شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بهار قلوب
الطبعة: ٢
ISBN: 964-93610-0-6
الصفحات: ٤٤٠

واعتباراً بحسب ما أنّها مزرع المزاد للنفس في سبيل الإستكمال ومتجر الإسترباح للعقل في طريق الكمال ، منها يتزوّد أولياء الله ، وفيها يتأهّب حزب الحقّ للقاء الله. وهي بهذا الإعتبار ولهذا الإمتياز لحاة دار القرار يستحبّ استبقاؤها ويطلب طول البقاء فيها ، وإليه الإشارة في حديث أمير المؤمنين عليه السلام : بقيّة عمر المؤمن لا ثمن لها يدرك بها ما فات ويحيي بها ما مات.

وفي الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه عاد جابر (رضي الله تعالى عنه) في مرضه ، فسأله عن حاله؟ فقال : حالي أنّ الموت أحبّ إليّ من الحياة ، والمرض من الصحّة ، والفقر من الغنى.

فقال عليه السلام : ولكن حالنا أهل البيت على خلاف ذلك.

قال : وكيف ذاك؟ فقال عليه السلام : إن أراد الله لنا الموت كان أحبّ إلينا ، وإن أراد لنا الحياة كان أحبّ إلينا ، وإن أراد لنا المرض كان أحبّ إلينا ، وإن أراد لنا الغنى كان أحبّ إلينا.

فقبّل جابر رأسه أو يده ، وقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وآله إنّك باقر تبقر العلم بقراً.

(٤) قوله عليه السلام : حتّى لا نؤمّل استتمام ساعة ،

إلى قوله : ولا لحوق قدم بقدم.

إن قلت : أليس سبيل البلاغة التدرّج من الأضعف في إفادة المعنى المروم إلى الأقوى في ذلك؟ فكان الأحقّ أن يقال : حتّى لا نؤمّل استيفاء يوم بعد يوم ، ولا استتمام ساعة بعد ساعة ، ولا لحوق قدم بقدم ، ولا اتّصال نفس بنفس.

قلت : وفيه وجهان :

الأوّل : أن مغزى الكلام قطع طول الأمل في اليقضة وعند النوم ، وفي حالة القعود وفي حالة المشي. وبالجملة في الحالات كلّها على الإستيعاب ، فلا نؤمّل في اليقظة استتمام ساعة

٣٢١

بعد ساعة ، ولا عند النوم استيفاء يوم مّا بعد النوم بعد يوم مّا قبل النوم (١) ، ولا حالة القعود اتّصال نفس بنفس ، ولا حالة ال مشي لحوق قدم بقدم.

الثاني : أن يكون المقصود مطابقة نظم الكلام لحال الواقع ، كما ربّما يقال في قوله سبحانه وتعالى : (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) (٢) أنّ السنة لمّا كانت قبل النوم جعلت في البيان أيضاً قبلاً ، فحيث أنّ استتمام الساعة قبل استيفاء اليوم ، وتتالي الأنفاس قبل تتابع الأقدام في الواقع ، روعي تطابق الترتيب الذكري والترتيب الوجودي ، فليعلم.

(٥) قوله عليه السلام : ونحرص على وشك اللحاق بك

أي : لكونه السبب الباعث على وشك اللحاق بك ، بفتح الواو وضمّها وإسكان المعجمة ، يقال : عجبت من وشك هذا الأمر بالفتح ، ومن وشكه أيضاً بالضمّ ، ومن وشكاته بالفتح ، ومن وشكاته أيضاً بالضمّ. أي : من سرعته ، وخرج وشيكاً أي : سريعاً ، وواشك فلان يواشك وشاكاً فهو مواشك ، وكذلك أوشك يوشك فهو موشك. أي : استعجل وسارع وأسرع ، فهو مستعجل مسرع مسارع.

و «اللحاق» بالفتح مصدر لحقته ألحقه لحاقاً ، أي : أدركته. وكذلك ألحقته ألحقه إلحاقاً ، ومنه في حديث الدعاء : «ونخشى عذابك بالكفّار ملحق» على أحد الأقوال.

قال في المغرب : ألحق بمعنى لحق ، ومنه إنّ عذابك بالكفّار ملحق.

أي : لاحق عن الكساء. وقيل المراد ملحق بالكفّار غيرهم ، وهذا أوجه للاستئناف الذي معناه التعليل.

وفي النهاية الأثيريّة : انّ عذابك بالكفّار ملحق. الرواية بكسر الحاء ، أي : من نزل به عذابك ألحقه بالكفّار. وقيل هو بمعنى لا حق في لحق ، يقال : لحقته وألحقه بمعنى تبعته و

__________________

١. في «ط» : يوم بعد اليوم بعد يوم قبل اليوم.

٢. سورة البقرة : ٢٨٦.

٣٢٢

أتبعته. ويروى بفتح الحاء على المفعول ، أي : انّ عذابك ملحق بالكفّار ويصابون به. انتهى كلام النهاية. (١)

(٦) قوله عليه السلام : حتّى يكون الموت مأنسنا الذي نأنس به

وذلك لأنّ الموت حقيقته الإنتقال عن مضيق الزمان إلى عالم الدهر ، والإنصراف عن دار الغربة العارضة إلى الوطن الطبيعي المألوف ، والمهاجرة من ديار الوحشة والسفالة إلى دار البهجة والكرامة. فيا أيّها المفتون بالحياة الكاذبة الجسدانيّة عن الحياة الحقيقيّة العقلانيّة ، لا تخافنّ من الموت ، فإنّ مرارته في خوفه ، ولا تستحلينّ علاقة البدن ، فإنّ حلاوته في رفضه.

(٧) قوله عليه السلام : وحامّتنا التي نحبّ الدنوّ منها

بالتشديد ، أي : خاصّتنا وخيرتنا التي نستحقّها بالإختيار ، أو من الحامّة بمعنى خاصّة أخلّاء المرء وروقة أحبّائه وأقربائه. وإطلاق ذلك على الموت لأنّه سبب الإتّصال بهم ، كما قال عمّار بن ياسر (رضي الله تعالى عنه) حين الشهادة يوم صفّين : الآن ألقى الأحبّة محمّداً وحزبه. (٢)

قال ابن الأثير في النهاية : وفيه ـ أي : في حديثه صلّى الله عليه وآله في أصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام ـ «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي ، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» حامّة الإنسان : خاصّته ومن يقرب منه ، وهو الحميم أيضاً. ومنه الحديث : انصرف كلّ رجل من وفد ثقيف إلى حامّته. (٣)

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٤ / ٢٣٨.

٢. رجال الكشي : ص ٣٠.

٣. نهاية ابن الأثير : ١ / ٤٤٦.

٣٢٣

٤١

وكان من دعائه عليه السلام في طلب الستر وَالوقاية

أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَفْرِشْنِي (١) مِهَادَ كَـرَامَتِـكَ ، (٢) وَأَوْرِدْنِي مَشَارِعَ رَحْمَتِـكَ ، وَأَحْلِلْنِي بُحْبُوحَةَ جَنَّتِكَ ، وَلاَ تَسُمْنِي بِالرَّدِّ عَنْكَ ، (٣) وَلا تَحْرِمْنِي بِـالْخَيْبَةِ مِنْـكَ ، وَلاَ تُقَاصَّنِي بِمَـا اجْتَرَحْتُ ، (٤) وَلاَ تُنَاقِشْنِي بِمَا اكْتَسَبْتُ ، وَلا تُـبْرِزْ مَكْتُوْمِي ، (٥) وَلاَ تَكْشِفْ مَسْتُورِي ، وَلاَ تَحْمِلْ عَلَى مِيزانِ الأنْصَافِ عَمَلِي ، (٦) وَلاَ تُعْلِنْ عَلَى عُيُونِ الْمَلاَ (٧) خَبَـرِي ، أَخْفِ عَنْهُمْ مَا يَكُونُ نَشْرُهُ عَلَيَّ عَاراً ، وَاطْوِ عَنْهُمْ مَا يُلْحِقُنِي عِنْدَكَ شَنَاراً ، (٨) شَرِّفْ دَرَجَتِي بِرِضْوَانِكَ ، وَأكْمِلْ كَرَامَتِي بِغُفْرَانِكَ ، وَانْظِمْنِي فِي أَصْحَابِ الْيَمِينِ ، (٩) وَوَجِّهْنِي فِي مَسَالِكِ الآمِنِينَ ، وَاجْعَلْنِي فِي فَوْجِ الْفَائِزِينَ ، وَاعْمُرْ بِي مَجَالِسَ الصَّالِحِينَ ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

٣٢٤

قوله : في طلب الستر

الستر هاهنا ـ بالفتح ـ على المصدر ، لا بالكسر على اسم ما يستر به.

(١) قوله عليه السلام : وافرشني

معاً ، أي : بهمزة الوصل من المجرّد ، أو بهمزة القطع من باب الإفعال ، كما قد سلف في دعاء العافية.

قال في القاموس : أفرش فلاناً بساطاً بسطه له ، كفرشه فرشاً ، وفرشه تفريشاً وفرشه أمراً : أوسعه إيّاه. (١)

(٢) قوله عليه السلام : على مهاد كرامتك

وعلى رواية «كف» : مهاد رحمتك ومشارع كرامتك ، ولا تعارضني بما اجترحت ، ولا تناقشني فيما اكتسبت.

(٣) قوله عليه السلام : ولا تسمني

بضمّ السين وكسرها ، على ما قد مضى غير مرّة.

(٤) قوله عليه السلام : بما اجترحت

__________________

١. القاموس : ٢ / ٢٨٢.

٣٢٥

الإجتراح الإكتساب.

(٥) قوله عليه السلام : ولا تبرز مكتومي

من الإبراز بمعنى الإظهار.

(٦) قوله عليه السلام : ولا تحمل على ميزان الانصاف عملي

أي : احمل عملي على ميزان التفضّل والإفضال ، ولا تحمله على ميزان العدل والإنصاف.

(٧) قوله عليه السلام : على عيون الملأ

الملأ ـ بالتحريك ـ الجماعة يجتمعون على أمر فيملأون عيون الناظرين.

(٨) قوله عليه السلام : ما يلحقني عندك شناراً

الشنار ـ بالفتح ـ أقبح العيب وأفضح العار والأمر المشهور بالشنعة.

وشنّر عليك تنشراً عابه وسمع به وفضحه. والشنّير بالكسر والتشديد كسكّيت : السيّء الخلق والكثير الشرّ والشهير بالعيوب.

ولعل المراد أخفّ عنهم ما يكون نشره عاراً عليّ في الدنيا ، واطو عنهم ما يلحقني شناراً عندك في الآخرة ، ويلحقني على الحذف والإيصال أي : يلحق بي.

(٩) قوله عليه السلام : وانظمني في أصحاب اليمين

بهمزة الوصل ، يقال : نظمت اللؤلؤ نظماً ونظمته تنظيماً أيضاً.

٣٢٦

٤٢

وكان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن

أَللَّهُمَّ إنَّكَ أَعَنْتَنِي عَلَى خَتْمِ كِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَهُ نُوراً وَجَعَلْتَهُ مُهَيْمِناً عَلَى كُلِّ كِتَاب أَنْزَلْتَهُ ، (١) وَفَضَّلْتَهُ عَلَى كُلِّ حَدِيث قَصَصْتَهُ ، وَفُرْقاناً فَرَقْتَ بِهِ بَيْنَ حَلالِكَ وَحَرَامِكَ ، وَقُرْآناً أَعْرَبْتَ بِهِ عَنْ شَرَائِعِ أَحْكَامِكَ ، وَكِتَاباً فَصَّلْتَهُ لِعِبَادِكَ تَفْصِيلاً وَوَحْياً أَنْزَلْتَهُ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّد صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ تَنْزِيلاً ، وَجَعَلْتَهُ نُوراً نَهْتَدِي مِنْ ظُلَمِ الضَّلاَلَةِ وَالْجَهَـالَةِ بِـاتِّبَاعِـهِ ، وَشِفَـاءً لِمَنْ أَنْصَتَ بِفَهْم التَّصْدِيقِ إلَى اسْتِمَاعِهِ ، وَمِيزَانَ قِسْط لاَ يَحِيْفُ عَنِ الْحَقِّ لِسَانُهُ ، وَنُورَ هُدىً لاَ يُطْفَأُ عَنِ الشَّاهِدِينَ بُرْهَانُهُ ، وَعَلَمَ نَجَاة لاَ يَضِلُّ مَنْ أَمَّ قَصْدَ سُنَّتِهِ ، (٢) وَلاَ تَنَالُ أَيْدِي الْهَلَكَاتِ مَنْ تَعَلَّقَ بِعُرْوَةِ عِصْمَتِهِ. أَللَّهُمَّ فَإذْ أَفَدْتَنَا الْمعُونَةَ عَلَى تِلاَوَتِهِ وَسَهَّلْتَ جَوَاسِيَ أَلْسِنَتِنَا بِحُسْنِ عِبَارَتِهِ ، فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَرْعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ ، وَيَدِينُ لَكَ بِاعْتِقَادِ التَّسْلِيْمِ لِمُحْكَمِ آياتِهِ ، وَيَفْزَعُ إلى الإِقْرَارِ بِمُتَشَابِهِهِ ، وَمُوضَحَاتِ

٣٢٧

بَيِّناتِهِ. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَنْزَلْتَهُ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مُجْمَلاً ، (٣) وَأَلْهَمْتَهُ عِلْمَ عَجَائِبِهِ مُكَمَّلاً ، وَوَرَّثْتَنَا عِلْمَهُ مُفَسَّراً ، (٤) وَفَضَّلْتَنَا عَلَى مَنْ جَهِلَ عِلْمَهُ ، وَقَوَّيْتَنَا عَلَيْهِ لِتَرْفَعَنَا فَوْقَ مَنْ لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ. أللَّهُمَّ فَكَمَا جَعَلْتَ قُلُوبَنَا لَهُ حَمَلَةً ، وَعَرَّفْتَنَا بِرَحْمَتِكَ شَرَفَهُ وَفَضْلَهُ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد الْخَطِيْبِ بِهِ ، وَعَلَى آلِهِ الْخُزّانِ لَهُ ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِأَنـَّهُ مِنْ عِنْدِكَ ، حَتَّى لاَ يُعَارِضَنَا الشَّكُّ فِي تَصْدِيقِهِ ، وَلاَ يَخْتَلِجَنَا الزَّيْغُ عَنْ قَصْدِ طَرِيقِهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَصِمُ بِحَبْلِهِ ، وَيَـأْوِي مِنَ الْمُتَشَـابِهَاتِ إلَى حِرْزِ مَعْقِلِهِ ، وَيَسْكُنُ فِي ظِـلِّ جَنَاحِهِ ، وَيَهْتَدِي بِضَوْءِ صَاحِبِهِ ، وَيَقْتَدِي بِتَبَلُّج إسْفَارِهِ ، وَيَسْتَصْبحُ بِمِصْباحِهِ ، وَلا يَلْتَمِسُ ألْهُدَى فِي غَيْرِهِ. أللَّهُمَّ وَكَمَا نَصَبْتَ بِهِ مُحَمَّداً عَلَماً لِلدَّلالَةِ عَلَيْكَ ، وَأَنْهَجْتَ بِآلِهِ سُبُلَ الرِّضَا إلَيْكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلِ القُرْآنَ وَسِيلَةً لَنَا إلَى أَشْرَفِ مَنَازِلِ الْكَرَامَةِ ، وَسُلَّماً نَعْرُجُ فِيهِ إلَى مَحَلِّ السَّلامَةِ ، وَسَبَباً نُجْزَى بِهِ النَّجاةَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ ، وَذَرِيعَةً نُقْدِمُ بِهَا عَلَى نَعِيْمِ دَارِ الْمُقَامَةِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاحْطُطْ بالْقُرْآنِ عَنَّا ثِقْلَ الأوْزَارِ ، وَهَبْ لَنَا حُسْنَ شَمَائِلِ الأَبْرَارِ ، وَاقْفُ بِنَا آثَارَ الَّذِينَ قَامُوا لَكَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ، حَتَّى تُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ دَنَس بِتَطْهِيرِهِ ، وَ

٣٢٨

تَقْفُوَ بِنَا آثَارَ الَّذِينَ اسْتَضَـآءُوْا بِنُورِهِ ، وَلَمْ يُلْهِهِمُ الأَمَلُ عَنِ الْعَمَـل فَيَقْطَعَهُمْ بِخُدَعِ غُرُورِهِ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، واجْعَلِ القُرْآنَ لنا فِي ظُلَمِ اللَّيالِي مُونِساً ، وَمِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَخَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ حَارِساً ، وَلأقْدَامِنَا عَنْ نَقْلِهَا إلَى الْمَعَاصِيْ حَابِساً ، وَلأِلْسِنَتِنَا عَنِ الْخَوْضِ فِي الباطِلِ مِنْ غَيْرِ مَا آفَة مُخْرِساً ، (٥) وَلِجَوَارِحِنَا عَنِ اقْتِرَافِ الآثامِ زَاجِراً ، وَلِمَا طَوَتِ الغَفْلَةُ عَنَّا مِنْ تَصَفُّحِ الاعْتِبَارِ نَاشِراً ، حَتَّى تُوصِلَ إلَى قُلُوبِنَا فَهْمَ عَجَائِبِهِ ، وَزَوَاجِرَ أَمْثَـالِهِ الَّتِي ضَعُفَتِ الْجِبَالُ الرَّوَاسِي عَلَى صَلاَبَتِهَا عَنِ احْتِمَالِهِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَدِمْ بِالْقُرْانِ صَلاَحَ ظاهِرِنا ، وَاحْجُبْ بِهِ خَطَراتِ الْوَسَاوِسِ عَنْ صِحَّةِ ضَمَائِرِنَا ، وَاغْسِلْ بِهِ دَرَنَ قُلُوبِنَا ، وَعَلاَئِقَ أَوْزَارِنَا ، وَاجْمَعْ بِهِ مُنْتَشَرَ أُمُورِنَا ، وَأَرْوِ بِهِ فِي مَـوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ ظَمَأ هَوَاجِرِنَا ، وَاكْسُنَا بِهِ حُلَلَ الأَمَانِ يَوْمَ الْفَزَعِ الأكْبَرِ فِي نشُورِنَا. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْبُرْ بِالْقُرْآنِ خَلَّتَنَا مِنْ عَدَمِ الإمْلاَقِ وَسُقْ إلَيْنَا بِهِ رَغَدَ الْعَيْشِ ، وَخِصْبَ سَعَةِ الأرْزَاقِ ، وَجَنِّبْنَا بِهِ الضَّرَائِبَ الْمَذْمُومَةَ ، وَمَدَانِيَ الأخْلاَقِ ، وَاعْصِمْنَا بِهِ مِنْ هُوَّةِ الكُفْرِ ، (٦) وَدَوَاعِـي النِّفَاقِ حَتَّى يَكُوْنَ لَنَا فِي الْقِيَامَةِ إلَى رِضْوَانِكَ وَجِنَانِكَ قَائِداً ، وَلَنَا فِي الدُّنْيا عَنْ سَخَطِكَ وَ

٣٢٩

تَعَدِّي حُدُودِكَ ذَائِداً ، وَلِمَا عِنْدَكَ بِتَحْلِيلِ حَلاَلِهِ ، وَتَحْرِيم حَرَامِهِ شَاهِداً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَهَوِّنْ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى أَنْفُسِنَا كَرْبَ السِّيَاقِ ، وَجَهْدَ الأنِينِ ، وَتَرادُفَ الْحَشَارِجِ إذَا بَلَغَتِ ألنُّفُوسُ التَّراقِيَ ، وَقِيلَ مَنْ رَاق؟ وَتَجَلَّى مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِهَا مِنْ حُجُبِ الْغُيُوبِ ، وَرَمَاهَا عَنْ قَوْسِ الْمَنَايَا بِأَسْهُمِ وَحْشَةِ الْفِرَاقِ ، وَدَافَ لَهَا مِنْ دُعَافِ الْمَوْتِ كَأْساً مَسْمُومَةَ الْمَذَاقِ ، وَدَنا مِنَّا إلَى الآخِرَةِ رَحِيلٌ وَانْطِلاَقٌ ، وَصَارَتِ الأعْمَالُ قَلاَئِـدَ فِي الأَعْنَاقِ وَكَانَتِ الْقُبُورُ هِيَ الْمَأوَى إلَى مِيقَاتِ يَوْمِ التَّلاَقِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَبَارِكْ لَنَا فِي حُلُولِ دَارِ البِلَى ، وَطُولِ الْمُقَامَـةِ بَيْنَ أَطْبَـاقِ الثَّـرى وَاجْعَلِ القبُورَ بَعْدَ فِرَاقِ الدُّنْيَا خَيْرَ مَنَازِلِنَا ، وَافْسَحْ لَنَا بِرَحْمَتِكَ فِي ضِيقِ مَلاَحِدِنَا ، وَلا تَفْضَحْنَا فِي حَاضِرِي الْقِيَامَةِ بِمُوبِقَاتِ آثامِنَا ، وَارْحَمْ بِالْقُرْانِ فِيْ مَوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ ذُلَّ مَقَامِنَا ، وَثَبِّتْ بِهِ عِنْدَ اضْطِرَابِ جِسْرِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْمَجَازِ عَلَيْهَـا زَلَلَ أَقْدَامِنَا ، وَنَوِّرْ بِهِ قَبْلَ الْبَعْثِ سُدَفَ قُبُورنا ، وَنَجِّنَا بِهِ مِنْ كُلِّ كَرْب يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَشَدَائِدِ أَهْوَالِ يَوْمِ الطَّامَّةِ ، وَبَيِّضْ وُجُوهَنَا يَوْمَ تَسْوَدُّ وُجُوهُ الظَّلَمَةِ فِي يَوْمِ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ ، وَاجْعَلْ لَنَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وُدّاً ، وَلاَ تَجْعَلِ الْحَيَاةَ عَلَيْنَا نَكَداً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ

٣٣٠

عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا بَلَّغَ رِسَالَتَكَ ، وَصَدَعَ بِأَمْرِكَ ، وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ. أللَّهُمَّ اجْعَلْ نَبِيَّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَقْرَبَ النِّبِيِّينَ مِنْكَ مَجْلِساً ، وَأَمْكَنَهُمْ مِنْكَ شَفَاعَةً ، وَأَجَلَّهُمْ عِنْدَكَ قَدْراً ، وَأَوْجَهَهُمْ عِنْدَكَ جَاهَاً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَشَرِّفْ بُنْيَانَهُ ، وَعَظِّمْ بُرْهَانَهُ ، وَثَقِّلْ مِيزَانَهُ ، وَتَقَبَّلْ شَفَاعَتَهُ ، وَقَرِّبْ وَسِيلَتَهُ ، وَبَيِّضْ وَجْهَهُ وَأَتِمَّ نُورَهُ ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ ، وَأَحْيِنَا عَلَى سُنَّتِهِ ، وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ ، وَخُذْ بِنَـا مِنْهَاجَـهُ ، وَاسْلُكْ بِنَا سَبِيلَهُ ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ ، وَأَوْرِدْنَا حَوْضَهُ ، وَاسْقِنَا بِكَأسِهِ ، أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، صَلاةً تُبَلِّغُهُ بِهَا أَفْضَلَ مَا يَأْمُلُ مِنْ خَيْرِكَ ، وَفَضْلِكَ وَكَرَامَتِكَ ، إنَّكَ ذُوْ رَحْمَة وَاسِعَة وَفَضْل كَرِيم. أللَّهُمَّ اجْزِهِ بِمَا بَلَّغَ مِنْ رِسَالاتِكَ ، وَأَدَّى مِنْ آيَاتِكَ ، وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِكَ ، أَفْضَلَ مَا جَزَيْتَ أَحَداً مِنْ مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَأَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ الْمُصْطَفَيْنَ ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ.

٣٣١

قوله : عند ختم القرآن

أي : بعد ختمه إيّاه ، وفي «خ» عند ختم القرآن المجيد على الإضافة من دون الضمير.

(١) قوله عليه السلام : وجعلته مهيمناً على كلّ كتاب أنزلته

قال في غريب القرآن : مهيمناً مؤتمناً ، وقيل : شاهداً ، وقيل : رقيباً ، وقيل : قفاناً ، يقال : فلان قفان على فلان إذا كان يتحفّظ باُموره ، فقيل للقرآن : فقان على الكتب ؛ لأنّه شاهد بصحّة الصحيح منها وسقم السقيم. والمهيمن في أسماء الله : القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم.

وقال النحويّون : أصل المهيمن : مؤيمن مفيعل من أمين ، كما قالوا بيطر ومبيطر من البيطار ، فقلبت الهمزة هاءً لقرب مخرجهما ، كما قالوا أرقت الماء وهرقت ، وايهات وهيهات ، وإيّاك وهيّاك ، وأبرته وهبرته للجزّار الذي يكون في الرأس. (١) انتهى كلامه.

وفي الفائق : إنّي متكلّم بكلمات مهيمنوا عليهنّ ، أي : أشهدوا عليهنّ من قوله تعالى : (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (٢) وقيل : راعوهنّ وحافظوا عليهنّ من هيمن الطائر إذا رفرف على فراخه. وقيل أراد آمنوا فقلبت الهمزة هاءاً والميم المدغمة ياءاً ، كقولهم أيما في «أمّا».

وعن عكرمة : وكان علي عليه السلام أعلم بالمهيمنات : أي : بالقضايا ، من الهيمنة وهي القيام على الشيء ، جعل الفعل لها وهو لأربابها القوّامين بالاُمور ، وقيل : إنّما هي المهيمنات أي : المسائل الدقيقة التي تهيم أي : تحير. (٣)

وفي النهاية الأثيريّة : في باب الهاء مع الميم ، في أسماء الله تعالى : «المهيمن» قيل : هو الرقيب ، وقيل : الشاهد ، وقيل : المؤتمن ، وقيل : القائم باُمور الخلق ، وقيل : أصله مؤيمن

__________________

١. غريب القرآن : ٩٥.

٢. سورة المائدة : ٤٨.

٣. الفائق : ٤ / ١١٣.

٣٣٢

فاُبدلت الهاء من الهمزة وهو مفيعل من الأمانة.

وفي حديث عكرمة : «كان علي عليه السلام أعلم بالمهيمنات» أي : القضايا ، من الهيمنة ، وهي القيام على الشيء ، جعل الفعل لها ، وهو لأربابها القوّامين بالاُمور.

ثمّ في باب الهاء مع الياء ، قال : وفي حديث عكرمة «كان علي عليه السلام أعلم بالمهيمات» كذا جاء في رواية ، يريد دقائق المسائل التي تهيم الإنسان وتحيّره ، يقال : هام في الأمر يهيم إذا تحيّر فيه ، ويروى «بالمهيمنات» وقد تقدّم. (١) انتهى كلام النهاية.

ومن المقترّ في مقارّه أنّ المهيمن في أسمائه تعالى بجميع معاني هذه الثلاثة من الأسماء الحسنى : الرقيب العزيز العليم. وقيل : الحفيظ العزيز العليم.

وفي قواعد شيخنا الشهيد (قدّس الله لطيفه) : المهيمن : القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم. (٢) كما نقلناه عن غريب القرآن.

(٢) قوله عليه السلام : لا يضلّ من أمّ قصد سنّته

«من أمّ» أي : من قصد سننه بالفتح ، أي : طريقة منهجه ، أو سننه بالضمّ أي : طريقته وشريعته. أو سميه بإسكان الميم بعد السين المفتوحة ، أي : شطره ووجهته.

(٣) قوله عليه السلام : إنّك أنزلته على نبيّك محمّد

صلّى الله عليه وآله مجملاً ...

أي : أنزلته عليه صلّى الله عليه وآله مجملاً من حيث النبوّة ، وألهمته علم عجائبه مفصّلاً من حيث الولاية ، فإنّ درجة النبوّة تبليغ التنزيل وإدماج الحقائق. (٣) ودرجة الولاية حمل التأويل وكشف الأسرار ، لذلك كان ولاية النبيّ أفضل من نبوّته ، على ما قد اقترّ في مقامه.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٥ / ٢٧٥ و ٢٨٩.

٢. قواعد الشهيد : ص ٢٦٥.

٣. في «ط» : الخلائق.

٣٣٣

ولقد صحّ عنه صلّى الله عليه وآله من طرق العامّة ومن طريق الخاصّة أنّه قال : صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام : يا علي إنّك تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله. (١)

(٤) قوله عليه السلام : وورّثنا علمه ...

يعني جعلتنا خزنة لتنزيله وحملة لتأويله ، وجعلتنا ورثة علمه إجمالاً وتفصيلاً وتفسيراً وتأويلاً. يقال : أورثه أبواه ايراثاً وورّثه أيضاً توريثاً ، أي : اجعله من ورثته.

والنسخ في أورثتنا ورّثتنا في الأصل. وفي رواية «س» مختلفة.

(٥) قوله عليه السلام : من غير ما آفة

«ما» هنا زائدة على سبيل «ما» في قوله عزّ من قائل : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ) (٢) وفي «خ» من غير آفة.

(٦) قوله عليه السلام : من هوّة الكفر

الهوّة بضمّ الهاء وتشديد الواو المفتوحة : الوهدة الغائرة والحفرة العميقة ، قاله في الصحاح والمجمل والأساس والمغرب. (٣)

وجمعها الهوى بالواو المفتوحة بعد الهاء المضمومة ، كما القوّة والقوى والكوّة والكوى. والأهوية على افعولة أيضاً بمعنى الهوّة. وأمّا المهواة والهاوية فبمعنى ما بين الجبلين إلى عمق الأرض الغائرة.

__________________

١. رواه جمع من أعلام العامّة منهم أحمد بن حنبل في مسنده : ٣ / ٣٣ والنسائل في الخصائص : ص ٤٠ والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٢٢ وأبو نعيم في حلية الأولياء : ١ / ٦٧ والخوارزمي في المناقب : ص ١٧٥ والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ص ١٧٣ وابن المغازلي في مناقبه : ص ٤٣٨ والقندوزي في ينابيع المودّة : ص ٢٠٩.

٢. سورة آل عمران : ١٥٩.

٣. الصحاح : ٦ / ٢٥٣٧ ، وأساس البلاغة : ص ٧٠٨.

٣٣٤

٤٣

وكان من دعائه عليه السلام إذا نظر إلى الهلال (١)

أيُّهَا الْخَلْقُ الْمُطِيعُ ، (٢) الدَّائِبُ السَّرِيعُ ، (٣) الْمُتَرَدِّدُ فِي مَنَازِلِ التَّقْدِيْرِ ، (٤) الْمُتَصَرِّفُ فِي فَلَكِ التَّدْبِيرِ ، (٥) آمَنْتُ بِمَنْ نَوَّرَ بِكَ الظُّلَمَ ، (٦) وَأَوْضَحَ بِـكَ الْبُهَمَ ، (٧) وَجَعَلَكَ آيَةً مِنْ آياتِ مُلْكِهِ ، (٨) وَعَلاَمَةً مِنْ عَلاَمَاتِ سُلْطَانِهِ ، وَامْتَهَنَكَ بِالزِّيادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، (٩) وَالطُّلُوعِ وَالأُفُولِ ، (١٠) وَالإِنارَةِ وَالْكُسُوفِ ، (١١) فِي كُلِّ ذلِكَ أَنْتَ لَهُ مُطِيعٌ ، وَإلى إرَادَتِهِ سَرِيعٌ ، سُبْحَانَهُ مَا أَعْجَبَ مَا دَبَّرَ فِيْ أَمْرِكَ ، وَأَلْطَفَ مَا صَنعَ فِي شَأْنِكَ ، جَعَلَكَ مِفْتَاحَ شَهْر حَادِثٍ لأِمْر حادِثٍ ، فَأَسْأَلُ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكَ ، وَخَالِقِي وَخَالِقَكَ ، وَمُقَدِّرِي وَمُقَدِّرَكَ ، وَمُصَوِّرِي وَمُصَوِّرَكَ ، أَنْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَنْ يَجْعَلَكَ هِلاَلَ بَرَكَة لاَ تَمْحَقُهَا الأيَّامُ ، وَطَهَارَة لاَ تُدَنِّسُهَا الآثامُ ، هِلاَلَ أَمْن مِنَ الآفاتِ ، وَسَلاَمَة مِنَ السَّيِّئاتِ ، هِلاَلَ سَعْد لاَ نَحْسَ فِيْهِ ، وَيُمْن لاَ نَكَدَ مَعَهُ ، وَيُسْر لاَ يُمَازِجُهُ عُسْرٌ ، وَخَيْرٍ لاَ

٣٣٥

يَشُوبُهُ شَرٌّ ، هِلاَلَ أَمْن وَإيمَان وَنِعْمَة وَإحْسَان وَسَلاَمَة وَإسْلاَم. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَرْضَى مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ ، وَأَزْكَى مَنْ نَظَرَ إليْهِ ، وَأَسْعَدَ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ ، وَوَفِّقْنَا فِيهِ لِلتَّوْبَةِ ، وَاعْصِمْنَـا فِيْهِ مِنَ الْحَـوْبَةِ ، وَاحْفَظْنَا فِيهِ مِنْ مُبَاشَرَةِ مَعْصِيَتِكَ ، وَأَوْزِعْنَا فِيهِ شُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وَأَلْبِسْنَا فِيهِ جُنَنَ الْعَافِيَةِ ، وَأَتْمِمْ عَلَيْنَا بِاسْتِكْمَالِ طَاعَتِكَ فِيهِ الْمِنَّةَ ، إنَّكَ الْمَنَّانُ الْحَمِيدُ ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

٣٣٦

(١) إذا نظر إلى الهلال

الهلال واحد الأهلّة ، وهو في اللغة ما يرى من جرم القمر في أوّل الشهر والسنان الذي له شعبتان يصاد به الوحش ، والماء القليل في أسفل الركي ، وضرب من الحيات ، وطرف الرحى إذا انكسر ، فيقال لكلّ واحد من هذه هلال. والإهلال والإستهلال إفعال واستهلال من هلال الشهر.

في فائق الزمخشري : أهلّ الصبيّ واستهلّ ـ على البناء للفاعل ـ صاح عند الولادة ، وأهلّ الهلال على صيغة المجهول ، وكذا استهلّ صيح عند رؤيته. وانهلّت السماء بالقطر ، واستهلّت ابتدأت به فسمع صوته. (١)

وفي النهاية الأثيريّة : أهلّ المحرم بالحجّ يهلّ إهلالاً ، إذا لبّى ورفع صوته بالتلبية. والمهلّ ، بضمّ الميم : موضع الإهلال : وهو الميقات الذي يحرمون منه ، ويقع على الزمان والمصدر. ومنه «إهلال الهلال واستهلاله» إذا رفع الصوت بالتكبير عند رؤيته. وإهلال الصبيّ : (٢) تصويته عند ولادته وإهلال الهلال إذا طلع ، وأهلّ واستهلّ إذا أبصر ، وأهللته إذا أبصرته. (٣)

وقال في المغرب : أهلّوا الهلال واستهلّوه رفعوا أصواتهم عند رؤيته. ثمّ قيل : أهلّ الهلال واستهلّ ـ مبنيّاً للمفعول فيهما ـ إذا أبصر. واستهلال الصبيّ أن يرفع صوته بالبكاء عند ولادته. ومنه الحديث : «إذا استهلّ الصبيّ ورث» وقول من قال هو أن يقع حيّاً تدريس.

__________________

١. الفائق : ٤ / ١٠٩.

٢. في المصدر : واستهلال الصبيّ وكذا واستهلال الهلال.

٣. نهاية ابن الأثير : ٥ / ٢٧١.

٣٣٧

ويقال الإهلال رفع الصوت بـ«لا إله الّا الله» ومنه قوله تعالى (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّـهِ) (١) وأهلّ المحرم بالحجّ رفع صوته بالتلبية.

وقال الراغب في المفردات : أهلّ الهلا رؤي ، واستهلّ طلب رؤيته. ثمّ قد يعبّر عن الهلال بالإستهلال نحو الإجابة والإستجابة ، والإهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال ، ثمّ استعمل لكلّ صوت ، ومنه (٢) إهلال الصبيّ ، قال تعالى (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّـهِ) أي : ما ذكر عليه غير اسم الله ، وهو ما كان يذبح لأجل الأصنام.

وقيل : الإهلال والتهلّل أن يقول : لا إله إلّا الله. ومن هذه الجملة ركّبت هذه اللفظة ، كقولهم التبسمل والبسملة والتحولق والحوقلة إذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. ومنه الإهلال بالحجّ وتهلّل السحاب ببرقه تلألأ ، ويشبه ذلك بالهلال. (٣)

ثمّ إنّه قد اختلفت أقوال علماء الأدب ، وكذلك أقوال الفقهاء في ما يصحّ إطلاق الهلال عليه ولا يتجاوزه ، هي يختصّ بغرّة الشهر في الليلة الاُولى؟ أو بليلتين؟ أو بثلاث ليال بل إنّما يقال له : القمر ، أو ويطلق أيضاً على ما يرى في سرار الشهر هلال.

قال في المفردات : الهلال : القمر في أوّل ليلة والثانية ، ثمّ يقال له : القمر ولا يقال له : هلال ، وجمعه أهلّة. (٤)

وقال السجستاني في غريب القرآن : أهلّة جمع هلال ، يقال للهلال في أوّل ليلة إلى الثالثة : هلال ، ثمّ يقال : القمر إلى آخر الشهر. (٥)

وكذلك قال في الصحاح : الهلال أوّل ليلة والثانية والثالثة ثمّ هو قمر (٦).

وفي القاموس : الهلال غرّة القمر أو لليلتين أو إلى ثلاث أو إلى سبع ولليلتين من آخر

__________________

١. سورة البقرة : ١٧٣.

٢. في المصدر : وبه شبّه.

٣. مفردات الراغب : ص ٥٤٤.

٤. مفردات الراغب : ص ٥٤٤.

٥. غريب القرآن : ٢٦.

٦. الصحاح : ٥ / ١٨٥١.

٣٣٨

الشهر ستّ وعشرين وسبع وعشرين وفي غير ذلك قمر. (١)

وفي الفائق : قال النبيّ صلى الله عليه وآله لرجل : هل صمت من سرار هذا الشهر شيئاً؟ قال : لا. قال : فإذا أفطرت من شهر رمضان فصم يومين. السرار ـ بالفتح والكسر ـ حين يستسّر الهلال في آخر الشهر. أراد سرار شعبان ، قالوا : كان على هذا الرجل نذر فلمّا فاته أمره بقضائه. انتهى قول الفائق. (٢)

وقال أمين الإسلام أبو علي الطبرسي (نوّر الله تعالى مرقده) في مجمع البيان : اختلفوا في أنّه إلى كم يسمّى هلالاً؟ (٣) ومتى يسمّى قمراً؟

فقال بعضهم : يسمّى هلالاً لليلتين من الشهر ، ثمّ لا يسمّى هلالاً إلى أن يعود في الشهر الثاني. وقال آخرون : يسمّى هلالاً ثلاث ليال ثمّ يسمّى قمراً.

وقال آخرون : حتّى يحتجر وتحجيره أن يستدير بخطّة دقيقة ، وهذا قول الأصمعي. وقال بعضهم : يسمّى هلالاً حتّى يبهر ضوؤه سواد الليل ، ثمّ يقال : قمر ، وهذا يكون في الليلة السابعة. (٤) انتهى.

تفريع فقهي :

لو نذر ناذر الإستهلال ، أي : الدعاء عند الإهلال ، فالأصحّ عندي وفاقاً لما ذهب إليه جدّي المحقّق (أعلى الله تعالى مقامه) أنّه ما أتى بذلك في شيء من الليالي السبع ، كان آتياً بموجب النذر ولم يكن حانثاً ، وإن كان الإتيان به إلى الثالثة أحوط ، وفي الاولى الاولى. ثمّ إنّ منطوق متن الرواية من طريق التهذيب والفقيه والكافي مقتضاه أن يأتي بالدعاء حين الإهلال قبل أن يبرح من مكانه ، وألّا يشير إلى الهلال بشيء من جوارحه وأعضائه.

__________________

١. القاموس : ٤ / ٧٠.

٢. الفائق : ٢ / ١٧١.

٣. في المصدر : وقد اختلف في تسميته هلالاً لم يسمّى ...

٤. مجمع البيان : ١ / ٢٨٣.

٣٣٩

(٢) قوله عليه السلام : أيّها الخلق المطيع

قال في المغرب : خلقه الله خلقاً أوجده ، وانخلق في مطاوعته غير مسموع. (١)

والمصدر هنا بمعنى المفعول ، أي : أيّها المخلوق المجعول في ماهيّته وإنّيّته ، والمصنوع المعلول في ذاته ووجوده.

ويحتمل أن يكون من الخلق بمعنى التقدير ، وهو أصل معناه في اللغة ، أي : أيّها المقدّر بتقدير الله تعالى في حركاته وأوضاعه وكرّاته وأفلاكه ، المطيع له سبحانه في كلّ ما أراده منك ودبّره في أمرك.

قال ابن الأثير في النهاية : في أسماء الله تعالى : «الخالق» وهو الذي أوجد الأشياء جميعها بعد أن لم تكن موجودة. وأصل الخلق بتقدير ، فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها ، وباعتبار الإيجاد على وفق التقدير خالق. (٢)

وهذا الخطاب منه عليه السلام لجرم الكواكب الذي يقال له : تارة القمر ، وتارة الهلال ، وتارة البدر ، بحسب اختلاف التشكّلات والأوضاع.

ثمّ إنّ مخاطبته عليه السلام إيّاه ونسبة الطاعة لله عزّ وجلّ ، والإطاعة لله سلطانه في تقديره وتدبيره إليه ، تنصيص على إثبات الحياة للسماويّات جميعاً ، كما قال شريكنا السالف في رياسة حكماء الإسلام ، الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا في الشفاء والنجاة : السماء حيوان مطيع لله عزّ وجلّ. وهو الحقّ الذي أعطته الاُصول الحكميّة ، وأفادته البراهين العقليّة ، فإنّ لكلّ من الكرّات السماويّة عقلاً مفارقاً ، ونفساً مجرّدة ، ونفساً منطبعة ، ولا تتلئّب الحركة الوضعيّة المستديرة إلّا بذلك كلّه ، على ما قد أصّلناه في كتبنا وصحفنا وفصّلناه مبسوطاً في كتاب القبسات.

قال في إلهيّات الشفاء : وبالجملة لا بدّ لكلّ متحرّك من السماويّات ، لغرض عقليّ من

__________________

١. المغرب : ١ / ١٦٧.

٢. نهاية ابن الأثير : ٢ / ٧٠.

٣٤٠