شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بهار قلوب
الطبعة: ٢
ISBN: 964-93610-0-6
الصفحات: ٤٤٠

أُقَدِّمَ عَلَى رِضَاىَ رِضَاهُمَا ، وَأَسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بِي وَإنْ قَلَّ ، وَأَسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِمَا وَإنْ كَثُرَ. أللَّهُمَّ خَفِّضْ لَهُمَا صَوْتِي ، وَأَطِبْ لَهُمَا كَلاَمِي ، وَأَلِنْ لَهُمَا عَرِيْكَتِي ، وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي ، وَصَيِّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً ، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً. أللَّهُمَّ اشْكُرْ لَهُمَا ٥ تَرْبِيَتِي ، وَأَثِبْهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي ، وَاحْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنِّي فِي صِغَرِي. (٦) اللَّهُمَّ وَمَا مَسَّهُمَا مِنِّي مِنْ أَذَىً ، أَوْ خَلَصَ إلَيْهِمَا عَنِّي مِنْ مَكْرُوه ، أَوْ ضَاعَ قِبَلِي لَهُمَا مِنْ حَقٍّ ، فَاجْعَلْهُ حِطَّةً (٧) لِذُنُوبِهِمَا ، وَعُلُوّاً فِي دَرَجَاتِهِمَا ، وَزِيَادَةً فِي حَسَنَاتِهِمَا ، يَا مُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ. أللَّهُمَّ وَمَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَوْل أَوْ أَسْرَفَا عَلَىَّ فِيْهِ مِنْ فِعْل ، أَوْ ضَيَّعَاهُ لِي مِنْ حَقٍّ ، أَوْ قَصَّرا بِي عَنْهُ مِنْ وَاجِب ، فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَهُما ، وَجُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا ، وَرَغِبْتُ إلَيْكَ فِي وَضْعِ تَبِعَتِهِ (٨) عَنْهُمَا ، فَإنِّي لا أَتَّهِمُهُمَا عَلَى نَفْسِي ، وَلاَ أَسْتَبْطِئُهُمَا فِي بِرِّي ، (٩) وَلا أكْرَهُ مَا تَوَلَّياهُ مِنْ أَمْرِي. يَا رَبِّ فَهُمَا أَوْجَبُ حَقّاً عَلَيَّ ، وَأَقْدَمُ إحْسَانـاً إلَيَّ ، وَأَعْظَمُ مِنَّةً لَـدَيَّ مِنْ أَنْ أقَاصَّهُمَا بِعَدْلٍ ، أَوْ أُجَازِيَهُمَا عَلَى مِثْل. أَيْنَ إذاً يَا إلهِيْ طُولُ شُغْلِهِمَا بِتَرْبِيَتِي؟ وَأَيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا فِي حِرَاسَتِيْ؟ وَأَيْنَ إقْتَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ؟ هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوْفِيَانِ مِنِّي حَقَّهُمَا ، وَلاَ اُدْرِكُ مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَهُمَا ، وَلا أَنَا بِقَاض وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَ

٢٤١

أَعِنِّي يَا خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ ، وَوَفِّقْنِي يَا أَهْدَى مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ، وَلاَ تَجْعَلْنِي فِي أَهْلِ الْعُقُوقِ لِلآباءِ وَالأُمَّهاتِ ، يَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، وَاخْصُصْ أَبَوَيَّ بِأَفْضَلِ مَا خَصَصْتَ بِهِ آبَاءَ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَاُمَّهَاتِهِمْ ، يَا أَرْحَمَ الـرَّاحِمِينَ. أللَّهُمَّ لاَ تُنْسِنِي ذِكْرَهُمَا فِي أَدْبَارِ صَلَوَاتِي ، وَفِي أَناً مِنْ آناءِ لَيْلِي ، وَفِي كُلِّ سَاعَة مِنْ سَاعَاتِ نَهَارِي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاغْفِرْ لِي بِدُعَائِي لَهُمَا ، وَاغْفِرْ لَهُمَـا بِبِرِّهِمَـا بِي مَغْفِرَةً حَتْمـاً ، وَارْضَ عَنْهُمَا بِشَفَاعَتِي لَهُمَا رِضَىً عَزْماً ، وَبَلِّغْهُمَا بِالْكَرَامَةِ مَوَاطِنَ السَّلاَمَةِ. أللَّهُمَّ وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لَهُمَا ، فَشَفِّعْهُمَا فِيَّ ، وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُـكَ لِي ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِمَا ، حَتّى نَجْتَمِعَ بِرَأفَتِكَ فِي دَارِ كَرَامَتِكَ وَمَحَلِّ مَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، وَالْمَنِّ الْقَدِيْمِ ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

٢٤٢

(١) قوله عليه السلام : استعملني بما تلهمني منه

يحتمل عود العائد إلى ما في قوله عليه السلام : «ما يجب لهما» أو إلى علم المضاف إلى «ما».

(٢) قوله عليه السلام : عن الحفوف

إمّا من حفّت الأرض إذا يبس نباتها ، أي : وحتّى لا تثقل أركاني من التقصير والتفريط في أداء ما ألهمتنيه من حقّهما.

أو وحتّى لا تثقل أركان من حبل الوزر المسبّب عن التقصير فيما ألهمتنيه ، كما في قولهم : ما رؤي عليه حفف ولا ضعف. أي : أثر الحفف والضعف ، وأمّا قولهم : حفّوه وحفّوا حوله ، أي : طافوا به واستداروا حوله.

والمعنى : وحتّى لا تثقل ولا تثبط أركاني عن الحفوف بالواجب فيما ألهمتنيه من حقّهما.

وفي نسخة «س» عن الخوف والخفوف : إمّا من قولهم : خفّ القوم خفوفاً أي : قلّوا ، وإمّا من قولهم : خفّ خفوفاً ، أي : ذهب بعجلة وسرعة ، وتقرير المعنى على قياس ما ذكر.

وفي «كف» عن الحقوق بإهمال الحاء وقافين من حاشيتي الواو.

(٣) قوله عليه السلام : أقرّ لعيني

أي : أسرّ لها وأحبّ إليها من القرّ البرد ، يقال للمدعوّ له : أقرّ الله عينك ، وللمدعوّ عليه ، أسخن الله عينك. وحقيقته أبرد الله دمعك ، وأسخن دمعك ، لأنّ دمعة السرور والفرح باردة ، ودمعة الوجد والحزن سخينة.

وقد يؤخذ ذلك من القرار ، ويقال : معنى أقرّ الله عينك بلغك اُمنيتك حتّى ترضى و

٢٤٣

تسكن عينيك ، ولا تستشرف (١) إلى غيرها. فعلى هذا أسخن الله عينك معناه أدار الله مستشرفه في انتظار مبتغاتها.

(٤) قوله عليه السلام : من رقدة الوسنان

الوسنان والظمآن في اللغة الناعس والعطشان ، والمراد بهما هاهنا شديد النعاس وشديد العطش.

(٥) قوله عليه السلام : اللهمّ اشكر لهما

نسبة الشكر إليه سبحانه كما نسبة الرحمة ومضاهياتها إليه باعتبار ترتّب الغايات التي هي الأفعال دون حصول المبادي التي هي الإنفعالات ، فشكر الله سبحانه لعباده مغفرته لهم ومعاملته إيّاهم بالإحسان والإنعام والإلطاف والإكرام ، والشكور في أسماء الله تعالى هو الذي يزكو وينمو عنده القليل من أعمال العباد ، فيضاعف لهم الجزاء ، فيجازي بيسير الطاعات كثير الدرجات ويعطي بعمل حقير طفيف في أيّام معدودة نعماً جساماً عظاماً في الآخرة غير محدودة ولا معدودة. (٢)

ويقال من جازى الحسنة بأضعافها : قد شكر على الحقيقة ، ومن أثنى على المحسن فيقال أيضاً : إنّه شكر.

(٦) قوله عليه السلام : في صغري

بكسر الصاد ضدّ الكبر بكسر الكاف. وربّما يقال : (٣) الصغر في اللغة بكسر الصاد وفتحها. ونسخ الصحيحة متغايرة بهما.

ولم يثبت عندي شيء من ذلك عن أحد من الثقات المعوّل على قولهم ، بل الثابت إنّ الصغر بفتح الصاد بمعنى الصغار والهوان.

والجوهري قال في الصحاح : والصغار بالفتح الذلّ والضيم ، وكذلك الصغر بالضمّ ، و

__________________

١. في «ن» : ولا تطرف ، وكذا مستطرفة مكان مستشرفة.

٢. في «س» : غير مجذوذة ولا محدودة.

٣. القائل السيّد نجم الدين «منه».

٢٤٤

المصدر الصغر بالتحريك. (١)

(٧) قوله عليه السلام : فاجعله حطّة

الحطّة بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين هي كلمة وطاعة إذا ما أتى بها ، أو ملمّة وأذيّة إذا ما صبر عليها وشكر عندها حطّت الأوزار.

(٨) قوله عليه السلام : تبعته

التبعة ـ بكسر الباء الموحّدة بين المفتوحتين ـ ما يتبع الآثام من الوبال والنكال.

(٩) قوله عليه السلام : ولا استبطئهما في برّي

أي : لا أحسبهما ولا أعدهما من المبطئين في برّي.

__________________

(١)الصحاح : ٢ ، ٧١٣.

٢٤٥

٢٥

وكان من دعائه عليه السلام لولده

أللَّهُمَّ وَمُنَّ عَلَيَّ بِبَقَاءِ وُلْدِي ، (١) وَبِإصْلاَحِهِمْ لِي ، وَبِإمْتَاعِي بِهِمْ. (٢) إلهِي أمْدُدْ لِي فِي أَعْمَارِهِمْ ، وَزِدْ لِي فِي آجَالِهِمْ ، وَرَبِّ لِي صَغِيرَهُمْ ، وَقَوِّ لِي ضَعِيْفَهُمْ ، وَأَصِحَّ لِي أَبْدَانَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ وَأَخْلاَقَهُمْ ، وَعَافِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ، وَفِي جَوَارِحِهِمْ ، وَفِي كُلِّ مَا عُنِيْتُ بِهِ (٣) مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَدْرِرْ (٤) لِي وَعَلَى يَدِي أَرْزَاقَهُمْ ، وَاجْعَلْهُمْ أَبْرَاراً أَتْقِيَاءَ بُصَراءَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ لَكَ ، وَلأوْلِيَائِكَ مُحِبِّينَ مُنَاصِحِينَ ، وَلِجَمِيْعِ أَعْدَآئِكَ مُعَانِدِينَ وَمُبْغِضِينَ ، آمِينَ. أللَّهُمَّ اشْدُدْ بِهِمْ عَضُدِي ، وَأَقِمْ بِهِمْ أَوَدِيْ ، (٥) وَكَثِّرْ بِهِمْ عَدَدِي ، وَزَيِّنْ بِهِمْ مَحْضَرِي ، وَأَحْييِ بِهِمْ ذِكْرِي ، وَاكْفِنِي بِهِمْ فِي غَيْبَتِي ، وَأَعِنِّي بِهِمْ عَلَى حَاجَتِي ، وَاجْعَلْهُمْ لِي مُحِبِّينَ ، وَعَلَيَّ حَدِبِينَ مُقْبِلِينَ مُسْتَقِيمِينَ لِيْ مُطِيعِينَ غَيْرَ عَاصِينَ وَلاَ عَاقِّينَ وَلا مُخَالِفِينَ وَلاَ خاطِئِينَ ، وَأَعِنِّي عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ وَتَأدِيْبِهِمْ وَبِرِّهِمْ ، وَهَبْ لِيْ مِنْ لَدُنْكَ مَعَهُمْ

٢٤٦

أَوْلاداً ذُكُوراً ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ خَيْراً لي ، وَاجْعَلْهُمْ لِي عَوناً عَلَى مَا سَأَلْتُكَ ، وَأَعِذْنِي وَذُرِّيَّتِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، فَإنَّكَ خَلَقْتَنَا وَأَمَرْتَنَا وَنَهَيْتَنَا وَرَغّبْتَنَا فِي ثَوَابِ ما أَمَرْتَنَا ، وَرَهَّبْتَنَا عِقَابَهُ ، وَجَعَلْتَ لَنَا عَدُوّاً يَكِيدُنَا ، سَلَّطْتَهُ مِنَّا عَلَى مَا لَمْ تُسَلِّطْنَا عَلَيْهِ مِنْهُ ، أَسْكَنْتَهُ صُدُورَنَا ، وَأَجْرَيْتَهُ مَجَارِيَ دِمَائِنَا ، لاَ يَغْفُلُ إنْ غَفَلْنَا ، وَلاَ يَنْسَى إنْ نَسِينَا ، يُؤْمِنُنَا عِقَابَكَ ، وَيَخَوِّفُنَا بِغَيْرِكَ ، إنْ هَمَمْنَا بِفَاحِشَة شَجَّعَنَا عَلَيْهَا ، وَإنْ هَمَمْنَا بِعَمَل صَالِح ثَبَّطَنَا عَنْهُ ، يَتَعَرَّضُ لَنَا بِالشَّهَوَاتِ ، وَيَنْصِبُ لَنَا بِالشَّبُهَاتِ ، إنْ وَعَدَنَا كَذَبَنَا ، وَإنْ مَنَّانا (٦) أَخْلَفَنَا ، وَإلاّ تَصْرِفْ عَنَّا كَيْدَهُ يُضِلَّنَا ، وَإلاّ تَقِنَا خَبالَهُ (٧) يَسْتَزِلَّنَا. (٨) أللَّهُمَّ فَاقْهَرْ سُلْطَانَهُ عَنَّا بِسُلْطَانِكَ ، حَتَّى تَحْبِسَهُ عَنَّا بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ لَكَ ، فَنُصْبحَ مِنْ كَيْدِهِ فِي الْمَعْصُومِينَ بِكَ. أللَّهُمَّ أَعْطِنِي كُلَّ سُؤْلِي ، وَاقْضِ لِي حَوَائِجِي وَلاَ تَمْنَعْنِي الإجَابَةَ ، وَقَدْ ضَمِنْتَهَا لِي ، وَلا تَحْجُبْ دُعَائِي عَنْكَ ، وَقَدْ أَمَرْتَنِي بِهِ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِكُلِّ مَا يُصْلِحُنِيْ فِيْ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي مَا ذَكَرْتُ مِنْهُ وَمَا نَسِيتُ ، أَوْ أَظْهَرتُ أَوْ أَخْفَيْتُ ، أَوْ أَعْلَنْتُ أَوْ أَسْرَرْتُ ، وَاجْعَلْنِي فِي جَمِيعِ ذلِكَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ بِسُؤَالِي إيَّـاكَ ، الْمُنْجِحِينَ بِالـطَّلَبِ إلَيْـكَ ، غَيْـرِ الْمَمْنُوعِينَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ ، (٩) الْمُعَوَّدِينَ بِالتَّعَوُّذِ بِكَ ، الرَّابِحِينَ فِي

٢٤٧

التِّجَارَةِ عَلَيْـكَ ، الْمُجَارِيْنَ (١٠) بِعِـزِّكَ ، الْمُـوَسَّـعِ عَلَيْهِمُ الـرِّزْقُ الْحَـلاَلُ مِنْ فَضْلِكَ ، الْوَاسِعِ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ ، الْمُعَزِّينَ مِنَ الذُّلِّ بِكَ ، وَالْمُجَارِينَ مِن الظُّلْمِ (١١) بِعَدْلِكَ ، وَالْمُعَافَيْنَ مِنَ الْبَلاءِ بِرَحْمَتِكَ ، وَالْمُغْنَيْنَ مِنَ الْفَقْرِ بِغِنَاكَ ، وَالْمَعْصومِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالزَّلَلِ وَالْخَطَأِ بِتَقْوَاكَ ، وَالْمُوَفَّقِينَ لِلْخَيْرِ وَالرُّشْدِ وَالصَّوَابِ بِطَاعَتِكَ ، وَالْمُحَالِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الذُّنُوبِ بِقُدْرَتِكَ ، التَّـارِكِينَ لِكُلِّ مَعْصِيَتِكَ ، السَّاكِنِينَ فِي جِوَارِكَ. أللَّهُمَّ أَعْطِنَا جَمِيعَ ذلِكَ بِتَوْفِيقِكَ وَرَحْمَتِكَ ، وَأَعِذْنَا مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ، وَأَعْطِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَـاتِ ، وَالْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، مِثْلَ الَّذِي سَأَلْتُكَ لِنَفْسِي ، وَلِوُلْدِي فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الآخِرَةِ ، إنَّكَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ ، سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، عَفُوٌّ غَفُـورٌ (١٢) رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، وَآتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

٢٤٨

(١) قوله عليه السلام : ومنّ عليّ ببقاء ولدي جميعاً

بخطّ الشهيد : «وعنّي بجميعاً ولدي» بالتحريك ، وولدي بضمّ الواو وتسكين اللام ، وولدي بكسر الواو وتسكين اللام.

في الصحاح : الولد قد يكون واحداً وجمعاً ، وكذلك الولد بالضمّ ، وقد يكون الولد جمع الولد ، والولد بالكسر لغة في الولد. (١)

(٢) قوله عليه السلام : وبإمتاعي بهم

من أمتعت بالشيء ، أي : تمتّعت به ، والمتاع كلّ ما ينتفع به ، على ما هو المستفيض عند أئمّة اللغة.

وحكى المطرّزي في المغرب عن بعضهم جعل الإمتاع متعدّياً ، والمتاع مصدر ، أو أنّه مصدر أمتعه إمتاعاً ومتاعاً. ثمّ قال : قلت : والظاهر أنّه اسم من متع ، كالسلام من سلم.

ثمّ لا يبعد على أخذ الإمتاع متعدّياً جعله هاهنا بمعنى التعمير من العمر ، والباء في «بهم» بمعنى «مع» أي : وبتعميري معهم كما التمتيع.

وقد يكون معناه التعمير ، على ما قاله الهروي وغيره ، ومنه في التنزيل الكريم (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا) (٢) أي : يعمّركم ويعيشكم في أمن ودعة في عيشة واسعة راضية إلى أجل مسمّىً ، وكذلك في قوله سبحانه : (قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) (٣) أي : لا تعمرون ولا تبقون في الدنيا إلّا إلى آجالكم.

__________________

١. الصحاح : ١ / ٥٥٠.

٢. سورة هود : ٣.

٣. سورة الأحزاب : ١٦.

٢٤٩

(٣) قوله عليه السلام : في كلّ ما عنيت به

على البناء المجهول ، وبضمّ التاء للمتكلّم ، من قولهم : هذا الأمر لا يعنيني. أي : لا يشغلني ولا يهمّني ، ومنه الحديث : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. (١) أي : ما لا يهمّه ، يقال : عنيت بحاجتك أعني بها فأنا بها معنيّ ، أي : اهتممت بها واشتغلت ، وكذلك عنيت بها فأنا بها عان ، ولكن الأوّل أكثر.

وفي رواية «س» التاء مفتوحة للخطاب.

(٤) قوله عليه السلام : وأدرر

بالقطع على أنّه من باب الإفعال من الدرّ بالفتح أو الدرّ بالكسر ، وبالوصل على أنّه من قولهم الريح تدرّ السحاب وتستدرّه ، أي : تستحلبه.

() قوله عليه السلام : قالين

أي : مبغضين تأكيداً للأوّل ، يقال : قلاه يقليه قلى وقلاءاً إذا أبغضه.

وقال الجوهري : إذا فتحت مددت ، ويقلاه لغة طيّ. (٢)

أو تاركين تأسيساً ، وذلك أولى ، وهو من قولهم : جرّب الناس فإنك إذا جرّبتهم قليتهم ، أي : تركتهم ، لفظ أمر معناه الخبر ، أي : من جرّبهم وظهر له بواطن أسرارهم تركهم.

ومنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال لعلي عليه السّلام : يا علي يهلك فيك اثنان : محبّ غال ، ومبغض قال. (٣) أي : تارك فيكون من تركه عليه السلام في حكم من قد أبغضه ، ولا أحبّه إلّا من قد تمسّك به.

(٥) قوله عليه السلام : وأقم به أودي

في نسختي «ش» و «كف» بهم. في الأصل وبه «س».

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٣ / ٣١٤.

٢. الصحاح : ٦ / ٢٤٦٧.

٣. نهج البلاغة : ٥٥٨.

٢٥٠

و «أودي» بالتحريك أي : أقم لي بهم أودي ، يعني ما أعوج من أمري وقامة المعوج تثقيفه ، أي : تقويمه وتسويته.

والأود بالتحريك الإعوجاج ، يقال : أود الشيء كفرح أي : أعوج والضمير المفرد لشدّ العضد في «اُشدد بهم عضدي».

(٦) قوله عليه السلام : وإنّ منّانا

الاُمنية واحدة الأماني ، ومنها يقال : تمنّيت الشيء تمنّياً ، ومنيت غيري إيّاه ، أي : شهيته إيّاه وجعلته يرجوه ويشتهيه ويتمنّاه ويترقّبه.

(٧) قوله عليه السلام : يضلّنا ويستزلنّا

بالنصب على الجزم لجواب الشرط ، أو بالرفع على أن يكون الجملة مفسّرة للجواب المحذوف المدلول عليه بالكلام ، وهذا أبلغ فإنّ في الحذف فخامة وذهاباً للوهم كلّ مذهب ، ويعلم منه أنّه يفعل بهم ، إذ ذاك ما لا يدخل تحت الوصف.

فمغزى القوم وتقديره : وإلّا تصرف عنّا كيده تصبنا داهية كبيرة ، وهي أنّه تضلّنا على عامّة انتقادير وجميع الأحوال ، ولا يكون لنا عن ذلك محيص أصلاً.

وهذه القاعدة أعني حذف الجواب لدلالة الكلام عليه طريقة مسلوكة للبلاغة في التنزيل الكريم ، متكرّرة جدّاً ، منها (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (١) ومنها (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (٢).

(٨) قوله عليه السلام : وإلّا تقنا خباله

الخبال بفتح المعجمة قبل الموحّدة : الفساد في العقل ، والخبل والخبل بالإسكان والتحريك الجنون ، والإضافة إلى الضمير العائد الى الشيطان إضافة بتقدير «من»

__________________

١. سورة الفتح : ٢٥.

٢. سورة الواقعة : ٨٣ ـ ٨٧.

٢٥١

الإبتدائيّة.

ومن طريق مصباح المتهجّد ومنهاج الصلاح في مثل هذا الدعاء : إن وعدني كذبني ، وإن منّاني قنطني ، وإلّا تصرف عنّي كيده يستنزلّني وإلّا تفلتني (١) من حبائله لصدّني ، وإلّا تعصمني منه يفتني.

وفي الصحيفة الكريمة حبائله مكان خبله «خ» و «كف» وهي بإهمال الحاء جمع حبالة (٢) الصائد.

(٩) قوله عليه السلام : غير الممنوعين بالتوكّل عليك

الباء فيه إمّا بمعنى «من» فقد تكون بمعناها على ما نصّ عليه الجوهري وغيره ، ومنه قوله سبحانه في التنزيل الكريم (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ) (٣) أي : منها.

وإمّا بمعنى «فى». وإمّا للتسبيب كما في قرينتيها السابقتين ، أي : غير الممنوعين عن اُمنياتهم ومبتغياتهم في توكّلهم عليك ، أو بسبب توكّلهم عليك.

(١٠) قوله عليه السلام : المجارين

معاً ، أي : على جمع صيغة المفعول ، إمّا بكسر الراء من أجاره يجيره فهذا مجير وذاك مجار ، إذا خفره وآمنه وأدخله في جواره وأمانه وخفارته.

وبفتحها من جاراه مجاراة فهذا مجار وذاك مجاري ، إذا جرى معه وماشاه مماشاة عناية به وكلاءة له ومداحاة ومداراة لضعفه ، وترفّقاً وتلطّفاً وتعطّفاً ، وقولهم : الدين والرهن يتجاريان مجاراة المبيع والثمن ، أي : مجراهما مجراهما وسبيلهما سبيلهما.

والجري بوزن الوصي الوكيل والرسول ؛ لأنّه يجري في اُمور موكّله أو يجري مجرى الموكّل ، والجمع أجرياء ، واستجراه في خدمته استعمله في طريقتها ، ومنه سمّيت الجارية ؛

__________________

١. في «ن» : وإلا تعنني.

٢. في «ن» : حبائل.

٣. سورة الإنسان : ٦.

٢٥٢

لأنّها تستجري في الخدمة ، استجريته وجريته : جعلته جرياً أي : وكيلاً أو رسولاً.

وفي الحديث : لا يستجرينّكم الشيطان. (١) جعله بعضهم استفعالاً من الجري بمعنى الوكيل والرسول ، يعني : لا تتولّوا وكالة الشيطان ورسالته.

قال في أساس البلاغة : أي : لا يستتبعنّكم حتّى تكونوا منه بمنزلة الوكلاء مع الموكّل. (٢)

وحمله آخرون على معنى الأصل ، أي : لا يحملنّكم أن تجروا في إيتماره وطاعته.

(١١) قوله عليه السلام : والمجارين من الظلم

في الأصل بالراء المكسورة من الإجارة ، وفي نسخة «س» بالزاء مفتوحة من المجازاة. وبخطّ «ش» قدّس الله لطيفه بالزاء معاً ، على صيغتي المفعول والفاعل. أي : الذين يجازيهم على ما أصابهم من الظلم ، وينتصف بهم من ظالمهم (٣) عدلك ، أو الذين لا يجازون من اعتدى عليهم وظلمهم إلّا بعدلك.

(١٢) قوله عليه السلام : عفوّ غفور

هما من أبنية المبالغة من العفو والمغفرة ، ففريق من اُولي العلم يعتبرون أصل المعنى ، فيجعلون العفو أبلغ ، إذ أصل العفو المحو والطمس. والغفر والغفران الستر والتغطئة ، فالغفور هو الذي يستر ذنوب المذنبين بستره ، ويغطّيها بحلمه. والعفوّ هو الذي يطمس المعصي برأفته ويمحو السيّئات برحمته.

وفريق يقولون : العفوّ التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه ، والغفران تغطئة المعصية بإسبال ستر الرحمة عليها ، ثمّ التفضّل على من اقترنها بالبرّ والمثوبة. فالغفور لا محالة أبلغ ، ولذلك خصّت المغفرة بالله سبحانه ، فلا يقال : غفر السلطان لفلان ، ويقال : عفى عنه ، ويقال : استغفر الله ول ايقال : استغفر السلطان.

فالله سبحانه عفوّ يتجاوز عن الذنوب بصفحه ، ويترك عقاب المذنبين بعفوه ، وغفور

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ١ / ٢٦٤.

٢. أساس البلاغة : ٩١.

٣. في «ن» : مطالمهم.

٢٥٣

يستر الآثام ، ويعامل الآثمين بالرحمة ، كأنّهم لم يقاربوا خطيئة ولم يلمّوا لمماً.

فممّا أوجبته غفوريّته أنّه قد أظهر الجميل وستر القبيح ، والمعاصي والآثام من جملة المعائب والمقابح التي أسبل ستره عليها في الدنيا والآخرة ، فجعل المسخبثات الجسديّة والمستقبحات البدنيّة مستورة عن أعين الناظرين ، مغطّاة بجمال الظاهر ، وأكنّ الخواطر المذمومة ، والوساوس الملوم عليها في سرّ القلب وفي كنانة الضمير.

ثمّ إنّه يغفر في النشأة الآخرة لمن مات وهو مؤمن من ذنوبه التي يستحقّ بها الفضيحة على ملأ الخلق والعقوبة على رؤوس الأشهاد ، ويبدّل بفضله سيّئاته حسنات.

٢٥٤

٢٦

وكان من دعائه عليه السلام

لجيرانه وَاوليائه إذا ذكرهم

أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ وَتَـوَلَّنِي فِي جيرَانِي وَمَوَالِيَّ ، الْعَارِفِينَ بحَقِّنَا ، وَالْمُنَابِذِينَ لأِعْدَائِنَا بِأَفْضَلِ وَلاَيَتِكَ ، وَوَفِّقْهُمْ لإقَامَةِ سُنَّتِكَ ، وَالأَخْذِ بِمَحَاسِنِ أَدَبِكَ فِي إرْفَاقِ ضَعِيفِهِمْ ، (١) وَسَدِّ خَلَّتِهِمْ ، (٢) وَعِيَادَةِ مَرِيضِهِمْ ، وَهِدَايَةِ مُسْتَرْشِدِهِمْ ، وَمُنَاصَحَةِ مُسْتَشِيرِهِمْ ، وَتَعَهُّدِ قَادِمِهِمْ ، وَكِتْمَانِ أَسْرَارِهِمْ ، وَسَتْرِ عَوْرَاتِهِمْ ، وَنُصْرَةِ مَظْلُومِهِمْ ، وَحُسْنِ مُوَاسَاتِهِمْ بِالْمَاعُونِ ، (٣) وَالْعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِـالْجِـدَةِ وَالإِفْضَـالِ ، وَإعْطَآءِ مَـا يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ ، واجْعَلْنِي اللَّهُمَّ أَجْزِي بِالإحْسَانِ مُسِيْئَهُمْ ، وَاعْرِضُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ ظَالِمِهِمْ ، وَأَسْتَعْمِلْ حُسْنَ الظّنِّ فِي كَافَّتِهِمْ ، وَأَتَوَلَّى بِالْبِرِّ عَامَّتَهُمْ ، وَأَغُضُّ بَصَرِي عَنْهُمْ عِفَّةً ، وَألِينُ جَانِبِيْ لَهُمْ تَوَاضُعاً ، وَأَرِقُّ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ مِنْهُمْ رَحْمَةً ، وَأسِرُّ لَهُمْ بِالْغَيْبِ (٤) مَوَدَّةً ، وَأُحِبُّ بَقَاءَ النِّعْمَةِ

٢٥٥

عِنْدَهُمْ نُصْحاً ، وَاُوجِبُ لَهُمْ مَا اُوجِبُ لِحَامَّتِي ، وَأَرْعَى لَهُمْ مَا أَرْعَى لِخَاصَّتِي. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمِّد وَآلِهِ ، وَارْزُقْنِي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَاجْعَلْ لِي أَوْفَى الْحُظُوظِ فِيمَا عِنْدَهُمْ ، وَزِدْهُمْ بَصِيْرَةً فِي حَقِّي ، وَمَعْرِفَةً بِفَضْلِي ، حَتَّى يَسْعَدُوا بِي ، وَأَسْعَدَ بِهِمْ ، آمِينَ (٥) رَبَّ الْعَالَمِينَ.

٢٥٦

وفي رواية «كف» إذا ذكّرهم نسخة.

(١) قوله عليه السلام : في إرفاق ...

ما في الأصل أضبط رواية ، وهو جمع الرفق ـ بالكسر ـ لين الجانب خلاف العنف ، ومنه الحديث : ما كان الرفق في شيء إلّا زانه ، أي : اللطف.

وما في النسخة أخصف دراية ، وهو إفعال من الرفق وهو اللطف ، يقال : رفقت به وتؤفّقت به وأرفقته وكلّها بمعنى ، أي : تلطّفت به ونفعته.

وقد أورد ابن الأثير في نهايته هذه الرواية ، حيث قال : ومنه الحديث «في إرفاق ضعيفهم وسدّ خلّتهم» أي : إيصال الرفق بهم. (١)

(٢) قوله عليه السلام : وسدّ خلّتهم

الخلّة بفتح الخاء المعجمة ، وهي والعيلة والعسرة والفاقة والحاجة والعدم والفقر متضاهيات وإن لم تكن مترادفات.

() قوله عليه السلام : وتفقّد غائبهم (٢)

في رواية «خ» و «ش» و «كف» يدخله أيضاً في الأصل مؤخّراً.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٢ / ٢٤٦.

٢. هذه العبارة غير موجودة في النسخ المطبوعة من الصحيفة المكرّمة.

٢٥٧

(٣) قوله عليه السلام : وحسن مواساتهم بالماعون

في النهاية الأثيريّة : في الحديث : «وحسن مواساتهم بالماعون» وهو إسم جامع لمنافع البيت ، كالقدر والفاس وغيرهما ممّا جرت العادة بعاريته. (١)

وفي صحاح الجوهري : ويسمّى الماء أيضاً ماعوناً ، وتسمّى الطاعة والانقياد أيضاً ماعوناً ، ويقال : الماعون في الجاهليّة كلّ منفعة وعطيّة ، وفي الاسلام الطاعة والزكاة ، ومنه قوله تعالى (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ).

وقيل الماعون القرض والمعروف. وقيل : هو كالعارية ونحوها.

وقيل : هو مطلق الإعانة على أيّ نحو كان ، وأصله المعونة ، والألف عوض من الهاء. (٢)

(٤) قوله عليه السلام : وأسرّ لهم بالغيب

أي : أظهر لهم في الغيب مودّة.

وقال الجوهري : أسررت له الشيء كتمته وأعلنته ، وهو من الأضداد. (٣)

قلت : لا يبعد أن يكون الإسرار بمعنى الإعلان على اعتبار الهمزة فيه للسلب.

(٥) قوله عليه السلام : آمين

بالمدّ والقصر ، وتشديد الميم خطأ عاميّ ، إسم لفعل الأمر من يستجيب وهو استجب ، وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله : علّمني جبرئيل عليه السلام آمين وقال : إنّه كالختم على الكتاب.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : آمين خاتم ربّ العالمين. (٤)

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٤ / ٣٤٤.

٢. الصحاح : ٦ / ٢٢٠٥.

٣. الصحاح : ٢ / ٦٨٣.

٤. نهاية ابن الأثير : ١ / ٧٢.

٢٥٨

ختم به دعاء عبده. معناه آمين طابع الله على عباده ، وعلى دعائهم ، به يدفع عنهم الآفات ويصونهم ، ودعاؤهم عمّا يوجب الإفساد والإهدار. كما الكتاب بالخاتم. والختم يصان ويدفع عنه الهوان ، ولذلك كان كرم الكتاب ختمه ، وبه يحرس ما فيه عن أبصار الناظرين.

وربّما يقال : إنّه إسم من أسماء الله تعالى ، ولم يثبت ، وفي الحديث : آمين درجة في الجنّة. (١) قيل : معناه أنّه كلمة يكتسب بها قائلها درجة من الدرجات في الجنّة.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ١ / ٧٢.

٢٥٩

٢٧

وكان من دعائه عليه السلام لاهل الثغور

أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ ، وَأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ ، وَأَسْبغَ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ ، وَاشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ ، وَاحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ ، (١) وَامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ ، وَأَلِّفْ جَمْعَهُمْ ، وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ ، وَوَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ ، (٢) وَتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مَؤَنِهِمْ ، وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ ، وَأَعْنِهُمْ بِالصَّبْرِ ، وَالْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَعَرِّفْهُمْ مَا يَجْهَلُونَ وَعَلِّمْهُمْ مَا لاَ يَعْلَمُونَ ، وَبَصِّرْهُمْ (٣) مَا لاَ يُبْصِرُونَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَنْسِهِمْ عِنْدَ لِقَآئِهِمُ الْعَدُوَّ ذِكْرَ دُنْيَاهُمُ الْخَدَّاعَةِ الْغَرُورِ ، وَامْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَرَاتِ الْمَالِ الْفَتُونِ ، (٤) وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ نَصْبَ أَعْيُنِهِمْ ، وَلَوِّحْ مِنْهَا لأِبْصَارِهِمْ مَا أَعْدَدْتَ فِيهَا مِنْ مَسَاكِنِ الْخُلْدِ ، وَمَنَازِلِ الْكَرَامَةِ ، وَالْحُورِ الْحِسَانِ ، (٥) وَالأَنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ (٦) بِأَنْوَاعِ الأَشْرِبَـةِ وَالأَشْجَارِ الْمُتَدَلِّيَةِ

٢٦٠