إعراب القرآن - ج ٢

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣١١

١
٢

(٦)

شرح إعراب سورة الأنعام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) ابتداء وخبر. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا بأكثر من هذا في «أمّ القرآن» والمعنى: قولوا الحمد لله. (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) نعت. (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) بمعنى خلق فإذا كانت جعل بمعنى خلق لم تتعدّ إلا إلى مفعول واحد. (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ابتداء وخبر ومن العرب من يقول : الذون والمعنى ثم الذين كفروا يجعلون لله عزوجل عدلا وشريكا وهو خلق هذه الأشياء وحده.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (٢)

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) ابتداء وخبر وفي معناه قولان : أحدهما هو الذي خلق أصلكم يعني آدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والآخر تكون النطفة خلقها الله جلّ وعزّ من طين على الحقيقة ثم قلبها حتى كان الإنسان منها. (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) مفعول. (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) ابتداء وخبر. وقال الضحّاك : قضى أجلا يعني أجل الموت و (أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) أجل القيامة فالمعنى على هذا أحكم أجلا وأعلمكم أنكم تقيمون إلى الموت ولم يعلمكم بأجل القيامة وقيل : قضى أجلا ما أعلمناه من أنه لا نبيّ بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) أمر الآخرة ، وقيل : قضى أجلا ما نعرفه من أوقات الأهلّة والزروع وما أشبههما ، وأجل مسمّى أجل الموت لا يعلم الإنسان متى يموت. (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) ابتداء وخبر أي تشكّون في أنه إله واحد وقيل : تمارون في ذلك.

(وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) (٣)

(وَهُوَ اللهُ) ابتداء وخبر. قال أبو جعفر : وقد ذكرناه ومن أحسن ما قيل فيه : أنّ المعنى : وهو الله يعلم سرّكم وجهركم في السموات وفي الأرض. (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) (ما) في موضع نصب يعلم.

٣

(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) (٤)

(ما) نفي ، وليست بشرط فلذلك ثبتت الياء في تأتيهم وإعراضهم عنها كفرهم بها.

(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٦)

(كم) في موضع نصب بأهلكنا ولا يعمل فيه يروا وإنما يعمل في الاستفهام ما بعده. (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) ولم يقل «لهم» لأنه جاء على تحويل المخاطبة. (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) على الحال. (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) مفعولان.

(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧)

ويقال قرطاس. (فَلَمَسُوهُ) عطف ، وجواب لو (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).

(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (٨)

(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) بمعنى هلّا. (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) اسم ما لم يسم فاعله.

(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٩)

(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) أي لو أنزلنا إليهم ملكا على هيئته لم يروه فإذا جعلناه رجلا التبس عليهم أيضا ما يلبسون على أنفسهم فكانوا يقولون : هذا ساحر مثلك وقال أبو إسحاق : كانوا يقولون لضعفتهم : إنما محمد بشر وليس بينه وبينكم فرق فيلبسون عليهم بهذا ويشكّكونهم فأعلم الله جل وعز أنه لو أنزل ملكا في صورة رجل لوجدوا سبيلا إلى اللّبس كما يفعلون.

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١٠)

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ) بكسر الدال وضمّها لالتقاء الساكنين ، الكسر الأصل ، والضم لأن بعد الساكن ضمة. (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي عقابه.

(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٢)

(كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) قال الفراء : إن شئت كان هذا تمام الكلام ثم استأنفت (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) وإن شئت كان في موضع نصب. (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) قال الأخفش : إن شئت كان (الَّذِينَ) في موضع نصب على البدل من الكاف والميم ، وزعم أبو العباس أن هذا القول خطأ لأنه لا يبدل من المخاطب ، ولا المخاطب ، لا يقال مررت

٤

بك زيد ولا مررت بي زيد ، لأن هذا لا يشكل فيبيّن ، وقيل : «الذين» نداء مفرد ، وقيل قول ثالث وهو أجودها يكون الذين في موضع رفع بالابتداء وخبره (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٤)

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) مفعولان. (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) نعت وأجاز الأخفش الرفع على إضمار مبتدأ. قال أبو إسحاق : ويجوز النصب على المدح ، وقال الفراء (٢) : على القطع. (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) وهي قراءة العامة وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) (٣).

(مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) (١٦)

(مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ) قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وقرأ الكوفيون (مَنْ يُصْرَفْ) (٤) بفتح الياء وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد ، وعلى قول سيبويه الاختيار «من يصرف» بضم الياء لأن سيبويه قال : وكلّما قلّ الإضمار كان أولى. فإذا قرأ من يصرف بفتح الياء فتقديره من يصرف الله عنه العذاب وإذا قرأ من يصرف فتقديره من يصرف عنه العذاب. (وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) ابتداء وخبر.

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (١٩)

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) ابتداء وخبر. (شَهادَةً) على البيان ، والمعنى أيّ شيء من الأشياء أكبر شهادة حتى استشهد به عليكم. (قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ابتداء وخبر (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا) اسم ما لم يسم فاعله. (الْقُرْآنُ) نعت له. (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) نصب بلام كي. (وَمَنْ بَلَغَ) في موضع نصب عطف على الكاف والميم. وفي معناه قولان أحدهما وأنذر من بلغه القرآن ، والآخر ومن بلغ الحلم ودلّ بهذا على أنّ من لم يبلغ الحلم ليس بمخاطب ولا متعبّد. (أَإِنَّكُمْ) بهمزتين على الأصل وإن خففت الثانية قلت : أينّكم وروى الأصمعي عن أبي عمرو ونافع أاإنكم وهذه لغة معروفة يجعل بين الهمزتين ألف كراهة لالتقائهما. (وَإِنَّنِي) على الأصل ويجوز وإني على الحذف (بَرِيءٌ) خبر «إن».

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٤ / ٩٠.

(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٣٢٨.

(٣) انظر البحر المحيط ٤ / ٩١.

(٤) انظر تيسير الداني ٨٤ ، والبحر المحيط ٤ / ٩١ وهي قراءة أبي بكر وحمزة والكسائي.

٥

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٠)

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) في موضع رفع بالابتداء. (يَعْرِفُونَهُ) في موضع الخبر.

(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في موضع رفع نعت للذين الأول ، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢١)

(وَمَنْ أَظْلَمُ) ابتداء وخبر.

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢٣)

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ).

أي اختبارهم يقرأ على خمسة أوجه : قرأ حمزة الكسائي ثم لم يكن (١) بالياء. (فِتْنَتُهُمْ) نصب وهذه قراءة بيّنة لأنّ : (أَنْ قالُوا) اسم «يكن» ولفظه مذكّر «فتنتهم» خبر ، وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بن العلاء (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) (٢) بالتاء ، (فِتْنَتُهُمْ) نصب أنّث «أن قالوا» عند سيبويه ، لأنّ «أن قالوا» هو الفتنة ، ونظيره عند سيبويه (٣) قول العرب : ما جاءت حاجتك ، وقراءة الحسن تلتقطه بعض السيّارة [يوسف : ١٠] وأنشد سيبويه : [الطويل]

١٣٠ ـ وتشرق بالقول الذي قد أذعته

كما شرقت صدر القناة من الدّم (٤)

وقال غير سيبويه : جعل «أن قالوا» بمعنى المقالة وقرأ عبد الله بن مسعود وأبيّ ابن كعب وما كان فتنتهم إلّا أن قالوا (٥) وقرأ الأعرج ومسلم بن جندب وابن كثير وعبد الله بن عامر الشامي وعاصم من رواية حفص والأعمش من رواية المفضل والحسن وقتادة وعيسى بن عمر. (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) بالتاء (فِتْنَتُهُمْ) بالرفع اسم تكن والخبر (إِلَّا أَنْ قالُوا) فهذه أربع قراءات والخامسة ثم لم يكن بالياء. (فتنتهم) (٦) بالرفع يذكر الفتنة لأنها بمعنى الفتون ومثله فمن (جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة : ٢٧٥].

(وَاللهِ) خفض بواو القسم وهي بدل من الباء لقربها منها. (رَبِّنا) نعت ومن نصب

__________________

(١) انظر تيسير الداني ٨٤.

(٢) انظر تيسير الداني ٨٤.

(٣) انظر الكتاب ١ / ٩٢.

(٤) الشاهد للأعشى في ديوانه ص ١٧٣ ، والكتاب ١ / ٩٣ ، والأزهية ٢٣٨ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٥٥ وخزانة الأدب ٥ / ١٠٦ ، والدرر ٥ / ١٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤ ، ولسان العرب (صدر) و (شرق) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٧٨ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٠٥ ، والخصائص ٢ / ٤١٧ ، والمقتضب ٤ / ١٩٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤٩.

(٥) انظر البحر المحيط ٤ / ٩٩.

(٦) انظر البحر المحيط ٤ / ٩٩ ، ومختصر ابن خالويه ٣٦.

٦

فعلى النداء أي يا ربّنا وهي قراءة حسنة لأن فيها معنى الاستكانة والتضرّع.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٥)

(أَنْ يَفْقَهُوهُ) في موضع نصب أي كراهة أن يفقهوه. (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) عطف يقال : وقرت أذنه بفتح الواو وحكى أبو زيد عن العرب : أذن موقورة فعلى هذا وقرت بضم الواو. واحد الأساطير اسطارة ويقال : أسطورة ، ويقال : هو جمع أسطار وأسطار جمع سطر يقال : سطر وسطر.

(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٢٦)

وقرأ الحسن وهم ينهون عنه وينون عنه (١) ألقى حركة الهمزة على النون وحذفها.

(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٧)

ويجوز في العربية إذ أقفوا على النّار مثل (أُقِّتَتْ) [المرسلات : ١١]. قرأ أهل المدينة والكسائي (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) رفع كلّه. قال أبو جعفر : وهكذا يروى عن أبي عمرو ، ويروى عنه (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) بالإدغام ، وقرأ الكوفيون وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ) بالنصب. (وَنَكُونَ) مثله ، وقرأ عبد الله بن عامر يا ليتنا نرد ولا نكذب بالرفع (وَنَكُونَ) (٣) بالنصب ، وقرأ أبي وابن مسعود يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا (٤) بالفاء والنصب. قال أبو جعفر : القراءة الأولى بالرفع على أن يكون منقطعا مما قبله هذا قول سيبويه وقيل : هو عطف والإدغام حسن والنصب بالواو على أنه جواب التمنّي وكذا بالفاء ورفع الأول على قراءة ابن عامر على القطع مما قبله أو العطف ويجعل «ونكون» جوابا.

(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢٨)

(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) في معناه قولان : أحدهما أنه للمنافقين لأن اسم الكفر مشتمل عليهم فعاد الضمير على بعض المذكور وهذا من كلام العرب الفصيح والقول الآخر أن الكفار كانوا إذا وعظهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خافوا وأخفوا ذلك الخوف لئلا

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٤ / ١٠٤.

(٢) انظر تيسير الداني ٨٤.

(٣) انظر البحر المحيط ٤ / ١٠٧ ، وتيسير الداني ٨٤.

(٤) انظر البحر المحيط ٤ / ١٠٧.

٧

يفطن بهم ضعفاؤهم فظهر ذلك يوم القيامة ، وقرأ يحيى بن وثاب (وَلَوْ رُدُّوا) بكسر (١) الراء لأن الأصل رددوا فقلب كسرة الدال على الراء كما يقال : قيل وبيع وبينهما فرق لأنّ قيل إنما قلبت فيه الحركة لأنه معتل وليس حكم الياء والواو حكم غيرهما لكثرة انقلابهما.

(وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٢٩)

(وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ابتداء وخبر (وَما نَحْنُ) اسم ما. (نَحْنُ) الخبر.

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٣١)

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) أي قد خسروا أعمالهم وثوابها. (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) نصب على الحال وهي عند سيبويه (٢) مصدر في موضع الحال كما تقول : قتلته صبرا وأنشد : [الطويل]

١٣١ ـ فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا

على ظهر محبوك ظماء مفاصله (٣)

ولا يجيز سيبويه أن يقاس عليه. لا يقال : جاء فلان سرعة. (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ) أي ذنوبهم جعلها لثقلها بمنزلة الحمل الثقيل الذي يحمل على الظّهر وقيل : يعني عقوبات الذنوب لأن العقوبة يقال لها وزر. (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) أي يحملون.

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٣٢)

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ابتداء وخبر أي الذين يشتهون الحياة الدنيا لا عاقبة له فهو بمنزلة اللهو واللعب. (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) ابتداء وخبر وقرأ ابن عامر ولدار الآخرة خفيفة وبالخفض ، والدار الآخرة خير لبقائها. (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي يتقون معاصي الله جلّ وعزّ (أَفَلا تَعْقِلُونَ) إنّ الأمر هكذا فتزهدوا في الدنيا.

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٣٣)

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) كسرت «إنّ» لدخول اللام. (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) قد ذكرناه وحكي عن محمد بن يزيد أنه قال : يكذبونك ويكذّبونك بمعنى واحد قال : وقد يكون لا يكذبونك بمعنى لا يجدونك تأتي بالكذب كما تقول : أبخلت الرجل ، وقال

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٤ / ١٠٨.

(٢) انظر الكتاب ١ / ٤٣٨.

(٣) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ١٣٣ ، والكتاب ١ / ٤٣٨ ، وشرح شواهد للشنتمري ١ / ١٨٦.

٨

غيره : معنى لا يكذّبونك لا يكذّبونك بحجّة ولا برهان ودلّ على هذا (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).

(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (٣٤)

(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ) على تأنيث الجماعة. (رُسُلٌ) اسم ما لم يسمّ فاعله ، وإن شئت حذفت الضمة فقلت : رسل لثقل الضمة. (فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا) أي فاصبر كما صبروا. (وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) أي فسيأتيك ما وعدت به. (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) مبيّن لذلك أي ما وعد الله عزوجل فلا يقدر أحد أن يدفعه.

(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٣٥)

(وَإِنْ كانَ) شرط. (كَبُرَ) فعل ماض وهو خبر عن كان. (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) مفعول به. (أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) عطف عليه أي سببا إلى السماء وهذا تمثيل لأن السّلّم الذي يرتقى عليه سبب إلى الموضع وما يعرف ما حكاه الفراء من تأنيث السلّم. (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) عطف وأمر الله جلّ وعزّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يشتدّ حزنه عليهم إذ كانوا لا يؤمنون كما أنه لا يستطيع هذا. (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) من الذين اشتدّ حزنهم وتحسّروا حتّى أخرجهم ذلك إلى الجزع الشديد وإلى ما لا يحلّ.

(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٣٦)

(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) أي يسمعون سماع إصغاء وتفهّم وإرادة للحقّ. (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) وهم الكفار وهم بمنزلة الموتى في أنهم لا يقبلون ولا يصغون إلى حجّة.

(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣٧)

(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وكان منهم تعنّتا بعد ظهور البراهين وإقامة الحجّة بالقرآن الذي عجزوا عن أن يأتوا بسورة مثله لما فيه من الوصف وعلم الغيوب. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن الله جلّ وعزّ إنّما ينزل من الآيات ما فيه مصلحة للعباد.

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٣٨)

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) عطف على اللفظ ، وقرأ الحسن وعبد الله

٩

ابن أبي إسحاق (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) (١) جعله عطفا على الموضع ، والتقدير : وما دابة ولا طائر يطير بجناحيه. (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) أي هم جماعات مثلكم في أن الله جلّ وعزّ خلقهم وتكفّل بأرزاقهم وعدل عليهم فلا ينبغي أن تظلموهم ولا تجاوزوا فيهم ما أمرتم به. ودابّة يقع لجميع ما دبّ. (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) أي ما تركنا شيئا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن إما دلالة مبيّنة مشروحة وإما مجملة نحو (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر : ٧] ، (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) فدلّ بهذا على أن البهائم تحشر يوم القيامة.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٩)

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ) ابتداء وخبر. (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) شرط ومجازاة وكذا (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٠)

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) بتحقيق (٢) الهمزتين قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة وقرأ نافع بتخفيف الهمزتين يلقي حركة الأولى على ما قبلها ويأتي بالثانية بين بين ، وحكى أبو عبيد عنه أنه يسقط الهمزة ويعوّض منها ألفا وهذا عند أهل اللغة غلط عليه لأن الياء ساكنة والألف ساكنة ولا يجتمع ساكنان ، وقرأ عيسى بن عمر والكسائي قل أريتكم (٣) بحذف الهمزة الثانية وهذا بعيد في العربية وإنما يجوز في الشعر والعرب تقول : أريتك زيدا ما شأنه. قال الفراء (٤) : الكاف لفظها لفظ منصوب ومعناها معنى مرفوع ، كما يقال : دونك زيدا أي خذه. قال أبو إسحاق : هذا محال ولكن الكاف لا موضع لها وهي زائدة للتوكيد كما يقال : ذاك والعرب تقول على هذا في التثنية أريتكما زيدا ما شأنه ، وفي الجمع أريتكم زيدا وفي المرأة أريتك زيدا ما شأنه ، يدعون التاء موحّدة ويجعلون العلامة في الكاف فإن كانت الكاف في موضع نصب قالوا في التثنية : أريتما كما عالمين بفلان وفي الجمع أريتموكم عالمين بفلان وفي جماعة المؤنث أريتكنّ عالمات بفلان وفي الواحدة أريتك عالمة بزيد. قال الله عزوجل (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٦ ، ٧] فهو من هذا بعينه.

__________________

(١) وهذه قراءة ابن أبي عبلة أيضا ، انظر البحر المحيط ٤ / ١٢٥.

(٢) انظر تيسير الداني ٨٤.

(٣) انظر تيسير الداني ٨٤.

(٤) انظر معاني الفراء ١ / ٣٣١ ، والبحر المحيط ٤ / ١٣١.

١٠

(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) (٤١)

(إِيَّاهُ) نصب بتدعون (فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ) فعل مستقبل. (وَتَنْسَوْنَ) وتتركون مثل (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) [طه : ١١٥] ويجوز أن يكون المعنى وتتركون فتكونون بمنزلة الناسين. وقرأ عبد الرحمن الأعرج. (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ) بضم الهاء على الأصل لأن الأصل أن تكون الهاء مضمومة كما تقول : جئت معه وقد ذكرنا توحيد الهاء.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٤٩)

قال الكسائي : يقال بغتهم الأمر يبغتهم بغتا وبغتة إذا أتاهم فجاءة وقرأ الحسن والأعمش (الْعَذابُ بِما) (١) مدغما وهكذا روي عن أبي عمرو مدغما وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٢) بكسر السين وهي لغة معروفة.

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥٢)

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ) جزم بالنهي وعلامة الجزم حذف الضمة وكسرت الدال لالتقاء الساكنين. (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ) غداة نكرة فعرفت بالألف واللام وكتبت بالواو كما كتبت الصلاة بالواو وقرأ أبو عبد الرحمن السلميّ وعبد الله بن عامر ومالك بن دينار (بِالْغَداةِ) (٣) وباب غدوة أن تكون معرفة إلا أنه يجوز تنكيرها كما تنكّر الأسماء الأعلام فإذا نكّرت دخلتها الألف واللام للتعريف ، وعشيّ وعشيّة نكرتان لا غير. (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (من) الأولى للتبعيض والثانية زائدة للتوكيد وكذا. (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ) جواب النفي. (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) جواب النهي.

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣)

لام كي وهذا من المشكل يقال : كيف فتنوا ليقولوا هذا لأنه إن كان إنكارا فهو كفر منهم وفي هذا جوابان : أحدهما أنّ المعنى اختبرنا الأغنياء بالفقراء أن تكون مرتبتهم عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واحدة ليقولوا على سبيل الاستفهام لا على سبيل الإنكار (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) ، والجواب الآخر أنهم لما اختبروا بهذا فآل عاقبته

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٤ / ١٣٦.

(٢) انظر البحر المحيط ٤ / ١٣٦.

(٣) انظر تيسير الداني ٨٥ ، والبحر المحيط ٤ / ١٣٩.

١١

إلى أن قالوا هذا سبيل الإنكار صار مثل قوله جلّ وعزّ (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].

(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٤)

(فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) رفع بالابتداء وفيه معنى المنصوب عند سيبويه (١) فلذلك ابتدئ بالنكرة. (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي أوجب فخوطب العباد على ما يعرفون من أنه من كتب شيئا فقد أوجبه على نفسه وقيل : كتب ذلك في اللوح المحفوظ قال أبو جعفر : وقد ذكرنا قراءة (٢) من قرأ (أنّه) (فأنه) ففتحهما جميعا وقراءة من كسرهما جميعا وقراءة من فتح الأولى وكسر الثانية ، وقرأ عبد الرحمن الأعرج بكسر الأولى وفتح الثانية كذا روى عنه ابن سعدان فمن فتحهما جميعا جعل الأولى بدلا من الرحمة أو على إضمار مبتدأ أي هي كذا والثانية مكرّرة عند سيبويه (٣) كما قال الله جلّ وعزّ (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) [آل عمران : ١٨٨] وقال جلّ وعزّ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) ثم قال بعد (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) [الحج : ١٧] وقال الأخفش وأبو حاتم : «أنّ» الثانية في موضع رفع بالابتداء أي فالمغفرة له وهذا خطأ عند سيبويه ، وسيبويه لا يجوز عنده أن يبتدأ بأنّ ولكن قال بعض النحويين يجوز أن تكون «أنّ» الثانية في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي فالذي له أنّ الله غفور رحيم ومن كسرهما جميعا جعل الأولى مبتدأة وجعل كتب بمعنى قال وكسر الثانية لأنها بعد الفاء في جواب الشرط ، ومن كسر الأولى وفتح الثانية جعل الأولى كما قلنا وفتح الثانية على إضمار مبتدأ ، وأنكر أبو حاتم هذه القراءة ولم يقع إليه ، ومن فتح الأولى وكسر الثانية جعل الأولى كما ذكرنا فيمن فتحهما جميعا وكسر الثانية على ما يجب فيها بعد الفاء فهذه القراءة بيّنة في العربية.

(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (٥٦)

(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) يقال : هذه اللام تتعلّق بالفعل فأين الفعل الذي تعلّقت به فالكوفيون يقولون : التقدير وكذلك نفصّل الآيات لنبيّن لكم

__________________

(١) انظر الكتاب ١ / ٣٩٥.

(٢) القراءات كلّها في البحر المحيط ٤ / ١٤٤.

(٣) انظر الكتاب ٣ / ١٥٣.

١٢

ولتستبين سبيل المجرمين. قال أبو جعفر : وهذا الحذف كلّه لا يحتاج إليه والتقدير وكذلك نفصّل الآيات ، ولتستبين سبيل المجرمين فصّلناها. والسبيل يذكر ويؤنّث والتأنيث أكثر ، وقرأ يحيى بن وثّاب وطلحة بن مصرف (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) (١) بكسر اللام وقال أبو عمرو بن العلاء ضللت لغة تميم.

(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) (٥٧)

(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) الضمير يعود على البيّنة وذكّرت لأن البيان والبيّنة واحد وقيل : التقدير : وكذّبتم بما جئت به. قال أبو جعفر : قد ذكرنا (٢) يقضي الحقّ و (يَقُصُّ الْحَقَ).

(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) (٥٨)

(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي من العذاب. (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي لانقطع إلى آخره.

(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٥٩)

(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) الذي هو يفتح علم الغيب إذا أراد جلّ وعزّ أن يخبر به نبيّا أو غيره ، ومفاتح جمع مفتح هذه اللغة الفصيحة ويقال مفتاح والجمع مفاتيح. وقرأ الحسن وعبد الله بن بي إسحاق ولا رطب لا يابس إلّا في كتاب مّبين (٣) عطفا على المعنى ويجوز (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) على الابتداء والخبر. (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي كتبها الله لتعتبر الملائكة بذلك.

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٦٠)

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) ابتداء وخبر أي يستوفي عددكم. (بِاللَّيْلِ) وفي الليل واحد وقرأ أبو رجاء وطلحة بن مصرّف ثم يبعثكم فيه ليقضي أجلا مسمّى (٤).

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٤ / ١٤٥.

(٢) انظر البحر المحيط ٤ / ١٤٦ ، ومعاني الفراء ١ / ٣٨.

(٣) انظر مختصر ابن خالويه ٣٧ ، والبحر المحيط ٤ / ١٥ ، وهي قراءة ابن السميفع أيضا.

(٤) انظر مختصر ابن خالويه ٣٧.

١٣

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (٦١)

(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) هذا اختيار الخليل وهي قراءة نافع على تخفيف الهمزة الثانية ويجوز تخفيفهما (١) وحذف إحداهما. (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) على تأنيث الجماعة كما قال : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) [غافر : ٨٣] وقرأ حمزة توفّاه رسلنا (٢) على تذكير الجمع وقرأ الأعمش يتوفّاه رسلنا بزيادة ياء في أوله والتذكير.

(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) (٦٢)

(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) على النعت وقرأ الحسن الحقّ (٣) بالنصب يكون مصدرا وبمعنى أعني ، ومعنى مولاهم الحقّ أنه خالقهم ورازقهم ونافعهم وضارهم وهذا لا يكون إلا الله جلّ وعزّ (أَلا لَهُ) أي اعلموا وقولوا له الحكم وحده.

(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٦٣)

(تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً) مصدر ويجوز أن يكون حالا والمعنى ذوي تضرّع وروى أبو بكر ابن عيّاش عن عاصم (وَخُفْيَةً) (٤) بكسر الخاء وروي عن الأعمش وخيفة الياء قبل الفاء وهذا معنى بعيد لأن معنى تضرعا أن يظهروا التذلّل ، وخفية أن يبطنوا مثل ذلك قرأ الكوفيون (لَئِنْ أَنْجانا) (٥) واتّساق الكلام بالتاء كما قرأ أهل المدينة وأهل الشام.

(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (٦٥)

(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) وروي عن أبي عبد الله المدني (أَوْ يَلْبِسَكُمْ) (٦) بضم الياء أي يجلّلكم العذاب ويعمّكم به وهذا من اللّبس بضم اللام والأول من اللّبس بفتحها وهو موضع مشكل والإعراب يبيّنه. قيل : التقدير أو يلبس عليكم أمركم فحذف أحد المفعولين وحرف الجر كما قال جلّ وعزّ (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) [المطففين : ٣]

__________________

(١) انظر تيسير الداني ٨٥.

(٢) انظر البحر المحيط ٤ / ١٥٢.

(٣) وهذه قراءة الأعمش أيضا ، انظر البحر المحيط ٤ / ١٥٣ ، ومختصر ابن خالويه ٣٧.

(٤) انظر البحر المحيط ٤ / ١٥٣ ، وتيسير الداني ٨٥.

(٥) انظر البحر المحيط ٤ / ١٥٤ ، وتيسير الداني ٨٥.

(٦) انظر البحر المحيط ٤ / ١٥٥.

١٤

وهذا اللبس بأن يكون يطلق لبعضهم أن يحارب بعضا أو يريهم آية يتفرقون عندها فيروا شيعا ، و (شِيَعاً) نصب على الحال أو المصدر ، وقيل : معنى يلبسكم شيعا يقوّي عدوكم حتى يخالطكم فإذا خالطكم فقد لبسكم فرقا (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) بالحرب.

(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٦٧)

(قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) لم أومر أن أحفظكم من التكذيب والكفر.

روي عن ابن عباس (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) أي لكل خبر حقيقة.

(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٦٨)

(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) التقدير وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والردّ والاستهزاء. (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) منكرا عليهم. (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فأدّب الله جلّ وعزّ نبيه فهذا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه كان يقعد إلى قوم من المشركين يعظهم ويدعوهم فيستهزءون بالقرآن فأمره الله عزوجل أن يعرض عنه إعراض منكر ولا يقبل عليه وكان في هذا ردّ في كتاب الله عزوجل على من زعم أن الأئمة الذين هم حجج واتباعهم لهم أن يخالطوا الفاسقين ويصوبوا آراءهم تقية ، وقرأ عبد الله بن عامر (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) (١) على التكثير.

(وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٦٩)

(وَلكِنْ ذِكْرى) في موضع نصب على المصدر ويجوز أن تكون في موضع رفع بمعنى «ولكن الذي يفعلونه ذكرى» أي ولكن عليهم ذكرى ، وقال الكسائي : المعنى ولكن هذه ذكرى.

(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٧٠)

(وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ) في موضع نصب أي كراهة أن تبسل. (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) في موضع نصب على خبر كانوا.

(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي

__________________

(١) انظر تيسير الداني ٨٥ ، والبحر المحيط ٤ / ١٥٧.

١٥

اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٧١)

(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا) أي ما لا ينفعنا إن دعوناه. (وَلا يَضُرُّنا) إن تركناه. (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) أي نرجع إلى الضلالة بعد الهدى. وواحد الأعقاب عقب وهي مؤنّثة تصغيرها عقيبة. (كَالَّذِي) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر. (اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ) على تأنيث الجماعة ، وقرأ حمزة استهواه الشياطين (١) على تذكير الجمع ، وروي عن ابن مسعود استهواه الشيطان (٢) وعن الحسن استهوته الشياطون (٣) رواه محبوب عن عمرو عن الحسن وهو لحن. (حَيْرانَ) نصب على الحال ولم ينصرف لأنّ أنثاه حيرى. (لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) وفي الابتداء ائتنا والأصل بهمزتين أبدلت من إحداهما ياء لئلا يجتمعا. (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) لام كي. قال أبو جعفر : وسمعت أبا الحسن بن كيسان يقول : هي لام الخفض واللامات كلها ثلاث لام خفض ولام أمر ولام توكيد لا يخرج شيء عنها.

(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (٧٣)

(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) فيه ثلاثة أقوال : فمذهب الفراء أنّ المعنى وأمرنا لأن نسلّم وأن أقيموا ، والجواب الثاني أن يكون المعنى وبأن أقيموا الصلاة والثالث أن يكون عطفا على المعنى أي يدعونه إلى الهدى ويدعونه أن أقيموا الصلاة ، لأن معنى «ائتنا» أن ائتنا. (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ابتداء وخبر وكذا (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ). (وَيَوْمَ يَقُولُ) فيه ثلاثة أجوبة يكون عطفا على الهاء في (وَاتَّقُوهُ) ، والثاني أن يكون عطفا على السموات ، والثالث أن يكون بمعنى اذكر. (كُنْ فَيَكُونُ) فيه ثلاثة أجوبة : قال الفراء (٤) : يقال إنه للصور خاصة «ويوم يقول للصور كن فيكون» ، والجواب الثاني أن يكون المعنى فيكون جميع ما أراد من موت الناس وحياتهم وعلى هذين الجوابين (قَوْلُهُ الْحَقُ) ابتداء وخبر ، والجواب الثالث أن يكون قوله رفعا بيكون والحقّ من نعته. (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) فيه ثلاثة أجوبة : يكون بدلا من يوم ، والجواب الثاني أن يكون التقدير قوله الحقّ يوم ينفخ في الصور ، والجواب الثالث أن يكون التقدير وله الملك يوم ينفخ في الصّور. (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) فيه ثلاثة أجوبة يكون نعتا للذي أي

__________________

(١) انظر الحجة لابن خالويه ١١٧.

(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٣٨.

(٣) انظر البحر المحيط ٤ / ١٦٢.

(٤) انظر معاني الفراء ١ / ٣٤٠.

١٦

وهو الذي خلق السموات عالم الغيب ، ويكون على إضمار مبتدأ وقرأ الحسن والأعمش وعاصم (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (١) يكون بدلا من الهاء التي في (له) ، والجواب الثالث في الرفع أن يكون محمولا على المعنى أي ينفخ فيه عالم الغيب لأنه إذا كان النفخ فيه بأمر الله كان منسوبا إلى الله جلّ وعزّ وأنشد سيبويه : [الطويل]

١٣٢ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة

وأشعث ممّن طوّحته الطّوائح (٢)

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٧٤)

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) تكلّم العلماء في هذا فقال الحسن : كان اسم أبيه آزر ، وقيل كان له اسمان آزر وتارح ، وروى المعتمر بن سليمان عن أبيه قال : بلغني أنها أعوج ، قال : وهي أشدّ كلمة قالها إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبيه ، وقال الضحاك : معنى آزر شيخ. قال أبو جعفر : يكون هذا مشتقا من الأزر وهو الظّهر ولا ينصرف لأنه على أفعل ويكون بدلا كما يقال : رجل أجوف أي عظيم الجوف ، وكذا آزر يكون عظيم الأزر معوّجه ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ وإذ قال إبراهيم لأبيه أازرا (٣) بهمزتين فالأولى مفتوحة والثانية مكسورة هذه رواية أبي حاتم ولم يبيّن معناه فيجوز أن يكون مشتقا من الأزر أي الظّهر ويكون معناه القوة ويكون مفعولا من أجله ، ويجوز أن يكون بمعنى وزر كما يقال : وسادة وإسادة وفي رواية غير أبي حاتم بهمزتين مفتوحتين وفي الروايتين (تَتَّخِذُ) بغير ألف. (أَصْناماً آلِهَةً) مفعولان وفيه معنى الإنكار. (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ) عطفا على الكاف.

(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٧٥)

وقرأ أبو السمّال العدوي (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بإسكان اللام ولا يجوز عند سيبويه حذف الفتحة لخفّتها ولعلّها لغة. (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) أي وليكون من الموقنين أريناه.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٤ / ١٦٥.

(٢) الشاهد للحارث بن نهيك في الكتاب ١ / ٣٤٥ ، وفي خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ٩٤ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ٣٦٢ ، ولنهشل بن حريّ في خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٠٢ ، وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه ١ / ١١٠ ، ولنهشل أو للحارث أو لضرار أو لمزرد بن ضرار أو للمهلهل في المقاصد النحوية ٢ / ٤٥٤ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٥ ، وأمالي ابن الحاجب ص ٤٤٧ ، وتخليص الشواهد ٤٧٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ١٣٩ ، والخصائص ٢ / ٣٥٣ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧١ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، ومغني اللبيب ٦٢٠ ، والمقتضب ٣ / ٢٨٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٠ ، وعجز البيت «ومختبط ممّا تطيح اللوائح».

(٣) انظر مختصر ابن خالويه ٣٨ والبحر المحيط ٤ / ١٦٩ وهذه قراءة أبي إسماعيل الشامي أيضا.

١٧

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (٧٦)

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً) مفعول. (قالَ هذا رَبِّي) ابتداء وخبر ومن أحسن ما قيل في هذا ما صحّ عن ابن عباس رحمه‌الله أنه قال في قول الله جلّ وعزّ (نُورٌ عَلى نُورٍ) [النور : ٣٥] قال : كذا قلب المؤمن يعرف الله جلّ وعزّ ويستدلّ عليه بقلبه فإذا عرفه ازداد نورا على نور وكذا إبراهيمصلى‌الله‌عليه‌وسلم عرف الله عزوجل بقلبه واستدلّ عليه بدلائله فعلم أن له ربّا وخالقا فلما عرّفه الله جلّ وعزّ بنفسه ازداد معرفة فقال : (أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) [الأنعام : ٨٠].

(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٧٨)

(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً) نصب على الحال لأن هذا من رؤية العين. (قالَ هذا رَبِّي) قال الكسائي والأخفش : أي قال هذا الطالع ربي ، وقال غيرهما : أي هذا الضوء قال أبو الحسن علي بن سليمان : أي هذا الشخص كما قال الأعشى (١) : [السريع]

١٣٣ ـ قامت تبكّيه على قبره

من لي من بعدك يا عامر

تركتني في الدّار ذا غربة

قد ذلّ من ليس له ناصر

(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٧٩)

أي قصدت بعبادتي وتوحيدي لله جلّ وعزّ وحده. (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) اسم «ما» وخبرها ، وإذا وقفت قلت : أنا ، زدت الألف لبيان الحركة ومن العرب من يقول «انه».

(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (٨٠)

(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي) قرأ نافع أتحاجّوني (٢) بنون مخفّفة ، وحكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال : هو لحن وأجاز سيبويه (٣) ذلك وقال : استثقلوا التّضعيف ، وأنشد : [الوافر]

__________________

(١) البيتان بلا نسبة في أمالي المرتضى ١ / ٧١ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٧٧ ، والإنصاف ٢ / ٥٠٧ ، وسمط اللآلي ١ / ١٧٤ ، وشرح المفصل ٥ / ١٠١ ، ولسان العرب (عمر).

(٢) هذه قراءة ابن عامر أيضا ، انظر البحر المحيط ٤ / ١٧٤ ، وتيسير الداني ٨٦.

(٣) انظر الكتاب ٤ / ٤.

١٨

١٣٤ ـ تراه كالثّغام يعلّ مسكا

يسوء الفاليات إذا فليني (١)

قال أبو عبيدة : وإنما كره التثقيل من كره للجمع بين ساكنين وهما الواو والنون فحذفوها. قال أبو جعفر : والقول في هذا قول سيبويه ولا ينكر الجمع بين ساكنين إذا كان الأول حرف مدّ ولين والثاني مدّغما. (وَقَدْ هَدانِ) بحذف الياء لأن الكسرة تدلّ عليها والنون عوض منها إذا حذفتها وإثباتها حسن. (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) أي لأنه لا ينفع ولا يضرّ و (ما) في موضع نصب. (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) في موضع نصب استثناء ليس من الأول. (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) بيان.

(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٨١)

(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ) مفعول وكذا (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) أي حجة. (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) ابتداء وخبر. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي إن كنتم تعلمون فإنّ من خاف من ينفع ويضر أولى بالأمن منكم.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٨٢)

(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) مبتدأ. (أُولئِكَ) ابتداء ثان. (لَهُمُ الْأَمْنُ) خبره والجملة خبر الأول. (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ابتداء وخبر.

(وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (٨٣)

وكذا (وَتِلْكَ حُجَّتُنا) قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) (٢) بالإضافة وقرأ أهل الكوفة (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) بتقدير ونرفع من نشاء إلى درجات ثم حذفت «إلى».

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٨٤)

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) اسمان أعجميان لا ينصرفان في المعرفة وينصرفان في النكرة فإن أخذت إسحاق من أسحقه الله انصرف وكذا يعقوب إن كان منقولا

__________________

(١) الشاهد لعمرو بن معديكرب في ديوانه ص ١٨٠ ، والكتاب ٤ / ٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٧١ ، والدرر ١ / ٢١٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٠٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ٢١٣ ، ولسان العرب (فلا) والمقاصد النحوية ١ / ٣٧٩ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٨٥ ، وجمهرة اللغة ٤٥٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٩١ ، ولسان العرب (حيج) ، والمنصف ٢ / ٣٣٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٥.

(٢) انظر تيسير الداني ٨٦.

١٩

انصرف بكل حال يقال لذكر القبح : يعقوب. (كُلًّا) نصب بهدينا. (وَنُوحاً) نصب بهدينا الثاني. (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) قال الفراء (١) عطف على نوح ، وقال الأخفش : عطف على إسحاق وكذا (وَأَيُّوبَ) وما بعده ولم ينصرف داود لأنه اسم أعجميّ وكل ما كان على فاعول لا يحسن فيه الألف واللام لم ينصرف وسليمان اسم أعجمي ويجوز أن يكون مشتقا من السلامة ولا ينصرف لأن فيه ألفا ونونا زائدتين ، وأيوب اسم عجمي وكذا يوسف ، وقرأ طلحة بن مصرف وعيسى بن عمر (وَيُوسُفَ) (٢) بكسر السين. قال أبو زيد : يقول العرب يؤسف بالهمزة وكسر السين وفتحها يؤسف مهموز ، وموسى اسم عجميّ ، فأما موسى الحديد فإن سمّيت بها رجلا لم تنصرف لأنها مؤنّثة ، وعيسى اسم عجمي وإن جعلته مشتقا لم ينصرف لأن في آخره ألفا تشبه ألف التأنيث واشتقاقه من عاسه يعوسه انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ويجوز أن يكون مشتقا من العيس وهو ماء الفحل (٣).

(وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٨٥)

(وَزَكَرِيَّا) اسم عجميّ ويجوز أن يكون عربيا فيه ألف تأنيث ولا ينصرف في معرفة ولا نكرة. (وَيَحْيى) لم ينصرف لأن أصله من الفعل وكتب بالياء فرقا بين الاسم والفعل. (وَإِلْياسَ) عجميّ وقرأ الأعرج والحسن وقتادة (وَإِلْياسَ) بوصل الألف ، قال الفراء (٤) : ويجوز في هذا كلّه الرفع كما تقول : أخذت صدقاتهم لكلّ مائة شاة شاة وشاة.

(وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) (٨٦)

(وَإِسْماعِيلَ) عجميّ ، وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وعاصم (وَالْيَسَعَ) بلام مخفّفة ، وقرأ الكوفيون إلا عاصما واللّيسع (٥) ، وكذا قرأ الكسائي وردّ قراءة من قرأ «واليسع» قال : لأنه لا يقال : اليفعل مثل اليحيى وهذا الردّ لا يلزم والعرب تقول : اليعمل واليحمد ولو نكّرت يحيى لقلت : اليحيى ، وردّ أبو حاتم على من قرأ (الّيسع) وقال : لا يوجد ليسع. قال أبو جعفر : وهذا الردّ لا يلزم قد جاء في كلام العرب حيدر وزينب والحق في هذا أنه اسم عجميّ والعجميّة لا تؤخذ بالقياس إنما تؤدّى سماعا والعرب تغيّرها كثيرا فلا ينكر أن يأتي الاسم بلغتين (وَيُونُسَ) عجميّ وإن قلت : يونس

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ٣٤٢.

(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٦٢ ، والبحر المحيط ٤ / ١٧٨.

(٣) انظر تاج العروس (عيس).

(٤) انظر معاني الفراء ١ / ٣٤٢.

(٥) انظر البحر المحيط ٤ / ١٧٨ ، وتيسير الداني ٨٦.

٢٠