شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بهار قلوب
الطبعة: ٢
ISBN: 964-93610-0-6
الصفحات: ٤٤٠

قَدِيمَ فَوَائِدِكَ بِحَوَادِثِهَا ، وَلاَ تَمْدُدْ لِيَ مَدّاً يَقْسُو مَعَهُ قَلْبِي ، وَلاَ تَقْرَعْنِي قَارِعَةً يَذْهَبُ لَها بَهَآئِي ، وَلاَ تَسُمْنِي خَسِيْسَةً يَصْغُرُ لَهَا قَدْرِي ، وَلاَ نَقِيصَةً يُجْهَلُ (٣) مِنْ أَجْلِهَا مَكَانِي ، وَلاَ تَرُعْنِي رَوْعَةً أُبْلِسُ بِهَا ، وَلاَ خِيْفةً أوجِسُ دُونَهَا ، اجْعَلْ هَيْبَتِي في وَعِيدِكَ وَحَذَرِي مِنْ إعْذارِكَ وَإنْذَارِكَ ، وَرَهْبَتِي عِنْدَ تِلاَوَةِ آياتِكَ ، وَاعْمُرْ لَيْلِي بِإيقَاظِي فِيهِ لِعِبَادَتِكَ ، وَتَفَرُّدِي بِالتَّهَجُّدِ لَكَ ، وَتَجَرُّدِي بِسُكُونِي إلَيْكَ ، وَإنْزَالِ حَوَائِجِي بِكَ ، وَمُنَازَلَتِي إيَّاكَ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِي مِنْ نَارِكَ وَإجَارَتِي مِمَّا فِيهِ أَهْلُهَا مِنْ عَذَابِكَ ، وَلاَ تَذَرْنِي فِي طُغْيَانِي عَامِهاً ، وَلاَ فِي غَمْرَتِي سَاهِياً حَتَّى حِين ، وَلاَ تَجْعَلْنِي عِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ ، وَلاَ نَكَالاً لِمَنِ اعْتَبَرَ ، وَلاَ فِتْنَةً لِمَن نَظَرَ ، وَلاَ تَمْكُرْ بِيَ فِيمَنْ تَمْكُرُ بِهِ ، وَلاَ تَسْتَبْدِلْ بِيَ غَيْرِي ، وَلاَ تُغَيِّرْ لِيْ إسْماً ، وَلاَ تُبدِّلْ لِي جِسْماً ، وَلاَ تَتَّخِذْنِي هُزُوَاً لِخَلْقِكَ ، وَلاَ سُخْرِيّاً لَكَ ، وَلاَ تَبَعاً إلاَّ لِمَرْضَاتِكَ ، وَلاَ مُمْتَهَناً إلاَّ بِالانْتِقَامِ لَكَ ، وَأَوْجِدْنِي بَرْدَ عَفْوِكَ ، وحَلاَوَةَ رَحْمَتِكَ وَرَوْحِكَ وَرَيْحَانِكَ ، وَجَنَّةِ نَعِيْمِكَ ، وَأَذِقْنِي طَعْمَ الْفَرَاغِ لِمَا تُحِبُّ بِسَعَة مِنْ سَعَتِكَ ، وَالاجْتِهَادِ فِيمَا يُزْلِفُ لَدَيْكَ وَعِنْدَك ، وَأَتْحِفْنِي بِتُحْفَة (٤) مِنْ تُحَفَاتِكَ ، (٥) وَاجْعَلْ تِجَارَتِي رَابِحَةً ، وَكَرَّتِي غَيْرَ خَاسِرَة ، وَأَخِفْنِي مَقَامَكَ ، وَشَوِّقْنِي

٤٠١

لِقاءَكَ ، وَتُبْ عَلَيَّ تَوْبَةً نَصُوحاً ، لاَ تُبْقِ مَعَهَا ذُنُوباً صِغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ، وَلاَ تَذَرْ مَعَهَا عَلاَنِيَةً وَلاَ سَرِيرَةً ، وَانْزَعِ الْغِلَّ مِنْ صَدْرِي لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَاعْطِفْ بِقَلْبِي عَلَى الْخَاشِعِيْنَ ، وَكُنْ لِي كَمَا تَكُونُ لِلصَّالِحِينَ ، وَحَلِّنِي حِلْيَةَ الْمُتَّقِينَ ، وَاجْعَلْ لِيَ لِسَانَ صِدْق فِي الْغَابِرِيْنَ ، وَذِكْراً نامِياً فِي الاخِرِينَ ، وَوَافِ بِيَ عَرْصَةَ الاَوَّلِينَ ، وَتَمِّمْ سُبُوغَ نِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَظَاهِرْ كَرَامَاتِهَا لَدَيَّ ، امْلاْ مِنْ فَوَائِدِكَ يَدَيَّ ، وَسُقْ كَرَائِمَ مَوَاهِبِكَ إلَيَّ ، وَجَاوِرْ بِيَ الاَطْيَبِينَ مِنْ أَوْلِيَآئِكَ فِي الْجِنَاْنِ الَّتِي زَيَّنْتَهَا لِاَصْفِيآئِكَ ، وَجَلِّلْنِي شَرَآئِفَ نِحَلِكَ فِي الْمَقَامَاتِ الْمُعَدَّةِ لِاَحِبَّائِكَ ، وَاجْعَلْ لِيَ عِنْدَكَ مَقِيْلاً آوِي إلَيْهِ مُطْمَئِنّاً ، وَمَثابَةً أَتَبَوَّأُهَا ، وَأَقَرُّ عَيْناً ، وَلاَ تُقَايِسْنِي بِعَظِيمَاتِ الْجَرَائِرِ ، وَلاَ تُهْلِكْنِي يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ، وَأَزِلْ عَنِّي كُلَّ شَكٍّ وَشُبْهَة ، وَاجْعَلْ لِي فِي الْحَقِّ طَرِيقاً مِنْ كُلِّ رَحْمَة ، وأَجْزِلْ لِي قِسَمَ الْمَواهِبِ مِنْ نَوَالِكَ ، وَوَفِّرْ عَلَيَّ حُظُوظَ الاِحْسَانِ مِنْ إفْضَالِكَ ، وَاجْعَلْ قَلْبِي وَاثِقاً بِمَا عِنْدَكَ ، وَهَمِّيَ مُسْتَفْرَغاً لِمَا هُوَ لَكَ ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِما تَسْتَعْمِلُ بِهِ خَالِصَتَكَ ، وَأَشْرِبْ قَلْبِي عِنْدَ ذُهُولِ العُقُولِ طَاعَتَكَ ، وَاجْمَعْ لِي الْغِنى وَالْعَفَافَ وَالدَّعَةَ وَالْمُعَافَاةَ ، وَالصِّحَّةَ وَالسَّعَةَ وَالطُّمَأْنِيْنَةَ وَالْعَافِيَةَ ، وَلاَ تُحْبِطْ حَسَنَاتِي بِمَا

٤٠٢

يَشُوبُهَا مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَلاَ خَلَواتِي بِمَا يَعْرِضُ (٦) لِيَ مِنْ نَزَغَاتِ فِتْنَتِكَ ، وَصُنْ وَجْهِي عَنِ الطَّلَبِ إلَى أَحَد مِنَ الْعَالَمِينَ وَذُبَّنِي (٧) عَنِ التِماسِ مَا عِنْدَ الفَاسِقِينَ ، وَلاَ تَجْعَلْنِي لِلظَّالِمِينَ ظَهِيراً ، وَلاَ لَهُمْ عَلى مَحْوِ كِتَابِكَ يَداً وَنَصِيراً ، وَحُطْنِي مِنْ حَيْثُ لاَ أَعْلَمُ حِيَاطَةً تَقِيْنِي بِهَا ، وَافْتَحْ لِيَ أَبْوَابَ تَوْبَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَرَأْفَتِكَ ، وَرِزْقِكَ الواسِعِ ، إنِّي إلَيْكَ مِنَ الرَّاغِبِينَ ، وَأَتْمِمْ لِي إنْعَامَكَ ، إنَّكَ خَيْرُ الْمُنْعِمِيْنَ ، وَاجْعَلْ باقِيَ عُمْرِيْ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ابْتِغَآءَ وَجْهِكَ ، يَاربَّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَبَدَ الابِدِينَ.

٤٠٣

(١) قوله عليه السلام : ومثل الذرّة

«مثل» بدون العاطف نسخة للشهيد.

(٢) قوله عليه السلام : وتعدّى

وبرواية «س» وعن تعدّي. وفي نسخة «ش» «ع» مكان «س».

(٣) قوله عليه السلام : ولا نقيصه يجهل

وفي نسخة ابن إدريس : «ولا تقضب بجهل» وفي آخر «ولا تعتضب» الظاهر على هذه الرواية إهمال العين ، من عضبه إذا قطعه ، وكذلك لا تقتضب بالقاف من الإقتضاب ، وهو افتعال من القضب بمعنى القضب بمعنى القطع ، واقتضاب الكلام ارتجاله.

(٤) قوله عليه السلام : تحقة

معتلّة الفاء ، وأصلها وحفّه فاُبدلت الواو تاءاً ، قاله الأزهري وابن الأثير (١) وصاحب القاموس. (٢)

(٥) قوله عليه السلام : من تحفاتك

الصحيح فيها ضمّ التاء والحاء جميعاً ، وفتح التاء على ما في طائفة من النسخ غلط ، فإنّ

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ١ / ١٨٢.

٢. القاموس : ٣ / ١٢٠.

٤٠٤

فعلة بالضمّ كقربة وشبهة وظلمة ووصلة وتحفة إنّما يجمع على فعل بضمّ الفاء وفتح العين ، وفعلات بضمّتين.

(٦) قوله عليه السلام : ما يعرض

وفي بعض النسخ «يعرض» الظاهر على هذه النسخة البناء للمجهول ثمّ الأظهر تشديد الراء.

(٧) قوله عليه السلام : وديني

بكسر الدال المهملة عطفاً على وجهي ، أي : وصن ديني عن التماس ما عند الفاسقين. وفي الحديث ما تضعضع امرؤ لآخر يريد عرض الدنيا إلّا ذهب ثلثا دينه. (١)

وأمّا على رواية «وذبّني» من الذبّ بمعنى الدفع والمنع.

وكذلك «وذوّدني» من الذود وهو المنع ، فالجملة معطوفة على الجملة أو الواو للإستناف.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٣ / ٨٨.

٤٠٥

٤٨

وكان من دعائه عليه السلام يوم الاضحى ويوم الجمعة

أللَّهُمَّ هَذَا يَوْمٌ مُبَارَكٌ مَيْمُونٌ ، وَالمُسْلِمُونَ فِيْهِ مُجْتَمِعُونَ فِي أَقْطَارِ أَرْضِكَ ، يَشْهَدُ السَّائِلُ (١) مِنْهُمْ وَالطَّالِبُ وَالرَّاغِبُ وَالرَّاهِبُ ، وَأَنْتَ النَّاظِرُ (٢) فِي حَوَائِجِهِمْ ، فَأَسْأَلُكَ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَهَوَانِ مَا سَأَلْتُكَ عَلَيْكَ ، أَنْ تُصَلِّىَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا بِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَلَكَ الْحَمْدَ ، لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ ، ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ، بَدِيْعُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ ، مَهْمَا قَسَمْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ ، مِنْ خَيْر أَوْ عَافِيَة أَوْ بَرَكَة أَوْ هُدىً أَوْ عَمَل بِطَاعَتِكَ ، أَوْ خَيْر تَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ تَهْدِيهِمْ بِهِ إلَيْكَ ، أَوْ تَرْفَعُ لَهُمْ عِنْدَكَ دَرَجَةً أَوْ تُعْطِيْهِمْ بِهِ خَيْراً مِنْ خَيْر الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اَنْ تُوَفِّرَ حَظّي وَنَصيبي مِنْهُ ، وَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِأَنَّ لَكَ الْمُلْكً وَالْحَمْدَ ، لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، وَحَبِيبِكَ وَصَفْوَتِكَ ، وَخِيَاراتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ الأَبْرَارِ ، الطَّاهِرِينَ الأَخْيَارِ ،

٤٠٦

صَلاَةً لاَ يَقْوَى عَلَى إحْصَائِهَا إلاَّ أَنْتَ ، وَأَنْ تُشْرِكَنَا فِي صَالِحِ مَنْ دَعَاكَ فِي هَذَا اليَوْمِ مِنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ ، يَارَبَّ الْعَالَمِينَ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَلَهُمْ ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ. أللَّهُمَّ إلَيْكَ تَعَمَّدْتُ بِحَاجَتِي وَبِكَ أَنْزَلْتُ اليَوْمَ فَقْرِي وَفاقَتِي وَمَسْكَنَتِي ، وَإنِّي بِمَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ أَوْثَقُ مِنِّيَ بِعَمَلِي ، وَلَمَغْفِرَتُكَ وَرَحْمَتُكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَتَوَلَّ قَضَآءَ كُلِّ حَاجَة هِيَ لِيَ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهَا ، وَتَيْسِيرِ ذالِكَ عَلَيْكَ ، وَبِفَقْرِي إلَيْكَ ، وَغِنَاكَ عَنِّي ، فَإنِّي لَمْ أُصِبْ خَيْراً قَطُّ إلاّ مِنْكَ ، وَلَمْ يَصْرِفْ عَنِّي سُوءاً قَطُّ أَحَدٌ غَيْرُكَ ، وَلاَ أَرْجُو لِأَمْرِ آخِرَتِي وَدُنْيَايَ سِوَاكَ. أللَّهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ وَتَعَبَّأ وَأَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ لِوَفادَة إلَى مَخْلُوق رَجاءَ رِفْدِهِ وَنَوَافِلِهِ ، وَطَلَبِ نَيْلِهِ وَجَائِزَتِهِ ، فَإلَيْكَ يَا مَوْلاَيَ كَانَتِ الْيَومَ تَهْيِئَتِي وَتَعْبِئَتِي ، وَإعْدَادِي وَاسْتِعْدَادِي رَجآءَ عَفْوِكَ وَرِفْدِكَ وَطَلَبِ نَيْلِكَ وَجَائِزَتِكَ. أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَلاَ تُخَيِّبِ الْيَوْمَ ذلِكَ مِنْ رَجَائِي ، يَا مَنْ لاَ يُحْفِيهِ (٣) سَائِلٌ وَلاَ يَنْقُصُهُ نائِلٌ فَإنِّي لَمْ آتِكَ ثِقَةً مِنِّي بِعَمَل صَالِح قَدَّمْتُهُ ، وَلاَ شَفَاعَةِ مَخْلُوق رَجَوْتُهُ إلاَّ شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ سَلامُكَ ، أَتَيْتُكَ مُقِرّاً بِالْجُرْمِ وَالإِسَاءَةِ إلَى نَفْسِي ، أَتَيْتُكَ أَرْجُو عَظِيمَ عَفْوِكَ الَّذِيْ عَفَوْتَ بِهِ عَنِ

٤٠٧

الْخَاطِئِينَ ، ثُمَّ لَمْ يَمْنَعْكَ طُولُ عُكُوفِهِمْ عَلَى عَظِيمِ الْجُرْمِ أَنْ عُدْتَ عَلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، فَيَا مَنْ رَحْمَتُهُ وَاسِعَةٌ ، وَعَفْوُهُ عَظِيمٌ يَا عَظِيمُ يَا عَظِيمُ ، يَا كَرِيْمُ يَا كَرِيمُ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَعُدْ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ ، وَتَعَطَّفْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ ، وَتَوَسَّعْ عَلَيَّ بِمَغْفِرَتِكَ. أللَّهُمَّ إنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَآئِكَ ، وَمَوَاضِعَ (٤) أُمَنائِكَ ، فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا قَدِ ابْتَزُّوهَا ، (٥) وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذَلِكَ ، لاَ يُغَالَبُ أَمْرُكَ ، وَلاَ يُجَاوَزُ الْمَحْتُومُ مِنْ تَدْبِيرِكَ ، كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى شِئْتَ ، وَلِمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ ، غَيْرُ مُتَّهَم عَلَى خَلْقِكَ ، وَلا لارَادَتِكَ ، حَتَّى عَادَ صَفْوَتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّيْنَ ، يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلاً ، وَكِتابَكَ مَنْبُوذاً ، وَفَرَائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهَاتِ أشْرَاعِكَ ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً ، أللَّهُمَّ الْعَنْ أَعْدَآءَهُمْ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، وَمَنْ رَضِيَ بِفِعَالِهِمْ وَأَشْيَاعَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيْدٌ ، كَصَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَتَحِيَّاتِكَ عَلَى أَصْفِيآئِكَ إبْراهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ ، وَعَجِّلِ الْفَرَجَ وَالرَّوْحَ وَالنُّصْرَةَ وَالتَّمْكِينَ وَالتَّأْيِيدَ لَهُمْ. أللَّهُمَّ وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالايْمَانِ بِكَ ، وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِكَ وَالِاَئِمَّةِ الَّذِينَ حَتَمْتَ طَاعَتَهُمْ مِمَّنْ يَجْرِي ذَلِكَ بِهِ ، وَعَلَى يَدَيْهِ ، آمِينَ رَبَّ

٤٠٨

الْعَالَمِينَ. أللَّهُمَّ لَيْسَ يَرُدُّ غَضَبَكَ إلاَّ حِلْمُكَ ، وَلاَ يَرُدُّ سَخَطَكَ إلاَّ عَفْوُكَ ، وَلاَ يُجِيرُ مِنْ عِقَابِكَ إلاَّ رَحْمَتُكَ ، وَلاَ يُنْجِيْنِي مِنْكَ إلاَّ التَّضَرُعُ إلَيْكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ ، فصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَهَبْ لَنا يَا إلهِيْ مِنْ لَدُنْكَ فَرَجاً بِالْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا تُحْيِيْ أَمْوَاتَ الْعِبادِ ، وَبِهَا تَنْشُرُ مَيْتَ الْبِلاَدِ ، وَلاَ تُهْلِكْنِي يَا إلهِي غَمّاً حَتَّى تَسْتَجِيْبَ لِيْ ، وَتُعَرِّفَنِي الإِجابَةَ فِيْ دُعَآئِي ، وَأَذِقْنِي طَعْمَ الْعَافِيَةِ إلى مُنْتَهى أَجَلِي ، وَلاَ تُشْمِتْ بِي عَدُوِّي ، وَلاَ تُمَكِّنْهُ مِنْ عُنُقِي ، وَلاَ تُسَلِّطْهُ عَلَيَّ ، إلهِي إنْ رَفَعْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَضَعُنِيْ وَإنْ وَضَعْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْفَعُنِي ، وَإنْ أَكْرَمْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يُهِينُنِي ، وَإنْ أَهَنْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يُكْرِمُنِي ، وَإنْ عَذَّبْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْحَمُنِي ، وَإنْ أَهْلَكْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَعْرِضُ لَكَ فِي عَبْدِكَ ، أَوْ يَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِهِ ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ ، وَلاَ فِي نِقْمَتِكَ عَجَلَةٌ ، وَإنَّمَا يَعْجَلُ مَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ ، وَإنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الظُّلْمِ الضَّعِيفُ ، وَقَدْ تَعَالَيْتَ يَا إلهِي عَنْ ذالِكَ عُلُوّاً كَبِيراً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَلاَ تَجْعَلْنِي لِلْبَلاَءِ غَرَضاً ، (٦) وَلاَ لِنِقْمَتِكَ نَصَباً ، وَمَهِّلْنِي وَنَفِّسْنِي وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي ، وَلاَ تَبْتَلِيَنِّي بِبَلاَء عَلَى أَثَرِ بَلاَءٍ ، فَقَدْ تَرى ضَعْفِي وَقِلَّةَ حِيْلَتِي وَتْضَرُّعِي إلَيْكَ ، أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ اليَوْمَ مِنْ غَضَبِكَ ، فصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ

٤٠٩

وَآلِهِ ، وَأَعِذْنِي وَأَسْتَجِيرُ بِكَ الْيَوْمَ مِنْ سَخَطِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَجِرْنِي ، وَأَسْأَلُكَ أَمْناً مِنْ عَذَابِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَآمِنِّي وَأَسْتَهْدِيْكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاهْدِنِي وَأَسْتَنْصِرُكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَانْصُرْنِي ، وَأَسْتَرْحِمُكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَارْحَمْنِي ، وَأَسْتَكْفِيكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاكْفِنِي ، وَأَسْتَرْزِقُكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَارْزُقْنِي ، وَأَسْتَعِينُكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَعِنِّي ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِي فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاغْفِرْ لِيْ ، وَأَسْتَعْصِمُكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاعْصِمْنِي ، فَإنِّي لَنْ أَعُودَ لِشَيْء كَرِهْتَهُ مِنّيْ ، إنْ شِئْتَ ذلِكَ يَارَبِّ يَارَبِّ ، يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاسْتَجِبْ لِي جَمِيعَ مَا سَأَلْتُكَ وَطَلَبْتُ إلَيْكَ ، وَرَغِبْتُ فِيهِ إلَيْكَ ، وَأَرِدْهُ وَقَدِّرْهُ وَاقْضِهِ وَأَمْضِهِ ، وَخِرْ لِي فِيمَا تَقْضِي مِنْهُ ، وَبَارِكْ لِي فِي ذلِكَ ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ بِهِ ، وَأَسْعِدْنِي بِمَا تُعْطِينِي مِنْهُ ، وَزِدْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَسَعَةِ مَا عِنْدَكَ ، (٧) فَإنَّكَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ، وَصِلْ ذَلِكَ بِخَيْرِ الاخِرَةِ وَنَعِيْمِهَا ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ،

ثُمَّ تَدْعُو بِمَا بَدا لَكَ وَتُصَلِّي عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ

أَلْفَ مَرَّة (٨) هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَيْهِ السَّلاَم (٩)

٤١٠

(١) قوله عليه السلام : يشهد السائل

في نسخة عميد الرؤساء : «تشهد» على صيغة الخطاب ، وما بعدها بالنصب معمولات لها.

(٢) قوله عليه السلام : وأنت الناظر

أنت والواو مضروب عليهما بخطّ «ع» وكذا رواه «ش».

(٣) قوله عليه السلام : يحفيه

من الحفاوة بمعنى المبالغة والاستقصاء في الشيء ، أي : لا تحملك سؤالات السائلين وآمال المؤمّلين على حفاوة واستقصاء في الجود وتكلّف وتجشّم في العطاء ؛ إذ كلّ عظيم في مذهب جودك حقير ، وكلّ عسير على منّة قدرتك سهل يسير.

وفي الحديث : سألوا النبي صلّى الله عليه وآله حتّى أحفوه. قال ابن الأثير : أي : استقصوا في السؤال. (١)

وفي نسخة الشهيد «يحفيه» من أحافه يحيفه : إذا حمله على الحيف والجور والميل ، كما أزاره يزيره إذا حمله على ال زيارة. أي : لا يوقعك سائل يستصرخ ويستغيث إليك في الحيف على أحد إذا استعداك عليه ، بل إنّما تصرخ المسصرخين وتغيث المستغيثين و

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ١ / ٤١٠.

٤١١

تأخذ المتظلّمين من الظالمين بالقسط والعدل.

(٤) قوله عليه السلام : ومواضع

بالنصب على أنّها اسم إنّ ، والخبر «قد ابتزّوها». وفي الدرجة أي : الجارّة بمجرورها وما يتعلّق بذلك متعلّق بـ«مواضع» ، وأمّا على رواية الرفع فهي الخبر.

(٥) قوله عليه السلام : قد ابتزّوها

العائد للدرجة ، أو للمواضع ، أو للمقام باعتبار اكتساب تأنيث الدرجة.

وعلى رواية «قد ابتزّوه» بإفراد الضمير عائد إلى المقام.

وعلى روواية «س» قد ابتزّوها بالبناء للمجهول ، و «ها» على هذه الرواية كلمة تنبيه أو كلمة دعوة لا ضمير للتأنيث. ثمّ المفعول المقام مقام الفاعل على رواية الإفراد المقام ، وعلى رواية الجمع الخلفاء والأصفياء (١) والاُمناء.

(٦) قوله عليه السلام : غرضاً

في نسخة الشهيد : «عرضاً» ، وابن السكون ضبط اللفظ بإهمال العين وإعجامها وفتح الراء ، وكتب عليها معاً ، وروى عنه ذلك الشهيد.

(٧) قوله عليه السلام : وسعة ما عندك

بفتح السين ، كدعة الوسع والغنى والطاقة ، وبكسرها كزنة والوساعة والاتّساع.

__________________

١. في «ن» : والأوصياء.

٤١٢

(٨) قوله عليه السلام : وتصلّي على محمّد وآل محمّد ألف مرّة

وإن ضاق وقتك عن ذلك فقل عشر : اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد مكان ألف مرّة ، كما ورد في «لا إله إلّا الله» ألف مرّة.

(٩) قوله : وتصلّي ركعتين

لم يوجد شيء من ذلك أصلاً بخطّ عميد الرؤساء ، بل كان الإختتام على «ثمّ تدعو بما بدا لك».

٤١٣

٤٩

وكان من دعائه عليه السلام في دفاع كيد الأعداء وَردّ بأسهم

إلهِي هَدَيْتَنِي فَلَهَوْتُ ، وَوَعَظْتَ فَقَسَوْتُ ، وَأَبْلَيْتَ الْجَمِيلَ فَعَصَيْتُ ، ثُمَّ عَرَفْتُ مَا أَصْدَرْتَ ، إذْ عَرَّفْتَنِيهِ فَاسْتَغْفَرْتُ فَأَقَلْتَ ، فَعُدتُ فَسَتَرْتَ ، فَلَكَ إلهِي الْحَمْدُ ، تَقَحَّمْتُ أَوْدِيَةَ الْهَلاَكِ ، وَحَلَلْتُ شِعَابَ تَلَفٍ ، تَعَرَّضْتُ فِيهَا لِسَطَوَاتِكَ وَبِحُلُولِهَا عُقُوبَاتِكَ ، وَوَسِيلَتِي إلَيْكَ التَّوْحِيدُ ، وَذَرِيْعَتِي أَنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِكَ شَيْئاً ، وَلَمْ أَتَّخِذْ مَعَكَ إلهاً ، وَقَدْ فَرَرْتُ إلَيْكَ بِنَفْسِي ، وَإلَيْكَ مَفَرُّ الْمُسِيءِ ، وَمَفْزَعُ الْمُضَيِّعِ لِحَظِّ نَفْسِهِ الْمُلْتَجِئِ ، فَكَمْ مِنْ عَدُوٍّ انْتَضى عَلَيَّ سَيْفَ عَدَاوَتِهِ ، وَشَحَذَ لِيْ ظُبَةَ مُدْيَتِهِ ، وَأَرْهَفَ لِي شَبَا حَدِّهِ ، وَدَافَ لِيْ قَوَاتِلَ سُمُومِهِ ، وَسَدَّدَ نَحْوِي صَوَائِبَ سِهَامِهِ ، وَلَمْ تَنَمْ عَنِّي عَيْنُ حِرَاسَتِهِ ، وَأَضْمَرَ أَنْ يَسُومَنِي الْمَكْرُوهَ ، وَيُجَرِّ عَنِّي زُعَافَ مَرَارَتِهِ ، فَنَظَرْتَ يا إلهِيْ إلَى ضَعْفِي عَنِ احْتِمَـالِ الْفَـوَادِحِ ، وَعَجْزِي عَنِ الانْتِصَارِ مِمَّنْ قَصَدَنِيْ بِمُحَارَبَتِهِ ، وَوَحْدَتِي فِي كَثِيرِ عَدَدِ مَنْ نَاوَانِيْ ، وَأَرْصَدَ لِيْ بِالْبَلاءِ فِيمَا لَمْ أُعْمِلْ فِيهِ فِكْرِي فَابْتَدَأْتَنِي بِنَصْرِكَ ، وَ

٤١٤

شَدَدْتَ أَزْرِي بِقُوَّتِكَ ، ثُمَّ فَلَلْتَ لِيَ حَدَّهُ وَصَيَّرْتَهُ مِنْ بَعْدِ جَمْع عَدِيْدٍ وَحْدَهُ ، وَأَعْلَيْتَ كَعْبِي عَلَيْهِ ، وَجَعَلْتَ مَا سَدَّدَهُ مَرْدُوداً عَلَيْهِ ، فَرَدَدْتَهُ لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ وَلَمْ يَسْكُنْ غَلِيلُهُ ، قَدْ عَضَّ عَلَى شَوَاهُ ، (١) وَأَدْبَرَ مُوَلِّياً قَدْ أَخْلَفَتَ سَرَاياهُ ، وَكَمْ مِنْ باغ بَغانِيْ بِمَكَائِدِهِ ، وَنَصَبَ لِيْ شَرَكَ مَصَائِدِهِ ، وَوَكَّلَ بِيْ تَفَقُّدَ رِعَايَتِهِ ، وَأَظْبَأَ إلَيَّ إظْبَآءَ السَّبُعِ لِطَرِيْدَتِهِ انْتِظَـاراً لانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ لِفَرِيسَتِهِ ، وَهُوَ يُظْهِرُ لِيْ بَشَاشَةَ المَلَقِ ، وَيَنْظُـرُنِي (٢) عَلَى شِدَّةِ الْحَنَقِ ، فَلَمَّا رَأَيْتَ يَا إلهِي تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ دَغَلْ سَرِيرَتِهِ ، وَقُبْحَ مَا انْطَوى عَلَيْهِ ، أَرْكَسْتَهُ لِاُمِّ رَأْسِهِ فِي زُبْيَتِهِ ، وَرَدَدْتَهُ فِي مَهْوى حُفْرَتِهِ ، فَانْقَمَعَ بَعْدَ اسْتِطَالَتِهِ ذَلِيلاً فِي رِبَقِ حِبالتِهِ الَّتِي كَانَ يُقَدِّرُ أَنْ يَرَانِي فِيهَا ، وَقَدْ كَادَ أَنْ يَحُلَّ بِيْ لَوْلاَ رَحْمَتُكَ مَا حَلَّ بِسَاحَتِهِ ، وَكَمْ مِنْ حَاسِدٍ (٣) قَدْ شَرِقَ بِي بِغُصَّتِهِ ، (٤) وَشَجِيَ مِنِّي (٥) بِغَيْظِهِ ، وَسَلَقَنِي بِحَدِّ لِسَانِهِ ، وَوَحَرَنِي بِقَرْفِ عُيُوبِهِ ، وَجَعَلَ عِرْضِيْ غَرَضاً لِمَرَامِيهِ ، وَقَلَّدَنِي خِلاَلاً لَمْ تَزَلْ فِيهِ ، وَوَحَرنِي بِكَيْدِهِ ، وَقَصَدَنِي بِمَكِيدَتِهِ ، فَنَادَيْتُكَ يَا إلهِي مُسْتَغِيْثاً بِكَ وَاثِقاً بِسُرْعَةِ إجَابَتِكَ ، عَالِماً أَنَّهُ لاَ يُضْطَهَدُ مَنْ آوى إلَى ظِلِّ كَنَفِكَ ، وَلاَ يَفْزَعُ مَنْ لَجَأَ إلَى مَعْقِل انْتِصَارِكَ ، فَحَصَّنْتَنِي مِنْ بَأْسِهِ بِقُدْرَتِكَ ، وَكَمْ مِنْ سَحَائِبِ مَكْرُوه جَلَّيْتَهَا عَنِّي ، وَسَحَائِبِ نِعَم أَمْطَرْتَهَا عَلَيَّ ، وَجَدَاوِلِ رَحْمَةٍ نَشَرْتَهَا ، وَ

٤١٥

عَافِيَة أَلْبَسْتَهَا ، وَأَعْيُنِ أَحدَاث طَمَسْتَهَا ، وَغَواشي كُرُبَات كَشَفْتَهَا ، وَكَمْ مِنْ ظَنٍّ حَسَن حَقَّقْتَ ، وَعَدَم جَبَرْتَ ، وَصَرْعَة أَنْعَشْتَ ، وَمَسْكَنَة حَوَّلْتَ ، كُلُّ ذَلِكَ إنْعَامَاً وَتَطَوُّلاً مِنْكَ ، وَفِي جَمِيعِهِ انْهِمَاكاً مِنِّي عَلَى مَعَاصِيْكَ ، لَمْ تَمْنَعْكَ إساءَتِي عَنْ إتْمَامِ إحْسَانِكَ ، وَلاَ حَجَرَنِي ذالِكَ عَنِ ارْتِكَابِ مَسَاخِطِكَ ، لاَ تُسْأَلُ عَمَّا تَفْعَلُ ، وَلَقَدْ سُئِلْتَ فَأَعْطَيْتَ ، وَلَمْ تُسْأَلْ فابْتَدَأْتَ ، وَاسْتُمِيحَ فَضْلُكَ فَمَا أَكْدَيْتَ ، أَبَيْتَ يَا مَوْلاَيَ إلاَّ إحْسَانَـاً وَامْتِنَاناً وَتَطوُّلاً وَإنْعَامـاً ، وَأَبَيْتُ إلاَّ تَقَحُّماً لِحُرُماتِكَ ، وَتَعَدِّياً لِحُدُودِكَ ، وَغَفْلَةً عَنْ وَعِيدِكَ ، فَلَكَ الْحَمْدُ إلهِي مِنْ مُقْتَدِر لاَ يُغْلَبُ ، وَذِي أَناة لاَ يَعْجَلُ ، هَذَا مَقَامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسبوغِ النِّعَمِ وَقَابَلَهَا بِالتَّقْصِيرِ ، وَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّضْيِيْعِ. أللَّهُمَّ فَإنِّي أَتَقَرَّبُ إلَيْكَ بِالْمُحَمَّدِيَّةِ الرَّفِيعَةِ ، وَالْعَلَوِيَّةِ الْبَيْضَآءِ ، وَأَتَـوَجَّهُ إلَيْكَ بِهِمَا أَنْ تُعِيذَنِيْ مِنْ شَرِّ كَذَا وَكَذَا ، فَإنَّ ذَالِكَ لا يَضِيْقُ عَلَيْكَ فِي وُجْدِكَ ، وَلاَ يَتَكَأدُّكَ فِي قُدْرَتِكَ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فَهَبْ لِي يا إلهِي مِنْ رَحْمَتِكَ وَدَوَامِ تَوْفِيقِكَ ، مَا أَتَّخِذُهُ سُلَّماً أَعْرُجُ بِهِ إلى رِضْوَانِكَ ، وَآمَنُ بِهِ مِنْ عِقَابِكَ. يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

٤١٦

(١) قوله عليه السلام : شواه

شوى الآدمي أطراف بدنه كاليدين والرجلين وجلد الرأس وما ليس بمقتل ، والشوى في الأصل : الأمر الهيّن وردّ المال.

(٢) قوله عليه السلام : ينظرني

كينصرني من نظره بمعنى تنظّره وانتظره إذا ارتقبه وتأنّى عليه.

وفي النهاية الأثيريّة : في حديث أنس : نظرنا النبي صلّى الله عليه وآله ذات ليلة حتّى كان شطر الليل. يقال : نظرته وأنظرته إذا ارتقبت حضوره. (١)

وينظرني على رواية «س» بضمّ حرف المضارعة من باب الإفعال ، من الإنظار بمعنى الإمهال والتأخير. والنظرة بكسر الظاء التأخير والإرجاء في الأمر. وفي التنزيل الكريم : (فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ). (٢)

(٣) قوله عليه السلام : وكم من حاسد

بخطّ «ع» وبرواية «ش» وكم من حاسد وقد خزني بكيده ، بإسقاط ما بين ذلك.

(٤) قوله عليه السلام : قد شرق بي بغضته

الشرق بالشين المعجمة والراء المحرّكة : الغصّة. والسرق بالتحريك والإهمال : مصدر سرق والإسم السرقة بكسر الراء بعد المهملة المفتوحة.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٥ / ٧٨.

٢. البقرة : ٢٨٠.

٤١٧

(٥) قوله عليه السلام : وشجي منّي

بالكسر لا من الشجو بمعنى الحزن ، يقال : شجاه كذا أو أشجاه ، أي : حزنه ، فهو مشجوّ ومشجّي به ، أي : محزون ، وهو من الأضداد ، فربّما كان معناه طربه ونشطه.

بل من الشجى وهو ما نشب واعترض في الحق من عظم ونحوه ، يقال : فلان شجى بعضّة أو همّ أو غيظ أو حسد بالكسر. يشجى بالفتح من باب رضي ، فهو به شجيّ بتشديد الياء على فعيل. أي : نشب فيه ذلك وصعب عليه فصار هو ممتواً بتشويه فيه وصعوبة عليه ، ومفازة شجواء : صعبة المسالك معترضة الصعوبة منتشبة البليّة.

وقال الجوهري في الصحاح : الشجو : الهمّ والحزن. ويقال : شجاه يشجوه شجواً ، إذا أحزنه. وأشجاه يشجيه إشجاءاً ، إذا أغصّه. تقول منهما جميعاً : شجى بالكسر يشجي شجى. والشجا : ما ينشب في الحلق من عظم وغيره. ورجل شجّ ، أي : حزين. وامرأة شجيّة على فعلة. ويقال : «ويل للشجي من الخليّ».

قال المبرّد : ياء الخليّ مشدّدة وياء الشجي مخفّفة. قال : وقد شدّد في الشعر. فإن جعلت الشجي فعليلاً من شجاه الحزن فهو مشجو وشجي ، فهو بالتشديد لا غير. (١) انتهى كلامه.

والحقّ ما حقّقناه.

__________________

١. الصحاح : ٦ / ٢٣٨٩.

٤١٨

٥٠

وكان من دعائه عليه السلام في الرهبة

أَللَّهُمَّ إنَّكَ خَلَقْتَنِي سَوِيّاً ، وَرَبَّيْتَنِي صَغِيراً ، وَرَزَقْتَنِي مَكْفِيّاً. أَللَّهُمَّ إنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَنْزَلْتَ مِنْ كِتَابِكَ وَبَشَّرْتَ بِهِ عِبَادِكَ أَنْ قُلْتَ : (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي مَا قَدْ عَلِمْتَ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، فَيَا سَوْأَتا مِمَّا أَحْصَاهُ عَلَيَّ كِتَابُكَ ، فَلَوْلاَ الْمَوَاقِفُ الَّتِي أُؤَمِّلُ مِنْ عَفْوِكَ الَّذِي شَمِلَ كُلَّ شَيْء لاَلْقَيْتُ بِيَدِي ، وَلَوْ أَنَّ أَحَداً اسْتَطاعَ الْهَرَبَ مِنْ رَبِّهِ لَكُنْتُ أَنَا أَحَقُّ بِالهَرَبِ مِنْكَ ، وَأَنْتَ لاَ تَخْفَى عَلَيْكَ خَافِيَةٌ فِي الاَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ إلاَّ أَتَيْتَ بِهَا ، وَكَفى بِكَ جَازِياً ، وَكَفى بِكَ حَسِيباً. أللَّهُمَّ إنَّكَ طَالِبِي إنْ أَنَا هَرَبْتُ ، وَمُدْرِكِي إنْ أَنَا فَرَرْتُ فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ خَاضِعٌ ذَلِيلٌ رَاغِمٌ ، إنْ تُعَذِّبْنِي فَإنّي لِذلِكَ أَهْلٌ ، وَهُوَ يَارَبِّ مِنْكَ عَدْلٌ ، وَإنْ تَعْفُ عَنِّي فَقَدِيماً شَمَلَنِي عَفْوُكَ ، وَأَلبَسْتَنِي عَافِيَتَكَ. فَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِالْمَخْزونِ

٤١٩

مِنْ أَسْمائِكَ ، وَبِمَا وَارتْهُ الْحُجُبُ مِنْ بَهَائِكَ إلاَّ رَحِمْتَ هذِهِ النَّفْسَ الْجَزُوعَةَ ، وَهَذِهِ الرِّمَّةَ الْهَلُوعَةَ الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ حَرَّ شَمْسِكَ ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ حَرَّ نارِكَ ، وَالَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ رَعْدِكَ ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ غَضَبِكَ ، فَارْحَمْنِي اللَّهُمَّ فَإنِّي امْرُؤٌ حَقِيرٌ وَخَطَرِي يَسِيرٌ ، وَلَيْسَ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مِثْقَالَ ذَرَّة ، وَلَوْ أَنَّ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ لَسَأَلْتُكَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ لَكَ ، وَلكِنْ سُلْطَانُكَ اللَّهُمَّ أَعْظَمُ ، وَمُلْكُكَ أَدْوَمُ مِنْ أَنْ تَزِيـدَ فِيْهِ طَاعَةُ الْمُطِيعِينَ ، أَوْ تُنْقِصَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْمُذْنِبِينَ ، فَارْحَمْنِي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَتَجاوَزْ عَنِّي يا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ ، وَتُبْ عَلَيَّ ، إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

٤٢٠