إعراب القرآن - ج ١

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 2-7451-3023-4
الصفحات: ٢٩٣

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحّاس

(ت ٣٣٨ ه‍)

اسمه ولقبه ونشأته :

أبو جعفر ، أحمد بن محمد بن إسماعيل ، المصري النحوي ، ابن النحّاس : العلّامة ، إمام العربية.

ولد في مصر ، ونشأ فيها ثم ارتحل إلى بغداد فأخذ عن المبرّد ، والأخفش علي ابن سليمان ، ونفطويه ، والزّجّاج وغيرهم. ثم عاد إلى مصر وتصدّر للتدريس ، وكانت مصر خلال النصف الثاني من القرن الثالث والنصف الأول من الرابع للهجرة حلقة الوصل بين المغرب والمشرق ، وقد قصده طلّاب المعرفة ، كما قصدوا غيره ، من المغرب وأخذوا عنهم صنوف علوم اللغة والقرآن ، وعادوا بها إلى بلادهم. وبذلك انتقلت مصنّفات هؤلاء العلماء المصريين إلى هناك.

نشأ ابن النحاس محبّا للعلم وكان لا يتوانى أن يسأل أهل العلم والفقه ويفاتشهم بما يشكل عليه في تصانيفه.

وقد صنّف كتبا حسنة مفيدة منها :

كتاب الأنوار.

وكتاب الاشتقاق لأسماء الله عزوجل.

وكتاب معاني القرآن.

وكتاب اختلاف الكوفيين والبصريين سمّاه «المقنع».

وكتاب أخبار الشعراء.

وكتاب أدب الكتّاب.

وكتاب الناسخ والمنسوخ.

وكتاب الكافي في النحو.

وكتاب صناعة الكتاب.

وكتاب إعراب القرآن.

٣

وكتاب شرح السبع الطّوال.

وكتاب شرح أبيات سيبويه.

وكتاب الاشتقاق.

وكتاب معاني الشعر.

وكتاب التفّاحة في النحو.

وكتاب أدب الملوك.

أهمية كتاب «إعراب القرآن» لابن النحّاس :

أهمية هذا الكتاب أنه أول كتاب وصل إلينا بهذا العمق وهذه المادة العلمية الغزيرة. حيث حشد ابن النحّاس الكثير من أقاويل علماء اللغة التي أخذها عن مشايخه أو من الكتب التي كانت بين يديه لمن سبقه.

وأهم الكتب التي اعتمدها :

كتاب سيبويه ، وكتاب العين ، وكتاب المسائل الكبير للأخفش سعيد بن مسعدة ، وكتاب معاني القرآن للزجاج ، وكتاب ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج ، وكتاب معاني القرآن للفرّاء ، وكتاب المصادر في القرآن للفرّاء ، والمقصور والممدود للفراء ، وكتاب القراءات لأبي عبيد القاسم بن سلام ، وكتاب القراءات لابن سعدان النحوي ، وكتاب الغريب المصنّف لأبي عبيد. وقد اشتمل كتابه «إعراب القرآن» على آراء أعلام المذهب البصري في النحو واللغة والقراءات مثل : أبي عمرو بن العلاء ، ويونس ، وقطرب ، والأخفش سعيد بن مسعدة ، وأبي عبيدة ، وأبي عمرو الجرمي ، وابن الأعرابي ، والمازني ، وأبي حاتم السجستاني ، والمبرّد ومحمد ابن الوليد ولّاد ، وأبي إسحاق الزجاج بالإضافة إلى الخليل بن أحمد وأبي الخطّاب الأخفش وسيبويه. وكذلك عرض ابن النحاس آراء النحاة واللغويين الكوفيين فكان يعرض آراء هؤلاء إلى جانب آراء البصريين فيرجّح مرّة ويترك الآراء دون ترجيح أحيانا.

ومن الكوفيين : الكسائي وثعلب والفراء ومحمد بن حبيب ومحمد بن سعدان وابن السكيت ونفطويه وابن رستم. أما الحفّاظ والمحدّثون من شيوخه فهم يؤلّفون جانبا من مصادر كتابه ، ومن شيوخه :

بكر بن سهل الدمياطي ، وأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي والنّسائي أحمد بن شعب ، والطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي ، والحسن بن غليب المصري ، وأبي الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي وأبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي ، والطبري في تفسيره.

٤

الشواهد الواردة في كتاب «إعراب القرآن» : اعتمد ابن النحاس الأنواع الثلاثة من الشواهد وهي :

١ ـ الشعر (عدد الشواهد ٦٠٢) وهي موزّعة على العصر الجاهلي والإسلامي والأموي.

٢ ـ الحديث النبوي (عدد الشواهد ١٦٧).

٣ ـ الأمثال والأقوال الأخرى.

وفاته :

توفّي ابن النحاس يوم السبت لخمس خلون من ذي الحجة سنة ٣٣٨ ه‍ أو ٣٣٧ ه‍ ... وقد رويت حكاية محزنة لموته ، وهي أنه كان جالسا على درج المقياس (وهو عمود من رخام قائم وسط بركة على شاطئ النيل له طريق يدخل إلى النيل يدخل الماء إذا زاد عليه وفي ذلك العمود خطوط يعرفون بوصول الماء إليها مقدار الزيادة) وكان النيل في أيام زيادته ، وكان ابن النحاس يقطّع شيئا من الشعر عروضيا ، فسمعه أحد العوام فظنّه يسحر النيل حتى لا يزيد فتغلو الأسعار فدفعه برجله فوقع في النيل فلم يعرف له خبر.

مصادر ترجمته :

النجوم الزاهرة ٣ / ٣٠٠.

البداية والنهاية ١١ / ٢٢٢.

إنباه الرواة ١ / ١٠١.

آداب اللغة ٢ / ١٨٢.

سير أعلام النبلاء ١٢ / ٧١ (دار الفكر).

المنتظم لابن الجوزي ٦ / ٣٦٤.

بغية الوعاة ١ / ٣٦٢.

وفيات الأعيان ١ / ٨٢.

٥
٦

لمحة تاريخية عن مباحث إعراب القرآن

كان القرآن الكريم على الدوام دليل المسلمين وقبلتهم ومثابة اجتهادهم ، لذلك ما انفكّوا يعكفون عليه حفظا ودرسا وتمثّلا ، ولا ينون يصرفون جهدا كبيرا متّصلا لتبيان معانيه وأحكامه ، وناسخه ومنسوخه ، ووجوه قراءته ، ودقائق بلاغته ، وآيات إعجازه ، وسوى ذلك من النواحي التي يشتمل عليها موضوع علوم القرآن ومباحثه القديمة المتجددة.

ومن المباحث الأساسية في هذا المجال إعراب القرآن ، ألفاظا وجملا. ولا يخفى ما لهذا المبحث من أهمية كبرى في الكشف عن معاني القرآن للارتباط الوثيق القائم بين المعنى والمبنى في اللغة العربية ، أو بالأحرى بين اللفظ وإعرابه بحيث يتلوّن المعنى بتلوّن الإعراب. وقد قيل: الإعراب فرع المعنى. ولعل ما يميز اللغة العربية عن معظم اللغات الأخرى هو هذا الارتباط الوثيق بين المعنى والإعراب ، وبهذا الترتيب : فالنصّ العربي يفهم أولا ، ثم يقرأ قراءة صحيحة أي معربة على الوجه الصحيح. والقارئ مهما بلغ من التمكّن في علم النحو ، لا يستطيع أن يقرأ نصّا عربيّا لأول وهلة وعلى النحو الصحيح إن لم يكن متمثلا المعنى المراد أولا ، خصوصا عند ما تغيب علامات الإعراب أو الشكل. هذا بخلاف ما يحصل بإزاء نص فرنسي مثلا ، إذ يستطيع قراءته قراءة صحيحة حتى من دون أن يسبق له علم بالمعنى الموجود فيه. فالنص الفرنسي يقرأ ثم يفهم. من هنا يمكن القول إن اللغة العربية ما تزال لغة شفوية في المقام الأول.

إن العلاقة بين «علم إعراب القرآن» وعلم النحو لا تحتاج إلى إيضاح. وبالتالي فقد اعتبر جمهور العلماء أن إعراب القرآن هو من علم النحو. ولكن العلاقة وثيقة أيضا بين إعراب القرآن وتفسيره ، ولذلك ذهب البعض ، ومنهم طاش كبري زادة في كتابه «مفتاح السعادة» ، إلى أنه من فروع علم التفسير. والحقيقة أن إعراب القرآن ضروري للتفسير ولا ينفصل عن علم القراءات. وعليه ثمّة علوم ثلاثة مترابطة هي : علم التفسير (التأويل) وعلم الإعراب وعلم القراءات. من هنا نلاحظ أن معظم كتب التفسير لا تخلو من إشارات إلى وجوه القراءة المختلفة وبالتالي إلى وجوه الإعراب.

٧

وقد نشأ إعراب القرآن مع نشوء علم النحو وتطوّره ، ثم أخذ يستقل شيئا فشيئا حتى صار غرضا قائما بذاته. علما أن مباحث النحو اعتمدت بشكل أساسي على شواهد القرآن الكريم ، إلى شواهد الشعر الجاهلي وصدر الإسلام ، لتقعيد قواعدها وتأييد مذاهبها. والعلماء الذين اشتغلوا بالكشف عن وجوه إعراب القرآن كانت لهم اتجاهات مختلفة : فبعضهم جمع بين أوجه القراءات والإعراب مثل الفرّاء في «معاني القرآن» وابن جنّي في «المحتسب» وابن فارس في «الحجة». ومنهم من اقتصر على إعراب مشكله مثل مكّي ، أو إعراب غريبه كابن الأنباري في كتابه «البيان في إعراب غريب القرآن». ومنهم من انتقى فأعرب سورا وأجزاء كابن خالويه. ومنهم من اختار ظاهرة محددة مثل الألفاظ التي تقرأ بالتثليث (بالضمة والفتحة والكسرة) كما فعل أحمد ابن يوسف الرعيني الأندلسي في كتابه «تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من القرآن». ومنهم من أعربه كله كالعكبري.

وأشهر من صنّف في إعراب القرآن والقراءات في بابين مستقلين أو في باب واحد هم على التوالي :

١ ـ يحيى بن زياد الفرّاء المتوفى سنة ٢٠٧ ه‍ : «إعراب القرآن» في أوجه القراءات والإعراب.

٢ ـ أبو مروان عبد الملك بن حبيب المالكي القرطبي المتوفى سنة ٢٣٩ ه‍ : «إعراب القرآن» و «الواضحة في إعراب الفاتحة».

٣ ـ أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني (٢٤٨ ه‍) : «إعراب القرآن» و «كتاب القراءات».

٤ ـ أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد (٢٨٦ ه‍) : «إعراب القرآن» و «احتجاج القرّاء».

٥ ـ أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب (٢٩١ ه‍) : «غريب القرآن» و «كتاب إعراب القرآن» و «كتاب القراءات».

٦ ـ أبو البركات عبد الرحمن بن أبي سعيد الأنباري (٣٢٨ ه‍) : «البيان في إعراب غريب القرآن».

٧ ـ أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري ، أبو جعفر النحّاس ، (٣٣٨ ه‍): «إعراب القرآن» ، وهو كتابنا هذا.

٨ ـ إبراهيم بن السري بن سهل ، أبو إسحاق الزجّاج (٣١١ ه‍) : «إعراب القرآن» و «مختصر إعراب القرآن ومعانيه».

٨

٩ ـ الحسين بن أحمد ، أبو عبد الله المعروف بابن خالويه (٣٧٠ ه‍) : «كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن» من الطارق إلى آخر القرآن والفاتحة.

١٠ ـ عثمان بن جنّي (٣٩٢ ه‍) : «المحتسب» في شرح الشواذ لابن مجاهد في القراءات.

١١ ـ أبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي (٤٣٠ ه‍) : «إعراب القرآن».

١٢ ـ مكّي بن أبي طالب القيسي القيرواني (٤٣٧ ه‍) : «مشكل إعراب القرآن» و «الكشف عن وجوه القراءات وعللها» و «الموجز» في القراءات.

١٣ ـ يحيى بن علي بن محمد ، الخطيب التبريزي (٥٠٢ ه‍) : «المخلص في إعراب القرآن».

١٤ ـ إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني (٥٣٥ ه‍) : «إعراب القرآن».

١٥ ـ أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري (٦١٦ ه‍) : «التبيان في إعراب القرآن» و «إعراب الشواذ في القرآن».

١٦ ـ عبد اللطيف بن يوسف البغدادي (٦٢٩ ه‍) : «الواضحة في إعراب الفاتحة».

١٧ ـ المنتجب بن أبي العز الهمداني (٦٤٣ ه‍) : «المفيد في إعراب القرآن المجيد».

١٨ ـ إبراهيم بن محمد السفاقسي (٧٤٢ ه‍) : «المجيد في إعراب القرآن المجيد».

١٩ ـ أحمد بن يوسف المعروف بابن السمين الحلبي (٧٥٦ ه‍) : «الدرّ المصون في علم الكتاب المكنون» في إعراب القرآن.

٢٠ ـ أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الأندلسي (٧٧٧ ه‍) : «تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من القرآن».

٢١ ـ أحمد بن محمد ، الشهير بنشانجي زادة (٩٨٦ ه‍) : «إعراب القرآن» إلى سورة الأعراف ـ حاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي.

٩
١٠

المصطلحات المستخدمة في الكتاب

١ ـ اسم ما لم يسمّ فاعله

: النائب عن الفاعل

٢ ـ الإشمام

: إشمام الحرف هو أن تشمّه الضمّة أو الكسرة ، وهو أقلّ من روم الحركة لأنه لا يسمع وإنما يتبيّن بحركة الشّفة ، ولا يعتدّ بها حركة لضعفها ، والحرف الذي فيه الإشمام ساكن أو كالساكن.

٣ ـ الإمالة

: هي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء ، أو هي إحدى الظواهر الخاصة بنطق الفتحة الطويلة نطقا يجعلها بين الفتحة الصريحة والكسرة الصريحة.

٤ ـ البيان والتفسير

: التمييز

٥ ـ التبرئة

: النفي للجنس.

٦ ـ الترجمة والتكرير

: هو البدل عند البصريين.

٧ ـ الحذف

: حين تتجاوز أصوات متماثلة أو متقاربة تميل بعض اللهجات إلى حذف أحدها طلبا للتخفيف ، وقد يكون هذا الحذف في الحروف وقد يكون في الحركات التي هي في بنية الكلمة أو للإعراب.

٨ ـ حروف الخفض

: حروف الجرّ.

٩ ـ حروف اللّين

: هي حروف المدّ التي يمدّ بها الصوت ، وهي الألف ، والواو ، والياء.

١٠ ـ الرّوم

: هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك معظم صوتها فيسمع لها صوتا خفيا يدركه الأعمى بحاسة السمع.

١١ ـ العماد

: الفاصلة عند البصريين.

١٢ ـ القطع

: الحال.

١٣ ـ المخالفة

: هي ظاهرة صوتية تكون لميل بعض اللهجات العربية إلى السهولة بأن يجتمع صوتان متماثلان فيقلب أحدهما إلى صوت لين طويل.

١٤ ـ المكنّى

: الضمير.

١١

١٥ ـ المماثلة بين الحركات

: الإتباع : هو تجاوز حركتين في كلمة أو كلمتين وتأثّر إحداهما بالأخرى.

١٦ ـ المماثلة بين الحروف

: الإدغام : هو ضرب من التأثير الذي يقع في الأصوات المتجاورة إذا كانت متماثلة أو متجانسة أو متقاربة فيختفي أحد الصوتين بالآخر.

١٧ ـ النعت

: وهو الصفة عند البصريين.

١٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي المعروف بالنحاس :

هذا كتاب أذكر فيه إن شاء الله إعراب القرآن ، والقراءات التي تحتاج أن يبيّن إعرابها والعلل فيها ولا أخليه من اختلاف النحويين ، وما يحتاج إليه من المعاني وما أجازه بعضهم ومنعه بعضهم وزيادات في المعاني وشرح لها ، ومن الجموع واللغات ، وسوق كلّ لغة إلى أصحابها ولعلّه يمرّ الشيء غير مشبع فيتوهّم متصفّحه أنّ ذلك لإغفال وإنما هو لأنّ له موضعا غير ذلك. ومذهبنا الإيجاز والمجيء بالنكتة في موضعها من غير إطالة ، وقصدنا في هذا الكتاب الإعراب وما شاكله بعون الله وحسن توفيقه. قال أبو جعفر : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدّمشقي (١) عن عبد الخالق عن أبي عبيد (٢) قال : حدّثنا عبّاد بن عبّاد المهلّبي عن واصل (٣) مولى أبي عيينة قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعلّموا إعراب القرآن كما تتعلّمون حفظه. فمن ذلك :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)

(اسم) مخفوض بالباء الزائدة ، وقال أبو إسحاق (٤) : وكسرت الباء ليفرّق بين ما

__________________

(١) أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي : نزل بغداد وحدّث بها عن هشام بن عمار وطبقته وكان مؤدّبا لعبد الله بن المعتز. روى عن إسماعيل بن محمد الصفّار (ت ٣٠٦ ه‍) ترجمته في تاريخ بغداد ٤ / ١٧٢.

(٢) أبو إسحاق الزّجاج ، إبراهيم بن السري ، بصريّ المذهب من أصحاب سيبويه وشيخ النحاس ، له من التصانيف : معاني القرآن ، الاشتقاق ، خلق الإنسان ، مختصر النحو ، شرح أبيات سيبويه ، القوافي ، العروض ، النوادر ، وتفسير جامع المنطق ، (ت ٣١٦ ه‍). ترجمته في : (بغية الوعاة ١ / ٤١١ ، وتاريخ بغداد ٦ / ٩١ ، وطبقات الزبيدي ٢١). والقول في إعراب القرآن ومعانيه ص ١٢.

(٣) الفرّاء : أبو زكريا يحيى بن زياد : أخذ علمه عن الكسائي ، وكان أعلم الكوفيين بعد الكسائي ، كان يميل إلى الاعتزال ويسلك ألفاظ الفلاسفة. وكان زائد العصبية على سيبويه. صنّف : معاني القرآن ، البهاء فيما تلحن به العامة ، اللغات ، المصادر في القرآن ، الجمع والتثنية في القرآن ، آلة الكتاب ، النوادر ، المقصور والممدود ، فعل وأفعل ، المذكر والمؤنث ، الحدود وغير ذلك. (ت ٢٠٧ ه‍). ترجمته في (بغية الوعاة ٢ / ٣٣٣ ، وطبقات الزبيدي ١٤٣).

(٤) علي بن حمزة الكسائي : أحد القرّاء السبعة ، وإمام الكوفيين في النحو ، صنّف : معاني القرآن ، ـ

١٣

يخفض وهو حرف لا غير وبين ما يخفض وقد يكون اسما نحو الكاف ، ويقال : لم صارت الباء تخفض؟ فالجواب عن هذا وعن جميع حروف الخفض أنّ هذه الحروف ليس لها معنى إلّا في الأسماء ولم تضارع الأفعال فتعمل عملها فأعطيت ما لا يكون إلّا في الأسماء وهو الخفض والبصريون القدماء يقولون : الجرّ ، وموضع الباء وما بعدها عند الفرّاء (١) نصب بمعنى ابتدأت بسم الله الرّحمن الرّحيم أو أبدأ بسم الله الرّحمن الحريم ، وعند البصريين رفع بمعنى ابتدائي بسم الله ، وقال عليّ بن حمزة الكسائي (٢) : الباء لا موضع لها من الإعراب والمرور واقع على مجهول إذا قلت : مررت بزيد. والألف في «اسم» (٣) ألف وصل لأنّك تقول : سميّ فلهذا حذفت من اللفظ ، وفي حذفها من الخط أربعة أقوال : قال الفراء (٤) : لكثرة الاستعمال ، وحكي لأنّ الباء لا تنفصل ، وقال الأخفش سعيد (٥) : حذفت لأنها ليست من اللفظ ، والقول الرابع أن الأصل سم وسم أنشد أبو زيد (٦) : [الرجز]

١ ـ بسم الذي في كلّ سورة سمه (٧)

بالضمّ أيضا ، فيكون الأصل سما ثم جئت بالباء فصار بسم ثم حذفت الكسرة فصار بسم ، فعلى هذا القول لم يكن فيه ألف قطّ والأصل في اسم فعل لا يكون إلا ذلك لعلّة أوجبته وجمعه أسماء ، وجمع أسماء أسامي. وأضفت اسما إلى الله جلّ

__________________

ـ القراءات ، النوادر الكبير ، الأوسط ، الأصغر ، العدد ، المصادر ، الحروف ، أشعار المعاياة وغيرها ، (ت ١٨٩ ه‍). ترجمته في (غاية النهاية ١ / ٥٣٥ ، وبغية الوعاة ٢ / ١٦٤).

(١) أبو عبيد : القاسم بن سلّام الأنصار ، أول من جمع القراءات في كتاب ، أخذ عن ابن الأعرابي والكسائي والفرّاء وغيرهم. له من التصانيف : الغريب المنصف ، غريب القرآن ، غريب الحديث ، معاني القرآن ، المقصور والممدود ، القراءات ، المذكر والمؤنث ... وغيرها. (ت ٢٢٤ ه‍). ترجمته في (طبقات الزبيدي ٢١٧ ، وبغية الوعاة ٢ / ٢٥٢).

(٢) واصل مولى أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة البصري. روى عن الحسن ورجاء بن حيوة. ترجمته في تهذيب التهذيب ١١ / ١٠٥.

(٣) انظر الإنصاف لابن الأنباري المسألة (١).

(٤) انظر معاني الفرّاء : ١ / ٢.

(٥) الأخفش : أبو الحسن سعيد بن مسعدة ، قرأ النحو على سيبويه في البصرة وكان معتزليا ، صنّف : الأوساط في النحو ، معاني القرآن ، المقاييس في النحو ، الاشتقاق ، المسائل ، الكبير الصغير ، العروض ، القوافي ، الأصوات وغيرها. (ت ٢١١ أو ٢١٥ ه‍). ترجمته في : (بغية الوعاة ١ / ٥٩٠ ، وطبقات الزبيدي ٧٤ ، وإنباه الرواة ١ / ٣٦).

(٦) أبو زيد الأنصاري : سعيد بن أوس بن ثابت ، روى القراءة عن أبي عمرو وأبي السمال (ت ٢١٥ ه‍) ترجمته في غاية النهاية ١ / ٣٠٥.

(٧) الشاهد في نوادر أبي زيد ١٦٦ ، ونوادر أبي مسحل : ١ / ٩٥ ، والإنصاف ١ / ١٠ ، وأسرار العربية ٨ ، واللسان (سا).

١٤

وعزّ ، والألف في الله جلّ وعزّ ألف وصل على قول من قال : الأصل لاه. ومن العرب من يقطعها فيقول : بسم الله ، للزومها كألف القطع. (الرَّحْمنِ) نعت لله تعالى ولا يثنّى ولا يجمع لأنه لا يكون إلّا لله جلّ وعزّ ، وأدغمت اللّام في الراء لقربها منها وكثرة لام التعريف. (الرَّحِيمِ) نعت أيضا ، وجمعه رحماء. وهذه لغة أهل الحجاز وبني أسد وقيس وربيعة ، وبنو تميم يقولون : رحيم ورغيف وبعير ، ولك أن تشمّ (١) الكسر في الوقف وأن تسكّن ، والإسكان في المكسور أجود والإشمام في المضموم أكثر. ويجوز النصب في (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) على المدح ، والرفع على إضمار مبتدأ ، ويجوز خفض الأول ورفع الثاني ، ورفع أحدهما ونصب الآخر.

__________________

(١) إشمام الحرف : أن تشمّه الضمّة أو الكسرة ، وهو أقلّ من روم الحركة لأنه لا يسمع وإنما يتبيّن بحركة الشفة ولا يعتدّ بها حركة لضعفها ، والحرف الذي فيه الإشمام ساكن أو كالساكن. (تاج العروس شمم).

١٥
١٦

(١)

شرح اعراب سورم ام القرآن

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) رفع بالابتداء على قول البصريين (١) ، وقال الكسائي (٢) : «الحمد» رفع بالضمير الذي في الصفة ، والصفة اللام ، جعل اللام بمنزلة الفعل. وقال الفراء (٣) : «الحمد» رفع بالمحل وهو اللام. جعل اللام بمنزلة الاسم ، لأنها لا تقوم بنفسها والكسائي يسمي حروف الخفض صفات ، والفراء يسمّيها محال ، والبصريون يسمّونها ظروفا. وقرأ ابن عيينة ورؤبة بن العجّاج (٤) (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على المصدر وهي لغة قيس والحارث بن سامة. والرفع أجود من جهة اللفظ والمعنى ، فأما اللفظ : فلأنه اسم معرفة خبّرت عنه ، وأما المعنى: فإنّك إذا رفعت أخبرت أنّ حمدك وحمد غيرك لله جلّ وعزّ ، وإذا نصبت لم يعد حمد نفسك وحكى الفراء : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) والحمد لله (٥). قال أبو جعفر : وسمعت عليّ بن سليمان (٦) يقول : لا يجوز من هذين شيء عند البصريين. قال أبو جعفر : وهاتان لغتان معروفتان وقراءتان موجودتان في كل واحدة منهما علة ، روى إسماعيل بن عياش (٧) عن زريق عن الحسن (٨) أنّه قرأ (الْحَمْدُ

__________________

(١) انظر الإنصاف مسألة (٥) ، والبحر المحيط ١ / ١٣١.

(٢) انظر الإنصاف مسألة (٦).

(٣) انظر الإنصاف مسألة (٦).

(٤) رؤبة بن العجاج التميمي الراجز من أعراب البصرة وكان رأسا في اللغة (ت ١٤٥ ه‍) ، ترجمته في (السير ٦ / ١٦٢ ، ولسان الميزان ٢ / ٢٦٤ ، ومعجم الأدباء ١١ / ١٤٩).

(٥) انظر معاني الفراء ١ / ٣.

(٦) علي بن سليمان الأخفش الصغير ، أبو الحسن ، سمع ثعلبا ، والمبرد (ت ٢١٥ ه‍) وهو من شيوخ النحاس. ترجمته في طبقات الزبيدي ١٢٥.

(٧) إسماعيل بن عياش : أبو عتبة العنسي الحمصي ، روى عن شرحبيل بن مسلم ومحمد بن زياد (ت ١٨٢ ه‍) ترجمته في تذكرة الحفاظ ٢٥٣.

(٨) الحسن ، أبو سعيد ، الحسن بن أبي سعيد بن أبي الحسن بن يسار البصري ، إمام أهل البصرة ، قرأ على حطان ابن عبد الله الرقاشي وعلى أبي العالية. (ت ١١٠ ه‍). ترجمته في غاية النهاية ١ / ٢٣٥.

١٧

لِلَّهِ) (١) ، وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (٢) وهذه لغة بعض بني ربيعة ، والكسر لغة تميم. فأما اللغة في الكسر فإنّ هذه اللفظة تكثر في كلام الناس والضمّ ثقيل ولا سيّما إذا كانت بعده كسرة فأبدلوا من الضمة كسرة وجعلوها بمنزلة شيء واحد ، والكسرة مع الكسرة أخفّ وكذلك الضمة مع الضمة فلهذا قيل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ). (لِلَّهِ) خفض باللام الزائدة. وزعم (٣) سيبويه (٤) أنّ أصل اللام الفتح يدلّك على ذلك أنك إذا أضمرت قلت : الحمد له فرددتها إلى أصلها إلّا أنها كسرت مع الظاهر للفرق بين لام الجر ولام التوكيد.

(رَبِ) مخفوض على النعت لله. (الْعالَمِينَ) خفض بالإضافة وعلامة الخفض الياء لأنها من جنس الكسرة ، والنون عند سيبويه (٥) كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين والنون عند أبي العباس (٦) عوض من التنوين ، وعند أبي إسحاق (٧) عوض من الحركة وفتحت فرقا بينها وبين نون الاثنين ، وقال الكسائي : يجوز (رَبِّ الْعالَمِينَ) كما تقول : الحمد لله ربّا وإلها أي على الحال ، وقال أبو حاتم (٨) : النصب بمعنى أحمد الله ربّ العالمين ، وقال أبو إسحاق (٩) : يجوز النصب على النداء المضاف ، وقال أبو الحسن بن كيسان (١٠): يبعد النصب على النداء المضاف لأنه يصير كلامين ولكن نصبه على المدح ، ويجوز الرفع أي هو ربّ العالمين. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا في الكتاب المتقدم : أنه يقال على التكثير: ربّاه وربّه وربّته. وشرحه أن الأصل ربّبه ثم تبدل من الباء ياء كما يقال : قصّيت أظفاري وتقصّيت ثم تبدل من الياء تاء كما تبدل من الواو في تالله (١١).

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه ١ ، والمحتسب لابن جني ١ / ٣٧.

(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١.

(٣) انظر الكتاب ٢ : ٤٠٠.

(٤) سيبويه : عمرو بن قنبر ، رأس مدرسة البصرة في النحو (ت ١٨٠ ه‍). ترجمته في طبقات الزبيدي ٦٦.

(٥) انظر الكتاب.

(٦) أبو العباس : محمد بن يزيد المبرد ، من تلاميذ أبي عثمان المازني ، كان رأس نحاة البصرة (ت ٢٨٥ ه‍).

ترجمته في : طبقات الزبيدي ١٠٨.

(٧) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجّاج ٧.

(٨) أبو حاتم : سهل بن محمد السجستاني ، روى علم سيبويه عن الأخفش سعيد بالبصرة (ت ٢٥٥ ه‍ أو ٢٦٥ ه‍) ترجمته في طبقات الزبيدي ١٠٠ ، ومراتب النحويين ٨٠.

(٩) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٤.

(١٠) أبو الحسن بن كيسان : محمد بن إبراهيم بن كيسان ، أخذ عن المبرد وثعلب وحفظ المذهب البصري والكوفي في النحو ، ولكنه كان إلى مذهب البصريين أميل. من تصانيفه : المهذّب في النحو ، وغلط أدب الكاتب ، واللامات ، والبرهان ، وغريب الحديث ، وغيرها. (ت ٢٩٩ ه‍). ترجمته في بغية الوعاة ١ / ١٨ ، ومعجم الأدباء ١٧ / ١٣٨ ، وتاريخ بغداد ١ / ٣٣٥.

(١١) انظر الكتاب : ١ / ٤٤ ، والمقتضب ١ / ٢٤٦.

١٨

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٤)

ويجوز (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) على المدح ، ويجوز رفعهما على إضمار مبتدأ ، ويجوز رفع أحدهما ونصب الآخر ، ويجوز خفض الأول ورفع الثاني ونصبه.

وقرأ محمد بن السّميفع (١) اليمانيّ مالك يوم الدّين بنصب مالك. وفيه أربع لغات : مالك وملك وملك ومليك. كما قال لبيد : [الكامل]

٢ ـ فاقنع بما قسم المليك فإنّما

قسم المعايش بيننا علّامها (٢)

وفيه من العربية خمسة وعشرون وجها (٣) : يقال «ملك يوم الدين» على النعت ، والرفع على إضمار مبتدأ ، والنصب على المدح وعلى النداء وعلى الحال وعلى النعت وعلى قراءة من قرأ (رَبِّ الْعالَمِينَ) فهذه ستة أوجه ، وفي «مالك» مثلها وفي «ملك» مثلها ، وفي «مليك» مثلها. هذه أربعة وعشرون والخامس والعشرون روى عن أبي حيوة شريح بن يزيد (٤) أنه قرأ ملك يوم الدّين (٥) وقد روي عنه أنه قرأ ملك يوم الدين. قال أبو جعفر : جمع مالك وملّاك وملّك ، وجمع ملك أملاك وملوك ، وجمع ملك أملك وملوك فهذا على قول من قال : «ملك» لغة وليس بمسكّن من ملك ، وجمع مليك ملكاء. (يَوْمِ) مخفوض بإضافة مالك إليه ، و (الدِّينِ) مخفوض بإضافة يوم إليه. وجمع يوم أيّام والأصل : أيوام أدغمت الواو في الياء ولا يستعمل منه فعل. وزعم سيبويه أنه لو استعمل منه فعل لقيل : يمت. وجمع الدين أديان وديون.

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥)

(إِيَّاكَ) (٦) نصب بوقوع (نَعْبُدُ) عليه وقرأ الفضل بن عيسى الرّقاشي (إِيَّاكَ) فتح الهمزة ، وقرأ عمرو بن فائد (إِيَّاكَ) مخفّفا والاسم من إيّاك عند الخليل (٧)

__________________

(١) ابن السميفع اليماني : محمد بن عبد الرّحمن ، له اختيار في القراءة ينسب إليه ، شذّ فيه ، قرأ على أبي حيوة. ترجمته في غاية النهاية ٢ / ١٥٠.

(٢) البيت للبيد في ديوانه ص ٣٢٠ ، ولسان العرب (خلق) ، وتاج العروس (خلق) ، وهو في الديوان : «قسم الخلائق بيننا».

(٣) (مالك) : قراءة عاصم والكسائي وخلف ويعقوب ، وهي قراءة العشرة إلا طلحة والزبير ، وقرأ (ملك) باقي السبعة وزيد وأبو الدرداء وابن عمر والمسور وكثير من الصحابة ، وقرأ (ملك) : أبو هريرة وعاصم الجحدري انظر البحر المحيط ١ / ١٣٣.

(٤) أبو حيوة : شريح بن يزيد هو صاحب قراءة شاذّة ، ومقرئ الشام ، روى القراءة عن الكسائي (ت ٢٠٣ ه‍). ترجمته في غاية النهاية ١ / ٣٢٥.

(٥) انظر : إعراب ثلاثون سورة لابن خالويه ٢٣.

(٦) انظر البحر المحيط ١ / ١٣٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٦١ ، والكتاب ٢ / ٣٥٥ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣١١.

(٧) الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي ، عالم بالعربية ، بصري (ت ١٧٠ ه‍ أو ١٧٥ ه‍) ترجمته في : طبقات الزبيدي ٤٣ ، وإنباه الرواة ١ / ٣٤١.

١٩

وسيبويه إيّا ، والكاف موضع خفض وعند الكوفيين إيّاك اسم بكمالها ، وزعم الخليل رحمه‌الله أنه اسم مضمر. قال أبو العباس : هذا خطأ لا يضاف المضمر ولكنه مبهم مثل «كلّ» أضيف إلى ما بعده. (نَعْبُدُ) فعل مستقبل وهو مرفوع عند الخليل وعند سيبويه لمضارعته الأسماء ، وقال الكسائي : الفعل المستقبل مرفوع بالزوائد التي في أوله ، وقال الفراء : هو مرفوع بسلامته من الجوازم والنواصب. و (إِيَّاكَ) منصوب بنستعين عطف جملة على جملة ، وقرأ يحيى بن وثّاب (١) والأعمش (نَسْتَعِينُ) (٢) بكسر النون وهذه لغة تميم وأسد وقيس وربيعة ، فعل ذلك ليدلّ على أنه من استعون يستعين والأصل في «نستعين» نستعون قلبت حركة الواو على العين فلما انكسر ما قبل الواو صارت ياء والمصدر استعانة والأصل استعوان قلبت حركة الواو على العين فلما انفتح ما قبل الواو صارت ألفا ، ولا يلتقي ساكنان فحذفت الألف الثانية لأنها زائدة وقيل الأولى لأن الثانية لمعنى ولزمت الهاء عوضا.

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٦)

(إِنَّا هُدْنا) دعاء وطلب في موضع جزم عند الفراء (٣) ووقف عند البصريين ولذلك حذفت الياء والألف ألف وصل لأنّ أول المستقبل مفتوح ، وكسرتها لأنه من يهدي ، والنون والألف مفعول أول. و (الصِّراطَ) مفعول ثان. وجمعه في القليل أصرطة وفي الكثير صرط قال الأخفش : أهل الحجاز يؤنثون الصراط وقرأ ابن عباس (٤) السراط (٥) بالسين وبعض قيس يقولها بين الصاد والزاي ولا يجوز أن يجعل زايا إلّا أن تكون ساكنة قال قطرب (٦) : إذا كان بعد السين في نفس الكلمة طاء أو قاف أو خاء أو غين فلك أن تقلبها صادا. (الْمُسْتَقِيمَ) نعت للصراط.

(صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (٧)

(صِراطَ الَّذِينَ) بدل. و (الَّذِينَ) في موضع خفض بالإضافة وهو مبنيّ لئلا

__________________

(١) يحيى بن وثّاب الأسدي الكوفي ، تابعي ثقة ، روى عن ابن عباس وابن عمر (ت ١٠٣ ه‍). ترجمته في غاية النهاية ٢ / ٣٨٠.

(٢) وهذه قراءة عبيد بن عمير الليثي وزرّ بن جيش والنخعي أيضا ، انظر البحر المحيط ١ / ١٤١.

(٣) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٤٠٣ ، والإنصاف مسألة ٢١٤.

(٤) ابن عباس : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة. قرأ عليه مجاهد وسعيد ابن جبير (ت ٩٨ ه‍). ترجمته في غاية النهاية ١ / ٤٢٥.

(٥) انظر الحجة لابن خالويه ٣٨ ، والبحر المحيط ١ / ١٤٣.

(٦) قطرب : محمد بن المستنير ، أخذ عن سيبويه وعيسى بن عمر (ت ٢٠٦ ه‍). ترجمته في تاريخ بغداد ٣ / ٢٩٨ ، وطبقات النحويين ١٠٦.

٢٠