تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٤

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٤

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٩١

دخله التّغيّر ، وإذا دخله التّغيّر لم يؤمن عليه بالابادة ، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكوّن من المكوّن ، ولا القادر من المقدور ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن هذا القول علوّا كبيرا ، هو الخالق للأشياء لا لحاجة فاذا كان لا لحاجة استحال الحدّ والكيف فيه ، فافهم ذلك ان شاء الله (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) من قبيل عطف التّفصيل على الإجمال (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) متقدّمين ليتّعظوا بهم ويعتبروا بأفعالهم وما لهم وما عليهم وهو مصدر وصف به ، أو جمع للسّالف كالخدم للخادم وقرئ سلفا بضمّ السّين واللّام جمعا للسّليف كالرّغيف ، أو للسّالف أو للسّلف كالخشب ، وقرئ بضمّ السّين وفتح اللّام على انّه مخفّف سلف بالضّمّتين ، أو جمع سلفة بمعنى السّالفين ، (وَمَثَلاً) المثل في الأصل بمعنى الشّبيه لكنّه جعل بالغلبة اسما لأمر غريب سلف يشبّه به كلّ امر حادث فيه غرابة يعنى جعلناهم بحيث يضرب بهم الأمثال لكلّ من فعل فعلا قبيحا يقع بسببه في بليّة (لِلْآخِرِينَ) اى الآتين على عقبهم (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) لعلىّ بن ابى طالب (ع) اى لمّا اجرى ابن مريم حالكونه مشبّها به لعلىّ بن ابى طالب (ع) كما ذكر في اخبار كثيرة (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ) اى من علىّ (ع) أو من هذا التّشبيه (يَصِدُّونَ) يضجّون أو يعرضون أو يمنعون وقرئ يصدّون بضمّ الصّاد وبكسرها ، وعن النّبىّ (ص) انّه قال : الصّدود في العربيّة الضّحك هذا ما وصل إلينا في اخبار كثيرة نشير الى شطر منها ، وقيل : معناه ولمّا ضرب ابن مريم مثلا وشبيها بالآلهة في العذاب فانّه لمّا نزل انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم ، قال المشركون : قد رضينا بان تكون آلهتنا حيث يكون عيسى (ع) ومعنى إذا قومك منه يصدّون يضجّون نحو ضجيج المجادلين حيث خاصموك في تمثيلهم لعيسى (ع) بآلهتهم ، وقيل : لمّا ضرب الله المسيح مثلا بآدم (ع) في قوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) خاصم بعض قريش النّبىّ (ص) فنزلت ، وقيل : لمّا مدح النّبىّ (ص) المسيح (ع) قالوا : انّ محمّدا (ص) يريد ان نعبده كما عبدت النّصارى عيسى (ع) ، وروى بينا رسول الله (ص) ذات يوم جالس إذ اقبل أمير المؤمنين (ع) فقال له رسول الله (ص) : انّ فيك شبها من عيسى بن مريم (ع) ، لو لا ان تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى بن مريم (ع) لقلت فيك قولا لا تمرّ بملاء من النّاس الّا أخذوا التّراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة ، قال : فغضب الاعرابيّان والمغيرة بن شعبة وعدّة من قريش معهم فقالوا : ما رضى ان يضرب لابن عمّه مثلا الّا عيسى بن مريم ..! فأنزل الله على نبيّه ولمّا ضرب ابن مريم مثلا (الى قوله) لجعلنا منكم يعنى من بنى هاشم ملائكة في الأرض يخلفون ، وبهذا المضمون باختلاف يسير في اللّفظ اخبار كثيرة (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) اى عيسى يعنى انّ عيسى (ع) خير من آلهتنا فاذا كان هو في النّار فرضينا ان يكون آلهتنا في النّار ، أو هو كناية عن محمّد (ص) فانّهم قالوا : يريد ان نعبده كما عبد النّصارى المسيح ، وآلهتنا خير منه وهو ينهانا من عبادتها ، أو المعنىءآلهتنا خير أم المسيح وكان مرادهم الزام محمّد (ص) فانّه لمّا مدح المسيح أرادوا ان يقولوا : ان كان عبادة غير الله جائزا ظنّا منهم انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في مدحه لعيسى يجوّز عبادة النّصارى له فليجز عبادة آلهتنا ، أو المراد آلهتنا خير أم علىّ (ع)؟! وهو يمثّل عليّا بعيسى (ع) (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) اى لأجل المجادلة معك (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) كثير المخاصمة ولذلك يخاصمونك (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ) اى ان علىّ (ع) أو محمّد (ص) أو عيسى (ع) ولكن في أخبارنا ان علىّ (ع) الّا عبد (أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً) متمثّلا ومتصوّرا (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) بصورة عيسى بن مريم ، أو جعلناه شبيها بعيسى (ع) لانتفاع بنى إسرائيل الّذين هم أولاد الأنبياء (ع) بحسب الجسم أو الرّوح

٦١

أو جعلناه حجّة لبني إسرائيل ، وعن الصّادق (ع) في دعاء يوم الغدير : فقد أجبنا داعيك النّذير المنذر محمّدا (ص) عبدك ورسولك الى علىّ بن ابى طالب (ع) الّذى أنعمت عليه وجعلته مثلا لبني إسرائيل انّه أمير المؤمنين (ع) ومولاهم ووليّهم الى يوم القيامة يوم الدّين فانّك قلت : ان هو الّا عبد أنعمنا وجعلناه مثلا لبني إسرائيل (وَلَوْ نَشاءُ) يعنى انّهم يضجّون بان شبّهت عليّا بعيسى (ع) فلو نشاء (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) يعنى لو نشاء لجعلناكم اعزّ من ان تشبّهوا بعيسى فجعلنا بعضكم ملائكة يخلفون لله في الأرض ، أو يخلفونكم في الأرض ، أو لولّدنا منكم ملائكة ، أو لجعلنا بدلا منكم ملائكة ، أو لجعلنا ظاهرين وخارجين من وجودكم الى خارج وجودكم ملائكة كما كان يظهر من محمّد (ص) جبرئيل (ع) بحيث كان قد يراه من كان قرينا له (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ) اى انّ عليّا (ع) لعلم وامارة علم (لِلسَّاعَةِ) وقرئ علم بالتّحريك اى امارة فانّ عليّا (ع) بولايته من أمارات السّاعة أو من أسباب العلم بالسّاعة لانّ من تولّاه بالبيعة الخاصّة الايمانيّة ودخل الايمان في قلبه أيقن بالسّاعة بشهود أماراته من وجوده ، أو انّ عيسى (ع) من أمارات السّاعة فانّ نزوله من علامات السّاعة ، وقيل : انّ القرآن من أسباب العلم بالسّاعة أو محمّد (ص) من أمارات السّاعة فانّه بعث هو والسّاعة كالسّبّابة والوسطى ، أو جعل الملائكة منكم من أسباب علم السّاعة (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ) امّا من كلام الله أو من كلام محمّد (ص) بتقدير القول والتّقدير قل لهم : اتّبعون فيما أقول لكم من ولاية علىّ (ع) (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) جواب سؤال مقدّر في مقام التّعليل يعنى هذا المذكور صراط مستقيم ، وفسّر الصّراط هاهنا بعلىّ (ع) (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة أو مظهر لعداوته لانّه يصدّكم عمّن امر الله تعالى ورسوله مرارا بولايته وأطاعته بحيث لم يخف على أحد امره (ص) بإطاعته (ع) (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) ذكر حكاية عيسى (ع) وقوله لقومه وبيان حال قومه وقالهم له تسلية للرّسول (ص) ولأمير المؤمنين (ع) وتهديد لقومهما (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ) الحزب بالكسر الطّائفة وجماعة النّاس ، وجمعه الأحزاب (مِنْ بَيْنِهِمْ) اى فاختلف جماعات من بينهم وعرّفه باللّام للاشارة الى انّ الجماعات المختلفة كأنّهم كانوا معهودين (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) منهم (مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ هَلْ يَنْظُرُونَ) ما ينتظرون لظهور إتيان السّاعة وعدم جواز إنكارها جعلهم مثل من انتظر امرا (إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) بدل من السّاعة بدل الاشتمال (بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بمجيئه حتّى يتهيّئوا لها ، وقد مضى مكرّرا انّ السّاعة قد فسّر بساعة الموت وبالقيامة وبظهور القائم (ع) (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر في بيان حال اليوم والمراد بالخلّة هاهنا هي الخلّة في الدّنيا لا الخلّة في الله وللآخرة بقرينة الاستثناء وسبب صيرورة الخلّة الدّنيويّة عداوة اخرويّة انّ الخلّة الدّنيويّة صارفة للإنسان عن بغيته الاخرويّة وشاغلة له عن الاشغال الإلهيّة فتصير سببا للحسرة والنّدامة ، ويظهر انّها كانت عداوة فالخليل الدّنيوىّ يعادى خليله لذلك (إِلَّا الْمُتَّقِينَ) في أفعالهم وأحوالهم وأخلاقهم عن الجهة الدّنيويّة فخلّتهم لا تكون الّا لجهات اخرويّة ويوم القيامة يظهر اثر تلك الخلّة فيتيقّن ويشاهد انّ الخلّة كانت خلّة لا عداوة ، وقرأ الصّادق (ع) هذه الآية فقال : والله ما أراد بهذا غيركم ، وعنه (ع): واطلب مواخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض وان أفنيت عمرك في طلبهم فانّ الله عزوجل لم يخلق أفضل منهم على وجه الأرض من بعد النّبيّين ، وما أنعم الله تعالى على عبد بمثل ما أنعم به من التّوفيق لصحبتهم

٦٢

قال الله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ، واظنّ انّ من طلب في زماننا هذا صديقا بلا عيب بقي بلا صديق ، ولمّا ذكر حال ذلك اليوم وشدّته بالنّسبة الى المخالفين والمنافقين نادى عباده المخصوصين تلطّفا بهم وتسكينا لخوفهم منه فقال (يا عِبادِ) الّذين آمنوا بالولاية فانّه لا يصير الإنسان عبدا لله تكليفا الّا بعد قبول الولاية ولذلك بيّنهم بقوله الّذين آمنوا بآياتنا (الى آخر الآية) (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) فانّ شدّته لمن كان معرضا عن صاحب ذلك اليوم وهو علىّ (ع) (وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) وقد مضى في اوّل البقرة وفي غيرها بيان لاختلاف الفقرتين من هذه العبارة (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا) صفة بيانيّة أو خبر لمحذوف اى أنتم الّذين آمنوا ، أو مبتدء خبره ادخلوا الجنّة بتقدير القول ، أو خبره يطاف عليهم والمراد بالايمان بالآيات الايمان بصاحبي الولاية من حيث ولايتهم من الأنبياء والأولياء (ع) لا من حيث رسالتهم أو خلافتهم للرّسالة (وَكانُوا مُسْلِمِينَ) اى منقادين أو مسلمين بالبيعة العامّة النّبويّة والمقصود من الإتيان بالإسلام مع الايمان الاشعار بانّ كلّا منهما غير صاحبه فمن سمّى بالمسلم بمحض البيعة العامّة فلا يسمّى بالمؤمن بمحض ذلك وليطلب حقيقة الايمان وما به يصدق عليه المؤمن (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) الموافقات لكم سواء كنّ مؤمنات أو لم تكنّ فانّ كرامة المؤمن تقتضي دخول آبائه وأزواجه وذرّيّاته الجنّة بسببه (تُحْبَرُونَ) الحبر بالفتح السّرور والنّعمة ، والحبير كأمير البرد الموشّى والثّوب الجديد ، والحبرة السّماع في الجنّة ، وكلّ نعمة حسنة ، والمبالغة فيما وصف بجميل ، ويجوز ان يكون من كلّ من تلك الموادّ (يُطافُ عَلَيْهِمْ) التفات فيه تجديد نشاط (بِصِحافٍ) جمع الصّحفة بمعنى القصعة (مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ) جمع الكوب بالضّمّ كوز لا عروة له ، أو لا خرطوم له (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) فانّ النّعيم الزّائل مستعقب لا لم زواله ومشوب لذّته بالم خوف زواله وزحمة حفظه من الزّوال (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قد مضى الآية في سورة الأعراف مع بيان كيفيّة الايراث (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ) عدّ اللّذايذ الاخرويّة بصورة ما يلتذّ به المدارك الحيوانيّة لكون أغلب النّاس غير متجاوز عن مرتبة الحيوان والّا فالملتذّ بلذّة الحضور لا يلتفت الى المأكول والمشروب وسائر ملاذّ الحيوان ، وإذا عممت الأكل والشّرب وسائر مقتضيات مدارك الحيوان عممت ملاذّ الملتذّ بلذّة الحضور أيضا (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) كأنّه قيل : هذا للمطيعين فما للمجرمين؟ ـ فقال : انّ المجرمين (فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) وقد فسّروا بأعداء آل محمّد (ص) (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) لا يخفّف عنهم (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) متحيّرون ساكتون عمّا في أنفسهم لغاية خوفهم وحيرتهم (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) قد مضى في سورة هود هذه الآية وانّه يظنّ انّ الأليق بسياق العبارة ان يقال : وما نحن ظلمناهم ولكنّهم ظلموا أنفسهم ومضى هناك وجه كونه أليق والجواب عنه (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) سألوا المالك ان يسأل الله موتهم لغيبتهم عن الله وعدم وصولهم اليه حتّى يسألوا بأنفسهم خلاصهم بالموت عن العذاب (قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) في العذاب لا خلاص لكم من العذاب (لَقَدْ جِئْناكُمْ) جواب سؤال مقدّر من المالك أو من الله في مقام التّعليل (بِالْحَقِ) المخلوق به وهو المشيّة الّتى هي الولاية المطلقة الّتى هي علىّ (ع) بعلويّته ، والقمّىّ : هو قول الله عزوجل : وقال يعنى بولاية أمير المؤمنين (ع) (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) وقال القمّىّ : يعنى لولاية أمير المؤمنين (ع) (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) بعد حكاية

٦٣

مخاطبات المنافقين في يوم القيامة خاطب نبيّه (ص) وقال : بل أبرم هؤلاء المنافقون من أمّتك امرا في تكذيب الحقّ فلا تحزن على تعاهدهم في مكّة وغيرها ان لا يدعوا هذا الأمر في علىّ (ع) (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) امره أو مبرمون مجازاتهم (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) أحاديثهم الّتى يسرّونها عن غيرهم (وَنَجْواهُمْ بَلى) نسمعها (وَرُسُلُنا) اى الملائكة الموكّلة عليهم (لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قُلْ) للّذين يجعلون لله البنات أو للّذين يقولون : المسيح ابن الله أو عزير ابن الله ، أو يقولون : نحن أبناء الله (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) يعنى ان كان له ولد فانا اولى بإظهاره ومعرفته لانّى أسبق العابدين لله بحسب المرتبة ، والاسبق اولى بمعرفة أولاد المعبود وذوي نسبه من غير الاسبق ، أو انا اوّل العابدين لذلك الولد يعنى ينبغي ان أكون اوّل العابدين له لتقدّمى عليكم في عبادة الله وينبغي ان يكون المقدّم في عبادة الله مقدّما في عبادة أولاده ، أو المعنى ان كان له ولد فأنا اوّل العابدين؟ على الاستفهام الانكارىّ يعنى ان كان له ولد كنت اوّل الجاحدين له لا اوّل العابدين ، أو استعمل العابدين من عبدت عن الأمر بمعنى انفت منه فالمعنى انا اوّل الآنفين ان يكون له ولد ، وعن أمير المؤمنين (ع) اى الجاحدين قال : والتّأويل في هذا القول باطنه مضادّ لظاهره وقد ذكرت وجه صحّته (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ) الّذى هو جملة ما سوى الله (عَمَّا يَصِفُونَ) تنزيه له عن الولد بما فيه برهانه فانّ ربوبيّة العرش الّذى هو جملة المخلوقات تستلزم ربوبيّة كلّ جزء فرض من أجزاء العرش وان كان له ولد كان مثله وثانيا له لا مربوبا له (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) في باطلهم (وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) في السّماء آله صلة من غير عائد فالعائد محذوف وهو امّا صدر الصّلة اى هو في السّماء آله اى معبود ومستحقّ للعبادة ، أو سلطان ومدبّر لأمور السّماء ، أو سائر أجزاء الصّلة اى (هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) منه أو بصنعه أو من صنعه ، وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) انّه قال: وقوله (هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) وقوله (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) وقوله (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) فانّما أراد بذلك استيلاء امنائه بالقدرة الّتى ركّبها فيهم على جميع خلقه وانّ فعلهم فعله ، وهو يؤيّد الوجه الثّانى والمعنى الثّانى للآية (وَهُوَ الْحَكِيمُ) الّذى اتقن صنعه بحيث انّه ظهر بصورة امنائه ولم يعلم به أحد بل أنكروه وأنكروا أمناءه (الْعَلِيمُ) الّذى يعلم كيفيّة إخفاء ألهته بحيث لا يشعرون بها بل ينكرونها (وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) فكيف لا يكون آلها فيهما أو لا يكون منه اله فيهما (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) الّتى هي بخرابهما لا عند غيره ولذلك تراهم غافلين عن السّاعة لاهين عنها شاغلين بما لا ينفعهم فيها وما لهم يسألونك عن السّاعة وليس علمها عندك؟! وقد مضى في سورة الأعراف وفي غيرها وجه انحصار علم السّاعة به تعالى وانّ من يعلم من الخلفاء ذلك فهم في ذلك الهيّون لا بشريّون (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يعنى انّكم تكونون في الحال في الرّجوع اليه على سبيل الاستمرار وان كنتم غافلين عن ذلك الرّجوع فاحذروا من مخالفته (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ) من الأصنام والكواكب ومن الجنّ والشّياطين أو من ائمّة الضّلالة (مِنْ دُونِهِ) اى من دون اذن الله ، أو حالكونهم غير الله ، أو من دون علىّ (ع) فانّ الكلّ لا يملكون (الشَّفاعَةَ) فكيف بمالكيّته شيء من السّماوات والأرض (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) استثناء متّصل ان أريد بالّذين يدعون مطلق المعبودات من المسيح والعزير والملائكة والأصنام والكواكب والائمّة الباطلة ، وان أريد الأصنام فالاستثناء منقطع ، هذا إذا كان المستثنى منه فاعل يدعون

٦٤

وكان المراد بالّذين يدعون الّذين يدعون الخلق بلسانهم أو بحالهم وخلقتهم الى أنفسهم ، وان كان المراد بالّذين يدعون التّابعين الّذين يعبدون الأصنام وغيرها فالاستثناء من المفعول المحذوف ومفرّغ ، وقيل : ان النّضر بن الحارث ونفرا من قريش قالوا : ان كان ما يقوله محمّد (ص) حقّا فنحن نتولّى الملائكة وهم احقّ بالشّفاعة لنا منه ، فنزلت ، والمعنى الّا لمن شهد بالحقّ اى الولاية فيكون الاستثناء مفرّغا (وَهُمْ) اى الّذين يدعون (يَعْلَمُونَ) انّهم لا يملكون الشّفاعة ، أو الّذين يشهدون بالحقّ يعلمون الحقّ لا ان يكون شهادتهم مخالفة لما في قلوبهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) لاعترافهم بانّ آلهتهم ما خلقوا شيئا من ذلك (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) مع هذا الإقرار (وَقِيلِهِ) اى قول الرّسول ، وقرئ قال الرّسول ، وقرئ قيله بالجرّ عطفا على السّاعة ، وبالنّصب عطفا على سرّهم ، أو على محلّ السّاعة ، أو بتقدير فعل من لفظه اى قال الرّسول (ص) قيله ، وبالرّفع مبتدء خبره (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) أو الخبر محذوف اى قيله يا ربّ مسموع لنا (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) اى اعرض أو طهّر القلب عنهم (وَقُلْ سَلامٌ) مداراة أو متاركة لا تحيّة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) تهديد لهم بسوء العاقبة وسوء المجازاة.

سورة الدّخان

مكّيّة كلّها ، وهي تسع وخمسون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) الظّاهر أو المظهر فضل من نزّل عليه ، أو صدقه ، أو ظاهر المعنى ، أو ظاهر الآثار (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) من مقامه العالي الّذى هو مقام المشيّة ، أو مقام الأقلام العالية ، أو مقام اللّوح المحفوظ (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) هي ليلة القدر وقد مرّ في سورة البقرة كيفيّة نزول القرآن في ليلة القدر ونزوله في مدّة ثلاث وعشرين سنة عند قوله : شهر رمضان الّذى انزل فيه القرآن (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).

اعلم ، انّ مراتب العالم بوجه غير متناهية ، وبوجه سبعون ألفا ، وبوجه سبع ، وبوجه ستّ ، وكلّ مرتبة دانية بالنّسبة الى المرتبة العالية تسمّى ليلا لاختلاطها بظلمة الإمكان وظلمة الكثرة والفرق أكثر من المرتبة العالية ، كما انّ المرتبة العالية بالنّسبة الى المرتبة الدّانية تسمّى يوما ، ولذلك ترى التّعبير عن المراتب في الآيات والاخبار في النّزول باللّيالى وفي الصّعود بالايّام لاعتبار المنزل اليه بالنّسبة الى المنزل منه الّذى هو المرتبة العالية والعليا واعتبار المصعود اليه بالنّسبة الى المصعود منه الّذى هو المرتبة الدّانية والدّنيا ، وانّ عالم المثال من العالم الكبير مثل الخيال من العالم الصّغير فكما انّ الإنسان كلّما أراد ان يفعله يتصوّره اوّلا بنحو كلّىّ في مقام العقل ثمّ ينزّله عن مقام العقل الى مقام الخيال فيقدّر قدره ويتصوّر خصوصيّاته ومشخّصاته ثمّ ينزّله بتوسّط القوى المحرّكة وتحريك الأعضاء الى الخارج كذلك كان فعل الله وحال الخيال الكلّىّ فانّ الله إذا أراد ان يفعل فعلا ينزّله من عرش المشيّة الى العقول الكلّيّة والنّفوس الكلّيّة اللّتين يعبّر عنهما بالأقلام العالية والألواح الكلّيّة ثمّ منهما الى عالم المثال وما لم يصل الأمر الى عالم المثال كان بسيطا مجملا غير ممتاز بحسب الوجود العلمىّ بعضه من بعض وكان موجودا بوجود واحد بسيط ،

٦٥

وفي عالم المثال يصير متفرّقا ممتازا بعضه من بعض كما يكون الأمر في خيال الإنسان كذلك ، فانّ المريد للدّار يتصوّر اوّلا دارا كلّيّا فاذا تنزّلت الى مقام الخيال يتصوّرها بصورة جزئيّة مربّعة متساوية الأضلاع أو مربّعة طولانيّة أو غير ذلك مشتملة على بيوت ممتازة بعضها عن بعض ، ومشتملة على مشخّصاتها من مكانها وزمانها وغير ذلك من مشخّصاتها ، وقد ينفسخ عزيمته لتلك الدّار الموصوفة بالمشخّصات فيمحوها عن خياله ويتصوّر غيرها ، وقد يتردّد في تعمير هذه الدّار ودار اخرى بنحو آخر ، كما انّ البداء والتّردّد والمحو والإثبات المنسوب الى الله يكون من هذا القبيل وفي هذا العالم كما مضى الاشارة اليه في سورة المؤمن ، فالأمر المحكم الّذى لا يتطرّق البطلان والمحو والإثبات والنّسخ والتّشابه اليه يتنزّل من عالم الأمر الّذى لا يكون فيه وجود ممتاز عن وجود ولا يكون فيه نقص وشرّ وبطلان ومحو الى عالم المثال الّذى يفرق فيه كلّ امر من آخر ويتطرّق المحو والإثبات والبطلان اليه ، ويتطرّق التّشابه الّذى هو عدم ثبات المعنى وتطرّق النّسخ والمحو اليه وهو ليلة القدر الّتى ليست لملك بنى أميّة ، وكلّما يوجد في هذا العالم لا بدّ وان ينزّل من عالم العقول والنّفوس الى ذلك العالم ويقدّر قدره فيه ثمّ يظهر في هذا العالم ، كما انّ كلّما يظهر على الأعضاء لا بدّ وان ينزّل من العقل الى الخيال فيقدّر قدره ، ثمّن يظهر على الأعضاء ، ولمّا كانت النّفوس كلّيّة كانت أو جزئيّة متّحدة مع فاطمة (ع) في مقامها النّازل ومظهرا لها (ع) جاز تفسير ليلة القدر بها ، كما عن الكاظم (ع) حين سأله نصرانىّ عن تفسير هذه الآية في الباطن ، فقال : امّا حم فهو محمّد (ص) وهو في كتاب هود الّذى انزل اليه وهو منقوص الحروف ، وامّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين علىّ (ع) ، وامّا اللّيلة ففاطمة (ع) ، وامّا قوله فيها يفرق كلّ امر حكيم يقول يخرج منها خير كثير فرجل حكيم ، ورجل حكيم ، ورجل حكيم (الى آخر الحديث) ، وعن الباقر (ع) والصّادق (ع) والكاظم (ع) اى أنزلنا القرآن واللّيلة المباركة هي ليلة القدر انزل الله سبحانه القرآن فيها الى البيت المعمور جملة واحدة ، ثمّ نزل من البيت المعمور على رسول الله (ص) في طول عشرين سنة ، وعن الباقر (ع) قال : قال الله عزوجل في ليلة القدر فيها يفرق كلّ امر حكيم قال ينزل فيها كلّ امر حكيم والمحكم ليس بشيئين انّما هو شيء واحد فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى انّه مصيب فقد حكم بحكم الطّاغوت ، انّه لينزل في ليلة القدر الى ولىّ الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في امر نفسه بكذا وكذا ، وفي امر النّاس بكذا وكذا ، وانّه ليحدث لولىّ الأمر سوى ذلك كلّ يوم علم الله الخاصّ والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك اللّيلة من الأمر ثمّ قرأ : ولو انّ ما في الأرض من شجرة أقلام (الآية) ؛ والغرض من نقل هذا الخبر بيان قوله (ع) فمن حكم بما ليس فيه اختلاف (الى قوله) فقد حكم بحكم الطّاغوت لانّه يظنّ في بادي الأمر انّ في حكم الائمّة أيضا اختلافا ، لانّه ما من مسألة الّا وفيها اخبار متخالفة أو متضادّة أو متناقضة صادرة عنهم ، وقد ذكر صاحب التّهذيب رحمه‌الله في اوّل التّهذيب : «ذاكرني بعض الأصدقاء ايّده الله ممّن أوجب حقّه بأحاديث أصحابنا ايّدهم الله ورحم السّلف منهم وما وقع فيها من الاختلاف والتّباين والمنافاة والتّضادّ حتّى لا يكاد يتّفق خبر الّا وبإزائه ما يضادّه ولا يسلم حديث الّا وفي مقابلته ما ينافيه حتّى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطّعون على مذهبنا ، وتطرّقوا بذلك الى ابطال معتقدنا ، وذكروا انّه لم يزل شيوخكم السّلف والخلف يطعنون على مخالفيهم بالاختلاف الّذى يدينون الله به ويشنّعون عليهم بافتراق كلمتهم في الفروع ويذكرون انّ هذا ممّا لا يجوز ان يتعبّد به الحكيم ولا ان يبيح العمل به العليم وقد وجدناكم اشدّ اختلافا من مخالفيكم وأكثر تباينا من مباينيكم ، ووجود هذا الاختلاف منكم مع اعتقادكم بطلان ذلك دليل على فساد الأصل حتّى حصل على جماعة ممّن ليس لهم قوّة في العلم ولا بصيرة بوجود النّظر ومعاني الألفاظ الشّبهة ، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحقّ لما اشتبه عليه الوجه في ذلك وعجز

٦٦

عن حلّ الشّبهة فيه ، سمعت شيخنا أبا عبد الله ايّده الله يذكر انّ أبا الحسين الهادونىّ العلوىّ كان يعتقد الحقّ ويدين بالامامة فرجع عنها لمّا التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ودان بغيره لما لم يتبيّن له وجوه المعاني فيها ، وهذا يدلّ على انّه دخل فيه على غير بصيرة واعتقد المذهب من جهة التّقليد.»

وتحقيق ذلك انّ مراتب الرّجال متفاوتة في الدّين فانّ للايمان عشر درجات ولكلّ درجة عشرة أجزاء ، فمنهم من يكون على جزء من أجزاء الدّرجة الاولى ، ومنهم من يكون على جزئين ومنهم من يكون على الدّرجة الثّانية بأجزائها وهكذا ولو ذهب تحمل صاحب الدّرجة الاولى على الدّرجة الثّانية أهلكته كما أشير اليه في الاخبار ، وصاحب كلّ درجة له حكم غير حكم صاحبه كما حقّقنا ذلك في سورة البقرة عند تحقيق النّسخ في قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) (الآية) فمن لم يكن له بصيرة بمراتب الرّجال وباختلاف أحوالهم لا يحكم بحكم الّا ويتطرّق اليه الاختلاف بحسب اعتقاده ، فانّه كما يظنّ انّ هذا حكم هذا الرّجل يجوّز ان يكون حكمه غير هذا ، وهذا معنى قوله (ع) من حكم بأمر فيه اختلاف يعنى بحسب اعتقاده فرأى انّه مصيب فقد حكم بحكم الطّاغوت لانّ حكم هذا الحاكم ليس الّا من رأيه المنسوب الى انانيّته لا من حكم الله ، ومن كان بصيرا بمراتب الرّجال وبصيرا بالاحكام وبكيفيّة تعلّقها بالرّجال بحسب مراتب ايمانهم لا يحكم الّا عن اراءة الله كيفيّة تعلّق الأحكام بالرّجال ولا يحكم عن قياس ورأى ولا يكون في حكمه هذا اختلاف بمعنى انّه لا يجوّز ان يكون حكم مخالف لهذا الحكم يخلفه لانّه حكم عن رؤية لا عن رأى وقياس ، ولمّا كان مراتب الرّجال ودرجاتها في الايمان غير متناهية فالاحكام أيضا تكون غير متناهية ، وربّما يكون لشخص واحد بحسب توارد أحوال مختلفة عليه احكام متخالفة متواردة عليه ، ووجه اختلاف الاخبار في الأحكام ليس محض التّقيّة ولا محض اختلاط الأكاذيب والاغلاط بها بل كان عمدة وجه اختلاف الاخبار اختلاف أحوال الرّجال ، ولو لا اختلاف الاخبار في المسألة الواحدة بالنّسبة الى اشخاص عديدة كان ينبغي ان يترك المذهب لا انّ اختلافها كذلك ينبغي ان يصير سببا للخروج من المذهب كما قاله الشّيخ رحمه‌الله في التّهذيب (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) تفخيم لذلك الأمر الحكيم وهو تميز عن نسبة الحكيم الى ضمير الأمر ، أو حال ممّا يجوز ان يكون حالا منه ، أو منصوب بفعل محذوف تقديره اعنى امرا من عندنا ، أو مفعول له ليفرق اى لكونه مأمورا من عندنا ، أو مفعول مطلق لفعله المحذوف (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) بدل من (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) أو تعليل لقوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يعنى (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) لانّ من عادتنا إرسال الرّحمة ، أو من عادتنا إرسال الرّسل ولازم إرسال الرّسل تفريق الأمر الحكيم في ليلة القدر ورحمة مفعول به أو مفعول له ، ووضع من ربّك في موضع الضّمير للاشعار بانّ ربوبيّته تقتضي ذلك (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لا سميع سواه فيسمع أقوال العباد بألسنتهم القاليّة والحاليّة والاستعداديّة (الْعَلِيمُ) لا عليم سواه فيعلم ما يسألونه بألسنتهم القاليّة والحاليّة ومقتضى ربوبيّته وسماعه وعلمه بما يصلح السّائل وما يفسده ان يرسل رسولا وينزّل احكاما بحسب مسئول العباد (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قرئ بالرّفع خبرا بعد خبر أو خبرا لمحذوف ، أو مبتدء خبره لا اله الّا هو أو يحيى ويميت أو ربّكم وربّ آبائكم الاوّلين (وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) علمتم ذلك (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) ولكن ليس لهم يقين (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) بالدّين ويجعلونه آلة اشتغال خيالهم واطمينانه (فَارْتَقِبْ) اى فانتظر مراقبا لهم (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ) يحيط الدّخان أو اليوم بسبب الدّخان بالنّاس (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما هذا الدّخان؟ ـ فقال : هذا عذاب

٦٧

اليم أو حال بتقدير القول من الله ، أو من الملائكة ، أو من النّاس.

اعلم ، انّ وقت الاحتضار يرى دخان من الباطن بين السّماء والأرض ولذلك ورد انّ الدّخان من أشراط السّاعة فانّه روى انّ اوّل آيات السّاعة الدّخان ونزول عيسى (ع) ونار تخرج من قعر عدن أبين (١) تسوق النّاس الى المحشر ، قيل : وما الدّخان؟ فتلا رسول الله (ص) هذه الآية وقال : يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ، امّا المؤمن فيصيبه كهيئة الزّكام وامّا الكافر فهو كالسّكر ان يخرج من منخريه وأذنيه ، وقيل : انّ رسول الله (ص) دعا على قومه لمّا كذّبوه فأجدبت الأرض والمراد بيوم تأتى السّماء بدخان مبين ذلك القحط فانّ الجائع يرى بينه وبين السّماء كهيئة الدّخان من ضعف بصره ، أو لانّ الهواء يظلم عام القحط لقلّة الأمطار وكثرة الغبار ، أو لانّ العرب يسمّى الشّرّ الغالب دخانا وكان قحطهم بحيث أكلوا جيف الكلاب وعظامها (رَبَّنَا اكْشِفْ) حال أو جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول (عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) بك أو برسولك أو بخليفته أو باليوم الآخر (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) جواب سؤال مقدّر ، أو حال بتقدير القول (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) ظاهر الصّدق أو مظهر لصدقه (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ) يعلّمه ما يقول غلام أعجميّ لبعض ثقيف (مَجْنُونٌ) يعنى لم يكن براهين صدق الرّسول (ص) باقلّ من معاينتهم فكما تولّوا عنه مع براهينه يتولّون بعد ذلك أيضا مع معاينتهم يعنى انّ بعضهم قالوا : هو معلّم ، وبعضهم قالوا : هو مجنون بعد ما رأوا منه شبه الغشي حين نزول الوحي (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) جواب لسؤالهم (قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) الى الإنكار ان كان المراد عذاب القحط وقد رفع القحط وعادوا الى الإنكار كما قيل ، أو المعنى انّا كاشفوا عذاب الموت وعذاب الدّخان قليلا لانّكم عائدون إلينا ان كان المراد عذاب الاحتضار (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) اى يوم القيامة أو يوم بدر (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا) وابتلينا (قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) بأنواع العذاب التّسعة (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) اى كريم الأخلاق والأفعال ، أو كريم الأصل والآباء ، لانّه كان من أولاد الأنبياء (ع) ، أو كريم عند الله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) اى جاءهم بهذه الرّسالة الّتى هي قوله : أدّوا الىّ بنى إسرائيل على ان يكون عباد الله مفعولا به ، أو أدّوا الىّ أماناتكم الّتى هي وديعة من الله عندكم من الاستعدادات المودعة فيكم للتّرقّى الى الله ويكون عباد الله حينئذ منادى (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) بالاستعلاء على خليفته (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) لصدقى وهو يده وعصاه ، فلمّا قال ذلك توعّدوه بالقتل والرّجم كما قيل ، فقال (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) بالحجارة ، وقيل : بالشّتم (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي) ولم تصدّقونى فلا تؤذوني فانّ إيذائي موجب لعذاب اليم لكم لا مدفع عنه قال ذلك رحمة عليهم (فَاعْتَزِلُونِ فَدَعا رَبَّهُ) بعد ما بالغ غاية جهده في نصحهم ومضى على ذلك سنون وابتلوا مرارا وكانوا كلّما ابتلوا وعدوه بإرسال بنى إسرائيل وترك استعبادهم وبالايمان به ، وكلّما نجوا من العذاب نقضوا عهدهم ، فلمّا رأى انّه لا ينفع فيهم النّصح ولا الابتلاء دعا ربّه (أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) تعريض بعذابهم وهلاكهم ولذلك قال : دعا ربّه (فَأَسْرِ) يعنى فأجبناه الى مسئوله وأردنا إهلاكهم فقلنا له أسر (بِعِبادِي) يعنى بنى إسرائيل (لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) يتّبعكم القبطيّون (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) اى ساكنا على هيئته الّتى عبرته ولا تضر به بعصاك حتّى ينطبق

__________________

(١) ـ الابين بسكون الموحدة وفتح الياء المثناة من تحت رجل ينسب اليه عدن.

٦٨

على الطّرق الّتى عبرتها أو اتركه منفتحا وسيعا حتّى يطمع فرعون وقومه للدّخول ، وقيل : لمّا قطع موسى البحر عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم وخاف ان يتّبعه فرعون وجنوده فقيل له : واترك البحر رهوا اى كما هو طريقا يابسا ، والرّهو السّير السّهل والمكان المرتفع والمنخفض (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) جواب لسؤال مقدّر عن علّة الحكم أو عن حالهم (كَمْ تَرَكُوا) جواب لسؤال آخر كأنّه قيل : فما فعل بهم؟ ـ وما صار حالهم؟ ـ فقال: كم تركوا (مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) اى متمازحين آتين بظرافة الكلام أو متلذّذين (كَذلِكَ) كانوا أو الأمر كذلك أو حالكونهم ثابتين كذلك (وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) هم بنو إسرائيل (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) تمثيل لعدم الاعتناء بهلاكهم فانّه مثل في العرب والعجم لابتلاء قوم ببليّة ولم يكن اعتناء بهم وببلائهم ، عن أمير المؤمنين (ع) انّه مرّ عليه رجل عدوّ لله ولرسوله فقال : فما بكت عليهم السّماء والأرض وما كانوا منظرين ثمّ مرّ عليه الحسين (ع) ابنه فقال : لكن هذا لتبكينّ عليه السّماء والأرض ، قال : وما بكت السّماء والأرض الّا على يحيى بن زكريّا (ع) وعلى الحسين (ع) بن علىّ ، وفي خبر فما بكاؤها؟ ـ قال : كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء ، وفي خبر : بكت السّماء على الحسين (ع) أربعين يوما بالدّم (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) هو استعبادهم وامر القبطىّ لهم بحمل الطّين على السّلاليم مع انّهم كانوا في القيود وقتل أبنائهم واستحياء نسائهم (مِنْ فِرْعَوْنَ) بدل نحو بدل الاشتمال (إِنَّهُ كانَ عالِياً) مسلّطا على ارض مصر (مِنَ الْمُسْرِفِينَ وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ) حال عن الفاعل أو المفعول (عَلَى الْعالَمِينَ) على عالمي زمانهم (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ) كفلق البحر وتظليل الغمام وإيتاء المنّ والسّلوى (ما فِيهِ بَلؤُا) اى نعمة أو اختبار (مُبِينٌ) أو المعنى آتينا فرعون وقومه من الآيات الدّالّة على صدق موسى (ع) في رسالته وصدقه في إيتاء العذاب أو آتينا القبطيّين والسّبطيّين من الآيات ما فيه اختبار ونعمة ظاهرة (إِنَّ هؤُلاءِ) قريش بعد ذكر قصّة قوم فرعون لتهديد قريش ذكر حال قريش بنحو كونها جوابا لسؤال مقدّر (لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) اى ان الموتة ، أو ان الفتنة ، أو ان العاقبة ونهاية الأمر الّا موتتنا الاولى إنكارا للمعاد (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) معادين مبعوثين (فَأْتُوا بِآبائِنا) الميّتين بالموتة الاولى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في وعد الاعادة والثّواب والعقاب ، جعلوا الاعادة والبعث في الآخرة والانتهاء عن الدّنيا في الدّنيا ، فقاسوا قياسا سقيما ولم يدروا انّ من صار بالفعل لا يمكن ان يصير بالقوّة ، والاعادة في الدّنيا لا تكون الّا بجعل ما بالفعل بالقوّة ، وامّا الرّجعة الى الدّنيا الّتى ذكرت في الاخبار بنحو الإجمال وقال بها الفقهاء رضوان الله عليهم واحياء الأموات الّذى نسب الى الأكابر فهي ليست بجعل ما بالفعل بالقوّة وانّما هي توسعة من الكامل في وجود الميّت (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) تبّع اسم لملك اليمن ولا يسمّى بهذا الاسم الّا من كان حميريّا والتّبابعة جمعه وسمّى تبّعا لكثرة اتباعه أو لاتّباعه سائر ملوك اليمن ، وتبّع هذا هو الّذى سار بالجيوش وأتى سمرقند فهدمها ثمّ بناها ، وقيل : بناها اوّلا وكان إذا كتب كتب باسم الّذى ملك برّا وبحرا وضحا وريحا ، وعن النّبىّ (ص): لا تسبّوا تبّعا فانّه كان قد أسلم ولذلك ذمّ قومه ولم يذمّه ، وقيل : قال للأوس والخزرج : كونوا هاهنا حتّى يخرج هذا النّبىّ (ص) امّا أنا لو أدركته لخدمته وخرجت معه (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كقوم نوح وعاد وثمود يعنى انّهم كانوا أحسن أحوالا بحسب الدّنيا منهم ، كانوا

٦٩

أقوى قوّة وأكثر أموالا وأولادا وأطول أعمارا ومعذلك (أَهْلَكْناهُمْ) بكفرهم وهؤلاء اخسّ أحوالا منهم واشدّ كفرا فكيف نفعل بهم؟! (إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) حتّى نكون نلعب بخلقهم ولا نتعرّض بهم وثوابهم وعقابهم (ما خَلَقْناهُما) وما بينهما (إِلَّا بِالْحَقِ) الّذى هو الولاية المطلقة الّتى بها حقّيّة كلّ ذي حقّ فاذا كان خلقهما وخلق نتائجهما بالحقّ فلا تكون تؤل الى باطل أو تصير باطلة (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ليس لهم علم أصلا بل كان ما لهم من صورة العلم جهلا مشابها للعلم ولذلك تراهم أعداء لأهل العلم أو لا يعلمون انّ ذلك كذلك (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) اى يوم القيامة (مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) فنفصل هناك بين المحقّ والمبطل والعالم والجاهل المشابه للعالم (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) اى شيئا من الإغناء أو شيئا من عذاب الله (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) اى لا ينصرهم بعد ابتلائهم مواليهم ولا غير الموالي (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) استثناء من مولى الاوّل أو الثّانى أو من مرفوع ينصرون ، ومن رحمه‌الله منحصر بمن قبل الولاية بالبيعة الخاصّة ، أو من قبل الولاية حال حضور علىّ (ع) وقت الاحتضار (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) تعليل لعدم إغناء الموالي وعدم النّصرة (الرَّحِيمُ) تعليل لشفاعة من رحمه‌الله ، عن الصّادق (ع): والله ما استثنى الله عزّ ذكره بأحد من أوصياء الأنبياء (ع) ولا اتباعهم ما خلا أمير المؤمنين (ع) وشيعته فقال في كتابه وقوله الحقّ : يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون الّا من رحم الله يعنى بذلك عليّا (ع) وشيعته (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) قد مرّ بيان شجرة الزّقّوم في سورة الصّافّات (كَالْمُهْلِ) المهل اسم لجميع معدنيّات الجواهر كالفضّة والحديد ونحوهما ، والقطران الرّقيق وما ذاب من صفر أو حديد ، والزّيت أو درديّه أو رقيقه ، والسّمّ والقيح وصديد الميّت ، (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) الماء الحارّ المنتهى في الحرارة (خُذُوهُ) جواب لسؤال مقدّر ، أو حال بتقدير القول اى يقال للزّبانية خذوه (فَاعْتِلُوهُ) عتله جرّه عنيفا (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) اى وسطها (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) اى من الماء الحارّ غاية الحرارة واضافة العذاب للاشارة الى انّ المنظور من صبّ ذلك الماء عذابه به قائلين (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) يعنى يقال ذلك له استهزاء ، روى انّ أبا جهل قال لرسول الله (ص) : ما بين جبليها اعزّ ولا أكرم منّى ، فيعيّر بذلك في النّار (إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) تشكّون أو تجادلون (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) صاحبه من الشّرور والآفات (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) السّندس الرّقيق من الحرير ، والإستبرق الغليظ منه (مُتَقابِلِينَ) فانّ التّقابل أشرف أنواع المجالسة (كَذلِكَ) قد مضى هذا اللّفظ قبيل هذا (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) الحوراء مؤنّث أحور الأبيض ، والعيناء مؤنّث أعين عظيم العينين (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ) يدعون كلّ أنواع الفاكهة في كلّ زمان لا اختصاص بشيء منها بزمان دون زمان ولا مكان دون مكان (آمِنِينَ) من الآفات والشّرور (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) للخلاص من المكاره والفوز بما ليس فيه شوب تعب ولا خوف زوال (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ) اى القرآن أو ما ذكر من الجنان ونعيمها أو فضل

٧٠

ولاية علىّ (ع) وقرأناها (بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فَارْتَقِبْ) فانتظر ما وعدناهم من العذاب (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) لحلول النّقمة بك أو انّهم مثل من يرتقب امرا يرتقبون ما تذكر لهم من العذاب.

سورة الجاثية

مكّيّة كلّها ، وقيل : الّا آية : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) ، سبع وثلاثون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) قد مضى مكرّرا انّ في خلقة كلّ من السّماوات والأرض آيات عديدة من كواكب السّماء وكيفيّة حركاتها المتناسقة ومزاجها وتأثيراتها الغريبة ، ومن كون الأرض بسيطة ساكنة لا يغمر فيها الرّجل ، وليست بصلبة حتّى لا يمكن التّصرّف فيها بالزّراعات والعمارات واجراء القنوات وغير ذلك ، وفي ازدواج السّماوات والأرض وتأثير السّماوات وما فيها في الأرض وتأثّر الأرض وما فيها منها أيضا آيات ، وفي خلقة كلّ من مواليد الأرض بحيث يطلب كمال نوعه ويفرّ ممّا يضرّ بذاته وكماله وبحيث يتهيّئوا له ويجتمع فيه أسباب تحصيل كماله المفقود وحفظ كماله الموجود آيات عديدة لكن كلّ ذلك آيات للمؤمنين البائعين البيعة العامّة أو الخاصّة ، أو للمذعنين المنقادين الّذين القوا السّمع لا للغافلين المعرضين (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) اى من ذي روح يكون له حركة (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) غيّر الأسلوب اشعارا بانّ من حصل له اليقين لا يكون يقينه الّا في ازدياد وحصول على التّدريج فانّ صاحب اليقين هو الّذى يكون له قلب وليس الّا من بايع البيعة الخاصّة واشتغل بنفسه ووجد بوجدانه آثار عمله ، ومن صار كذلك يزداد يقينه العلمىّ والوجدانىّ الى ان حصل له اليقين الشّهودىّ واليقين التّحقّقىّ ، ولمّا كان آيات خلق الإنسان وخلق سائر الدّوابّ بالنّسبة الى آيات السّماوات والأرض أخفى منها لا بدّ وان يكون للمؤمن يقين بآثار ايمانه حتّى يدرك آيات خلقة الإنسان خصوصا آيات الأنفس ، فانّ إدراكها لا يكون الّا بعد الاشتغال بالنّفس ووجدان صفات النّفس رذائلها وخصائلها واليقين بآثار الأعمال وضرر الرّذائل ونفع الخصائل ، والّا بعد اليقين بآثار صفات الله تعالى ووجدانها في وجوده (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) اى اختلاف اللّيل والنّهار الطّبيعيّين بتعاقبهما ، وبالبرودة والحرارة وبالزّيادة والنّقيصة وبالظّلمة والاضاءة ، وكذلك اختلاف عالم الطّبع وعالم المثال والسّقم والصّحّة والغمّ والسّرور وغير ذلك من مصاديق اللّيل والنّهار (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) من أسباب رزق من الأمطار واشعّة الكواكب وبرودة الهواء وبرودة اللّيل وحرارة النّهار أو من رزق انسانىّ من الكمالات النّفسانيّة الّتى تنزل من سماء العقول والنّفوس ، وأتى بالرّزق منكّرا تحقيرا بالنّسبة الى الرّزق الجسمانىّ وتفخيما بالنّسبة الى الرّزق الانسانىّ (فَأَحْيا بِهِ) اى بأسباب الرّزق الجسمانىّ أو بنفس الرّزق الانسانىّ (الْأَرْضَ) الطّبيعيّة بتهييج القوى والعروق المكمونة فيها والأرض الانسانيّة بحيوة العلم والدّين والايمان (بَعْدَ مَوْتِها) بعد كونها ميتة (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) وفي تصريفها بقاء المواليد وحركات السّحاب وتوسعة الأمطار في البلاد ورفع العفونات عن الهواء (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)

٧١

يدركون بعقولهم بعد اليقين أو يصيرون عقلاء وصاحبي مقام العقل بعد ان كانوا موقنين وصاحبي مقام القلب ، ولخفاء دلالتها على مبدء مدبّر حكيم عليم رؤف رحيم خصّصها بالعقلاء (تِلْكَ) المذكورات (آياتُ اللهِ) الدالّة عليه أو النّاشئة منه (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) متلبّسين أو متلبّسات بالحقّ الّذى هو الولاية المطلقة (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ) بعد إنكاره (وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ) كذّاب (أَثِيمٍ) بالغ في الإثم (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ) على كفره أو على جحوده لولاية علىّ (ع) (مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) اى إذا رأى من آياتنا العظمى الّذين هم مظاهر الولاية (اتَّخَذَها هُزُواً) اى الآيات أو الشّيء المرئىّ ، والتّأنيث باعتبار المعنى (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) اى من وراء عذابهم المهين جهنّم ، أو هو بيان للعذاب المهين (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا) من الأموال والأولاد ، أو من الأعمال الّتى فعلوها في الإسلام ، فانّ شرط قبولها واغنائها عن عذاب الله عدم ردّ الولاية ان كان موتهم في زمن الرّسول (ص) ، وقبول الولاية ان كان بعد زمن الرّسول (ص) (شَيْئاً) من عذاب الله (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ) نفسه أو من دون مظاهر الله وخلفائه (أَوْلِياءَ) في العبادة كالأصنام والكواكب ، وأولياء في الطّاعة مثل رؤساء الضّلالة (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) تأكيد على التّأكيد (هذا) اى المذكور من الآيات أو القرآن أو قرآن ولاية علىّ (ع) ، أو هذا الأمر من ولاية علىّ (ع) أو الإسلام وقبوله واحكامه (هُدىً) الى الايمان (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) التّكوينيّة الآفاقيّة والانفسيّة وخصوصا الآيات العظمى الّذين هم خلفاء الله في الأرض والتّدوينيّة (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) الرّجز اشدّ العذاب (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) كلام منقطع عن سابقه وتعداد لنعمه على خلقه مشيرا الى كونها آيات قدرته كما انّ ما سبق كان تعدادا الآيات قدرته مشيرا الى كونها من نعمه (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بجريان الفلك والتّجارات الرّابحة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة تسخير البحر وجريان الفلك والأرباح (وَسَخَّرَ لَكُمْ) اى لانتفاعكم أو جعل مسخّرا لكم (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فانّ السّماوات والسّماويّات مسخّرات لله لانتفاع جميع الكائنات ومسخّرات لبعض النّفوس الانسانيّة ، والأرض والارضيّات مسخّرات لله لانتفاع الإنسان ، وبعض الارضيّات مسخّرات للإنسان أيضا (مِنْهُ) قرئ منه بلفظ من الجارّة والضّمير والمعنى سخّر من قبله لا من قبلكم ومن قبل أسبابكم الطّبيعيّة أو المعنى ذلك رحمة منه ، وقرئ منّة بتشديد النّون والتّاء بالرّفع والنّصب (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) باستعمال المبادئ المشهودة والمعقولة وأخذ النّتائج منها سواء كان المستعمل مؤمنا أو موقنا أو عاقلا (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) قد سبق مكرّرا انّه تعالى للاشارة الى انّ توجّه محمّد (ص) مؤثّر فيهم بحيث يجعلهم على أوصاف الرّوحانيّين لم يأت بمقول قوله ويقتصر على لفظ قل في جزم المضارع الآتي بعده كأنّه قال : قل ما شئت وتوجّه إليهم ان تقل لهم قولا يغفروا بدون أمرك لهم بالمغفرة (لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) قد مرّ بيان ايّام الله في سورة إبراهيم عند قوله تعالى : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) والمراد من الّذين لا يرجون ايّام الله الّذين اشتغلوا عن دينهم بدنياهم ولا يترقّبون من دينهم الّا إصلاح دنياهم ، والّذين لم يعتقدوا مبدء أو لم يعتقدوا معادا فانّ ايّام الله عبارة عن مقامات الآخرة ودرجاتها ،

٧٢

ومن رجا درجات الآخرة ومقاماتها يكون ناظرا إليها متوجّها في اعماله وأحواله الى جهتها ، ومن لم يعتقدها أو لم يكن عمله لها لم يكن راجيا لها ، والمقصود تأديب المؤمنين الّذين بايعوا البيعة الخاصّة بان لا ينظروا الى ظاهر أفعالهم وأحوالهم فيتركوا معاشرتهم ونصحهم ودلالتهم على خيرهم فانّهم كانوا كذلك فمنّ الله عليهم بالايمان ورجاء ايّام الله ، وشكر هذه النّعمة ان يرحموا عباد الله ويظهروا ما أنعم الله به عليهم ويدلّوا غيرهم عليها فانّ الله إذا أنعم على عبد احبّ ان يراها عليه ، ومن لم يظهرها كان كافرا لتلك النّعمة ، عن الصّادق (ع) انّه قال : قل للّذين منّنا عليهم بمعرفتنا ان يعرفوا الّذين لا يعلمون فاذا عرفوهم فقد غفروا لهم (لِيَجْزِيَ قَوْماً) قرئ بالغيبة والبناء للفاعل ، والفاعل هو الله وبالبناء للمفعول وضمير المصدر يكون نائبا عن الفاعل ، وقرئ بالنّون (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) قيل : يقول الله تعالى لائمّة الحقّ : لا تدعوا على ائمّة الجور حتّى يكون الله هو الّذى يعاقبهم (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) جواب لسؤال مقدّر في مقام التّعليل لغفرانهم (فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) فلا حاجة للمسيء الى عقوبة اخرى منكم.

اعلم ، انّ انسانيّة الإنسان تقتضي الإحسان والعمل الصّالح ، فاذا أحسن الإنسان كان الإحسان ملائما له من حيث انسانيّته والواصل الى ملائمته ملتذّ بها ومنتقم بها ، فلو لم يكن له أجر آخر كان الوصول الى ملائماته كافيا له اجرا وثوابا والحال انّ الإحسان يتجسّم له في الآخرة بأحسن صورة ويستتبع صورة اخرى مناسبة له فالمحسن يتنعّم بإحسانه ثلاث مرّات ، وإذا أساء الإنسان كان الاساءة منافية لانسانيّته وغير الملائم موذ للإنسان وان كان تلك الاساءة ملائمة لقوّة اخرى بهيميّة أو سبعيّة أو شيطانيّة فلو لم يكن للمسيء عقوبة اخرى كان الاساءة كافية له عقوبة ، والحال انّ الاساءة تتجسّم في الآخرة بصورة قبيحة موذية وتستتبع صورة اخرى قبيحة موذية في الآخرة ، فالمسيء يعاقب بإساءته ثلاث مرّات ، وللاشارة الى النّفع والضّرّ الحاصلين حين الإحسان والاساءة قال : من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها يعنى حين العمل يكون نفعه وضرّه حاصلين له ، وللاشارة الى الأجر والعقوبة الاخرويّين قال تعالى : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ وَلَقَدْ آتَيْنا) عطف على قوله تنزيل الكتاب من الله أو عطف على قوله الله الّذى سخّر لكم البحر ووجه المناسبة غير مخفىّ (بَنِي إِسْرائِيلَ) يعنى بنى يعقوب (الْكِتابَ) قد مضى مكرّرا انّ الكتاب يطلق على الولاية وآثارها ، والنّبوّة وأحكامها ، والرّسالة وأحكامها ، والكتاب التّدوينىّ صورة الكلّ فيجوز ان يراد بالكتاب هاهنا التّوراة والرّسالة والولاية والاولى ان يراد به التّوراة أو الرّسالة (وَالْحُكْمَ) ان أريد بالكتاب التّوراة فالمراد بالحكم الحكومة بين النّاس الّتى هي لازم الرّسالة فيكون كناية عن الرّسالة ، وان أريد به الرّسالة فالمراد بالحكم الحكمة الّتى هي عبارة عن اللّطف في العلم والعمل الّذى هو من آثار الولاية (وَالنُّبُوَّةَ) بحيث قيل : انّه كان فيهم الف نبىّ (ع) (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) بحسب مقامهم الحيوانىّ من المأكول والمشروب والملبوس والمسكون والمركوب ، وبحسب مقامهم الانسانىّ ممّا كان يرد عليهم من الغيب من العلوم والوجدانات والمشاهدات (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) بواسطة إيتاء ذلك لهم والمراد بالعالمين أهل زمانهم والّا فامّة محمّد (ص) كانوا أفضل منهم (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) المراد بالبيّنات المعجزات أو احكام الرّسالة أو احكام النّبوّة أو دلائل امر الرّسالة أو النّبوّة أو الولاية ، والمراد بالأمر المذكورات ، أو عالم الأمر ، أوامر الله ، ومن للابتداء ، أو للتّبعيض ، أو للتّعليل وهذا تعريض بامّة محمّد (ص) كأنّه تعالى قال : فتنبّهوا يا أمّة محمّد (ص) فانّا آتيناكم الكتاب والحكم والنّبوّة ورزقناكم من الطّيّبات وفضّلناكم على العالمين وآتيناكم بيّنات من الأمر فلا تختلفوا حين حياة محمّد (ص) ولا بعد مماته مثل بنى إسرائيل فتستحقّوا عقوبتي مثلهم (فَمَا اخْتَلَفُوا) بالرّدّ والقبول (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ

٧٣

الْعِلْمُ بَغْياً) ظلما أو استكبارا (بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من امر الولاية والخلافة ، أو من مطلق امر الدّين (ثُمَّ جَعَلْناكَ) يعنى بعد بنى إسرائيل جعلناك (عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ) اى امر الرّسالة والنّبوّة والولاية يعنى انّا آتينا بنى إسرائيل الرّسالة والنّبوّة والولاية وجعلناك بعدهم على جادّة الطّرق وسوائها تفضيلا لك عليهم بجعلك على الشّريعة الّتى هي مشرع كلّ الأمم وكلّ الطّرق (فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) في خصوص الولاية ، أو في مطلق ما آتيناك من امر الدّين (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) اى من عذابه شيئا (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) فلا تتّخذ منهم وليّا حتّى تصير ظالما ، وهذه كلّها تعريض بامّته (ص) واشارة الى اختلافهم في امر الولاية (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) عن الرّأى أو اتّباع النّفس ، وقد سبق مكرّرا انّ المتّقى ليس الّا شيعة علىّ بن ابى طالب (ع) (هذا) المذكور من اوّل السّورة أو هذا القرآن أو قرآن ولاية علىّ أو علىّ (ع) (بَصائِرُ) ما يتبصّر به لكن لمّا لم يكن بدون الولاية يحصل بصيرة لأحد كان المراد به الولاية (لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ) في المنزلة والمقام (كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) المراد بالايمان هاهنا البيعة الخاصّة ، أو الحال الحاصلة بالبيعة الخاصّة أو البيعة العامّة أو الحال الحاصلة بالبيعة العامّة ، وعلى هذا يكون المراد بالعمل الصّالح البيعة الخاصّة (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) الضّمير ان لمجترحى السّيّئات يعنى حالكونهم لا ننظر إليهم والى أعمالهم ومجازاتها أو للفريقين والمعنى واضح (ساءَ ما يَحْكُمُونَ وَخَلَقَ اللهُ) جملة حاليّة يعنى والحال انّ الله خلق (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) ولازم خلقتهما بالحقّ ان لا يكون شيء فيهما لغوا (وَلِتُجْزى) اى خلق لتجزى (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) بنفس ما كسبت أو بجزاء ما كسبت (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) في ذلك لانّ الجزاء نتيجة أعمالهم فاذا كان الأمر في هذا المنوال فكيف يهملهم ولا يحييهم في الآخرة (أَفَرَأَيْتَ) استفهام في معنى الأمر ويستفاد منه التّعجيب أيضا والمعنى فانظر (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) قد مرّ في سورة الفرقان بيان هذه الآية عند قوله أرأيت من اتّخذ إلهه هواه والخطاب عامّ أو خاصّ بمحمّد (ص) ، قيل : نزلت في قريش كلّما هووا شيئا عبدوه والحقّ انّ الآية جارية في من غصبوا حقّ علىّ (ع) بعد محمّد (ص) واتّخذوا إماما بأهوائهم (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) اى حالكون الله على علم باستعداده واستحقاقه للضّلال ، أو حالكون الضّالّ على علم برشده وهداه ، أو حالكونه كان على نور العلم فأضلّه الله بعد كونه على نور العلم كمن آتاه آياته فانسلخ منها فصار من الغاوين (وَخَتَمَ) الله (عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) قد مرّ في اوّل البقرة بيان الختم على السّمع والقلب وغشاوة البصر (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) اى من بعد إضلاله وعدم هدايته (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ان ليس الجاهل كالعالم ولا الفاسق كالمؤمن وان لا هادي بعد الله وإضلاله (وَقالُوا ما هِيَ) اى ما الحيوة (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) اى يموت بعضنا ويحيى بعض آخر ، أو المعنى على التّقديم والتّأخير اى نحي ونموت (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) الدّهريّون والطّبيعيّون يقولون : انّ مرور الزّمان يفنينا ويفنى كلّ كائن بتفاوت الأنواع والأشخاص ان لم يقطعه عن بقائه الطّبيعىّ قاطع (وَما لَهُمْ بِذلِكَ

٧٤

مِنْ عِلْمٍ) يعنى انّ قولهم هذا باطل أصلا وهم ملومون عليه لبطلانه ، وهم ملومون أيضا على التّفوّه بما ليس لهم به علم (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) والقول بالظّنّ والشّكّ قبيح وصاحبه ملوم ، فالويل ثمّ الويل لمن قال بالظّنّ والقياس من غير اذن واجازة من الله!. ثمّ قال : هذا من عند الله وهو حكم الله في حقّى وحقّ مقلّدى! وقد سبق منّا مكرّرا انّ الاذن والاجازة الصّحيحة يجعل الظّنّ قائما مقام العلم بل يجعله أشرف من العلم كما شوهد من إجازات القلندريّة وتأثير المنطريّات مغلوطة بعد الاجازة ، وعدم تأثيرها صحيحة بدون الاجازة ، قيل : انّ هذا ظنّ شكّ ونزلت هذه الآية في الدّهريّة وجرت في الّذين فعلوا ما فعلوا بعد رسول الله (ص) بأمير المؤمنين (ع) وأهل بيته وانّما كان ايمانهم إقرارا بلا تصديق خوفا من السّيف ورغبة في المال ، وعن النّبىّ (ص) انّه قال : لا تسبّوا الدّهر فانّ الله هو الدّهر ، يعنى انّ الله هو الدّهر الّذى ينسبون الحوادث اليه ويسبّونه لاحداث الحوادث الغير الملائمة (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات الدّلالات أو موضحات لصدق الآتي بها وموضحات لحالهم الّتى هم عليها (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) في المعارضة مع الرّسول وفي انكار تلك الآيات (إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعنى علّقوا علامة صدقهم على الإتيان بالمحال بحسب العادة (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) يعنى قل الإتيان بآبائكم فعل الله كما انّ إماتتهم كان فعله ، ويفعل هذا الفعل ويأتى بآبائكم في يوم القيامة (لا رَيْبَ فِيهِ) قد مضى في اوّل البقرة معنى عدم الرّيب في الكتاب وفي القيامة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك لعدم تفكّرهم في المغيبات وقصور نظرهم على المحسوسات والّا فهم يشاهدون عالم الآخرة في المنام ، والنّوم أنموذج الموت فليعلموا ان ليس خروج النّفس عن البدن بالموت الّا مثل خروجها عنه بالنّوم فكما كان يبقى بعد النّوم في عالم آخر فكذا بعد الموت (وَلِلَّهِ) لا لغيره (مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما فيهما فلا يقدر أحد غيره على إيتاء الأموات (وَيَوْمَ تَقُومُ) عطف على محذوف اى في الدّنيا ويوم تقوم (السَّاعَةُ) أو ظرف ليخسر ويكون قوله (يَوْمَئِذٍ) تأكيدا له (يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ) الخطاب عامّ أو خاصّ بمحمّد (ص) وإذا كان عامّا فالرّؤية مقيّدة بيوم القيامة وان كان خاصّا فالمعنى ترى في الحال الحاضرة فانّه يرى في الدّنيا ما يراه غيره في القيامة (جاثِيَةً) جثى كدعا ورمى جلس على ركبتيه ، أو قام على أطراف أصابعه (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) صحيفة أعمالها (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) نفس ما كنتم تعملون أو جزاءه (هذا كِتابُنا) بتقدير القول حالا أو مستأنفا (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) فانّ الكتاب الاخروىّ حىّ ناطق كما انّ الأعضاء في الآخرة تنطق ، أو المراد يشهد عليكم بما فيه من ثبت أعمالكم (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وسئل الصّادق (ع) عن هذه الآية فقال : انّ الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله (ص) هو النّاطق بالكتاب قال الله تعالى : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ فقيل : انّا لا نقرؤها هكذا ، فقال : هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمّد (ص) ولكنّه ممّا حرّف من كتاب الله ولعلّه (ع) قرئ ينطق مبنيّا للمفعول ، وسئل أيضا عن : ن والقلم ، قال انّ الله خلق القلم من شجرة في الجنّة يقال لها الخلد ، ثمّ قال لنهر في الجنّة : كن مدادا فجمد النّهر وكان اشدّ بياضا من الثّلج وأحلى من الشّهد ، ثمّ قال للقلم : اكتب ، قال : يا ربّ ما اكتب؟ ـ قال : اكتب ما كان وما هو كائن الى يوم القيامة ، فكتب القلم في رقّ اشدّ بياضا من الفضّة وأصفى من الياقوت ، ثمّ طواه فجعله في ركن العرش ثمّ ختم على فمّ القلم فلم ينطق ولا ينطق أبدا فهو الكتاب المكنون الّذى منه النّسخ ، أو لستم عربا فكيف لا تعرفون معنى الكلام؟! وأحدكم يقول لصاحبه : انسخ ذلك الكتاب ، أو ليس انّما

٧٥

ينسخ من كتاب آخر من الأصل وهو قوله : انّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة أو الخاصّة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وأصلها البيعة الخاصّة الولويّة (فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) الّتى هي الولاية (ذلِكَ) الدّخول في الولاية (هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ) اى يقال لهم احملتم فلم تكن (آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ) عن الانقياد لها واتّباعها حتّى استكبرتم عن الآيات العظمى والولاية الكبرى (وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) بسبب مخالفتكم لولىّ أمركم (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالعذاب والثّواب (حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ وَبَدا لَهُمْ) التفات من الخطاب الى الغيبة (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) حيث رأوا مقام ولىّ أمرهم وخساسة أوليائهم الظّلمة (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) اى القول أو العذاب الّذى كانوا به يستهزؤن.

الجزء السّادس والعشرون

(وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) اى نترككم كما نسيتم هذا اليوم أو تركتم العدّة له (وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ) التّدوينيّة من الكتب السّماويّة والأحكام النّبويّة والآيات الآفاقيّة الجزئيّة والانفسيّة والآيات العظمى الّذين هم الأنبياء والأولياء (ع) (هُزُواً) ما يستهزئ به ، قيل : هم الائمّة كذّبوهم واستهزؤا بهم (وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فحسبتم انّكم خالدون فيها (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) بسبب الاستهزاء بالآيات (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يسترضون ، وقيل : لا يجاوبون ولا يقبلهم الله (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) بدل من ربّ السّماوات وربّ الأرض بعد ما أشار الى ربوبيّته للسّماوات والأرضين بالالتزام وكانت تلك الرّبوبيّة مستلزمة لمحموديّته على الإطلاق صرّح بهما بطريق الاستنتاج (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إذا الرّبوبيّة لهما مستلزمة للكبرياء فيهما (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب الّذى لا يغلب (الْحَكِيمُ) في علمه وعمله.

سورة الأحقاف

مكّيّة كلّها ؛ وقيل : الّا آية : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ؛ فانّها نزلت بالمدينة في عبد الله بن سلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ) اى سماوات عالم الطّبع وسماوات عالم الأرواح في الكبير والصّغير (وَالْأَرْضَ) بالتّعميم المذكور (وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) المخلوق به (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) لسماوات العالم الصّغير وأرضه وكذا سماوات العالم الكبير وأرضه فانّ لها أيضا أجلا وأمدا الى اوّل عالم البرزخ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) لحسبانهم انّا خلقناهم عبثا ولغوا ، وما انذروا عبارة عمّا يلحقهم من العقوبة على ترك المتابعة وترك الولاية ، واعراضهم عنه عبارة عن عدم التفاتهم اليه وعدم تدبّرهم

٧٦

لدفعه (قُلْ) للمشركين بالله وللمشركين بالولاية (أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام والكواكب والأهواء والشّياطين والملائكة أو ما تدعون من دون خلفاء الله أو من دون اذن الله من رؤساء الضّلالة (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) اى في خلق السّماوات يعنى لا شركة لهم في خلق شيء من أجزاء الأرض ولا في شيء من أجزاء السّماوات حتّى يستحقّوا به العبادة (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) بدل من أرونى نحو بدل الاشتمال اى أرونى ماذا خلقوا أرونى كتابا فيه ثبت شركتهم في خلق الأرض هو على سبيل التّنزّل ان لم يكن لكم دليل عقلىّ فأتونى بدليل نقلىّ من كتاب سماوىّ أو غير سماوىّ يمكن تقليده (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) الأثارة نقل الحديث وروايته يعنى ائتوني بكتاب يمكن الاعتماد عليه فيه جواز اشراك الشّركاء ، أو ائتوني بحديث منقول ناش من علم وفسّر ببقيّة من علم من السّابقين يجوز الاعتماد عليه والتّقليد له (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعنى انّ مثل هذا لا يجوز القول به ولا الاعتقاد به الّا إذا كان دليل عقلىّ يدلّ على صحّته وصحّة القول به ، وان لم يكن لكم دليل عقلىّ فلا اقلّ من ان يكون لكم دليل نقلىّ يجوز التّعويل عليه والتّقليد له من كتاب أو نقل ، وسئل الباقر (ع) عن هذه الآية فقال : عنى بالكتاب التّوراة والإنجيل ، وامّا أثارة من العلم فانّما عنى بذلك علم أوصياء الأنبياء (ع) وبعد ما أظهر عجزهم عن الإتيان بدليل عقلىّ أو نقلىّ أتى بالدّليل العقلىّ والنّقلىّ على بطلان قولهم فقال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) لو سمع دعاءهم فضلا عن مراعاة مصالحهم والاطّلاع على سرائرهم (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) يعنى انّهم ما داموا في الدّنيا لا يسمعون دعاءهم ولو سمعو ما استجابوا ، ولو أجابوا ما قدروا على إصلاحهم ولكنّهم في يوم القيامة يسمعون نداءهم ويجيبون لهم بإنكار عبادتهم (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) فضلا عن سماعه واجابتهم ، وهذا دليل عقلىّ يدلّ على عدم جواز دعوتهم (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) وهذا دليل نقلىّ منقول من الأنبياء والأوصياء (ع) مثبت في الكتب السّماويّة وفي غيرها (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات الدّلالات أو موضحات (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) اى قالوا للآيات بعد ما ظهر حقّيّتها ولذلك وضع الظّاهر موضع المضمر (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ظاهر السّحريّة والبطلان (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ولمّا كان السّحر له شأن ووقع في القلوب اضرب عن هذا القول وقال : بل يقولون افتراه (قُلْ) في جوابهم (إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) يعنى ان افتريته فلا تدفعوا عنّى شيئا من عذاب الله ولا تتحمّلوا شيئا من أوزاري لانّكم لا تملكون لي من الله شيئا من عذابه حتّى تدفعوه عنّى ، أو ان افتريته لم أكن بعاقل وأكن سفيها ، لانّ الافتراء لا يكون الّا تعرّضا لسخط الله ، وان أتعرّض لسخط الله لان أكون مقبولا عندكم كنت سفيها ، لانّ المقبوليّة عندكم لا تنفعني لانّكم لا تملكون لي من الله شيئا من رفع عذابه ، وبعد ابطال الافتراء هدّدهم بهذا الافتراء وقال (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ) اى تندفعون (فِيهِ) من القول بانّ القرآن سحر أو افتراء (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) تهديد آخر لهم (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) جمع بين التّهديد والارجاء كما هو شأن النّاصح الكامل (قُلْ) لهم لم تستغربون رسالتي وقد كنت مثل سائر الرّسل و (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) اى من بينهم أو حالكوني بعضا منهم وقد كان الرّسل بشرا مثلي وكانوا يأكلون ويشربون

٧٧

وينكحون ويمشون في الأسواق وقد كانوا يأتون بالاحكام من الله ويدعون الى التّوحيد (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) بحسب اقتضاء بشريّتى فما لكم تطالبونى بعلم الغيب (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) لا أتجاوزه الى ما تشتهون أو اشتهى (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) بحسب رسالتي لا شأن لي سوى الإنذار وان كنت بحسب ولايتي هاديا لكم وقادرا على ما لا تقتدرون عليه وعالما بما لا تعلمون (مُبِينٌ) ظاهر الإنذار ، وظاهر الصّدق أو موضح (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (إِنْ كانَ) القرآن أو قرآن ولاية علىّ (ع) أو الوحي الىّ أو هذا الّذى ادّعيه من الرّسالة أو ولاية علىّ (ع) (مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) قيل : هو عبد الله بن سلام كان من علمائهم وأسلم ، وقيل : المراد بالشّاهد موسى (ع) بما اثبته في التّوراة (عَلى مِثْلِهِ) لم يقل عليه لانّ شاهد بنى إسرائيل ما شهد انّ محمّدا (ص) رسول وانّ هذا القرآن كتابه وانّ عليّا (ع) وصيّه بل شهد انّ النّبىّ (ص) الموعود يكون شمائله كذا ، ودعوته الى كذا ، وكتابه كذا ، ووصيّه يكون ختنه وابن عمّه (فَآمَنَ) الشّاهد (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) أنتم من الايمان به ، وجواب الشّرط محذوف اى أفلم تكونوا ظالمين أو أفلم تؤاخذوا (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) تعليل للجواب المحذوف ودليل عليه ، أو هو جواب بتقدير الفاء (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله وبرسوله أو بالولاية (لِلَّذِينَ آمَنُوا) في حقّهم (لَوْ كانَ) الرّسول أو القرآن أو هذا الأمر من الرّسالة أو الولاية (خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) لانّ نظرهم كان الى الدّنيا ولم يكونوا يعلمون خيرا الّا ما يعدّ في الانظار الحسّيّة من الخير ، وكان المؤمنون أراذل النّاس وأسوءهم حالا في نظرهم فقاسوا امر الآخرة على امر الدّنيا وقالوا هؤلاء أسوء حالا منّا فلو كان قبول الرّسالة أو الولاية خيرا لكنّا اولى منهم (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) جملة حاليّة في مقام الرّدّ عليهم يعنى يقولون هذا كذب سبق أمثاله والحال انّ من قبله كتاب موسى وهم يعترفون به وهو شاهد على صدقه حالكون كتاب موسى (ع) (إِماماً) يؤمّه كلّهم بل كلّ النّاس (وَرَحْمَةً) سبب رحمة (وَهذا كِتابٌ) ليس منافيا مخالفا له حتّى يقرّوا بكتاب موسى وينكروه (مُصَدِّقٌ) لكتاب موسى (ع) (لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) وهذا الإنذار وتلك البشرى دليل صدقه (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) قد مضى الآية وبيانها في سورة السّجدة وهذه ردّ على ما قالوا لو كان خيرا ما سبقونا اليه وابطال لقياسهم الفاسد (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) قد مضى في سورة البقرة بيان اختلاف هاتين الفقرتين (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) جملة منقطعة عمّا سبق بيان لحال اشخاص أو شخص مخصوص لكنّه أتى بأداة العطف إيهاما لاتّصالها بسابقها كأنّه قال : انّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا على ما وصّيناهم وامرناهم ووصّينا الإنسان بوالديه إحسانا (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) لمّا أراد المبالغة في التّوصية في حقّ الامّ ذكر ما تتحمّله الامّ من المشاقّ على الولد (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قد سبق ذكر الاشدّ في سورة الانعام وسورة يوسف وغيرهما ، وذكر بيان له هناك (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ) يعنى ينبغي ان يقول على ان تكون الآية عامّة أو يقول لا محالة على ان يكون الآية خاصّة بالحسين (ع) كما في أخبارنا (رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمنى أو أولعنى (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ

٧٨

وَعَلى والِدَيَ) هذه الكلمة تدلّ على انّ الآية خاصّة بالحسين (ع) (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) ورد في خبر انّه لو لم يقل في ذرّيّتى لكانت ذرّيّته كلّهم ائمّة (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) عمّا يشغلني عنك (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) المخلصين أو المنقادين (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أتى بالجمع إيهاما لتعميم الآية (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ) وعدنا وعد الصّدق (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) قال الصّادق (ع): لمّا حملت فاطمة (ع) بالحسين (ع) جاء جبرئيل الى رسول الله (ص) فقال : انّ فاطمة ستلد غلاما تقتله أمّتك من بعدك فلمّا حملت فاطمة (ع) بالحسين (ع) كرهت حمله ، وحين وضعته كرهت وضعه ثمّ قال : لم تر في الدّنيا امّ تلد غلاما تكرهه ولكنّها كرهته لما علمت انّه سيقتل ، قال: وفيه نزلت هذه الآية ، وفي رواية اخرى : ثمّ هبط جبرئيل (ع) فقال : يا محمّد (ص) انّ ربّك يقرؤك السّلام ويبشّرك بانّه جاعل في ذرّيّته الامامة والولاية والوصيّة فقال : انّى رضيت ثمّ بشّر فاطمة (ع) فرضيت قال: فلو لا انّه قال : أصلح لي في ذرّيّتى لكانت ذرّيّته كلّهم ائمّة ، قال : ولم يرضع الحسين (ع) من فاطمة (ع) ولا من أنثى ، كان يؤتى به النّبىّ (ص) فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثّلاث فنبت لحم الحسين (ع) من لحم رسول الله (ص) ودمه من دمه ، ولم يولد لستّة أشهر الّا عيسى بن مريم (ع) والحسين ، وفي نزول الآية في الحسين (ع) قريبا بهذا المضمون اخبار أخر (وَالَّذِي قالَ) عطف على الإنسان أو بتقدير اذكر ، وعطف باعتبار المعنى كأنّه قال : اذكر الّذى قال بعد بلوغ الأربعين ربّ أوزعني واذكر الّذى قال (لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) هذه اسم صوت وكلمة تضجّر يعنى اذكر حتّى يظهر بمقابلة هذا لذلك حسن الاوّل وقبح الثّانى ، أو مبتدء وخبره أولئك والجملة معطوفة (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) من قبري حيّا (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ) الأمم الماضية (مِنْ قَبْلِي) ولم يرجع أحد منهم ولم يخرج من قبره حيّا (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ) هي وى ولك ووى كلمة تعجّب كأنّه قال : تعجّب لك ، أو هي الويل المضاف الى الكاف والمعنى الزم ويلك ، أو هي مخفّفة ويل ولك والمعنى ويل لك (آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) قد مضى هذه الكلمة في الانعام والأنفال والنّحل وغيرها مع بيانها ، قال القمّىّ : نزلت في عبد الرّحمن بن ابى بكر (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) بانّهم أهل النّار (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ وَلِكُلٍ) من الفريقين أو لكلّ فرد من افراد الفريقين (دَرَجاتٌ) ناشئة (مِمَّا عَمِلُوا) ، أو لأجل ما عملوا ، أو هي عبارة من جزاء ما عملوا ، أو من نفس ما عملوا على تجسّم الأعمال ، والمراد بالدّرجات اعمّ من الدّركات (وَلِيُوَفِّيَهُمْ) قرئ بالغيبة والتّكلّم وهو عطف على محذوف اى ليجزيهم بأعمالهم وليوفّيهم (أَعْمالَهُمْ) بأنفسها أو بجزائها (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا) عطف على محذوف اى ليوفّيهم في الدّنيا أو يوم البرزخ أو لا يظلمون في الدّنيا أو يوم البرزخ ويوم يعرضون أو متعلّق بيقال محذوفا ، والتّقدير : يوم يعرض الّذين كفروا (عَلَى النَّارِ) يقال لهم (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ) اى جهاتكم الالهيّة الّتى هي أطيب من كلّ طيّب (فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) بالاشتغال بالدّنيا واتّباع الأهواء حتّى تمكّن منكم الشّيطان ، ومن تمكّن منه الشّيطان فرّ منه جهاته الإلهيّة (وَاسْتَمْتَعْتُمْ

٧٩

بِها) اى فيها أو بسببها (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) عذابا يكون سببا للهوان فيكون مضاعفا لانّه يكون عذاب الجسم والنّفس (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) والمراد بالاستكبار الظّهور بالانانيّة وتحقير الخلق ، وبالفسق الخروج من طاعة من ينبغي ان يطاع (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ) اى أخا قبيلة عاد وهو هود (ع) والجملة معطوفة باعتبار المعنى كأنّه قال : اذكر الّذى حملته أمّه كرها ، واذكر الّذى قال لوالديه : افّ واذكر أخا عاد (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) جمع الحقف بالكسر وهو الرّمل المستطيل المرتفع المشرف ، أو الرّمل العظيم المستدير أو المعوّج ، والأحقاف اسم لبلاد قوم هود وقد اختلف في تعيينها ، قال القمّىّ : هي من الشّقوق الى الأجفر وهي اربعة منازل ، وفي المجمع : هو واد بين عمان ومهرة ، وقيل : رمال فيما بين عمان الى حضرموت ، وقيل : رمال مشرفة على البحر بالشّجر من اليمن ، وقيل : ارض خلالها رمال (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ) اى الرّسل (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) اى قبله وبعده (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) مقداره أو بلاؤه (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) لتصرفنا (عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب من الله (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في ادّعاء الرّسالة والوحي إليك وتوعيد العذاب (قالَ) النّذير أو هود (إِنَّمَا الْعِلْمُ) بوقت العذاب (عِنْدَ اللهِ) لا علم لي بوقته حتّى أخبركم به أو اعاجلكم به ، وهو كناية عن كون العذاب بقدرة الله لا بقدرته بحسب رسالته (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) وهذه وأمثالها خروج عن الانانيّة وإظهار للعجز عن التّصرّف في ملك الله وعباده وهو شيمة الأنبياء والأولياء (ع) (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) تغمرون في الجهل أو تتّصفون بالجهل أو تجهلون انّ الرّسل بعثوا بالرّحمة لا بالعذاب ولذلك يتوعّدون ويتأتّون فيما يتوعّدون (فَلَمَّا رَأَوْهُ) رأوا الموعود (عارِضاً) سحابا عارضا في الأفق (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) قال الملائكة أو هود أو الله (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) من العذاب (رِيحٌ) بدل من ما (فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ) التّدمير المبالغة في الإهلاك (كُلَّ شَيْءٍ) من الأنفس والأموال (بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) قرئ بالتّاء الفوقانيّة مبنيّا للفاعل ، أو المفعول ، وبالياء التّحتانيّة مبنيّا للمفعول ، ومساكنهم على حسبه والمعنى لا ترى الّا سكونهم أو محلّ سكناهم (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) قد مضى قصّتهم في سورة الأعراف وسورة هود (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) ان نافية أو شرطيّة محذوفة الجواب (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) كما جعلنا لكم ذلك (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) من عذاب الله أو من شيء من الإغناء فلا تغترّوا أنتم بسمعكم وأبصاركم وافئدتكم ودقّة تدبيركم بها (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) كما كنتم تجحدون بها (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) اى وزر القول والعمل الّذى كانوا به يستهزؤن أو العذاب الّذى كانوا به يستهزؤن (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) كقرى ثمود وقوم لوط وشعيب (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) القوليّة والكتبيّة في ألفاظ ونقوش مختلفة والآيات التّكوينيّة الآفاقيّة والانفسيّة في أزمان مختلفة وامكنة متعدّدة وصور مختلفة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) اى آلهتهم الّتى متقرّبون بها الى الله ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله يعنى ان كان هؤلاء الآلهة شفعاءكم وينصرونكم

٨٠