الشّفاء ـ طبيعيّات

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

الشّفاء ـ طبيعيّات

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: الدكتور محمود قاسم
الموضوع : العلوم الطبيعيّة
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: گل‌وردى
الطبعة: ٢
ISBN: 978-600-161-072-1
الصفحات: ٢٧٦

والعدد كأنه أولى ما يسمى مشتركا فإن جميع الحواس تشترك فيه. وقد ظن بعض الناس أن لهذه المحسوسات المشتركة (١) حاسة موجودة فى الحيوان تشترك فيها وبها تدرك ، وليس كذلك. فأنت تعلم أن من ذلك ما يدرك باللون لو لا اللون لما أدرك. وأن منه ما يدرك باللمس لو لا الملموس (٢) لما أدرك. فلو كان يمكن أن يدرك شىء من ذلك بغير المتوسط من كيفية هى مدرك أولى (٣) لشىء من هذه الحواس ، لكان ذلك ممكنا ، وأما أن (٤) يستحيل فينا إدراكه إلا بتوسط مدرك (٥) لحاسة (٦) معلومة أو استدلال (٧) من غير توسط الحاسة فليس لها حاسة مشتركة بوجه من الوجوه. (٨)

__________________

(١) فيه ... المشتركة : ساقطة من م.

(٢) الملموس : اللمس د ، ك.

(٣) أولى : أولا ك ؛ أول م.

(٤) أن : إذ ف

(٥) مدرك : مدركة م

(٦) لحاسة : بحاسة ك

(٧) أو استدلال : واستدلال م.

(٨) الوجوه : + تمت المقالة الثالثة من الفن السادس من الطبيعيات من كتاب النفس والحمد لله وحسن توفيقه د ؛ + تمت المقالة الثالثة من الفن السادس بحمد الله وحسن توفيقه م.

١٤١
١٤٢

المقالة الرابعة

فى الحواس الباطنة (١) (٢)

أربعة فصول (٣) (٤)

__________________

(١) فى الحواس الباطنة : من الفن السادس من الطبيعيات م

(٢) الباطنة : + وهى د.

(٣) فى الحواس الباطنة أربعة فصول : ساقطة من ف.

(٤) فصول : (تذكر نسخة د بعد هذه الكلمة عناوين الفصول الأربعة)

١٤٣
١٤٤

الفصل الأول (١)

فيه قول كلى على الحواس الباطنة التي للحيوان

وأما الحس (٢) المشترك فهو بالحقيقة غير ما ذهب إليه من ظن أن للمحسوسات المشتركة (٣) حسا مشتركا ، بل الحس المشترك هو القوة التي تتأدى إليها المحسوسات كلها ، فإنه لو لم تكن قوة واحدة تدرك الملون والملموس لما كان لنا أن نميز بينهما قائلين : إنه ليس هذا ذاك. وهب أن هذا التمييز (٤) هو للعقل ، فيجب لا محالة أن يكون العقل يجدهما معا حتى يميز (٥) بينهما ، وذلك لأنها من حيث هى محسوسة وعلى النحو المتأدى من المحسوس لا يدركها العقل ما سنوضح بعد. وقد نميز نحن بينها ، (٦) فيجب أن يكون لها اجتماع عند مميز إما فى ذاته وإما فى غيره ، ومحال ذلك فى العقل على ما ستعلمه. فيجب أن يكون فى قوة أخرى ، ولو لم يكن قد اجتمع عند الخيال من البهائم التي لا عقل لها المائلة بشهوتها إلى الحلاوة مثلا أن شيئا صورته كذا هو حلو لما كانت إذا رأته همت بأكله ، كما أنه لو لا أن (٧) عندنا نحن أن هذا الأبيض هو هذا (٨) المغنى لما كنا إذا سمعنا غناءه الشخصى أثبتنا عينه الشخصية وبالعكس. ولو لم يكن فى الحيوان ما تجتمع فيه صور المحسوسات لتعذرت عليها الحياة ، ولم (٩) يكن الشم دالا لها على الطعم ، ولم (١٠) يكن الصوت دالا إياها على الطعم ، ولم تكن صورة الخشبة تذكرها صورة الألم

__________________

(١) الفصل الأول : فصل ١ ف.

(٢) الحس : + الذي هو د ، ك.

(٣) المشتركة : ساقطة من م.

(٤) التمييز : التميز ك.

(٥) يميز : يتميز ك.

(٦) بينها : بينهما د ، ك ، م.

(٧) أن (الأولى) : ساقطة من د

(٨) هذا (الثانية) : ذلك ك.

(٩) ولم (الأولى والثانية) : ولو لم م.

(١٠) ولم (الأولى والثانية) : ولو لم م.

١٤٥

حتى تهرب منها (١). فيجب لا محالة أن يكون لهذه الصور مجمع واحد من باطن.

وقد يدلنا على وجود هذه القوة اعتبارات أمور تدل على أن لها آلة غير الحواس الظاهرة مما (٢) نراه من تخيل المدورية أن كل شىء يدور ، فذلك إما عارض عرض فى المرئيات أو عارض عرض فى الآلة التي بها تتم الرؤية ، وإذا لم يكن فى المرئيات كان لا محالة فى شىء آخر. وليس الدوار إلا بسبب (٣) حركة البخار فى الدماغ وفى الروح التي (٤) فيه فيعرض لتلك (٥) الروح أن تدور ، فتكون إذن القوة المرتبة هناك هى التي يعرض لها أمر قد فرغنا منه. وكذلك (٦) يعرض للإنسان دوار من تأمل ما يدور كثيرا على ما أنبأنا به. وليس يكون (٧) ذلك بسبب أمر فى جزء من العين ، ولا فى روح مصبوب فيه وكذلك (٨) نتخيل (٩) استعجال المتحرك النقطى مستقيما أو مستديرا على ما سلف من قبل ، ولأن تمثل الأشباح الكاذبة وسماع الأصوات الكاذبة قد يعرض لمن تفسد لهم آلات الحس أو كان مثلا مغمضا لعينه ، ولا يكون السبب فى ذلك إلا تمثلها (١٠) فى هذا المبدأ. والتخيلات التي تقع فى النوم إما أن تكون لارتسام (١١) فى خزانة حافظة المصور ، (١٢) ولو كان كذلك لوجب أن يكون كل ما اختزن فيها متمثلا فى النفس ليس بعضها دون بعض حتى يكون ذلك البعض كأنه مرئى أو مسموع وحده أو أن يكون يعرض لها التمثل (١٣) فى قوة أخرى ، وذلك إما حس ظاهر وإما حس (١٤) باطن ، لكن (١٥) الحس الظاهر معطل (١٦) فى النوم ، وربما كان (١٧) الذي يتخيل (١٨) ألوانا ما مسمول العين فبقى أن يكون حسا باطنا ، (١٩) وليس يمكن أن

__________________

(١) منها : منه م.

(٢) مما : منها ما ك.

(٣) بسبب : بحسب ف.

(٤) التي : الذي ك

(٥) لتلك : لذلك ك ، م.

(٦) وكذلك : ولذلك ك.

(٧) يكون : ساقطة من م.

(٨) وكذلك : ولذلك ف

(٩) نتخيل : يخيل ك ، م.

(١٠) تمثلها : لتمثلها د ، ك.

(١١) لارتسام : + الصورة د ، ف

(١٢) للصور : للصورة د ، م.

(١٣) التمثل : التمثيل م.

(١٤) وإما حس : أو حس ك

(١٥) لكن : لكان م

(١٦) معطل : تعطل ك

(١٧) كان : + ذلك ك.

(١٨) يتخيل : يخيل م

(١٩) حسا باطنا : حس باطن د ، ف ، ك.

١٤٦

يكون إلا المبدأ للحواس الظاهرة. والذي كان (١) إذا استولت القوة الوهمية وجعلت تستعرض ما فى الخزانة تستعرضه بها (٢) ولو فى اليقظة ، فإذا استحكم ثباتها فيها كانت كالمشاهدة.

فهذه القوة هى التي تسمى الحس المشترك وهى (٣) مركز الحواس ، ومنها تتشعب الشعب ، وإليها تؤدى الحواس ، وهى بالحقيقة هى (٤) التي تحس ، لكن إمساك ما تدركه هذه هو للقوة التي تسمى خيالا وتسمى مصورة وتسمى متخيلة ، وربما فرق بين الخيال والمتخيلة بحسب الاصطلاح ، ونحن ممن يفصل ذلك. (٥) والحس المشترك والخيال كأنهما قوة واحدة ، وكأنهما لا يختلفان فى الموضوع ، بل فى الصورة. وذلك أنه (٦) ليس أن يقبل هو أن يحفظ ، فصورة المحسوس تحفظها القوة التي تسمى المصورة والخيال ، وليس إليها (٧) حكم البتة ، بل حفظ. وأما الحس المشترك والحواس الظاهرة فإنها تحكم بجهة ما أو بحكم ما ، فيقال إن هذا المتحرك أسود وإن هذا الأحمر حامض ، وهذا الحافظ لا يحكم به على شىء من الموجود إلا على ما فى ذاته بأن فيه صورة كذا.

ثم قد نعلم يقينا أنه فى طبيعتنا أن نركب (٨) المحسوسات بعضها إلى بعض ، وأن نفصل بعضها عن (٩) بعض ، لا على الصورة (١٠) التي وجدناها عليها من خارج ولا مع تصديق بوجود شىء منها أو لا وجوده. فيجب أن تكون فينا قوة نفعل ذلك بها ، وهذه هى التي تسمى إذا استعملها العقل مفكرة ، وإذا استعملتها قوة حيوانية متخيلة.

ثم إنا قد نحكم فى المحسوسات بمعان لا نحسها ، إما أن لا تكون فى طبائعها محسوسة البتة ، وإما أن تكون محسوسة لكننا (١١) لا نحسها وقت الحكم. أما التي

__________________

(١) كان : + فهى د.

(٢) بها : لها ك.

(٣) وهى : هى د.

(٤) بالحقيقة هى : ساقطة من م.

(٥) ذلك : + والصور التي فى الحس المشترك د ، ك ، م.

(٦) أنه : لأنه د ، ك ، م.

(٧) إليها : لها د ، ك.

(٨) نركب : مركب م.

(٩) عن : من د ، ك ، م

(١٠) الصورة : الصور ك ، م.

(١١) لكننا : لكنا ف ؛ لكنها م.

١٤٧

لا تكون (١) محسوسة فى طبائعها فمثل العداوة والرداءة (٢) والمنافرة التي تدركها الشاة فى صورة الذئب ، وبالجملة المعنى الذي ينفرها عنه ، والموافقة (٣) التي تدركها من صاحبها ، (٤) وبالجملة المعنى يؤنسها به. وهذه أمور تدركها النفس الحيوانية ، والحس لا يدلها على شىء منها. فإذن القوة التي بها تدرك ، قوة أخرى ولتسم الوهم. وأما التي تكون محسوسة فإنا نرى مثلا شيئا (٥) أصفر فنحكم أنه عسل وحلو ، فإن هذا ليس يؤديه إليه الحاس (٦) فى هذا الوقت ، وهو من جنس المحسوس ، على أن الحكم نفسه ليس بمحسوس البتة وإن كانت أجزاؤه (٧) من جنس المحسوس ، وليس يدركه فى الحال ، إنما هو حكم نحكم به ربما (٨) غلط فيه وهو أيضا لتلك القوة. وفى الإنسان للوهم أحكام خاصة (٩) من جملتها (١٠) حمله (١١) النفس على أن تمنع وجود أشياء لا تتخيل ولا ترتسم فيه ويأبى (١٢) التصديق بها. فهذه القوة لا محالة موجودة فينا ، وهى (١٣) الرئيسة الحاكمة فى الحيوان حكما ليس فصلا كالحكم العقلى ، ولكن حكما تخيليا مقرونا بالجزئية وبالصورة الحسية ، وعنها (١٤) تصدر أكثر الأفعال الحيوانية.

وقد جرت العادة بأن يسمى مدرك الحس (١٥) صورة ومدرك الوهم معنى ، ولكل (١٦) واحد منهما خزانة. فخزانة مدرك (١٧) الحس (١٨) هى (١٩) القوة الخيالية ، وموضعها مقدم الدماغ. فلذلك (٢٠) إذا حدثت هناك آفة فسد هذا الباب من التصور ، إما بأن تتخيل صورا ليست أو يصعب استثبات الموجود فيها. وخزانة مدرك الوهم (٢١) هى (٢٢)

__________________

(١) لا تكون : لا تكن ك

(٢) والرداءة : والرواية م.

(٣) التي تدركها ... والموافقة : ساقطة من م.

(٤) وبالجملة ... صاحبها : ساقطة من د.

(٥) شيئا : شاء م. (٦) إليه الحاس : الحاس إليه د ، ك.

(٧) أجزاؤه : أجزاءه ف ، ك.

(٨) ربما : وربما ك. (٩) خاصة : خاصية ك

(١٠) جملتها : ساقطة من د ، م

(١١) حملة : حملها د ، ك ، م.

(١٢) ويأبى : وتأبيها د ، ف ؛ وثانيها م

(١٣) وهى : وهو د.

(١٤) وعنها : وعنه د ، ك ، م.

(١٥) الحس : + المشترك ك.

(١٦) ولكل : لكل م (١٧) مدرك : ساقطة من ك

(١٨) الحس : + وهو الصور د

(١٩) هى : هو د ، م. (٢٠) فلذلك : ولذلك ف.

(٢١) الوهم : المعنى ك ، م ؛ + وهو المعنى د

(٢٢) هى : هو د ، ك ، م.

١٤٨

القوة التي تسمى الحافظة ، ومعدنها مؤخر الدماغ ، ولذلك إذا وقع هناك آفة وقع الفساد فيما يختص بحفظ هذه المعانى. وهذه القوة تسمى أيضا متذكرة ، فتكون حافظة لصيانتها ما فيها ، ومتذكرة لسرعة استعدادها لاستثباته ، (١) والتصور به (٢) مستعيدة إياه (٣) إذا فقد (٤) ، وذلك إذا أقبل الوهم بقوته (٥) المتخيلة فجعل يعرض واحدا واحدا من الصور الموجودة فى الخيال ليكون كأنه يشاهد الأمور التي هذه صورها. فإذا عرض له الصورة التي أدرك معها المعنى الذي بطل ، لاح له المعنى حينئذ كما لاح من خارج ، واستثبتته (٦) القوة الحافظة فى نفسها كما كانت حينئذ تستثبت فكان ذاكرا. (٧) وربما كان المصير من المعنى إلى الصورة ، فيكون التذكر للمطلوب (٨) ليست (٩) نسبته إلى ما فى خزانة الحفظ ، بل نسبته (١٠) إلى ما فى خزانة الخيال. فكأن إعادته إما (١١) فى وجه العود إلى هذه المعانى التي فى الحفظ حتى يضطر (١٢) المعنى إلى لوح الصورة فتعود النسبة إلى ما فى الخيال ثانيا ، وإما بالرجوع إلى الحس. مثال الأول أنك (١٣) إذا نسيت نسبته إلى صورة وكنت عرفت (١٤) تلك النسبة تأملت الفعل الذي كان يقصد منها ، (١٥) فلما عرفت الفعل ووجدته وعرفت (١٦) أنه أى طعم وشكل ولون يصلح له فاستثبت (١٧) النسبة به وألفت (١٨) ذلك وحصلته (١٩) نسبة (٢٠) إلى صورة فى (٢١) الخيال وأعدت النسبة فى الذكر ، فإن (٢٢) خزانة الفعل هو الحفظ لأنه من المعنى. فإن كان أشكل ذلك عليك من هذه الجهة أيضا ولم يتضح فأورد عليك الحس صورة الشىء ، عادت (٢٣) مستقرة فى الخيال وعادت النسبة إليه مستقرة فى التي تحفظ.

__________________

(١) لاستثباته : لاستثباتها ك.

(٢) به : بها ك (٣) إياه : إياها د

(٤) فقد : فقدت د ، ك

(٥) بقوته : بقوة م. (٦) واستثبتته : واستثبته ك.

(٧) ذاكرا : ذكر د ، ف ، ك.

(٨) التذكر للمطلوب : المتذكر المطلوب ف ، ك ، م.

(٩) ليست نسبته : ليس نسبته د ؛ ليس له نسبة ف ؛ ليس نسبة م

(١٠) نسبته : نسبة د ، ف ، م.

(١١) إما : ما م

(١٢) يضطر : يصير ك.

(١٣) أنك : ساقطة من ك

(١٤) نسبته : نسبة ف ، م.

(١٥) منها : عنها ك

(١٦) وعرفت : عرفت د.

(١٧) فاستثبت : فاستثبت م

(١٨) وألفت : فألفت د ، م ، فألفيت ك

(١٩) وحصلته : وحصلت ك ؛ وحصله م

(٢٠) نسبة : نسبتة ك

(٢١) فى : ساقطة من ك.

(٢٢) فإن : وإن د.

(٢٣) الشىء عادت : شىء عادت د ؛ شىء م.

١٤٩

وهذه القوة المركبة بين الصورة والصورة ، وبين الصورة والمغنى ، وبين المعنى والمعنى ، هى كأنها القوة الوهمية بالموضوع ، لا من حيث تحكم ، بل من حيث تعمل لتصل إلى الحكم. (١) وقد جعل مكانها وسط (٢) الدماغ ليكون لها اتصال بخزانتي (٣) المعنى والصورة. ويشبه أن تكون القوة الوهمية هى بعينها المفكرة والمتخيلة والمتذكرة ، وهى بعينها الحاكمة فتكون بذاتها حاكمة وبحركاتها وأفعالها متخيلة ومتذكرة ، فتكون متخيلة (٤) بما تعمل فى الصور (٥) والمعانى ، ومتذكرة بما ينتهى إليه عملها. (٦) وأما الحافظة فهى قوة خزانتها ، ويشبه أن يكون التذكر الواقع بالقصد معنى للإنسان وحده ، وأن خزانة (٧) الصورة هى المصورة (٨) والخيال ، وأن خزانة المعنى هى الحافظة ، ولا يمتنع أن تكون الوهمية بذاتها حاكمة متخيلة ، وبحركاتها متخيلة وذاكرة. (٩)

__________________

(١) الحكم : الحاكم د

(٢) وسط : واسط د ، ف

(٣) بخزانتي : لخزانتى د ، ك.

(٤) فتكون متخيلة : ساقطة من د.

(٥) الصور : الصورة م

(٦) عملها : ساقطة من م.

(٧) وأن خزانة ... وذاكرة : ساقطة من م.

(٨) الصورة : الصور ف.

(٩) وذاكرة : ذاكرة ك.

١٥٠

الفصل الثاني (١)

فى أفعال القوة (٢) المصورة والمفكرة من هذه الحواس الباطنة

وفيه القول على النوم واليقظة والرؤيا الصادقة والكاذبة وضرب من خواص النبوة.

فلنحصل القول فى القوة المصورة أولا فنقول : إن القوة المصورة التي هى الخيال هى آخر ما تستقر فيه صور المحسوسات ، وإن وجهها إلى المحسوسات هو الحس المشترك ، وإن الحس المشترك يؤدى إلى القوة المصورة على سبيل استخزان ما تؤديه إليه الحواس فتخزنه. وقد تخزن القوة المصورة أيضا أشياء ليست من المأخوذات عن الحس ، فإن القوة المفكرة قد تتصرف على الصور التي فى القوة المصورة بالتركيب والتحليل لأنها موضوعات لها ، فإذا ركبت صورة منها (٣) أو فصلتها أمكن أن تستحفظها فيها ، لأنها ليست خزانه لهذه الصورة من جهة ما هذه الصورة منسوبة إلى شىء وواردة من داخل أو خارج ، بل إنما هى خزانة لها لأنها هذه الصورة بهذا النحو من التجريد ، فلو (٤) كانت هذه الصورة على نحو ما فيها من التركيب والتفصيل ترد من خارج لكانت هذه القوة تستثبتها. فكذلك (٥) إذا لاحت لهذه القوة من سبب آخر ، وإذا عرض لسبب (٦) من الأسباب إما من التخيل والفكر وإما لشىء من التشكلات المساوية أن تمثلت صورة فى المصورة وكان الذهن غائبا أو ساكنا عن اعتباره ، أمكن أن يرتسم ذلك فى الحس المشترك نفسه (٧) على هيئاته (٨) فيسمع ويرى ألوانا وأصواتا ليس لها وجود من خارج ولا أسبابها من خارج. وأكثر ما يعرض

__________________

(١) الفصل الثاني : فصل ٢ ف.

(٢) القوة : ساقطة من د ، ف ، م.

(٣) منها : ساقطة من د.

(٤) فلو : ولو ك ، م.

(٥) فكذلك : ولذلك م.

(٦) لسبب : بسبب ك.

(٧) نفسه : + بعينه ك

(٨) على هيئاته : إلى تبيانه د ، م ؛ على هيئته ف.

١٥١

هذا عند سكون القوى العقلية أو غفول الوهم ، وعند اشتغال النفس النطقية عن (١) مراعاة الخيال والوهم. فهناك تقوى المصورة والمتخيلة على أفعالها الخاصة (٢) حتى يتمثل ما تورده من الصور محسوسة.

ولنزد هذا بيانا فنقول : إنه سيتبين (٣) بعد أن هذه القوى كلها لنفس واحدة وأنها خوادم للنفس ، (٤) فلنسلم ذلك وضعا ، ولنعلم أن اشتغال النفس ببعض هذه يصرفها عن إعانة القوى الأخرى على فعلها أو عن ضبطها عن زيغها (٥) أو عن حملها على الصواب ، فإن من شأن النفس إذا اشتغلت بالأمور الباطنة أن تغفل عن استثبات الأمور الخارجة فلا تستثبت المحسوسات حقها من الاستثبات ، وإذا اشتغلت بالأمور الخارجة أن (٦) تغفل عن استعمال القوى الباطنة ، فإنها إذا كانت تامة الإصغاء إلى المحسوسات الخارجة ففى وقت ما تكون منصرفة إلى ذلك يضعف تخيلها وتذكرها ، وإذا انصبت إلى أفعال القوة الشهوانية (٧) انكسرت منها أفعال القوة الغضبية ، (٨) وإذا انصبت إلى أفعال القوة الغضبية انكسرت منها أفعال القوة الشهوانية ؛ وبالجملة إذا انصبت إلى استكمال الأفعال الحركية (٩) ضعفت (١٠) الأفعال الإدراكية ، وبالعكس. فإذا لم تكن النفس مشتغلة بأفعال قوى عن أفعال قوة ما بل كانت (١١) وادعة كأنها معتزلة عرض لأقوى القوى وأعملها أن تغلب ، وإذا اشتغلت بقوة ما وعارض ما عن تثقيف قوة ، إنما تضبطها عن حركاتها المفرطة مراعاة النفس أو الوهم إياها استولت تلك القوة ونفذت (١٢) فى أفعالها التي بالطبع (١٣) قد خلا لها الجو وتثقفت. (١٤) وهذا الذي يعرض للنفس من أن لا تكون مشتغلة بفعل قوة أو قوى فقد يكون

__________________

(١) عن : من ك.

(٢) الخاصة : الخاصية ك.

(٣) سيتبين : سنبين د ، ك ؛ + لنا ف ، م.

(٤) للنفس : النفس م.

(٥) زيغها : زيفها ك.

(٦) أن : ساقطة من ك.

(٧) الشهوانية : الغضبية م

(٨) الغضبية ... القوة : ساقطة من م.

(٩) الحركية : الحركة م

(١٠) ضعفت : + عن م.

(١١) كانت : كان د.

(١٢) ونفذت : نفذت ك

(١٣) بالطبع : فى الطبع د

(١٤) وتثقفت : ساقطة من د ، ف ، ك.

١٥٢

لآفة أو لضعف شاغل عن الاستكمال ، كما فى الأمراض وكما فى الخوف ؛ وإما أن يكون لاستراحة ما ، كما فى النوم ؛ وإما أن يكون لكثرة انصراف الهمة إلى استعمال القوة المنصرف إليها عن غيرها.

ثم إن القوة المتخيلة قوة قد تصرفها النفس عن (١) خاص فعلها بوجهين : تارة (٢) مثل ما يكون عند اشتغال النفس بالحواس الظاهرة وصرف القوة المصورة إلى الحواس الظاهرة وتحريكها (٣) بما يورد عليها منها حتى لا تسلم للمتخيلة المفكرة فتكون المتخيلة مشغولة عن فعلها الخاص وتكون المصورة (٤) أيضا مشغولة عن الانفراد بالمتخيلة (٥) وبكون ما تحتاجان إليه من (٦) الحس المشترك ثابتا واقعا فى شغل الحواس الظاهرة (٧) وهذا الوجه هو وجه ، وتارة عند استعمال النفس إياها فى أفعالها التي تتصل بها من التمييز (٨) والفكرة. وهذا على وجهين أيضا : أحدهما أن تستولى على المتخيلة فتستخدمها (٩) والحس المشترك معها (١٠) فى تركيب صور بأعيانها وتحليلها (١١) على جهة يقع للنفس فيها (١٢) غرض صحيح ، ولا تتمكن المتخيلة لذلك من التصرف (١٣) على ما لها أن تتصرف عليه (١٤) بطباعها ، بل تكون منجرة مع تصريف (١٥) النفس النطقية إياها انجرارا ؛ والثاني أن تصرفها عن التخيلات التي لا تطابق الموجودات من خارج فتكفها عن ذلك استبطالا لها فلا تتمكن من شدة تشبيحها وتمثيلها. فإن شغلت المتخيلة من الجهتين جميعا ضعف فعلها ، وإن زال عنها الشغل من الجهتين كلتيهما (١٦) ـ كما يكون فى حال النوم أو من جهة واحدة كما يكون عند الأمراض التي تضعف البدن وتشغل النفس عن العقل والتمييز (١٧) وكما عند

__________________

(١) القوة ... إن : ساقطة من م.

(٢) تارة : ساقطة من م.

(٣) وتحريكها : تحريكها م.

(٤) المصورة : الصورة م.

(٥) بالمتخيلة : بالجملة م

(٦) من : ساقطة من م.

(٧) الظاهرة : الظاهر م.

(٨) التمييز : التميز ك.

(٩) فتستخدمها : فليستخدمها م

(١٠) معها : معا م

(١١) وتحليلها : وتخييلها م.

(١٢) فيها : نفسها م.

(١٣) لذلك من التصرف : عن جهة تقع م.

(١٤) عليه : ساقطة من د

(١٥) تصريف : تعريف م.

(١٦) كليتيهما : كلهما ك.

(١٧) والتمييز : والتميز ك.

١٥٣

الخوف حتى تضعف النفس وتكاد تجوز ما لا يكون وتكون منصرفة عن العقل جملة لضعفها ولخوفها (١) وقوع أمور جسدانية فكأنها (٢) تترك العقل وتدبيره ـ أمكن (٣) التخيل حينئذ أن يقوى ويقبل على المصورة ويستعملها ويتقوى اجتماعهما (٤) معا فتصير المصورة أظهر فعلا فتلوح الصور (٥) التي فى المصورة فى الحاس المشترك فترى كأنها موجودة خارجا ، لأن الأثر المدرك من الوارد من خارج ومن الوارد من داخل هو ما يتمثل فيها (٦) وإنما يختلف بالنسبة. وإذا كان المحسوس بالحقيقة هو ما يتمثل ، فإذا تمثل كان حاله كحال ما يرد من خارج. ولهذا ما يرى الإنسان المجنون والخائف والضعيف والنائم أشباحا قائمة كما يراها فى حال السلامة بالحقيقة ويسمع أصواتا كذلك ، فإذا تدارك التمييز (٧) أو العقل شيئا من ذلك وجذب (٨) القوة المتخيلة إلى نفسه بالتنبيه اضمحلت تلك الصور (٩) والخيالات.

وقد يتفق فى بعض الناس أن تخلق فيه القوة المتخيلة شديدة جدا غالبة حتى أنها لا تستولى (١٠) عليها الحواس ولا تعصيها المصورة ، وتكون النفس أيضا قوية لا يبطل التفاتها إلى العقل وما قبل العقل انصبابها إلى الحواس. فهؤلاء يكون لهم فى اليقظة ما يكون لغيرهم فى المنام من الحالة التي سنخبر عنها بعد وهى حالة إدراك النائم (١١) مغيبات يتحققها بحالها أو بأمثلة تكون لها. فإن هؤلاء قد يعرض لهم مثلها فى اليقظة ، وكثيرا ما يكون لهم فى توسط ذلك أن يغيبوا آخر الأمر عن المحسوسات ويصيبهم كالإغماء وكثيرا ما لا يكون ، وكثيرا ما (١٢) يرون الشىء بحاله ، وكثيرا ما يتخيل لهم مثاله للسبب الذي يتخيل للنائم مثال ما يراه مما نوضحه بعد ، وكثيرا ما يتمثل لهم شبح ويتخيلون أن ما (١٣) يدركونه خطاب من ذلك الشبح بألفاظ مسموعة تحفظ (١٤) وتتلى ، وهذه هى النبوة الخاصة بالقوة المتخيلة. وهاهنا نبوات أخرى (١٥) سيتضح أمرها.

__________________

(١) ولخوفها : ولحوقها م

(٢) فكأنها : فكأنه م

(٣) أمكن : أنكر م.

(٤) اجتماعهما : اجتماعها م.

(٥) الصور : الصورة ك.

(٦) فيها : فيه ف.

(٧) التمييز : التميز ك

(٨) وجذب : وجدت م.

(٩) الصور : الصورة م.

(١٠) لا تستولى : تستولى د.

(١١) من الحالة ... النائم : ساقطة من م.

(١٢) ما لا يكون وكثيرا : ساقطة من د.

(١٣) أن ما : إنما ما ك.

(١٤) نحفظ : تحفظه ك ، م.

(١٥) نبوات : قوات د.

١٥٤

وليس أحد من الناس لا نصيب له من أمر الرؤيا ومن حال الإدراكات التي تكون فى اليقظة ، فإن الخواطر التي تقع دفعة فى النفس إنما يكون سببها اتصالات ما لا يشعر بها ولا بما يتصل بها لا قبلها ولا بعدها ، فتنتقل النفس منها إلى شىء آخر (١) غير ما كان عليه (٢) مجراها. وقد يكون ذلك من كل جنس ، فيكون من المعقولات. ويكون من الإنذارات ، ويكون شعرا ، ويكون غير ذلك بحسب الاستعدادات (٣) والعادة والخلق. وهذه الخواطر تكون لأسباب تعن للنفس مسارقة (٤) فى أكثر الأمر وتكون كالتلويحات المستلبة (٥) التي لا تتقرر فتذكر إلا أن تبادر إليها النفس بالضبط الفاضل ، ويكون أكثر ما تفعله أن تشغل (٦) التخيل بجنس غير مناسب لما كان فيه.

ومن شأن هذه القوة المتخيلة أن تكون دائمة الإكباب (٧) على خزانتى المصورة والذاكرة ، ودائمة العرض للصور (٨) مبتدئة من صورة محسوسة أو مذكورة ، منتقلة منها إلى ضد أو ند أو شىء هو منه بسبب ، وهذه طبيعتها. وأما اختصاص انتقالها من الشىء إلى ضده دون نده ، أو نده دون ضده ، فيكون لذلك أسباب جزئية لا تحصى. وبالجملة يجب أن يكون أصل السبب فى ذلك أن النفس إذا جمعت بين مراعاة المعانى والصور انتقلت من المعنى إلى الصورة التي هى أقرب إليها (٩) إما مطلقا وإما لاتفاق قرب عهد مشاهدته لتألفهما فى حس أو فى وهم ، وانتقلت كذلك (١٠) من الصورة إلى المعنى. ويكون السبب الأول الذي يخصص صورة دون صورة ومعنى دون معنى أمرا قد ورد عليه من الحس خصصه به ، أو من العقل ، أو الوهم فخصصه به ، أو لأمر سماوى. فلما تخصص بذلك صار استمراره وانتقاله متخصصا لتخصيص (١١) المبدأين (١٢) ، ولأجل أحوال تقارن (١٣) فى (١٤) العادة ولقرب (١٥) العهد ببعض الصور والمعانى. وقد يكون ذلك لأحوال أيضا سماوية ، وقد يكون لطوالع من العقل والحس بعد التخصيص الأول تضاف إليه.

__________________

(١) آخر : ساقطة من م.

(٢) عليه : عليها د ، ك.

(٣) الاستعدادات : الاستعداد ف.

(٤) مسارقة : مشارفة م.

(٥) المستلبة : المستنية د.

(٦) تشغل : تشتغل م.

(٧) الإكباب : الالباب م.

(٨) للصور : للصورة ك ، م.

(٩) إليها : اليه ف.

(١٠) كذلك : لذلك م.

(١١) لتخصيص : لتخصص ك ؛ بمخصص م ؛ ساقطة من د

(١٢) المبدأين : المتداين م

(١٣) تقارن : مقارن د ، ك

(١٤) فى : من د ، ك م

(١٥) ولقرب : لقرب د ؛ أو لقرب ك.

١٥٥

واعلم أن الفكر النطقى ممنو بهذه القوة وهو من غريرة هذه القوة فى شغل شاغل ، فإنه إذا استعملها فى صورة ما استعمالا موجها نحو غرض ما انتقلت بسرعة إلى شىء آخر لا يناسبه ومنه إلى ثالث وأنست النفس أول ما ابتدأت عنه حتى تحوج النفس إلى التذكر فازعة (١) إلى التحليل بالعكس حتى تعود (٢) إلى المبدأ. (٣) فإذا (٤) اتفق فى حال اليقظة أن أدرك النفس شيئا أو فى حال النوم أن اتصلت بالملكوت اتصالا على ما سنصفه بعد وصفا ، فإن هذه القوة إن مكنتها (٥) بسكونها أو بانقهارها (٦) من حسن (٧) الاستثبات ولم تغلبها مقصرة عليها زمان الاستثبات لما يلوح لها من تخيلاتها ، تمكنت تلك الصورة من الذكر تمكنا جيدا على وجهه وصورته فلم تحتج إن كان يقظة إلى التذكر ، وإن كان نوما إلى التعبير ، وإن كان وجهه وصورته فلم تحتج إن كان يقظة إلى التذكر ، وإن كان نوما إلى التعبير ، (٨) وإن كان وحيا إلى التأويل ، (٩) فإن التعبير والتأويل هاهنا يذهبان (١٠) مذهب التذكر. فان لم تستثيب النفس ما رأته من ذلك فى قوة الذكر على ما ينبغى ، بل كانت القوة المتخيلة توازى كل مفرد من المرئى (١١) فى النوم بخيال مفرد أو مركب ، أو توازى مركبا من المرئى (١٢) فى النوم بخيال مفرد أو مركب (١٣) فلا تزال تحاذى ما يرى هناك بمحاكاة (١٤) مؤلفة من صور ومعان كان (١٥) استثبات النفس فى ذاتها لما يراها (١٦) أضعف من استثبات المصورة (١٧) والمتذكرة لما يورده التخيل ، فلم يثبت فى الذكر ما أرى من الملكوت وثبت (١٨) ما حوكي به.

ويتفق كثيرا أن يكون ما يرى من الملكوت شيئا كالرأس وكالابتداء ، فيستولى التخيل على النفس استيلاء يصرفها (١٩) عن استتمام ما تراه ، وتنتقل بعده انتقالا بعد انتقال لا تحاكى بتلك الانتقالات شيئا مما يرى من الملكوت ، إذا ذلك قد انقطع ،

__________________

(١) فازعة : نازعة ك ، م (٢) تود : تقود م

(٣) المبدأ : المبتدأ م (٤) فإذا : وإذا ف.

(٥) مكنتها : مكنته ك (٦) بانقهارها : بانتهارها ك

(٧) حسن : خبس ك.

(٨) التعبير : تعبير د ، ف ، م

(٩) إلى التأويل : إلى تأويل د ، ف م

(١٠) يذهبان : يذهب د ، ف ، ك.

(١١) المرئى : الذي م.

(١٢) المرئى : الذي م

(١٣) أو مركب : ساقطة من د.

(١٤) بمحاكاة : محاكاة م

(١٥) كان : وكان م.

(١٦) يراها : تراه ك ، م

(١٧) المصورة : الصورة د.

(١٨) وثبت : ويثبت ك.

(١٩) يصرفها : يصرفه د.

١٥٦

فيكون هذا ضربا من الرؤيا. إنما موضع العبارة منه (١) شىء طفيف وباقيه (٢) أضغاث أحلام ، فما كان من الرؤيا من الجنس الذي السلطان فيه للتخيل فإنه يحتاج إلى عبارة ضرورة.

وربما رأى الإنسان تعبير رؤياه فى رؤياه فيكون ذلك بالحقيقة تذكرا ، فإن القوة المفكرة كما أنها قد تنتقل (٣) أولا من الأصل إلى الحكاية لمناسبة بينهما ، كذلك لا يبعد أن تنتقل عن الحكاية إلى الأصل ، فكثيرا ما يعرض لها أن تتخيل فعلها ذلك مرة أخرى فترى كأن مخاطبا يخاطبها (٤) بذلك ، وكثيرا ما لم يكن كذلك ، بل كان كأنها تعاين الشىء معاينة صحيحة من غير أن تكون النفس اتصلت بالملكوت ، بل تكون محاكاة من المتخيلة للمحاكاة فترجع إلى الأصل.

وهذا الضرب من الرؤيا الصحيح قد يقع عن (٥) التخيل من غير معونة قوة أخرى وإن كان الأصل فيه ذلك فيرجع ، وربما حاكت هذه المحاكاة محاكاة (٦) أخرى فتحتاج إلى تعبير المعبر مرة أخرى ، وهذه أشياء وأحوال لا تضبط.

ومن الناس من يكون أصح أحلاما ، وذلك إذا كانت نفسه قد اعتادت الصدق وقهر (٧) التخيل الكاذب وأكثر من يتفق له أن يعبر (٨) رؤياه فى رؤياه هو من كانت همته مشغولة بما رأى ، فإذا نام بقى الشغل به بحاله ، فأخذت القوة المتخيلة (٩) تحاكية بعكس ما حاكت أولا. وقد حكى (١٠) أن هرقل الملك رأى رؤيا شغلت قلبه ولم يجد عند المعبرين ما يشفيه ، فلما نام بعد ذلك عبرت (١١) له فى منامه تلك الرؤيا ، فكانت مشتملة على إخبار عن أمور تكون فى العالم وفى خاص مدينته ومملكته ، فلما دونت تلك الإنذارات خرجت على نحو ما عبر له فى منامه ، وقد جرب (١٢) هذا فى غيره.

والذين يرون هذه الأمور فى اليقظة منهم من يرى ذلك لشرف نفسه وقوتها

__________________

(١) منه : عنه ك

(٢) وباقية : وما فيه ك.

(٣) تنتقل : انتقلت له ، م.

(٤) يخاطبها : مخاطبة د ؛ يخاطبه م.

(٥) عن : من م.

(٦) محاكاة : بمحاكاة ك.

(٧) وقهر : وقهرت ف

(٨) يمبر : + تأويل د ، ك.

(٩) المتخيلة : المخيلة م.

(١٠) حكى : روى م.

(١١) عبرت : عبر د ، ف ، ك.

(١٢) جرب : خبرت د ؛ خبرت مثل ك.

١٥٧

وقوة متخيلته ومتذكرته فلا تشغلها المحسوسات عن أفعالها الخاصة ، ومنهم يرى ذلك لزوال تمييزه (١) ولأن النفس التي له منصرفة عن التمييز. (٢) ولذلك فإن تخيله قوى ، فهو قادر على تلقى الأمور الغيبية فى حال اليقظة. فإن النفس محتاجة فى تلقى فيض الغيب إلى القوة الباطنة من وجهين : أحدهما ليتصور فيها المعنى الجزئى تصورا محفوظا ، والثاني لتكون معينة لها متصرفة فى جهة إرادتها ، لا شاغلة إياها ، جاذبة (٣) إلى جهتها ، فيحتاج إلى نسبة بين الغيب وبين النفس والقوة الباطنة المتخيلة ونسبة بين النفس والقوة الباطنة المتخيلة فإن كان الحس يستعملها أو العقل (٤) يستعملها على النحو العقلى الذي ذكرناه لم تفرغ لأمور أخرى ، مثل المرآة إذا شغلت عن جهة وحركت (٥) نحو جهة فإن كثيرا من الأمور التي من شأنها أن ترتسم فى تلك المرآة مغافصة ومباغتة (٦) لنسبة ما بينهما لا ترتسم. وسواء كان هذا الشغل من الحس أو من ضبط العقل ، فإذا فات (٧) أحدهما أو شك أن تتفق النسبة المحتاج إليها ما بين (٨) الغيب وبين النفس والقوة المتخيلة ، وبين النفس وبين القوة المتخيلة ، فيلوح فيها اللائح على نحو ما يلوح.

ولأنا قد انتقل بنا (٩) الكلام فى التخيل إلى أمر الرؤيا فلا بأس أن ندل يسيرا على المبدأ الذي تقع عنه الإنذارات فى المنام بأمور نضعها وضعا. وإنما يتبين (١٠) لنا فى الصناعة التي هى الفلسفة الأولى ، فنقول : إن معانى جميع الأمور الكائنة فى العالم مما سلف ومما حضر (١١) ومما يريد أن يكون موجودة فى علم البارئ والملائكة العقلية من جهة وموجودة فى أنفس الملائكة (١٢) السماوية من جهة ، وستتضح لك الجهتان فى موضع آخر. وإن الأنفس البشرية أشد مناسبة لتلك الجواهر الملكية منها للأجسام المحسوسة ، وليس هناك احتجاب ولا بخل ، إنما الحجاب للقوابل إما لانغمارها فى الأجسام وإما لتدنسها بالأمور الجاذبة إلى الجنبة السافلة ، وإذا

__________________

(١) تمييزه : تميزه ك

(٢) التمييز : التميز ك.

(٣) جاذبة : + لها ف.

(٤) أو العقل : والعقل م.

(٥) وحركت : وحركة م.

(٦) ومباغتة : ومباغية ك.

(٧) فات : مات م.

(٨) ما بين : بين ت.

(٩) بنا : منا ك.

(١٠) يتبين : تبين ك.

(١١) حضر : خص م.

(١٢) العقلية ... الملائكة : ساقطة من م.

١٥٨

وقع لها أدنى فراغ من هذه الأفعال حصل (١) لها مطالعة لما ثم ، فيكون أولى ما تستثبته ما يتصل بذلك الإنسان أو بذويه أو ببلده أو بإقليمه. فلذلك (٢) أكثر الأحلام الذي تذكر تختص بالإنسان الذي حلم بها وبمن يليه ، ومن كانت همته المعقولات لاحت له ، ومن كانت همته مصالح الناس رآها واهتدى إليها ، كذلك على هذا القياس. وليست الأحلام كلها صادقة ، وبحيث يجب أن يشتغل بها ، فإن القوة المتخيلة ليس كل محاكاتها إنما تكون لما يفيض على النفس من الملكوت ، بل أكثر ما يكون منها ذلك إنما يكون إذا كانت هذه القوة قد سكنت عن محاكاة أمور هى أقرب إليها. والأمور التي هى أقرب إليها منها طبيعية ، ومنها إرادية. فالطبيعية هى التي تكون من ممازجة (٣) قوى الأخلاط للروح التي تمتطيها (٤) القوة المصورة والمتخيلة ، فإنها أول شىء إنما تحكيها وتشتغل بها. وقد تحكى أيضا آلاما تكون فى البدن وأعراضا فيه ، مثل ما يكون عند ما تتحرك القوة الدافعة للمنى إلى الدفع ، فإن المتخيلة حينئذ تحاكى صورا من شأن النفس أن تميل إلى مجامعتها ، ومن كان به جوع حكى له مأكولات ، ومن كان (٥) به حاجة إلى دفع فضل حكى له (٦) موضع ذلك ، ومن عرض لعضو منه أن سخن أو برد بسبب حر أو برد حكى له أن ذلك العضو منه موضوع فى نار أو فى ماء بارد. ومن العجائب أنه كما يعرض من حركة الطبيعة لدفع المنى تخيل ما ، كذلك ربما عرض تخيل ما لصورة مشتهاة بسبب من الأسباب ، فنبعث الطبيعة إلى جمع المنى وإرسال الريح الناشرة (٧) لآلة الجماع وربما قذفت المنى ، وقد يكون هذا فى النوم واليقظة جميعا وإن لم يكن هناك (٨) هيجان وشبق.

وأما الإرادية فان يكون فى همة النفس وقت اليقظة شىء تنصرف النفس إلى تأمله وتدبره ، فإذا نام أخذت المتخيلة تحكى ذلك الشىء وما هو من جنس ذلك الشىء ، وهذا هو من بقايا الفكر التي تكون فى اليقظة ، وهذه كلها أضغاث أحلام. وقد تكون أيضا من تأثيرات الأجرام السماوية ، فإنها قد توقع بحسب مناسباتها ومناسبات نفوسها

__________________

(١) حصل : حصلت م.

(٢) فلذلك : ولذلك ف ؛ فكذلك م.

(٣) من ممازجة : بممازجة ك ، م

(٤) تمتطيها : تميطها د ؛ تمطيها ك.

(٥) ومن كان : وكان د.

(٦) له : به د.

(٧) الناشرة : الناشر م.

(٨) هناك : + أيضا د ، ف ، م.

١٥٩

صورا فى التخيل بحسب الاستعداد ليست عن تمثل شىء من عالم الغيب والإندار.

وأما الذي يحتاج أن يعبر وأن يتأول (١) فهو ما لم ينسب إلى شىء من هذه الجملة ، (٢) فيعلم أنه قد وقع من سبب خارج وأن له دلالة ما ، فلذلك (٣) لا يصح فى الأكثر رؤيا الشاعر (٤) والكذاب والشرير والسكران والمريض والمغموم ومن غلب عليه سوء مزاج أو فكر. ولذلك أيضا إنما يصح من الرؤيا فى أكثر الأمر ما كان فى وقت السحر ، لأن الخواطر كلها تكون فى هذا الوقت ساكنة ، (٥) وحركات الأشباح تكون قد هدأت. وإذا كانت القوة المتخيلة فى حال (٦) النوم فى مثل هذا الوقت غير مشغولة بالبدن ولا مقطوعة عن الحافظة والمصورة ، (٧) بل متمكنة منهما ، فبالحرى أن تحسن (٨) خدمتها للنفس فى ذلك ، لأنها تحتاج لا محالة فيما يرد عليها. من ذلك أن ترتسم صورته فى هذه القوة (٩) ارتساما صالحا إما هى أنفسها وإما محاكياتها.

ويجب أن يعلم أن أصح الناس أحلاما أعدلهم أمزجة ، فإن اليابس المزاج وإن كان يحفظ جيدا فإنه لا يقبل جيدا ، والرطب المزاج وإن كان يقبل سريعا فإنه يترك سريعا فيكون كأنه لم يقبل ولم يحفظ (١٠) جيدا ، (١١) والحار المزاج متشوش الحركات ، والبارد المزاج بليد ، (١٢) وأصحهم من اعتاد الصدق. فإن عادة الكذب والأفكار الفاسدة تجعل الخيال ردىء الحركات غير مطاوع لتسديد النطق ، بل يكون حاله حال خيال من فسد مزاجه إلى تشويش.

وإذا كان هذا مما يتعلق (١٣) بالنوم واليقظة ، فيجب أن ندل هاهنا باختصار على أمر النوم واليقظة. فنقول : إن اليقظة حالة تكون النفس (١٤) فيها مستعملة للحواس أو للقوى المحركة من ظاهر بالإرادة التي لا ضرورة إليها ، فيكون النوم عدم هذه الحالة ، وتكون (١٥) النفس فيه قد أعرضت عن الجهة الخارجة إلى الجهة الداخلة

__________________

(١) وأن يتأول : ساقطة من د

(٢) الجملة : الجهة ك ، م. (٣) فلذلك : ولذلك د.

(٤) الشاعر : للشاعر م.

(٥) ساكنة : ساكن د.

(٦) حال : ساقطة من ف ، م.

(٧) والمصورة : المصورة م

(٨) تحسن : تحس م.

(٩) القوة : القوى ف.

(١٠) ولم يحفظ : ولا يحفظ د ، ف ، ك

(١١) جيدا : ساقطة من م.

(١٢) بليد : بليدا م.

(١٣) مما يتعلق : ما يتعلق ف.

(١٤) النفس : للنفس م.

(١٥) وتكون : فتكون ف.

١٦٠