والقصر في قوله : (فَإِنَّما إِثْمُهُ) إضافي ، لنفي الإثم عن الموصي وإلّا فإن إثمه أيضا يكون على الذي يأخذ ما يجعله له الموصي مع علمه إذا حاباه منفذ الوصية أو الحاكم فإن الحكم لا يحل حراما ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقتطع له قطعة من نار» ، وإنما انتفى الإثم عن الموصي لأنه استبرأ لنفسه حين أوصى بالمعروف فلا وزر عليه في مخالفة الناس بعده لما أوصى به ، إذ (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٨ ـ ٣٩].
والمقصود من هذا القصر إبطال تعلل بعض الناس بترك الوصية بعلة خيفة ألّا ينفذها الموكول إليهم تنفيذها ، أي فعليكم بالإيصاء ووجوب التنفيذ متعين على ناظر الوصية فإن بدله فعليه إثمه ، وقد دل قوله : (فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) أي هذا التبديل يمنعه الشرع ويضرب ولاة الأمور على يد من يحاول هذا التبديل ؛ لأن الإثم لا يقرر شرعا.
وقوله : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وعيد للمبدل ، لأن الله لا يخفى عليه شيء وإن تحيل الناس لإبطال الحقوق بوجوه الحيل وجاروا بأنواع الجور فالله سميع وصية الموصي ويعلم فعل المبدل ، وإذا كان سميعا عليما وهو قادر فلا حائل بينه وبين مجازاة المبدل. والتأكيد بإن ناظر إلى حالة المبدل الحكمية في قوله : (فَمَنْ بَدَّلَهُ) لأنه في إقدامه على التبديل يكون كمن ينكر أنّ الله عالم فلذلك أكّد له الحكم تنزيلا له منزلة المنكر.
(فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢))
تفريع على الحكم الذي تقدمه وهو تحريم التبديل ، فكما تفرع عن الأمر بالعدل في الوصية وعيد المبدل لها ، وتفرع عن وعيد المبدل الإذن في تبديل هو من المعروف وهو تبديل الوصية التي فيها جور وحيف بطريقة الإصلاح بين الموصي لهم وبين من ناله الحيف من تلك الوصية بأن كان جديرا بالإيصاء إليه فتركه الموصي أو كان جديرا بمقدار فأجحف به الموصي ؛ لأن آية الوصية حضرت قسمة تركة الميت في اتباع وصيته وجعلت ذلك موكولا إلى أمانته بالمعروف ، فإذا حاف حيفا واضحا وجنف عن المعروف أمر ولاة الأمور بالصلح.
ومعنى خاف هنا الظن والتوقع ؛ لأن ظن المكروه خوف فأطلق الخوف على لازمه وهو الظن والتوقع إشارة إلى أن ما توقعه المتوقع من قبيل المكروه ، والقرينة هي