تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٤

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٤

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٩١

رخوة (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) اى جنس الملك بكثرتها على أطراف السّماء (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) روى عن النّبىّ (ص) انّ حملة العرش اليوم اربعة فاذا كان يوم القيامة ايّدهم بأربعة اخرى فيكونون ثمانية ، وعن الصّادق (ع): حملة العرش والعرش العلم ثمانية ، اربعة منّا واربعة ممّن شاء الله.

اعلم ، انّ حملة العرش والعرش بوجه جملة المخلوقات ، وبوجه العلم ، وبوجه الوجود المطلق الّذى هو اضافة الحقّ الاوّل إضافته الاشراقيّة بوجهه الّذى الى الحقّ تعالى شأنه في النّزول اربعة من الاملاك وهم الملائكة المقرّبون وفي الصّعود وعود النّفوس الى الله يصير الحملة ثمانية ، اربعة من الملائكة المقرّبين واربعة من نفوس الكمّلين من الأنبياء المرسلين (ع) الّذين وصلوا الى أعلى درجات الكاملين واتّحدوا مع الملائكة المقرّبين (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ) قرئ بالتّاء الفوقانيّة والياء التّحتانيّة (خافِيَةٌ) اى نفس خافية أو فعلة أو خصلة أو خطرة خافية ، أو هو مصدر أو اسم فاعل ، والتّاء للمبالغة لا للتّأنيث (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) عطف من قبيل عطف التّفصيل على الإجمال (بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ) تبجّحا (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) ها اسم لخذ وقد يمدّ ويلحق بهما كاف الخطاب ويتصرّف فيها تصرّف الضّمائر بحسب حال المخاطب ، وقد يستغنى بتصريف الهمزة نحو تصاريف الكاف عن الحاق الكاف فيقال : هاء بفتح الهمزة وهاء بكسرها ، وهاؤما ، وهاؤم ، وهاؤنّ (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) لمّا كان علوم النّفس مغايرة لمعلوماتها وجائزة الانفكاك عنها كالظّنون كثيرا ما يعبّر عنها بالظّنون كما سبق مكرّرا والمعنى انّى كنت في الدّنيا موقنا انّى ملاق حسابي عند ربّى فعملت على طبق يقيني ، عن الصّادق (ع): كلّ أمّة يحاسبها امام زمانها ويعرف الائمّة (ع) أولياءهم وأعداءهم بسيماهم وهو قوله : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ) ، وهم الائمّة (ع) يعرفون كلّا بسيماهم فيعطوا أولياءهم كتابهم بيمينهم ، فيمرّوا الى الجنّة بلا حساب ، ويعطوا أعداءهم كتابهم بشمالهم ، فيمرّوا الى النّار بلا حساب فاذا نظر أولياؤهم في كتابهم يقولون لإخوانهم : هاؤم اقرؤا كتابيه انّى ظننت انّى ملاق حسابيه (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) اى راض صاحبها بها وقيل راضية بمعنى المرضية (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) على الجنّات (قُطُوفُها) جمع القطف بالكسر العنقود ، واسم للثّمار المقطوفة اى المجنيّة ، وقطف العنب من باب ضرب جناه (دانِيَةٌ) يعنى ثمارها الّتى من شأنها ان تجنى دانية للقائم والقاعد (كُلُوا) حال أو مستأنف بتقدير القول (وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) اى الماضية من الأعمال الحسنة (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) قيل : نزلت في معاوية (فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) لما يرى من سوء العاقبة وثبت الأعمال السّيّئة (يا لَيْتَها) اى يا ليت الموتة الّتى متّها (كانَتِ الْقاضِيَةَ) لي من غير حياة بعدها (ما أَغْنى) الله أو ما اغنى العذاب (عَنِّي مالِيَهْ) اى الّذى كان لي من الاتباع والأولاد والأموال ، أو ما اغنى ما لي عنّى ما لي الّذى جمعته في الدّنيا (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) سلطنتى أو سلطاني الّذى كان يأمرني بأعمال في الدّنيا ، أو سلطاني الّذى كنت أشركه بالله واجعله شفيعا لي عند الله (خُذُوهُ) حال أو مستأنف بتقدير القول (فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) اى أدخلوه (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) وقد وصف الصّادق (ع) تلك السّلسلة بانّ حلقة منها لو وضعت على الدّنيا لذابت الدّنيا من حرّها ، وعنه (ع): وكان معاوية صاحب السّلسلة الّتى قال الله

٢٠١

عزوجل في سلسلة ذرعها (الآية) ، وعن الباقر (ع): كنت خلف ابى (ع) وهو على بغلته فنظرت بغلته فاذا هو شيخ في عنقه سلسلة ورجل يتبعه فقال : يا علىّ بن الحسين (ع) اسقني ، فقال الرّجل : لا تسقه لا سقاه الله ، قال : وكان الشّيخ معاوية ، وقال القمّىّ : معنى السّلسلة سبعون ذراعا في الباطن هم الجبابرة السّبعون.

اعلم ، انّ الإنسان واقع بين الحيوانيّة وبين الملكيّة ولنفسه وجه الى الحيوانيّة ووجه الى الملكيّة ويعبّر عن الجهتين باليسار واليمين ، وإذا عمل الإنسان عمله من حيث وجهته الى الحيوانيّة يثبت ذلك العمل في صفحة النّفس الّتى تلى الحيوانيّة ، وبحذائها الكتاب الّذى بيد كاتب السّيّئات فيثبت ذلك العمل كاتب السّيّئات في كتاب السّيّئات سواء كان ذلك العمل بحسب صورته من الطّاعات أو من المعاصي ، ولذلك ورد في حقّ النّاصب : صلّى أو زنى ، وإذا بعث ذلك العامل يوم القيامة يتمثّل العمل الّذى كان في صفحة النّفس الدّانية ويأتيه كتاب عمله الّذى كتبه كاتب السّيّئات من تلك الجهة وهي شمال النّفس والإنسان ، وإذا عمل عمله من حيث وجهته الى الملكيّة ثبت ذلك العمل اوّلا في صفحة نفسه الملكيّة وبحذائها الكتاب الّذى بيد كاتب الحسنات فيثبته كاتب الحسنات في كتاب الحسنات سواء عدّ ذلك العمل بحسب صورته من السّيّئات أو من الحسنات ، وهذا أحد وجوه تبديل السّيّئات حسنات ، وإذا بعث ذلك العامل يوم القيامة يتمثّل صورة العمل الّذى كان في صفحة النّفس العليا ويؤتى كتابه من تلك الجهة فيرى صورة اعماله في صفحة نفسه وفي كتابه على غاية الحسن والبهاء فيتبجّح ويقول من غاية الوجد والسّرور : هاؤم اقرؤا كتابيه (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) يعنى انّه لم يكن صاحب خير لا بحسب قوّته العلّامة ولا بحسب قوّته العمّالة (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) لانّ النّسب الجسمانيّة صارت منقطعة والنّسب الرّوحانيّة الالهيّة لم تكن له حاصلة لانّ حصولها لا يكون الّا بالايمان بالله بالبيعة العامّة أو الخاصّة فلم يكن له في ذلك الموقف حميم جسمانىّ ولا حميم روحانىّ (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) هو ما يغسل من الثّوب ونحوه كالغسالة ، وما بسيل من جلود أهل النّار ، وما كان شديد الحرّ ، واسم شجر في النّار ولم يكن له طعام الّا من غسلين لانّه لم يكن يطعم من طعامه حتّى يعطيه طعاما طيّبا عوضا من طعامه (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) اى المذنبون من خطئ الرّجل إذا أذنب عمدا أو خطأ (فَلا أُقْسِمُ) لفظة لا مزيدة للتّأكيد وشاع زيادتها في القسم (بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) بكلّ ما من شأنه ان يبصر وان لا يبصر (إِنَّهُ) اى القرآن أو قرآن ولاية علىّ (ع) (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) وقول الرّسول (ص) من حيث انّه رسول ليس الّا من المرسل سواء أريد بالرّسول جبرئيل أو محمّد (ص) (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) كما تقولون تارة انّه شاعر (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ) كما تقولون اخرى (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) قليلا صفة مفعول مطلق محذوف ، أو ظرف لتذكّرون وما زائدة للتّأكيد أو صفته والإتيان بالايمان في جانب نفى كونه شعرا لانّ تميّز كونه من الله دون الشّعر يحتاج الى الايمان العامّ أو الخاصّ ، أو الإذعان بالله واليوم الآخر حتّى يعلم انّ مضمونه ليس الّا الهيّا اخرويّا عقليّا بخلاف الشّعر فانّه لا يكون في الأغلب الّا خياليّا نفسانيّا ، وأتى في جانب نفى الكهانة بالتّذكّر لعدم اكتفاء الايمان في تميّز القرآن من الكهانة الّتى هي أيضا اخبار بالغيب ، وللحاجة الى تذكّر حال الكاهن وحال الرّسول (ص) وأقوالهما وانّ حال الكاهن لا يشبه حال الالهيّين الاخرويّين وانّ حال الرّسول (ص) وقوله لا يشبه حال الكاهنين الشّيطانيّين (تَنْزِيلٌ) اى بل هو تنزيل (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ) ابتدع (عَلَيْنا) كذبا (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) لامسكنا من أعضائه بيمينه كما يمسك من أعضاء الجاني المستحقّ للعذاب بيده ، وذكر اليمين لانّه أشرف أطرافه فيكون أبلغ في الدّلالة على الاذلال أو لأخذنا منه باليمين للقطع اى قطعناها فانّه حينئذ يكون سارقا في الدّين ، والسّارق يقطع منه اليمين ، أو لاخذناه بقوّتنا ، واستعمال اليمين في القوّة

٢٠٢

لظهورها على اليد في الأغلب ، واليمين أقوى الأطراف (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) وهو حبل القلب إذا قطع هلك صاحبه ، وقطعه كناية عن إهلاكه (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) مانعين وكافّين وجمع الحاجزين لحملة على أحد المفيد للعموم في سياق النّفى (وَإِنَّهُ) اى القرآن أو قرآن ولاية علىّ (ع) (لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) وقد مضى بيان التّقوى ومراتبها في اوّل البقرة (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ وَإِنَّهُلَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قد سبق مكرّرا انّ المراد بتسبيح الرّبّ تنزيه اللّطيفة الانسانيّة الّتى هي مظهر الله وهو الرّبّ بوجه واسم الرّبّ بوجه سواء علّق التّسبيح على الله أو على الرّبّ أو على اسم الرّبّ ، والباء هاهنا صلة التّسبيح لتأكيد اللّصوق أو سببيّة ، روى عن الكاظم (ع) (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) يعنى جبرئيل عن الله في ولاية علىّ (ع) ، قال (ع) قالوا : انّ محمّدا (ص) كذب على ربّه وما امره الله بهذا في علىّ (ع) فأنزل الله بذلك قرآنا فقال : انّ ولاية علىّ (ع) تنزيل من ربّ العالمين ولو تقوّل علينا محمّد (ص) بعض الأقاويل (الآية) ثمّ عطف القول فقال : انّ ولاية علىّ (ع) لتذكرة للمتّقين وانّ عليّا (ع) لحسرة على الكافرين وانّ ولايته لحقّ اليقين فسبّح باسم ربّك العظيم يقول اشكر ربّك العظيم الّذى أعطاك هذا الفضل ، وعن الصّادق (ع): لمّا أخذ رسول الله (ص) بيد علىّ (ع) فأظهر ولايته قالا جميعا : والله ما هذا من تلقاء الله ولا هذا الّا شيء أراد ان يشرّف ابن عمه فأنزل الله : ولو تقوّل علينا (الآيات) وفي خبر : نزلت في أمير المؤمنين (ع) ومعاوية عليه ما عليه.

سورة المعارج

مكّيّة ، وقيل : سوى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) ، اربع وأربعون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) سأل يتعدّى بنفسه وبعن وبالباء الى المفعول الثّانى ، ويخفّف الهمزة فيقال: سال يسأل مثل خاف يخاف ، وقرئ به أيضا ، قيل : نزلت في ابى جهل حين قال الرّسول (ص) لقريش : انّ الله بعثني ان اقتل جميع ملوك الدّنيا واجرّ الملك إليكم فأجيبونى الى ما أدعوكم اليه تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونوا ملوكا في الجنّة ، فقال ابو جهل : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) الّذى يقول محمّد (ص) (هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) حسدا لرسول الله (ص) ، وقيل : نزلت في الحارث بن عمر الفهري حين قال رسول الله (ص) في علىّ (ع) ما قال فقال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) (الآية) وقد سبق في سورة الأنفال عند قوله : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) ، بيان لنزول الآية ، وفي خبر : لمّا اصطفّت الخيلان يوم بدر رفع ابو جهل يده فقال : اللهمّ أقطعنا للرّحم وآتانا بما لا نعرفه ففاجئه العذاب ، فأنزل الله تبارك وتعالى سأل سائل بعذاب واقع (لِلْكافِرينَ) اللّام للتّبيين أو متعلّق بواقع واشارة الى انّ الكافر لا حاجة له الى انتظار العذاب بل العذاب واقع له (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) يدفعه عنهم (مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) المعراج والمعرج كمكحل والمعرج بفتح الميم والرّاء السّلّم ، والله بإضافته الاشراقيّة الّتى هي فعله وغير خالية منه معراج لعباده السّالكين ، وله معارج بعدد نفوس السّالكين بل بعدد نفوس الخلق أجمعين ، وله أيضا معارج بعدد أنواع الموجودات فهو بوجه معارج ، وبوجه ذو معارج ،

٢٠٣

(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) هو ربّ النّوع الانسانىّ وهو أعظم من جميع الملائكة المقرّبين وهو الّذى لم يكن مع أحد من الأنبياء (ع) وكان مع نبيّنا (ص) وكان مع أوصيائه الكاملين (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) والمقصود انّه تعرج الملائكة والرّوح اليه في تلك المعارج ، فانّ الملائكة والرّوح تنزل من مقامها العالي الى مقام الطّبع في الملك الكبير والصّغير ثمّ تعرج الى الله ومقامها الاوّل في تلك المعارج ، وقد مضى في سورة بنى إسرائيل وسورة السّجدة بيان لهذه الآية ، وعن الصّادق (ع) انّ للقيامة خمسين موقفا كلّ موقف مقام الف سنة ثمّ تلا الآية (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) على تكذيب قومك وكفرهم بولاية علىّ (ع) لانّهم واقعون في العذاب من غير انتظار لمجيئه (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) اى يرون ذلك اليوم أو العذاب بعيدا من الإمكان أو بعيدا امده (وَنَراهُ قَرِيباً) من الوقوع أو قريبا امده وأنت ترى برؤيتنا فينبغي ان تراه قريبا (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) كالفلزّ المذاب أو كدردىّ الزّيت ويوم بدل من قوله في يوم أو خبر مبتدء محذوف أو ظرف ليبصرونهم أو ليودّ المجرم (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) العهن القطعة من الصّوف أو المصبوغ ألوانا.

اعلم ، انّ الملائكة الموكّلة على بنى آدم والرّوح النّازلة إليهم من مقامها العالي تعرج الى مقاماتها بل الى الله تعالى بالموت الاختيارىّ أو الاضطرارىّ ، وبالموت يصير سماوات مقامات الأرواح كالصّفر المذاب في عدم تماسكها وعدم تمانعها وانشقاقها لخروج الرّوح الانسانيّة النّاطقة وتصير جبال الانانيّات كالصّوف المنفوش في عدم ثباتها وعدم تمانعها ، وتصير الأعضاء البدنيّة أيضا كالعهن في تخلخلها بخروج الرّوح عنها (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) قرئ بالبناء للفاعل وقرئ بالبناء للمفعول يعنى انّ كلّا منهم مشغول بنفسه بحيث لا يسأل الحميم عن حميمه أو لا يسأل حميم عن حميم حمل أوزاره أو دفع العذاب عنه ، لمعرفته انّه لا يغني عنه شيئا ، أو المعنى على البناء للمفعول لا يسئل حميم عن حال حميمه لعدم الاحتياج الى ذلك لمعرفة كلّ كلّ من سواه ، أو لانّ المذنب والمحسن والكافر والمؤمن كانوا ذوي علامات مغنية عن الاستفسار (يُبَصَّرُونَهُمْ) قرئ مبنيّا للمفعول ومبنيّا للفاعل وبصّره من التّفعيل يستعمل في معنى عرّفه وفي معنى قطعه ، وعن الباقر (ع) يعرّفونهم ثمّ لا يتساءلون (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) اى عشيرته الّتى يأوى هو إليهم في نوائبه وكانوا يؤويه في كلّ امر وكان يأوى إليهم في نسبه وصار منفصلا عنهم بالتّولّد منهم (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) ذلك الفداء (كَلَّا) اى يقال له كلّا ردعا له عن ذلك الوداد وعن إنجاء الفداء (إِنَّها لَظى) اللّظى كالفتى النّار أو لهبها ولظى معرفة كما هاهنا اسم لجهنّم أو لواد منها وضمير انّها للقصّة أو لجهنّم ، واستغنى عن ذكرها بشهودها (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) قرئ بالرّفع خبرا للظى ، أو خبرا بعد خبر لانّ وقرئ بالنّصب حالا والشّوى الأمر الهيّن ورذال المال واليدان والرّجلان والأطراف وقحف الرّأس وما كان غير مقتل ، والنّزاعة من نزعه قلعه ، أو من نزع الى اهله نزوعا اشتاق (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ) حينئذ عنها أو من أدبر عن الولاية (وَتَوَلَّى) عنها أو عن الولاية أو إليها ، واستعمال تدعو في معنى تجرّ بعنف للتّهكّم بهم (وَجَمَعَ) المال (فَأَوْعى) في وعاء الكنز (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) تعليل للجمع والايعاء يعنى انّ الإنسان بطبعه شديد الحرص وقليل الصّبر ، وقوله تعالى (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) إذا ظرف لجزوعا ، وجزوعا ومنوعا بدل تفصيلىّ من هلوعا ، وهلوعا حال مقدّرة أو محقّقة ، أو جزوعا خبر لكان مقدّرا ، وإذا

٢٠٤

ظرف له أو لشرطه (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) والمراد بالشّرّ كلّ ما لا يلائم طبعه وبالخير كلّ ما يلائم طبعه (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) قد مضى في اوّل البقرة بيان الصّلوة ومراتبها (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ).

اعلم ، انّ الصّلوة اسم لكلّ ما به يتوجّه الى الله ولذلك لم يكن شريعة الّا وكانت الصّلوة في تلك الشّريعة وبعبارة اخرى الصّلوة هي التّحلّى بحلي أوصاف الرّوحانيّين كما انّ الزّكاة كانت اسما للتّبرّى من كلّ ما يتبرّى منه ولذلك كانت في كلّ شريعة ، وصلوة القالب كانت في الشّرائع بحسب الاذكار والأفعال مختلفة ، ولمّا كانت شريعة محمّد (ص) أكمل الشّرائع جعلت الصّلوة القالبيّة فيها أكمل الصّلوات مشتملة على عبادات جميع أصناف الملائكة من الّذين هم قيام لا ينظرون ومن الرّكع والسّجّد وعلى صلوة جميع أصناف المواليد من الطّبائع المنطبعة والنّفوس النّباتيّة الّتى هي بوجه قيام لا ينظرون ، وبوجه سجّد ومنطبعة ، ومن النّفوس الحيوانيّة الّتى هي بالطّبع راكعة منكوسة ، ومن النّفوس الانسانيّة الّتى هي قائمة بأحسن التّقويم متمكّنة من الرّكوع والسّجود ، والقيام الّتى كانت لسائر الموجودات ، ولمّا كانت الصّلوة القالبيّة مانعة من الاشغال الضّروريّة من الاكل والشّرب وطلب الحاجات وقضاء الحاجة والنّوم كانت لا يمكن ادامتها الّا على ضرب من التّأويل والمجاز بان يكون المراد من ادامتها عدم فوتها عن أوقاتها المقرّرة ، فليكن المراد ادامة الصّلوة القلبيّة المأخوذة من ولىّ الأمر فانّها ان كان الإنسان مواظبا عليها مستغرقا فيها لم يكن يمنع الاشغال الضّروريّة عن إقامتها بل يكون الإنسان في حالة النّوم أيضا مشغولا بها من غير تعمّل وفكر ورويّة ، ولذلك قال : على صلوتهم يعنى صلوتهم المخصوصة بهم فانّ لكلّ إنسان صلوة خاصّة لا يشاركه فيها غيره بخلاف الصّلوة القالبيّة فانّها مشرّعة للكلّ لا اختصاص لها بفرد دون فرد ، وفي الخبر : إذا فرض على نفسه شيئا من النّوافل دام عليه ، وفي خبر : الّذين يقضون ما فاتهم من اللّيل بالنّهار وما فاتهم من النّهار باللّيل ، ومجمل القول انّ الولاية الحاصلة بالبيعة الثّانية هي الصّلوة الّتى تزكّى الإنسان من الرّذائل الّتى منها كونه هلوعا وتحلّيه بحلية الخصائل الحسنة الّتى منها ادامة الصّلوة القالبيّة والقلبيّة والصّدريّة (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) في الخبر ليس المراد بالحقّ المعلوم الزّكاة ولا الصّدقة المفروضتين بل هو ما يخرجه من ماله يصل به أقرباءه وإخوانه ، والمحروم هو الّذى قد حرم كدّيده في الشري ، أو المحترف الّذى لم يبسط له في رزقه (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) اى يوم الجزاء (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) تعليل لإشفاقهم (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) قد مضى أكثر تلك الآيات في سورة المؤمنون فلا نعيد تفسيرها (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى إذا كان هذا حال المنافقين الّذين أدبروا عن الولاية ولم يقبلوها وذلك حال من اقبل على الولاية وباع البيعة الخاصّة فما للّذين كفروا بالولاية؟! فانّ الآية كما في الاخبار نزلت في المنافقين الّذين لم يقبلوا ولاية علىّ (ع) (قِبَلَكَ) يعنى فما لهم عندك (مُهْطِعِينَ) مسرعين إليك ، أو مقبلين عليك ، أو ناظرين إليك (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) اى عن يمينك وشمالك (عِزِينَ) العزة كالعدة الجماعة والعصبة منقوص واوىّ جمعه عزين ، وقيل : معناه قعود ، عن أمير المؤمنين (ع) في ذكر حال المنافقين : وما زال رسول الله (ص) يتألّفهم ويقرّبهم ويجلسهم عن يمينه وشماله حتّى اذن الله له في ابعادهم بقوله : واهجرهم هجرا

٢٠٥

جميلا ، وبقوله : فما للّذين كفروا قبلك مهطعين (الآيات) (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) قيل : هو انكار لقولهم : لو صحّ ما يقوله لنكون فيها أفضل حظّا منهم كما في الدّنيا (كَلَّا) ردع لهم عن هذا الطّمع (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) اى من نطفة قذرة لائقة للمزابل لا لجنّات النّعيم وانّما يدخل الجنّات إذا بدّل مادّته بمادّة شريفة لطيفة قابلة للجنان الاخرويّة ، ولا يكون ذلك الّا بالايمان بعلىّ (ع) فانّه الماء الّذى كلّما دخل فيه واتّصل به صار من سنخه وجنسه (فَلا أُقْسِمُ) لفظة لا قد مضى مكرّرا انّها شائع دخولها في القسم ، وتكون زائدة للتّأكيد (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) مشارق عالم الطّبع ومغاربه فانّ للشّمس في كلّ يوم بل في كلّ آن مشرقا ومغربا غير ما كان له في الآن السّابق ، ومشارق العوالم العالية ومغاربها ، فانّ كلّ عالم مشرق بوجه ومغرب بوجه ، وله مشرق بوجه ومغرب بوجه (إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) بان نذهبهم ونجعل بدلهم جمعا يكونون خيرا منهم (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) بمغلوبين ان أردنا ذلك يعنى نقدر على ذلك ولا مانع لنا ولكنّا اهملناهم لحكمة ومصلحة (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) في أباطيلهم (وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) اى القبور (سِراعاً) مسرعين (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ) النّصب بالفتح والسّكون وقرئ به وبالتّحريك العلم المنصوب ، وبالضّمّتين كلّما جعل علما وكلّما عبد من دون الله وقرئ به ، والنّصب بالضّمّ والسّكون كلّما عبد من دون الله (يُوفِضُونَ) اى يسرعون ، قال القمّىّ : الى الدّاعى يبادرون (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) للخوف والدّهشة (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ) العظيم (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) في الدّنيا وكانوا ينكرونها ويقولون استهزاء : لو كان ما يقولون حقّا لكنّا خيرا منهم فيها.

سورة نوح

مكّيّة ، ثمان وعشرون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الدّنيا ، أو في الآخرة ، أو بين الدّنيا والآخرة حين الاحتضار ، أو في البرازخ (قالَ) امتثالا لأمرنا وتبادرا الى تبليغ رسالته (يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ظاهر الصّدق ، أو مظهر لصدقى ، أو مظهر لما انذر به ، أو مظهر للأمر بعبادة الله (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) ان تفسيريّة وتفسير لنذير أو لمبين ، أو مصدريّة بتقدير اللّام ، أو مصدريّة مفعول به لمبين (وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) بعض ذنوبكم فانّ الكلّ لا يغفر الّا بعد الفناء التّامّ وهو الفناء عن الفناء (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو آخر مدّة أعمارهم وهو الأجل المعيّن الّذى سمّى في الألواح العالية (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ) إذا قدّر مجيئه أو إذا قرب مجيئه (لا يُؤَخَّرُ) فاعملوا لما بعده في زمان الامهال (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لامتنعتم ممّا

٢٠٦

أنتم عليه أو ليتكم كنتم تعلمون عقوبة أفعالكم ، أو ليتكم كنتم من أهل العلم (قالَ) بعد ما دعاهم ولم يجيبوه إظهارا لامتثاله وتشكيّا من عدم اجابتهم (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) عنّى وعن الايمان بك وعن تصديقى (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) إليك والى الايمان بك (لِتَغْفِرَ لَهُمْ) مساويهم اللّازمة لذواتهم وشنائع أعمالهم (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) لئلّا يسمعوا قولي (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) لئلّا يرونى ادعوهم إليك ، لجاجا وتنفّرا عن الحقّ (وَأَصَرُّوا) على الامتناع (وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) عظيما عن انقيادي وسماع قولي (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) تفصيل لدعائه ليلا ونهارا ولذلك عطف بثمّ ، وجهارا مفعول مطلق نوعىّ من غير لفظ الفعل (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) يعنى دعوتهم اوّلا جهارا فلمّا رأيت انّه لا ينفع فيهم لفّقت الجهر والأسرار بالنّسبة الى كلّ ، أو أعلنت لبعض وأسررت لبعض آخر لانّ بعضهم كانوا يتأنّفون عن قبول الدّعاء جهارا (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) بيان لكيفيّة دعائه يعنى انّى دعوتهم ووعدتهم على مقتضى اهويتهم ليكون دعائي سببا لميلهم الى المدعوّ لا سببا لنفرتهم (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) لمن يستغفره (يُرْسِلِ السَّماءَ) اى السّحاب (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) كثير الدّرّ والمطر (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) في الدّنيا والآخرة (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) هو من قول نوح (ع) ، أو ابتداء كلام من الله خطابا معهم ، والوقار الرّزانة والعظمة ، والرّجاء ضدّ اليأس ، وقد يستعمل في الخوف ، والمعنى اىّ حال لكم؟ أسفهاء أنتم أم مجانين؟ لانّكم لا ترجون لله وقارا فتستعجلونه بالعذاب ، أو اىّ نفع لكم في حالكونكم لا ترجون لله وقارا وعظمة ، أو ما حالكم؟ ـ أمجانين أنتم أم سكارى؟! لانّكم لا تخافون عظمة الله ، أو اىّ نفع لكم في ذلك؟ (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) نطفة قذرة وعلقة ومضغة وعظما ولحما ونفسا ناقصة وكاملة ، أو خلقكم متطوّرين في أحوالكم من الرّضا والسّخط والبسط والقبض والغنى والفقر والعزّة والذّلّة من غير تصرّف لكم فيها ومن دون ارادة واختيار ، فما لكم لا ترجون رزانته وقد شاهدتموها في تطوّراتكم الخلقيّة ، أو ما لكم لا تخافون عظمته وقد شاهدتموها في تطوّراتكم في أحوالكم (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) هذه أيضا من كلام نوح (ع) استشهادا على عظمته ، أو من كلام الله تعالى (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) مثّل الشّمس بالسّراج في مقابل القمر للاشعار بانّ نورها من ذاتها كالسّراج دون القمر ، وللاشارة الى انّها بضوئها تزيل ظلمة اللّيل كالسّراج (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) انشأكم منها من غير مداخلة اختياركم فيه (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) بجعل أبدانكم وأوائل موادّكم جزء منها وقد كنتم متّحدين معها مدّة حياتكم ، أو الله أنبتكم بحسب نفوسكم من ارض أبدانكم ونطفكم نباتا منكورا لا تعرفونها ، ثمّ يعيدكم فيها بعد اختياركم بتوجّهكم الى أبدانكم بلوازم معاشكم (وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) يعنى يوقع ذلك بكم مكرّرا ، أو يخرجكم بالموت إخراجا ، أو يخرجكم من أبدانكم البرزخيّة إخراجا منكورا لكم (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) واسعات ، ومن يفعل ذلك ينبغي ان يرجى له الرّزانة أو يخاف منه العظمة (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) اى الرّؤساء الّذين أبطرهم كثرة أموالهم وأولادهم (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) كبيرا غاية الكبارة (وَقالُوا) فيما بينهم (لا تَذَرُنَ

٢٠٧

آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) يعنى لا تذرنّ هؤلاء مخصوصا ، قيل : كان هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح (ع) فنشأ قوم بعدهم يأخذون أخذهم في العبادة فقال لهم إبليس : لو صوّرتم صورهم كان انشط لكم وأشوق الى العبادة ، ففعلوا فنشأ بعدهم قوم فقال لهم إبليس : انّ الّذين كانوا قبلكم كانوا يعبدونهم ، فعبدوهم ، فصار عبادة الأوثان سيرة من ذلك الزّمان ، وقيل : كان نوح (ع) يحرس جسد آدم (ع) على جبل بالهند ويحول بينه وبين الكفّار لئلّا يطوفوا بقبره فقال لهم إبليس : انّ هؤلاء يفخرون عليكم ويزعمون انّهم بنو آدم دونكم وانّما هو جسد وانا اصوّر لكم مثله تطوفون به فنحت خمسة أصنام وحملهم على عبادتها وهي ودّ وسواع ويعوق ويغوث ونسر ، فلمّا كان ايّام الطّوفان دفن تلك الأصنام وطمّها التّراب فأخرجها الشّيطان لمشركي العرب ، وقيل : صارت أوثان قوم نوح (ع) الى العرب فكانت ودّ لقضاعة ، ويغوث لبطنان من طىّ ، ويعوق صار الى همدان ، ونسر لخثعم ، وسواع لآل ذي الكلاع ، واللّات لثقيف ، والعزّى لسليم ، ومناة لقديد ، وإساف ونائلة وهبل لأهل مكّة ، وقيل : كان ودّ على صورة الرّجل ، وسواع على صورة امرأة ، ويغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة النّسر (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) اى اضلّ عابدوا تلك الآلهة كثيرا من النّاس ، أو اضلّ هؤلاء الآلهة كثيرا بما ظهر من الشّيطان على هياكلها (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) لمّا كان دعاء الأنبياء (ع) على وفق الواقع والتّكوين وقد شاهد نوح (ع) من قومه انّهم في ازدياد الضّلال والبعد عن طريق الإنسان ورأى انّهم قطعوا الانسانيّة والفطرة ويئس من صلاحهم وخيرهم دعا بذلك ، أو لمّا بالغوا في العتوّ والنّفار واخذه البغض في الله واشتدّ غضبه لله دعا بذلك (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) اى من أجل خطاياهم وذنوبهم (أُغْرِقُوا) بالطّوفان (فَأُدْخِلُوا ناراً) بسبب الإغراق فانّهم ماتوا وخرجت أنفسهم بالموت الى النّار (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) يدفعون عنهم العذاب (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) وهذا دليل على انّه علم انّهم قطعوا الفطرة بحيث لا يبقى فيهم استعداد تولّد المؤمن منهم ، روى عن الباقر (ع) انّه سئل : ما كان علم نوح (ع) حين دعا على قومه انّهم لا يلدون الّا فاجرا كفّارا؟ ـ فقال : اما سمعت قول الله تعالى لنوح (ع): (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (رَبِّ اغْفِرْ لِي) بعد ما دعا على قومه لشدّة غضبه لله تضرّع على الله واستغفر من غضبه لله فانّ الحبّ في الله اولى من البغض في الله (وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً)عن الصّادق (ع) يعنى الولاية ، من دخل في الولاية دخل في بيت الأنبياء (ع) (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) اى المسلمين والمسلمات الّذين قبلوا الدّعوة العامّة ولم يقبلوا الدّعوة الخاصّة ، أو المراد بهم المؤمنون والمؤمنات بالولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة لكنّ المراد بمن دخل بيته من باع البيعة الخاصّة على يده ، وبالمؤمنين والمؤمنات من باع البيعة الخاصّة على يده وعلى أيدي غيره من الأنبياء والأولياء (ع) (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) بعد دعائه للمؤمنين كرّر دعاءه على الظّالمين لجمعه بين الحبّ في الله والبغض فيه ، وهذا هو الكمال التّامّ للإنسان حيث لا يذهب بغضه في الله حبّه في الله ، ولا حبّه في الله بغضه في الله كما أشار تعالى الى هذا الكمال بقوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، قيل : دعا نوح (ع) دعوتين ، دعوة على الكفّار ودعوة للمؤمنين ، فاستجاب الله دعوته على الكافرين فأهلك من كان منهم على وجه الأرض ، ونرجو ان يستجيب أيضا دعوته للمؤمنين فيغفر لهم.

٢٠٨

سورة الجنّ

مكّيّة ثمان وعشرون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ) لأهل مكّة (أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) قد سبق في سورة الأحقاف نزول الآية وقصّة الجنّ (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) الجدّ بمعنى البخت ، وروى عن الباقر (ع): انّما هو شيء قالته الجنّ بجهالة فحكى الله عنهم ، أو هو مستعار للعظمة ، وقرئ انّه بكسر الهمزة على انّه محكىّ بقول الجنّ ، وقرئ بفتحها على انّه معطوف على الضّمير المجرور في قوله : فآمنّا به ، أو على انّه معطوف على انّه استمع ، وهكذا الحال في اختلاف القراءة وفي العطف فيما بعد الّا انّ بعض الفقرات لا يمكن ان يكون معطوفا على انّه استمع (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) كما يقول بعض الانس (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) اى من كان منحرفا منّا عن الدّين (عَلَى اللهِ شَطَطاً) قولا بعيدا عن الحقّ مجاوزا عن الحدّ ، أو هو بمعنى الظّلم ، والمراد بالسّفيه الشّيطان ، أو مطلق المنحرفين عن الحقّ (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) يعنى ان كنّا نتّبع السّفيه فذلك كان من ذلك الظّنّ يعنى كان تصديقنا واتّباعنا لمن قال لله تعالى بالشّريك والصّاحبة والولد لذلك حتّى سمعنا القرآن وايقنّا انّهم يقولون كذبا (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) من في من الجنّ تبعيضيّة ، أو تعليليّة ، روى عن الباقر (ع) في هذه الآية : انّه كان الرّجل ينطلق الى الكاهن الّذى يوحى اليه الشّيطان فيقول : قل لشيطانك : فلان قد عاذ بك ، وقيل : كان الرّجل من العرب إذا نزل واديا في سفره ليلا قال : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه ، وقيل : كان رجال من الانس يعوذون برجال من الانس من أجل شرّ الجنّ (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) الرّهق محرّكة السّفه والخفّة وركوب الشّرّ والظّلم ، وغشيان المحارم ، وحمل الإنسان على ما لا يطيقه ، والكذب ، والعجلة ، وضمير فاعل زادوهم للرّجال من الانس ، أو للرّجال من الجنّ ، والمفعول بعكس ذلك ، أو هو للرّجال العائذين أو للمعوّذ بهم أو للجنّ ، والمفعول أيضا يحتمل الكلّ (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) هذا من قول مؤمني الجنّ لكفّارهم يعنى انّ هؤلاء الرّجال العائذين لضعف حالهم وسوء عقيدتهم عاذوا بالجنّ أو بالاناسىّ ، فانّهم ظنّوا كما ظننتم ايّها الجنّ ان لن يبعث الله أحدا رسولا الى بنى آدم ، أو لن يبعث الله أحدا في القيامة أو هو معترض من الله والمعنى انّهم اى الجنّ ظنّوا كما ظننتم ايّها الانس ان لن يبعث الله أحدا (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) اى قربناها ، أو صعدنا إليها ، أو طلبنا الصّعود إليها (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً) الحرس جمع الحارس وتذكير الشّديد لإجراء الفعيل بمعنى الفاعل مجرى الفعيل بمعنى المفعول في استواء التّذكير والتّأنيث فيه اى حفظة أقوياء لا يمكن الاستراق معهم (وَشُهُباً) جمع الشّهاب (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) يترصّده

٢٠٩

للرّمى له وقد مضى في سورة الحجر بيان لهذه الآية ولاستماع الجنّ وردعهم بالشّهب (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) فانّ تغيير أوضاع السّماء يدلّ على حدوث حادث عظيم (أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) خيرا وصلاحا (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا) قوم (دُونَ ذلِكَ) في الصّلاح أو دون ذلك بانّ بعضهم في غاية الشّرارة وبعضهم لا يكون في غاية الشّرارة يعنى منّا غير صالحين (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) اى ذوي طرائق مختلفة متفرّقة ، أو كنّا بأنفسنا طرائق متفرّقة ، أو الطّرائق بمعنى الأماثل (وَأَنَّا ظَنَنَّا) اى علمنا ، والإتيان بالظّنّ لما سبق مكرّرا انّ علوم النّفوس شأنها شأن الظّنّ في مغايرتها لمعلوماتها وجواز انفكاك معلوماتها عنها (أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ) أينما كنّا فيها (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) حال أو تميز أو مفعول مطلق لمحذوف حال يعنى ظنّنا انّا لن نعجزه إذا هربنا منه الى السّماء (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى) اى القرآن أو الرّسالة أو الولاية (آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ) الفاء للسّببيّة (فَلا يَخافُ بَخْساً) نقصا أو ظلما أو مشاحّة في الحساب أو فقأ لعينه (وَلا رَهَقاً) قد مضى الرّهق قبيل ذلك ، عن الكاظم (ع) انّه قال : الهدى الولاية ، آمنّا بمولانا فمن آمن بولاية مولاه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ، قيل : تنزيل؟ قال : لا ، تأويل (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) اى الخارجون عن الحقّ (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) عن الباقر (ع) اى الّذين اقرّوا بولايتنا (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) يعنى يحرقون به أو يوقد الجحيم بهم (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) ان هذه مخفّفة من الثّقيلة والمجموع معطوف على قوله انّه استمع نفر ، أو ان زائدة في الكلام والجملة ابتداء كلام من الله (عَلَى الطَّرِيقَةِ) اى الولاية أو الطّريقة المعهودة المأخوذة من الآباء وهي طريقة الكفر ، ونظير الوجهين قوله تعالى : (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) وقوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) اى كثيرا ، لمّا كان الماء عزيز الوجود في ملك العرب وكان جلّ الخيرات منوطا به كنّى به عن كثرة الخيرات ، وعن الصّادق (ع): لأفدناهم علما كثيرا يتعلّمونه من الائمّة (ع) ، وعن الباقر (ع) يعنى لو استقاموا على ولاية أمير المؤمنين (ع) علىّ (ع) والأوصياء (ع) من ولده وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماء غدقا يقول : لا شربنا قلوبهم الايمان (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنختبرهم في ذلك الماء ، أو لنعذّبهم بسببه (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) اى عن ذكره لربّه أو ذكر ربّه له ، أو عمّا به ذكر ربّه ، وأصل ما به ذكر الرّبّ علىّ (ع) وولايته كما روى عن ابن عبّاس انّه قال : ذكر ربّه ولاية علىّ بن ابى طالب (ع) (يَسْلُكْهُ) اى يدخله (عَذاباً صَعَداً) صاعدا كلّ العذاب أو غالبا وغالبا على المعذّب (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) اى مختصّة به (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) فيها ، أو المعنى فلا تدعوا مع مظاهر الله الّتى هي المساجد أحدا ، وقد فسّر المساجد هاهنا بالوجه واليدين والرّكبتين والإبهامين ، وعن الكاظم (ع) انّ المساجد هم الأوصياء (ع) وقد سبق في سورة البقرة عند قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) (الآية) بيان للمساجد (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) يعنى محمّدا (ص) (يَدْعُوهُ) اى يعبده ، أو يدعوه بلسانه ، أو يقول : لا اله الّا الله أو يقرأ القرآن ، أو يدعو اليه وهو من جملة ما اوحى اليه (ص) ، أو هو من قول الجنّ بعضهم لبعض (كادُوا) يعنى الجنّ لاستماع دعائه أو أصحابه لاستماع القرآن وأحاديثه ، أو قريشا لمنعه وردعه (يَكُونُونَ

٢١٠

عَلَيْهِ لِبَداً) اللّبدة بالكسرة والسّكون وبالضّمّ والسّكون الصّوف المتراكم بعضه على بعض ، واللّبد بالكسر أو الضّمّ والفتح ، وقرئ بهما جمع لهما ، وقرئ لبّدا بالضّمّ والتّشديد جمع لا بد ولبدا بالضّمّتين (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا) وقرئ قال : انّما ادعوا (رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) سواء رضيتم عنّى أو سخطتم (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) حتّى آتى بما تستعجلون من العذاب أو آتى بما تقترحون من الآيات ، وروى عن الكاظم (ع) انّ رسول الله (ص) دعا النّاس الى ولاية علىّ (ع) فاجتمعت اليه قريش فقالوا : يا محمّد (ص) اعفنا من هذا ، فقال لهم رسول الله (ص): هذا الى الله ليس الىّ ، فاتّهموه وخرجوا من عنده فأنزل الله عزوجل : قل لا أملك (الآية) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملتجأ أو منحرفا وهو تعريض بهم حيث اعتمدوا على الأوثان أو على رؤساء الضّلالة (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) اى تبليغا من جانب الله أو بلوغ الوحي من الله الىّ وهو استثناء من ملتحدا أو من أحدا وضرّا أو رشدا ، روى عن الكاظم (ع) انّه قال الّا بلاغا من الله ورسالاته في علىّ (ع) ، قيل : هذا تنزيل؟ ـ قال : نعم (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في ولاية علىّ (ع) كما عن الكاظم (ع) (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) من العذاب أو من الحساب أو من كون علىّ (ع) قسيم الجنّة والنّار ، أو من الموت ، أو القائم (ع) وأنصاره ، أو علىّ (ع) في الرّجعة (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) كما يقولون : نحن أقوياء وأكثر عددا من علىّ (ع) (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) ممّا ذكر (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) اى مدّة وهو كناية عن البعد ، قال القمّىّ : لمّا أخبرهم رسول الله (ص) بما يكون من الرّجعة قالوا : متى يكون هذا؟ ـ قال الله : قل يا محمّد (ص) ان أدري (الآية) (عالِمُ الْغَيْبِ) اى عالم عالم الغيب أو عالم ما هو الغيب عن الأبصار والأسماع (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) عن الرّضا (ع) فرسول الله (ص) عند الله مرتضى ، ونحن ورثة ذلك الرّسول (ص) الّذى اطلعه الله على من يشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون الى يوم القيامة ، وقد مضى وجه عدم المنافاة بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) ، وانّ المطّلعين على الغيب ليس اطّلاعهم الّا بلطيفة الهيّة (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) سلك زيد المكان وفي المكان ، وسلك زيد عمرا لازم ومتعدّ ، واسم انّ راجع الى الرّسول (ص) ، أو الى الله ، وهكذا فاعل يسلك وهو لازم أو متعدّ ، ورصدا مصدر ، أو جمع للرّاصد والمعنى انّ الله لا يظهر على غيبه أحدا الّا من ارتضاه من رسول بشرىّ أو ملكىّ لانّ الرّسول (ص) يسلك من بين يدي نفسه اى الآخرة ومن خلفه اى الدّنيا مترقّبا لامورهما ، أو للاطّلاع على اسرارهما ، أو هو مفعول مطلق نوعىّ أو يجعل رصّادا ومترقّبين من بين يديه ومن خلفه من قواه الدّرّاكة والملائكة الموكّلة عليه حتّى يعلّموه اخبار الدّنيا واسرار الآخرة ، أو يسلك الله بمظاهره الّذين هم ملائكته الموكّلة على الرّسول مترقّبا للأخبار وأعلام الرّسول (ص) أو يجعل الله رصّادا له لا علامة (لِيَعْلَمَ) الله (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا) اى الرّسل الّذين هم الملائكة أو الرّسل البشريّون (رِسالاتِ رَبِّهِمْ) والمعنى ليظهر علمه بذلك أو ليعلم الرّسول (ص) ان قد أبلغ الملائكة أو أبلغ الرّسل الماضون رسالات ربّهم (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) عطف على عالم الغيب ورفع لتوهّم ان يكون لله علم حادث كما يتوهّم من قوله ليعلم (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) تأكيد وتعميم بعد تخصيص.

٢١١

سورة المزّمّل

مكّيّة كلّها ، وقيل : مدنيّة ، وقيل : بعضها مدنىّ وبعضها مكّىّ ، وهي عشرون آية في المشهور

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) تزمّل تلفّف بالثّياب أو اللّحاف أو أمثال ذلك أو اختفى ، والخطاب خاصّ بالنّبىّ (ص) أو عامّ وكان النّبىّ (ص) يتلفّف بثيابه أو لحافه وينام أو كان متلفّفا بأحكام الرّسالة وكان يختفى من النّاس تأنّفا من المقابلة مع أمثالهم ، والمعنى يا من تلحّفت باللّحاف أو بثيابك أو بأحكام الرّسالة ، أو المعنى يا من اختفى ممّا يرى من مدّعى الرّياسة ويرى انّ معاداتهم كانت شينا عن العاقل (قُمِ اللَّيْلَ) لصلوة اللّيل فانّه ليس لك ان تنام كلّ اللّيل ، أو قم في عالم الكثرة واهد عباد الله الى الوحدة ، أو قم في عالم الطّبع وانظر الى العوالم العالية ، أو قم عن الاشتغال بالكثرات بحكم الرّسالة وتوجّه الى الوحدة ، أو قم عن الاختفاء وأظهر أمرك واصدع بما تؤمر ، ونعم ما قال المولوىّ رحمه‌الله :

احمقان سرور شدستند وز بيم

عاقلان سرها كشيده در گليم

خواند مزمّل نبي را زان سبب

كه برون آ از گليم اى بو الهرب

سر مكش اندر گليم ورو مپوش

كه جهان جسمي است سرگردان تو هوش

هين مشو پنهان ز ننگ مدّعى

كه تو داري نور وحي شعشعى

هين قم اللّيل كه شمعى اى همام

شمع دائم شب بود اندر قيام

خيز وبنگر كاروان ره زده

غول كشتيبان اين بحر آمده

خضر وقتى غوث هر كشتى توئى

همچو روح الله مكن تنها روى

(إِلَّا قَلِيلاً) من اللّيل (نِصْفَهُ) بدل من المستثنى أو المستثنى منه ، وايّا ما كان فالمعنى واحد (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) قليلا ، أو المعنى يا من تلفّف بثياب طبعه من افراد البشر قم في ليل طبعك وظلمة نفسك ، أو عن ليل طبعك واهوية نفسك للسّلوك الى ربّك الّا قليلا من اللّيل فانّ ضروريّات البدن تحصل في قليل من اللّيل في نصفه أو أكثر أو انقص ، فانّ الوقت ينبغي ان يكون أثلاثا أو أرباعا لطلب المعيشة وتلذّ ذات النّفوس وطلب المعاد ، أو طلب المعاش وتلذّ ذات النّفوس والرّاحة وطلب المعاد ، يعنى ان كنت قويّا فاجعل نصف أوقاتك للسّلوك الى الله ، وان كنت أقوى فاجعل أكثر أوقاتك للسّلوك ، وان كنت ضعيفا فاجعل قليلا من أوقاتك للسّلوك (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) ترتيل القرآن بحسب لفظه ان تقرأه قراءة متوسّطة بين السّرعة المفرطة والبطوء المفرّط وابانة حروفه وحفظ وقوفه ، فانّ ترتيل الكلام ان تحسن تأليفه وتترسّل فيه كما عن الصّادق (ع) انّه قال : قال أمير المؤمنين (ع) في بيان الآية : بيّنه تبيينا ولا تهذّه هذّا الشّعر ولا تنثره نثر الرّمل ولكن أفزعوا قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السّورة ، وفي خبر آخر : هو حفظ الوقوف وبيان الحروف ، وفي خبر : هو ان تمكث وتحسن به صوتك ، أو المعنى فصّل المعاني المجتمعة المندرجة في وجودك بعد القيام من رقدتك وغفلتك ، واخرج ما كان فيك بالقوّة الى الفعليّة بالنّظر والمراقبة الّتى هي من لوازم سلوكك ، وانظر الى خطرات نفسك انّها من اىّ الخطرات شيطانيّة هي أم رحمانيّة وانظر الى

٢١٢

تجليّات ربّك وجذباته ، ولعلّه للاشارة الى هذا الوجه من التّأويل قال أمير المؤمنين (ع): ولكن أفزعوا قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السّورة (إِنَّا سَنُلْقِي) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : لم أمرت بقيام اللّيل وترتيل القرآن الّذى هو تفصيل المعاني المجملة في الوجود في العالم الكبير أو العالم الصّغير؟ ـ فقال : لانّا سنلقى (عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) لا يتحمّله من كان ضعيفا في قوّته العمّالة ، والعلّامة ، وقيام اللّيل يقوّى القوّة العمّالة ويعدّ القوّة العلّامة لادراك دقائق الأمور وترتيل القرآن يعنى تفصيل المعاني المجملة في العقول الكلّيّة والنّفوس الكلّيّة في الكثرات الكونيّة ، وتفصيلها في الصّغير يقوّى القوّة العلّامة وينشط القوّة العمّالة ، والمراد بالقول الثّقيل القرآن فانّه كان من ثقله إذا نزل يأخذ النّبىّ (ص) شبه الغشي ، وكان في بعض الأحيان يرى سرّة دابّته كأنّها تمسّ الأرض ، أو آثار الولاية فانّها لثقلها لم يكن موسى (ع) يطيق الصّبر على ما يرى من الخضر (ع) ، أو المراد نصب علىّ (ع) بالخلافة فانّها لثقلها لم يكن يظهره النّبىّ (ص) حتّى عوتبه في ذلك ونزل عليه (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ، أو المراد مصائب أهل بيته بعده فانّها لثقلها كادت لا يمكن ان تسمع ، أو المراد هو السّكينة الّتى لم تكن تنزل الّا ومعها جنود لم تروها ولم تكن تنزل حتّى يطهّر القلب من الأغيار ، ولم يطهّر الّا باستنارة القوّة العلّامة ونشاط القوّة العمّالة ، ولا يكون ذلك الّا بقيام اللّيل وترتيل القرآن (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) جواب لسؤال ناش من مجموع ما تقدّم كأنّه قيل : لم أمرت بقيام اللّيل وترتيل القرآن لأجل إلقاء القول الثّقيل؟ ـ فقال : انّ ناشئة اللّيل اى النّفس المربّاة في اللّيل أو النّفس المتجاوزة حدّ البلوغ أو الجماعة النّاشئة باللّيل ، أو النّاشئة مصدر بمعنى الفاعل اى الشّخص النّامى باللّيل اشدّ وطأ اى أخذا أو ضغطا أو قدما والمقصود الثّبات والقوّة في القوّة العمّالة (وَأَقْوَمُ قِيلاً) اى اعدل قولا ، ولمّا كان القول مسبّبا عمّا في الضّمير من العلوم كما قال أمير المؤمنين (ع): المرء مخبوء تحت لسانه ، كان هذا اشارة الى اعتدال القوّة العلّامة وقوّتها ، ويجوز ان يكون المعنى كما أشير اليه في الخبر انّ قيام الرّجل في اللّيل عن فراشه هو اشدّ وطأ ، ويكون نسبة اشدّ وطأ الى ناشئة اللّيل بمعنى القيام في اللّيل مجازا عقليّا (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) هذا أيضا جواب لسؤال مقدّر تقديره إذا أمرتنا بقيام اللّيل فمتى ننام؟ ـ وإذا ننام في النّهار فمتى نصلح معيشتنا؟ ـ فقال : انّ لك في النّهار سبحا طويلا ، والسّبح الفراغ والتّصرّف في المعاش والنّوم والسّكون والتّقلّب في الانتشار في الأرض والابعاد في السّير ، والكلّ مناسب هاهنا ، أو المعنى لا تطلب في ليل طبعك وظلمة نفسك سبحا في آثار الله فانّ لك بعد الخلاص من الطّبع والدّخول في نهار الرّوح سبحا طويلا (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) يعنى انّ المقصود من قيام اللّيل ذكر اسم الرّبّ (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) اى التج بالانقطاع عن الخلق الى الله (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) التّوصيف للاشعار بوجه الحكم (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فاذا كان كذلك (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) في الله أو فيك أو في ابن عمّك (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) بان تكون في الباطن مجانبا مباينا متباعدا منهم وفي الظّاهر مخالطا مداريا بهم (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) بالله أو بك أو بوصيّك ، وعن الكاظم (ع) والمكذّبين بوصيّك ، قيل : هذا تنزيل؟ ـ قال : نعم (أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ) ولا تعاجلهم بالعقوبة من عندك أو بطلب العقوبة من عند الله (قَلِيلاً إِنَّ لَدَيْنا) تعليل (أَنْكالاً) جمع النّكل بالكسر القيد الشّديد ، أو القيد من النّار ، أو ضرب من اللّجم (وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) ينشب في الحلق ولا يسيغ (وَعَذاباً أَلِيماً يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ) تضطرب أو تخسف كما قال القمّىّ (وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) الكثيب التّلّ من الرّمل ، وهال عليه التّراب والتّراب مهيل

٢١٣

(إِنَّا أَرْسَلْنا) جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل بعد ما هدّدهم بقوله : فذرني والمكذّبين : ما فعلت بنا؟ وما تفعل بعد بنا؟ ـ فقال : انّا أرسلنا (إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً) يشهد (عَلَيْكُمْ) يوم القيامة بالرّدّ والقبول والإقرار والنّكول (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) نكّر الرّسول لعدم تعلّق الغرض بتعيين الرّسول (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) ثقيلا فاحذروا أنتم عن مثل فعله حتّى لا نأخذكم مثلهم (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) لطوله أو لشدّة هو له ويوما مفعول تتّقون وهو أليق لتوصيفه بما ينبغي ان يتّقى منه أو ظرف لتتّقون والمفعول محذوف (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) اى فيه أو بسببيه اى بسبب شدّة البلاء والهول فيه (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً إِنَّ هذِهِ) المذكورات من الوعد والوعيد (تَذْكِرَةٌ) للنّفوس المتيقّظة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ) في الولاية (سَبِيلاً) هو قبول ولايته بالبيعة معه واتّباع أوامره ونواهيه أو الى ربّه المطلق والسّبيل الى الرّبّ المطلق هو صاحب الولاية وقبول ولايته بالبيعة معه واتّباعه (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) اى الزّيادة على النّصف (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) بحسب ساعاتهما وأثلاثهما وارباعهما وانصافهما لا أنتم (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أنتم اى لن تحصوا قدرهما أو لن تحصوا كلّا من اللّيل والنّهار (فَتابَ عَلَيْكُمْ) عن تكليفه لكم بالقيام في نصف اللّيل أو أزيد أو انقص من النّصف بقليل فرفع هذا الحكم عنكم ولذلك ورد انّها نسخت هذه الآية الآية الاولى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) يعنى في الصّلوة في اللّيل بقرينة المقام ، وفي خبر عن الباقر (ع): واعلموا انّه لم يأت نبىّ قطّ الّا خلا بصلوة اللّيل ، ولا جاء نبىّ قطّ بصلوة اللّيل في اوّل اللّيل (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) جواب سؤال ووجه آخر للتّرخيص (مِنْكُمْ مَرْضى) لا يقدرون على قيام اللّيل (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) فيكون القيام شاقّا عليهم (يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) الصّورىّ كالمسافرين للتّجارة أو المعنوىّ كالمسافرين لطلب الدّين والعلم (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) لمّا كان بعض النّفوس مولعة بالعبادة وقيام اللّيل والأمر بترك العبادة خصوصا ما كان منها موظّفا عليها كان ثقيلا عليها كرّر الأمر بقراءة ما تيسّر من القرآن والصّلوة وكان الاوّل مترتّبا على عدم الإحصاء والثّانى على المرض والضّرب في الأرض ، وروى عن الرّضا (ع) انّه قال : ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السّرّ (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) قد مضى بيان الصّلوة والزّكاة ومراتبهما واقامة الصّلوة وإيتاء الزّكاة (وَأَقْرِضُوا اللهَ) من أصل ما لكم أو هو بيان لإيتاء الزّكاة وترغيب فيه واشعار بان من آتى الزّكاة آتاه الله عوضه في الدّنيا أو في الآخرة أو فيهما (قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) تعميم بعد تخصيص أو بيان وتعميم للقرض (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) اى تجدوه بعينه خيرا منه حين آتيتموه وتجدوا اجره أيضا عظيما ، أو تجدوه بما هو اجره خيرا من نفسه وأعظم (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) حين الصّلوة والزّكاة حتّى يستر عليكم دواعي نفوسكم في ذلك ، أو استغفروه في جميع أحوالكم فانّه ما منكم أحد الّا وله مساو لا تليق بشأنه (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

٢١٤

سورة المدّثر

مكّيّة ، ستّ وخمسون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) تدثّر تلفّف بثيابه ، روى عن الرّسول (ص) انّه قال : جاورت شهرا بحراء فلمّا قضيت جواري نزلت فاستبطنت (١) الوادي فنوديت ، فنظرت امامى وخلفي وعن يميني وشمالي فلم أر أحدا ، ثمّ نوديت فرفعت رأسى فاذا هو على العرش في الهواء يعنى جبرئيل فقلت : دثّروني دثّروني فصبّوا علىّ ماء فأنزل الله عزوجل : يا ايّها المدّثّر ، وفي خبر : فرعبت ورجعت الى خديجة فقلت : دثّروني ، فنزل جبرئيل يا ايّها المدّثّر (قُمْ) عن نومك أو عن التحافك أو عن الكثرات أو عن طبعك (فَأَنْذِرْ) العباد عن الشّيطان وعن مساوي النّفس وعن رذائلها وعن سخط الله وعقوباته ، ولمّا كان ينبغي ان يكون الرّسول (ص) واقعا بين الوحدة والكثرة جامعا لهما بحيث لا يستر جهة الوحدة ولا يتدنّس بعلائق الكثرة حين الاشتغال بالكثرة ولا يغفل عن الكثرة حين الاستغراق في الوحدة قال تعالى : قم عن الاشتغال بالكثرات وتوجّه الى جهة الوحدة وانذر بعد ذلك حتّى لا يذهب إنذارك جهة الوحدة عنك (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) اى لكن ربّك فكبّر حتّى لا ترى شيئا الّا ورأيت الله محيطا به ، وقدّم الرّبّ لشرافته ولارادة الحصر ، والفاء زائدة للتّأكيد ، أو لتقدير امّا أو توهّمه (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) كناية عن تطهير القلب من ادناس الكثرات فانّه كثيرا يكنّى بتلوّث الثّياب عن تلوّث القلب وتعلّقاته ، وعن الصّادق (ع) في خبر انّه قال : شمّر ، وفي خبر : ارفعها ولا تجرّها ، وفي خبر عنه : وثيابك فقصّر (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) الرّجز بالضّمّ والكسر وقرئ بهما القذر وعبادة الأوثان والعذاب والشّرك ، والكلّ مناسب ، وقيل : المعنى اهجر الأصنام ، وقيل : اجتنب المعاصي ، وقيل : اجتنب الفعل القبيح والخلق الذّميم ، وقيل : اجتنب حبّ الدّنيا لأنّه رأس كلّ خطيئة (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) اى لا تعط طلبا لاكثر ممّا أعطيت ، أو لا تمنن على العباد عادّا لعطائك كثيرا ، أو لا تمنن بحسناتك على الله مستكثرا لها ، أو لا تمنن ما أعطاك من النّبوّة أو القرآن أو الدّين على النّاس مستكثرا به الأجر من العباد ، وقيل : هو نهى عن الرّبا المحرّم (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) على مشاقّ التّكليف وأثقال النّبوّة ، أو فاصبر على أذى القوم ، أو على محاربة العرب والعجم ، أو على الطّاعات والمصائب وعن المعاصي (فَإِذا نُقِرَ) الفاء سببيّة يعنى لانّه إذا نقر (فِي النَّاقُورِ) اى نفخ في الصّور في النّفخة الاولى أو الثّانية أو حين ظهور القائم (ع) (فَذلِكَ) اليوم (يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) على الكافرين متعلّق بعسير أو بيسير ، وهذا التّقييد يدلّ على سهولته ويسره على المؤمنين ، وعن الصّادق (ع) في هذه الآية: انّ منّا إماما مظفّرا مستترا فاذا أراد الله إظهاره نكت في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر الله (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) الوحيد بمعنى المتوحّد وهو حال عن فاعل خلقت ، أو عن من ، أو عائده المحذوف ، أو المراد به الوليد بن المغيرة فانّه كان يسمّى وحيدا في قومه فيكون بدلا من من ، أو لانّه كان لا يعرف له أب ، والوحيد من لا يعرف له أب ، وحينئذ يكون حالا عن من (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) اى كثيرا أو متّصلا منافعه لا يقطع في فصل ، ولا يكون كسائر الضّياع وسائر الأموال ، أو ممدودا ما بين مكّة الى الطّائف

__________________

(١) اى وصلت الى بطنها.

٢١٥

من الإبل والخيل والنّعم والجواري والعبيد والمستغلّات الّتى لا تنقطع غلّتها فانّه كان له اموال كذلك ، ومائة الف دينار وعشرة بنين أو ثلاثة عشر بنين (وَبَنِينَ شُهُوداً) حاضرين معه بمكّة لا يسافرون لطلب المعيشة لعدم حاجتهم الى السّفر لغنائهم (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) بسطت له في العيش بحيث لا يحتاج الى شيء الّا كان له ، أو بسطت له في الرّياسة والجاه بحيث لم يكن أحد ينازعه في ذلك وكان يلقّب ريحانة قريش ووحيدا (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا) ردع له عن ذلك الطّمع أو ردع لمن ظنّ له ذلك (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا) الآفاقيّة والانفسيّة وخصوصا الآيات العظمى (عَنِيداً) اى جاحدا رادّا فانّ معنى عنده ردّه عارفا بحقّه فهو عنيد وعاند (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) الارهاق ان يحمل الإنسان على ما لا يطيقه والصّعود بفتح الصّاد مصدر ضدّ الهبوط أو العقبة الشّاقّة أو جبل في جهنّم والمعنى ساحمله على صعود لا يمكنه تعريفه ولا يحتمله الإنسان ، أو ساحمله على الجبل المعروف في جهنّم ، أو على عقبة عظيمة ، وقيل : هو جبل من صخرة ملساء في النّار يكلّف ان يصعدها حتّى إذا بلغ أعلاها احدر الى أسفلها ، ثمّ يكلّف أيضا ان يصعدها ، فذلك دأبه أبدا يجذب من امامه بسلاسل الحديد ويضرب من خلفه بمقامع الحديد فيصعدها في أربعين سنة (إِنَّهُ فَكَّرَ) في القرآن وفيما أراد ان يقول في ردّه وطعنة (وَقَدَّرَ) في نفسه ما أراد ان يقول ، روى انّ النّبىّ (ص) لمّا انزل عليه حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذّنب وقابل التّوب شديد العقاب قام الى المسجد والوليد بن مغيرة قريب منه يسمع قراءته ، فلمّا فطن النّبىّ (ص) لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية فانطلق الوليد حتّى أتى مجلس قومه بنى مخزوم فقال : والله لقد سمعت من محمّد (ص) آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجنّ وانّ له لحلاوة وانّ عليه لطلاوة(١) وانّ أعلاه لمثمر وانّ أسفله لمغدق (٢) وانّه ليعلو وما يعلى ، ثمّ انصرف الى منزله فقال قريش : صبأ (٣) والله الوليد والله لتصبأنّ قريش كلّهم وكان يقال للوليد ريحانة قريش فقال لهم ابو جهل : انا أكفيكموه ، فانطلق فقعد الى جنب الوليد حزينا فقال : ما لي أراك حزينا يا ابن أخي؟ ـ قال : هذه قريش يعيبونك على كبر سنّك ويزعمون انّك زيّنت كلام محمّد (ص) فقام مع ابى جهل حتّى أتى مجلس قومه فقال : أتزعمون انّ محمّدا (ص) مجنون؟ ـ فهل رأيتموه يجنّ قطّ؟ ـ فقالوا : اللهمّ لا ، قال : أتزعمون انّه كاهن؟ فهل رأيتم عليه شيئا من ذلك؟ ـ قالوا : اللهمّ لا ، قال : أتزعمون انّه شاعر؟ فهل رأيتموه انّه ينطق بشعر قطّ؟ ـ قالوا : اللهمّ لا ، قال : أتزعمون انّه كذّاب؟ فهل جرّبتم عليه شيئا من الكذب؟ ـ فقالوا : اللهمّ لا ، وكان يسمّى الصّادق الأمين قبل النّبوّة من صدقه ، فقالت قريش للوليد : فما هو؟ ـ فتفكّر في نفسه ثمّ نظر وعبس فقال : ما هو الّا ساحر اما رأيتموه يفرّق بين الرّجل واهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر ، فكان لا يلقى بعد ذلك أحد منهم النّبىّ (ص) الّا قال : يا ساحر ، واشتدّ عليه ذلك فأنزل تعالى : يا ايّها المدّثّر (الى قوله) الّا قول البشر (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) تأكيد للاوّل والجملتان دعائيّتان (ثُمَّ نَظَرَ) عطف على فكّر وقدّر (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) تأكيد للاوّل أو الاوّل بمعنى كلمح الوجه ، والثّانى بمعنى نظر بالكراهة (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الحقّ (وَاسْتَكْبَرَ) عن الانقياد (فَقالَ إِنْ هذا) الّذى يقرءه محمّد (ص) (إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) يروى أو يتعلّم ويؤخذ ، أو يختار من بين أفنان السّحر (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) وليس كما يقول محمّد (ص) قول الله (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) جواب لسؤال مقدّر (وَما أَدْراكَ) يا محمّد (ص) أو يا من شأنه السّماع والإدراك (ما سَقَرُ لا تُبْقِي) شيئا لا تأخذه (وَلا تَذَرُ) بعد ما أخذته ، أو لا تبقى شيئا من المأخوذ بعد ما أخذته ولا تذر شيئا لم تأخذه ، أو لا تبقى شيئا من العذاب بل تعذّب المعذّب بجميع أنواع العذاب ولا تذر أحدا من المستحقّين للعذاب (لَوَّاحَةٌ)

__________________

(١) الحسن والقبول والبهجة

(٢) الغدق المطر الكبار القطر والمغدق مفعل منه الماء الغدق الكثير

(٣) صبأ كمنع وكرم خرج من دين الى آخر.

٢١٦

اى مغيّرة غاية التّغيير أو مسوّدة (لِلْبَشَرِ) روى عن الباقر (ع) انّ في جهنّم جبلا يقال له : صعود ، وانّ في صعود لواديا يقال له : سقر ، وانّ في سقر لجبّا يقال له هبهب كلّما كشف غطاء ذلك الجبّ ضجّ أهل النّار من حرّه وذلك منازل الجبّارين (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) ملكا أو صنفا من الملائكة لجميع الثّقلين أو لكلّ واحد منهم ، قيل في وجه هذا العدد : انّ المنصرف عن الانسانيّة يحكم عليه المادّة والطّبيعة الجسمانيّة والطّبائع العنصريّة والصّورة الجماديّة والنّفس النّباتيّة والنّفس الحيوانيّة والمدارك العشرة الحيوانيّة والقوى الثّلاثة الشّيطانيّة والبهيميّة والسّبعيّة ، وقيل فيه : هي الملكوت الارضيّة الّتى تلازم المادّة من روحانيّات الكواكب السّبعة والبروج الاثنى عشر الموكّلة بتدبير العالم السّفلىّ المؤثّرة فيه تقمعهم بسياط التّأثير وتردّهم الى مهاويها ، وقيل غير ذلك ، وكلّ ذلك من قبيل الاستحسانات والتّخمينات ، فانّ علم أمثال ذلك موكول الى الله والى من كان علمه علم الله ولا حظّ لغيرهم فيه ولذلك لم يرد من المعصومين (ع) في بيان ذلك شيء ، قيل : لمّا نزلت هذه الآية قال ابو جهل لقريش : ثكلتكم أمّهاتكم أتسمعون ابن ابى كبشة يخبركم انّ خزنة النّار تسعة عشر وأنتم الدّهم (١) الشّجعان أفيعجز كلّ عشرة منكم ان يبطشوا برجل من خزنة جهنّم؟! فقال رجل منهم : انا أكفيكم سبعة عشر عشرة على ظهري وسبعة على بطني فاكفوني أنتم اثنين ، فنزلت هذه الآية (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) يعنى لا يقوم تمام أهل الدّنيا بواحد منهم (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) الفتنة بالكسر الاختبار والضّلال والإثم والكفر والفضيحة والعذاب والإضلال والجنون والمحنة واختلاف النّاس في الآراء ، والكلّ مناسب هاهنا لانّ خزنة النّار وان كانوا في الآخرة لكن بمضمون (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) يكون من كلّ أنموذج في الدّنيا ويكون موكّلا بانموذجه على الكافر في الدّنيا كما انّه في الآخرة بنفسه يكون موكّلا عليه ، وقيل : سبب افتتانهم بهذا العدد استهزاؤهم واستبعادهم ان يتولّى هذا العدد القليل تعذيب أكثر الثّقلين (لِيَسْتَيْقِنَ) قيل تعليل لمحذوف اى قلنا ذلك ليستيقن (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من اليهود والنّصارى بنبوّة محمّد (ص) لمّا رأوا الخبر موافقا لما في كتبهم (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا) اى أسلموا بمحمّد (ص) (إِيماناً) لمّا أخبرهم أهل الكتاب بموافقته لما في كتبهم (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) هذا ما فسّروه بحسب الظّاهر به ولكن نقول إيتاء الكتاب كناية عن قبول النّبوّة ايّة نبوّة كانت ولا اختصاص باليهود والنّصارى بل كلّ من قبل نبوّة محمّد (ص) بالبيعة على يده وقبول احكام نبوّته والانقياد تحت حكمه وقبول دعوته الظّاهرة كان ممّن اوتى الكتاب والايمان ، وان كان يستعمل في الإسلام وقبول الدّعوة الظّاهرة بالبيعة العامّة مجازا أو على سبيل الاشتراك ، لكنّ المراد به هاهنا الايمان الحقيقىّ الحاصل بالبيعة الخاصّة وقبول الدّعوة الباطنة والدّخول تحت احكام الولاية ، والى هذين أشار تعالى بقوله : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) فانّ الاوّل اشارة الى المؤمن المحقّق والثّانى الى المسلم المقلّد ، وقد ذكرنا انّ كلّما يكون في الآخرة يكون أنموذجه في الدّنيا فانّ الدّنيا بوجه مادّة الآخرة وبوجه صورة الجحيم أو انموذجها ، فالمعنى عليها تسعة عشر صنفا أو شخصا من الملائكة ليكونوا سائقين للكفّار الى النّار وللمؤمنين الى الجنّة ، ومن قبل النّبوّة لمّا لم يكن يدرك بالذّوق والوجدان أمور الآخرة لم يكن يستيقن بمحض تلك البيعة لأمور الآخرة ، ولمّا كان هؤلاء الملائكة في الدّنيا سائقين لهم الى الآخرة كانوا بذلك السّوق يدركون بالوجدان أمور الآخرة فيستيقنونها ، ولمّا كان المؤمنون موقنين فسوقهم يصير سببا لازدياد ايقانهم ، ويجوز ان يكون تعليلا لقوله : وما جعلنا أصحاب النّار الّا ملائكة ، أو لقوله وما جعلنا عدّتهم الّا فتنة ، ويجوز ان يكون تعليلا للكلّ على سبيل التّنازع

__________________

(١) الدّهم العدد الكثير.

٢١٧

(وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ممّن قبل الدّعوة الظّاهرة اى من في قلبه نفاق (وَالْكافِرُونَ) اى الّذين لم يقبلوا الإسلام (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا) العدد أو بهذا القول أو بجعل عدّتهم فتنة أو بجعل أصحاب النّار ملائكة (مَثَلاً) تميز عن هذا أو حال عنه اى حالكونه مستغربا غرابة المثل أو حالكونه جاريا على الألسن جريان المثل ، واللّام للعاقبة مثل قوله تعالى (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) ، أو للغاية على ما بيّنا يعنى ما جعلنا أصحاب النّار الّا ملائكة ليكونوا في الدّنيا سائقين لأهل النّار الى النّار وموصلين لأهل الجنّة الى الجنّة (كَذلِكَ) الإضلال بإظهار ما ليس في وسعهم إدراكه (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) من الملائكة والجنّ وجميع الموجودات فانّ الكلّ من جنوده (إِلَّا هُوَ) فليس قلّة عدد أصحاب النّار لقلّة جنوده بل لعدم الحاجة الى أزيد من ذلك (وَما هِيَ) اى المعهودة المطلقة الّتى هي ولاية علىّ بن ابى طالب (ع) ، وقيل : ما السّقر أو عدّة الخزنة أو السّورة ، وقد ورد عن الكاظم (ع) تفسيرها بالولاية (إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) والتّذكرة الحقيقيّة هي الولاية وان كانت سقر وعدّة الخزنة والسّورة أيضا تذكرة (كَلَّا) ردع لمن لا يعظّم الولاية أو لا يعتنى بسقر أو الخزنة (وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) قرئ إذ بسكون الذّال وأدبر من الأدبار وهذه هي القراءة الصّحيحة فانّ اللّيل الّذى هو عالم الكون وجوده على الأدبار فهو مدبر أبدا بخلاف صبح الملكوت فانّه يسفر بعد بالنّسبة الى أهل عالم الملك ، وقرئ إذا بالألف ودبر من الثّلاثىّ المجرّد (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) يعنى الولاية أو سقر أو خزنة جهنّم أو السّورة احدى الآيات أو النّقم والبلايا الكبر (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) حال أو مفعول له أو مفعول مطلق لمحذوف (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ) بدل من قوله للبشر (أَنْ يَتَقَدَّمَ) الى الولاية (أَوْ يَتَأَخَّرَ) عن سقر ، في الخبر : من تقدّم الى ولايتنا أخّر عن سقر ، ومن تاخّر عن ولايتنا تقدّم الى سقر (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : كيف يكون الولاية احدى الآيات الكبر؟ ـ فقال : لانّ كلّ نفس بما كسبت رهنية الّا من تمسّك بها والمعنى كلّ نفس بما كسبت من خير أو شرّ فانّه مفاد الإطلاق مرهونة فانّ كلّ ما عملت الأنفس بانانيّاتها سواء كانت بحسب الصّورة خيرا أو شرّا كانت وبالا عليها وقيدا لها ، وكانت الأنفس مرهونة مقيّدة بها الّا من تولّى عليّا (ع) لانّ الولاية هي المبدّلة للسّيّئات بالحسنات ويجزى الله الّذين تولّوا عليّا (ع) بإزاء جملة أعمالهم بأحسن ما كانوا يعملون ولذلك قال (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) فانّ اليمين أمير المؤمنين (ع) وأصحاب اليمين شيعته (فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ) يعنى يتساءلون بينهم أو يسألون غيرهم عن حال المجرمين أو يتساءلون هم والمجرمون عن حال المجرمين (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) وهذا الخطاب والسّؤال دليل على انّ أصحاب اليمين يسألون المجرمين عن حالهم (قالُوا) في الجواب (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) اى من المتولّين عليّا (ع) فانّ الصّلوة الحقيقيّة لا تكون الّا بالولاية بل الولاية هي الصّلوة حقيقة ولذلك قال علىّ (ع): انا الصّلوة ، أو لم نكن من اتباع السّابقين فانّهم يسمّون الّذى يلي السّابق في الحلبة (١) مصلّيّا ، أو لم نكن من اتباع وصىّ محمّد (ص) ولم نصلّ عليهم ، والى الكلّ أشير في الخبر ، أو لم نك من المصلّين صلوة القالب المقرّرة في الشّريعة ، واليه أيضا أشير في خبر عن علىّ (ع) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) من الحقوق الواجبة أو المستحبّة ، أو لم نكن نعطى حقوق آل محمّد (ص) من الخمس (وَكُنَّا نَخُوضُ) في الآيات بالرّدّ والقدح والطّعن

__________________

(١) الحلبة كحلقة خيل تجمع للسّباق من كلّ أوب ، كما يقول للقوم إذا جاؤا من كلّ أوب للنّصرة قد احلبوا.

٢١٨

والاستهزاء (مَعَ الْخائِضِينَ) في ذلك (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) بالموت وكشف الحجب (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) لقطعهم الفطرة الّتى هي الولاية التّكوينيّة الّتى هي سبب للولاية التّكليفيّة ولذلك قيل : «مردود شيخي را اگر تمام مشايخ عالم جمع شوند وخواهند إصلاح نمايند نتوانند» لانّ المردود لا يصير مردودا الّا بعد قطع الفطرة والولاية التّكوينيّة وهو الّذى يسمّى بالمرتدّ الفطري الّذى لا يقبل توبته لا ظاهرا ولا باطنا ، وقد سبق بيان الارتداد والمرتدّ الملّىّ والفطرىّ في سورة آل عمران عند قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (فَما لَهُمْ) يعنى إذا كان الولاية ذكرى للبشر وكانت هي احدى الكبر فما لهم (عَنِ) هذه (التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) اى عن الولاية (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) بالغة في النّفار (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) من أسد ، التّوصيف لزيادة المبالغة (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) ناطقة بصدق محمّد (ص) في نبوّته أو في ولاية علىّ (ع) وهو اضراب من الأدنى الى الأعلى ، يعنى بل ما لهم لا يكتفون بالاعراض ويدّعون ما لا يليق بشأنهم ، وقيل : المعنى يزيدون صحفا من الله بالبراءة من العقوبة وإسباغ النّعمة حتّى يؤمنوا ، وقيل : يريد كلّ منهم ان يكون رسولا يوحى اليه وينزّل عليه كتاب مثل القرآن ، وقيل : المراد معنى قوله تعالى : (لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) (كَلَّا) ردع عن هذه الارادة أو عن ظنّ انّهم يريدون ذلك واقعا (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) اى ليس اقتراحهم لطلب الدّين بل لا يخافون الآخرة فيعاندون ويريدون إظهار عجز الرّسول (ص) عن مقترحهم (كَلَّا) ردع عن ذلك الاعراض وتلك الارادة (إِنَّهُ) اى قرآن ولاية علىّ (ع) أو عليّا (ع) بنفسه (تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) يعنى انّ مشيّتكم وذكركم وجميع أفعالكم مسبوقة بمشيّة الله التّكوينيّة سواء كانت مرضيّة لله أو مبغوضة فانّ مشيّته الّتى هي عبارة عن رحمته الرّحمانيّة سابقة على رضاه وغضبه وبمنزلة المادّة لهما (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) حقيق بان يتّقى منه (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) فانّ مغفرته غير مشوبة بغرض وغاية بخلاف غيره لعدم خلوص مغفرته عن شوب غرض وغاية.

سورة القيامة

مكّيّة ، وهي أربعون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) لفظة لا مزيدة للتّأكيد أو جواب ونفى لاعتقادهم لعدم البعث ، أو نفى للقسم والمعنى لا اقسم بيوم القيامة لانّكم لا تعتقدونه ، ولا اقسم بالنّفس اللّوّامة لعدم اعتقادكم لها.

اعلم ، انّ النّفس ذات أنواع وأصناف كثيرة وكلّ فرد منها ذات مراتب ودرجات عديدة ، والنّفس الانسانيّة ذات مراتب ، فمرتبة منها تسمّى بالامّارة وهي الّتى تكون محكومة وخادمة للشّيطنة والغضب والشّهوة ولا تكون الّا أمّارة بالسّوء ، ومرتبة منها تسمّى باللّوّامة وهي الّتى تلوم نفسها في جميع فعالها في سيّئاتها لسوئتها وفي خيراتها

٢١٩

لقصورها وتقصيرها ونسبتها الى نفسها ، ومرتبة منها تسمّى بالمطمئنّة لاطمئنانها عن كدّ الطّلب لخروجها من قوّتها الى الفعليّات (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) هذه قرينة جواب القسم المحذوف (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) قيل : نزلت في عدىّ بن ربيعة سأل رسول الله (ص) عن امر القيامة فأخبره به فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم اصدّقك أو يجمع الله هذه العظام؟ (بَلى) نجمعها (قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) الّتى فيها دقائق الصّنع وصغار المفاصل والأوتار ، وقيل : المعنى على ان نسوّى بنانه فنجعلها كالخفّ والحافر ولكن هذا المعنى غير مناسب هاهنا (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ) يعنى ليس إنكاره البعث لالتفاته الى الآخرة وانجرار دليله الى الإنكار بل لاقامته على الفجور وعدم نزوعه عنه وعدم التفاته الى البعث والآخرة (لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) اى في مستقبل امره (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) استهزاء وهو لا يدرى انّه في الذّهاب الى القيامة وانّ القيامة لا تكون في الزّمان بل هي خارجة عن حدّ الزّمان (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) كناية عن شخوص البصر وعدم القدرة على تحريك الجفن ، وهذه كناية شائعة عن ذلك في العرب والعجم (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) ذهب ضوؤه (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) وهذه أمارات الموت وأمارات القيامة الصّغرى وأمارات ظهور القائم (ع) (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) يعنى لا مفرّ (كَلَّا) ردع عن تمنّى المفرّ (لا وَزَرَ) لا ملجأ ولا معتصم (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) لا استقرار لأحد الى أحد الّا الى ربّك المضاف وهو الرّبّ في الولاية وهو علىّ (ع) (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) بما عمل وما ترك من خير وشرّ ، أو بما عمل في حياته وما سنّ من سنّة يعمل بها بعد مماته ، أو بما قدّم من ماله في حياته لنفسه وما ترك لورثته (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) البصيرة للقلب كالبصر للجسد ، وتستعمل بمعنى الحجّة وتكون مؤنّث البصير ، فاذا كانت مؤنّث البصير يكون التّقدير عين بصيرة ، أو المراد انّ الإنسان بجوارحه بصير على نفسه فانّث الخبر لاقامة الإنسان مقام الجوارح ، أو التّاء ليست للتّأنيث بل للمبالغة (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) ولو اعتذر الى النّاس بكلّ ما يعتذر به فانّ إلقاء الاعذار وان كان يخفى الشّرّ على الأغيار لكنّه لا يستره على نفسه يعنى يعلم ما صنع وان اعتذر ، عن الصّادق (ع): ما يصنع أحدكم ان يظهر حسنا ويستر سيّئا أليس إذا رجع الى نفسه يعلم انّه ليس كذلك والله عزوجل يقول : بل الإنسان على نفسه بصيرة انّ السّريرة إذا صلحت قويت العلانية ، وفي خبر من اسرّ سريرة ألبسه الله رداءها ، ان خيرا فخير وان شرّا فشرّ (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) الخطاب لمحمّد (ص) والمعنى لا تحرّك بالقرآن لسانك قبل ان يتمّ وحيه لتأخذه على عجلة مخافة ان ينفلت منك ، روى انّه كان النّبىّ (ص) إذ انزل عليه القرآن عجّل بتحريك لسانه لحبّه ايّاه وحرصه على اخذه مخافة ان ينساه ، أو المعنى لا تحرّك بما أردت إظهاره من البراءة من معاوية كما سيأتى ، وقيل : الخطاب عامّ والمقصود تقريع المسيئين يوم القيامة بهذا الخطاب فانّه إذا اوبى العباد يوم القيامة كتب أعمالهم وينظر الإنسان الّذى هو على نفسه بصيرة ويرى سيّئاته ضجر فيقال له توبيخا : لا تعجل بقراءة كتابك (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) اى تأليفه وتنظيمه (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) روى انّه كان النّبىّ (ص) بعد هذا إذا نزل عليه جبرئيل أطرق فاذا ذهب قرأ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) اى إظهار حقائقه عليك لتتحقّق بها (كَلَّا) قيل : ردع عن إلقاء المعاذير وما بينهما اعتراض ، وكونه ردعا عن التّعجيل والتّحريك اولى (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) يعنى ليس إلقاء المعاذير لاصلاح النّفوس أو لجهل نقائص النّفس بل لحبّ الدّنيا وإصلاحها (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) جواب سؤال مقدّر عن حال الآخرة

٢٢٠