إعراب القرآن - ج ٥

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٥

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٠

وهو بعيد ، وإنما يجوز في الشعر وإن كان يريد جمع مالا وجمع عدده على أنه مفعول أي أحصى عدده فهو جائز.

(يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) (٤)

(يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (٣) يقال : هي لغة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكسر السين جاء على فعل يفعل ، وله نظائر يسيرة قد ذكرناها. «أنّ» وما عملت فيه في موضع المفعولين ، والمعروف من قراءة الحسن «لينبذانّ في الحطمة» (١) بعينه وماله ، وقد روي عنه (لينبذنّ) بضم الذال. فقيل لا يجوز ؛ لأنه إنما تقدّم ذكر اثنين ، وقيل : هو للهمزة واللمزة والذي جمع مالا.

(وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) (٥)

قال الفراء : اسم للنار ، ولو كانت بغير ألف ولام لم تنصرف. قال أبو جعفر : يقال : حطمه إذا كسّره كما قال :] الرجز]

٥٨٦ ـ قد لفّها اللّيل بسوّاق حطم (٢)

ورجل حطم أي أكول.

(نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (٧)

(نارُ اللهِ) أي هي نار الله «الموقدة» نعت للنار ، وكذا (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (٧) اطّلعت على فلان وطلعت أي بلغت وواحد الأفئدة فؤاد.

(إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) (٨)

خبر «إن» يقال : آصدت أوصد فمن قال : أوصدت قال : موصدة فلم يهمز ، ومن قال : آصدت قال : مؤصدة ، وجاز أن يخفّف الهمزة فيقول : موصدة واللغتان حسنتان كثيرتان ، وكذا أكّدت ووكدت وهو التأكيد والتوكيد ، وكذا أرّخت وورّخت وهو التأريخ والتوريخ ، وأكفت وأوكفت وهو الاكاف والوكاف.

(فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (٩)

(فِي عَمَدٍ) هكذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود وزيد بن

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٥١٠ ، ومختصر ابن خالويه ١٧٩ ، ومعاني الفراء ٣ / ٢٩٠.

(٢) الشاهد لرشيد بن رميض في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٣٥٥ ، والأغاني ١٥ / ١٩٩ ، وللأغلب العجلي في الحماسة الشجرية ١ / ١٤٤ ، وللحطم القيسي في الكتاب ٣ / ٢٤٦ ، وشرح المفصّل ١ / ٦٢ ، وله أو لأبي زغيبة الأنصاري في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٨٦ ، وله أو لأبي زغبة الخزرجي أو لرشيد بن رميض في لسان العرب (حطم) ، وبلا نسبة في أساس البلاغة (حطم) وجمهرة اللغة ٨٣٠ ، وسمط اللآلي ٥٩ ، وشرح المفصّل ٦ / ١١٢.

١٨١

ثابت وهي قراءة عاصم ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ، وقرأ المدنيون وأبو عمرو (فِي عَمَدٍ) (١) وإذا جاء الشيء على هذا الاجتماع حظر في الديانة أن يقال : إحداهما أولى من الأخرى. وأجود ما قيل هكذا أنزل كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف» (٢) ولكن تلخّص القراءات من العربية فيقال : عمود وعمد فهكذا فعول وفعيل وفعال يجمعن على فعل نحو كتاب وكتب ورغيف ورغف ، وقد قالوا : أديم وأدم ، وهذا كعمود وعمد اسم للجميع لا جمع على الحقيقة وكذا أفيق وأفق وإهاب وأهب ونعيم ونعم ، وقال : خادم وخدم فأما معنى «في عمد» فقد تكلّم فيه أهل التفسير وأهل العربية. قال عطاء الخراساني يعني عمدا من نار ممددة عليهم ، وقال ابن زيد : (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) أي هم مغلّلون بعمد من حديد قد احترقت فصارت نارا ، وقيل : توصد عليهم الأبواب أي تطبق ويقام عليها عمد من حديد ليكون ذلك أشدّ ليأسهم من الخروج ، وقيل «في عمد» أي بين عمد ، كما تقول : فلان في القوم أي بينهم ، وقيل مع عمد ، كما قال :] الطويل]

 ٥٨٧ ـ وهل ينعمن من كان آخر عهده

ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال (٣)

أي مع ، وسمعت علي بن سليمان يقول : «في» على بابها أي ثلاثين شهرا داخلة في ثلاثة أحوال. قال أبو جعفر ؛ ومن أجلّ ما يروى في الآية ما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : أتدرون كيف أبواب النار؟ قلنا : مثل أبوابنا هذه فقال : لا ، إنّ بعضها فوق بعض «ممدّدة» بالخفض نعت لعمد ، وبالرفع نعت لموصدة أو خبر بعد خبر.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٨٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٥١٠ ومعاني الفراء ٣ / ٢٩٠.

(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٢ / ٢٣٢ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ١٥٠ ، وابن كثير في تفسيره ٢ / ٩ ، والهيثمي في موارد الظمآن (١٧٧٩).

(٣) مرّ الشاهد رقم (٣٩٦).

١٨٢

(١٠٥)

شرح إعراب سورة الفيل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (١)

حذفت الألف من ترى للجزم ، والأصل الهمزة فألقيت حركة الهمزة على الراء فحذفت الهمزة «كيف» في موضع نصب بفعل ، وهي غير معربة لأنها في معنى الحروف وإن كانت اسما ، وفتحت الفاء لالتقاء الساكنين.

(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) (٢)

أي في تضليل عما أرادوه.

(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) (٣)

من أحسن ما روي فيه عن المتقدمين ما حدّثناه علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال : حدثنا عفّان قال : حدّثنا حماد عن عاصم عن زرّ عن عبد الله (طَيْراً أَبابِيلَ) قال : فرقا. وقرئ على محمد بن جعفر عن يوسف بن موسى قال : حدّثنا شهاب عن إبراهيم عن حميد عن أبي خالد عن أبي صالح «طيرا أبابيل» قال : جمعا بعد جمع. قال أبو جعفر : ومعروف في كلام العرب جاءوا أبابيل أي جماعة بعد جماعة عظيمة كثيرة بعد جماعة. مشتق من أبل عليه إذا كثر وجمع ومنه سمّيت الإبل لعظم خلقها ، وقد قيل : إنّ معنى (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)] الغاشية : ١٧] أنها السحاب لعظمها وإن كان القتبي ردّ هذا التفسير بغير حجّة تثبت. وأصح ما قيل في واحد الأبابيل ما قاله محمد بن يزيد قال : واحدها ابّيل كسكّين وسكاكين.

(تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) (٤)

جمعه سجاجيل.

(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (٥)

الكاف في موضع نصب مفعول ثان أي مأكول ما فيه ، وهو قشر الحنطة ، ويجوز أن يكون بمعنى مأكول للبهائم.

١٨٣

(١٠٦)

شرح إعراب سورة لإيلاف (قريش)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) (٢)

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١) مذهب الأخفش أن المعنى فعل بهم ذلك ليؤلف قريشا. وهذا القول الخطأ فيه بين ، ولو كان كما قال لكانت لإيلاف بعض آيات «ا لم تر» وفي إجماع المسلمين على الفصل بينهما ما يدلّ على غير ما قال ، وأيضا فلو كان كما قال لم يكن آخر السورة تماما ، وهذا غير موجود في شيء من السور ، وقيل في الكلام حذف والمعنى أعجبوا لإيلاف قريش. (رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ). وتركهم عبادة رب هذا البيت وهذا أعني الحذف مذهب الفراء (١) ، ويحتجّ له بأن العرب تقول : لله أبوك فيكون في اللام معنى التعجب وأصبح من هذين القولين ، وهو قول الخليل بن أحمد ، أن المعنى لأن يؤلف الله قريشا إيلافا.

(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (٣)

أي لهذا فليعبدوه. قال أبو جعفر : فهذا لا حذف فيه وهو من حسن النحو ودقيقه ، وإن كان أصحاب كتب المعاني قد أغفلوه. «إلفهم» مخفوض على البدل كما تقول : عجبت من إحسانك إحسانك إلى زيد ، فأبدلت الثاني من الأول ، وزدت في الفائدة للبيان وروي عن يزيد بن القعقاع أنه قرأ «إلفهم» (٢) وروي عنه «إلافهم» وهما مصدران من ألف يألف على فعل وفعال ففعل مثل قولهم : حلم حلما وعلم علما وسخر سخرا ، وفعال مثل لقيته لقاء وصمت صياما وكتبت كتابا ، أجاز الفراء (٣) (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ) على المصدر. قال أبو جعفر : ويجوز النصب أيضا في إلفهم وإيلافهم بمعنى يألفون إلفا. (رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) منصوبة بإيلاف وأجاز الفراء إيلافهم

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٩٣.

(٢) انظر تيسير الداني ١٨٢ ، ومختصر ابن خالويه ١٨٠.

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٩٣.

١٨٤

رحلة الشتاء والصّيف. قال أبو جعفر : يكون هذا على البدل ، وتقديره : إيلافهم إيلاف رحلة الشتاء والصيف.

(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (٣) وإن شئت كسرت اللام على الأصل.

(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (٤)

(الَّذِي) في موضع نصب نعت لربّ ، ويجوز أن يكون في موضع رفع أي هو الذي (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) صلة الذي (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) داخل في الصلة.

١٨٥

(١٠٧)

شرح إعراب سورة أرأيت (الماعون)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (١)

هذه القراءة البيّنة ، ويجوز أن تأتي الهمزة بين بين فتقول : أرأيت ويجوز أريت بحذف الهمزة ، وعن عبد الله بن مسعود (أَرَأَيْتَكَ) (١) والكاف زائدة للخطاب وهمزة بين بين متحركة بوزنها مخففة ، كذا قال سيبويه ، فأما قول من قال : هي لا ساكنة ولا متحركة فمحال ؛ لأنها إذا لم تكن ساكنة فهي متحرّكة وإذا لم تكن متحرّكة فهي ساكنة فيجب على قوله أن تكون ساكنة متحرّكة. والدليل على أنها متحركة قوله :] البسيط]

٥٨٨ ـ أأن رأت رجلا أعشى أضرّ به

ريب المنون ودهر مفند خبل (٢)

فلو قلت : أأن لكان الوزن واحدا. وهمزة بين بين كثيرا ما يغلط فيها ، وهي من أصعب ما في النحو ، ومن دليل ما قلنا قوله عزوجل (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ)] البقرة : ٦] فلو كانت همزة بين بين ساكنة لاجتمع ساكنان ، وكذا أرأيت الياء ساكنة وهمزة بين بين متحركة ، ومن أسكنها وكسر الياء فقد جاء بما لا يجوز وما لا وجه له ولا تقدير في العربية ، ويجوز أن يكون «أرأيت» من رؤية العين فلا يكون في الكلام حذف وأن يكون من رؤية القلب فيكون التقدير : أرأيت الذي يكذّب بالدين بعد ما ظهر له من البراهين أليس مستحقا عذاب الله.

(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (٢)

وقرأ أبو رجاء (يَدُعُّ الْيَتِيمَ) مخفّفة أي يتركه.

(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٣)

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٥١٧ ، ومعاني الفراء ٣ / ٢٩٤.

(٢) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٠٥ ، والكتاب ٣ / ١٧٦ ، وجمهرة اللغة ٨٧٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٧٥ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٤٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٦٢ ، وشرح شواهد الشافية ٣٣٢ ، ولسان العرب (قبل) و (منن) ، وبلا نسبة في شرح المفصّل ٣ / ٨٣ ، والمقتضب ١ / ١٥٥.

١٨٦

قال الفراء : أي لا يحافظ على طعام المسكين ولا يأمر به.

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (٥)

قال أبو العالية : هو الّذي يسجد ويقول هكذا وهكذا أو التفت عن يمينه وشماله. قال أبو جعفر : وأولى من هذا القول ، لعلوّ من قال به ولصحّته في العربية ، ما حدثناه علي بن الحسين عن الحسين عن الحسن بن محمد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن طلحة بن مصرّف عن مصعب بن سعد عن سعد بن مالك قال له رجل : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (٥) أهو حديث النفس في الصلاة؟ قال : كلّنا نجد ذلك ، ولكنه يضيّعها لوقتها. وفي غير رواية طلحة بن مصرف أن سعدا قال : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال : الذين يؤخّرونها عن وقتها.

(الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) (٦)

أي لا يصلّون خوفا من عقاب ولا رجاء لثواب ، ولكن لينظرهم المسلمون فلا يسفكون دماءهم وهم المنافقون.

(وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٧)

قد تكلّم العلماء في معناه كما قرئ على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم عن الفراء(١) حدّثني قيس بن الربيع عن السدّي عن عبد خير عن علي رضي الله عنه ، قال : الماعون الزكاة ، ويروى هذا عن ابن عمر وابن عباس باختلاف ، وعن ابن عباس : الماعون ما يتعاطاه الناس ، وحكى الفراء عن بعض العرب الماعون الماء ، وأنشد :] الوافر]

٥٨٩ ـ يمجّ صبيره الماعون صبّا (٢)

صبيره : سحابه. قال أبو جعفر : وهذه الأقوال ترجع إلى أصل واحد ، وإنما هو الظن بالشيء اليسير الذي يجب ألّا يضنّ به مشتقّ من المعن ، وهو الشيء القليل. والله أعلم.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٥٩.

(٢) الشاهد بلا نسبة في معاني الفراء ٣ / ٢٩٥ ، وتفسير الطبري ٣٠ / ٢١٤.

١٨٧

(١٠٨)

شرح إعراب سورة الكوثر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١)

النون والألف الأوليان في موضع نصب اسم إن والأخريان في موضع رفع و (الْكَوْثَرَ) مفعول ثان وهي في اللغة فوعل من الكثرة وقد اختلف العلماء في معناه فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه الحوض ولما قال سعيد بن جبير : الكوثر الخير الكثير قيل له فقد قيل : إنه الحوض فقال: الحوض من الخير الكثير ، وقال الحسن وقتادة : الكوثر القرآن ، وقرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى ثنا عبيد الله بن موسى ثنا شعبة عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة قال : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١) قال : النبوة والقرآن.

(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٢)

اختلف العلماء في معناها فمن أجلّ ذلك ما حدّثنا محمد بن أحمد بن جعفر قال : ثنا أبو بكر بن شيبة ثنا وكيع عن يزيد بن أبي زيادة بن أبي الجعد عن عاصم الجحدري عن عقبة بن ظهير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قول الله جلّ وعزّ : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٢) قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة. قال أبو جعفر : وقد اختلف عنه في ذلك فروي عنه أنه قال : يضع اليمين على الساعد الأيسر على صدره ، وعنه وعن أبي هريرة يجعلهما تحت السرّة وهذا مذهب الكوفيين ، ويحتجّ للقول الأول أنه أشبه بالآية ؛ لأن معنى وانحر أي اجعل يدك نحو نحرك ، وقد روى سفيان لشعبة عن عاصم بن كليب عن ابنه عن وائل بن حجر. قال : رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم اجعل يدك نحو نحرك ، وقد روى سفيان وشعبة عن عاصم بن أنس عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. قال أبو جعفر : فعلى هذا القول فصلّ لربك أي الصلوات كلّها وانحر اجعل يدك نحو نحوك فهذا قول وعن أبي جعفر محمد بن علي (وَانْحَرْ) ارفع يدك نحو نحرك إذا كبّرت للإحرام ، وقال الضحاك: (وَانْحَرْ) واسأل ، وقول رابع «وانحر»

١٨٨

واستقبل القبلة بنحرك كما حكي عن العرب هما يتناحران أي يتقاتلان. قال أبو جعفر : وليس هذا قول أحد من المتقدمين ، وقول خامس عن أنس بن مالك قال : كان النبي ينحر ثم يصلّي حتى نزلت فصلّ لربك وانحر فصار يصلّي ثم ينحر ، وقول سادس عليه أكثر التابعين ، قال الحسن وعطاء أي صلّ العيد وانحر البدن. قال أبو جعفر : وهذا قول مجاهد وسعيد بن جبير ، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه وبعض أهل النظر يميل إليه لأنه ظاهر المعنى أي انحر البدن ، ولا تذبحها ، وبعض الفقهاء يردّه ؛ لأن صلاة العيد ليست بفرض عند أحد من المسلمين ، الضحية ليست بواجبة عنه أكثر العلماء كما روي أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيّان مخافة أن يتوهّم الناس أنّها واجبة ، وكذا ابن عباس قال : ما ضحّيت إلا بلحم اشتريته ، وفي الآية قول سابع ، وهو أبينها ، وهو مذهب محمد بن كعب قال : أخلص صلاتك لله وانحر له وحده. وهو قول حسن ؛ لأن الله جل وعز عرفه ما أكرمه به وأعطاه إياه فأمره أن يشكره على ذلك لئلا يفعل كما يفعل المشركون وأن تكون صلاته خالصة لله وحده ويكون نحره قاصدا به ما عنده الله جلّ وعزّ لا كما يفعل الكفار.

(إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (٣)

(إِنَّ شانِئَكَ) قال ابن عباس : عدوك أبا جهل ، وقيل العاصي بن وائل (هُوَ الْأَبْتَرُ) أي المنقطع الذّكر من الخير لا أحد يا قوم بدينه ، ولا يذكره بخير. فكان هذا من علامات نبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه خبر بما لم يقع فكان كما أخبر به ، وقد قيل : لما أنزل الله (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (٣) لم يولد له بعد ذلك ، والأول أصحّ ، وأصله من بتره أي قطعه.

١٨٩

(١٠٩)

شرح إعراب سورة الكافرين

(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (١)

(قُلْ) في موضع جزم عند الفراء على حذف اللام ، وسمعت علي بن سليمان يقول : لو كان كما قال لكان بالتاء. وهو عند البصريين غير معرب (يا أَيُّهَا) «يا» حرف نداء وضممت أيا لأنه منادى مفرد قد مرت العلة فيه (الْكافِرُونَ) نعت لأي أو عطف البيان. قال محمد بن يزيد : ليس في هذا تكرير وإنما جهل من قال : إنه مكرّر اللغة ، والمعنى (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (١)

(لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٥)

(لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (٢) في هذا الوقت ، وكذا (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٣) انقضى هذا ، ثم قال (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) (٤) فيما استقبل (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٥) مثله ، وكان في هذا دلالة على نبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن كل من خاطبه بهذا المخاطبة ثم لم يسلم منهم أحد ، وكذا الذين خاطبهم بقولهم (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)] البقرة : ٦] . (أَنْتُمْ عابِدُونَ) مبتدأ وخبر ، وكذا (أَنا عابِدٌ) على حذف الواو ، ومعناها ولم تنصب «لا» كما تنصب «ما» لأن «ما» أدخل في شبه ليس فنصبت كما نصبت ليس.

(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦)

(لَكُمْ دِينُكُمْ) مبتدأ ، وكذا (وَلِيَ دِينِ) (١) وحذفت الياء من ديني لأنه رأس آية فحسن الحذف لتتفق الآيات ، ومن فتح الياء في قوله «ولي» قال : هي اسم فكرهت أن أخلّ به ، ومن أسكنها قال : قد اعتمدت على ما قبلها في موضع نصب.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٥٢٣ (قرأ سلام «ديني» بالياء وصلا ووقفا ، وحذفها القرّاء السبعة).

١٩٠

(١١٠)

شرح إعراب سورة إذا جاء نصر الله (النصر)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (١)

(إِذا) ظرف زمان نصب بجاء (نَصْرُ اللهِ) رفع بجاء ويجمع على أنصار ، والقياس أنصر (وَالْفَتْحُ) عطف عليه.

(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) (٢)

(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ) «يدخلون» في موضع نصب على الحال أو على خبر رأيت (أَفْواجاً) نصب على الحال جمع فوج ، والقياس فوج أفوج استثقل الحركة في الواو فشبّهوا فعلا بفعل.

(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (٣)

(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي اجعل تسبيحك بالحمد (وَاسْتَغْفِرْهُ) وكان يقولصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرّة» (١) (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) خبر كان ، والجملة خبر إنّ وكانت في هذه السورة دلالة على نبوّته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنها نزلت قبل الفتح ، قال ابن عباس : فعرف أنه إذا كان الفتح فعددنا أجله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال قتادة : نزلت سورة الفتح (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) بالمدينة.

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسنده ٢ / ٣٩٧ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ / ٥٢ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٥ / ٧٥.

١٩١

(١١١)

شرح إعراب سورة تبّت (المسد)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (١)

في «تبّ» الأولى قولان : أحدهما أنه دعاء ، والآخر أنه خبر. وفي إسكان التاء قولان : أحدهما أنها لما كانت حرفا وجب لها السكون ، والآخر أنه لم تبق لها حركة فأمسكت (يَدا) فيه قولان : أحدهما أنه مجاز أي تبّ ، والآخر أنه على الحقيقة كما يروى أن أبا لهب أراد أن يرمي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمنعه الله جلّ وعزّ من ذلك ، وأنزل تبّت يدا أبي لهب ، أي خسرت يدا أبي لهب ، فيه قولان : أحدهما أن علامة الخفض الياء ، والقول الآخر أنه معرب من جهتين هذا قول الكوفيين (وَتَبَ) فيه قولان : أحدهما أن فيه قد مضمرة كما روي عن ابن مسعود أنه قرأ «تبّت يدا أبي لهب (١) وقد تب» ، والقول الآخر أنه خبر وأن «قد» لا تضمر لأنها حرف معنى.

(ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) (٢)

(ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ) في «ما» قولان أحدهما أنها في موضع نصب بأغنى ، والقول الآخر أنها لا موضع لها من الإعراب وأنها نافية. (وَما كَسَبَ) فيه قولان : أحدهما أنه يراد به ولده هذا قول ابن عباس ، والقول الآخر ما كسبه من شيء.

(سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) (٣)

فيه قولان : أحدهما أن الوقوف عليه ذاه بالهاء ؛ لأن تأنيث الأسماء بالهاء ، والآخر أن الوقوف ذات لأنه لا ينفصل مما بعده في المعنى.

(وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٤)

(وَامْرَأَتُهُ) فيه قولان : أحدهما أنها مرفوعة لأنها معطوفة على المضمر الذي في سيصلى ، وحسن العطف على المضمر لطول الكلام والقول الآخر أنها مرفوعة بالابتداء

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٨٣ (قرأ ابن كثير «لهب» بإسكان الهاء والباقون بفتحها).

١٩٢

(حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (١) بالرفع فيه قولان أحدهما أنه نعت لامرأته والآخر أنه خبر الابتداء. وفي نعتها هذا قولان ، وهي أم جمل أخت أبي سفيان بن حرب أحد القولين أنها نعتت بهذا تخسيسا لها عقوبة لإيذائها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقول الآخر أن يكون له زوجات غيرها فنعتت بهذا للفرق بينها وبينهنّ وفي موضع الجملة قولان : أحدهما أنها في موضع الحال ، والتقدير ما أغنى عنه ماله وما كسب وامرأته حمالة الحطب ، والقول الآخر أنها خبر «ما» في موضع الحال ، ومن قرأ (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٢) ففي قراءته قولان : أحدهما أنه منصوب على الحال ؛ لأنه يجوز أن تدخل فيه الألف واللام فلما حذفتهما نصب على الحال ، والقول الآخر أنه منصوب على الذمّ أي أعني حمالة الحطب كما قال :] الرجز]

٥٩٠ ـ نحن بني ضبّة أصحاب الجمل (٣)

وقال رؤبة :] الرجز]

٥٩١ ـ أنا ابن سعد أكرم السّعدينا (٤)

(فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (٥)

(فِي جِيدِها) فيه قولان : أحدهما أنه خبر بعد خبر عن «وامرأته» ، والقول الآخر أن يكون خبرا منقطعا من الأول (حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) فيه قولان أحدهما أنه يراد به السلسلة التي تكون في عنقها في النار ، والآخر أنه الحبل الذي كانت تحمل به الحطب.

__________________

(١) و (٢) انظر تيسير الداني ١٨٣ ، والبحر المحيط ٨ / ٥٢٧.

(٣) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (ندس) و (جمل) و (قحل) وجمهرة اللغة ٢٦٩ ، وتاج العروس (بجل) و (جمل) والكامل للمبرد ٩٩.

(٤) الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ١٩١ ، والكتاب ٢ / ١٥٥ ، وشرح المفصّل ١ / ٤٧ ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ٤٦٠ ، وشرح المفصّل ١ / ٤٦ ، والمقتضب ٢ / ٢٢٣.

١٩٣

(١١٢)

شرح إعراب سورة قل هو الله أحد (الإخلاص)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١)

(هُوَ) في موضع رفع بالابتداء كناية عن الحديث على قول أكثر البصريين والكسائي أي الحديث الذي هو الحق الله أحد.

(اللهُ الصَّمَدُ) (٢)

فيه ست تقديرات (١) : أحسنها أن يكون قولك (اللهُ) رفعا بالابتداء (الصَّمَدُ) نعته وما بعده خبره ، والقول الثاني أن يكون الصمد الخبر ، والقول الثالث أن يكون على إضمار مبتدأ ، والرابع أن يكون خبرا بعد خبر ، والخامس أن يكون بدلا من أحد ، والسادس أن يكون بدلا من قولك الله الأول فإن قيل : ما معنى التكرير؟ فالجواب أن فيه التعظيم هكذا كلام العرب كما قال :] الخفيف]

٥٩٢ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (٢)

فعظّم أمر الموت لما كرره ولم يضمره ، ومثله (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)] المزمل: ٢٠] فلا يجيز الفراء أن يكون كناية عن الحديث إلا أن يكون قبلها شيء. وهذا تحكّم على اللغة ، وقال الله جلّ وعزّ (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)] النمل : ٩] وإنّي الابتداء وإنّ إنما تدخل على المبتدأ بإجماع ، وأيضا فإن «هو» إن لم يكن كناية عن الحديث فهي مبتدأة في أول السورة فإن قال القائل : فعلام تعود؟ فحجّته الحديث أن اليهود سألوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يصف لهم ربّه جلّ وعزّ وينسبه فأنزل الله جلّ وعزّ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ). قال أبو جعفر : وقد أمليت هذا الحديث ليعرف على ما سمعته ، وفيه أشياء منها أنه من حديث جرير عن الضحاك لم يسمع عن ابن عباس ، وقال أحمد بن شعيب جويبر بن سعيد خراساني يروي عن الضحاك متروك الحديث ، وفيه إسماعيل بن زياد ضعيف ، وذكرناه على ما فيه ليعرف وفيه البعلبكي

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٥٢٩.

(٢) مرّ الشاهد رقم (٧٠).

١٩٤

على ما قال الشيخ والأجود البعلي ، وهذا جائز عند الكوفيين وقد بيّنّا في قوله جلّ وعزّ : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ)] المدثر : ٣٠] والأخفش سعيد قوله كقول الفراء في أنه كناية عن مفرد «الله» خبر قال الأخفش «أحد» بدل من «الله». قرأ نصر بن عاصم وعبد الله بن أبي إسحاق (أَحَدٌ اللهُ) بغير تنوين ، وكذا يروى عن أبان بن عثمان حذفوا التنوين لالتقاء الساكنين ، وأنشد سيبويه :] المتقارب] ٥٩٣ ـ ولا ذاكر الله إلّا قليلا (١) وأنشد الفراء (٢) :] الخفيف]

 ٥٩٤ ـ كيف نومي على الفراش ولمّا

تشمل الشّام غارة شعواء

تذهل الشّيخ عن بنيه وتلوي

عن خدام العقلة العذراء

يريد عن خدام العقيلة فحذف التنوين لالتقاء الساكنين كما قرءوا (أَحَدٌ اللهُ) والأجود تحريك التّنوين لالتقاء الساكنين ، لأنه علامة فحذفه قبيح ، وقراءة الجماعة أولى. وفي «أحد» ثلاثة أقوال منها : أن يكون أحد بمعنى وحد ، ووحد بمعنى واحد ، كما قال :] البسيط]

 ٥٩٥ ـ كأنّ رحلي وقد زال النّهار بنا

يوم الجليل على مستأنس وحد (٣)

فأبدل من الواو همزة. والقول الثاني أن يكون الأصل واحدا أبدل من الواو همزة ، وحذفت الهمزة لئلا يلتقي همزتان ، والقول الثالث أن أحدا بمعنى أوّل كما تقول : اليوم الأحد ، واليوم الأول مسموع من العرب ، وقال بعض أهل النظر في أحد من الفائدة ما ليس في واحد ؛ لأنك إذا قلت: فلان لا يا قوم له واحد ، جاز أن يا قوم له اثنان وأكثر فإذا قلت. فلان لا يا قوم له أحد ، تضمن معنى واحد وأكثر. قال أبو جعفر : وهذا غلط لا اختلاف بين النحويين أن أحدا إذا كان كذا لم يقع إلا في النفي كما قال :] البسيط]

 ٥٩٦ ـ وقفت فيها أصيلا كي أسائلها

عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد (٤)

فإذا كان بمعنى واحد وقع في الإيجاب تقول : ما مرّ بنا أحد ، أي واحد فكذا (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم ٧٣.

(٢) الشعر لعبيد الله بن قيس الرقيّات في ديوانه ٩٥ ، وتاج العروس (شمل) و (شعى) ، ولسان العرب (شمل) و (خدم) و (شعا) ، ومقاييس اللغة ٣ / ١٩٠ ، ومجمل اللغة ٣ / ١٦١ ، وأساس البلاغة (شعو) ، والشعر والشعراء ٥٤٦ ، وسمط اللآلي ١ / ٢٩٤.

(٣) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ٣١ ، والخصائص ٣ / ٢٦٢ ، والخزانة ١ / ٥٢١.

(٤) مرّ الشاهد رقم (٥٧٤).

١٩٥

(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (٣)

ثبتت الواو في الثاني ، وحذفت في الأول لأنها في الأول وقعت بين ياء وكسرة ، وفي الثاني وقعت بين ياء وفتحة.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٤)

وقراءة حمزة «كفوا» وزعم هارون القارئ أن سليمان بن علي الهاشمي قرأ «ولم يكن له كفئا أحد» (١) والمعنى واحد ، كما قال :] البسيط]

٥٩٧ ـ لا تقذفنّي بركن لا كفاء له

وإن تأثّفك الأعداء بالرّفد (٢)

وكذا كفيّ وجمعها أكفية فإذا قلت : كفوءا وكفء فجمعها أكفاء. يقال : فلان يمنع بناته إلا من الأكفاء فيجوز أن يكون كفو وكفء لغتين بمعنى واحد ، ويجوز أن يكون كفء مخففا من كفؤ كما يقال : رسل وكتب «كفوا» خبر يكن و «أحد» اسم يكن. هذا قول أكثر النحويين على أن محمد بن يزيد غلّط سيبويه في اختياره أن يكون الظرف خبرا إذا قدّم لأنه يختار : إنّ في الدار زيدا جالسا ، فخطّأه بالآية لأنه لو كان «له» الخبر لم ينصب «كفوا» على أنه خبر يكن على أن سيبويه قد أجاز أن يقدّم الظرف ولا يكون خبرا ، وأنشد :] الرجز]

٥٩٨ ـ ما دام فيهنّ فصيل حيّا (٣)

والقصيدة منصوبة ، وفي نصب كفو قول آخر ما علمت أن أحدا من النحويين ذكره وهو أن يكون منصوبا على أنه نعت نكرة متقدّم فنصب على الحال كما تقول :

جاءني مسرعا رجل ، وكما قال :] مجزوء الوافر]

٥٩٩ ـ لميّة موحشا طلل (٤)

ولكن ذكر الفراء أنه يقال : ما كان ثمّ أحد نظير لزيد ، فإن قدّمت قلت : ما كان ثمّ نظيرا لزيد أحد ، ولم يذكر العلّة التي أوجبت هذا.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٥٣٠ ، وتيسير الداني ١٨٣.

(٢) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ٢٦ ، ولسان العرب (أثف) ، و (ركن) ، ومقاييس اللغة ١ / ٥٧ ، وجمهرة اللغة ١٠٣٦ ، وتهذيب اللغة ١٠ / ١٩٠ وتاج العروس (أثف) ومجمل اللغة ١ / ١٦٧ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ١٧٣ ، والمنصف ١ / ١٩٣ ، وبلا نسبة في شرح شواهد الإيضاح ٦١٢.

(٣) مرّ الشاهد رقم (٢٧٦).

(٤) الشاهد لكثير عزّة في ديوانه ٥٠٦ والكتاب ٢ / ١٢٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢١١ وشرح التصريح ١ / ٣٧٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٤٩ ، ولسان العرب (وحش) ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٦٣ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ١٤٧ ، وأوضح المسالك ٢ / ٣١٠ ، وتمامه :

«لعزّة موحشا طلل

يلوح كأنّه خلل»

١٩٦

(١١٣)

شرح إعراب سورة الفلق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (١)

قد اختلف العلماء في معناه فقال جابر بن عبد الله : هو الصبح ، وقال أبو عبد الرّحمن الحبليّ هي جهنّم ، وقيل : هو الخلق وقيل : هو واد في جهنم. قال أبو جعفر : وإذا وقع الاختلاف وجب أن يرجع إلى اللسان الذي نزل به القرآن ، والعرب تقول : هو أبين من فلق الصبح وفرقه ، يعنون الفجر.

(مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) (٢)

تكون (ما) مصدرا فلا تحتاج إلى عائد ، ويجوز أن تكون بمعنى الذي فتكون الهاء العائدة عليه محذوفة.

(وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) (٣)

تكلّم العلماء في معنى الغاسق فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه القمر وقد ذكرناه بإسناده. وروى عقيل عن الزهري قال : الغاسق إذا وقب الشمس إذا غربت. قال أبو جعفر : وأكثر أهل التفسير أن الغاسق الليل ، ومنهم من قال : الكواكب فإذا رجع إلى اللغة عرف منها أنه يقال : غسق إذا أظلم فاتّفقت الأقوال ؛ لأن الشمس إذا غربت دخل الليل ، والقمر بالليل يكون ، والكواكب لا يكاد يطلع إلّا ليلا. فصار المعنى ومن شرّ الليل إذا دخل بظلمته فغطّى كل شيء. يقال : وقب إذا دخل ، وقول قتادة : وقب ذهب لا يعرف.

(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) (٤)

جمع نفّاثة وفي المكسّر نوافث يقال : أنّهنّ نساء سواحر كنّ في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بالاستعاذة منهن لأنهنّ يوهمن أنهنّ ينفعن أو يضررن فربّما لحق الإنسان في دينه ما يأثم به. فأما السحر فباطل.

١٩٧

(وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) (٥)

قال ابن زيد : هم اليهود ، وقال غيره : هو لبيد بن أعصم وبناته هنّ السواحر. قال أبو جعفر : أولى ما قيل في هذا قول قتادة قال : هو لكلّ من .... (١) ...

__________________

(١) موضع النقط بياض في الأصل.

١٩٨

(١١٤)

شرح إعراب سورة الناس

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (١)

الأصل عند سيبويه أناس والألف واللام بدل من الهمزة.

(مَلِكِ النَّاسِ) (٢)

نعت يقال : ملك بيّن الملك ، ومالك بيّن الملك والملك.

(إِلهِ النَّاسِ) (٣)

نعت أو بدل.

(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) (٤)

(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) هو الذي يوسوس الصدور كما قال الأعشى :] البسيط]

٦٠٠ ـ تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت

كما استعان بريح عشرق زجل (١)

(الْخَنَّاسِ) عن ابن عباس روايتان إحداهما أنه يوسوس ويجثم على صدر الإنسان فإذا ذكر الله جلّ وعزّ يخنس ، والرواية الأخرى أنه يوسوس فإذا أطيع انخنس ، القولان متفقان.

(الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) (٥)

في موضع خفض على النعت ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ.

(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦)

__________________

(١) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٠٥ ، ولسان العرب (وسس) ، و (عشرق) ، و (زجل) ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٧٧ ، وتاج العروس (وسس) و (عشرق) و (زجل) ، وإعراب ثلاثين سورة لابن خالويه ٢٣٩.

١٩٩

يقال : جنّيّ وجنّ وجنّة الهاء لتأنيث الجماعة ، مثل حجار وحجارة. قال أبو جعفر : وسألت علي بن سلمان عن قوله عزوجل (وَالنَّاسِ) فكيف يعطفون على (الْجِنَّةِ) وهم لا يوسوسون؟ فقال : هم معطوفون على الوسواس ، والتقدير : قل أعوذ بربّ الناس من شرّ الوسواس والناس. والذي قال حسن ؛ لأن التقديم والتأخير في الواو جائز حسن كثير كما قال :] الطويل]

٦٠١ ـ جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ثلاث خصال لست عنها بمرعوي (١)

وقال حسّان (٢) :] الطويل]

٦٠٢ ـ وما زال في الإسلام من آل هاشم

دعائم غرّ ما ترام ومفخر

وهم جبل الإسلام والنّاس حولهم

رضام إلى طود يروق ويقهر

بهاليل منهم جعفر وابن أمّه

عليّ ومنهم أحمد المتخيّر

فبدأ اللفظ بجعفر ثم جاء بعده بعليّ ثم جاء بعده بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو المقدم على الحقيقة.

صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا تم كتاب شرح إعراب القرآن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلّم تسليما حسبنا الله وكفى ونعم الوكيل.

__________________

(١) الشاهد ليزيد بن الحكم بن العاص في أمالي القالي ١ / ٦٧ ، والخزانة ١ / ٤٩٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٨٦.

(٢) الأبيات لحسان بن ثابت في ديوانه ١٨٠.

٢٠٠