إعراب القرآن - ج ٥

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٥

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٠

(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) (١٢)

أي كما بطش بأصحاب الأخدود تحذيرا منه عقابه.

(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (١٤)

(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) (١٣) في معناه قولان قال ابن زيد : يبتدئ خلق الخلق ثم يعيدهم يوم القيامة ، وعن ابن عباس يبدئ العذاب في الدنيا ثم يعيده عليهم في الآخرة. قال أبو جعفر : وهذا أشبه بالمعنى ؛ لأن سياق القصة أنهم أحرقوا في الدنيا ولهم عذاب جهنم فإن قيل : كيف يوافق هذا الحديث من عوقب في الدنيا فإن الله أكرم من أن يعيد عليه العقوبة؟ فالجواب عن هذا أنه ينقص من عقوبته يوم القيامة بمقدار ما لحقه في الدنيا لا أنّ الكلّ يزال عنه يوم القيامة ، ويدلّ على ذلك الجواب المروي عن ابن عباس أن بعده (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (١٤) مبتدأ وخبره.

(ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) (١٥) (١)

بالرفع قراءة أبي جعفر ونافع وابن كثير وأبي عمرو وعاصم ، وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) بالخفض فبعض النحويين يستبعد الخفض لأن المجيد معروف من صفات الله جلّ وعزّ فلا يجوز الجواب في كتاب الله بل على مذهب سيبويه (٢) لا يجوز في كلام ولا شعر وإنما هو غلط في قولهم : هذا جحر ضبّ خرب ، ونظيره في الغلط الإقواء ، ولكن القراءة بالخفض جائزة على غير الجوار على أن يكون التقدير إنّ بطش ربك (الْمَجِيدُ) نعت.

(فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٦) يكون خبرا بعد خبر كما حكى سيبويه (٣) : هذا حلو حامض ، ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ ولا يكون نعتا لأنه نكرة : ولكن يجوز أن يكون بدلا أيضا.

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) (١٧)

أي الذين تجنّدوا على عصيان الله جلّ وعزّ والردّ على رسله.

(فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) (١٨) بدل.

(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) (١٩) مبتدأ وخبره ، وكذا (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) (٢٠) وكذا (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ)(٢١)

(فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢)

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٩.

(٢) انظر الكتاب ١ / ٥٠٠.

(٣) انظر الكتاب ١ / ٥٠٠.

١٢١

بالخفض قراءة أبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو وعاصم ويحيى وحمزة والكسائي ، وهو المعروف في الحديث والروايات إنه اللوح المحفوظ أي المحفوظ من أن يزاد فيه أو ينقص منه مما رسمه الله فيه ، وقرأ نافع وابن محيصن (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (١) بالرفع على أنه نعت لقرآن أي بل هو قرآن مجيد محفوظ من أن يغير ويزاد فيه أو ينقص منه قد حفظه الله جلّ وعزّ من هذه الأشياء. فقد صحّت القراءة أيضا بالرفع ولهذا قال كثير من العلماء : من زعم أن القرآن قد بقي شيء منه فهو رادّ على الله كافر بذلك ، والنص الذي لا اختلاف فيه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)] الحجر : ٩] فنظير هذا «محفوظ» بالرفع.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٤٦.

١٢٢

(٨٦)

شرح إعراب سورة الطارق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) (١)

(وَالسَّماءِ) خفض بواو القسم. (وَالطَّارِقِ) عطف عليها من قولهم طرق طروقا إذا أتى ليلا.

(وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ) (٣)

(النَّجْمُ) بمعنى هو النجم الثاقب ، ويجوز أن يكون (الثَّاقِبُ) نعتا للطارق ، وأصحّ ما قيل في معنى الثاقب ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس الثاقب قال : يقول : المضيء ، وحكى الفراء : ثقب أي ارتفع وأنه زحل ، قيل له : الثاقب لارتفاعه ، وقال غيره : لطلوعه من المشرق كأنه يثقب موضعه.

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٤)

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا (١) عَلَيْها حافِظٌ) قراءة أبي عمرو ونافع والكسائي ، وقرأ أبو جعفر والحسن (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٤) قال أبو جعفر : القراءة الأولى بيّنة في العربية تكون ما زائدة و «إن» مخففة من الثقيلة هذا مذهب سيبويه ، وهو جواب القسم ، والقراءة الثانية تكون «لمّا» بمعنى إلا عليها. قال أبو جعفر : حكى سيبويه (٢) ، أقسمت عليك لمّا فعلت ، بمعنى ألا فعلت.

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) (٥)

من نظر القلب والأصل فلينظر حذفت الكسرة لثقلها وجزم الفعل ؛ بلام الأمر وكسرت الراء لالتقاء الساكنين. (مِمَّ خُلِقَ) الأصل مما حذفت الألف لأنها استفهام ، وتم الكلام.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٨٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٤٨.

(٢) انظر الكتاب ٣ / ١٢٢.

١٢٣

(خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (٦)

قال أبو جعفر : قول الكسائي والفراء أن معنى دافق مدفوق قال : وأهل الحجاز أفعل الناس لهذا يأتون بفاعل بمعنى مفعول إذا كان نعتا مثل «ماء دافق» وسرّ كاتم أي مكتوم. قال أبو جعفر : فاعل بمعنى مفعول فيه بطلان البيان ، ولا يصح ولا ينقاس ، ولو جاز هذا لجاز ضارب بمعنى مضروب ، والقول عند البصريين أنه على النسب ، كما قال :] الطويل]

٥٥٥ ـ كليني لهم يا أميمة ناصب (١)

وكما قال :] الطويل]

 ٥٥٦ ـ وليس بذي سيف فيقتلني به

وليس بذي رمح وليس بنبّال (٢)

(يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) (٧)

وقرأ عيسى (مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ) وحكى الأصمعي : الصّلب بمعنى الصلب. (وَالتَّرائِبِ) جمع تربية ، ويقال : تريب واختلف العلماء في معناه فمن أصح ما قيل فيه ما رواه عطيّة عن ابن عباس قال : الترائب موضع القلادة ، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الترائب بين ثدي المرأة ، وقال سعيد بن جبير : الترائب الأضلاع إلى أسفل الصلب وقال مجاهد : ما بين المنكبين والصدر ، وقال الضحاك : الترائب اليدان والرجلان والعينان ، وقال قتادة : الترائب نحو الصلب وروى الليث بن سعد عن معمر بن أبي حبيبة قال : الترائب غضارة القلب ومنه يكون الولد ، قال أبو جعفر : هذه الأقوال ليست بمتناقضة ؛ لأنه يروى أن الماء يخرج من البدن كلّه حتى من كل شعره إلا أن القول الأول مستعمل في كلام العرب كما قال :] الوافر]

 ٥٥٧ ـ ومن ذهب يلوح على تريب

كلون العاج ليس بذي غضون (٣)

وكما قال :] الطويل]

٥٥٨ ـ مهفهفة بيضاء غير مفاضة

ترائبها مصقولة كالسّجنجل (٤)

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٢٢٦).

(٢) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ٣٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٣ / ٢٢١ ، والكتاب ٣ / ٤٢٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤١ ، وشرح المفصّل ٦ / ١٤ ، ولسان العرب (نبل) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٤٠ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٧٤٥ ، ومغني اللبيب ١ / ١١١ ، والمقتضب ٣ / ١٦٢.

(٣) الشاهد للمثقب العبد في شعره ص ٣٢ ، وديوان المفضليات ٥٧٩ ، وتفسير الطبري ٣٠ / ١٤٥.

(٤) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٥ ، ولسان العرب (سجل) ، وتهذيب اللغة ٥ / ٣٧٧ ، وتاج العروس (ترب) و (فيض) ، و (هفف) ، و (سجل) وبلا نسبة في لسان العرب (ترب) و (هفف) وديوان الأدب ٢ / ٨٦.

١٢٤

وزعم الفراء (١) أن معنى بين الصلب والترائب من الصلب والترائب لا يجعل بين زائدة ولكن كما يقول : فلان هالك بين هذين.

(إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) (٨)

اختلف العلماء في هذا الضمير. فمن أصحّ ما قيل فيه قول قتادة قال : على بعثه وإعادته فالضمير على هذا للإنسان. قال أبو جعفر : وقرئ على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد عن مندل بن علي عن ليث عن مجاهد (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) قال على ردّ الماء في الإحليل. وهو مذهب ابن زيد قال ؛ على رجعه لقادر على حبسه حتى لا يخرج. هذان قولان ، وعن الضحاك كمعناهما ، وعنه قول ثالث : على رجعه لقادر قال : على رجعه بعد الكبر إلى الشباب وبعد الشباب إلى الصبا وبعد الصبا إلى النطفة. قال أبو جعفر : والقول الأول أبينهما واختاره محمد بن جرير غير أنه احتجّ بحجة لتقويته هي خطأ في العربية. زعم أن قوله تعالى : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) من صلة رجعه يقدره أنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر. قال أبو جعفر : وهذا غلط ، ولو كان كذا لدخل في صلته رجعه ولفرقت بين الصلة والموصول بخبر «إن» ، وذلك غير جائز ولكن يعمل في «يوم» ناصر.

(يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) (١٠)

أي تختبر وتظهر. قيل : يعني الصلاة والصيام وغسل الجنابة.

(فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ) قال قتادة : من قوة تمنعه من الله عزوجل : (وَلا ناصِرٍ) ينصره منه ، وقال الثوري : (مِنْ قُوَّةٍ) من عشيرة (وَلا ناصِرٍ) حليف.

(وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) (١١)

قال أبو جعفر : أهل التفسير على أنه المطر لأنه يرجع كل عام إلا ابن زيد فإنه قال : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) شمسها وقمرها ونجومها. وجمع رجع رجعان سماع من العرب على غير قياس ، ولو قيس لقيل أرجع ورجوع.

(وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) (١٢)

لأنها تصدع بالنبات.

(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) (١٤) جواب القسم الثاني أي ذو فصل وكذا (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) (١٤).

(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) (١٥) أي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمؤمنين.

(وَأَكِيدُ كَيْداً) (١٦) أمهلهم.

(فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (١٧) نعت لمصدر أي إمهالا رويدا. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس «رويدا» قال : يقول : قريبا ، وقال الحسن : قليلا.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٥٥.

١٢٥

(٨٧)

شرح إعراب سورة سبّح (الأعلى)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١)

قال الفراء (١) : سبّح اسم ربك وسبّح باسم ربّك كلّ صواب. قال أبو جعفر : إن كان قدّر هذا على حذف الباء فلا يجوز : مررت زيدا ، وإن كان قدّره مما يتعدّى بحرف وغير حرف فالمعنى واحد فليس كذلك ؛ لأن معنى سبّح باسم ربّك ليكن تسبيحك باسم ربّك وقد تكلّم العلماء في معنى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) بأجوبة كلّها مخالف لمعنى ما فيه الباء. فمنهم من قال : معناه نزّه اسم ربك الأعلى وعظّمه عن أن تنسبه إلى ما نسبه إليه المشركون ؛ لأنه الأعلى أي القاهر لكلّ شيء أي العالي عليه ، ومنهم من قال : أي لا تقل العزّى لأنها مشتقّة من العزيز ، ولا اللات لأنهم اشتقوا من قولهم الله ، ومنهم من قال : معنى سبّح اسم ربّك أي اذكر اسم ربك وأنت معظم له خاشع متذلّل ومنهم من قال معناه سبح اسم ربّك في صلاتك متخشعا مشغولا بها. قال أبو جعفر : والجواب الأول أبينها كما قرئ على محمد بن جعفر عن يوسف بن موسى عن وكيع ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) قال : سبحان ربي الأعلى. (الْأَعْلَى) في موضع خفض نعت لربك أو لاسم ، والأولى أن يكون نعتا لما عليه.

(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (٢)

(الَّذِي خَلَقَ) في موضع جرّ نعت للأعلى وإن شئت لربك ، وجاز أن ينعت النعت ، لأنه المنعوت في المعنى وعلى هذا جاز : يا يزيد الكريم ذو الجمّة. ومعنى (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) الذي خلق الخلق فعدّل خلقه فصار كلّه حسنا في المفعول.

(وَالَّذِي قَدَّرَ) (٢) أي قدر صورهم وأرزاقهم وأعمالهم (فَهَدى) قيل : فبيّن لهم ،

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٥٦.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٥٣ (وقرأ الكسائي «قدر» مخفّف الدال من القدرة).

١٢٦

وقيل : المعنى : فهدى وأضل ، وقيل : فهداهم إلى مصالحهم.

(وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) (٤)

في موضع خفض عطف والمرعى ما تأكله البهائم.

(فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (٥)

مفعولان وفيه قولان : أحدهما والذي أخرج المرعى أحوى أي أخضر يضرب إلى السواد فجعله غثاء ، والقول الآخر والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أسود. وهذا أولى بالصواب ، وإنما يقع التقديم والتأخير إذا لم يصحّ المعنى على غيره ولا سيما وقد روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس فجعله غثاء أحوى يقول : هشيما متغيّرا.

(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٦)

فيه قولان أحدهما فلا تترك ، والآخر أن يكون من النسيان. فهذا أولى ؛ لأن عليه أهل التأويل. قال مجاهد : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في نفسه لئلا ينسى ، وقال عبد الله بن وهب : حدّثني مالك بن أنس في قوله (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) قال : تحفظ «إلّا ما شاء الله» والمعنى في القولين جميعا فليس تنسى ، وهو خبر وليس بنهي ، ولا يجوز عند أكبر أهل اللغة أن ينهى إنسان عن أن ينسى ؛ لأن النسيان ليس إليه.

(إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) (٧)

(إِلَّا ما شاءَ اللهُ) في موضع نصب على الاستثناء ، وفي معناه أقوال فعلى الجواب الأول لست تترك شيئا مما أمرك الله به إلا ما شاء الله جلّ وعزّ أن ننسخه فيأمرك بتركه فتتركه ، وقيل : فلست تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه ولا يشاء الله أن تنسى منه شيئا. وهذا قول الفراء وشبهه بقوله (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ)] هود : ١٠٧] وقيل المعنى فلست تنسى إلا ما شاء الله مما يلحق الآدميين ، وقيل : لست تنسى إلا ما شاء الله أن يرفعه ويرفع تلاوته فهذه أربعة أجوبة ، وجواب خامس أن يكون المعنى فجعله غثاء أحوى إلا ما شاء الله والله أعلم بما أراده. (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ) أي ما ظهر وعلن (وَما يَخْفى) ما كتم وما ستر أي فلا تعملوا بمعاصيه فإنه يعلم ما ظهر وما بطن.

(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) (٨) أي للحال اليسرى.

(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (٩)

فيه قولان أحدهما فذكّر في كل حال إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع مثل (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)] النحل : ٨١] والجواب الآخر أن الذكرى تنفع بكلّ حال فيكون المعنى كما تقول : فذكّر إن كنت تفعل ما أمرت به.

١٢٧

(سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) (١٠) قال الحسين بن واقد : هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) (١١) قال : عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف.

(الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) (١٢)

قال : جهنم ، وقال الفراء : السفلى من أطباق النار.

(ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (١٣)

في معناه أقوال : قيل : نفوس أهل النار في حلوقهم لا تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها من أجسادهم فيحيوا ، وقيل : لا يموتون فيستريحوا ولا يحيون حياة ينتفعون بها ، وقيل : هو من قول العرب إذا كان في شدة شديدة ليس بحيّ ولا ميت كما قال :] الخفيف]

٥٥٩ ـ ليس من مات فاستراح بميت

إنّما الميت ميّت الأحياء (١)

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (١٤)

في معناه قولان : روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : من تزكّى من الشرك أي تطهر ، وقال الحسن (٢) : من تزكى من كان عمله زاكيا والقول الآخر عن قتادة قال : من تزكّى أدّى زكاة ماله.

(وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (١٥)

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال وحده قال : (فَصَلَّى) يقول : فصلى الصلوات الخمس ، وقال غيره صلّى هاهنا دعا ، والصواب عند محمد بن جرير أن يكون المعنى صلّى فذكر اسم ربّه في صلاته بالتحميد والتمجيد. قال أبو جعفر : وهذا غلط على قول أهل العربية لأنه جعل ما قبل الفاء بعدها ، وهذا عكس ما قاله النحويون ، والصواب قول ابن عباس.

(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (١٦)

وإن شئت أدغمت اللام في التاء ، وفي قراءة أبيّ «بل أنتم تؤثرون الحياة الدنيا» (٣) وهذه قراءة على التفسير وقرأ أبو عمرو «بل يؤثرون» بالياء على أنه مردود على الأشقى.

(وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٧) مبتدأ وخبره.

(إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) (١٨)

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٣٥٢).

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٥٤.

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٥٧ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥٥.

١٢٨

في معناه ثلاثة أقوال : أحدها أن قوله جلّ وعزّ والآخرة خير وأبقى في الصحف الأولى ، وهذا كأنه مذهب قتادة ، وقيل الفلاح لمن تزكى وذكر اسم ربه فصلى في الصحف الأولى ، والقول الثالث أنه يعني به السورة كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى عن وكيع عن شريك عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سبّح اسم ربّك الأعلى من صحف إبراهيم وموسى والله أعلم بما أراد إلا أن قول قتادة حسن لأنه لما يليه ، وسبيل الشيء أن يكون لما يليه إلّا أن تأتي حجة قاطعة تغير ذلك.

(صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (١٩) على البدل والصحيفة الكتاب.

١٢٩

(٨٨)

شرح إعراب سورة الغاشية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) (١)

أهل التفسير على أن معنى حديث وخبر واحد ، ودلّ هذا على أن معنى حدثنا وأخبرنا واحد ، ويدلّ على هذا (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها)] الزلزلة : ٤] ؛ لأن معنى تحدّث وتخبّر واحد. ولأهل التأويل في الغاشية قولان : روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الغاشية من أسماء يوم القيامة ، وقال سعيد بن جبير : الغاشية النار. قال أبو جعفر : والقولان متقاربان لأن القيامة تغشى الناس بأهوالها والنار في القيامة تغشى الناس بما فيها.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) (٣)

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) (٢) مبتدأ وخبره. قال قتادة : خاشعة في النار يعني ذليلة. واختلف أهل التأويل في قوله جلّ وعزّ : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) (٣) فمنهم من قال : عاملة ناصبة في الدنيا ، وهذا يتأول ؛ لأنه قول عمر رضي الله عنه وتقديره في العربية وجوه يومئذ خاشعة وتمّ الكلام ثم قال : عاملة أي هي في الدنيا «عاملة ناصبة» ، ويجوز أن يكون التقدير : وجوه عاملة ناصبة يومئذ خاشعة أي يوم القيامة (خاشِعَةٌ) خبر الابتداء ، وجاز أن يبدأ بنكرة لأن المعنى للكفار وإن كان الخبر جرى عن الوجوه ، وقال عكرمة : عاملة في الدنيا بمعاصي الله جلّ وعزّ ناصبة في النار. التقدير على هذا أن يكون التمام عاملة. وقول الحسن وقتادة إن هذه الوجوه في القيامة خاشعة عاملة ناصبة وإنها لما لم تعمل في الدنيا أعملها الله في النار وأنصبها. فعلى هذا يكون عاملة ناصبة من نعت خاشعة أو يكون خبرا ، وهو جواب حسن لأنه لا يحتاج فيه إلى إضمار ولا تقديم ولا تأخير.

(تَصْلى ناراً حامِيَةً) (٤)

١٣٠

قراءة الجماعة إلا أبا عمرو فإنه قرأ (تَصْلى) (١) لا نعلم غيره قرأ به واحتجّ بتسقى والمعنيان واحد ؛ لأنها تصلى فتصلي.

(تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) (٥)

قال عطاء : قد انتهى حرّها ، وقال ابن زيد : آنية حاضرة. قال أبو جعفر. والمعروف القول الأول وآنية هاهنا مخالفة للتقدير لقوله : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ)] الإنسان : ١٥] وإن كان اللفظ بها واحدا ؛ لأن بآنية الألف الثانية فيها بدل من الهمزة والألف في غير الآنية زائدة ، ووزنها فاعلة ووزن تلك أفعلة.

(لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ) (٦)

اختلف أهل التأويل في تفسير الضريع فروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الضريع شجر من نار ، وقال ابن زيد : الضريع الشوك من النار. وهو عند العرب شوك يابس لا ورق فيه وعن عكرمة الضريع الحجارة. وعن الحسن قولان : أحدهما الضريع الزقوم ، والآخر أن الضريع الذي يضرع ويذلّ من أكله لمرارته وخشونته. قال أبو جعفر : وهذا القول جامع للأقوال كلها وقد قال عطاء : الضريع الشبرق. قال أبو جعفر : وهذا القول الذي حكاه أهل اللغة. الشبرق : شجر كثير الشوك تعافه الإبل.

(لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) (٧)

أي لا يشبع.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) (٨)

مبتدأ وخبره ، وجاء بغير واو ولو كان بالواو كان عطف جملة على جملة.

(لِسَعْيِها راضِيَةٌ) (٩)

قال أبو جعفر : يكون التقدير : بثواب عملها راضية يجوز النصب في راضية.

(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) (١٠) أي بستان رفيع.

(لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) (١١)

قال أبو جعفر : فيها أربع قراءات (٢) إحداها شاذة وأربعة أقوال أحدها شاذ. قرأ

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٨٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥٧.

(٢) انظر تيسير الداني ١٨٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥٨.

١٣١

ابن كثير ونافع (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) بالتاء ورفع لاغية وقرأ ابن محيصن «لا يسمع فيها لاغية» بالياء والرفع وقرأ أبو جعفر وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) بفتح التاء ، والقراءة الشاذة (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) بمعنى لا تسمع الوجوه فيها والمراد أصحابها ، وقد تقدم ذكر الوجوه والقراءة الأولى أجمعها للمعاني ، والقراءة الثانية بالتذكير لأن لاغية ولغوا واحد ، والقراءة الثالثة لا تسمع الوجوه والأقوال الأربعة منها عن ابن عباس لاغية أذى وباطل ، وقال مجاهد : لاغية شتم ، وقال قتادة لاغية باطل وتأثم ، وقال أبو جعفر : وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعاني أي كله لغو باطل ، وقيل : لاغية على المجاز : قال الأخفش سعيد : كما قال الحطيئة :] مجزوء الكامل]

٥٦٠ ـ وغررتني وزعمت أنّ

ك لابن بالصّيف تامر (١)

وقال الفراء (٢) لاغية أي حالفا بكذب. قال أبو جعفر : وهذا القول شاذ لأنه خارج عن قول أهل التفسير ولا يطلق لأحد أن يخرج عن جملتهم في ما قالوه وإن كان قوله محتملا.

(فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) (١٢)

العين مؤنّثة ، وقد حكى تذكيرها ، كما قال :] البسيط]

٥٦١ ـ والعين بالإثمد الحاريّ مكحول (٣)

ولا يعرف الأصمعي في العين إلا التأنيث. قال أبو جعفر : وهو الصحيح ، وفي هذا البيت قولان : قال محمد بن يزيد : ما لم يكن فيه علامة التأنيث وكان غير حقيقي التأنيث فلك تذكيره نحو : هذا نار وذاك دار ، وأما الأصمعي فقال : مكحول للحاجب لأنه قد تقدّم ذكره.

(فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) (١٣)

أي لينظروا إلى الله من فوق سريره إلى ما خوّله الله جلّ وعزّ من نعمه.

__________________

(١) الشاهد للحطيئة في ديوانه ٣٣ ، والكتاب ٣ / ٤٢٠ ، وأدب الكاتب ٣٢٧ ، والخصائص ٣ / ٢٨٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٣٠ ، وشرح المفصّل ٦ / ١٣ ، ولسان العرب (لبن) ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٧٢ ، والصاحبي في فقه اللغة ١٨١.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٥٧.

(٣) الشاهد لطفيل الغنويّ في ديوانه ص ٥٥ ، والكتاب ٢ / ٤٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٨٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ٣٤٢ ، ولسان العرب (صرخد) ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ٢ / ٦٦٩ ، وشرح المفصّل ١ / ١٨ ، ولسان العرب (هجج) ، وصدره :

«إذ هي أحوى من الرّبعيّ حاجبه»

١٣٢

(وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) (١٤) قيل : على جوانب العين مملوءة.

(وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) (١٥) أي بعضها إلى جنب بعض.

(وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧)

(وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (١٦) الواحد زريبة. قال الفراء (١) : هي الطنافس التي لها خمل ، قال: مبثوثة كثيرة. (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧) في معناها قولان : أحدهما أنها السحاب والصحيح أنها الجمال وذلك المعروف في كلام العرب. قال قتادة : لمّا نعت الله نعيم الجنة عجب أهل الضلالة من ذلك فأنزل الله جلّ وعزّ : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧) وكانت الإبل من عيش العرب ومرجوّهم. قال أبو جعفر : المعنى : أفلا يفكرون فيعلموا أن من خلق هذه الأشياء قادر على خلق ما يريد.

(وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) (١٨)

أي كيف رفعت فوقهم بغير عمد يرونها ليستدلّوا على عظيم قدرته.

(وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) (١٩) أي أقيمت منتصبة لا تسقط.

(وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (٢٠) قال قتادة : بسطت.

(فَذَكِّرْ) وحذف المفعول لعلم السامع أي فذكّر عبادي حججي وآياتي (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) أي ليس عليك إلا التذكير.

(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (٢٢) (٢)

قال ابن زيد : أي لست تردّهم إلى الإيمان ، وعن ابن عباس بمسيطر بجبار ... قال أبو جعفر : أصله السين مشتق من السطر ؛ لأن معنى السطر هو الّذي لا يخرج عن الشيء قد منع من ذلك. ويقال : تسيطر إذا تسلّط وتبدل من السين صاد ؛ لأن بعدها طاء ، وقيل : إنها منسوخة بقوله جلّ وعزّ : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)] التوبة : ٥] ، وقيل : ليست منسوخة لأنهم إذا أظهروا الإسلام تركوا على جملتهم ولم يتسلّط عليهم كما قرئ على أحمد بن شعيب عن عمرو بن منصور عن أبي نعيم عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابهم على الله» ثم تلا (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (٢٢) بمسيطر» (٣).

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٥٨.

(٢) انظر تيسير الداني ١٨٠.

(٣) أخرجه البخاري في صحيحه ١ / ١٣ ، ومسلم في الإيمان ٣٢ ، ٣٣ ، والنسائي في سننه ٧ / ٧٧ ، والترمذي في سننه (٢٦٠٦) ، وأحمد في مسنده ١ / ١١ ، ١٩.

١٣٣

(إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) (٢٣)

(إِلَّا مَنْ تَوَلَّى) في موضع نصب استثناء ليس من الأول أي لكن من تولى وأعرض عن ذكر الله (وَكَفَرَ) يعذّبه الله ويجوز أن يكون في موضع نصب استثناء من المفعول المحذوف أي فذكر عبادي إلا من تولّى وكفر كما تقول : عظ الناس إلا من تولّى عنك ولم يقبل منك ، ويجوز أن يكون استثناء بمعنى أنت مذكّر الناس إلا من تولّى ، وقول رابع أن يكون من في موضع خفض على البدل من الهاء والميم في عليهم.

(فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) (٢٤) وهو عذاب جهنّم.

(إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) (٢٥)

وقرأ أبو جعفر (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) بالتشديد ، وقيل : هو لحن لأنه من آب يئوب فلو كان مشددا كان إوّابهم وكان يكون إيوابهم كما يقال : ديوان الأصل دوّان فالدليل على ذلك قولهم في الجمع دواوين.

(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (٢٦)

أي حسابهم على كفرهم ليجازيهم على ذلك.

١٣٤

(٨٩)

شرح إعراب سورة الفجر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْفَجْرِ) (١)

خفض بواو القسم وعن ابن عباس في معناه ثلاثة أقوال : منها أنه فجر السنة المحرّم ، وإنه النهار ، وأنه صلاة الفجر ، وأما مسروق فقال : هو فجركم هذا ، قال : واختلف العلماء في الفجر فأهل الكوفة يقولون : هو البياض ، وأهل المدينة يقولون : هو الحمرة ، وقد حكي عن العرب : ثوب مشفق ومشفّق أي مصبوغ بالحمرة.

(وَلَيالٍ) عطف والأصل فيها ليالي ولو جاء على الأصل لقلت : وليالي يا هذا ، لا ينصرف كما قال الشاعر :] الرجز]

٥٦٢ ـ قد عجبت منّي ومن يعيليا (١)

فكره أن يختلف المعتلّ فجيء بالتنوين بعد أن حذفت الياء عوضا منها ، وقيل : من الحركة (عَشْرٍ) نعت لليال.

(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) (٣)

قراءة (٢) أبي جعفر وشيبة ونافع وابن كثير وأبي عمرو وعاصم ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قال أبو جعفر : هو اختيار أبي عبيد واحتجّ بأشياء منها أنه الأكثر في عادة الناس وأنّ المحدّثين كذا يقولونه. قال أبو جعفر : لو قال قائل : الأكثر في عادة الناس الفتح لكان أشبه وإن كان له حجة في كليهما ولا في

__________________

(١) الرجز للفرزدق في الدرر ١ / ١٠٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٢٨ ، وبلا نسبة في الكتاب ٣ / ٣٤٨ ، والخصائص ١ / ٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٤١ ، ولسان العرب (علا) و (قلا) ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ١١٤ ، والمقتضب ١ / ١٤٢ ، والممتع في التصريف ٢ / ٥٥٧ ، والمنصف ٢ / ٦٨ ، وهمع الهوامع ١ / ٣٦.

(٢) انظر تيسير الداني ١٨٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٣.

١٣٥

قول المحدثين ؛ لأن المحدث لا يضبط مثل هذا ، ولا يحتاج إلى ضبطه. ولو قال قائل : إنّ الفتح أولى لأن قبله والشفع وهو مفتوح لكان قد قال قولا يشبه الاحتجاجات ، ولكنهما لغتان حسنتان كما قرئ على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل بن إسحاق قال : قرأت على أبي عثمان المازني وأبي إسحاق الزيادي عن الأصمعي قال : كل فرد وتر أهل الحجاز يفتحون الوتر ويكسرون الوتر من الذّحل ، ومن تحتهم من قيس وتميم يسوّون بينهما. قال أبو جعفر : وقد بيّن الأصمعي أنهما لغتان وفي حديث عمر وابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الذي تفوته صلاة العصر كأنّما وتر أهله وماله» (١) يجوز أن يكون مشتقا من الوتر وهو الذحل فيكون المعنى فكأنما سلب أهله وماله بما فاته من الفضل بأن فاتته صلاة. يقال : وتره يتره وترا وترة إذا سلبه ، والاسم الوتر ، ويجوز أن يكون مشتقا من الوتر أي الفرد فيكون المعنى كأنما نقص أهله وماله أي بقي فردا. وخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة العصر بهذا في ما قيل لأنها كانت وقت أشغالهم ومبايعاتهم فكان حضورها يصعب عليهم وقال : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)] البقرة : ٢٣٨] الصحيح أنها صلاة العصر وذلك موافق للحديث.

(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (٤)

والأصل يسري حذفت الياء في الخط لأنها رأس آية ، ومن أثبتها في الإدراج جاء بها على الأصل وحذفت في الوقف اتّباعا للمصحف الذي لا يحلّ خلافه ، وحسن ذلك لأن كل ما يوقف عليه يسقط إعرابه ومن حسن ما قيل في معنى يسري أنه إذا أقبل عند إدبار النهار.

(هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (٥)

قيل : أي مقنع. ومن حسن ما قيل فيه أن المعنى هل في ذلك مما يقسم به أهل العقل تعظيما لما أقيم به وتوكيدا لما أقسم عليه ، واستدلّ بعض العلماء بهذا وبتعظيمه على أن المعنى وربّ الفجر ؛ لأن أهل العقل والإيمان لا يقيمون إلا بالله جلّ وعزّ ، وقد حظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول أحد والكعبة بل خبر عن الله جلّ وعزّ كما روى عمر وابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» (٢) قال عمر فما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا. وفي حديث آخر «من حلف بغير الله فقد أشرك» (٣) وفي آخر «فقد كفر». قال أبو جعفر : قوله فما حلفت بها كناية عن

__________________

(١) مرّ تخريجه في إعراب الآية ٣٥ ـ محمد.

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ٨ / ٣٣ ، ومسلم في الإيمان ١ ، ٣ ، والترمذي في سننه (١٥٣٤) ، وأحمد في مسنده ١ / ١٨.

(٣) مرّ تخريجه في إعراب الآية ٤ ـ الأحقاف.

١٣٦

اليمين ولم يتقدّم لها ذكر لعلم السامع ، وقوله ذاكرا أي قائلا كما يقال : ذكر لي فلان كذا ، ولا آثرا أي مخبرا ومعنى «من حلف بغير الله فقد أشرك» فعل فعل المشركين. وكذا فقد كفر. فهذا قول ، وقيل : فقد أشرك فقد جعل لله شريكا في التعظيم ، وقيل : معنى «فقد كفر» فقد غطّى وستر أمر الله لأنه أمر أن لا يحلف إلّا بالله.

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) (٧)

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) (٦) (١) صرف عادا جعله اسما للحقّ ، وقراءة الضحاك (بِعادٍ) بغير صرف جعله اسما للقبيلة ، وفي قراءة الحسن (بِعادٍ إِرَمَ) أضاف عاد إلى (إِرَمَ) ولم يصرف إرم. وهذه الآية مشكلة على كثير من أهل العربية يقول كثير من الناس إنّ إرم اسم موضع فكيف يكون نعتا لعاد أو بدلا منه؟ ويقال : كيف صرف عاد ولم يصرف إرم؟ فقد زعم محمد بن كعب القرطبيّ أن إرم الإسكندرية ، وقال المقبريّ : إرم دمشق وكذا قال مالك بن أنس بلغني أنها دمشق رواه عنه ابن وهب ، وقال مجاهد : إرم القديمة ، وقد روي عنه غير هذا ، وعن ابن عباس إرم الهالك ، وعن قتادة إرم القبيلة. قال أبو جعفر : والكلام في هذا من جهة العربية أن أبين ما فيه قول قتادة : إن ارم قبيل من عاد فأما أن يكون إرم الإسكندرية أو دمشق فبعيد لقول الله تعالى : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ)] الأحقاف : ٢١] والحقف ما التوى من الرمل ، وليس كذا دمشق ولا الإسكندرية. وقد قيل (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) مدينة عظيمة موجودة في هذا الوقت فإن صحّ هذا فتلخيصه في النحو (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) صاحبة إرم مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)] يوسف : ٨٢] (ذاتِ الْعِمادِ) نعت لعاد على معنى القبيلة أو لأرم وكذا.

(الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) (٨)

وفي قراءة ابن الزبير (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) أي لم يخلق ربّك مثل عاد في البلدان على عظم أجسادهم وقوتهم فلم يغن ذلك عنهم شيئا لمّا خالفوا أمر الله جلّ وعزّ فأهلكهم.

«وثمود» في موضع خفض ، والتقدير وبثمود لم ينصرف لأنه اسم للقبيلة ، ومن صرفه جعله اسما للحي ، ومن خفضه بغير تنوين حذف التنوين لالتقاء الساكنين «الذين» في موضع خفض على النعت ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى أعني ، وفي موضع رفع بمعنى هم الذين جابوا الصخر بالوادي. وجابوا من ذوات الواو جاب

__________________

(١) انظر القراءات في البحر المحيط ٨ / ٤٦٤ ، والمحتسب ٢ / ٣٥٩ ، والإتحاف ٢٧٠.

١٣٧

الشيء يجوبه إذا قطعه ودخل فيه ، وحذفت الياء من الواو لأنه رأس آية والكسرة تدل عليها.

(وَفِرْعَوْنَ) في موضع خفض ، والمعنى وبفرعون ، ولم ينصرف لأنه اسم أعجمي (ذِي الْأَوْتادِ) من نعته وعن ابن عباس (ذِي الْأَوْتادِ) ذي الجنود. قال أبو جعفر : قد ذكرنا فيه غير هذا أي ذي الجنود الكثيرة المحتاجة لضرب الأوتاد في أسفارها.

(الَّذِينَ طَغَوْا) أي تجاوزوا أمر الله جلّ وعزّ في البلاد أي الذين كانوا فيه.

(فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) (١٢)

على تأنيث الجماعة يكون جمع بلد ، والتذكير جائز يراد به الجمع أو الواحد.

(فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (١٣)

ويجوز بالصاد لأن بعد السين طاء.

(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١٤)

من أحسن ما قيل فيه إنه مجاز أي يرصد أعمال العباد أي لا يفوته شيء ، وقال سفيان : المرصاد القنطرة الثالثة من جهنم.

(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) (١٥)

(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) أي اختبره (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) في معنى هذا وما بعده قولان : أحدهما وهو قول قتادة أن الإنسان إذا أنعم الله عليه ووسع قال : أكرمني ربّي بهذا فإذا ضيق عليه رزقه قال : أهانني فزجر الله الإنسان عن هذا وعرفه أنه ليس التوسيع عليه من إكرامه ولا التضييق عليه من إهانته. قال قتادة : وإنما إكرامه إياه بطاعته وإهانته إليه بمعصيته ، والقول الآخر إن الإنسان إذا واسع الله عليه حمد الله جلّ وعزّ فإذا ضيّق عليه لم يحمده فزجره الله ، لأنه يجب أن يحمده في الحالين ، والزجر في قوله : (كَلَّا) ويدلّ على صحة الجواب الأول ما بعد الآية (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) وما بعده أي فبهذا الإهانة وبضدّه الكرامة.

(وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (١٨) (١)

حذف المفعول لعلم السامع أي ولا تحضّون الناس ، ومن قرأ (تَحَاضُّونَ) قدّره بمعنى تتحاضون ، حذفت إحدى التائين كما قال (وَلا تَفَرَّقُوا)] آل عمران : ١٠٣] .

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٨٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٦.

١٣٨

(وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) (١٩)

التاء مبدلة من الواو ؛ لأنها أقرب الزوائد إليها (أَكْلاً) مصدر (لَمًّا) من نعته. قال الفراء (١) : شديدا.

(وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) (٢١)

قال : كثيرا. قال أبو جعفر (كَلَّا) تماما في كلّ القرآن قال : المعنى : لا ينبغي أن يكونوا هكذا وانزجروا عن هذا الفعل. (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا) عن ابن عباس أي حرّكت وهو مصدر مؤكّد ، وكذا الذي بعده.

(وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢٢)

(وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا) يعني الملائكة (صَفًّا صَفًّا) مصدر في موضع الحال.

(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) (٢٣)

(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) في موضع اسم ما لم يسمّ فاعله ، ويجوز أن يكون الاسم المصدر (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) ويجوز إدغام التاء في الذال (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) قال الضحاك التوبة ، وقيل: المعنى من أيّ جهة له منفعة الذّكرى.

(يَقُولُ يا لَيْتَنِي) ومن العرب من يقول : ليتي يشبّهه بأنّي. قال الضحاك : (قَدَّمْتُ لِحَياتِي) في الآخرة. قال الحسن : علم أنّ ثمّ حياة لا نفاذ لها.

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) (٢٥)

هذه قراءة أبي عبد الرّحمن السلمي والحسن وأبي جعفر وشيبة ونافع وابن كثير وأبي عمرو وعاصم والأعمش وحمزة. وهي القراءة التي قامت بها الحجة من جهة الإجماع وقرأ الكسائي (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) (٢) قال : وهذا اختيار أبي عبيد ، واحتج بحجتين واهيتين إحداهما الحديث زعم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال أبو جعفر : والحديث لا يصحّ سنده حدّثناه محمد بن الوليد عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال : ثنا هشام وعبّاد بن عبّاد عن خالد عن أبي قلابة عمن أقرأه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ. وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) بفتح الذال والثاء. قال أبو جعفر : وهذا الحديث بيّن ؛ لأنه إذا وقع في الحديث مجهول لم يحتجّ به في غير القرآن فكيف في كتاب الله ومعارضته الجماعة الذين قراءتهم عن النبي؟ وحجته الأخرى

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٦٢.

(٢) انظر تيسير الداني ١٨٠.

١٣٩

أنه قد علم المسلمون أنه ليس أحد يوم القيامة يعذّب إلا الله فكيف يكون لا يعذّب أحد عذابه ، هذه حجّته. قال أبو جعفر : وأغفل ما قاله العلماء في تأويل الآية ؛ لأنهم قالوا ، منهم الحسن : لا يعذّب أحد في الدنيا بمثل عذاب الله يوم القيامة. وتأوّل أبو عبيد معنى (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) لا يعذّب عذاب الكافر أحد. وخولف أيضا في هذا التأويل ، وممن خالفه الفراء (١) ذهب إلى أن المعنى : لا يعذّب أحد في الدنيا مثل عذاب الله في الآخرة ، وفيه قول ثالث أنه يراد به رجل بعينه.

(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (٢٧)

ويجوز يا أيّها لإبهام أيّ (النَّفْسُ) نعت لأيّ و (الْمُطْمَئِنَّةُ) نعت للنفس فإن جعلتها نعتا لأي جاز نصبها ، لأن قد تمّ الكلام كما تقول : يا زيد الكريم أقبل. والمعنى المطمئنة بوعد الله جلّ وعزّ ووعيده.

(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) (٢٨)

(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) في معناه قولان قال سعيد بن جبير : إلى جسدك فالمعنى على هذا أن النفس خوطبت. قال الضحاك : إلى الله فالمعنى على هذا أن المخاطبة للإنسان وإليه يذهب الفراء ، وإلى أنّ المعنى أنّ الملائكة تقول لهم إذا أعطوا كتبهم بأيمانهم هذا أي ارجعي إلى ثواب ربك.

(فَادْخُلِي فِي عِبادِي) (٢٩) أي في عبادي الصالحين أي كوني معهم. قال الفراء (٢) : وقرأ ابن عباس وحده «فادخلي في عبدي» (٣). قال أبو جعفر : وهذا غلط : أعني قوله وحده ، هذه قراءة مجاهد وعكرمة وأبي جعفر والضحاك. وتقديرها في العربية على معنى الجنس أي لتدخل كلّ روح في عبد وقيل : هو واحد يدلّ على جمع وعلامة الجزم في ادخلي عند الكوفيين حذف النون ، والبصريون يقولون : ليس بمعرب لأنه غير مضارع ولا عامل معه فيجزمه ، وزعم الفراء أن العامل فيه اللام وهي محذوفة.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٦٢.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٦٣.

(٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٦٧.

١٤٠