الشّفاء ـ طبيعيّات

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

الشّفاء ـ طبيعيّات

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: الدكتور محمود قاسم
الموضوع : العلوم الطبيعيّة
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: گل‌وردى
الطبعة: ٢
ISBN: 978-600-161-072-1
الصفحات: ٢٧٦

وإعراضها لا يخلو من أحد وجوه : إما أن يكون (١) لكلال عرض لها من هذه الجهة ، وإما أن يكون لمهم (٢) عرض لها فى تلك الجهة ، وإما أن يكون لعصيان (٣) الآلات إياها.

والذي يكون من الكلال هو أن يكون الشىء (٤) الذي يسمى روحا وتعرفه فى موضعه قد تحلل وضعف فلا يقدر على الانبساط فيغور وتتبعه القوى النفسانية. وهذا الكلال قد يعرض من الحركات البدنية وقد يعرض من الأفكار وقد يعرض من الخوف. فإن الخوف قد يعرض منه النوم ، بل الموت ، وربما كانت الأفكار تنوم لا من هذه الجهة ، بل بأن تسخن الدماغ فتنجذب (٥) الرطوبات إليه فيمتلئ (٦) الدماغ فينوم بالترطيب.

والذي لمهم فى الباطن هو أن يكون الغذاء والرطوبات قد اجتمعت من داخل فتحتاج إلى أن يقصدها الروح بجميع الحار الغريزى ليفى بهضمها التام فيتعطل الخارج.

والذي يكون من جهة الآلات فأن تكون الأعصاب قد امتلأت وانسدت من أبخرة وأغذية تنفد فيها إلى أن تنهضم ، أو الروح ثقلت عن الحركة لشدة الترطب. (٧)

وتكون اليقظة لأسباب مقابلة (٨) لهذه. من ذلك أسباب تجفف (٩) مثل الحرارة واليبوسة ، ومن ذلك جمام (١٠) وراحة حصلت ، (١١) ومن ذلك فراغ عن الهضم فتعود الروح منتشرة ، (١٢) ومن ذلك حالة رديئة تشغل النفس عن الغؤور ، (١٣) بل تستدعيها إلى خارج كغضب (١٤) أو خوف لأمر قريب أو مقاساة لمادة مؤلمة. (١٥) وهذا قد دخل فيما نحن فيه بسبيل العرض ، وإن كان من حق النوم واليقظة ان يتكلم فيه فى عوارض ذى الحس. (١٦)

__________________

(١) أن يكون : ساقطة من م.

(٢) لمهم : لهم ك

(٣) لعصيان : العصيان م ؛ + تلك د.

(٤) الشىء : لشىء ك.

(٥) فتنجذب : فتجذب ف

(٦) فيمتلئ : ويمتلئ د.

(٧) الترطب : الترطيب ك ، م.

(٨) مقابلة : متقابلة ك

(٩) تجفف : نخفف ك.

(١٠) جمام : حمام د ، ف ، م

(١١) حصلت : ساقطة من د.

(١٢) منتشرة : + كثيرة ك ، م

(١٣) الغؤور : الغور ك.

(١٤) كغضب : لغضب م

(١٥) مؤلمة : مؤلفة م.

(١٦) الحس : النفس د.

١٦١

الفصل الثالث (١)

فى أفعال القوى (٢) المتذكرة والوهمية وفى أن

أفعال هذه القوى كلها بآلات جسمانية

كأنا (٣) قد استقصينا القول فى حال المتخيلة والمصورة. فيجب أن نتكلم فى حال المتذكرة ، وما بينها وبين المفكرة ، وفى حال الوهم ، فنقول : إن الوهم هو الحاكم الأكبر فى الحيوان ، ويحكم سبيل انبعاث تخيلى من غير أن يكون ذلك محققا ؛ وهذا (٤) مثل ما يعرض للإنسان من استقذار العسل لمشابهته (٥) المرار ، فإن الوهم يحكم بأنه فى حكم ذلك ، وتتبع النفس ذلك الوهم وإن كان العقل يكذبه. والحيوانات وأشباهها من الناس إنما يتبعون فى أفعالهم هذا الحكم من الوهم الذي لا تفصيل منطقيا (٦) له ، بل هو على سبيل انبعاث ما فقط ، وإن كان الإنسان قد يعرض لحواسه وقواه بسبب (٧) مجاورة النطق ما يكاد أن تصير قواه الباطنة نطقية مخالفة للبهائم. فلذلك يصيب من فوائد الأصوات المؤلفة والألوان المؤلفة والروائح والطعوم المؤلفة ومن الرجاء والتمنى أمورا لا تصيبها الحيوانات الأخرى ، لأن نور النطق كأنه فائض سائح على هذه القوى. وهذا التخيل أيضا الذي للإنسان قد صار موضوعا للنطق بعد ما أنه موضوع للوهم فى الحيوانات ، حتى أنه ينتفع به فى العلوم (٨) وصار ذكره (٩) أيضا نافعا فى العلوم كالتجارب التي تحصل (١٠) بالذكر والأرصاد الجزئية وغير ذلك.

__________________

(١) الفصل الثالث : فصل ٣ ف.

(٢) القوى : القوة م.

(٣) كأنا : كما ف.

(٤) وهذا : ساقطة من م

(٥) لمشابهته : لمشابهة د ، ك ؛ لمشابهته ف.

(٦) منطقيا : نطقيا ك.

(٧) بسبب : بحسب د ؛ لسبب ك.

(٨) فى العلوم ... نافعا : ساقطة من د

(٩) ذكره : ما ذكره م

(١٠) تحصل : يحفظها ك.

١٦٢

ولنرجع (١) إلى حديث الوهم. فنقول : إن من الواجب أن يبحث الباحث ويتأمل أن الوهم الذي لم يصحبه العقل حال توهمه كيف ينال المعانى التي هى فى المحسوسات عند ما ينال الحس صورتها من غير أن يكون شىء من تلك المعانى يحس ومن غير أن يكون كثير (٢) منها مما ينفع ويضر فى تلك الحال. فنقول : إن ذلك للوهم من وجوه : من ذلك (٣) الالهامات الفائضة على الكل من الرحمة الإلهية ، مثل حال الطفل ساعة يولد فى تعلقه بالثدى ، ومثل حال الطفل إذا أقل (٤) وأقيم فكاد يسقط من مبادرته إلى أن يتعلق بمستمسك لغريزة فى النفس (٥) جعلها فيه الإلهام الإلهى ، وإذا تعرض لحدقته بالقذى بادر فأطبق جفنيه (٦) قبل فهم ما يعرض له وما ينبغى أن يفعل بحسبه كأنه غريزة لنفسه لا اختيار معه وكذلك للحيوانات (٧) إلهامات غريزية ، والسبب فى ذلك مناسبات موجودة بين هذه الأنفس ومبادئها هى دائمة لا تنقطع (٨) غير المناسبات التي يتفق أن تكون مرة وأن لا تكون ، كاستكمال العقل وكخاطر (٩) الصواب ، فإن الأمور كلها من هناك. وهذه الإلهامات يقف بها الوهم على المعانى المخالطة للمحسوسات فيما يضر وينفع ، فيكون الذئب تحذره كل شاة وإن لم تره قط ولا أصابتها منه نكبة ، وتحذر الأسد حيوانات كثيرة ، وجوارح الطير يحذرها سائر الطير وتشنع عليها الطير الضعاف من غير تجربة ؛ فهذا قسم.

وقسم آخر يكون لشىء كالتجربة ، وذلك أن الحيوان إذا أصابه ألم أو لذة أو وصل إليه نافع حسى أو ضار حسى مقارنا لصورة حسية ، فارتسم فى المصورة صورة الشىء وصورة (١٠) ما يقارنه ، وارتسم فى الذكر معنى النسبة بينهما والحكم فيها (١١) فإن الذكر لذاته ولجبلته (١٢) ينال ذلك. فإذا لاح للمتخيلة تلك الصورة من خارج

__________________

(١) ولنرجع : ونرجع د ، ك.

(٢) ومن غير أن يكون كثير ... الحال : ساقطة من د.

(٣) من ذلك : منها م.

(٤) أقل : أقبل م.

(٥) بمستمسك لغريزة فى النفس : ويعتصم لشىء لغريزة د.

(٦) جفنية : جفنه ف ، ك ؛ ساقطة من د.

(٧) للحيوانات : للحيوان د ، م.

(٨) لا تنقطع : لا تقطع ك.

(٩) وكخاطر : وخاطر م.

(١٠) الشيء وصورة : ساقطة من د.

(١١) فيها : فيهما ك ؛ بينهما م

(١٢) ولجبلته : وبجبلته ك.

١٦٣

تحركت فى المصورة وتحرك معها ما قارنها من المعانى النافعة أو الضارة ، (١) وبالجملة المعنى (٢) الذي فى الذكر على سبيل الانتقال والاستعراض الذي فى طبيعة القوة المتخيلة فأحس الوهم بجميع ذلك معا (٣) فرأى المعنى مع تلك الصورة ، وهذا هو على سبيل يقارب (٤) التجربة ، ولهذا تخاف الكلاب المدر والخشب وغيرها. وقد تقع للوهم أحكام أخرى بسبيل التشبيه بأن تكون للشىء صورة تقارن معنى وهميا فى بعض المحسوسات وليس تقارن ذلك دائما وفى جميعها ، فيلتفت مع وجود تلك الصورة إلى معناها ، وقد يختلف. (٥)

فالوهم حاكم فى الحيوان يحتاج فى أفعاله إلى طاعة هذه القوى له ، وأكثر. ما يحتاج إليه هو الذكر والحس ؛ وأما المصورة فيحتاج إليها بسبب الذكر والتذكر والذكر (٦) قد يوجد فى سائر الحيوانات ، وأما التذكر وهو الاحتيال لاستعادة ما اندرس فلا يوجد على ما أظن إلا فى الإنسان ، وذلك لأن (٧) الاستدلال على أن شيئا كان ففات (٨) إنما يكون للقوة النطقية ، وإن كان لغير النطقية فعسى أن يكون للوهم المزين بالنطق. فسائر الحيوانات إن ذكرت ذكرت ، وإن لم تذكر (٩) لم تشتق إلى التذكر ، ولم يخطر لها ذلك بالبال ، بل إن هذا الشوق والطلب هو للإنسان.

والتذكر هو (١٠) مضاف إلى أمر كان موجودا فى النفس فى الزمان الماضى ، ويشاكل التعلم من جهة ويخالفه من جهة. أما مشاكلته للتعلم فلأن التذكر انتقال من أمور (١١) تدرك ظاهرا أو باطنا إلى أمور غيرها ، وكذلك التعلم فإنه أيضا انتقال من معلوم إلى مجهول ليعلم ، لكن التذكر هو طلب أن يحصل فى المستقبل مثل ما كان حاصلا فى الماضى ، والتعلم ليس إلا (١٢) أن يحصل فى المستقبل شىء آخر ، وأيضا فإن التذكر ليس يصار إلى الغرض فيه من أشياء توجب حصول الغرض ضرورة ، (١٣)

__________________

(١) أو الضارة : والضارة د.

(٢) وبالجملة المعنى : والمعنى د.

(٣) معا : ساقطة من م.

(٤) يقارب : تقارن ك.

(٥) يختلف : يخلف د ، ف.

(٦) والذكر : ساقطة من م.

(٧) لأن : أن ك ، م.

(٨) ففات : فغاب ك ، م.

(٩) لم تذكر : ساقطة من م.

(١٠) هو : ساقطة من د.

(١١) أمور : أمر د ، ف ، م.

(١٢) إلا : ساقطة من د.

(١٣) حصول الغرض ضرورة : ضرورة حصول الغرض ك ، م.

١٦٤

بل على سبيل علامات إذا حصل أقربها من الغرض انتقلت (١) النفس إلى الغرض فى مثل تلك الحال ، ولو كانت (٢) الحال غير ذلك لم يجب ـ وإن أخطر صورة الأقرب أو معناه ـ أن تنتقل ، كمن يخطر بباله كتاب بعينه فتذكر منه معلمه الذي قرأ عليه ذلك الكتاب. وليس يجب من إخطار صورة ذلك الكتاب بالبال وإخطار معناه أن يخطر ذلك المعلم بالبال لكل إنسان. وأما العلم (٣) فإن السبيل الموصلة إليه ضرورية النقل إليه وهى (٤) القياس والحد.

ومن الناس من يكون التعلم أسهل عليه من التذكر ، لأنه يكون مطبوعا على ضروريات النقل ، ومن الناس من يكون بالعكس ، ومن الناس من يكون شديد الذكر ضعيف التذكر ، وذلك لأنه يكون يابس المزاج فيحفظ ما يأخذه ، ولا يكون حرك (٥) النفس مطاوع (٦) المادة لأفعال التخيل واستعراضاته ، ومن الناس من يكون بالعكس. وأسرع الناس تذكرا أفطنهم للإشارات ، فإن الإشارات تفعل نقلا عن المحسوسات إلى معان غيرها ، فمن كان فطنا فى الإشارات كان سريع التذكر. ومن الناس من يكون قوى الفهم ولكن يكون ضعيف الذكر ويكاد أن يكون الأمر فى الفهم والذكر بالتضاد ، فإن الفهم يحتاج إلى عنصر للصور الباطنة شديد الانطباع ، وإنما تعين عليه الرطوبة ، وأما الذكر فيحتاج إلى مادة يعسر انفساخ ما يتصور فيها ويتمثل ، وذلك يحتاج إلى مادة يابسة ، فلذلك يصعب اجتماع الأمرين. فأكثر من يكون حافظا هو الذي لا تكثر حركاته ولا تتفنن هممه ، ومن كان كثير (٧) الهمم (٨) كثير الحركات لم يذكر جيدا ، فيحتاج الذكر مع المادة المناسبة إلى (٩) أن تكون النفس مقبلة على الصورة وعلى المعنى المستثبتين (١٠) إقبالا بالحرص غير مأخوذة عنهما باشتغال آخر ، (١١) ولذلك كان (١٢) الصبيان مع رطوبتهم يحفظون جيدا ، (١٣) لأن (١٤) نفوسهم غير مشغولة بما تشتغل به نفوس (١٥) البالغين ، فلا تذهل عما

__________________

(١) انتقلت : انتقل د ، ف ، ك.

(٢) كانت : كان م.

(٣) العلم : المعلم د ؛ التعلم ك.

(٤) وهى : وهو د ، ف ، ك.

(٥) حرك : حركة ك

(٦) مطاوع : تطاوع ك ؛ مطاوعة م.

(٧) كثير الهمم : ساقطة من د

(٨) الهمم : الفهم م.

(٩) إلى : ساقطة من ك

(١٠) المستثبتين : المستبين في.

(١١) باشتغال آخر : بأشغال أخرى ف

(١٢) كان : فإن د ، ف.

(١٣) جيدا : جدا ك

(١٤) لأن نفوسهم : لا نفوسهم م

(١٥) نفوس : النفوس م.

١٦٥

هى مقبلة عليه بغيره. وأما الشبان فلحرارتهم واضطراب حركاتهم مع يبس مزاجهم لا يكون ذكرهم كذكر (١) الصبيان والمترعرعين ، والمشايخ أيضا يعرض لهم من الرطوبة الغالبة أن لا يذكروا ما يشاهدون.

وقد يعرض مع التذكر (٢) من (٣) الغضب والحزن والغم وغير ذلك ما يشاكل حال وقوع (٤) الشىء ، وذلك أنه لم يكن سبب وقوع الغم والحزن والغضب فيما مضى إلا انطباع (٥) هذه الصورة فى باطن (٦) الحواس ، فإذا عادت فعلت ذلك أو قريبا منه ، والأمانى والرجاء أيضا (٧) تفعل ذلك ، والرجاء غير الأمنية ، فإن الرجاء تخيل أمر ما مع حكم أو ظن بأنه فى الأكثر كائن ، وأما الأمنية (٨) فهى (٩) تخيل أمر وشهوته والحكم بالتذاذ يكون إن كان ، والخوف مقابل (١٠) الرجاء على سبيل التضاد ، واليأس عدمه ، وهذه كلها أحكام (١١) للوهم.

فلنقتصر الآن على ما قلناه من أمر القوى المدركة الحيوانية ، ولنبين أنها كلها تفعل أفعالها (١٢) بالآلات (١٣) ، فنقول : أما المدرك من القوى للصور الجزئية الظاهرة على هيئة غير تامة التجريد والتفريد عن المادة ولا مجردة أصلا عن علائق المادة كما تدرك (١٤) الحواس الظاهرة ، فالأمر فى احتياج إدراكه إلى آلات جسمانية (١٥) واضح سهل. وذلك لأن هذه الصور إنما تدرك ما دامت المواد حاضرة موجودة ، والجسم الحاضر الموجود إنما يكون حاضرا موجودا عند جسم ، وليس يكون حاضرا مرة وغائبا أخرى عند ما ليس بجسم ، فإنه لا نسبة له إلى قوة مفردة من جهة الحضور والغيبة. فإن الشىء الذي ليس فى مكان لا تكون للشىء المكانى إليه نسبة فى الحضور عنده (١٦) والغيبة عنه ، بل الحضور لا يقع إلا على وضع وبعد (١٧) للحاضر عند المحضور. وهذا

__________________

(١) كذكر : لذكر في م. (٢) التذكر : الذكر ك ، م

(٣) من : معنى م. (٤) وقوع : ساقطة من د ، ف ، ك

(٥) إلا انطباع : الانطباع م.

(٦) باطن : + هذه م. (٧) أيضا : ساقطة من ك ، م.

(٨) مقابل : يقابل ف.

(٩) وأما الأمنية : والأمنية د ، ف

(١٠) فهى : فهو ك ؛ ساقطة من د ، ف.

(١١) أحكام : تكون أحكاما ك ، م.

(١٢) أفعالها : أفعالا ك

(١٣) بالآلات : بآلات ف.

(١٤) تدرك : تدركه د ، ك ، م.

(١٥) آلات جسمانية : الآلات الجسمانية ك ، م.

(١٦) عنده : + والغيبة عنه ك.

(١٧) وبعد : أو بعد ك.

١٦٦

لا يمكن إذا كان الحاضر جسما إلا أن يكون المحضور جسما أو فى جسم. وأما المدرك للصور الجزئية على تجريد تام من المادة وعدم تجريد البتة من العلائق المادية كالخيال فيحتاج أيضا إلى آلة جسمانية ، فإن الخيال لا يمكنه أن يتخيل إلا أن ترتسم الصورة الخيالية (١) فيه فى جسم (٢) ارتساما مشتركا بينه (٣) وبين الجسم ؛ فإن الصورة المرتسمة فى الخيال من صورة شخص زيد على شكله وتخطيطه ووضع أعضائه بعضها عند بعض التي تتميز فى الخيال كالمنظور إليها لا يمكن أن تتخيل على ما هى عليه إلا أن تلك الأجراء والجهات من أعضائه يجب أن ترتسم فى جسم وتختلف جهات تلك الصورة فى جهات ذلك الجسم وأجزاؤها (٤) فى أجزائه. ولننقل صورة زيد إلى صورة مربع ا ب ج د المحدود المقدار والجهة والكيفية واختلاف الزوايا بالعدد ، وليكن متصلا بزاويتى ا ب منه مربعان كل واحد منهما (٥) مثل الآخر ، ولكل واحد جهة معينة ولكنهما متشابها الصورة ، فترتسم (٦) من الجملة صورة شكل مجنح جزئى واحد بالعدد مقرر (٧) فى الخيال.

فنقول : إن مربع ا ه ر ووقع غيرا بالعدد لمربع ب ح ط ى ووقع فى الخيال منه بجانب اليمين (٨) متميزا (٩) عنه بالوضع المتخيل المشار إليه فى الخيال فلا يخلو إما أن يكون

لصورة (١٠) المربعية لذاتها (١١) أو لعارض خاص له (١٢) فى المربعية غير صورة المربعية ، أو يكون للمادة التي هى تنطبع (١٣) فيها.

__________________

(١) الخيالية : الخالية م

(٢) فى جسم : ساقطة من ك ، م.

(٣) بينه : بين القوة د.

(٤) وأجزاؤها : وأجزاؤه د ، وأجزاءها ف ، م.

(٥) منهما : منهم م.

(٦) فترسم : ويرتسم م

(٧) مقرر : ومتقرر ك.

(٨) منه بجانب اليمين : بجانب اليمين منه ك ، م.

(٩) متميزا : ومتميزا ك ، م.

(١٠) لصورة : للصورة م

(١١) لذاتها : ساقطة من د ، ك ، م.

(١٢) خاص له ... فيها : ساقطة من م.

(١٣) تنطبع : منطبع ك.

حاشية : الشكل المبين فى هذه الصفحة ساقطة من نسختى ك ، م.

١٦٧

ولا يجوز أن تكون مغايرته له من جهة صورة المربعية ، وذلك لأنا (١) فرضناهما متشاكلين متشابهين متساويين. ولا يجوز أن يكون ذلك لعارض (٢) يخصه ، أما أولا فإنا لا نحتاج فى تخيله يمينا إلى إيقاع عارض (٣) فيه ليس فى ذلك غير جهات المادة ، وأما ثانيا فإن ذلك العارض إما أن يكون شيئا فيه نفسه لذاته أو يكون شيئا (٤) له بالقياس إلى ما هو شكله فى الموجودات حتى يكون كأنه شكل منزوع عن موجود هو لهذا الخيال ، (٥) أو يكون شيئا له بالقياس إلى المادة الحاملة. (٦) ولا يجوز (٧) أن يكون شيئا له فى نفسه من العوارض التي تخصه ، لأنه إما أن يكون لازما أو زائلا ، ولا يجوز أن يكون لازما له بالذات إلا وهو لازم لمشاركه فى النوع ، فإن المربعين وضعا متساويين فى النوع فلا يكون لهذا عارض لازم ليس لذلك. (٨) وأيضا فإنه لا يجوز إن كان هو فى قوة غير متجزئة تجزؤ (٩) القوى الجسمانية أن يعرض له شىء دون الآخر الذي هو مثله ومحلهما واحد غير متجزئ وهو القوة القابلة. ولا يجوز أن يكون زائلا ، لأنه يجب إذا زال ذلك (١٠) الأمر أن تتغير صورته فى الخيال ، فيكون الخيال إنما يتخيله كما هو لأنه (١١) يقرن به ذلك الأمر ، فإذا زال (١٢) تغير ، والخيال إنما يتخيله هكذا لا بسبب شىء يقرنه به ، بل يتخيله كذلك كيف كان ، ولا إلى الخيال أن يلحق بالآخر هذا العارض فيجعله (١٣) كالأول ، بل ما دام موجودا فيه يكون كذلك ويعتبره الخيال كذلك من غير التفات إلى أمر آخر يقرنه به.

ولهذا لا يجوز أن يقال : إن فرض الفارض (١٤) جعله بهذه الحال ، كما يجوز أن

__________________

(١) لأنا : أنا د.

(٢) ولا يجوز ... لعارض : ساقطة من م.

(٣) عارض : عارضا ك.

(٤) فيه ... شيئا : ساقطة من م.

(٥) لهذا الخيال : بهذه الحال م

(٦) الحاملة : الحاصلة د ، ك ، م

(٧) ولا يجوز : لا يجوز م.

(٨) لذلك : كذلك د.

(٩) تجزؤ : غير د ؛ تجزئ ك.

(١٠) ذلك : ساقطة من م.

(١١) لأنه : لا أنه ك

(١٢) زال : ازاله ف.

(١٣) فيجعله : فيتخيله د ، ك.

(١٤) الفارض : العارض ك.

١٦٨

يقال فى مثله (١) فى المعقول ، (٢) وذلك لأن (٣) الكلام يبقى بحاله فيقال (٤) ما الذي فعله الفارض (٥) حتى خصصه بهذه الحال متميزا عن الثاني. وأما فى الكلى فهناك أمر (٦) يقرنه به العقل وهو حد التيامن أو حد التياسر ، فإذا قرن بمربع حد التيامن صار بعد ذلك متيامنا ، والحد إنما يكون لأمر معقول كلى وفى مثله يصح لأنه أمر فرضى يتبع الفرض فى التصور. وأما هذا الجزئى الذي ليس يكون بالفرض ، بل إنما تتصور فى الخيال صورة عن (٧) محسوس من (٨) غير اختلاف فتثبت منظورا إليها متخيلة بعينها ، فليس يمكن أن يقال (٩) إنها (١٠) يوجد لها (١١) هذا الحد دون صاحبتها (١٢) إلا لأمر (١٣) به يستحق زيادة هذا الحد دون صاحبتها ، ولا الخيال يفرضها (١٤) كذلك بشرط يقرنه بها (١٥) ، بل يتخيلها (١٦) كذلك دفعة على أنها (١٧) فى نفسها (١٨) كذلك لا بفرضها ، (١٩) فيتخيل (٢٠) هذا المربع يمينا وذلك يسارا ، لا بسبب (٢١) بشرط يقرن (٢٢) بذلك وبهذا ، وبعد لحوقه يفرض ذلك يمينا وهذا يسارا. وأما فى صقع العقل فإن حد التيامن وحد التياسر يلحق (٢٣) المربع ـ وهو مربع لم يعرض (٢٤) له شىء آخر ـ لحوق الكلى بالكلى ، فإنه يجوز أن يثبت فى العقل كلى من غير إلحاق شىء به ، ويكون معدا لأن يلحق به ما يلحق وأما الخيال فما لم يتشخص المعنى فيه بما يتشخص به لم يتمثل للخيال ، فلذلك يجوز أن يكون فى سلطان العقل أن يقرن (٢٥) معنى بمعنى على سبيل الفرض. وأما الخيال فما لم يقع (٢٦) للمتمثل فيه أولا وضع محدود جزئى لم يرتسم فى الخيال ، ولا كان شيئا يجرى عليه فرض.

فقد بطل أن يكون هذا التمييز بسبب عارض فى ذاته لازم أو غير لازم فى ذاته أو مفروض. فنقول : ولا يجوز أن يكون ذلك بالقياس إلى الشىء الموجود

__________________

(١) فى (الأولى) ساقطة من م (٢) المعقول : المعقولات ك

(٣) لأن : أن ف (٤) الفارض : العارض ك.

(٥) فيقال ... الموجود : ساقطة من د.

(٦) أمر : ساقطة من ك.

(٧) عن : غير م (٨) من : أو م.

(٩) يقال : ساقطة من ف ، م

(١٠) إنها : ساقطة من ف ، م

(١١) لها : له م. (١٢) صاحبتها (الأولى والثانية) : صاحبها ك ، صاحبه م

(١٣) إلا لأمر : الأمر م (١٤) يفرضها : يفرضه م.

(١٥) بها : به م (١٦) يتخيلها : يتخيله م

(١٧) أنها : أنه م (١٨) نفسها : نفسه م

(١٩) لا بفرضها : لا بفرضه م.

(٢٠) فيتخيل : يتخيل م

(٢١) لا بسبب : إلا بسبب ك ، م

(٢٢) يقرن : يقترن ك ، م. (٢٣) يلحق : + فى ك

(٢٤) يعرض : يفرض ك.

(٢٥) يقرن : يقترن ك.

(٢٦) لم يقع : لا يقع ف.

١٦٩

الذي (١) هو خياله ، وذلك لأنه كثيرا ما يتخيل ما ليس بموجود. (٢) وأيضا فإن وقع لأحد المربعين نسبة إلى جسم وللمربع الآخر نسبة أخرى ، فليس يجوز أن تقع ومحلهما غير منقسم ، فإنه ليس أحد المربعين الخياليين أولى بأن ينسب إلى أحد المربعين الخارجين من الآخر إلا أن يكون قد وقع هذا فى نسبة من الجسم الموضوع له الحامل إياه إلى أحد الخارجين لا يقع الآخر فيها. فيكون إذن محل هذا غير محل ذلك ، وتكون القوة منقسمة ولا تنقسم بذاتها ، بل بانقسام ما هى فيه (٣) فتكون جسمانية. وتكون الصورة مرتسمة فى جسم ، (٤) فليس يصح أن يفترق (٥) المربعان فى الخيال لافتراق (٦) المربعين الموجودين وبالقياس إليهما ، فبقى أن يكون ذلك إما بسبب افتراق (٧) الجزءين فى القوة القابلة أو الجزءين من الآلة التي بها تفعل القوة.

وكيف كان ، فإن الحاصل من هذا القبيل أن الإدراك إنما يتم بقوة متعلقة بمادة جسمانية. فقد اتضح أن الإدراك الخيالى هو أيضا إنما يتم بجسم. ومما يبين ذلك أنا نتخيل الصورة الخيالية كصورة الناس مثلا أصغر أو أكبر كأنا ننظر إليهما. ولا محالة أنها ترتسم وهى أكبر ، وترتسم وهى أصغر فى شىء لا فى مثل ذلك الشىء بعينه ، لأنها إن (٨) ارتسمت فى مثل ذلك الشىء فالتفاوت فى الصغر والكبر إما أن يكون بالقياس إلى المأخوذ عنه الصورة وإما بالقياس إلى الآخذ وإما لنفس الصورتين. (٩) ولا يجوز (١٠) أن يكون بالقياس إلى المأخوذ عنه الصورة ، فكثير من الصور (١١) الخيالية غير مأخوذة عن شىء البتة ، وربما كان الصغير والكبير صورة شخص واحد. ولا يجوز أن يكون بسبب الصورتين فى أنفسهما فإنهما لما اتفقتا فى الحد والماهية واختلفتا فى الصغر والكبر فليس ذلك لنفسيهما ، (١٢) فإذن ذلك بالقياس إلى الشىء القابل ، ولأن الصورة تارة ترتسم فى جزء منه أكبر وتارة فى جزء منه أصغر وأيضا فإنه ليس يمكننا نتخيل السواد والبياض فى شبح خيالى واحد ساريين فيه معا ، (١٣) ويمكننا ذلك فى جزءين منه يلحظهما الخيال مفترقين. ولو كان الجزءان

__________________

(١) الذي ... الجزءان : ساقطة من د.

(٢) بموجود : ساقطة من م.

(٣) ما هى فيه : ما فيها ك ، م.

(٤) جسم : الجسم ك

(٥) يفترق : يقترن م

(٦) لافتراق : لاقتران م.

(٧) افتراق : اقتران م.

(٨) إن : إذا ف.

(٩) وإما بالقياس إلى الآخذ وإما لنفس الصورتين : وإما بالقياس إلى نفس الصورتين وإما بالقياس إلى الآخذ م.

(١٠) ولا يجوز : وليس يجوز ف

(١١) الصور : الصورة ك.

(١٢) لنفسيهما : لنفسهما ك.

(١٣) مما : ساقطة من ك ، م.

١٧٠

لا يتميزان (١) فى الوضع ، بل كان كلا الخيالين يرتسمان فى شىء غير منقسم ، لكان لا يفترق الأمر بين (٢) المتعذر منهما والممكن. فإذن الجزءان متميزان فى الوضع والخيال يتخيلهما (٣) متميزين فى جزءين.

فإن قال قائل : وكذلك العقل ، فنجيبه ونقول : إن العقل يعقل السواد والبياض معا فى زمان واحد من حيث التصور ، وأما من حيث التصديق فيمتنع (٤) أن يكون موضوعهما واحدا. وأما الخيال فلا يتخيلهما معا لا على قياس التصور (٥) ولا على قياس التصديق. على أن فعل الخيال إنما هو على قياس التصور لا غير ، ولا فعل له فى غيره ، ولما علمت هذا فى الخيال ، فقد علمت فى الوهم الذي ما يدركه إنما يدركه متعلقا بصورة جزئية خيالية على ما أوضحناه. (٦)

__________________

(١) لا يتميزان ... فقد علمت : ساقطة من د.

(٢) الأمر بين : الأمرين م.

(٣) بتخيلهما : ويتخيلهما م.

(٤) فيمتنع : فيمنع م.

(٥) التصور : الصور م.

(٦) ما أوضحناه : ما أوضحنا ك ، م.

١٧١

الفصل الرابع (١)

فى أحوال القوى المحركة وضرب (٢) من النبوة المتعلقة بها

وإذ قلنا فى القوى المدركة من قوى النفس الحيوانية فخليق بنا أن نتكلم فى القوى المحركة منها (٣) فنقول : إن الحيوان ما لم يشتق اشتياقا إلى شىء شعر باشتياقه أو تخيله أو لم يشعر به ، لم ينبعث إلى طلبه بالحركة. وليس ذلك الشوق هو لشىء من القوى المدركة ، فليس لتلك القوى إلا الحكم والإدراك ، وليس يجب إذا حكم أو أدرك بحس أو وهم أن يشتاق (٤) ذلك الشىء ، فإن الناس يتفقون فى إدراك ما يحسون ويتخيلون من حيث يحسون ويتخيلون ، لكن (٥) يختلفون فيما يشتاقون إليه مما يحسون ويتخيلون. والإنسان الواحد قد يختلف حاله فى ذلك ، فإنه يتخيل الطعام فيشتاقه (٦) فى وقت الجوع ولا يشتاقه فى (٧) وقت الشبع. وأيضا فإن الحسن الأخلاق إذا تخيل اللذات المستكرهة لم يشتقها ، والآخر يشتاقها. وليس هذان (٨) الحالان للإنسان وحده ، بل وللحيوانات (٩) كلها.

والشوق قد يختلف ، فمنه ما يكون ضعيفا بعد ، (١٠) ومنه ما يشتد حتى يوجب الإجماع. (١١) والإجماع ليس هو الشوق فقد يشتد الشوق إلى الشىء ولا يجمع (١٢) على الحركة البتة ، كما أن التخيل يقوى فلا يشتاق إلى ما يتخيل ، فإذا صح الإجماع أطاعت القوى

__________________

(١) الفصل الرابع : فصل ٤ ف.

(٢) وضرب : وفى ضرب ك.

(٣) منها : ساقطة من د.

(٤) يشتاق : + إلى ك.

(٥) لكن : ولكن ك.

(٦) فيشتاقه : ويشتاقه ك ، م

(٧) وقت ... فى : ساقطة من م.

(٨) هذان : هذا ك

(٩) وللحيوانات : وللحيوان م.

(١٠) بعد : بعيدا ك

(١١) الإجماع : ساقطة من م.

(١٢) ولا يجمع : فلا يجمع د ، م.

١٧٢

المحركة التي ليس لها إلا تشنيج (١) العضل وإرسالها. وليس هذا نفس الشوق ولا الإجماع ، فإن الممنوع من الحركة لا يكون ممنوعا من شدة الشوق ومن (٢) الإجماع ، لكنه لا يجد طاعة من القوى الأخرى التي لها أن تحرك فقط ، وهى التي فى العضل. وهذه (٣) القوة الشوقية (٤) من شعبها القوة الغضبية والقوة الشهوانية. فالتى تنبعث مشتاقة إلى اللذيذ والمتخيل نافعا لتجلبه (٥) هى الشهوانية ، والتي تنبعث مشتاقة إلى الغلبة وإلى (٦) المتخيل منافيا لتدفعه فهى (٧) الغضبية.

وقد نجد فى الحيوانات انبعاثات لا إلى شهواتها ، بل مثل نزاع التي ولدت إلى ولدها والذي ألف إلى إلفه ، وكذلك اشتياقها إلى الانفالات (٨) من الأقفاص والقيود ، فهذا (٩) وإن لم يكن شهوة للقوة الشهوانية فإنه اشتياق ما إلى شهوة للقوة الخيالية. فإن القوة المدركة تخصها فيما (١٠) تدرك وفيما تنقلب فيه من الأمور التي تتجدد بالمشاهدة أو من الصور مثلا لذة تخصها ، فإذا (١١) تألمت (١٢) بفقدانها اشتاقت إليها طبعا ، فأجمعت القوة الإجماعية على أن تحرك (١٣) إليها الآلات كما تجمع لأجل الشهوة والغضب ، ولأجل الجميل من المعقولات أيضا. فيكون للشهوة اشتداد الشوق (١٤) إلى اللذيذ ، وللقوة النزوعية الإجماع ، وللغضب اشتداد الشوق (١٥) إلى الغلبة ، وللقوة النزوعية الإجماع ، (١٦) وكذلك للتخيل أيضا ما يخصه وللقوة النزوعية الإجماع.

والخوف والغم والحزن عن عوارض القوة الغضبية بمشاركة من القوى الدراكة ،

__________________

(١) تشنيج : تشنج ف ؛ تشبيح م.

(٢) ومن : من د.

(٣) وهذه : فهذه ك

(٤) الشوقية : ساقطة من م.

(٥) لتجلبه : لتحيله م.

(٦) وإلى : + دفع ك

(٧) فهى : وهى م.

(٨) الانفلات : الانقلاب م.

(٩) فهذا : + أيضا د.

(١٠) وفيما : فيما م.

(١١) فإذا : وإذا

(١٢) تألمت : تأملت د ، ك.

(١٣) تحرك : تتحرك م.

(١٤) الشوق : ساقطة من م.

(١٥) إلى ... الشوق : ساقطة من د.

(١٦) وللغضب ... الإجماع : ساقطة من م.

١٧٣

فإنها إذا انخذلت (١) اتباعا لتصور عقلى أو خيالى كان خوف ، وإذا (٢) لم تحف قويت. ويعرض لها (٣) الغم من الذي يوجب الغضب إذا كان غير مقدور على دفعه أو كان مخوفا وقوعه. والفرج الذي من باب الغلبة فإنه غاية (٤) لهذه القوة أيضا ، والحرص والنهم والشهوة (٥) والشبق وما أشبه ذلك فهى للقوة البهيمية الشهوانية. والاستئناس والسرور من عوارض القوى الدراكة. وأما القوى الإنسانية فتعرض لها أحوال تخصها سنتكلم فيها (٦) بعد. والقوى الإجماعية تبع (٧) للقوى المذكورة ، فإنها إذا اشتد نزاعها أجمعت وهى كلها تتبع أيضا القوة الوهمية ، وذلك أنه لا يكون شوق (٨) البتة إلا بعد توهم المشتاق إليه وقد يكون وهم ، ولا يكون شوق. (٩) لكنه قد يتفق أحيانا لآلام بدنية تتحرك الطبيعة إلى دفعها أن توجب تلك الحركة انبعاث التوهم ، فتكون تلك القوى سائقة (١٠) للتوهم إلى مقتضاها ، كما أن (١١) التوهم فى أكثر الأمر يسوق القوى إلى المتوهم ، فالوهم (١٢) له السلطان فى حيز القوى المدركة فى الحيوانات ، والشهوة والغضب لهما السلطان فى حيز القوى المحركة وتتبعهما القوة (١٣) الإجماعية ثم القوى (١٤) المحركة التي فى العضل.

فنقول الآن : (١٥) إن هذه الأفعال والأعراض هى من العوارض التي تعرض للنفس وهى فى البدن ولا تعرض بغير مشاركة البدن ، ولذلك فإنها تستحيل معها أمزجة الأبدان. وتحدث هى أيضا مع حدوث أمزجة الأبدان ، فإن بعض الأمزجة يتبعه (١٦) الاستعداد للغضب ، وبعض الأمزجة يتبعه الاستعداد للشهوة ، وبعض الأمزجة يتبعه الجبن والخوف. ومن الناس من تكون (١٧) سجيته سجية (١٨) مغضب

__________________

(١) انخذلت : تحركت ك ؛ + وضعفت بعد تصور خيالى أو عقلى حدثت هذه الأعراض إذا تحركت ك

(٢) وإذا : وإن ف. (٣) لها : لهذا م.

(٤) فإنه غاية : ساقطة من د.

(٥) والشهوة ، ساقطة من د ، ف ، م.

(٦) فيها : فيما د (٧) تبع : تتبع ك.

(٨) لا يكون شوق : لا شوق د.

(٩) شوق : + البتة ك ، م.

(١٠) سائقة : سابقة ك ، م

(١١) أن : + أكثر د ، ك ، م.

(١٢) فالوهم : ساقطة من م.

(١٣) القوة : القوى د.

(١٤) القوى : القوة ف.

(١٥) الآن : ساقطة من م.

(١٦) يتبعه : يتبعها د

(١٧) تكون : ساقطة من د ، ك ، م

(١٨) سجيته سجية : سحنته سحنه م.

١٧٤

فيكون سريع الغضب ، ومن الناس من يكون كأنه مذعور مرعوب فيكون (١) جبانا مسرعا إليه الرعب. فهذه الأحوال لا تكون إلا بمشاركة البدن.

والأحوال التي للنفس بمشاركة البدن على أقسام : منها ما يكون للبدن أولا ولكن لأجل أنه ذو نفس ، ومنها ما يكون للنفس أولا ولكن (٢) لأجل أنها فى بدن ، ومنها ما يكون بينهما بالسوية. فالنوم واليقظة والصحة والمرض أحوال هى للبدن ومبادئها منه ، فهى له أولا ، ولكن إنما هى للبدن بسبب أن له نفسا. وأما التخيل والشهوة والغضب وما يجرى هذا المجرى فإنها (٣) للنفس من جهة ما هى ذات بدن ، وللبدن من جهة (٤) أنها لنفس البدن أولا ، وإن كان (٥) من جهة ما النفس ذات بدن ، (٦) لست أقول من قبل البدن ، وكذلك الهم والغم والحزن والذكر (٧) وما أشبه ذلك ، فإن هذه ليس فيها ما هو عارض للبدن من حيث هو بدن ، ولكن هذه أحوال شىء مقارن للبدن لا تكون إلا عند مقارنة البدن ، فهى للبدن من قبل النفس ، إذ هى للنفس أو لا وإن كانت (٨) للنفس من قبل ما هى ذات (٩) بدن ، لست أقول من قبل البدن. وأما الألم من الضرب ومن تغير المزاج فإن العارض فيه موجود فى البدن ، لأن تفرق الاتصال والمزاج من أحوال البدن من جهة ما هو بدن ، وأيضا موجود فى الحس الذي يحسه من جهة ما يحسه ولكن بسبب البدن ويشبه أن يكون الجوع والشهوة من هذا القبيل. وأما التخيل (١٠) والخوف والغم والغضب فإن الانفعال الذي تعرض به (١١) يعرض أولا للنفس ، وليس الغضب والغم (١٢) من حيث هو غضب أو غم (١٣) انفعالا من الانفعالات المؤلمة للبدن ، وإن كان يتبعه انفعال بدنى مؤلم للبدن ، مثل اشتعال حرارة أو خمودها وغير ذلك. فإن ذلك ليس نفس الغضب والغم ، بل هو أمر (١٤) يتبع الغضب والغم. ونحن لا نمنع أن يكون أمر (١٥) الأخلق به أن يكون للنفس من حيث هى (١٦) فى (١٧) بدن ثم تتبعه فى البدن

__________________

(١) فيكون : + هو د. (٢) ولكن : + يكون ك.

(٣) فإنها : فإنه ف ، ك.

(٤) من جهة : ساقطة من م

(٥) كان : + للنفس ك.

(٦) ما النفس ذات بدن : ما النفس دون بدن د ؛ ما النفس ذو بدن ف ؛ ما هو ذو بدن ك.

(٧) والذكر : ساقطة من ك.

(٨) كانت : كان د ، ك.

(٩) ما هى ذات : ما هو ذو د ، ف ، ك.

(١٠) وأما التخيل : ساقطة من ف

(١١) به : له ما ك ؛ بها م.

(١٢) والغم : أو الغم ف

(١٣) أو غم : وغم ك ، م.

(١٤) هو أمر : أمرا ف ؛ أمر م.

(١٥) أمر : الأمر ك

(١٦) هى : هود ، ف ، ك

(١٧) فى ساقطة من م.

١٧٥

انفعالات خاصة بالبدن ، فإن التخيل أيضا من حيث كونه إدراكا ليس (١) من الانفعالات التي تكون للبدن بالقصد الأول ، ثم قد يعرض من التخيل أن ينتشر بعض الأعضاء ، وليس ذلك بسبب طبيعى أوجب (٢) أن مزاجا قد استحال وحرارة قويت وبخارا تكوّن ونفذ فى العضو حتى نشره ، بل لما حصلت صورة فى وهم أوجبت الاستحالة فى مزاج وحرارة ورطوبة وريحا ، ولو لا (٣) تلك الصورة لم يكن فى الطبيعة ما يحركها.

ونحن نقول بالجملة إن من شأن النفس أن يحدث منها (٤) فى العنصر البدنى استحالة مزاج تحصل (٥) من غير فعل وانفعال جسمانى فتحدث حرارة لا عن حار ، وبرودة لا عن بارد ، بل إذا تخيلت النفس خيالا وقوى فى النفس لم يلبث أن يقبل العنصر البدنى صورة مناسبة لذلك أو كيفية. وذلك لأن النفس من جوهر بعض المبادي التي هى تلبس المواد ما فيها من الصور المقومة لها ، إذ هى أقرب مناسبة لذلك الجوهر من غيره ، وذلك إذا استتم استعدادها لها. (٦) وأكثر استعداداتها إنما تكون بسبب استحالات فى الكيف ؛ كما قلنا فيما سلف ، وإنما تستحيل فى الأكثر عن أضداد تحيلها. فإذا كانت هذه المبادي قد تكسو الكيفيات من غير حاجة إلى أن تكون هناك مماسة وفعل وانفعال جسمانى يصدر عن مضادة ، بل الصورة التي فى النفس هى مبدأ لما يحدث فى العنصر ، كما أن الصورة الصحبة التي فى نفس الطبيب (٧) مبدأ لما يحدث من البرء ، وكذلك صورة السرير فى نفس (٨) النجار لكنه من المبادي التي لا تنساق إلى إصدار ما هى موجبة (٩) له إلا بآلات ووسائط ، وإنما تحتاج إلى هذه الآلات لعجز (١٠) وضعف وتأمل حال المريض الذي توهم أنه قد صح والصحيح الذي توهم أنه مرض ، (١١) فإنه كثيرا ما يعرض من

__________________

(١) ليس : + هو ك ، م.

(٢) أوجب : لوجب م.

(٣) ولو لا : لو لا ك.

(٤) منها : منه د ، ف ، ك.

(٥) تحصل : تحدث ف.

(٦) لها : ساقطة من د ، ك ، م.

(٧) الطبيب : + هى د.

(٨) نفس : ذات د ، ف ، م

(٩) ما هى موجبة : ما هو موجب د ، ك ، م.

(١٠) لعجز : بعجز د ، ك.

(١١) مرض : مريض ك.

١٧٦

ذلك أن يكون (١) إذا تأكدت الصورة فى نفسه وفى وهمه انفعل منها عنصره فكانت الصحة أو المرض ، ويكون ذلك أبلغ مما يفعله الطبيب بآلات ووسائط. ولهذا السبب ما يمكن (٢) الإنسان مثلا أن يعدو على جذع مطروح (٣) فى القارعة من الطريق وإن كان موضوعا كالجسر (٤) وتحته هاوية لم يجسر أن يمشى عليه دبيبا إلا بالهوينا ، لأنه يتخيل فى نفسه صورة السقوط تخيلا (٥) قويا جدا فتجيب إلى ذلك طبيعته وقوة أعضائه ولا تجيب إلى ضده من الثبات والاستمرار.

فالصور إذا استحكم وجودها فى النفس واعتقاد (٦) أنها يجب أن توجد فقد يعرض كثيرا أن تنفعل عنها المادة التي من شأنها أن تنفعل عنها وتكون ، فإن كان ذلك فى النفس الكلية التي للسماء والعالم جاز أن يكون مؤثرا فى طبيعة الكل ، وإن كان فى نفس جزئية جاز أن يؤثر فى الطبيعة الجزئية.

وكثيرا ما تؤثر النفس فى بدن آخر كما تؤثر فى بدن نفسها (٧) تأثير (٨) العين العائنة (٩) والوهم العامل ، بل النفس إذا كانت قوية شريفة شبيهة بالمبادئ أطاعها العنصر الذي فى العالم وانفعل عنها ووجد فى العنصر ما يتصور فيها. وذلك لأن النفس الإنسانية سنبين أنها غير منطبعة فى المادة التي لها ، لكنها منصرفة الهمة إليها. فإن كان هذا الضرب من التعلق يجعل لها أن تحيل العنصر البدنى عن مقتضى طبيعته ، فلا بدع أن تكون النفس الشريفة القوية جدا تجاوز بتأثيرها ما يختص بها من الأبدان إذا لم يكن انغماسها فى الميل إلى ذلك البدن شديدا قويا وكانت (١٠) مع ذلك عالية (١١) فى طبقتها (١٢) قوية (١٣) فى ملكتها (١٤) جدا ، فتكون هذه النفس تبرئ المرضى ، وتمرض الأشرار ، ويتبعها أن تهدم طبائع ، وأن تؤكد طبائع ، وأن تستحيل لها العناصر فيصير غير النار نارا وغير الأرض أرضا ، وتحدث بارادتها (١٥) أيضا (١٦) أمطار وخصب كما يحدث خسف ووباء كل بحسب الواجب العقلى. وبالجملة فإنه يجوز أن يتبع إرادته وجود ما يتعلق باستحالة العنصر

__________________

(١) أن يكون : أو يكون م.

(٢) ما يمكن : يمكن ك

(٣) مطروح : ملق ف ، م ، يلقى ك.

(٤) كالجسر : لجسر م. (٥) تخيلا : ساقطة من م.

(٦) واعتقاد أنها : واعتقاداتها ك ، م.

(٧) نفسها : نفسه د ، ك

(٨) تأثير : تأثر د

(٩) العائنة : الغائبة م.

(١٠) وكانت : وكان د ، ك م

(١١) عالية : عاليا د ، م غالبا

(١٢) طبقتها : طبقته د ، م ؛ طبيعته ك

(١٣) قوية : قويا ك

(١٤) ملكتها : ملكته د ، ك ، م.

(١٥) بإرادتها : بإرادته د ، م

(١٦) أيضا : ساقطة من ف.

١٧٧

فى الأضداد ، فإن العنصر بطبعه يطيعه ويتكون فيه ما يتمثل فى إرادته ، إذ العنصر بالجملة طوع للنفس وطاعته لها أكثر من طاعته للأضداد المؤثرة (١) فيها. (٢) وهذه أيضا من خواص القوى النبوية. وقد كنا ذكرنا خاصية قبل هذه تتعلق بقواها المتخيلة وتلك خاصية تتعلق بالقوى الحيوانية المدركة ، وهذه خاصية تتعلق بالقوى الحيوانية المحركة الإجماعية من نفس النبي العظيم النبوة.

فنقول : إنه لما تبين أن جمع القوى الحيوانية لا فعل لها إلا بالبدن ، ووجود القوى أن يكون بحيث تفعل ، فالقوى الحيوانية إذن إنما تكون بحيث تفعل (٣) وهى بدنية فوجودها (٤) أن تكون بدنية ، فلا بقاء لها بعد البدن. وقد تكلمنا فى كتبنا الطبية فى أسباب (٥) استعدادات الأشخاص المختلفة بجبلتها وبحسب اختلاف أحوالها للفرح والغم والغضب والحلم (٦) والحقد (٧) والسلامة وغير ذلك كلاما لا يوجد للمتقدمين ما يجرى مجراه فى تفصيله وتحصيله فليقرأ من هناك. (٨)

__________________

(١) المؤثرة : والمؤثرة د

(٢) فيها : فيه ف ، م.

(٣) فالقوى ... تفعل : ساقطة من د.

(٤) فوجودها : موجودها د.

(٥) أسباب : سبب د ، ف ، م.

(٦) والحلم : والحكم د ؛ ساقطة من ك

(٧) والحقد : + والحسد ك.

(٨) هناك : + تمت المقالة الرابعة من الفن السادس فى الطبيعيات من كتاب النفس بحمد الله وحسن توفيقه د.

١٧٨

المقالة الخامسة (١)

__________________

(١) المقالة الخامسة : + من الفن السادس وهى ثمانية فصول د ، ك ؛ + من الفن السادس من الطبيعيات ثمانية فصول م ؛ (تذكر بعد ذلك نسختا د ، ك ، عناوين الفصول الثمانية)

١٧٩
١٨٠