إعراب القرآن - ج ٥

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٥

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٠

١
٢

(٦٨)

شرح إعراب سورة ن (القلم)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (٢)

(ن) في هذه الكلمة نيف وثلاثون جوابا منها ستة معان وستّ قراءات في إحداهنّ ستة أجوبة. روى الحكم بن ظهير عن أبيه عن أبي هريرة قال :

الأرضون على نون ونون على الماء والماء على الصخرة والصخرة لها أربعة أركان على كلّ ركن منها ملك قائم في الماء. وروى يزيد عن عكرمة عن ابن عباس قال : المر وحم ون حروف الرحمن مقطّعة. وفي حديث معاوية بن قرّة عن أبيه مرفوعا قال : ن لوح من نور. وقال قتادة : نون الدواة. قال أبو جعفر : فهذه أربعة أقوال ، وقيل : التقدير وربّ نون ، وقيل : هو تنبيه كما تقدّم في «ألم». وأما القراءات فهي ستّ كما ذكرنا. قرأ أكثر الناس (ن وَالْقَلَمِ) (١) ببيان نون ، وقرئ بإخفائها ، وقرئ بإدغامها بغنّة وبغير غنّة ، وروي عن عيسى بن عمر أنه قرأ «ن والقلم» وقرأ ابن إسحاق «نون والقلم» بالخفض. فهذه ستّ قراءات ، في المنصوبة منها ستة أجوبة : منها أن تكون منصوبة بوقوع الفعل عليها أي أذكر نون. ولم تنصرف لأنها اسم للسورة ، وجواب ثان أن تكون لم تنصرف لأنها اسم أعجميّ هذان جوابان عن الأخفش سعيد ، وقول سيبويه (٢) إنها شبّهت بأين وكيف وقول الفراء (٣) إنها شبهت بثمّ ، وقيل : شبّهت بنون الجميع ، وقال أبو حاتم : حذفت منها واو القسم فانتصبت بإضمار فعل ، كما تقول : الله لقد كان كذا. قال أبو جعفر : فهذه ثمانية عشر جوابا. وفي إسكانها قولان فمذهب سيبويه (٤) أن حروف المعجم إنما سكّنت لأنها بعض حروف الأسماء فلم يجز إعرابها كما لا يعرب وسط الاسم ، وردّ عليه هذا القول بعض الكوفيين فقال : إذا قلت زاي فقد زدت على الحرف ألفا

__________________

(١) انظر تيسير الداني ص ١٤٨.

(٢) انظر الكتاب ٣ / ٢٨٦.

(٣) انظر معاني الفراء ١ / ٣٦٨.

(٤) انظر الكتاب ٣ / ٢٩٤.

٣

وياء ، وقال أصحّ من هذا قول الفراء (١) قال : لم تعرب حروف المعجم لأنك إنما أردت تعليم الهجاء. قال أبو جعفر : وهذا قول صحيح ؛ لأنك إذا أردت تعليم الهجاء لم يجز أن تزيد الإعراب فيزول ذلك عن معنى الهجاء إلا أن تنعت أو تعطف فتعرب. ومن بيّن النون قال : سبيل حروف الهجاء أن يوقف عليها ، وأيضا فإن النون بعيدة المخرج من الواو فأشبهت حروف الحلق ، ولهذا لم يقرأ أحد بتبيين النون في «كهيعص» لقرب الصاد من النون فأدغمها الكسائي ؛ لأنه بنى الكلام على الوصل ، ومن أدغم بغنّة أراد ألا يزيل رسم النون ، ومن حذف الغنة قال ؛ المدغم قد صار حكمه حكم ما أدغم فيه ، ومن قرأ «نون والقلم» كسر لالتقاء الساكنين. قال أبو حاتم : أضمر واو القسم. وإن جمعت نون قلت : نونات على أنه حرف هجاء ، فإن جمعته على أنه اسم للحوت قلت في الجمع الكثير : نينان ، وفي القليل : أنوان ، ويجوز نونة مثل كوز وكوزة (وَالْقَلَمِ) خفض بواو القسم ، وهو القلم الذي يكتب به غير أن التوقيف جاء أنه القلم الذي كتب به في اللّوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة روى ذلك القاسم بن أبي بزّة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ومعاوية بن قرّة عن أبيه يرفعه (وَما يَسْطُرُونَ) واو عطف لا واو قسم ، وما والفعل مصدر ، ويجوز أن يكون بمعنى الذي ، وجواب القسم (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) أي ما أنت بما أنعم الله عليك من العقل والفهم إذا كان أعقل أهل زمانه (بِمَجْنُونٍ) ، وهو المستور العقل. ومن هذا جنّ عليه الليل وأجنّه ، ومنه قيل : جنين وللقبر جنن وللترس مجنّ. قال عمر بن أبي ربيعة :] الطويل]

٤٩٦ ـ وكان مجنّي دون من كنت أتّقي

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر (٢)

وقيل : جنّ لأنهم مستترون عن أعين الناس مسموع من العرب على غير قياس : أجنّ فهو مجنون ، والقياس مجنّ. قال أبو جعفر : وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد أنه كان يذهب إلى القياس في هذا كأنه يقال : مجنون من جنّ.

(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) (٣)

(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) أي على أداء الرسالة (غَيْرَ مَمْنُونٍ) قيل : لا يمنّ به عليك وقيل: غير مقطوع.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ٣٦٨.

(٢) الشعر لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ١٠٠ ، والكتاب ٤ / ٤٥ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٤٨ ، والأغاني ١ / ٩٠ ، وأمالي الزجاجي ١١٨ ، والإنصاف ٢ / ٧٧٠ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٢٠ ، والخصائص ٢ / ٤١٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٧١ ، وشرح شواهد الإيضاح ٣١٣ ولسان العرب (شخص) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨٣ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٠٤ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٢٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٧٥ ، وشرح عمدة الحافظ ٥١٩ ، وعيون الأخبار ٢ / ١٧٤ ، والمقتضب ٢ / ١٤٨ ، والمقرّب ١ / ٣٠٧.

٤

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤)

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قال : على دين. قال أبو جعفر : فيكون هذا مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» (١) أي أحسنهم دينا وطريقة ومذهبا وطاعة. وسئلت عائشة رضي الله عنها ما الخلق العظيم الذي كان عليه؟ قالت : القرآن ، وقيل : هو ما كان فيه من البشاشة والسعي في قضاء حاجات الناس وإكرامهم والرفق بهم.

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (٦)

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) أي يوم القيامة. قال محمد بن يزيد : سألت أبا عثمان المازني عن هذا فقال : هذا التمام. وقال الأخفش : المعنى : فستبصر ويبصرون بأيكم الفتنة. وقال محمد بن يزيد : التقدير : بأيّكم فتنة المفتون. وقال الفراء (٢) : الباء بمعنى «في». قال أبو جعفر : فهذه أقوال النحويين مجموعة. ونذكر أقوال أهل التأويل. روى سفيان عن خصيف عن مجاهد (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) قال : بأيّكم المجنون. وقال الحسن والضحاك : بأيّكم الجنون ، وقول قتادة : أيّكم أولى بالشيطان. فهذه ثلاثة أقوال لأهل التأويل. فقول مجاهد تكون الباء فيه بمعنى «في» كما يقال : فلان بمكة وفي مكة والمعنى عليه فستعلم وسيعلمون في أي الفريقين المجنون الذي لا يتّبع الحقّ أفي فريقك أم في فريقهم. وعلى قول (٣) الحسن والضحاك فستعلم وسيعلمون بأيكم الفتنة. والمفتون بمعنى الفتنة والفتون ، كما يقال : ليس له معقول ولا معقود رأي. قال أبو جعفر : وهذا من أحسن ما قيل فيه ، وقول قتادة أن الباء زائدة.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٧)

أي هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله من كفار قريش. (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) بك وبمن اتّبعك.

(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (٩)

معطوف ، وليس بجواب ولو كان جوابا حذفت منه النون. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) قال يقول : لو ترخّص لهم فيرخّصون. والمعنى

__________________

(١) أخرجه أبو داود في سننه رقم (٤٦٨٢) ، وأحمد في مسنده ٢ / ٢٥٠ ، وذكره الحاكم في المستدرك ١ / ٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ٣٠٣ ، وابن حجر في المطالب العالية (٢٥٤١) ، وأبو نعيم في الحلية ٩ / ٢٤٨ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٣٢٦٤).

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٧٣.

(٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٠٣.

٥

على هذا : ودّوا لو تلين لهم فلا تنكر عليهم الكفر والمعاصي فيلينون لك وينافقونك ويجترءون على المعاصي ، وفي اللين في مثل هذا فساد الدين ، وهو مأخوذ من الدّهن شبّه التليّن به.

(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ) (١٠)

أي كل معروف بالحلف على الكذب فإذا كان كذلك كان مهينا عند الله جلّ وعزّ وعند المؤمنين. قال مجاهد : (مَهِينٍ) ضعيف. قال أبو جعفر : يكون مهين فعيل على بابه من هذا القول فيجوز أن يكون بمعنى مهان.

(هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (١١)

(هَمَّازٍ) من همزه إذا عابه وأصل الهمز الغمز. (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) «مشّاء» ممدود ، لأنها ألف بعدها همزة فالألف خفيّة والهمزة لبعد مخرجها تخفى فقوّيت بالمدة وكذا الواو إذا كان ما قبلها مضموما مثل السّوأى ، وكذلك الياء إذا كان ما قبلها مكسورا نحو : سيء بهم. هذا في المتصل ، فللنحويين فيه ثلاثة أقوال : منهم من قال : لا مدّ فيه إذا كان منفصلا ، ومنهم من قال : هو ممدود بمنزلة المتصل ، وإلى هذا كان يذهب أبو إسحاق ، ومنهم من قال : المدّ في المنفصل أولى منه في المتصل ليبيّن بالمد انفصال الحرف من الآخر نحو قوله جلّ وعزّ (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ)] البقرة : ٤] وكذا (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ)] يوسف : ٩٦] وفي الواو والياء (قُوا أَنْفُسَكُمْ)] التحريم : ٦] (وَفِي أَنْفُسِكُمْ)] الذاريات : ٢١] والقراء من أحوج الناس إلى معرفة هذا. وربما وقع الغلط فيه فكان ذلك لحنا فمن قرأ (دائِرَةُ السَّوْءِ)] التوبة : ٩٨] لم يجز له أن يمدّ هذا ؛ لأن الواو ما قبلها مفتوح ، ومن قرأ «دائرة السّوء» مدّ ؛ لأن الواو ما قبلها مضموم ، وإنما وجب هذا في الواو إذا انضمّ ما قبلها والياء إذا انكسر ما قبلها لأنهما أشبهتا الألف فصارتا حرفي مدّ ولين كالألف فوجب فيهما المد كما كان في الألف ولما انضمّ ما قبل الواو وانكسر ما قبل الياء فصارت الحركة التي قبلهما منهما ضعفتا فقوّيتا بالمدّة ومن قرأ (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا)] البقرة : ١٠٣] لم يجز له أن يمدّ هذا لانفتاح ما قبل الواو ، ويقال : إنّ أكثر من يغلط في هذا من القرّاء الذين يقرءون بقراءة حمزة. قال أبو جعفر : من قال : نميم قال : قد نمّ ثلاثة أنمة ، ومن قال : نميمة قال : نمائم.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) (١٢)

(مَنَّاعٍ) نعت وكذا (مُعْتَدٍ) ولو كانا منصوبين لجاز على النعت لكلّ أي معتد على الناس في معاملاتهم. (أَثِيمٍ) مخالف لربّه في أمره ونهيه ، كما قال قتادة : أثيم بربه.

٦

(عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (١٣)

(عُتُلٍ) قال أهل التأويل منهم أبو رزين والشعبي : العتلّ الشديد ، وقال الفراء : أي شديد الخصومة بالباطل ، وقال غيره : هو شديد الكفر الجافي وجمعه عتالّ. (بَعْدَ ذلِكَ) قيل: أي مع ذلك. (زَنِيمٍ) نعت أيضا.

(أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) (١٤)

(أَنْ) في موضع نصب أي بأن كان ، وقرأ الحسن وأبو جعفر وحمزة «أأن كان ذا مال وبنين» (١) قال أبو جعفر : هذا على التوبيخ أي الآن كان ذا مال وبنين يكفر أو تطيعه.

(إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٥)

استهزاء وإنكارا.

(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١٦)

قال أبو جعفر : قد ذكرنا فيه أقوالا منها ما رواه معمر عن قتادة قال : على أنفه ومما يذكره أن سعيدا روى عن قتادة (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١٦) قال شين لا يفارقه ، وهذا من أحسن ما قيل فيه أي سنبيّن أمره ونشهره حتى يتبيّن ذلك ويكون بمنزلة الموسوم على أنفه على أنه قد روي عن ابن عباس (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) قال : قاتل يوم بدر فضرب بسيف ضربة فكانت سمة له.

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) (١٧)

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ) أي تعبّدناهم بالشكر على النّعم وإعطاء الفقراء حقوقهم التي أوجبناها في أموالهم. (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ). قال ابن عباس : هم أهل كتاب (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها) أي ليجذنّها. والجذاذ القطع ومنه صرم فلان فينا وسيف صارم. (مُصْبِحِينَ) نصب على الحال. وأصبح دخل في الإصباح.

(وَلا يَسْتَثْنُونَ) (١٨)

ولا يقولون : إن شاء الله فذمّوا بهذا ؛ لأن الإنسان إذا قال : لأفعلنّ كذا لم يأمن أن يصرم عن ذلك فيكون كاذبا فعليه أن يقول إن شاء الله.

(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ) (١٩)

قيل : أرسلت عليها نار فأحرقت حروثهم. (وَهُمْ نائِمُونَ) في موضع الحال.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٣ (وهذه قراءة أبي بكر أيضا ، وقراءة ابن عامر بهمزة ومدّة ، وابن زكوان في المدّ ، والباقون بهمزة واحدة مفتوحة على الخبر).

٧

(فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠)

أي كالشيء المصروم المقطوع. وصريم بمعنى مصروم مثل قتيل بمعنى مقتول.

(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) (٢١)

نصب على الحال.

(أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) (٢٢)

(أَنِ) في موضع نصب أي بأن ، ويجوز أن يكون لا موضع لها تفسيرا (إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) كنتم في موضع جزم بالشرط استغني عن الجواب بما تقدّم ؛ لأنه فعل ماض.

(فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) (٢٣)

في موضع الحال.

(أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) (٢٤)

الجواب في (أَنْ) كما تقدّم وفي قراءة عبد الله بغير «أن» لأن معنى (يَتَخافَتُونَ) يقولون سرا.

(وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) (٢٥)

أصحّ ما قيل في معناه على قصد ، كما قال مجاهد : قد أسّسوا ذلك بينهم أي عملوه على قصد وتأسيس ومؤامرة بينهم قادرين عليه عند أنفسهم.

(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) (٢٦)

أي قد ضللنا الطريق ، وليست هذه جنّتنا لمّا رأوها محترقة.

(بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٢٧)

قيل : فقال من يعرفها ويعلم أنهم لم يضلّوا الطريق ، (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٢٧) أي حرمنا ثمارها لما فعلنا.

(قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) (٢٨)

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس (قالَ أَوْسَطُهُمْ) أي أعدلهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) أي هلّا.

(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٢٩)

٨

(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا) نصب على المصدر (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أي جعلنا الشيء في غير موضعه بمنعنا ما يجب علينا ، وكذا الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه.

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) (٣٠)

في موضع نصب على الحال. (٣١)

(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ)

(قالُوا يا وَيْلَنا) نداء مضاف والفائدة فيه أنّ معناه هذا وقت حضور الويل. (إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) أي في مخالفتنا أمر ربّنا وتجاوزنا إياه.

(عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) (٣٢)

وحكى سيبويه (١) ، أنّ من العرب من يحذف «أن» مع عسى تشبيها بلعل (إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) أي في أن يبدلنا خيرا منها.

(كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٣٣)

(كَذلِكَ الْعَذابُ) مبتدأ وخبره ، وكذا (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) وسمّيت آخرة لأنها آخرة بعد أولى وقيل : لتأخرها على الناس (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) «لو» لا يليها إلّا الفعل لشبهها بحروف الشرط.

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٣٤)

(جَنَّاتِ) نصب بإن وعلامة النصب كسرة التاء إلّا أنّ الأخفش كان يقول : هي مبنية غير معربة في موضع النصب.

(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (٣٥)

(كَالْمُجْرِمِينَ) الكاف في موضع نصب مفعول ثان.

(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٦)

(ما) في موضع رفع بالابتداء ، وهي اسم تام و (لَكُمْ) الخبر و (كَيْفَ) في موضع نصب بتحكمون.

(أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) (٣٧)

__________________

(١) انظر الكتاب ١ / ٩٢.

٩

أي هل لكم كتاب جاءكم من عند الله تدرسون فيه.

(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) (٣٩)

(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) (٣٨) أي لأنفسكم علينا. وكسرت «إن» لمجيء اللام بعدها ، وكذا (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي أم لكم أيمان حلفنا لكم بها منتهية إلى يوم القيامة إنّ لكم حكمكم. وفي قراءة الحسن «بالغة» (١) بالنصب. قال الفراء (٢) : على المصدر أي حقا ، وقال غيره : على الحال من المضمر الذي في علينا.

(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) (٤٠)

(زَعِيمٌ) أي ضمين.

(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) (٤١)

أي شركاء يعينونهم ويشهدون لهم.

(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) (٤٢)

(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) هذه القراءة التي عليها جماعة الحجة وما يروى من غيرها يقع فيه الاضطراب ، وكذا أكثر القراءات الخارجة عن الجماعة ، وإن وقعت في الأسانيد الصحاح إلا أنها من جهة الآحاد. فمن ذلك ما قرئ على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم قال : حدّثنا الفراء قال : حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قرأ «يوم تكشف عن ساق» (٣) يريد القيامة والساعة لشدّتها. قال أبو جعفر : وهذا إسناد مستقيم ثم وقع فيه ما ذكرناه ، كما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن أبي عبد الله المخزومي وجماعة من أصحاب سفيان قالوا : حدّثنا سفيان عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ «يوم نكشف عن ساق» بالنون. وروى سفيان الثوري عن سلمة كهيل عن أبي صادق عن ابن مسعود أنه قرأ : «يوم نكشف عن ساق» بالنون. وروى سفيان الثوري عن سلمة أيضا عن أبي الزعراء عن ابن مسعود أنه قرأ «يوم يكشف عن ساق» بفتح الياء وكسر الشين. والذي عليه أهل التفسير أن المعنى يوم يكشف عن شدّة. وذلك معروف في كلام العرب ، ويجوز أن يكون المعنى يوم يكشف الناس عن

__________________

(١) وهذه قراءة زيد بن علي أيضا ، انظر البحر المحيط ٨ / ٣٠٨.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٧٦.

(٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٠٩ (قرأ الجمهور «يكشف» بالياء مبنيا للمفعول ، وقرأ عبد الله بن أبي عبلة بفتح الياء مبنيا للفاعل ، وابن عباس وابن مسعود وابن هرمز بالنون ، وابن عباس «يكشف» بفتح الياء مبنيا للفاعل وعنه أيضا بالياء مضمومة).

١٠

سوقهم لشدّة ما هم فيه ، ذلك مستعمل في كلام العرب ، وساق مؤنّثة تصغّر بالهاء. (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) قيل : إنما يدعون إلى السجود ليوبّخوا بذلك فيقال لهم : قد دعيتم إلى السجود الذي ينفعكم في الدنيا فأبيتم فهلمّ فاسجدوا الساعة لأنها ليست دار محنة ولا ينفع فيها السجود فيكون المعنى على هذا وهم لا يستطيعون أن يسجدوا سجودا ينتفعون به ، وقيل : بل تجفّ أصلابهم عقوبة فلا يستطيعون السجود.

(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) (٤٣)

(خاشِعَةً) نصب على الحال. (أَبْصارُهُمْ) رفع بالخشوع ، ويجوز رفعهما جميعا على المبتدأ وخبره. (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) في موضع نصب أيضا على الحال ، ويجوز قطعه من الأول. (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) أي في الدنيا.

(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٤٤)

(مَنْ) في موضع نصب عطف ، وإن شئت كان مفعولا معه (الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) في معناه قولان : أحدهما سنمتّعهم ونوسع عليهم في الدنيا حتى يتوهموا أن لهم خيرا ويغتروا بما هم فيه من النعمة والسّرور فنأخذهم بغتة كما روى أبو موسى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله عزوجل ليمهل الظّالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) (١) وقيل : سنستدرجهم من قبورهم إلى النار.

(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٤٥)

(وَأُمْلِي لَهُمْ) بإسكان الياء والأصل ضمها ؛ لأنه فعل مستقبل فحذفت الضمة لثقلها. (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) أي قوي شديد.

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) (٤٦)

وقراءة نافع بضم الميم الأولى وإسكان الثّانية. قال أبو جعفر : جاء بالأولى على الأصل فاختار هذا لأنها إذا لقيت ألف وصل ضمّت لا غير فأجرى ألف القطع مجراها ، وقيل : جاءباللغتين جميعا كما قرأ (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا)] الشورى : ٢٨] وقرأ : (لا تَقْنَطُوا)] الزمر : ٥٣] وقل من يحتجّ له من أصحابه أو غيرهم.

(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) (٤٧)

__________________

(١) ذكره البغوي في شرح السنة ١٤ / ٣٥٨ ، والبيهقي في الأسماء والصفات ٤١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال (٢١٣٩٨) ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٦٥.

١١

قال أبو جعفر : وهذه الآية من أشكل ما في السورة وتحصيل معناها فيما قيل والله أعلم : أم عندهم اللوح المحفوظ الذي فيه الغيوب كلها فهم يكتبون منه ما يجادلونك به ويدّعون أنهم مع كفرهم بالله جلّ وعزّ وردّهم عليك بعد البراهين خير منك وأنهم على الحقّ.

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (٤٨)

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي اصبر على أداء الرسالة واحتمل أذاهم ولا تستعجل لهم العذاب (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) في ما عمله من خروجه عن قومه وغمّه بتأخر العذاب عنهم (إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس (وَهُوَ مَكْظُومٌ) قال : مغموم. قال أبو جعفر : والمكظوم في كلام العرب الذي قد اغتمّ لا يجد من يتفرّج إليه فقد كظم غيظه أي أخفاه.

(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) (٤٩)

(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وفي قراءة ابن مسعود «لو لا أن تداركته» (١) على تأنيث النعمة والتذكير : لأنه تأنيث غير حقيقي وروي عن الأعرج «لو لا أن تدّاركه» بتشديد الدال ، والأصل تتداركه أدغمت التاء في الدال. (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) في موضع نصب على الحال.

(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٥٠)

قيل : المعنى فوصفه جلّ وعزّ أنه من الصالحين. وقد حكى سيبويه جعل بمعنى وصف ، وقيل : (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) وفّقه الله تعالى لطاعته حتى صلح.

(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (٥١)

الكوفيون يقولون : (إِنْ) بمعنى «ما» واللام بمعنى إلّا ، والبصريون يقولون : هي إن المشدّدة لما خفّفت وقع بعدها الفعل ولزمته لام التوكيد ليفرق بين النّفي والإيجاب. وذكر بعض النحويين الكوفيين أن هذا من إصابة العين ، واستجهله بعض العلماء وقال : إنما كانوا يقولون : إنّا نصيب بالعين ما نستحسنه ونتعجّب من جودته. وهذا ليس من ذاك إنّما كانوا ينظرون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نظر الإبغاض والنفور. فالمعنى على هذا أنهم لحدّة نظرهم إليه يكادون يزيلونه من مكانه. يقال: أزلق

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٣١١ (قرأ الجمهور «تداركه» ماضيا ولم تلحقه علامة التأنيث ، وقرأ عبد الله وابن عباس «تداركته» بتاء التأنيث ، وابن هرمز والحسن والأعمش بشدّ الدال).

١٢

الحجّام الشّعر وزلّفه إذا حلقه ، وقد قرئ (لَيُزْلِقُونَكَ) (١) من أزلق وزلق أي باللغتين جميعا.

(وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٥٢)

مبتدأ وخبره ، والضمير يعود على الذكر المتقدّم.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٣ ، والبحر المحيط ٨ / ٣١١.

١٣

(٦٩)

شرح إعراب سورة الحاقة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَاقَّةُ) (١)

رفع بالابتداء.

(مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (٣)

(مَا الْحَاقَّةُ) (٢) مبتدأ وخبره وهما خبر عن الحاقة ، وفيه معنى التعظيم. والتقدير : الحاقة ما هي؟ إلا أن إعادة الاسم أفخم ، وكذا (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (٣).

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) (٤)

(عادٌ) منوّن لخفته و (ثَمُودُ) لا ينوّن على أنه اسم للقبيلة ، وينوّن على أنه اسم للحي. قال قتادة : بالقارعة أي بالساعة. قال غيره : لأنها تقرع قلوب الناس بهجومها عليهم.

(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) (٦)

وقال قتادة : بعث الله جلّ وعزّ عليهم صيحة فأهدتهم ، وقيل : فأهلكوا بالطغيان ، وقيل: بالجماعة الطاغية. قال أبو جعفر : وقول قتادة أصحّها أخبر الله بالمعنى الذي أهلكهم به لا بالسبب الذي أهلكهم من أجله كما أخبر في قصة عاد فقال جلّ ثناؤه : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) قال قتادة : أي باردة ، وقال غيره : أي شديد الصوت (عاتِيَةٍ) زائدة على مقدار هبوبها.

(سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٧)

(وَثَمانِيَةَ) أنثت الهاء في ثمانية ، وحذفت من سبع فرقا بين المذكر والمؤنّث

١٤

(حُسُوماً) أصحّ ما قيل فيه متتابعة لصحّته عن ابن مسعود وابن عباس ، «وحسوم» نعت ومن قال : معناه أتباع جعله مصدرا (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) في موضع نصب على الحال. (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ) قال قتادة : أصول النخل ، وقال غيره : كأنهم أسافل النخل قد تأكّلت وخوت وتبدّدت (خاوِيَةٍ) على تأنيث النخل.

(فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) (٨)

أي من جماعة باقية ، وقيل : من بقاء.

(وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ) (٩)

(وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) (١) قراءة الحسن وأبي رجاء وعاصم الجحدري وأبي عمرو والكسائي ، وهو اختيار أبي عبيد ، وقراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وابن كثير والأعمش وحمزة (وَمَنْ قَبْلَهُ) وهما منصوبان على الظرف قال الحسن : «ومن قبله» ومن معه. ورد أبو عبيد على من قرأ «ومن قبله» لأنه قد كان فيهم مؤمنون. قال أبو جعفر : وهذا لا يلزم لأنه قد عرف المعنى بقوله جلّ وعزّ (وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ).

(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) (١٠)

نعت أي زائدة.

(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) (١١)

مجاز لأن الجارية سفينة نوح صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمخاطبون بهذا إنما حمل أجدادهم فيها فكانوا بمنزلة من حمل معهم.

(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١٢)

(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً) قال قتادة : بقيت السفينة عظة وآية وتذكرة حتى راها أوائل هذه الأمة. (وَتَعِيَها) أي التذكرة ، ويروى عن عاصم أنه قرأ «وتعيّها» (٢) وهو لحن لأنه من وعى يعي ، وعن طلحة أنه قرأ : «وتعيها» بإسكان العين حذف الكسرة لثقلها ، وهو مثل (أَرِنِي)] البقرة ٢٦٠ والأعراف : ١٤٣] . (أُذُنٌ واعِيَةٌ) ويقال : أذن وهي مؤنثة تصغيرها أذينة.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٣.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٣١٧ ، وتيسير الداني ١٧٣.

١٥

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) (١٣)

(نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) لمّا نعت المصدر حسن رفعه ، ولو كان غير منعوت كان منصوبا لا غير.

(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) (١٤)

لأنهما جمعان ، ولو قيل : فدككن أو فدكّت في الكلام لجاز.

(فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (١٥)

العامل في الظرف وقعت.

(وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) (١٦)

مبتدأ وخبره.

(وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (١٧)

(وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) أي على أرجاء السماء والرجا الناحية مقصور يكتب بالألف ، والرجاء من الأمل ممدود ، (وَالْمَلَكُ) بمعنى الملائكة يدلّك على ذلك (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) روى السديّ عن أبي مالك عن ابن عباس قال : ثمانية صفوف لا يعلم عددهم إلّا الله جلّ وعزّ ، وكذا قال الضحاك ، وقال ابن إسحاق وابن زيد : ثمانية أملاك وهم اليوم أربعة.

(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) (١٨)

على تأنيث اللفظ ، وقراءة الكوفيين «يخفى» (١) لأنه تأنيث غير حقيقي ، وقد فصل بينه وبين فعله.

(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٢١)

(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ).

رفع بالابتداء ، وخبره (فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) قال بعض أهل اللغة : الأصل هاكم ثم أبدل من الكاف. وروى ابن طلحة عن ابن عباس (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٢٠) قال : أيقنت. (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٢١) على النسب أي ذات رضىّ.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٣ ، والبحر المحيط ٨ / ٣١٨ (قرأ الجمهور «لا تخفى» بتاء التأنيث وعلي وابن وثاء وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وغيرهم بالياء).

١٦

(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) (٢٢)

بدل بإعادة الحرف.

(قُطُوفُها دانِيَةٌ) (٢٣)

روى شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال : يأكل من فواكهها وهو قائم.

(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) (٢٤)

وهي أيام الدنيا من «خلا» إذا مضى.

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) (٢٥)

ومن العرب من يقول : ليتني فيحذف النون كما يحذفها في «إن».

(وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) (٢٦)

بإثبات الهاء في الوقف ، وكذا ما لبيان الحركة وإثباتها في الوصل لحن لا يجوز عند أحد من أهل العربية علمته. ومن اتّبع السواد وأراد السلامة من اللّحن وقف عليها فكان مصيبا من الجهتين.

(يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) (٢٨)

(يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) اسم كان فيها مضمر ، والتاء ليست باسم إنما هي علامة للتأنيث.

(ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) «ما» في موضع نصب بأغنى ، ويجوز أن تكون نافية لا موضع لها.

(هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩)) (١)

كما تقدّم في حسابيه.

(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) (٣١)

(ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) (٣١) ويجوز إثبات الواو على الأصل ومن حذفها فلسكون الواو ، والهاء ليست بحاجز حصين (٢).

(ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٣٤)

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٤.

(٢) الرجز لحميد الأرقط في شرح شواهد الإيضاح ٣٤١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٠٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٨٦ ، وبلا نسبة في ديوان الأدب ١ / ١١٨ ، وإصلاح المنطق ص ٣١٠ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٨٦ ، ـ

١٧

الذراع مؤنثة كما قال :

٤٩٧ ـ وهي ثلاث أذرع وإصبع (١)

وحكى الفراء (٢) : إن بعض عكل يذكّرها ، وقد حكى ذلك غيره. (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) (٣٣) في موضع نصب ، ورفع لأنه فعل مستقبل وكذا (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٣٤).

(فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) (٣٥)

قال أبو زيد : الحميم القريب في كلام العرب.

(وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ) (٣٦)

يجوز أن يكون استثناء من الأول.

(لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ) (٣٧)

وقراءة موسى بن طلحة (إِلَّا الْخاطِؤُنَ) على إبدال الهمزة وهي لغة شاذة.

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ) (٣٩)

(وَما لا تُبْصِرُونَ) (٣٩) «لا» زائدة للتوكيد.

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (٤٠)

قيل : هو مجاز لأنه سمعه منه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٤٢)

نصب (قَلِيلاً) لأنه نعت لمصدر أو لظرف وكذا. (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ).

(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٣)

__________________

ـ وجمهرة اللغة ١٣١٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٢١٤ ، والمخصّص ١ / ١٦٧ ، ومقاييس اللغة ١ / ٢٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٧٦ ، والخصائص ٢ / ٣٠٧ ، ولسان العرب (ذرع) و (فرع) و (رمى) ، وأدب الكاتب ٥٠٧ ، والأزهيّة ٢٧٦ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٢١٩ وقبله :

«ما لك لا ترمي وأنت أنزع

أرمي عليها وهي فرع أجمع»

(١) انظر المذكر والمؤنّث للفراء ٧٧.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٢١ ، والمحتسب ٢ / ٣٢٩.

١٨

على إضمار مبتدأ.

(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) (٤٤)

أي من الباطل.

(لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (٤٥)

في معناه قولان : أحدهما بالقوة ، والآخر : أهنّاه كما تقول : خذ بيده فأقمه.

(ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٤٦)

فأخبر الله جلّ وعزّ بحكمه في أوليائه ومن يعز عليه ليعتبر غيرهم.

(فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (٤٧)

نعت لأحد على المعنى.

(وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (٤٨)

قال قتادة : القرآن.

(وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) (٤٩)

اسم «أنّ».

(وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) (٥٠)

أي يتحسرون يوم القيامة على تركهم الإيمان به.

(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) (٥١)

أي محضه وخالصه. والكوفيون يقولون : هذا إضافة الشيء إلى نفسه.

(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٥٢)

أي نزّهه وبرّئه مما نسب إليه من الأنداد والأولاد والشّبه «العظيم» الذي كلّ شيء صغير دونه.

١٩

(٧٠)

شرح إعراب سورة سأل سائل (المعارج)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (١)

(سَأَلَ سائِلٌ) هذه قراءة أهل الكوفة وأهل البصرة يهمزها جميعا ، وقرأ أبو جعفر والأعرج ونافع (سَأَلَ سائِلٌ) (١) الأول بغير همز والثاني مهموز ، وهذه القراءة لها وجهان : أحدهما أن يكون «سال» من السيل أي انصبّ ، والآخر أن يقال : سال بمعنى سأل لا أنه منه لأن هذا ليس بتخفيف الهمز لو كان منه إنما يكون على البدل من الهمز ، وذلك بعيد شاذّ. قال أبو جعفر : ورأيت علي بن سليمان يذهب إلى أنه من الهمز ، وإنه إنما غلط فيه على نافع وإنه إنما كان يأتي بالهمزة بين بين. قال أبو جعفر : وهذا تأويل بعيد وتغليط لكل من روى عن نافع ، والقول فيه أن سيبويه حكى : سلت أسأل بمعنى سألت فالأصل في سال سول فلما تحركت الواو وتحرك ما قبلها قلبت ألفا ، ومثله خفت. وسائل مهموز على أصله إن كان من سأل وإن كان من سال فالأصل في ساول فاعل فقلبت الواو ألفا وقبلها ألف ساكنة ولا يلتقي ساكنان فأبدل من الألف همزة مثل صائم وخائف (بِعَذابٍ واقِعٍ).

(لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) (٢)

(لِلْكافِرينَ) قول الفراء (٢) أن التقدير بعذاب للكافرين ، ولا يجوز عنده أن يكون للكافرين متعلقا بواقع. قال أبو جعفر : وظاهر القرآن على غير ما قال وأهل التأويل على غير قوله. قال مجاهد : وواقع في الآخرة ، وقال الحسن : أنزل الله جلّ وعزّ : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) فقالوا لمن هو على من يقع؟ فأنزل الله تعالى : (لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ).

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٢٦ ، وتيسير الداني ١٧٤.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٨٣.

٢٠