إعراب القرآن - ج ٥

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٥

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٠

(مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) (٣)

قيل : المعارج درج الجنّة ، وروى ابن نجيح عن مجاهد قال : السماء.

(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٤)

وفي قراءة عبد الله «يعرج» (١) على تذكير الجميع. (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) قال أبو جعفر : قد ذكرنا فيه أقوالا ، وأعلى ما قيل فيه عن ابن عباس أنه قال : هو يوم القيامة ، وأن المعنى مقدار محاسبة الله جلّ وعزّ الخلق فيه وإثابته ومعاقبته إياهم مقدار ذلك خمسون ألف سنة لو كان غيره المحاسب ، ويدلّ على هذا حديث أبي سعيد الخدري قيل : يا رسول الله ما أطول هذا اليوم فقال : «إنّه على المؤمن أخفّ من صلاة مكتوبة يصلّيها» (٢).

(فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) (٥)

(فَاصْبِرْ) على أذاهم. (صَبْراً جَمِيلاً) لا جزع فيه.

(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) (٦)

لأنهم لا يؤمنون به. قيل : الضمير في «إنهم» للكافرين وفي «يرونه» للعذاب.

(وَنَراهُ قَرِيباً) (٧)

لأنه كائن ، وكلّ كائن قريب.

(يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) (٨)

يكون التقدير : يقع هذا أو يبصرونهم يوم تكون السّماء كالمهل ، وأضيف يوم إلى الفعل ، لأنه بمعنى المصدر وعطف عليه.

(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) (٩)

جمع عهنة ، ويقال عهون.

(وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) (١١)

(يُبَصَّرُونَهُمْ) في هذا المضمر اختلاف عن العلماء فعن ابن عباس يبصّر الحميم حميمه أي يراه ويعرفه ثم يفرّ منه. فهذا قول ، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد يبصر

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٤ ، ومعاني الفراء ٣ / ١٨٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٢٧.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٢٧.

٢١

المؤمنون الكافرين وعن ابن زيد يبصّر في النار التابعون للمتبوعين. قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب القول الأول ؛ لأنه قد تقدّم ذكر الحميم فيكون الضمير راجعا عليه أولى من أن يعود على ما لم يجر له ذكر (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) بنيت «يومئذ»(١) لمّا أضيفت إلى غير معرب ، وإن شئت خفضتها بالإضافة فقرأت (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ).

(وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) (١٣)

(وَفَصِيلَتِهِ) والجمع فصائل وفصل وفصلان.

(وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) (١٤)

أي ثم ينجيه الافتداء لأن (يَفْتَدِي) يدلّ على الافتداء.

(كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى) (١٦)

(كَلَّا) تمام حسن (إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى) بين النحويين في هذا اختلاف تكون لظى في موضع نصب على البدل من قولك «ها» ونزّاعة خبر «إنّ» ، وقيل : (لَظى) في موضع رفع على خبر «إن» و (نَزَّاعَةً) خبر ثان أو بدل على إضمار مبتدأ ، وقيل : إنّ «ها» كناية عن القصة و (لَظى نَزَّاعَةً) مبتدأ وخبره وهما خبر عن «إنّ» وأجاز أبو عبيد (نَزَّاعَةً) (٢) بالنصب ، وحكى أنه لم يقرأ به. قال أبو جعفر : وأبو العباس محمد بن يزيد لا يجيز النصب في هذا ؛ لأنه لا يجوز أن يكون إلا نزاعة للشوى ، وليس كذا سبيل الحال.

(تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) (١٧)

مجاز لأنه يروى أن خزنتها ينادون : ائتونا بمن أدبر وتولّى عن طاعة الله ، وروى سعيد عن قتادة : تدعو من أدبر عن طاعة الله وتولّى عن كتابه وحقّه.

(وَجَمَعَ فَأَوْعى) (١٨)

أي جعل المال في وعاء ولم يؤدّ منه الحقوق. ويقال : وعيت العلم وأوعيت المتاع.

(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (٢١)

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٤ (قرأ نافع والكسائي بفتح الميم والباقون بخفضها).

(٢) انظر تيسير الداني ١٧٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٢٨.

٢٢

(خُلِقَ) في موضع خبر «إنّ» ونصبت (هَلُوعاً) على الحال المقدّرة والهلوع فيما حكاه أهل اللغة الذي يستعمل في حال الفقر ما لا ينبغي أن يستعمله من الجزع وقلة التأسّي وفي الغنى ما لا ينبغي أن يستعمله من منع الحقّ الواجب وقلة الشكر. وقد بين هذا بقوله : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) ونصبت (جَزُوعاً) و (مَنُوعاً) على النعت لهلوع ، ويجوز أن يكون التقدير صار كذا.

(إِلاَّ الْمُصَلِّينَ) (٢٢)

نصب على الاستثناء.

(الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) (٢٣)

نعت.

(وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) (٢٤)

عطف عليه روى سعيد بأن قتادة قال : الصدقة المفروضة ، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) قال : يقول سوى الصدقة يصل بها رحما ويقوّي بها ضعيفا أو يحمل بها كلّا أو يعين بها محروما.

(لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (٢٥)

قال أبو جعفر : صح عن ابن عباس قال : المحروم المحارف ، وعن قتادة السائل الذي يسأل بكفّه ، والمحروم المتعفّف أي الذي لا يسأل ، ولكل عليك حقّ يا ابن آدم ، وعن ابن زيد «المحروم» الذي احترق زرعه.

(وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) (٣٤)

(وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) في موضع نصب كله معطوف على نعت المصلين وكذا (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) وكذا (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) قال أبو جعفر وقراءة أبي عبد الرحمن والحسن (بِشَهاداتِهِمْ) (١) قال أبو جعفر : شهادة مصدر فذلك قرأها جماعة على التوحيد ، ويجوز أن يكون واحدا يدل على جمع ، وكذا (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ).

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٤.

٢٣

(أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) (٣٥)

مبتدأ وخبره.

(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) (٣٦)

نصب على الحال وكذا (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) جمع عزة جمع بالواو والنون وفيه علامة التأنيث عوضا مما حذف منه ، وفيه لغة أخرى يقال : مررت بقوم عزين ، يجعل الإعراب في النون.

(أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) (٣٨)

وقراءة الحسن وطلحة (أَنْ يُدْخَلَ) (١) بفتح الياء وضم الخاء. قال أبو جعفر : والآية مشكلة. فمما قيل فيها إن المعنى فما للذين كفروا قبلك مسرعين بالتكذيب لك ، وقيل : بالاستماع منك ليعيبوك (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) أي متفرّقين في أديانهم وهم مخالفون للإسلام أيطمع كل امرئ منهم أن يثاب على هذا فيدخل الجنة ، وقيل : أيطمع كلّ امرئ منهم أن ينجو من العذاب على هذا الفعل ؛ لأن معنى يدخل الجنة ينجو من العذاب.

(كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) (٣٩)

(كَلَّا) ردّ عليهم (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) ذكّرهم مهانتهم وأنهم إنما خلقوا من نطفة فكيف يستحقّون الثواب إذا لم يعملوا عملا صالحا ، كما قال قتادة : خلقت من قذر يا ابن آدم فاتّق الله جلّ وعزّ.

(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ) (٤٠)

(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ). قال أبو ظبيان عن ابن عباس : للشمس كلّ يوم مشرق ومغرب لم يكونا لها بالأمس فذلك قوله جلّ وعزّ : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) ولا زائدة للتوكيد لا نعلم في ذلك اختلافا فإنما اختلفوا في «لا أقسم» لأنه أول السورة فكرهوا أن يقولوا : زائد في أول السورة وقد أجمع النحويون أنه لا تزاد «لا» و «ما» في أول الكلام فكان الكلام في هذا أشدّ ، وجواب القسم : (إِنَّا لَقادِرُونَ).

(عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) (٤١)

أي ليس يعجزوننا ولا يفوتوننا ؛ لأن من فاته الشيء ولم يلحقه فقد سبقه.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٨٦ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٣٠.

٢٤

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٤٢)

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) جواب ، وفيه معنى الشرط وفي موضع آخر (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)] الأنعام : ٩١] لأن هذا ليس بجواب ، وزعم الأخفش سعيد أن الفرق بينهما أنه إذا كان بالنون فهم في تلك الحال وإذا لم يكن بالنون فهو للمستقبل (يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ).

(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) (٤٣)

(يَوْمَ يَخْرُجُونَ) بدل منه. (مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً) نصب على الحال. (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) وقراءة الحسن (إِلى نُصُبٍ) (١) وكذا يروى عن زيد بن ثابت وأبي العالية : أي إلى غايات يستبقون ، وقال الحسن : كانوا يجتمعون غدوة فيجلسون فإذا طلعت الشمس تبادروا إلى أنصابهم. فقال الأعرج : إلى نصب إلى علم. قال أبو جعفر : وتقديره في العربية إلى علم قد نصب نصبا.

(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) (٤٤)

(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) أي ذليلة خاضعة لما نزل بهم ونصب خاشعة بترهقهم أو بيخرجون (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أي تغشاهم (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) (٢) قيل : الذي كانوا مشركو قريش يوعدون به فلا يصدّقون ذلك.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٤ (قرأ ابن عامر وحفص بضم النون والصاد والباقون بفتح النون وإسكان الصاد).

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٣٠ (قرأ الجمهور «ذلة» منوّنا ، و «ذلك اليوم» برفع الميم مبتدأ وخبره ، وقرأ عبد الرحمن بن خلاد عن داود بن سالم عن يعقوب والحسن بن عبد الرحمن عن التمار «ذلة» بغير تنوين مضافا إلى «ذلك» ، واليوم بخفض الميم).

٢٥

(٧١)

شرح إعراب سورة نوح عليه‌السلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١)

(إِنَّا) الأصل إنّنا حذفت النون تخفيفا (أَرْسَلْنا) سكّنت اللام في الأصل لاجتماع الحركات وأنه مبنيّ (نُوحاً) اسم أعجمي انصرف لأنه على ثلاثة أحرف. (إِلى قَوْمِهِ) اسم للجمع ، وقيل : قوم جمع قائم مثل تاجر وتجر (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ) «أن» بمعنى التبيين تقول : أي أنذر قومك ، ويجوز أن يكون في موضع نصب ، ويكون المعنى بأن أنذر قومك (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) خفضت قبل بمن وأعربتها لأنها مضافة إلى «أن».

(قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) (٣)

(أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) يكون أن أيضا بمعنى «أي» ، ويكون بمعنى نذير بأن اعبدوا الله وصلتها اعبدوا (وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) عطف عليه.

(يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤)

(يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) جزم لأنه جواب الأمر (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) عطف عليه (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لم يجزم بلو الفعل المستقبل لمخالفتها حروف الشرط في أنها لا تردّ الماضي إلى المستقبل.

(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) (٥)

على الظرف.

(فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً) (٦)

مفعول ثان.

٢٦

(وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) (٨)

(وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) منصوب على الظرف و «ما» متصلة مع «كل» إذا كانت بمعنى إذا ، والجواب (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) الواحدة إصبع مؤنثة ويقال : إصبع. (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا) عطف عليه قال الفراء (١) : (أَصَرُّوا) سكتوا على الكفر. (وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) مصدر فيه معنى التوكيد ، وكذا (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) ويجوز أن يكون التقدير : ذا جهار.

(ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) (٩)

(إِسْراراً) مصدر أيضا فيه معنى التوكيد.

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) (١٠)

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) أي استدعوا منه المغفرة. (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) أي ستّارا على عقوبات الذنوب لمن تاب.

(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (١١)

(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ) جواب الأمر. (مِدْراراً) نصب على الحال من السماء ، ومفعال للمؤنّث بغير هاء ؛ لأنه جار على الفعل يقال : امرأة مذكار ومئناث بغير هاء.

(وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) (١٢)

يروى أنهم قيل لهم هذا ؛ لأنهم كانوا شديدي المحبة للمال.

(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (١٣)

قد ذكرناه.

(وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) (١٤)

أكثر أهل التفسير على أن الأطوار خلقكم نطفة ثم علقة ثم مضغة ، وقيل : اختلاف المناظر ؛ لأنك ترى الخلق فتميّز بينهم في الصور والكلام ، ولا بدّ من فرق وإن اشتبهوا. وذلك دالّ على مدبر وصانع.

(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) (١٥)

(طِباقاً) مصدر ، ويجوز أن يكون نعتا لسبع ، وأجاز الفراء (٢) الخفض في غير القرآن.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٨٨.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٨٨.

٢٧

(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) (١٦)

(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) قال أبو جعفر : أجلّ ما روي فيه قول عبد الله بن عمرو : إنّ وجه القمر إلى السموات فهو فيهن على الحقيقة (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) مفعولان ...

(وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (١٧)

ومصدر أنبت إنبات إلّا أن التقدير فنبتهم نباتا قيل : هذا لأن آدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلق من طين ، وقيل : النطفة مخلوقة من تراب.

(ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) (١٨)

(ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) بالإقبار (وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) إلى البعث.

(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) (١٩)

ويجوز بصاد ؛ لأن بعدها طاء.

(لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) (٢٠)

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس (سُبُلاً فِجاجاً) قال : طرقا مختلفة.

(قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً) (٢١)

وقرأ الكوفيون وأبو عمرو (وَوَلَدُهُ) (١) ويجوز والده مثل «أقّتت» وروى شبل عن مجاهد قال : ولده زوجه وأهله وروى خارجة عن أبي عمرو بن العلاء قال : ولده عشيرته وقومه. قال أبو جعفر : أما أهل اللغة سوى هذه الرواية عن أبي عمرو فيقولون : ولد وولد مثل بخل وبخل وفلك وفلك ، ويجوز عندهم أن يكون ولد جمع ولد وثن ووثن.

(وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) (٢٢)

و (كُبَّاراً) (٢) هي قراءة بمعنى واحد.

(وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (٢٣)

(وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً). هذه قراءة أهل المدينة ، وقرأ الكوفيون

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٣٤.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٨٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٢٥ (قرأ الجمهور بتشديد الباء وهو بناء فيه مبالغة ، وقرأ عيسى وابن محيصن وأبو السمال بتخفيف الباء ، وقرأ زيد بن علي وابن محيصن «كبارا» بكسر الكاف وفتح الباء).

٢٨

وأبو عمرو (وَدًّا) بفتح الواو وهو اختيار أبي عبيد واحتجّ بقولهم عبد ودّ وأن الصنم اسمه ودّ. قال أبو جعفر : وهذا من الاحتجاجات الشاذة ، والمتعارف عكس ما قال إنما يقال : عبد ودّ فإن كان من جهة التعارف فهو هذا ، وإن كان من جهة الأشبه فالأشبه أن يسمّى بودّ مشتقّ من الوداد ، وهو السهولة واللين ، ومنه وددت الرجل أحببته ووددته إذا بررته ، ووددت أن ذلك الشيء لي أي تمنيت بسهولة وتسميتهم الصنم ودّا من هذا (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) لم ينصرف يغوث ويعوق لشبههما الفعل المستقبل ، وقرأ الأعمش «ولا يغوث ويعوق» بالصرف ، وفي حرف عبد الله فيما روى (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) قال أبو جعفر : هذا عند الخليل وسيبويه لحن وهو أيضا مخالف للسواد الأعظم وزعم الفراء (١) : أنّ ذلك يجوز صرفه لكثرته أو كأنه نكرة ، وهذا ما لا يحصل ؛ لأنه ليس إذا كثر الشيء صرف فيه ما لا ينصرف على أنه لا معنى لقوله : لكثرته في اسم صنم ، ولا معنى لأن يكون نكرة ما كان مخصوصا مثل هذا. وقد زاد الكسائي على هذا فقال : العرب تصرف كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك. قال محمد بن يزيد : هذا خطأ لأنهم قد صرفوا خيرا منك وشرّا منك ومعها منك.

(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً) (٢٤)

(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) ويجوز في غير القرآن وقد أضللن وقد أضلّت (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) قيل : المعنى : لا توفقهم ، وقيل : إلا ضلالا عن الثواب وطريق الجنة.

(مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) (٢٥)

«ما» زائدة للتوكيد ، ولا يجوز عند البصريين غير ذلك ، والكوفيون يقولون : صلة ثم يرجعون في بعض المواضع إلى الحقّ وهذا منها زعم الفراء (٢) أن «ما» هاهنا تفيد ؛ لأن المعنى من أجل خطيئاتهم أغرقوا ؛ واحتجّ بأنّ «ما» تدل على المجازاة ، وذكر حيثما تكن أكن ، وذكر كيف وأين هذا في كتابه «في معاني القرآن» ومذهبه في هذا حسن لو لا ما فيه من التخطيط. ذكر حيثما وهي لا يجازى بها إلّا ومعها «ما» وذكر «كيف» وهي لا يجازى بها البتة ، وذكر «أين» وهي يجازى بها مع «ما» وبغير «ما» ، فجمع بين ثلاثة أشياء مختلفة.

(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٢٦)

أي أحدا وهو من دار يدور أي أحدا يدور ، وقيل : ديّار صاحب دار.

(إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً) (٢٧)

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٨٩.

(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٨٩.

٢٩

(إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ) شرط (يُضِلُّوا عِبادَكَ) مجازاة (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) عطف عليه.

(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً) (٢٨)

(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) بفتح الياء ؛ لأنها ياء النفس لا يجوز كسرها وهي نظيرة (بِمُصْرِخِيَ)] إبراهيم : ٢٢] وكذا قراءة من قرأ «ولوالدي» (١) ومن قرأ «ولوالدي» جاز أن يسكن الياء وأن يفتحها. (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ) عطف بإعادة الحرف (وَالْمُؤْمِناتِ) عطف بغير إعادة الحرف (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) قال الفراء (٢) : إلّا ضلالا ، وأولى منه قول مجاهد : إلّا هلاكا ، مشتق من التّبر وتبرت الشيء وتبرته كسرته.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٣٧.

(٢) انظر معاني الفراء ١ / ١٩٠.

٣٠

(٧٢)

شرح إعراب سورة الجنّ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) (١)

قرأ جويّة بن عائذ الأسدي «قل أحي إليّ» (١) قال أبو جعفر : هذا على لغة من قال : وحى يحي. قال العجاج :] الرجز]

٤٩٨ ـ وحى لها القرار فاستقرّت (٢)

والأصل : وحي إليّ فأبدل من الواو همزة مثل (أُقِّتَتْ) «أنه» في موضع رفع اسم ما لم يسمّ فاعله. والنفر ثلاثة وأكثر. (فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) كسرت «إن» لأنها بعد القول فهي مبتدأة. ومعنى عجب عجيب في اللغة على ما ذكره محمد بن يزيد أنه الشيء يقلّ ولا يكاد يوجد مثله.

(يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) (٢)

«لن» تدلّ على المستقبل ، والأصل فيهما عند الخليل (٣) : لا أن ، وزعم أبو عبيدة أنه قد يجزم بها.

(وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) (٣)

(وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) هذه قراءة المدنيين (٤) في السورة كلّها إلّا في (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ) وفي (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ)] الآية : ١٨] وفي و (أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ)] الآية : ١٦] . وقد زعم بعض أهل اللغة قراءة المدنيين لا يجوز غيرها ، وطعن على من قرأ بالفتح لأنه توهم أنه معطوف على (أَنَّهُ اسْتَمَعَ). قال أبو جعفر : وذلك غلط لأنه

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ : ٣٣٩ ، معاني الفراء ٣ / ١٩٠.

(٢) مرّ الشاهر رقم (٣٩٨).

(٣) انظر الكتاب ٣ / ٣.

(٤) انظر تيسير الداني ١٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٤١.

٣١

قد قرأ بالفتح من تقوم الحجة بقراءته. روى الأعمش عن إبراهيم بن علقمة أنه قرأ و «أن» في السورة كلها. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي بالفتح في السورة كلها إلى قوله : (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي)] الواقعة : ٢٠] فلمّا أشكل عليه هذا عدل إلى قراءة أهل المدينة ؛ لأنها بينة واضحة. والقول في الفتح أنه معطوف على المعنى ، والتقدير فآمنّا به وآمنّا أنه تعالى جدّ ربنا فإنه في موضع نصب. وأحسن ما روي في معنى «جدّ ربّنا» قول ابن عباس : إنه الغنى والعظمة والرفعة ، وأصل الجدّ في اللّغة الارتفاع. من ذلك الجدّ أبو الأب. ومنه الجدّ الحظ وباللغة الفارسية البخت. ويقال : إنّ الجنّ قصدوا إلى هذا وأنهم أرادوا الرفعة والحظ أي ارتفع ربنا عن أن ينسب إلى الضعف الذي في خلقه من اتّخاذ المرأة وطلب الولد والشهوة. يدلّ على هذا أن بعده (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) وقد زعم بعض الفقهاء أنه يكره أن تقول : وتعالى جدّك ، واحتجّ بأن هذا إخبار عن الجنّ. وذلك غلط لأنه قد صحّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ولم يذمّ الله الجنّ على هذا القول. وروي عن عكرمة : «وأنه تعالى جدّا ربّنا».

(وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً) (٤)

السّفه رقة الحلم ، وثوب سفيه أي رقيق ، وفتح أن أيضا حملا على المعنى أي صدّقنا وشهدنا. والشطط البعد ، كما قال :] الكامل]

٤٩٩ ـ شطّت مزار العاشقين فأصبحت (١)

(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) (٥)

لاستعظامهم ذلك ، والظنّ هاهنا الشك.

(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (٦)

اسم كان وخبرها (يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) مفعول ثان.

(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) (٧)

(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) وإن فتحت أن حملته أيضا على المعنى أي علمنا أنهم ظنوا كما ظننتم (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) «أن» وما بعدها في موضع المفعولين لظننتم إن أعملته وإن أعملت الأول نويت بها التقدّم.

__________________

(١) الشاهد لعنترة في ديوانه ١٠٩ ، ولسان العرب (زأر) و (زور) و (شطط) ، وتاج العروس (زور) و (شطط) و (ركل) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٣ / ٤٢. وعجزه :

عسرا عليّ طلابها ابنة مخرم»

٣٢

(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً) (٨)

إن عدّيت وجدنا إلى مفعولين فملئت في موضع المفعول الثاني وإن عديتهما إلى واحد أضمرت «قد». قال أبو جعفر : والأول أولى وشهب في الكثير ، وفي القليل أشهبة.

(وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) (٩)

(وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) لم ينصرف لأنه لا نظير له في الواحد وهو نهاية الجمع. (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) شرط ومجازاة.

(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) (١٠)

أحسن ما قيل فيه إن المعنى : لا ندري أشرّا أراد الله بمن في الأرض حين منعنا الاستماع من السماء أم أراد بهم ربهم أن يرسل إليهم رسولا فيرشدهم هذا مذهب ابن زيد ، وكانت هذه من علامات نبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه شدّد على الشياطين في استماعهم من السماء ورموا بالشهب.

(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) (١١)

لمّا سكنت النون من «من» استغنيت عن زيادة نون أخرى فإذا قلت : منّي فالاسم الياء وزدت النون لئلا تكسر نون «من» (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) الواحدة طريقة ويقال : طريق وطريقة ، وفلان على طريقة فلان : وفلان طريقة القوم أي رئيسهم والقوم طريقة أيضا ، وإن شئت جمعت.

(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) (١٢)

(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ) الظن هاهنا يقين. (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) مصدر في موضع الحال.

(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) (١٣)

(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) على تذكير الهدى ، وهي اللغة الفصيحة. وقد تؤنث (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش (فَلا يَخافُ) (١) على النهي.

(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) (١٤)

(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) قسط إذا جار ، هذا الأصل ثم يزاد عليه الألف فيقال: أقسط إذا أزال القسوط أي عدل.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٤٤.

٣٣

(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (١٦)

وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) بضم الواو لالتقاء الساكنين ولأن الضمة تشبه الواو إلا أن سيبويه (١) لا يجيز إلا الكسر في الواو الأصلية فرقا بينها وبين الزائد (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) حكى أبو عبيدة (٢) سقيته وأسقيته لغة ، وأما الأصمعي فقال : سقيته لفيه وأسقيته جعلت له شربا. قال أبو جعفر : وعلى ما قال الأصمعي اللغة الفصيحة ، منها لأسقيناهم أي أدمنا لهم ذلك ، غير أن أبا عبيدة أنشد للبيد وهو غير مدافع عن الفصاحة :] الوافر]

٥٠٠ ـ سقى قومي بني مجد وأسقى

نميرا والقبائل من هلال (٣)

فسئل الأصمعي عن هذا البيت فقال : هو عندي معمول ولا يكون مطبوع يأتي للغتين في بيت واحد.

(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) (١٧)

(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) حكى أبو زيد وأبو عبيدة : فتنته وأفتنته. قال أبو زيد : لغة بني تميم أفتنته. قال الأصمعي : فتنه يفتنه فهو فاتن وفتان قال الله جلّ وعزّ (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ)] الصافات : ١٦٢] قال : ولا يقال : أفتنه وأنكر هذه اللغة ولم يعرفها ، فأنشدهم :] الطويل]

٥٠١ ـ لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت

سعيدا فأمسى قد قلا كلّ مسلم (٤)

قال أبو جعفر : وهذا شعر قديم ، غير أن الأصمعي قال : لا بأس هذا قد سمعناه من مخنّث فلا يلتفت إليه ، وإن كان قد قيل قديما. قال أبو جعفر : قد حكى الجلّة من أهل اللغة ممن يرجع إلى قوله في الصدق فتنه وأفتنه غير أن سيبويه فرّق بينهما فذهب إلى أن المعتدي أفتن ، وأن معنى فتنه جعل فيه فتنة ، كما تقول : كحلّه. (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) وقرأ مسلم بن جندب (نَسْلُكُهُ) (٥) بضم النون. قال أبو جعفر : سلكه وأسلكه لغتان عند كثير من أهل اللغة ، وقال الأصمعي : سلكه بغير

__________________

(١) انظر الكتاب ٤ / ٢٦٨.

(٢) انظر مجاز القرآن ١ / ٣٤٩.

(٣) مرّ الشاهد رقم / ٢٣٩).

(٤) الشاهد لأعشى همدان في لسان العرب (فتن) والمخصّص ٤ / ٦٢ ، وتاج العروس (فتن) ، ولابن قيس الرقيات في الخصائص ٣ / ٣١٥ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في لسان العرب (فتن) ، وتهذيب اللغة ١٤ / ٢٨٩ ، وجمهرة اللغة ٤٠٦ ، ومقاييس اللغة ٤ / ٤٧٣ ، وديوان الأدب ٢ / ٣٣٤ ، وكتاب العين ٨ / ١٢٨.

(٥) انظر تيسير الداني ١٧٥ (قرأ الكوفيون بالياء والباقون بالنون).

٣٤

ألف. قال الله جلّ وعزّ (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)] المدثر : ٤٢] وكما قال الشاعر :] البسيط]

٥٠٢ ـ أمّا سلكت سبيلا كنت سالكها

فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر (١)

وسلك وسلكته مثل رجع ورجعته وأسلكته لغة معروفة أنشد أبو عبيدة وغيره لعبد مناف بن ربع :] البسيط]

٥٠٣ ـ حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة

شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا (٢)

ولم يطعن الأصمعي في هذا البيت غير أنه قال : أسلكه حمله على أن يسلك ، وزعم أبو عبيدة أن الجواب محذوف وخولف في هذا ، وقيل : الجواب شلّوا وشلّا يقوم مقامه.

(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (١٨)

(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) «أنّ» في موضع نصب بمعنى ولأن وعلى قول بعضهم في موضع رفع عطفا على (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ). (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) نهي لجماعة وحذفت منه النون للجزم.

(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (١٩)

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس «لبدا» أعوانا ، وقال مجاهد : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (١٩) لبدا جماعات ومالا لبدا كثيرا. قال أبو جعفر : وهذا قول بيّن وإن كان هذا قد قرئ (لِبَداً) (٣) فهو بعيد ، والمعنى على الجماعة الأعلى الكثرة كما قال مجاهد : من تلبد الشيء على الشيء إذا تجمّع عليه ولصق به وعليه لبدة أي شعر وما أشبهه كما قال :] الطويل]

٥٠٤ ـ لدى أسد شاكي السّلاح مقاذف

له لبد أظفاره لم تقلّم (٤)

__________________

(١) الشاهد لأعشى باهلة في الأصمعيات ٩٣ ، والخزانة ١ / ٩٧.

(٢) الشاهد لعبد مناف بن ربع الهذليّ في الأزهيّة ٢٠٣ ، والإنصاف ٢ / ٤٦١ ، وجمهرة اللغة ٨٥٤ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٩ ، والدرر ٣ / ١٠٤ ، وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٦٧٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٣١ ، ولسان العرب (شرد) و (قتد) ، و (سلك) ، و (إذا) ، ومراتب النحويين ص ٨٥ ، ولابن أحمر في ملحق ديوانه ١٧٩ ، ولسان العرب (حمر) ، وبلا نسبة في أدب الكاتب ٤٣٤ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٢٥ ، وجمهرة اللغة ٣٩٠ ، والصاحبي في فقه اللغة ١٣٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٧.

(٣) انظر تيسير الداني ١٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٤٦.

(٤) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ٢٤ ، ولسان العرب (قذف) و (مكن) ، وتهذيب اللغة ٩ / ٧٦ ، وجمهرة اللغة ٩٧٤ ، وتاج العروس (قذف).

٣٥

(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) (٢٠)

ويقرأ (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) (١) والقراءة يقال متّسقة ويقال منقطعة ، والمعنيان صحيحان أي قل لهم فقال : إنما أدعو ربي (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) نسق ويجوز أن يكون مستأنفا.

(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) (٢١)

أي لا أملك أن أضرّكم في دينكم ولا دنياكم إلا أن أرشدكم كرها أي إلّا أن أبلغكم ، وفيه قول آخر يكون نصبا على إضمار فعل ، ويكون مصدرا أي : قل إني لن يجيرني من الله أحد إلا أن أبلغ رسالته فيكون «أن» منفصلة من لا. والمعنى : إلّا بلاغا ما أتاني من الله ورسالاته. (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) شرط ومجازاة ، وهو في كلام العرب عام لكل من عصى الله جلّ وعزّ إلّا من استثني بآية من القرآن أو توقيف من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو بإجماع من المسلمين ، والذي جاء مستثنى منه من تاب وآمن ومن عمل صغيرة واجتنب الكبائر وسائر ذلك داخلون في الآية إلّا ما صحّ عن النبي من خروج الموحّدين من النار.

(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (٢٢)

(لَنْ) تجعل الفعل مستقبلا لا غير (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) أي ملجأ ألجأ إليه وأميل. واللحد في القبر من هذا ؛ لأنه مائل ناحية منه ، ويمال الميت إليه.

(إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (٢٣)

(إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ) نصب على الاستثناء ، والمعنى فيه إذا كان استثناء.

(حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) (٢٤)

إذا ظرف ولا تعرب لشبهها بالحروف بتنقّلها وأن فيها معنى المجازاة ، وجوابها (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً) «من» في موضع رفع لأنها استفهام ، ولا يعمل في الاستفهام ما قبله هذا الوجه وإن جعلتها بمعنى الذي كانت في موضع نصب وأضمرت مبتدأ ؛ وكان (أَضْعَفُ) خبره (وَأَقَلُ) عطف عليه (عَدَداً) نصب على البيان.

(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) (٢٥)

(أَدْرِي) في موضع رفع حذفت الضمة منه ، ومن نصبه فقد لحن لحنا لا يجوز (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ) عطف عليه.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٥.

٣٦

(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) (٢٦)

(عالِمُ الْغَيْبِ) نعت (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً).

(إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (٢٧)

(إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) في موضع نصب على الاستثناء من أحد لأن أحدا بمعنى جماعة (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) بمعنى جماعة أي ذوي رصد من الملائكة يحفظونه ويحفظون ما ينزل من الوحي لا يغيّر ولا يسترق.

(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (٢٨)

(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) قد ذكرناه (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) عطف جملة ؛ لأن الذي قبله مستقبل وهو ماض وكذا (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً).

٣٧

(٧٣)

شرح إعراب سورة المزّمّل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١)

الأصل المتزمّل أدغمت التاء في الزاي ، وفي معناه ثلاثة أقوال. فمذهب الزهري أنه تزمّل من فزع أصابه أول ما رأى الملك ، ومذهب قتادة أنه تزمّل متأهّبا للصلاة ، تأوّلا على قتادة وليس بنصّ قوله ، ومذهب عكرمة أن المعنى : يا أيها المتزمّل النبوة والرسالة مجازا وتأوّلا على عكرمة ، ونصّ قوله : قد زمّلت هذا الأمر فقم به. قال أبو جعفر : والبيّن قول الزهري. قال إبراهيم النخعيّ: كان متزمّلا في قطيفة.

(قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) (٣)

كسرت الميم لالتقاء الساكنين ولم تردد الواو لأن الحركة ليست بلازمة. في معنى (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) ثلاثة أقوال : إنّ هذا ليس بفرض. يدلّ على ذلك أن بعده (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) وليس كذلك تكون الفروض ، والقول الثاني إنه منسوخ ، نسخه آخر السورة وهذا قول ابن عباس ، والقول الثالث إنه كان فرضا فالمخاطب به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يقل عزوجل قوموا ، «نصفه» منصوب على إضمار فعل أي قسم نصفه ، (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) ضمّت الواو لالتقاء الساكنين وإن شئت كسرت على الأصل.

(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٤)

(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) تخيير (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) حقيقته في كلام العرب تلبّث في قراءته وافصل الحرف من الحرف الذي بعده ، ولا تستعجل فيدخل بعض الحروف في بعض. مشتقّ من الرتل. قال الأصمعي : وفي الأسنان الرتل ؛ وهو أن يكون بين الأسنان الفرج ، لا يركب بعضها بعضا ، يقال ثغر رتل. قال أبو جعفر : وهذا قول صحيح بيّن ، وقيل : هو من الرّتل الذي هو الضعف واللين. فالمعنى : ليّن القراءة ولا تستعجل بالانكماش.

٣٨

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (٥)

في معناه قولان : قال عروة : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أوحي إليه وهو على ناقته ثقل عليها حتى تضع جرانها ، وقيل : لما فيه من الفرائض والمنع من الشهوات كما قال قتادة : ثقله في الميزان كثقله على الإنسان في الدنيا.

(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (٦)

(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) من نشأ إذا ابتدأ (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) (١) كذا يقرأ أكثر القراء ، وهذا نصب على البيان. ووطأ مصدر واطأ مواطأة ووطاء (وَأَقْوَمُ قِيلاً) بيان أيضا.

(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) (٧)

وعن يحيى بن يعمر أنه قرأ «سبخا» (٢) بخاء معجمة أي راحة ونوما. وفي الحديث «لا تسبّخي عنه» أي لا تخفّفي.

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (٨)

تبتيل مصدر بتّل ؛ لأن المعنى واحد ، وقد تبتّل تبتّلا.

(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) (٩)

(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) بالرفع والكوفيون يقرءون «رب المشرق والمغرب» (٣) بالخفض. والرفع حسن ؛ لأنه أول الآية بمعنى هو ربّ المشرق ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ولو كان خبره (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) لكان النصب أولى به.

(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (١٠)

(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي مما يؤذيك. (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) وهو الهجر في ذات الله جلّ وعزّ ، كما قال : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)] الأنعام : ٦٨] .

(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) (١١)

(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ). عطف على النون والياء ، ويجوز أن يكون مفعولا معه (أُولِي النَّعْمَةِ) كتبت بزيادة واو بعد الألف فرقا بين أولي وإلى (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) نعت لمصدر أو ظرف.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٧٥.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٣٥٥ (وهذه قراءة عكرمة وابن أبي عبلة أيضا).

(٣) انظر تيسير الداني ١٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٥٥.

٣٩

(وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً) (١٣)

(إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) اسم «إنّ» الواحد نكل (وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً) (١٣) نسق كلّه ، والمعنى عندنا هذا.

(يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) (١٤)

قال الفراء (١) : هلت التراب إذا حرّكت أسفله فسقط أعلاه ، وقال أبو عبيد : يقال لكلّ شيء أرسلته ، إرسالا من رمل أو تراب أو طعام أو نحوه : قد هلته أهيله هيلا إذا أرسلته فهو مهيل. قال أبو جعفر : الأصل مهيول فاعلّ فألقيت حركة الياء على الهاء فالتقى ساكنان ، واختلف النحويون بعد هذا فقال الخليل وسيبويه (٢) : حذفت الواو لالتقاء الساكنين لأنها زائدة وكسرت الهاء لمجاورتها الياء فقيل : مهيل ، وزعم الكسائي والفراء والأخفش أن هذا خطأ ؛ والحجة لهم أن الواو جاءت لمعنى فلا تحذف ولكن حذفت الياء فكان يلزمهم على هذا أن يقولوا : مهول فاحتجّوا بأن الهاء كسرت لمجاورتها الياء فلمّا حذفت الياء انقلبت الواو ياء لمجاورتها الكسرة. قال أبو جعفر : وهذا باب التصريف وغامض النحو ، وقد أجمعوا جميعا على أنه يجوز مهيول ومبيوع ومكيول ومغيوم.

قال أبو زيد : هي لغة لتميم ، وقال علقمة بن عبدة :] البسيط]

٥٠٥ ـ يوم رذاذ عليه الدّجن مغيوم (٣)

فهذا جائز في ذوات الياء ، ولا يجيزه البصريون في ذوات الواو ، ولا يجوز عندهم خاتم مصووغ ولا كلام مقوول ، لثقل هذا لأنه قد اجتمعت واوان وضمة ، وهم يستثقلون الواحدة ويفرّون منها. قال جلّ وعزّ : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ)] المرسلات : ١١] كذا في المصحف المجتمع عليه. قال الشاعر :] الرجز]

٥٠٦ ـ لكلّ دهر قد لبست أثؤبا (٤)

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٩٨.

(٢) انظر الكتاب ٤ / ٤٩١.

(٣) الشاهد لعلقمة بن عبدة في ديوانه ٥٩ ، وجمهرة اللغة ٩٦٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٩٥ ، والخصائص ١ / ٢٦١ ، وشرح المفصّل ١٠ / ٧٨ ، والمقتضب ١ / ١٠١ ، والممتع في التصريف ٢ / ٤٦٠ ، والمنصف ١ / ٢٨٦ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٨٦٦.

(٤) الرجز لمعروف بن عبد الرّحمن في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٩٠ ، ولسان العرب (ثوب) ، وله أو لحميد بن ثور في شرح التصريح ٢ / ٣٠١ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٢٢ ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ٢ / ٨٠٤ ، والكتاب ٤ / ٦٥ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٧٢ ، ولسان العرب (ملح) ، ومجالس ثعلب ٤٣٩ ، والمقتضب ١ / ٢٩ ، والممتع في التصريف ١ / ٣٣٦ ، والمنصف ١ / ٢٨٤.

٤٠