إعراب القرآن - ج ٥

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٥

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٠

المخاطب فلم يبق إلّا الضم. قال أبو جعفر : فهذه تسعة أجوبة ، وأجاز الفرّاء آتيك بعد يا هذا ، بالضم والتنوين وأنشد :] الطويل]

٥٧٦ ـ ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة

فما شربوا بعد على لذّة خمرا (١)

قال أبو جعفر : وهذا خارج عما جاء به القرآن وكلام العرب والمعقول لا حجّة له في البيت إن كان يعرف قائله لأنه بغير تنوين جائز عند أهل العلم بالعروض ، كما أنشدوا :] الطويل]

٥٧٧ ـ شاقتك أحداج سليمى بعاقل

فعيناك للبين تجودان بالدّمع (٢)

وأجاز أيضا رأيتك بعدا يا هذا. قال أبو جعفر : فهذا نظير. ذلك أن يكون أراد النكرة وأجاز هشام رأيتك بعد يا هذا ، جعله منصوبا وأضمر المضاف إليه فكأنه زعم أن قد نطق به لما كان في النية ، وزعم الفراء والأخفش : أنّ المعنى فمن يكذبك بعد بالدين. قال أبو جعفر : وهذا لا يعرج عليه ، ولا تقع «ما» بمعنى «من» إلا في شذوذ ، والمعنى هاهنا صحيح أي فما يحملك يا أيّها المكذب فأيّ شيء يحملك على التكذيب بعد ظهور البراهين والدلائل بالدين الذي جاء بخبره من أظهر البراهين.

(أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨)

أي في تدبيره وصنعه لا يدخل دينك فساد ولا تفاوت ، وليس كذا غيره.

__________________

(١) الشاهد بلا نسبة في إصلاح المنطق ١٤٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٥٨ ، وخزانة الأدب ٦ / ٥٠١ ، والدرر ٣ / ١٠٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٠ ، وشرح شذور الذهب ١٣٧ ، ولسان العرب (بعد) و (خفا) والمقاصد النحوية ٣ / ٤٣٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٩ ، ومعاني الفراء ٢ / ٣٢١.

وفي رواية «الأسد أسد خفيّة».

(٢) لم أعثر عليه في المراجع التي بين يديّ.

١٦١

(٩٦)

شرح إعراب سورة القلم (العلق)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١)

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) في موضع جزم على قول الكوفيين. والعامل فيه عند الفرّاء لام محذوفة ، وعلامة الجزم حذف الضمة. وهو عند البصريين غير معرب ؛ لأنه لا يضارع الأسماء فيعرب ، وحكى أبو زيد والكسائي «أقر» (١) على بدل الهمزة فيصير كقولك : اخش ، ومثل هذا قول زهير :] الطويل]

٥٧٨ ـ وإن لا يبد بالظّلم يظلم (٢)

وقد قيل : إن على هذا قراءة الجماعة (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)] البقرة : ٦١] وأنه مأخوذ من الدناءة. (الَّذِي خَلَقَ) في موضع خفض نعت لربك أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ أو في موضع نصب بمعنى أعني.

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) (٢)

الإنسان بمعنى جماعة فلذلك قال : علّق وهو جمع علقة.

(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) (٣)

وحذف المفعول أي اقرأ ما أنزل إليك وربك الأكرم لا يخليك من الثواب على قراءتك.

(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (٤)

نعت للذي الأول.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٨٨ ، والإتحاف ٢٧٢.

(٢) مرّ الشاهد رقم (١٦).

١٦٢

(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) (٦)

(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥) مفعولان. ومن قال : إن (كَلَّا) تمام في جميع القرآن قال: المعنى ليس يجب أن يدعوا التفكّر فيما بيّنه الله من خلقكم مما يدلّ على وحدانيته ، وأنه لا شبه له. (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) جاء على فعل يفعل ؛ لأنّ فيه الغين.

(أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٧) (١)

فجاء المفعول متصلا ، ولم يستعمل رأى نفسه ، لأنه من أخوات ظننت.

(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) (٨)

في موضع نصب ولم يتبيّن فيه الإعراب لأن في آخره ألفا.

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى) (١٠)

وحذف الجواب لعلم السامع ، وكذا (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) (١٢).

(أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (١٣)

أي مع منعه من الصلاة إن كذّب الله ورسوله وتولّى عن طاعته.

(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (١٦)

(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (١٤) أي يراه ويعلم فعله فيعاقبه عليه ومن قال (كَلَّا) التمام قال : المعنى : ليس الأمر على ما قدره من أنه يتهيّأ له أن يمنعه من الصلاة (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) حذفت الياء للجزم ، ومن أثبتها في غير القرآن قدّرها متحركة (لَنَسْفَعاً) (٢) الوقف عليه بالألف فرقا بينه وبين النون الثقيلة ولأنه بمنزلة قولك : رأيت زيدا ، كما قال :] الطويل]

٥٧٩ ـ ولا تحمد الشّيطان والله فاحمدا (٣)

(بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (١٦).

على البدل. والفراء (٤) على التكرير ، وأجاز (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) لأنها نكرة بعد معرفة.

(فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) (١٧)

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٨١ (قرأ قنبل بقصر الهمزة والباقون بمدّها).

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٩٠.

(٣) مرّ الشاهد رقم (١٧٣).

(٤) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٧٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٩١.

١٦٣

حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه اتّساعا أي أهل ناديه.

(سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (١٨)

كتب بغير واو على الإدراج ، ولا يجوز الوقف عليه.

(كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (١٩)

(كَلَّا لا تُطِعْهُ) أي في ما ينهاك عنه من الضلالة (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) إلى الله جلّ وعزّ بطاعته فإنه يعظّمك ويمنع منك. وفي الحديث «أقرب ما يكون العبد من الله تعالى إذا كان ساجدا فأكثروا من الدعاء في السجود فإنه قمن أن يستجاب لكم» (١).

__________________

(١) ذكره البغوي في شرح السنة ٣ / ١٥١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٣٢٨) ، وابن عدي في الكامل في الضعفاء ٢ / ٦٩٠.

١٦٤

(٩٧)

شرح إعراب سورة ليلة القدر (القدر)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١)

(إِنَّا) أصله إنّنا فحذفت النون لاجتماع النونات ولأنها زائدة (أَنْزَلْناهُ) النون والألف في موضع رفع بالفعل ، وأسكنت اللام لاتصالها بالمضمر المرفوع اتباعا لما تتوالى فيه الحركات والهاء في موضع نصب ، وحذفت الواو بعدها لسكونها وسكون الألف ، وإن الهاء ليست بحاجز حصين لخفائها وبعدها ، وقيل : لاجتماع حرفي مدّ ولين فحذف أحدهما ، والهاء كناية عن القرآن ، وإن كان لم يتقدم له ذكر في هذه السورة ، وأكثر النحويين يقولون : لأنه قد عرف المعنى ، كما قال :] الطويل]

٥٨٠ ـ ألا ليتني أفديك منها وأفتدي (١)

ومن العلماء من يقول : جازت الكناية في أول السورة لأن القرآن كلّه بمنزلة سورة واحدة لأنه أنزل جملة إلى السماء الدنيا وسنذكر هذا بإسناده ، وقول ثالث بيّن حسن وهو : إنّا أنزلناه يدلّ على الإنزال والمنزل ، كما حكى النحويون (٢) : من كذب كان شرّا له ، لأن كذب يدلّ على الكذب ، وأخفيت ليلة القدر على الناس إلّا ما جاء في الحديث من أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان فقيل : إنما أخفيت لفضل العمل فيها لئلا يدع الناس العمل في غيرها والاجتهاد ويتّكلوا على فضل العمل فيها ، وقيل : لأنها مختلفة تكون في سنة لثلاث وعشرين ثم يكون في غيرها. وأما الحديث في تنزيل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر فصحيح غير مدفوع عند أهل السّنّة وإنّما يدفعه قول من أهل الأهواء كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال : حدثنا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في

__________________

(١) الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه ٢٩ ، والدرر ٢ / ٢٦٩ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٩٦ وصدره :

«على مثلها أمضي إذا قال صاحبي»

(٢) انظر الكتاب ٢ / ٤١٢.

١٦٥

قوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) قال : أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا فكان بموقع النجوم ، وكان الله ينزله على رسوله بعضه في إثر بعض فقالوا (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً)] الفرقان : ٣٢] . فأما تسميتها بليلة القدر ففيه قولان : أحدهما أنها ليلة الجلالة والتعظيم من قولهم : لفلان القدر ، والقول الآخر ، وهو الذي عليه العلماء المتقدمون ، أنّها سمّيت ليلة القدر ؛ لأنها تقدّر فيها آجال العباد وأرزاقهم كما قال قتادة : يقدّر في ليلة القدر ما يكون إلى السنة الأخرى من الآجال والأرزاق.

(وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (٢)

(ما) في موضع رفع بالابتداء و (أَدْراكَ) فعل ماض في موضع الخبر والكاف في موضع نصب (ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) مبتدأ وخبره ، فيه معنى التعظيم.

(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣)

مبتدأ وخبره أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. هذا البين ، وإن كان قد روي عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه قال : هي ألف شهر وليت فيها بنو أمية. قال : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أريهم على المنابر فهاله ذلك فأحصيت ولايتهم بعد ذلك فكانت كذلك. فهذا حديث مرويّ ليس في ظاهر التلاوة ما يدلّ عليه والله أعلم.

(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (٥)

(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) الأصل تتنزّل فحذفت التاء لاجتماع تاءين ، وقال أهل التفسير : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بأمر ربهم (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) هذا تمام الكلام عند النحويين منهم الفراء ، والمعنى على قولهم : تنزّل الملائكة والروح فيها بأمر ربهم أي ينزلون بأمر الله الذي فيه الآجال والأرزاق إلى السماء الدنيا من كلّ أمر أي من كلّ أمر فيه الرزق والأجل والحجّ لمن يحجّ وغير ذلك ، وحكى أبو عبيد أنه روي عن ابن عباس وعكرمة أنهما قرءا «من كلّ امرى» (١) قال إسماعيل بن إسحاق : لم يذكر أبو عبيد إسناده ولعلّه ضعيف. قال أبو جعفر : إسناده ضعيف بغير لعلّ : رواها الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وهذا إسناد لا يعرّج عليه ، وهو مخالف للمصحف الذي تقوم به الحجّة فمن جاء به هكذا قال التمام : من كل امرئ سلام ، كما قال الشعبي من كل امرئ من الملائكة سلام على المؤمنين والمؤمنات ، وقيل : المعنى من كل أمر مخيف سلام أي سلامة ، وعلى قراءة الجماعة (سَلامٌ) مرفوع على خبر هي كما تقول : قائم زيد أي هي

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٢ / ٣٦٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٩٣.

١٦٦

سلام أي دار سلامة أي ذات سلامة ، كما قرئ على محمد بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدّثنا جرير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى «سلام هي» قال : لا تعمل فيها الشياطين ، ولا يجوز فيها السّحر ولا يحدث فيها شيء إلى الفجر قال يوسف وحدّثنا تميم بن زياد قال : حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية «سلام هي» قال : خير كلّها إلى مطلع الفجر ، وروى الضحّاك عن ابن عباس قال تصفد فيها مردة الشّياطين ، وتقبل فيها التوبة فهذه أقوال المتقدمين من أهل التفسير ، وقال بعد المتأخرين : معنى «سلام هي» إنما يقضى فيها الخير من الأرزاق والحجّ والشرّ يقضى في غيرها يذهب إلى أن ليلة النصف من شعبان قد جاء فيها حديث من تقدير الأشياء فهذه أقوال المتقدمين والمتأخرين والله أعلم بما أراد. (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (١) بفتح اللام قراءة العامة ، وقال الفراء (٢) : وقرأ يحيى بن وثّاب وحده (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ). قال أبو جعفر : وهي قراءة أبي رجاء العطارديّ. وأحسن ما قيل في هذا قول سيبويه (٣) قال : وقد كسروا المصدر قالوا : أتيتك عند مطلع الشمس أي عند طلوع الشمس. هذه لغة بني تميم ، وأما أهل الحجاز فيقولون : مطلع والمطلع المكان. قال أبو جعفر : شرح هذا أنه ما كان على فعل يفعل فالباب فيه أن يكون المصدر منه واسم المكان مفعلا بالفتح ، وكان يجب أن يكون اسم المكان منه بالضم إلا أنه ليس في كلام العرب مفعل فلم يكن بدّ من تحويله إلى الفتحة أو الكسرة فكانت الفتحة أولى ؛ لأنها أخفّ والدليل على ما قلناه أنه ما كان على فعل يفعل فالمصدر منه مفعل بالفتح ، اسم المكان والزمان بالكسر قالوا : جلس مجلسا وهو في مجلسك ، وفي الزمان أتت الناقة على مضربها بالكسر فهذا يبيّن لك أن الأصل مطلع في المكان ثم حوّل إلى الفتح ثم سمع من العرب أشياء تؤخذ سماعا بغير قياس قالوا : مطلع للمكان الذي تطلع فيه الشمس ، وقال بعضهم : مطلع للمصدر والفتح أولى ؛ لأن الفتح في المصدر قد كان لفعل يفعل فكيف يكون في فعل يفعل وأيضا فإنّ قراءة الجماعة الذين تقوم بهم الحجة «حتّى مطلع» هذا في قوّته في العربية وشذوذ الكسر وخروجه من القياس. قال أبو حاتم : وفي حرف أبيّ «سلام هي إلى مطلع الفجر» قال أبو جعفر : وهذه القراءة على التفسير ، ولا يجوز لأحد أن يقرأ بها لمخالفتها السواد الأعظم.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٨٢ ، ومعاني الفراء ٣ / ٢٨٠.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٨٠.

(٣) انظر الكتاب ٤ / ٢٠٥.

١٦٧

(٩٨)

شرح إعراب سورة لم يكن (البيّنة)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (١)

(يَكُنِ) في موضع جزم بلم ، وعلامة الجزم فيه حذف الضمة من النون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. فإن قيل : قد تحرّكت النون فلم لأردت الواو؟ فالجواب أنها حركة عارضة ، غير ثابتة فكأنها لم يكن ولا تعرّج على قول من قال : حذفت الواو والضمة للجزم ، ولا يجوز عند الخليل وسيبويه والكسائي والفراء. حذف النون على لغة من قال : لم يك زيد جالسا ؛ لأنها قد تحرّكت وأجاز غيرهم حذفها كما قال :] الطويل]

٥٨١ ـ ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل (١)

(وَالْمُشْرِكِينَ) عطف على أهل ، ولو كان عطفا على الذين لكان مرفوعا (مُنْفَكِّينَ) خبر يكن في معناه قولان : قال عطاء : منفكين بارحين ، وبرح وزال في منهاج واحد. وقال غيره : «منفكّين» متفرّقين. قال أبو جعفر : معنى القول الأول : لم يكن الكفار زائلين عما هم عليه حتى يجيئهم الرسول فيبيّن لهم ضلالتهم ، ومعنى القول الثاني : لم يكن الكفار متفرّقين إلا من بعد أن جاءهم الرسول ؛ لأنهم فارقوا ما عندهم من صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكفروا بعد البيان. وهذا القول في العربية أولى ؛ لأن منفكّين لو كان بمعنى زائلين لاحتاج إلى خبر ولكن يكون من انفكّ الشيء من الشيء أي فارقه ، كما قال ذو الرمّة :] الطويل]

 ٥٨٢ ـ قلائص ما تنفكّ إلّا مناخة

على الخسف أو يرمي بها بلدا قفرا (٢)

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٥٥).

(٢) الشاهد لذي الرمة في ديوانه ١٧٣ ، والكتاب ٣ / ٥٢ ، وتخليص الشواهد ٢٧٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٤٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٩ ، ولسان العرب (فكك) ، والمحتسب ١ / ٣٢٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٠ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٤٢ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٧٣ ، والجنى الداني ٥٢١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢١ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٣ وهمع الهوامع ١ / ٢٣٠.

١٦٨

وزعم الأصمعي أن ذا الرمة أخطأ في هذا. قال أبو جعفر : تأول الأصمعي «ما تنفكّ» ما تزال ، والصواب ما قال المازني قال : أخطأ الأصمعيّ وما تنفكّ كلام تامّ ثم قال : إلّا مناخة على الاستثناء المنقطع (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ).

(رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) (٢)

(رَسُولٌ مِنَ اللهِ) على البدل ، ويجوز أن يكون بمعنى هي رسول من الله. قال الأخفش سعيد : وفي حرف أبيّ «رسولا من الله» (١) على الحال. قال الضحاك : الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) قال : القرآن.

(فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (٣)

قال ابن زيد : مستقيمة معتدلة.

(وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٤)

يدلّ على أن الجواب الثاني في منفكين.

(وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٥)

(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) من القراء من يقول : هذه لام أن أي إلّا أن يعبدوا الله وأصل هذا للفراء. فأما البصريون فهي عندهم لام كي أي أمروا بهذا كي يعبدوا الله مخلصين له الدين (حُنَفاءَ) على الحال. قال قتادة : الحنفيّة الختان وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمّات والمناسك. قال الضحاك : الحجّ. قال أبو جعفر : أصل هذا أن الحنف الميل : فقيل : حنيف للمائل إلى الإسلام ميلا لا خلل فيه ولا رجوع (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) وهذا دليل قاطع على أن الإسلام قول وعمل. قال جل وعز : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ)] آل عمران : ١٩] ويبيّن أن إقام الصّلاة وإيتاء الزكاة دين القيّمة. قال الفراء (٢) : وفي حرف ابن مسعود «الدين القيّمة» وزعم أنه إضافة الشيء إلى نفسه ، وذلك محال عند البصريين لأنك إنما تضيف الشيء إلى ما تبيّنه به فتضمه إليه فمحال أن تبيّنه بنفسه أو تضمه إلى نفسه فالتقدير عندهم دين الجماعة القيمة ، وقيل : دين الملّة القيمة ، ولهذا وقع التأنيث.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٧)

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٩٥ ، ومعاني الفراء ٣ / ٢٨٢.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٨٢.

١٦٩

(وَالْمُشْرِكِينَ) في موضع خفض عطف على أهل ، ويجوز النصب عطفا على الذين (فِي نارِ جَهَنَّمَ) في موضع الخبر (خالِدِينَ فِيها) على الحال (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) خبر بعد خبر ، ويجوز أن تكون الجملة خبر «إن» مثل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٧) بغير همز قراءة الجماعة ، وهو المعروف من كلام العرب ، وقرأها نافع بالهمز. أخذها من برأ الله الخلق ، ومن لم يهمزها أخذها من البرا ، وهو التراب وترك الهمز ، وهو الأصل عنده ، والبريّة الخلق كما قرئ على أحمد بن شعيب بن علي عن أبي كريب ثنا عبد الله بن إدريس سمعت المختار بن فلفل سمعت أنس بن مالك يقول : قال رجل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا خير البريّة فقال : «ذلك إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١). قال أبو جعفر : ولا معنى لاحتجاج من احتجّ بأن الأنبياء صلوات الله عليهم والمؤمنين أفضل من الملائكة صلوات الله عليهم بهذه الآية ؛ لأن الملائكة من الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

(جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (٨)

(جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) مبتدأ وخبره. قال ابن مسعود : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) بطنان الجنة أي وسطها. قال أبو جعفر : يقال : عدن بالمكان إذا أقام به (خالِدِينَ فِيها) حال (أَبَداً) ظرف (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) من ذوات الواو انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها. والرضى بالألف والتثنية بالواو ورضوان ، ولا معنى لحكاية من حكى رضيان. (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) قيل : أي لمن اتّقى الله في الدنيا في سرّه وعلانيته فأدّى فرائضه واجتنب معاصيه.

__________________

(١) أخرجه أبو داود في سننه الحديث رقم (٤٦٧٢).

١٧٠

(٩٩)

شرح إعراب سورة إذا زلزلت (الزلزلة)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) (١)

(إِذا) في موضع نصب ظرف زمان ، والعامل فيها زلزلت (زِلْزالَها) مصدر كما قال : أكرمتك كرامتك والمعنى كرامة ، وكذا المعنى زلزلت زلزالا. وحسنت الإضافة لتتفق الآيات. والكسائي والفراء (١) يذهبان إلى أن الزلزال مصدر والزلزال اسم وأنه يقال : وسوسة وسواسا ، والوسواس الاسم. وقرأ عاصم الجحدري (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً)] الأحزاب : ١١] بالفتح ، وقرأ (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) (٢).

(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (٢)

جمع ثقل والثقل في الأذن.

(وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها) (٣)

(ما) في موضع رفع بالابتداء ، وهو اسم تام.

(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) (٤)

قال أبو جعفر : لأن معنى تحدّث وتخبّر واحد. ودل هذا على أن معنى حدّثنا وأخبرنا واحد.

(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) (٥)

ويقال : وحى له وإليه فيهما.

(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) (٦)

(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) نصب على الحال. قال الفراء (٣) : اجتمع القراء على (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) (٤) قال أبو جعفر : حكى أبو حاتم أن عبّاد بن كثير قال : بلغني أنّ

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٨٣.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٩٦.

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٤٨.

(٤) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٩٨.

١٧١

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) (١). قال أبو جعفر : في الكلام تقديم وتأخير عند النحويين أي يومئذ تحدّث أخبارها ليروا أعمالهم.

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨)

(فَمَنْ) في موضع رفع بالابتداء ، وهو اسم تام. ويعمل جزم بالشرط و (خَيْراً) منصوب على البيان أو بدل من مثقال «يره» جواب الشرط حذف الألف منه للجزم ، وكذا (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨) فدلّ ظاهر الكلام على أنّ كلّ من عمل شيئا رآه من مؤمن وكافر ، وأنّ الكافر يجازى على عمله الحسن في الدنيا من دفع مكروه ، وكذا الأحاديث على هذا. أن الكافر يجازى على حسن عمله في الدنيا ، ولا يكون له في الآخرة خير ، وأن المؤمن على الضدّ من ذلك نصيبه المصائب في الدنيا وأجره موفّر عليه في الآخرة.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٨٢ («يره» قرأ هشام بإسكان الهاء والباقون بصلتها).

١٧٢

(١٠٠)

شرح إعراب سورة العاديات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) (٥)

(وَالْعادِياتِ) خفض بواو القسم. وللعلماء في معناها قولان : روى مجاهد وعكرمة عن ابن عباس أنها الخيل ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنها الإبل وكذا قال ابن مسعود ، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس سألني رجل عن (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (١) فقلت : هي الخيل ، فمضى إلى علي بن أبي طالب فأخبره فبعث لي فأحضرني فقال لي : أتتكلّم في كتاب الله بغير علم؟ والله إن أول غزوة كانت لبدر ، وما كان معنا إلّا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود إنّما العاديات من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منّى. ونظير هذا ما حدّثناه البهلول بن إسحاق بن البهلول بن حسان ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا كثير بن عبد الله المزنيّ قال : كنت عند محمد بن كعب القرظيّ فجاءه رجل فقال : يا أبا حمزة إني رجل صرورة لم أحجج قطّ فعلّمني مما علّمك الله سبحانه. قال : أتقرأ القرآن؟ قال : نعم. قال : فاستفتح فاقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) خمس آيات (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) (٥) أتدري ما هذا؟ قال : لا. قال : «والعاديات ضبحا» الرفع من عرفة (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) (٢) إلى المزدلفة (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) (٣) لا تغير حتى تصبح (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) (٥) يوم منى. قال أبو جعفر : اختلف العلماء في معنى (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) فمذهب علي بن أبي طالب وابن مسعود أنها الإبل ، وروى مجاهد وعكرمة عن ابن عباس قال : الناس يورون النار ليراها غيرهم ، وروى غيرهما عن ابن عباس الخيل ، وقال قتادة : الخيل تشعل الحرب ، وقال عكرمة : الموريات الألسن. قال أبو جعفر : ولا دليل يدلّ على تخصيص شيء من هذه الأقوال فالصواب أن يقال ذلك لكل من أورى على أن المعنى واحد إذا كان التقدير : وربّ العاديات ونصبت (ضَبْحاً) لأنه مصدر في موضع الحال. وعن ابن عباس الضّبح نفخها

١٧٣

بمشافرها. ونصبت (قَدْحاً) على المصدر ؛ لأن معنى «فالموريات» فالقادحات «فالمغيرات» عن ابن عباس أنها الخيل وعن ابن مسعود أنها الإبل «ضبحا» ظرف زمان (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) (٤) قال الفراء : الهاء كناية عن الوادي ، ولم يتقدّم له ذكر ؛ لأنه قد عرف المعنى ، وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس : النقع الغبار. وسطن ووسّطن وتوسّطن واحد. وعن ابن عباس (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) (٥) من العدو. عن ابن مسعود «جمعا» المزدلفة.

(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٦)

أهل التفسير على أن معناه لكفور أي كفور لنعمه. قال الحسن : يتسخّط على ربه جلّ وعزّ ويلومه فيما يلحقه من المصائب ، وينسى النعم.

(وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) (٧)

(وَإِنَّهُ) أي وإنه ربه (عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ).

(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٨)

(وَإِنَّهُ) أي وإن الإنسان (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) في معناه أقوال : قيل : لشديد القوى ، وقول الفراء (١) : أن المعنى أن الإنسان للخير لشديد الحب فالتقدير عنده إنه لحبّ الخير لشديد الحب ثم حذف ما بعد شديد ، والقول الثالث سمعت علي بن سليمان يقول كما تقول : أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك أي وإنه من أجل حبّ الخير أي المال لشديد أي لبخيل.

(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) (٩)

لا يجوز أن يعمل في «إذا» «يعلم» ، ولا «لخبير» ، ولكن العامل فيها عند محمد بن يزيد «بعثر» ، وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) (١٠)

يقول أبرز.

(إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) (١١)

كسرت «إنّ» من أجل اللام. حكى علي بن سليمان عن محمد بن يزيد أنه يجوز فتحها مع اللام ؛ لأنها زائدة ، دخولها كخروجها إلّا أنها أفادت التوكيد.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٨٥.

١٧٤

(١٠١)

شرح إعراب سورة القارعة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْقارِعَةُ) (١)

مرفوعة بالابتداء والخبر في الجملة وقيل : هي مرفوعة بإضمار فعل والتقدير : ستأتي القارعة. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس : (الْقارِعَةُ) من أسماء القيامة عظّم الله وحذّر منه.

(وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) (٣)

قال أبو جعفر : (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) (٣) تعظيم لها ونصب (يَوْمَ) : ستأتي على قول من أضمره ، ومن لم يضمره فالتقدير عنده : القارعة.

(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٥)

(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) (٤) الكاف في موضع نصب خبر يكون ، وكذا : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٥) وفي قراءة عبد الله (كالصوف) والعهن جمع عهنة.

(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) (٦)

(مَنْ) في موضع رفع بالابتداء والجملة الخبر. قال الفراء (١) : موازينه أي وزنه.

(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٧)

قال مجاهد : يرضى بها. قال أبو جعفر : التقدير في العربية : ذات رضى على النسب.

(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) (٩) (٨)

قول الأخفش : إن معنى أمّه مستقرّه ، وهاوية نار وأنشد :] الطويل]

__________________

(١) انظر معاني الفرّاء ٣ / ٢٨٧.

١٧٥

٥٨٣ ـ هوت أمّه ما يبعث الصّبح غاديا

وماذا يؤدّي اللّيل حين يؤوب (١)

وقال غيره : «فأمّه هاوية» أصله هاو أي هالك لأن أمّ الشيء أصله ومعظمه ومنه قيل للحمد : أمّ القرآن ، ومنه قول الشاعر :] الوافر]

 ٥٨٤ ـ لأمّ الأرض ويل ما أجنّت

غداة أضرّ بالحسن السّبيل (٢)

(وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) (١٠)

جيء بالهاء لأن من العرب من يقول : هي بإسكان الياء فتثبت الهاء على لغة من حرّكها ليفرق بينها وبين لغة من أسكن فإن وصلت لم يجز إثبات الهاء ؛ لأن الحركة قد ثبتت ، والصواب أن يوقف عليه يتّبع السواد ولا يلحن ، وسمعت علي بن سليمان يقول : من قال : أصل وأريد الوقوف فقد أخطأ ؛ لأنه يلزمه أن لا يعرب الأسماء في الأدراج ويريد الوقوف. قال أبو جعفر : وهذا حجّة بيّنة صحيحة.

(نارٌ حامِيَةٌ) (١١)

بإضمار مبتدأ.

__________________

(١) الشاهد لكعب بن سعد الغنويّ في الأصمعيات ص ٩٥ ، ولسان العرب (أمم) و (هوا) ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٦٠٢ ، وجمهرة اللغة ٢٢٩ ، والأصمعيات ٩٥ ، وسمط اللآلي ص ٧٧٣ ، وجمهرة أشعار العرب ٧٠٣ ، وتاج العروس (أم) و (هوى) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ٦ / ٤٩٢ ، والمخصّص ١٢ / ١٨٢ ، ولسان العرب (هبل).

(٢) الشاهد لعبد الله بن عنمة الضبيّ في لسان العرب (ضرر) و (حسن) ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ١٥٣ ، وتهذيب اللغة ٤ / ٣١٦ ، وجمهرة اللغة ٥٣٥ ، ولعنمة بن عبد الله الضبيّ في تاج العروس (حسن) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ١٢٢ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٥٨ ، ومجمل اللغة ٢ / ٦٢ ، وأساس البلاغة (سلف).

١٧٦

(١٠٢)

شرح إعراب سورة التكاثر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٢)

أصوب ما قيل في معناه أنّ المعنى : ألهاكم التكاثر عن طاعة الله جلّ وعزّ إلى أن صرتم إلى المقابر فدفنتم ، ودلّت هذه الآية على عذاب القبر ؛ لا بعدها (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣) أي إذا صرتم إلى المقابر. وروي عن زرّ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نزل في عذاب القبر ألهاكم التكاثر ، وقرأ إلى (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣) قال الفراء : واحد المقابر مقبرة ومقبرة وبعض أهل الحجاز يقول : مقبرة ، وقد سمعت مشرقة ومشرقة ومشرقة.

(كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٤)

(ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٤) تكرير عند الفراء. وأحسن منه ما قاله الضحاك قال : الأولى للكفار ، وذهب إلى أن الثانية للعصاة من المؤمنين.

(كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٦)

(كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٥) مصدر ، وحذف جواب لو. والتقدير : لو تعلمون أنكم ترون الجحيم لمّا تكاثرتم في الدنيا بالأموال وغيرها. قال الكسائي : جواب (لَوْ) في أول السورة أي لو تعلمون علم اليقين ما ألهاكم التكاثر. وقرأ الكسائي (لَتَرَوُنَ) (١) بضمّ التاء. حكاه أبو عبيد عنه ، وقرئ على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم عن أبي عبد الرّحمن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قرأ (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها) (٢) الأولى بضمّ التاء والثانية بفتحها. قال أبو جعفر : والأولى عند الفرّاء (٣) وأبي عبيد فتحها ، لأن التكرير يكون متفقا. قال أبو جعفر : والأحسن ألا يكون تكريرا ، ويكون المعنى لترونّ الجحيم في موقف القيامة.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٨٢.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٥٠٦.

(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٨٨.

١٧٧

(ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) (٧)

(ثُمَّ لَتَرَوُنَّها) إذا دخلتم النار (عَيْنَ الْيَقِينِ) مصدر ؛ لأن المعنى لتعايننّها عيانا.

(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٨)

قيل : أي عن النعيم الذي يشغل عن طاعة الله جلّ وعزّ. وظاهر الكلام يدلّ على أنه عام ، وأنّ الإنسان مسؤول عن كل نعيم تنعّم به في الدنيا من أين اكتسبه؟ وما قصد به؟ وهل فعل ما غيره أولى منه؟ ويسند الظاهر للأحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال : حدّثنا هشام بن عبد الملك قال : حدّثنا حمّاد بن سلمة قال : حدّثنا عمّار بن أبي عمّار قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : جاءني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخرجنا أو قدمنا إليه رطبا أو بسرا وماء فقال : «هذا من النّعيم الذي تسألون عنه» (١). وحدّثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال : حدّثنا داود بن مهران عن داود بن عبد الرّحمن عن محمد بن عيثم عن ابن عباس ثم (لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال : الأمن والصحّة.

__________________

(١) أخرجه النسائي في سننه الوصايا ب ٤ ، وأحمد في مسنده ٣ / ٣٣٨ ، وموارد الظمآن للهيثمي (٢٥٣١) ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١ / ١٢٠ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ٣١٧.

١٧٨

(١٠٣)

شرح إعراب سورة العصر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْعَصْرِ) (١)

التقدير : وربّ العصر ، ويدخل فيه كلّ ما يسمى بالعصر ؛ لأنه لم يقع اختصاص تقوم به حجة فالعصر الدهر ، والعصر العشي ، والعصر الملجأ.

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (٢)

الإنسان بمعنى الناس ، والخسر دخول النار. فهو أكبر الخسران.

(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (٣)

(الَّذِينَ) في موضع استثناء من موجب (آمَنُوا) صلته ، وكذا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) لأنه معطوف.

١٧٩

(١٠٤)

شرح إعراب سورة الهمزة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (١)

(وَيْلٌ) رفع بالابتداء ويجوز نصبه لأنه بمعنى المصدر كما يجوز قبوحا له منصوب إلّا أن الرفع في «ويل» أحسن ؛ لأنه غير مأخوذ من فعل والنصب في قبوح أجود ؛ لأنه مأخوذ من فعل. وفي نصب «ويل» قول آخر ، يكون التقدير قولوا الزم الله ويلا لكل همزة ، وهذا مذهب سيبويه (١). قال مجاهد : ليست هذه خاصّا لأحد. قال أبو جعفر : وهذا قول صحيح في العربية ؛ لأن سبيل كل أن تكون غير خاصة. قال أبو العالية : «الهمزة» الذي يعيب الناس في وجوههم ، واللّمزة الذي يعيبهم من ورائهم. وسمعت علي بن سليمان يستحسن هذا القول. وقال ابن زيد : الهمزة الذي يهمز الناس ويضربهم بيده ، واللّمز الذي يلمزهم ويعيبهم بلسانه.

(الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) (٢)

(الَّذِي) في موضع رفع بمعنى هو الذي ، ويجوز النصب بمعنى أعني الذي ، ويجوز الخفض على البدل من كلّ. قرأ أبو جعفر ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي «جمع» (٢) بالتشديد. وقرأ الحسن وابن كثير وعاصم وأبو عمرو وشيبة ونافع (جَمَعَ). قال أبو جعفر : «جمع» بالتخفيف يكون للقليل والكثير ، وجمّع لا يكون إلا للكثير. وروي عن الحسن (وَعَدَّدَهُ) بالتخفيف ، وهي قراءة شاذة إن كان يريد عدّه ثم أظهر التضعيف كما قال :] البسيط]

٥٨٥ ـ إنّي أجود لأقوام وإن ضننوا (٣)

__________________

(١) انظر الكتاب ١ / ٣٩٦.

(٢) انظر تيسير الداني ١٨٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٥١٠.

(٣) مرّ الشاهد رقم (١٧٦).

١٨٠