق

٢٤٦

سورة الماعون

٢٧٦

سورة الاعلى

٢٤٧

سورة الكوثر

٢٧٧

سورة الغاشية

٢٤٩

سورة الكافرون

٢٧٨

سورة الفجر

٢٥١

سورة النصر

٢٧٩

وصف ارم ذات العماد

٢٥٢

سورة تبت

٢٨٠

اعلم (بيان وحديث في حالة النزع)

٢٥٤

سورة الاخلاص

٢٨١

سورة البلد

٢٥٥

اعراب سورة الاخلاص

٢٨٢

شرح في القوى الاربع للانسان

٢٥٦

معنى الاحد

٢٨٢

سورة الشمس

٢٥٧

معنى الصمد

٢٨٣

سورة الليل

٢٥٨

تفسير السورة

٢٨٣

سورة الضحى

٢٦٠

سورة الفلق

٢٨٦

سورم الم نشرح

٢٦٢

سورة الناس

٢٨٧

سورة التبن

٢٦٣

٢٩١