تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٤

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٤

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٩١

في التّوراة الّذى هو نشأة موسى (ع) (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) الّذى هو حال نشأة عيسى (ع) (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) قرئ بسكون التّاء وفتحها وقرئ بالمدّ وبالقصر ، والشّطأ فرخ الحيوان والنّبات وورق النّبات (فَآزَرَهُ) قرئ من الثّلاثىّ المجرّد وبالمدّ من باب الأفعال أو المفاعلة والمعنى أعانه وقوّاه حتّى لحقت هذه الافراخ الامّهات أو حتّى استكمل الأوراق (فَاسْتَغْلَظَ) الزّرع أو الشّطأ (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) فاستوى الزّرع أو الفرخ (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) بحسنه واستغلاظه ، قيل : هذا مثل ضربه الله تعالى لمحمّد (ص) وأصحابه فالزّرع محمّد (ص) والشّطأ أصحابه والمؤمنون حوله وكانوا في ضعف وقلّة كما يكون اوّل الزّرع دقيقا ثمّ غلظ وقوى وتلاحق فكذلك المؤمنون قوّى بعضهم بعضا حتّى استغلظ واستووا على أمرهم (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بالبيعة الخاصّة فانّها أصل جميع الصّالحات ، ومن باع البيعة الخاصّة كان كأنّه عمل جميع الصّالحات أو آمنوا بالبيعة الخاصّة وعملوا الصّالحات على طبق ما أخذ منهم في بيعتهم (مِنْهُمْ) من النّاس أو من الّذين آمنوا أو من الّذين مع محمّد (ص) (مَغْفِرَةً) سترا لمساويهم (وَأَجْراً عَظِيماً) لا يمكن ان يوصف.

سورة الحجرات

مدنيّة ، وقيل الّا آية : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) (الاية) ، ثماني عشرة آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة فانّ هذا حكم قالبىّ لجملة المسلمين (لا تُقَدِّمُوا) قدم كنصر وقدّم من التّفعيل واستقدم وتقدّم بمعنى والمعنى لا تمشوا (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) والمقصود لا تقدّموا بين يدي رسوله لكنّه أضاف الله للاشعار بانّ التّقدّم بين يدي رسول الله (ص) هو التّقدّم بين يدي الله لانّ رسوله مظهره ، وقرئ لا تقدّموا من التّفعّل اى لا نتقدّموا ، ويجوز ان يكون لا تقدّموا بضمّ التّاء وكسر الدّال من قدّمه إذا جعله مقدّما في الأمر ، ويكون المعنى لا تقدّموا أحدا على الله ورسوله (ص) ، أو لا تقدّموا امرا على امر الله ورسوله (ص) أو لا تختاروا امرا بين يدي رسوله (ص) من دون اذنه ، أو لا تجعلوا امر أنفسكم مقدّما على امر الله بان تجعلوا في الأعمال المعاديّة امر النّفس والغايات النّفسيّة نصب أعينكم غافلين عن امر الله ، وبان يكون نظركم في الأعمال المعاشيّة الى ما يزيّنه لكم أنفسكم من دون نظر فيها الى امر الله ونهيه ، والمقصود من الكلّ هو المقصود من كلّ القرآن وهو لا تقدّموا أحدا في الخلافة ولا تقدموا على الخلافة من دون امر الله ورسوله (ص) (وَاتَّقُوا اللهَ) اى سخطه في الاقدام على الأمور الشّرعيّة (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما تقولون في امر الخلافة ، أو لما تأمركم أنفسكم عند أعمالكم المعاديّة والمعاشيّة (عَلِيمٌ) بنيّاتكم ودقائق أعمالكم وأحوالكم ومكنوناتكم الّتى لا اطّلاع لكم عليها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لمّا كانت السّورة المباركة لتأديب الامّة صدّر كلّ حكم منها بالنّداء تلطّفا بهم وتنشيطا لهم للاستماع وجبرا لكلفة التّأديب بلذّة الخطاب (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) سواء كان فوق صوته (ص)

١٠١

أو لم يكن (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ) كراهة ان تحبط (أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) فانّ رفع الصّوت عنده ترك لتعظيمه أو إظهار لتحقيره وكلاهما مورث لحبط العمل ، وورد انّ رسول الله (ص) كان إذا رفع أحد عنده صوته رفع صوته فوق صوته (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) امتحنه اختبره ، وامتحن الله قلبه وسّعه وشرحه ، وللتّقوى علّة لامتحن حصوليّة أو تحصيليّة يعنى لكونهم متّقين وسّع الله قلوبهم وشرحها ، أو لأجل تحصيل التّقوى شرح الله قلوبهم ، أو اختبر الله قلوبهم ، والمؤمن الممتحن هو الّذى شرح الله صدره بنزول السّكينة فيه وظهور ملكوت الامام عليه ولذلك قال علىّ (ع) في حديث المعرفة بالنّورانيّة : انّ من عرفني بالنّورانيّة هو المؤمن الممتحن قلبه للايمان ، ومن امتحن الله قلبه للتّقوى يستشعر مداما بعظمة الله وعظمة رسوله فلا يمكنه رفع الصّوت عند الرّسول (ص) (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) ويجوز ان يكون الوقف على قوله قلوبهم ويكون للتّقوى تعليلا لما بعده (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ولذلك لا يعظّمونك ويجعلونك مثل واحد منهم (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تقوية لجهة الرّجاء ، في المجمع : نزل قوله : يا ايّها الّذين آمنوا (الى قوله) غفور رحيم في وفد تميم وهم أشراف بنى تميم في وفد عظيم ، فلمّا دخلوا المسجد نادوا رسول الله (ص) من وراء الحجرات ، ان اخرج إلينا يا محمّد ، .. فأذي ذلك رسول الله (ص) فخرج إليهم فقالوا : جئناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا ، فاذن رسول الله (ص) فقام خطيبهم اوّلا وخطب ، فقال رسول الله (ص) لثابت بن قيس : قم فأجبه ، فقام وخطب أحسن من خطيبهم ، ثمّ قام شاعرهم وأجابه حسّان بن ثابت ، فلمّا فرغوا قال الأقرع بن حابس الّذى كان من اشرافهم : هذا الرّجل خطيبه اخطب من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا ، وأصواتهم أعلى من أصواتنا ، فلمّا فرغوا أجازهم رسول الله (ص) فأحسن جوائزهم وأسلموا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) نزلت الآية في الوليد بن عقبة بعثه رسول الله (ص) في صدقات بنى المصطلق فخرجوا يتلقّونه فرحا به وكانت بينهم عداوة في الجاهليّة فظنّ انّهم همّوا بقتله فرجع الى رسول الله (ص) وقال : انّهم منعوا صدقاتهم فغضب النّبىّ (ص) فنزلت الآية ، وقيل : نزلت في عائشة حين رمت مارية القبطية بجريح القبطىّ ، فدعا رسول الله (ص) عليّا (ع) وقال : يا أخي خذ هذا السّيف ان وجدته عندها فاقتله ، فقال : يا رسول الله (ص) أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسّكّة المحماة امضى لما أمرتني أم الشّاهد يرى ما لا يرى الغائب ، فقال : بل الشّاهد يرى ما لا يرى الغائب ، قال علىّ (ع) فأقبلت متوشّحا بالسّيف فوجدته عندها فاخترطت (١) السّيف فلمّا عرف انّى أريده أتى نخلة فرقى إليها ثمّ رمى بنفسه على قفاه وشغر (٢) برجليه فاذا انّه أجبّ امسح ، ماله ما للرّجال ، فرجعت فأخبرت النّبىّ (ص) فقال : الحمد لله الّذى يصرف عنّا السّوء أهل البيت ، والمعنى ان جاءكم جنس الفاسق الخارج عن طاعة الله ورسوله أو جاءكم فاسق واحد فتبيّنوا الخبر وتجسّسوا صدقه وكذبه ، وقد مضى مكرّرا انّ مفهوم المخالفة غير معتبر في المخاطبات خصوصا في الأحكام فليس المقصود ان جاءكم عادل فاعملوا ولا تبيّنوا ، ولا ان جاءكم فاسقان فلا تبيّنوا واعملوا ، فمن اعتبر المفهوم وقال : خبر العدل الواحد حجّة باعتبار مفهوم مخالفة هذه الآية لا يصغي اليه (أَنْ تُصِيبُوا) كراهة ان تصيبوا (قَوْماً بِجَهالَةٍ) بحالهم (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) فتبيّنوا الاخبار بالعرض عليه واستأذنوه في العمل بها حتّى لا تصيروا نادمين على فعلكم ، أو هو تمهيد لما بعده كأنّه قال : انّ هذا الّذى هو فيكم هو رسول الله (ص) اعتبارا للوصف العنوانىّ (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) ويطرح امر الله وحكمه (لَعَنِتُّمْ)

__________________

(١) اخترط السّيف استله.

(٢) اى دفع ..

١٠٢

لتعبتم أو هلكتم وهو ردّ لما أشار اليه بعضهم من الإيقاع ببني المصطلق (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ) استدراك لما توهّم من انّهم أرادوا ان يحملوا رسول الله (ص) على طاعتهم كأنّه قال لكنّ الله حبّب (إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) فلا تريدون حمل الرّسول (ص) على اتّباعكم والمراد بالايمان علىّ (ع) ، أو قبول ولايته ، أو محمّد (ص) ، أو قبول رسالته الّذى هو الإسلام (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) جواب لسؤال مقدّر وصرف للخطاب عن المؤمنين والجملة معترضة أو غير معترضة (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) مفعول له لحبّب وكرّه أو تعليل للرّاشدون بتقدير اللّام لعدم صحّة جعله مفعولا له للرّاشدون لعدم اتّحاد المرفوع وقد تكرّر تفسير الفضل بمحمّد (ص) ورسالته واحكام رسالته وقبول رسالته ، وتفسير النّعمة بعلىّ (ع) وولايته وآثار ولايته وقبول ولايته (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالكم ودقائق ما يصلحكم ولذلك زيّن الايمان في قلوبكم وكرّه الكفر (حَكِيمٌ) لا يفعل ما يفعل الّا لغاية محكمة متقنة (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) اى المسلمين (اقْتَتَلُوا) بيان لادب المعاشرة (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) بالرّجوع الى الرّسول وما حكم به (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) لمّا كان الإصلاح بعد الأمر بالمقاتلة مع الباغين مظنّة للحيف قيّده بالعدل ، أو المراد انّ الإصلاح كما يكون باستيفاء جميع الحقوق من الطّرفين يكون بإسقاط بعض الحقوق والإغماض عن بعض فقيّده بالعدل للاشعار بانّ الإصلاح ينبغي ان يكون باستيفاء الحقوق (وَأَقْسِطُوا) في جميع الأمور حتّى في العبادات فلا تضيّقوا على أنفسكم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) قيل : نزلت في قتال وقع بين الأوس والخزرج في عهد الرّسول (ص) بالسّعف والنّعال ، وعن الصّادق (ع) لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله (ص) : انّ منكم من يقاتل بعدي على التّأويل كما قاتلت على التّنزيل ، فسئل من هو؟ ـ قال : خاصف النّعل يعنى أمير المؤمنين (ع) فقال عمّار بن ياسر : قاتلت بهذه الآية مع رسول الله (ص) ثلاثا وهذه الرّابعة والله لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا السّعفات من هجر لعلمنا انّا على الحقّ وانّهم على الباطل ، وكانت السّيرة فيهم من أمير المؤمنين (ع) ما كان من رسول الله (ص) في أهل مكّة يوم فتح مكّة فانّه لم يسب لهم ذرّيّة وقال : من أغلق بابه فهو آمن ، ومن القى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل دار ابى سفيان فهو آمن ، وكذلك قال أمير المؤمنين (ع) يوم البصرة نادى فيهم لا تسبوا لهم ذرّيّة ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تتبعوا مدبرا ، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) قد مضى في سورة البقرة وفي سورة النّساء وجه كون المؤمنين اخوة عند قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وذكر (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ليكون تمهيدا وتعليلا ورفعا لكلفة التّكليف بالإصلاح لقوله تعالى : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وهذا اعمّ من سابقه فانّ المراد هاهنا انّه إذا وقع اختلاف بين المؤمنين سواء بلغ الى حدّ المقاتلة أو لم يبلغ فأصلحوا بينهما (وَاتَّقُوا اللهَ) وسخطه في الحيف والميل الى أحد الطّرفين (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) على إصلاحكم وعدم ميلكم ، أو لعلّكم ايّها المتخالفون والمصلحون جميعا ترحمون (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أدب آخر ولمّا كانت السّخريّة من الخلق سجّيّة لاكثر النّاس وتركها كان صعبا صدّره بالنّداء جبرانا لكلفته (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا) اى القوم المسخور منهم (خَيْراً مِنْهُمْ) اى من السّاخرين (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ) قال القمّىّ : نزلت في صفيّة بنت حىّ بن اخطب وكانت زوجة رسول الله (ص)

١٠٣

وكانت عائشة وحفصة توذيانها وتشتمانها وتقولان لها : يا بنت اليهوديّة ، فشكت الى رسول الله (ص) فقال لها : الا تجيبينهما؟ ـ فقالت : بماذا يا رسول الله (ص)؟ ـ قال : قولي لهما : انّ ابى هارون (ص) نبىّ الله ، وعمّى موسى كليم الله ، وزوجي محمّد (ص) رسول الله (ص) فما تنكران منّى؟! فقالت لهما : فقالتا هذا علّمك رسول الله (ص) (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أتى بهذه الكلمة اشعارا بعلّة الحكم حيث انّ المؤمنين كلّ منهم بمنزلة نفس الآخر (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) السّيّئة بان يلقّب بعضكم بعضا بلقب سوء (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ) الخروج عن عهد محمّد (ص) وعقده وشروط عقده بذلك وانّما أتى بالفسوق مقام الضّمير أو اسم الاشارة للاشعار بانّ ذلك فسوق وخروج عن عهدة عهد الله (بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) عن السّخريّة واللّمز والنّبذ بالألقاب ، وأتى بذكر التّوبة اشعارا بانّه معصية (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لا ظالم أظلم منهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لمّا كان الحكم الآتي أيضا ممّا يصعب امتثاله لكون الظّنّ في جبلّة أكثر النّاس أتى بالنّداء (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) إبهام الكثير ليحتاط في كلّ ظنّ ويتبيّن انّه من اىّ القبيل.

أقسام الظّنّ وهي خمسة بحسب الأحكام الخمسة

(إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) اجتناب أصل الظّنّ غير مقدور للمكلّفين الّا ان يكون الأمر باجتناب الظّنّ امرا باجتناب مباديه ، وامّا اجتناب اتّباعه فانّه مقدور لكلّ أحد والظنّون مختلفة فظنّ يجب اتّباعه لو حصل ، ويجب تحصيله لو لم يكن حاصلا وهو الظّنّ حين الشّكّ في الصّلوة ، والظّنّ حين الاحتياط في العمل ، وكالظّنّ الحسن بالله وبالمؤمنين ، وظنّ يستحبّ اتّباعه لو حصل ويستحبّ تحصيله لو لم يكن حاصلا كالظّنّ بحاجة المؤمن ، وتحصيل الظّنّ بحاله من حاجة وغيرها ، وظنّ يكره اتّباعه وتحصيله كالظّنّ بنجاسة شيء لا يحصل من تطهيره ضرر معتدّ به ، وظنّ يحرم اتّباعه وتحصيله كالظّنّ بسوآت المؤمنين وعوراتهم وفحشائهم ، وظنّ مباح ، فبعض الظّنّ اثم يجب اجتنابه وترك اتّباعه ، وعن علىّ (ع) قال : ضع امر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يقلّبك منه ، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا ، وعنه (ع): إذا استولى الصّلاح على الزّمان واهله ثمّ أساء رجل الظّنّ برجل لم يظهر منه خزية فقد ظلم ، وإذا استولى الفساد على الزّمان واهله ثمّ أحسن الرّجل الظّنّ برجل فقد غرر.

معنى الغيبة

(وَلا تَجَسَّسُوا) عن عورات المؤمنين حتّى يحصل لكم ظنّ سوء ، وقرئ لا تحسّسوا بالحاء المهملة وهو بمعناه ، عن الصّادق (ع) قال رسول الله (ص): لا تطلبوا عثرات المؤمنين فانّه من تتبّع عثرات أخيه تتّبع الله عثرته ، ومن تتبّع الله عثرته يفضحه ولو في جوف بيته (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) اى لا يذكر بعضكم بعضا بالسّوء في غيبته ، والغيبة ان تظهر بلسانك أو بسائر جوارحك بالتّصريح أو بالكناية والتّلويح عيبا للمؤمن قد ستره الله عليه في غيابه ، وحيث لم يكن يعلم بإظهارك ، وامّا العيوب الّتى لم تكن في المؤمن فنسبتها اليه في حضوره وغيابه تكون بهتانا وتكون اشدّ من الغيبة ، ويظهر ممّا ذكرنا في سورة البقرة في بيان قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وجه حرمة السّخريّة بالمؤمن ولمزه ونبزه باللّقب السّوء والظّنّ به وتجسّس عورته والغيبة له والبهتان له ، ويظهر أيضا سرّ كونها اشدّ من الزّنية ، وقد ذكر في الفقه الموارد الّتى يجوز الغيبة فيها ، وعن الصّادق (ع) انّه سئل عن الغيبة فقال : هو ان تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل ، وتبثّ عليه امرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حدّ ، وفي رواية : وامّا الأمر الظّاهر فيه مثل الحدّة والعجلة فلا ، وعن

١٠٤

الكاظم (ع) من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه النّاس لم يغتبه ، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه النّاس اغتابه ، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته ، وفي حديث : قولوا في الفاسق ما فيه كى يحذره النّاس ، وفي اخبار عديدة مضمون قول النّبىّ (ص): ايّاكم والغيبة فانّ الغيبة اشدّ من الزّنا ، ثمّ قال : انّ الرّجل يزني ويتوب فيتوب الله عليه ، وانّ صاحب الغيبة لا يغفر له الّا ان يغفر له صاحبه ، والغيبة المحرّمة تكون للمؤمن أو للمسلم مطلقا أو لمن قبل صورة الإسلام منتحلا كان أو مسلما أو مؤمنا ، قال بعض أهل المعرفة : غير المؤمن حكمه حكم الانعام فكما لا غيبة للانعام لا غيبة لغير المؤمن ، ولغير المتّصف بالإسلام حقيقة فانّ منتحل الإسلام كمنتحلى التّهوّد والتّنصّر لا حرمة له انّما الحرمة لمن اتّصل بمظاهر الله بالبيعة العامّة أو الخاصّة ، والتّحقيق انّ رؤية العيب من العباد بل من مطلق خلق الله ليست الّا من نظر ردىّ خسيس وهو النّظر الى الأشياء مباينة للحقّ المقوّم الصّانع لها مع الغفلة عن الحقّ تعالى وصنعه ، ومع النّظر الى النّفس والاعجاب بها ، أو مع الغفلة عنها وعن عيوبها ، وإذا أراد الله بعبد شرّا بصرّه عيوب غيره وأعماه عن عيوب نفسه ، وذكر الأشياء وتعييبها في الحقيقة راجع الى تعييب الصّنع ، والغفلة عن الصّانع وصنعه حين النّظر الى المصنوع كفر للصّانع ، والغفلة من النّفس وعيوبها مذموم ، ورؤية النّفس والاعجاب بها أصل جميع الشّرور ، فرؤية السّوء من غير الإنسان قبيحة ، ورؤيته من الإنسان أقبح ، ومن المنتحل للإسلام اشدّ قبحا ، ومن المسلم اشدّ قبحا ، ومن المؤمن اشدّ قبحا ، وذكره في غيابه أو حضوره بسوء لا قبيح أقبح منه حتّى نسب الى الخبر انّه اشدّ من سبعين زنية مع الامّ تحت الكعبة ، ولذلك نسب الى عيسى (ع) انّه مرّ مع الحواريّين على جيفة كلب منتنة فقال الحواريّون : ما أنتنه ..! فقال عيسى (ع) : ما ابيض أسنانه ..! وروى انّ نوحا مرّ على كلب كريه المنظر فقال نوح : ما أقبح هذا الكلب فجثا الكلب وقال بلسان طلق ذلق : ان كنت لا ترضى بخلق الله فحوّلنى يا نبىّ الله ، فتحيّر نوح واقبل يلوم نفسه بذلك وناح على نفسه أربعين سنة حتّى ناداه الله تعالى الى متى تنوح يا نوح؟ فقد تبت عليك ، وعن النّبىّ (ص): المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون الف ملك وخرج من قلبه نتن حتّى يبلغ العرش ، ويلعنه حملة العرش وكتب الله عليه بتلك سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمّه ، والكذب قبيح من كلّ أحد خصوصا من المؤمن لكن غيبة المؤمن أقبح منه بمراتب ، وعنه (ص): من آذى مؤمنا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فهو ملعون في التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان ، وهو ما ذكرنا في سورة البقرة من انّ غيبة المؤمن وذكره بسوء في غيابه وحضوره وايذاءه كلّها راجع الى صاحبه ، فمن اغتاب مؤمنا وذكره بسوء كان كمن اغتاب صاحبه وذكره بسوء ، واغتياب صاحبه الّذى هو أعظم آيات الله وذكره بسوء فوق جميع المعاصي وغايتها كما قال تعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) واستهزؤا بها ، وقال (ص): من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنّة أبدا ، ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما ، وكان المغتاب في النّار خالدا فيها وبئس المصير ، فالغيبة بما ليس في المؤمن تجمع خواصّ الغيبة والكذب جميعا ، وقال (ص): انّه يؤتى بأحد يوم القيامة يوقف بين يدي الله ويدفع اليه كتابه فلا يرى حسناته فيقول : إلهي ليس هذا كتابي! لانّى : لا ارى فيها طاعتي! فيقول له : انّ ربّك لا يضلّ ولا ينسى ، ذهب عملك باغتياب النّاس ، ثمّ يؤتى بآخر ويدفع اليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة فيقول : ما هذا كتابي! فانّى ما عملت هذه الطّاعات! فيقول : لانّ فلانا اغتابك فدفعت حسناته إليك ، وقال (ص): كذب من زعم انّه ولد من حلال وهو يأكل لحوم النّاس بالغيبة واجتنبوا الغيبة فانّها ادام كلاب النّار ، ونعم ما قال المولوىّ قدس‌سره :

عيب بر خود نه نه بر آيات دين

كى رسد بر چرخ دين مرغ گلين

پس تو حيران باش بى لا وبلى

تا ز رحمت پيشت آيد محملي

عيب باشد كو نبيند جز كه عيب

عيب كى بيند روان پاك غيب

اى خنك جانى كه عيب خويش ديد

هر چه عيبى ديد آن بر خود خريد

١٠٥

(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) ولقد أتى بالاستفهام الانكارىّ وبالأحد للعموم وبأكل لحم الميّت من الأخ وبتأكيد مفهوم نفى الحبّ بعطف كرهتموه للمبالغة البالغة في النّهى عن الغيبة وتمثيل الغيبة بأكل لحم الميتة لانّ الأسماء قوالب المسميّات ولا حكم لها على حيالها ، ومن ذكر مؤمنا بسوء لا يكون ذلك منه الّا بتخلية المؤمن عن لطيفة ايمانه فذكره على لسانه وسماعه بسمعه بمنزلة لحمه الخالي عن الرّوح الممضوغ بفمه والدّاخل في جوفه فانّ دخوله في جوفه من طريق سمعه كدخوله في جوفه من طريق حلقه ، ولذلك ورد انّ السّامع للغيبة شريك المغتاب (وَاتَّقُوا اللهَ) فلا تغتابوا وتوبوا ان اغتبتم ، ولمّا كان في جبلّة الإنسان رؤية العيب من الغير وذكر ما رآه على لسانه وقد بالغ تعالى في ذمّ الغيبة والنّهى عنه وكان ذلك مورثا ليأس أغلب النّاس عن رحمته تعالى قال : (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) بعد ذلك ترجيحا لجانب الرّجاء (يا أَيُّهَا النَّاسُ) هذا الّذى يأتى تأكيد للنّواهى السّابقة وتعليل لها (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) يعنى من هذين الجنسين أو من آدم وحوّاء (ع) (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) الشّعوب للعجم كالقبائل للعرب ، وقيل : الشّعب بفتح الشّين الجمع العظيم المنتسبون الى أصل واحد وهو يجمع القبائل ، والقبيلة تجمع العمائر ، والعمارة تجمع البطون ، والبطن يجمع الأفخاذ ، والفخذ يجمع الفصائل ، والأقل من الكلّ الفصيلة ، فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصىّ بطن ، وهاشم فخذ ، وعبّاس فصيلة (لِتَعارَفُوا) لا ان تفاخروا وتنابزوا وتلمزوا وتسخروا وتغتابوا (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فليست الكرامة والشّرف بالنّسب والحسب والمال والجمال وكثرة الأولاد والخلوّ من العيوب (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بالمتّقى منكم والأتقى وبالشّقىّ والأشقى (خَبِيرٌ) بما لا يتعلّق علمكم به من بواطن أموركم وقدر استعدادكم واستحقاقكم (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا).

اعلم ، انّ الإسلام وهو الدّخول تحت احكام القالب يحصل بمحض الإقرار اللّسانىّ والبيعة العامّة النّبويّة ، ولذلك كانوا يدخلون النّاس في الإسلام بالبيعة العامّة بالتّخويف والسّيف والقتل والاجلاء والأسر والنّهب وهو في الحقيقة انقياد للسّلطنة الخلقيّة لا للحكومة الالهيّة ، فان كان مع ذلك اعتقاد بالحكومة الإلهيّة وانقياد في القلب كان الإسلام حقيقة وسمّوا مسلمين حقيقة والّا كانوا مسلمين ظاهرا لا حقيقة ، والايمان وهو الدّخول تحت احكام القلب يحصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وليس الّا انقياد القلب لمن آمن على يده ، وبعبارة اخرى الإسلام الحقيقىّ قبول الرّسالة كما انّ الإسلام الظّاهرىّ قبول احكام الرّسالة ، والايمان قبول احكام النّبوّة والولاية ، وبعبارة اخرى ، الإسلام قبول الدّعوة الظّاهرة ، والايمان قبول الدّعوة الباطنة ، وبعبارة اخرى الإسلام تحلّى الظّاهر بحلية الشّريعة ، والايمان تكيّف الباطن بكيفيّة الامام الّتى هي صورة نازلة منه ملكوتيّة تدخل قلب المؤمن وبها يكون فعليّته الاخيرة ، وبها تحصل الابوّة والبنوّة بين الامام والمؤمن ، وبها تحصل الأخوّة بين المؤمنين وهي الّتى إذا ظهرت على صدر المؤمن صارت سكينة وفكرا وحضورا وهي ظهور القائم (ع) في العالم الصّغير ، وبها تحصل المعرفة بالنّورانيّة وبها تشرق الأرض بنور ربّها ، ولمّا كانت الاعراب بمحض البيعة العامّة والدّخول تحت احكام القالب قالوا : آمنّا ، ولم يكونوا يؤمنون بالبيعة الخاصّة ولم يتكيّف قلوبهم بكيفيّة الامام ولم يتنزّل صورة الامام في قلوبهم فانّها لا تتنزّل الّا بالبيعة الخاصّة والاتّصال المعنوىّ بالإمام (ع) قال الله تعالى لنبيّه : قل لهم الايمان غير الإسلام والإسلام الظّاهرىّ الّذى هو الدّخول تحت السّلطنة بمحض البيعة العامّة غير الإسلام الحقيقىّ الّذى هو الانقياد تحت الحكومة الالهيّة بالبيعة العامّة فانف الايمان عنهم رأسا و (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ) اقتصروا في القول على ما هو المتيقّن من الدّخول تحت

١٠٦

السّلطنة بالبيعة العامّة و (قُولُوا أَسْلَمْنا) ولم يقل أسلمتم لإيهام إثبات الإسلام الحقيقىّ والحال انّه ليس بمتيقّن (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ) الّذى هو كيفيّة نازلة من الامام في قلب المؤمن بالبيعة (فِي قُلُوبِكُمْ) لعدم وقوع تلك البيعة منكم وقد مرّ في اوّل البقرة بيان معاني الإسلام والايمان (وَ) لكن (إِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) حتّى يتحقّق بالطّاعة فيكم حقيقة الإسلام (لا يَلِتْكُمْ) لا ينقصكم (مِنْ أَعْمالِكُمْ) بأنفسها على تجسّم الأعمال ومن أجورها (شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يغفر منكم زلّاتكم ولا ينظر الى عدم ايمانكم والى انّ الإسلام الظّاهر لا ينفع سوى المنافع الدّنيويّة (رَحِيمٌ) يتفضّل عليكم بأنواع فضله ولا ينظر الى عدم استحقاقكم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) بعد ما نفى ايمانهم بمحض البيعة العامّة بيّن انّ الايمان ليس محض البيعة العامّة وقال : انّما المؤمنون (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) اى باعوا البيعة الخاصّة الّتى بها يحصل الايمان والدّخول تحت احكام القلب وقبول احكام الولاية فبقوا عليه حتّى يظهر لهم آثار الولاية ويصلوا الى حدود القلب ولذلك أتى بثمّ وقال (ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) فانّ البائع البيعة الخاصّة قلّما ينفكّ عن الارتياب والاضطراب في اوّل الأمر ، وإذا ظهر عليهم آثار الولاية وظهر لهم رذائل الصّفات وخصائلها حصل لهم الاطمينان وجاهدوا لا محالة مع جنود الشّيطان ولدفع الرّذائل وجلب الخصائل ولذلك قال (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ) من الاعراض الدّنيويّة والاعراض النّفسانيّة والقوى البدنيّة والوجاهة الانسانيّة ، ونسب الأفعال والأوصاف الى أنفسهم (وَأَنْفُسِهِمْ) من انانيّاتهم الّتى هي أصل سيّئاتهم وشرورهم (فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الخارجون من الاعوجاج.

اعلم ، انّ الايمان الحاصل بالبيعة الخاصّة وقبول الدّعوة الباطنة امّا يكون صاحبه في مقام الصّدر غير خارج منه الى نواحي القلب وهذا لا يخلو من اضطراب في بعض الأحيان ولا يخلو من صرف الأعمال عن جهتها الإلهيّة الى الجهات النّفسانيّة فلا يخلو أيضا من اعوجاج ، وإذا خرج من حدود الصّدر الّذى هو محلّ الإسلام الى حدود القلب الّذى هو محلّ الايمان صار خارجا من الارتياب ومن الاعوجاج الّذى هو مداخلة أغراض النّفس في الأعمال الإلهيّة ، وكأنّ القسم الاوّل غير خارج عن حقيقة الإسلام وغير داخل في حقيقة الايمان وان كان يحصل بالبيعة الخاصّة صورة الايمان ولهذا قال الصّادق (ع) فيما ورد عنه : انّما تمسّكتم بأدنى الإسلام فايّاكم ان يفلت من أيديكم ، وللاشارة الى حقيقة الايمان الّتى بها يحصل الصّدق في الأعمال ويرتفع الارتياب قال : ثمّ لم يرتابوا (الى آخر الآية) وللاشارة الى حصول صورة الايمان بمحض البيعة الخاصّة قال : الّذين آمنوا بالله ورسوله يعنى بالبيعة الخاصّة لانّ المخاطبين كانوا بائعين بالبيعة العامّة فلم يكن المراد البائعين البيعة العامّة وانّما اقتصر على ذكر الأوصاف والآثار للمؤمنين لانّه ان قال : انّما المؤمنون الّذين باعوا البيعتين أو باعوا البيعة الخاصّة أو البيعة الولويّة لكان المنافقون طلبوا ذلك وزاحموا النّبىّ (ص) بذلك وآذوه طلبا لذلك (قُلْ) لهؤلاء الّذين يظهرون الايمان على ألسنتهم (أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) يعنى ان كنتم مؤمنين فلا حاجة الى إظهاره فانّ الايمان هو وصف الهىّ وغايته الهيّة فان كان اظهاركم لاعلام النّاس بذلك لا ينبغ ذلك لانّه وصف الهىّ لا خلقىّ ، وان كان لاعلام الله لا ينبغي ذلك أيضا لانّكم بأعمالكم واوصافكم وأحوالكم غير خارجين من السّماوات والأرض (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تعميم بعد تخصيص أو تأكيد ، روى انّه لمّا نزلت الآية المتقدّمة جاؤا وحلفوا انّهم مؤمنون معتقدون فنزلت هذه الآية (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) منّ عليه منّا ومنّينى كحلّيفى أنعم عليه ، ومنّ عليه منّة عدّ نعمته

١٠٧

عليه واعتدّ بها وعظّمها ، وهذا هو المراد هاهنا فانّهم اعتدّوا بإسلامهم نعمة عليه (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) لانّ الإسلام ليس نعمة لكم ولا لي بل هو مقدّمة للايمان الّذى هو نعمة لكم ولى فقل لهم : لا تعتدّوا بإسلامكم ولا تعدّوه نعمة علىّ (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ) ينعم عليكم أو يعدّه نعمة عليكم (أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) ان أدخلكم في الإسلام الّذى هو ما به الهداية الى الايمان الّذى هو نعمة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في ادّعاء الإسلام ، قال القمّىّ : نزلت الآية في عثمان يوم الخندق (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيعلم خفيّات أموركم وصدق نيّاتكم ومكموناتكم الّتى لا خبرة لكم بها من القوى والاستعدادات المكمونة (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فيعلم اغراضكم فيها.

سورة ق

مكّيّة ، وقيل الّا قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (الى قوله) قبل الغروب ،

خمسة وأربعون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(ق) اسم لله أو للنّبىّ (ص) ، أو للقرآن ، أو للجبل المحيط بالدّنيا ، وهو من جبال عالم البرزخ أو المثال أو نفس عالم البرزخ لانّ خلفه عالم المثال (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) العظيم في نفسه المنيع من التّسلّط عليه ، وجواب القسم محذوف اى انّك لرسول الله (ص) أو انّهم ليبعثون بقرينة ما بعده (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) يعنى ما كذّبوك لانّهم وجدوك كاذبا بل كذّبوك لتعجّبهم من رسالة البشر (فَقالَ الْكافِرُونَ) برسالتك (هذا) الّذى يدّعيه من الرّسالة من الله (شَيْءٌ عَجِيبٌ) يعجب منه ، أو هذا الّذى يقوله من البعث بعد الموت وتفتّت العظام شيء يتعجّب منه (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) نبعث ونرجع (ذلِكَ) الأحياء بعد الموت (رَجْعٌ بَعِيدٌ) لعدم إمكانه فانّ البعث على ما يتصوّره العوامّ ، يقول الفلسفىّ الّذى يعدّ نفسه من الحكماء انّه محال عقلا لاستلزامه ردّ الفعليّة الى القوّة والاستعداد ، والموجود الى المعدوم كما بيّن في محلّه (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : كيف يبعثون؟ ـ والحال انّهم مختلطون بالأرض! (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) حافظ الجميع ما لهم من القوى والأعضاء وحافظ لاسمائهم واعدادهم وأعمالهم من الخير والشّرّ ، أو محفوظ من التّغيير والتّبديل (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) يعنى ليس تكذيبهم للبعث لوجود البرهان عليه بل لانّهم صاروا باطلين ، والباطل لا يصدّق الحقّ ومنه رسالتك وخلافة علىّ (ع) والقرآن والبعث (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) مختلط من الاهوية البهيميّة والاستعلاء السّبعيّة والحيل الشّيطانيّة ، أو هم في امر مختلط من حال محمّد (ص) فيقولون : انّه مجنون أو شاعر أو ساحر أو كاهن (أَ) لم يخرجوا من حدود أنفسهم فلم يقوموا من نكسهم (فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها) بحيث لا يمكن بقاء مواليد الأرض بدون هذا البناء (وَزَيَّنَّاها) بالكواكب بحيث يتّصل أثرها

١٠٨

الى الأرض ومواليدها ولو لا آثار تلك الكواكب لما أمكن بقاؤها (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) بحسب الصّورة يعنى ليس بناؤها مثل بناء البانين من البشر لا يمكن لهم ان يبنوا بلا فروج وما لها خلل ونقص في خلقتها حتّى يمكن لأحد ان يقول : لو كان كذا لكان اولى (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) اى كيف مددنا الأرض بحيث يمكن التّعيّش عليها والانتقاع بها بالزّراعات والتّجارات والعمارات (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) اى صنف (بَهِيجٍ) من النّبات وبذلك الإنبات يسهل تعيّشكم وتعيّش انعامكم وليس هذا من محض الطّبيعة كما يقوله أراذل النّاس من الطّبيعيّة والدّهريّة بل من مبدء عليم قدير رحيم حكيم مدبّر ، وخلق الكلّ لبني آدم كما هو المشهود ، وليس ذلك لتعيّشهم في الدّنيا كما يقوله منكروا البعث بل لتعيّشهم في الدّنيا واستكمالهم فيها ليكونوا في الآخرة على أحسن وجه (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) الى ربّه فانّ غيره لابتلائه بالحرص وطول الأمل يمرّ على الآيات غافلا عنها (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) كثير البركة فانّ بركات الأرض كلّها من الماء وليس من ماء في الأرض الّا وقد خالطه ماء السّماء كما روى عن النّبىّ (ص): ليس من ماء في الأرض الّا وقد خالطه ماء السّماء ، أو المراد بالسّماء جهة العلو (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ) نسبة الإنبات الى الجنّات باعتبار إنبات أشجارها مجاز عقلىّ (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) يعنى أنبتنا به حبّ النّبات الّذى من شأنه ان يحصد (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) طوالا (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) منضود بعضها فوق بعض (رِزْقاً لِلْعِبادِ) اى نرزق بذلك الطّلع بعد بلوغه ونضجه رزقا للعباد ، أو حالكون الطّلع رزقا للعباد (وَأَحْيَيْنا بِهِ) بذلك الماء (بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) بعد الممات فما لكم تشاهدون إماتة الأشجار والأراضي عن الأوراق والنّبات وإحياءها بعد ذلك وتنكرون احياء البشر بعد الممات ، وهذا تمثيل لسهولة تصوير البعث أو تنبيه على البيّنة الوجدانيّة (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِ) الّذين رسّوا نبيّهم في الأرض وقد مضى قصّتهم وبيان الرّسّ في سورة الفرقان (وَثَمُودُ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ) المراد من فرعون هو وقومه كما أراد من ثمود وعاد الطّائفتين اللّتين سمّيتا بهما (وَإِخْوانُ لُوطٍ) اى اخوان معاشرته (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) اى قوم شعيب كما سبق مكرّرا (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) قد سبق في سورة الدّخان (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) وفيه تسلية للرّسول (ص) وقومه وتهديد للكفّار بوعيده (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) فنعجز عن الاعادة بذلك؟ (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) اى في اشتباه ولذلك أنكروا الخلق الجديد لا انّ لهم برهانا على عدم الاعادة كما يدّعيه الفلاسفة ، أو في اختلاط من خلق جديد يعنى انّ خلقتهم القديمة مختلطة بخلقتهم الجديدة لكنّهم غافلون عنه ، أو في لبس لباس على ان يكون اللّبس بفتح اللّام بمعنى اللّبس بضمّ اللّام وقد سبق في اوّل البقرة عند قوله (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) وعند قوله و (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) (الآية) ما به غنية عن بيان كونهم في خلق جديد ، ونكّر الخلق الجديد لانّ الخلق الجديد لهم من قبيل الحركة فهم في كلّ آن في خلق غير الخلق الاوّل فلا بقاء لفرد من افراده حتّى يمكن ان يعرف ، وعن

حديث في تجدّد العوالم غير هذا العالم

الباقر (ع) انّه سئل عن هذه الآية فقال : تأويل ذلك انّ الله تعالى إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار جدّد الله عالما غير هذا العالم ، وجدّد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحّدونه ، وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم ، وسماء غير هذا السّماء تظلّهم ، لعلّك ترى انّ الله انّما خلق هذا العالم الواحد ، أو ترى انّ الله لم يخلق بشرا غيركم ، بلى والله لقد خلق الف الف عالم ، والف الف آدم ، أنت في آخر تلك العوالم

١٠٩

وأولئك الآدميّين (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) تمهيد لعلمه تعالى بخفيّات أمور الإنسان وتعليل لقوله : قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ، والمراد بالإنسان جنس الإنسان (وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) من خطرات قلوبه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) تعليل لعلمه بخفيّات أموره ، والاوردة العروق النّابتة من الكبد وبها يجرى الدّم الّذى هو غذاء البدن الى الأعضاء كما انّ الشّرائين العروق النّابتة من القلب وبها يجرى الرّوح الحيوانىّ والرّوح الدّماغىّ الى الأعضاء وصار حبل الوريد مثلا في القرب (إِذْ يَتَلَقَّى) ظرف لا قرب أو لنعلم أو لهما يعنى نحن أقرب اليه إذ يتلقّى (الْمُتَلَقِّيانِ) اى إذ يتلقّى الحفيظان ما يتلفّظ وما يفعله والمعنى نحن أقرب اليه وقت تلقّى الكاتبين ألفاظه واعماله فلا حاجة لنا الى كاتب يكتب اعماله (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ) مراقب كثيرا لأعماله (عَتِيدٌ) معدّ لكتابة الأعمال ، عن الصّادق (ع): ما من قلب الّا وله أذنان على إحديهما ملك مرشد وعلى الاخرى شيطان مفتّن هذا يأمره وهذا يزجره ، الشّيطان يأمره بالمعاصي ، والملك يزجره عنها ، وهو قول الله تعالى عن اليمين وعن الشّمال قعيد ، وفي بعض الاخبار تلويح بانّ صاحب اليمين وصاحب الشّمال كليهما ملكان ، صاحب اليمين أمير على صاحب الشّمال ويكتب الحسنات ، وصاحب الشّمال يكتب السّيّئات وهذا من سعة وجوه القرآن (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) سكرة الموت كناية عن الغشية الحاصلة عنده ، وأتى بالماضي لتحقّق وقوعه (بِالْحَقِ) لا يغيّر الحقّ حتّى تكون امارة كاذبة وقرئ : وجاءت سكرة الحقّ بالموت ، والباء على القرائتين للتّعديّة ، أو بمعنى مع ، أو للسّببيّة (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) وتفرّ ، والجملة حاليّة ، أو جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول ، والخطاب لمطلق الإنسان أو لمنكر البعث (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) وهذه أيضا حاليّة أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول اى يقال له ذلك اليوم العظيم يوم الوعيد الّذى كنت تنكره ، والمراد بالنّفخة النّفخة الثّانية كما انّ المراد بمجيء سكرة الموت النّفخة الاولى (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) السّائق ملك موكّل على الإنسان يسوقه الى المحشر والى الآخرة ، ويزجره عن الوقوف في المواقف ، والشّهيد ملك موكّل عليه يحضر معه في كلّ موطن ويحفظ ويشهد عليه بجميع اعماله ، فانّه كما انّ الإنسان في الدّنيا له نوائب تمنعه عن الوقوف والاطمينان بالدّنيا وله حالة يلتذّ بها في المناجاة والطّاعات كذلك في الآخرة عليه ملك يزجره عن الوقوف ويسوقه ، وملك حاضر معه في جميع مواطنه ، وهذان الملكان يكونان معه في الدّنيا لكن لا يعلم بهما ، وقيل المراد بالسّائق الملك الّذى هو صاحب الشّمال ، وبالشّهيد صاحب اليمين (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) مستأنفة أو حاليّة بتقدير القول والمعنى كنت في غفلة من هذا في الدّنيا (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) فتبصر في هذا اليوم ما كنت لا تبصره في الدّنيا (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) فتبصر في هذا اليوم دقائق ما كنت لا تقدر على ابصاره في الدّنيا (وَقالَ قَرِينُهُ) اى الملك الموكّل عليه (هذا) المكتوب الّذى كتبته عليه (ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) ومهيّأ للحضور والإظهار وقال الشّيطان الّذى قيّض له هذا الضّال ما لدىّ عتيد ومهيّأ لجهنّم (أَلْقِيا) من مقول قول القرين ، أو استيناف كلام من الله بتقدير القول سواء جعل حالا أو مستأنفا جوابا لسؤال مقدّر والخطاب للسّائق والشّهيد ، أو لمحمّد (ص) وعلىّ (ع) كما ورد في اخبار عديدة من طريق الخاصّة والعامّة وزيد في بعض الاخبار : وادخلا الجنّة من احبّكما (فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ) يتعدّى حدود الله أو

١١٠

معتد على العباد (مُرِيبٍ) شاكّ في الله ، أو في رسوله ، أو في خلافة خليفته (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) من الأصنام والكواكب والاهوية ، أو جعل مع مظاهر الله خليفة اخرى في الأرض مثل نمرود وفرعون (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ قالَ قَرِينُهُ) اى الشّيطان المقيّض له (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) كأنّه قال : هو اطغانى (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) من الحقّ يعنى انّه كان في الفطرة ضالّا فأعنته على ذلك لا انّى أحدثت له الضّلالة (قالَ) اى الله (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) فما سمعتموه وما ارتدعتم فلا حجّة لكم عندي (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) بالعذاب على من سجّلت العذاب عليه ، وامّا العفو فهو ليس من تبديل القول فانّه أيضا من الوعد الّذى لا خلف فيه وليس العفو جزافا حتّى يقول كلّ مذنب ليعف عنّى (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فلا اعذّب من دون سبب ولا أعفو من غير داع (يَوْمَ نَقُولُ) ظرف لظلّام ، أو ليبدّل اى يوم يقول الله ، وقرئ بالتّكلّم (لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) يسئل عنها سؤال تقرير حتّى لا ببدّل قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ،) أو سؤال استفهام لكنّ المنظور تنبيه العصاة وتهديدهم (فَتَقُولُ) في الجواب (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) استفهاما لطلب الزّيادة أو تعجّبا من الزّيادة على ما فيها وإنكارا للمزيد ، ولمّا كان جميع أجزاء عالم الآخرة ذات علم وارادة ونطق فلا حاجة لنا الى تأويل السّؤال والجواب هاهنا (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) في قوله القيا في جهنّم وفي قوله أزلفت الجنّة (لِلْمُتَّقِينَ) توهين للعصاة وتشريف للمتّقين وليس المتّقون الّا من قبل الولاية وهم شيعة آل محمّد (ص) (غَيْرَ بَعِيدٍ) مكانا غير بعيد أو ازلافا غير بعيد ، أو حالكونها غير بعيدة ، وإسقاط التّاء حينئذ يكون من قبيل إسقاط التّاء من قوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وهو تأكيد لقربها (هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ) بدل من قوله للمتّقين ، أو خبر مبتدء محذوف ، والاوّاب الكثير الرّجوع الى الله (حَفِيظٍ) حافظ نفسه من التّدنّس بادناس المعاصي ، أو محفوظ عن المعاصي (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) بدل من اوّاب ، أو خبر مبتدء محذوف ، أو مبتدء خبره ادخلوها (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) راجع الى الله (ادْخُلُوها) خبر لمن خشي ، أو حال ، أو مستأنف والكلّ بتقدير القول (بِسَلامٍ) من كلّ آفة (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) متعلّق بيشاؤن أو بلهم (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) فانّ لدينا ما لا يخطر ببالهم حتّى يشاؤها ثمّ عطف على عقوبة الكفّار تهديدا لهم وقال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) قبل قريش أو أهل مكّة (مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) نقب في الأرض من المجرّد ، ونقّب من التّفعيل ، وانقب من الأفعال ذهب فيها ، ونقّب عن الاخبار بحث عنها وأخبر بها ، والمراد فتحوا البلاد أو ساروا فيها بالمنافع الكثيرة والأعمال الدّقيقة ، أو ساروا فيها لتجسّس الاخبار (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) ومخلص من الهلاك ، والجملة حاليّة أو مستأنفة بتقدير القول اى يقول تلك القرون أو نقول لهم هل من محيص (إِنَّ فِي ذلِكَ) الاخبار أو في ذلك الإهلاك (لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ).

اعلم ، انّ العلم الّذى هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، اوّل ظهوره يورث التّحيّر والإنصات فيطلب به من يخرجه من تحيّره فاذا وجد وانقاد له لم يكن له شأن الّا الاستماع الى ما قال المنقاد له والامام ، فثاني مراتبه يورث الاستماع لمن انقاد له وهو مقام التّقليد فانّه يأخذ في هذا المقام من الامام مصدّقا له من غير تحقيق لمأخوذاته ،

١١١

أو من غير اعتبار لتحقيق مأخوذاته ، وهذا صاحب الصّدر المنشرح بالإسلام فاذا وجد هذا المقلّد أنموذج مأخوذاته بوجدانه أو بشهوده كان خارجا من حدود صدره الى حدود قلبه وهذا هو الّذى مزج التّقليد بالتّحقيق ، أو خرج من التّقليد الى التّحقيق ، وهذا صاحب القلب سواء دخل في بيت القلب أو لم يدخل بعد لكن كان مشرفا على الدّخول ، وهذان هما اللّذان يتذكّران ويعتبر ان بكلّ ما سمعاه ، وامّا غيرهما من أرباب النّفوس فيمرّون على الآيات وهم عنها معرضون (وَهُوَ شَهِيدٌ) حاضر الذّهن عند القائل تقييد لالقاء السّمع (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) قد مضى في سورة الأعراف بيان خلق السّماوات والأرض في ستّة ايّام (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) حتّى احتجنا الى الاستراحة كما قالته اليهود وهو ردّ لليهود حيث قالوا : انّ الله بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة ، واستراح يوم السّبت ، واستلقى على العرش ، روى انّ اليهود أتت النّبىّ (ص) فسألته عن خلق السّماوات والأرض ، فقال : خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين ، وخلق الجبال وما فيهنّ يوم الثّلثاء ، وخلق يوم الأربعاء الشّجر والمدائن والعمران والخراب ، وخلق يوم الخمس السّماء ، وخلق يوم الجمعة النّجوم والشّمس والقمر والملائكة ، قالت اليهود : ثمّ ماذا؟ ـ يا محمّد (ص) ، قال : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) ، قالوا : قد أصبت لو أتممت ، قالوا : ثمّ استراح ، فغضب النّبىّ (ص) غضبا شديدا ، فنزلت الآية (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) في حقّ الله بما لا يليق بجنابه وفي حقّك وفي حقّ علىّ (ع) (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) قد مضى في اوّل الحمد بيان انّ تسبيحه تعالى ليس الّا بحمده ولذلك قيّد التّسبيح في الأغلب بالحمد ، أو قرنه به ، أو بما يفيده (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) يعنى في جميع الأوقات فانّه كثيرا ما يقيّد الأمر بطرفي النّهار ويراد استغراق الأوقات ، أو المراد هذان الوقتان بخصوصهما لشرافتهما ، وما ورد في فضيلة ما بين الطّلوعين أكثر من ان يحصى ، وقد ورد في فضيلة العصر اخبار عديدة ، أو المقصود الاشارة الى صلوة الصّبح وصلوة العصر ، أو صلوة الظّهر والعصر (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) اى بعضا من اللّيل سبّحه لانّ اللّيل وخصوصا آخره وقت شريف تتوجّه النّفوس فيه الى الله والى أصلها لخلوصها من العوائق الخياليّة ، أو هو اشارة الى المغرب والعشاء ، أو الى صلوة اللّيل (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) قرئ مصدرا وجمعا والمراد بالسّجود كمال الخضوع لعظمة الرّبّ يعنى بعد ما حصل لك كمال التّوجّه الى الله والخضوع له أو أشير بادبار السّجود الى ركعة الوتر أو الرّكعتين أو الأربع الرّكعات بعد المغرب أو الى الوتيرة (وَاسْتَمِعْ) أنت في الحال الحاضر نداء المنادي يوم القيامة ، أو يوم ظهور القائم (ع) ، فانّك تسمع بالفعل نداء ذلك المنادي لخروجك من مرقدك وشهودك القيامة أو خروج القائم (ع) (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) للبعث والحساب أو ينادى المنادي باسم القائم (ع) واسم أبيه كما في الخبر ، وإسقاط الياء من المنادي لإجراء الوصل مجرى الوقف وهو عربيّ جيّد (مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) من كلّ النّاس فانّ نسبة المنادي في القيامة أو في ظهور القائم متساوية الى الكلّ (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ) يعنى الصّيحة للحساب والقيام عند الله ، أو صيحة القائم أو الصّيحة بخروج القائم (ع) (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) من المراقد ، عن الصّادق (ع) هي الرّجعة (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) في الدّنيا جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : من يفعل ذلك؟ ـ ومن يخرج الأموات من المراقد؟ ـ فقال : انّا نحن نحيى ونميت (وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) في الآخرة (يَوْمَ تَشَقَّقُ) ظرف للمصير أو بدل من يوم يسمعون الصّيحة (الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) وذلك في الرّجعة أو في القيامة (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) في حقّنا ، أو في حقّك ، أو في حقّ علىّ (ع) تسلية له (ص) وتهديد لقومه

١١٢

المنافقين أو المشركين (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) بمسلّط عليهم بالإجبار لهم انّما أنت منذر مذكّر (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ) اى بمطلق القرآن ، أو بقرآن ولاية علىّ (ع) (مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).

سورة الذّاريات

مكّيّة ، ستّون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) ذرت الرّياح التّراب والهشيم وأذرت وذرّت بالتّشديد اطارته ، والمراد الرّياح أو النّساء الّتى تذرو الأولاد ، أو الأسباب الّتى تذرو الخلائق من الملائكة وغيرهم (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) اى السّحب الحاملات للامطار ، أو الرّياح الحاملات للسّحاب ، أو النّساء الحوامل ، وقرئ وقرا بفتح الواو مصدرا ، والوقر بالكسر الحمل الثّقيل (فَالْجارِياتِ يُسْراً) السّفن الجاريات في البحار بسهولة ، أو الرّياح الجاريات في مهابّها ، أو الكواكب الجاريات في مناطقها (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) اى الملائكة الّذين يقسّمون الأرزاق والأمطار وغيرها ، أو الرّياح الّتى تقسّم الأمطار والسّحب ، أو جميع ما يقسّم شيئا من الملائكة والرّياح والأنبياء والأولياء (ع) وهذا قسم من الله فان كان هذه أوصافا لذوات متعدّدة فلفظ الفاء فيها لتفاوت المقسم به في الشّرف والخسّة وفي الدّلالة على قدرة الرّبّ وعنايته بخلقه ، وان كانت أوصافا لذات واحدة فالفاء للتّرتيب بين الأفعال فانّ الرّيح تفرّق وتحرّك الا بخرة في الجوّ فتنعقد في الجوّ سحابا فتحمله الى حيث يأمرها الله فتجرى به بسهولة فتقسّمه على البلاد والبراري والبحار (إِنَّما تُوعَدُونَ) من الثّواب والعقاب والحشر والحساب (لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ) اى الجزاء (لَواقِعٌ) أو اللّام لتعريف العهد الذّهنىّ والمعنى انّ هذا الدّين الّذى يدّعيه لواقع يعنى حقّ وصدق (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) اى ذات الطّرائق من مسير الكواكب أو ذات الحسن والزّينة كما ورد عن أمير المؤمنين (ع) فانّ الكواكب وطرائقها تزيّن السّماء كما يزيّن الموشىّ الثّوب الوشىّ بالطّرايق ، أو المراد بالطّرائق الادلّة الّتى يأخذها النّظّار منها الّتى يستدلّون بها على صانعها وعلمه وقدرته وإرادته وحكمته.

حديث في كيفيّة وضع الأرض وطبقات السّماوات

وعن الحسين بن خالد عن ابى الحسن الرّضا (ع) قال قلت له : أخبرني عن قول الله تعالى (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ،) فقال : محبوكة الى الأرض وشبّك بين أصابعه ، فقلت : كيف تكون محبوكة الى الأرض؟ ـ والله تعالى يقول رفع السماء بغير عمد ، فقال : سبحان الله! أليس يقول (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)؟ ـ قلت : بلى ، قال : فثمّ عمد ولكن لا ترى ، فقلت : فكيف ذلك؟ ـ جعلني الله فداك ، قال : فبسط كفّه اليسرى ثمّ وضع اليمنى عليها ، فقال : هذه ارض الدّنيا والسّماء الدّنيا فوقها قبّة ، والأرض الثّانية فوق السّماء الدّنيا ، والسّماء الثّانية فوقها قبّة ، والأرض الثّالثة فوق السّماء الثّانية والسّماء الثّالثة فوقها قبّة ، ثمّ هكذا الى الأرض السّابعة فوق السّماء السّادسة والسّماء السّابعة فوقها قبّة ، وعرش الرّحمن فوق السّماء السّابعة وهو قوله : (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) ، وصاحب الأمر هو النّبىّ (ص) والوصىّ علىّ (ع) بعده ، وهو على وجه الأرض

١١٣

وانّما يتنزّل الأمر اليه من فوق السّماء بين السّماوات والأرضين ، قلت : فما تحتنا الّا ارض واحدة ، قال : وما تحتنا الّا ارض واحدة وانّ السّتّ لفوقنا (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) في هذا الدّين الواقع الحقّ بانّ بعضكم يصدّق ، وبعضكم يكذّب ، أو في محمّد (ص) بالتّصديق والتّكذيب وبأنّه مجنون أو شاعر أو معلّم من غيره أو كاهن ، أو في القرآن بانّه سحر وكهانة ورجز وأساطير الاوّلين ، أو في علىّ (ع) خليفته (يُؤْفَكُ عَنْهُ) اى عن الدّين أو محمّد (ص) أو القرآن أو علىّ (ع) وولايته (مَنْ أُفِكَ) حذف المصروف عنه عن الثّانى للمبالغة والتّأكيد في ذمّ من إفك عنه كأنّه قيل : كلّ من إفك من خير يؤفك عنه والمناسب لهذا التّعميم والتّأكيد ان يكون المراد بالضّمير المجرور عليّا (ع) وولايته كما في الخبر فانّه أصل جميع الخيرات والآفك من كلّ خير أفك عنه ، أو المعنى يؤفك عنه من إفك في الذّرّ ، أو المعنى يؤفك عن هذا القول المختلف ، وبسببه من إفك عن الخير ، أو عن هذا الدّين ، أو عن محمّد (ص) أو علىّ (ع) (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) الخرص بالفتح الحرز والاسم منه بالكسر يقال كم خرص أرضك بالكسر والقول بالظّنّ والكذب والكلّ مناسب هاهنا والمعنى لعن القائلون في الدّين وخلافة أمير المؤمنين (ع) بالظّنّ والتّخمين ، واستعمال القتل في اللّعن لانّ من لعنه الله يقتله عن الحيوة الانسانيّة (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) الغمرة شدّة الشّيء ومزدحمه ، وتنكيره للتّفخيم وعدم نسبته الى شيء مخصوص لإيهام التّعميم والمعنى الّذين هم في غمرة من كلّ شيء من الجهل والشّهوات والغضبات والشّيطنة والكبر والعجب والفخر (ساهُونَ) عمّا ذكّرناهم به بحسب فطرتهم من طريق الآخرة ونعيمها ، أو عمّا ذكّرناهم في عالم الذّرّ ، أو ساهون عن الله وعن المنعم وانعامه (يَسْئَلُونَ) حال أو خبر بعد خبر أو مستأنف (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) اى يوم الجزاء وكان سؤالهم هذا استهزاء وإنكارا ولذلك أتى به بعد قوله : الّذين هم في غمرة ساهون وأجابهم بقوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يقال لهم (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) اى عذابكم وحريقكم أو فسادكم في الدّنيا (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) بدل من فتنتكم أو مبتدء وخبر (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) مستأنف جواب لسؤال مقدّر عن حال المتّقى عن القول المختلف أو عن الافك عن الولاية (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) كناية عن رضاهم به وهو كناية عن كون ما آتاهم مرضيّا حسنا (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) مستأنف في مقام التّعليل والمعنى انّهم كانوا محسنين في أعمالهم ، أو كانوا ذوي حسن وهو الولاية ، أو كانوا محسنين الى من تحت أيديهم والى غيرهم (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ) بدل من قوله كانوا قبل ذلك محسنين نحو بدل التّفصيل عن الإجمال (ما يَهْجَعُونَ) عن الصّادق (ع): كانوا اقلّ اللّيالى يفوتهم لا يقومون فيها ، وعن الباقر (ع): كان القوم ينامون ولكن كلّما انقلب أحدهم قال : الحمد لله ولا اله الّا الله والله أكبر (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).

اعلم ، انّ الإنسان الصّغير كالإنسان الكبير في وجوده ليل ويوم وشمس وقمر ، وليله مراتب طبعه ونفسه الحيوانيّة ، ويومه مراتب ملكوته ، وشمسه عقله ، وقمره نفسه المستضيئة بنور العقل ، وما لم يخرج الإنسان من بيت طبعه ونفسه لا يمكن غفران مساويه ولو استغفر كلّ يوم الف مرّة ، وإذا خرج من حدود نفسه الحيوانيّة وقرب من حدود قلبه وعقله الّتى هي في الصّغير بمنزلة الأسحار في الكبير سأل بلسان حاله غفران مساويه من ربّه ويجيبه الله ويغفره سواء سأل بلسان قاله أو لم يسأل ، ومن هاهنا يظهر سرّ تقييد الاستغفار بالأسحار ، وسرّ تقديم الأسحار المفيد للحصر (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) من منفعة كسبه ، ولا يخفى تعميم الأموال للاعراض الدّنيويّة والقوى

١١٤

والأعضاء ، والوجاهة والخدم والحشم والانانيّات ولا تعميم السّائل للسّائلين من الاناسىّ بالكفّ واللّسان ، أو بلسان الحال والسّائلين من الملائكة والعقول والائمّة والله تعالى فانّه يسأل القرض من عباده ، والسّائلين بلسان حالهم أو قالهم افاضة الخيرات من النّبىّ (ص) والامام واتباعهما ، والمحروم كما عن الصّادق (ع) المحارف (١) الّذى قد حرم كدّيده في الشّراء والبيع ، ولا يخفى تعميم بين كاسب الأموال الدّنيويّة المعاشيّة وكاسب الأموال الاخرويّة المعاديّة (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) دالّات على المبدء وعلمه وقدرته وعنايته بخلقه ورأفته (لِلْمُوقِنِينَ) بأمر الآخرة لا غيرهم فانّهم يمرّون عليها وهم عنها معرضون (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) عطف على في الأرض أو متعلّق بمحذوف بقرينة قوله تعالى (أَفَلا تُبْصِرُونَ) وقد تكرّر ذكر آيات الأرض الّتى هي آيات الآفاق وذكر آيات الأنفس ، عن الصّادق (ع) انّ رجلا قام الى أمير المؤمنين (ع) فقال : يا أمير المؤمنين بما عرفت ربّك؟ ـ قال : بفسخ العزم ونقض الهمم لمّا ان هممت فحال بيني وبين همّى ، وعزمت فخالف القضاء عزمي ، علمت انّ المدبّر غيري ، وعن الصّادق (ع) مثل هذا السّؤال والجواب (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) الخاصّ بكم من حيث انسانيّتكم أو أسباب رزقكم النّباتيّة وأرزاقكم الانسانيّة (وَما تُوعَدُونَ) من نعيم الجنّة فانّ الجنّة ونعيمها في السّماء الصّوريّة بمعنى انّها مظهر لها وفي سماوات عالم الأرواح فانّ محلّ الجنّة ونعيم الآخرة عالم الملكوت والجبروت وقال القمّىّ : المطر ينزل من السّماء فيخرج به أقوات العالم من الأرض ، وما توعدون من اخبار الرّجعة والقيامة والاخبار الّتى في السّماء ، وقيل : في السّماء تقدير أرزاقكم اى ما قسّمه لكم مكتوب في امّ الكتاب وجميع ما توعدون في السّماء أيضا لانّ الملائكة تنزل من السّماء لقبض الأرواح ولاستنساخ الأعمال ولانزال العذاب ويوم القيامة للجزاء والحساب (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) اى ما توعدون أو كون الرّزق وكون ما توعدون في السّماء ، أو انّ المعهود المقصود من كلّ قصّة وحكاية وهو الولاية ولاية علىّ (ع) لحقّ (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) مثل نطقكم الّذى لا تشكّون فيه ، أو المعنى في السّماء رزقكم مثل ما انّكم تنطقون اى تدركون المعاني الغيبيّة فانّه من السّماء ينزل إليكم ، أو الولاية حقّ حالكونها مثل نطقكم فانّه من آثار الولاية التّكوينيّة ونازلة منها (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) استيناف كلام لتهديد المعرضين عن المبدء أو الرّسول أو الولاية (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) قد مضى في سورة هود هاتان الكلمتان (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) اى قال في نفسه هؤلاء قوم منكرون غير معروفين لي ، أو قال لهم : أنتم قوم منكرون اى لا أعرفكم (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) اى فذهب إليهم في خفية من ضيفه تعجيلا للقرى (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) لانّه كان عامّة ماله البقر (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ) لانّا رسل ربّك (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ) بعد البشارة وهي سارة (فِي صَرَّةٍ) اى في صيحة أو في جماعة كما روى عن الصّادق (ع) (فَصَكَّتْ وَجْهَها) قيل : جمعت أصابعها وضربت بها جبهتها ، وقيل : لطمت وجهها للتّعجّب ، وقيل : غطّت وجهها (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) يعنى كيف ألد وكنت عاقرا وقت اقتضاء السّنّ الحمل وصرت عجوزا ليس من شأنى الحمل (قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) وانّما نخبرك عنه (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ) يعلم دقائق الأمور ويصنع الأمور المتقنة الّتى يعجز عن إدراكها وصنعها غيره (الْعَلِيمُ) فيعلم انّك

__________________

(١) المحارف المحروم المنقوص الحظّ.

١١٥

كنت عقيما وصرت عجوزا ويقدر على جعل العقيم ولودا وجعل العجوز ذات حيض وولد.

الجزء السابع والعشرون

(قالَ) إبراهيم (ع) بعد ما عرفهم وانس بهم (فَما خَطْبُكُمْ) أمركم وشغلكم لمّا لم يكن نزول الاربعة الاملاك دفعة معهودا له علم انّهم لم ينزلوا الّا لأمر عظيم فسأل ما خطبكم؟ (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قد مضى قصّتهم في سورة هود وغيرها (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) الرّكن الجنب الأقوى والباء للتّعدية ، أو بمعنى مع والمراد انّه ولّى جنوده أو جانبه ، أو تولّى هو وجنوده (وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) يعنى ما يفعله من سحره وباختياره أو هو مجنون وما يظهر عليه من خوارق العادات انّما يظهر من الجنّ على يديه من دون اختياره (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ) آت بما يلام عليه (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) سمّيت عقيما لعدم تضمّنها لمنفعة أو لانّها أهلكتهم واستأصلتهم (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) كالرّماد المتفتّت الاجزاء (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) اى ثلاثة ايّام ان كان المراد به قول النّبىّ (ص) بعد الإيعاد بالعذاب ، أو قيل تكوينا : تمتّعوا حتّى حين الآجال الّتى لكم وهذا هو المناسب لما بعده (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) ممتنعين (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) وقد مضى تلك القصص مكرّرا (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) بقوّة (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) اى قادرون أو لموسعون الرّزق على العباد أو لذو وسعة للعباد وأرزاقهم (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) بسطناها (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) الباسطون أو الممهّدون للقرار (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) برّيّا وبحريّا ، أو انسيّا ووحشيّا ، ويكون لفظ كلّ من حمل حكم الأكثر على الكلّ أو من كلّ حيوان ذكر وأنثى ، أو من كلّ شيء من الكيفيّات والكمّيّات والمذوقات والمشمومات ضدّين متنافيين كالحرّ والبرد ، والسّواد والبياض ، والمرّ والحلو ، والقصير والطّويل ، والحسن والقبيح ، الى غير ذلك ، وفي الاخبار اشارة الى هذا المعنى (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) علمه وحكمته وقدرته وعنايته بخلقه ورأفته ولعلّكم تذكّرون بمضادّته بين الأشياء ان لا ضدّ له وبتفريقه بين المتفارقات انّ لها مفرّقا ، وبتأليفه بين المتئالفات انّ لها مؤلّفا (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) المنعم عليكم بهذه النّعم من نفوسكم الامّارة ومن الشّيطان وجنوده بالاستعاذة به ، ومن الأشرار وشرورهم بالاستعانة به ، ومن اهويتكم الّتى هي آلهتكم بالطّاعة لأمره ونهيه ، أو فرّوا من أوطانكم الى الحجّ ، أو فرّوا من أوطانكم الى الرّسول والامام (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) وقوله تعالى ففرّوا حكاية لقول الرّسول (ص) أو قوله انّى لكم منه نذير من الله (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) تكرير للتّأكيد (كَذلِكَ) القول لك من انّك مجنون أو ساحر أو كاهن أو شاعر (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

١١٦

مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ) يعنى انّ الاوّلين والآخرين تواصوا بهذا القول في حقّ الرّسول (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) ومقتضى طغيانهم عدم الانقياد للحقّ تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) عن المحاجّة والمجادلة معهم بعد إتمامك الحجّة وإصرارهم على الإنكار (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) بعد ذلك (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) وان لم يتذكّر بها الكافرون والمنافقون في اخبار عديدة انّ النّاس لمّا كذّبوا رسول الله (ص) همّ الله تعالى باهلاك أهل الأرض الّا عليّا (ع) فما سواه بقوله : فتولّ عنهم فما أنت بملوم ثمّ بدا له فرحم المؤمنين ثمّ قال لنبيّه : وذكّر فانّ الذّكرى تنفع المؤمنين ، وعن علىّ (ع) لمّا نزلت : فتولّ عنهم لم يبق أحد منّا الّا أيقن بالهلكة فلمّا نزل وذكّر طابت أنفسنا (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

اعلم ، انّ الله تعالى كان غيبا مطلقا لم يكن منه خبر ولا اسم ولا رسم فأحبّ ان يتجلّى فيعرف كما في القدسىّ : كنت كنزا مخفيّا فأحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف ، فخلق الخلق لان يتجلّى عليهم فيألفوه ، ولا يتجلّى عليهم الّا إذا صاروا خارجين من انانيّاتهم ، ولا يخرجون من انانيّاتهم الّا بارتياض النّفوس بما قرّره الله تعالى لذلك وليس الّا العبادات الشّرعيّة ، وأيضا لا يخرجون من انانيّاتهم الّا إذا صاروا عبيدا له تعالى خارجين من عبوديّة أنفسهم وليس المقصود من العبادات ولا من العبديّة الّا ان يصيروا عارفين له متّصلين به منتهين اليه ، فالمقصود من قوله الّا ليعبدون الّا ليعرفون لكنّه ادّاه بهذه العبارة للاشعار بانّ المعرفة لا تحصل الّا بالعبادة أو بالعبديّة ، عن الصّادق (ع) قال : خرج علىّ بن الحسين (ع) على أصحابه فقال : ايّها النّاس انّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد الّا ليعرفوه ، فاذا عرفوه عبدوه ، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه ، فقال له رجل : يا ابن رسول الله (ص) بابى أنت وأمّي ، فما معرفة الله؟ ـ قال : معرفة أهل كلّ زمان امامهم الّذى يجب عليهم طاعته ، وقوله تعالى (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) ولذلك خلقهم ، المستفاد منه انّ خلقهم للاختلاف ، وعبادة بعضهم وتمرّد بعضهم لا ينافي ذلك ، فانّ الغاية المقصودة والمنظور إليها والمترتّب عليها فعل الفاعل عبادتهم ومعرفتهم ولكن لمّا لم يكن خلق البشر في عالم الكون من الاضداد الّا بان يكونوا مختلفين وكان غاية تلك الخلقة المنتهى إليها خلقتهم اختلافهم قال : ولذلك خلقهم فلا منافاة بينهما ، فانّ العبادة علّة غائيّة لخلقهم والاختلاف غاية مترتّبة عليه (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) لي ولا لغيري (وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فما أراد من خلقهم رزقا واعانة (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) لكلّ مرزوق تعليل يعنى انّ الرّزّاقيّة لا تتأتّى من غيره فكيف يريد رزّاقيّة الغير (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الّذى لا حاجة له الى معين في رزّاقيّة (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بإنكار المبدء أو المعاد ، أو ظلموا الرّسول بعدم انقياده وعدم إعطاء حقّه من تسليم أنفسهم له ، أو ظلموا آل محمّد (ص) حقّهم من عدم تسليم أنفسهم لهم ومن غصب حقوقهم وهذا هو المنظور اليه ، والفاء للسّببيّة لقوله فذكّر (ذَنُوباً) قسطا ونصيبا فانّ الذّنوب الدّلو ، أو الّتى فيها ماء ، أو الملأى ، أو دون الملأى ، أو المراد بالذّنوب اليوم الطّويل الشّرّ (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) الّذين اتّبعوهم في ظلم آل محمّد (ص) (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) بالعذاب (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بولاية علىّ (ع) (مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم آخر الدّنيا أو يوم القيامة.

١١٧

سورة الطّور

مكّيّة ، تسع وأربعون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالطُّورِ) اقسم بالجبل الّذى كلّم الله عليه موسى (ع) ، أو اقسم بمطلق الجبل لما فيه من أنواع البركات والخيرات ولما ينبع من تحته الماء الّذى هو أصل جميع البركات وباطنه الامام الّذى به وجود العالم وبقاؤه وبركاته ، أو المراد جهة النّفس العليا الّتى إذا بلغ الإنسان هناك قرب من الله إذا كان على الجانب الأيمن منها (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) اى مكتوب مسطور (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) الرّقّ الجلد الرّقيق الّذى يكتب فيه والصّحيفة البيضاء والمراد به هيولى العالم الّتى كتب فيها صور الأنواع ونفوسها ، أو طبع الإنسان الّذى كتب فيه نفسه وقواها ومداركها ، وقيل : هو الكتاب الّذى كتبه الله لملائكته في السّماء يقرؤن فيه ما كان وما يكون فيعملون بما فيه ، وقيل : هو القرآن المكتوب عند الله في اللّوح المحفوظ ، وقيل : هو صحائف الأعمال الّتى تخرج الى بنى آدم يوم القيامة ، وقيل : هو التّوراة (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) الّذى في السّماء الرّابعة يدخله كلّ يوم سبعون الف ملك ثمّ لا يعودون اليه أبدا ، وعن الباقر (ع) انّه قال : انّ الله وضع تحت العرش اربع أساطين وسمّاهنّ الضّراح وهو البيت المعمور وقال للملائكة : طوفوا به ، ثمّ بعث ملائكة فقال : ابنوا في الأرض بيتا بمثاله وقدره ، وامر من في الأرض ان يطوفوا بالبيت ، وعن النّبىّ (ص): البيت المعمور في السّماء الدّنيا ، وفي حديث عنه : انّه في السّماء السّابعة ، واختلاف الاخبار في ذلك يشعر بوجه التّأويل ، ولمّا كان الإنسان الصّغير مطابقا للإنسان الكبير فالبيت المعمور هو قلبه الّذى هو في السّماء الرّابعة بوجه ، وتحت العرش بوجه ، وفي السّماء الدّنيا بوجه ، وبحذائه القلب الصّنوبرىّ الّذى هو في ارض الطّبع وبناه الملائكة بحذاء القلب المعنوىّ الّذى هو في سماء الأرواح (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) السّماء ، أو العقل الّذى هو بمنزلة السّقف للقلب والطّبع (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) اى الموقد أو المملوّ فانّ البحار تسجّر وتوقّد نارا يوم القيامة والمراد بحر الهيولى الّذى يوقد من نار الغضبات والشّهوات والحيل الشّيطانيّة (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) اى تضطرب أو تموج أو تدور (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) حتّى تستوي مع الأرض ، أو يظهر سير الجبال فانّها تمرّ مرّ السّحاب وتحسبها جامدة (فَوَيْلٌ) اى إذا كان ذلك اليوم فويل (يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) لله ورسوله (ص) مطلقا ، أو في ولاية علىّ (ع) وهو المنظور (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ) في الملاهي ، أو في انكار المبدء والمعاد ، أو في انكار الرّسول (ص) ، أو في انكار ولاية علىّ (ع) (يَلْعَبُونَ يَوْمَ يُدَعُّونَ) اى يدفعون بعنف فانّ الدّعّ الدّفع العنيف (إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) وقيل : هو ان تغلّ أيديهم الى أعناقهم وتجمع نواصيهم الى اقدامهم ، ثمّ يدفعوا الى جهنّم دفعا على وجوههم (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) الجملة حاليّة أو جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول اى يقول الله أو الملائكة أو خزنة جهنّم (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) لمّا كانوا ينسبون محمّدا (ص)

١١٨

الى السّحر تارة والى انّه يتصرّف في الأبصار اخرى ردّ الله تعالى عليهم قولهم في حقّه فقال : أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون بالتّصرّف في أبصاركم؟ (اصْلَوْها) يعنى يقال لهم : اصلوها (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) لفظة أو للتّسوية ولذلك اكّد المفهوم بالتّصريح فقال : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) جواب لسؤال كأنّه قيل : لم نعذّب هذا العذاب؟ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) عن تكذيب الله ورسوله (ص) في ولاية علىّ (ع) بالإقرار له والبيعة معه بيعة خاصّة ولوية (فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) تنكير الجنّات والنّعيم للتّفخيم (فاكِهِينَ) متنعّمين أو معجبين (بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا) حاليّة أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول (هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئِينَ) حال (عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) متّصل بعضها ببعض (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أتى بالماضي للاشعار بانّ التّزويج حاصل لهم في دار الدّنيا وان كان لا يظهر عليهم ، أو للاشارة الى تحقّق وقوعه (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة أو بالبيعة الخاصّة (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) الذّرّيّة تقع على الواحد والكثير وهي الصّغار من أولاد الرّجل أو مطلق الأولاد ، والباء بمعنى مع ، أو بمعنى في ، أو للسّببيّة وتنكير الايمان للاشعار بكفاية ايمان ما للإلحاق ولو كان ايمانا حكميّا فانّ صغار أولاد المسلمين في حكم الإسلام وان لم يحكم عليهم بالإسلام الحقيقىّ لعدم تعلّق التّكليف بهم بعد (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) والمراد انّه تعالى يلحق أولاد المؤمنين المكلّفين منهم القاصرين عن درجة آبائهم بآبائهم تشريفا لايمان آبائهم ، وغير المكلّفين منهم بمحض ايمان الآباء يلحقون بالآباء تشريفا لهم كما في الاخبار انّ الصّغار من الأولاد تهدى في الجنّة للآباء (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بواسطة الحاق الأولاد (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) حاليّة أو معترضة جواب لسؤال مقدّر (وَأَمْدَدْناهُمْ) يعنى أعطيناهم على التّدريج والاستمرار (بِفاكِهَةٍ) شريفة لا يمكن تعريفها (وَلَحْمٍ) غير معروف ليس من جنس لحوم الدّنيا حتّى يمكن تعريفها (مِمَّا يَشْتَهُونَ) اى من لحم أو من ذي لحم يشتهونه من لحم الطّيور وغير الطّيور (يَتَنازَعُونَ) اى يتجاذبون من وجد (فِيها كَأْساً) الكأس مهموزة اسم لما يشرب منه ، أو اسم له ما دام الشّراب فيه ، وتطلق على الخمر أيضا وهي مؤنّثة سواء أريد بها ما يشرب به أو الخمر (لا لَغْوٌ فِيها) يعنى لا يجرى بينهم لغو حين تعاطيها مثل الكؤوس الدّنيويّة (وَلا تَأْثِيمٌ) اى لا جعل الشّارب آثما بخلاف كؤوس الدّنيا (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) في الحسن والصّباحة والصّفاء والبياض ، وتوصيف اللّؤلؤ بكونه مكنونا لكون المكنون محفوظا من الاغبرة وما يكدّره (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ) اى كلّ بعض منهم (عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) عن سبب تنعّمهم في الجنّة بقرينة ما يأتى (قالُوا) في الجواب (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ) اى قبل الآخرة (فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) على أهلنا ، أو مشفقين من عذاب الله (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بهذه النّعم (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) السّموم من أسماء جهنّم ، أو السّموم الحرّ الّذى يدخل في مسامّ البدن (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) الّذى لا يدع من يدعوه من غير نصرة (الرَّحِيمُ) الّذى يتفضّل على عباده من غير استحقاق منهم (فَذَكِّرْ) يعنى إذا كان الأمر هكذا فذكّر ولا تبال بردّهم وقبولهم فانّه ينفع بعضهم

١١٩

ان لم ينفع كلّهم ، أو ينفع آخرا ان لم ينفع اوّل الأمر (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) الباء المقسم أو للسّببيّة ، والنّعمة هي الولاية والنّبوّة والرّسالة صورتها (بِكاهِنٍ) الكهانة الاخبار بالغيب بطريق خدمة الجنّ ، والفعل كمنع ونصر وكرم (وَلا مَجْنُونٍ) كما يقولون ويصفونك بهما (أَمْ يَقُولُونَ) هو (شاعِرٌ) يتكلّم بما لا حقيقة له ويتموّه فيقرّب البعيد ويبعّد القريب ، ولمّا كان الشّاعر في أكثر الأمر يأتى في شعره بما لا حقيقة له ويموّه سمّى كلّ من يأتى بكلام مموّه لا حقيقة له بالشّاعر (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) الرّيب صرف الدّهر ، والمنون الدّهر والموت والمقصود منه انّا نتربّص هلاكته (قُلْ تَرَبَّصُوا) الهلكة لي (فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) حوادث الدّهر لكم (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) اى عقولهم (بِهذا) القول والإنكار (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) وطغيانهم يحملهم على ذلك لا عقولهم (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) قال القرآن بتعمّل من عند نفسه وليس من الله (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) بالله أو بك أو بالقرآن أو بالولاية (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) اى مثل القرآن (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في انّك تقوّلته وقد مضى في اوّل البقرة عند قوله (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) بيان التّحدّى بالقرآن والاشارة الى وجه اعجازه (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) بل أخلقوا من غير غاية لخلقتهم؟ كما يقول المعطّلون للعالم وخلقه عن الغاية ، أو من غير مبدء؟ كما يقول الدّهريّة والطّبيعيّة والقائلون بالبخت والاتّفاق ، أو من غير امر ونهى ووعظ ونصح لهم؟ حتّى يكونوا مهملين ، أو من غير سبق مادّة واستعداد؟ حتّى يقولوا بالجبر للعباد من دون اختيار لهم ، أو من غير سبق صورة مثاليّة لهم في مراتب علمنا؟ فيكون خلقنا لهم من غير علم لنا بهم سابقا (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) لأنفسهم فلم يكن لهم مبدء آخر فلم يكن لغيرهم حقّ عليهم (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) حتّى لا يكون لهما خالق فلم يقرّوا بمبدإ لهما اضطرارا (بَلْ لا يُوقِنُونَ) فلا يتكلّمون في شيء الّا عن ظنّ وتخمين (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) فيعطوا من شاؤا ما شاؤا ويمنعوا من شاؤا ما شاؤا فيمنعوا الرّسالة منك ويعطوها غيرك أو يعطوا أنفسهم ما يشاؤن فلم يضطرّوا الى الالتجاء الى الله والسّؤال منه ، أو الى الالتجاء الى رسوله (ص) والسّؤال منه ، أو الى العبادات وأخذها من أهلها (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) المسيطر الرّقيب الحافظ والمتسلّط حتّى لا يحتاجوا الى غيرهم (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) اى في السّلّم اخبار الغيب فيخبروا انّ محمّدا (ص) ليس بنبىّ ، أو يخبروا بما يحتاجون اليه من امر دينهم ودنياهم فلا يكون لهم حاجة الى رسول (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجّة واضحة أو موضحة صدّقه (أَمْ لَهُ الْبَناتُ) أتى بعد ذكر الاستماع من السّماء حجّة على انّهم غير مستمعين بل غير عاقلين فانّ العاقل لا يقول مثل ما قالوا فانّهم جوّزوا عليه التّوالد الّذى مفاسده غير خفيّة ثمّ اثبتوا له البنات ، (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) ورجّحوا أنفسهم عليه فاثبتوا لأنفسهم البنين ولذلك قال (وَلَكُمُ الْبَنُونَ أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) بذلك الأجر فمنعهم ذلك عن الإقرار بك (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) من دون الصّعود الى السّماء (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) فيعلمون بذلك انّك لست برسول أو لا يحتاجون بذلك الى رسول (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) يعنى انّهم يريدون كيدا عظيما بك وبوصيّك فالّذين كفروا برسالتك أو بولاية علىّ (ع) هم المكيدون فانّ كيدهم لك هو كيد الله لهم في الخذلان والمنع من حضرته (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ

١٢٠