شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بهار قلوب
الطبعة: ٢
ISBN: 964-93610-0-6
الصفحات: ٤٤٠

بِصُنُوفِ الثَّمَرِ ، حَتَّى لاَ يَهُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالأدْبَارِ ، وَلا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ عَنْ قِرْنِهِ بِفِرَار. أللَّهُمَّ افْلُلْ بِذَلِـكَ عَدُوَّهُمْ ، وَاقْلِمْ عَنْهُمْ أَظْفَارَهُمْ ، (٧) وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ ، وَاخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ ، وَبَاعِدْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوِدَتِهِمْ ، وَحَيِّرْهُمْ فِي سُبُلِهِمْ ، وَضَلِّلْهُمْ عَنْ وَجْهِهِمْ ، وَاقْـطَعْ عَنْهُمُ الْمَدَدَ ، وَانْقُصْ مِنْهُمُ الْعَدَدَ ، وَامْلاْ أَفْئِدَتَهُمُ الرُّعْبَ ، وَاقْبِضْ أَيْـدِيَهُمْ عَنِ البَسْطِ ، وَاخْـزِمْ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ ، وَشَرِّدْ بهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ، وَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَائَهُمْ ، وَاقْـطَعْ بِخِزْيِهِمْ أَطْمَـاعَ مَنْ بَعْدَهُمْ. أللَّهُمَّ عَقِّمْ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ ، وَيَبِّسْ أَصْلاَبَ رِجَالِهِمْ ، وَاقْطَعْ نَسْلَ دَوَابِّهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ ، لاَ تَأذَنْ لِسَمَائِهِمْ فِي قَطْر وَلاَ لارْضِهِمْ فِي نَبَات. أللَّهُمَّ وَقَوِّ بِذَلِكَ مِحَالَّ أَهْلِ الإسْلاَمِ ، (٨) وَحَصِّنْ بِهِ دِيَارَهُمْ ، وَثَمِّرْ بِـهِ أَمْوَالَهُمْ ، وَفَرِّغْهُمْ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ لِعِبَادَتِكَ ، وَعَنْ مُنَابَذَتِهِمْ (٩) للْخَلْوَةِ بِكَ حَتَّى لا يُعْبَدَ فِي بِقَاعِ الارْضِ غَيْرُكَ ، وَلاَ تُعَفَّرَ لِاَحَد مِنْهُمْ جَبْهَةٌ دُونَكَ. أللَّهُمَّ اغزُ بِكُلِّ نَـاحِيَـة مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ بِـإزَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَمْدِدْهُمْ بِمَلائِكَة مِنْ عِنْدِكَ مُرْدِفِينَ ، حَتَّى يَكْشِفُـوهُمْ إلَى مُنْقَطَعِ التُّـرابِ قَتْـلاً فِي أَرْضِكَ وَأَسْراً ، أَوْ يُقِرُّوا بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ. أللَّهُمَّ وَاعْمُمْ بِذَلِكَ أَعْدَاءَكَ فِي أَقْطَارِ الْبِلاَدِ مِنَ الْهِنْدِ وَالرُّومِ (١٠) وَالتُّـرْكِ وَ

٢٦١

الْخَزَرِ (١١) وَالْحَبَشِ وَالنُّـوبَةِ وَالـزِّنْج والسَّقَالِبَةِ (١٢) وَالدَّيَالِمَةِ وَسَائِرِ (١٣) أُمَمِ الشِّرْكِ ، الَّذِي تَخْفَى أَسْمَاؤُهُمْ وَصِفاتُهُمْ ، وَقَدْ أَحْصَيْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ ، وَأَشْرَفْتَ عَلَيْهِمْ بِقُدْرَتِكَ. أللَّهُمَّ اشْغَلِ الْمُشْرِكِينَ بِالمُشْرِكِينَ عَنْ تَنَاوُلِ أَطْرَافِ الْمُسْلِمِينَ ، وَخُذْهُمْ بِـالنَّقْصِ (١٤) عَنْ تَنَقُّصِهِمْ ، وَثَبِّطْهُمْ بِـالْفُـرْقَـةِ عَنِ الاحْتِشَادِ عَلَيْهِمْ. أللَّهُمَّ أَخْلِ قُلُوبَهُمْ مِنَ الأَمَنَـةِ ، وَأَبْدَانَهُمْ مِنَ الْقُوَّةِ ، وَأَذْهِلْ قُلُوبَهُمْ عَنِ الاحْتِيَالِ ، وَأَوْهِنْ أَرْكَانَهُمْ عَنْ مُنَازَلَةِ الرِّجَالِ ، وَجَبِّنْهُمْ عَنْ مُقَارَعَةِ الأَبْطَالِ ، (١٥) وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ جُنْداً مِنْ مَلاَئِكَتِكَ بِبَأس مِنْ بَأْسِكَ كَفِعْلِكَ يَوْمَ بَدْر ، تَقْطَعُ بِهِ دَابِرَهُمْ ، (١٦) وَتَحْصُدُ بِهِ شَوْكَتَهُمْ ، وَتُفَرِّقُ بهِ عَدَدَهُمْ. اللَّهُمَّ وَامْزُجْ مِيَاهَهُمْ بِالْوَبَاءِ ، وَأطْعِمَتَهُمْ بِالأَدْوَاءِ ، وَارْمِ بِلاَدَهُمْ بِالْخُسُوفِ ، وَأَلِـحَّ عَلَيْهَا (١٧) بِـالْقُذُوفِ ، وَافْـرَعْهَا بِالْمُحُولِ ، وَاجْعَلْ مِيَرَهُمْ فِي أَحَصِّ أَرْضِكَ ، (١٨) وَأَبْعَـدِهَا عَنْهُمْ ، وَامْنَـعْ حُصُونَهَا مِنْهُمْ ، أَصِبْهُمْ بِالْجُوعِ الْمُقِيمِ وَالسُّقْمِ الالِيمِ. أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا غَاز غَزَاهُمْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكَ ، أَوْ مُجَاهِد جَاهَدَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ سُنَّتِكَ ، لِيَكُونَ دِينُكَ الاعْلَى وَحِزْبُكَ الأقوَى وَحَظُّكَ الأوْفَى فَلَقِّهِ الْيُسْرَ وَهَيِّئْ لَهُ الأمْرَ ، وَتَوَلَّهُ بِالنُّجْحِ ، وَتَخَيَّرْ لَهُ الأصْحَابَ ، وَاسْتَقْوِ لَهُ الظَّهْرَ ، وَأَسْبِغْ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ ، وَمَتِّعْهُ

٢٦٢

بِالنَّشَاطِ ، وَأَطْفِ عَنْهُ (١٩) حَرَارَةَ الشَّوْقِ ، وَأَجِرْهُ مِنْ غَمِّ الْوَحْشَةِ ، وَأَنْسِهِ ذِكْرَ الاهْلِ وَالْوَلَدِ ، وَأَثُرْ لَهُ حُسْنَ النِّيَّةِ ، وَتَوَلَّه بِالْعَافِيَةِ ، وَأَصْحِبْهُ السَّلاَمَةَ ، وَأَعْفِهِ مِنَ الْجُبْنِ ، وَأَلْهِمْهُ الْجُرْأَةَ ، وَارْزُقْهُ الشِّدَّةَ ، وَأَيِّدْهُ بِالنُّصْرَةِ ، وَعَلِّمْهُ السِّيَرَ وَالسُّنَنَ ، وَسَدِّدْهُ فِي الْحُكْمِ ، وَاعْزِلْ عَنْهُ الرِّياءَ ، وخَلِّصْهُ مِنَ السُّمْعَةِ ، وَاجْعَلْ فِكْرَهُ وَذِكْرَهُ وَظَعْنَهُ وَإقَامَتَهُ فِيْكَ وَلَكَ ، فَإذا صَافَّ عَدُوَّكَ وَعَدُوَّهُ فَقَلِّلْهُمْ فِي عَيْنِهِ ، وَصَغِّرْ شَأنَهُمْ فِي قَلْبِهِ ، وَأَدِلْ لَهُ مِنْهُـمْ وَلاَ تُدِلْهُمْ مِنْهُ ، فَإنْ خَتَمْتَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ ، وَقَضَيْتَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ ، فَبَعْدَ أَنْ يَجْتَاحَ (٢٠) عَدُوَّكَ بِالْقَتْلِ ، وَبَعْدَ أنْ يَجْهَدَ بِهِمُ الأسْرُ ، (٢١) وَبَعْدَ أن تَأمَنَ أطرَافُ المُسْلِمِينَ ، وَبَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ عَدُوُّكَ مُدْبِرِينَ. أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا مُسْلِم خَلَفَ غَازِياً ، أَوْ مُرَابِطاً فِي دَارِهِ ، أَوْ تَعَهَّدَ خَالِفِيْهِ فِيْ غَيْبَتِهِ ، أَوْ أَعَانَهُ بِطَائِفَة مِنْ مَالِهِ ، أَوْ أَمَدَّهُ بِعِتَاد ، (٢٢) أَوْ شَحَذَهُ عَلَى جِهَاد ، أَوْ أَتْبَعَهُ فِي وَجْهِهِ دَعْوَةً ، أَوْ رَعَى لَهُ مِنْ وَرَآئِهِ حُرْمَةً ، فَأَجْرِ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ وَزْناً بِوَزْن ، وَمِثْلاً بِمِثْل ، وَعَوِّضْهُ مِنْ فِعْلِهِ عِوَضاً حَاضِراً يَتَعَجَّلُ بِهِ نَفْعَ مَا قَدَّمَ ، وَسُرُورَ مَا أَتَى به ، إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ الْوَقْتُ إلَى مَا أَجْرَيْتَ لَـهُ مِنْ فَضْلِكَ ، وَأَعْدَدْتَ لَهُ مِنْ كَرَامَتِكَ. أللَّهُمَّ أَيُّمَا مُسْلِم أَهَمَّهُ أَمْرُ الإِسْلاَمِ ، وَأَحْزَنَهُ تَحَزُّبُ أَهْلِ ألشِّرْكِ عَلَيْهِمْ فَنَوَى غَزْواً ، أَوْ هَمَّ

٢٦٣

بِجهَـاد فَقَعَدَ بِـهِ ضَعْفٌ ، أَوْ أَبطَأَتْ بِهِ فَاقَةٌ ، أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ حَادِثٌ ، أَوْ عَرَضَ لَهُ دُونَ إرَادَتِهِ مَانِعٌ فَاكْتُبِ اسْمَـهُ فِي الْعَابِدِينَ ، وَأوْجبْ لَهُ ثَوَابَ الْمُجَاهِدِينَ ، وَاجْعَلْهُ فِي نِظَامِ الشُّهَدَاءِ ، وَالصَّالِحِينَ. أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَآلِ مُحَمَّد ، صَلاَةً عَالِيَةً عَلَى الصَّلَوَاتِ ، مُشْرِفَةً فَوْقَ التَّحِيَّاتِ ، صَلاَةً لاَ يَنْتَهِي أَمَدُهَا ، وَلا يَنْقَطِعُ عَدَدُهَا ، كَأَتَمِّ مَـا مَضَى مِنْ صَلَوَاتِكَ عَلَى أَحَد مِنْ أَوْلِيـائِكَ ، إنَّـكَ الْمَنَّانُ الْحَمِيدُ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الفَعَّالُ لِمَا تُرِيْدُ. (٢٣)

٢٦٤

(١) قوله عليه السلام : واحرس حوزتهم

الحوز الجمع والضمّ ، والحيّز فعيل منه ، وكذلك المتحيّز متفيعل لا متفعّل ، وهو ما انضمّ إلى الدار من مرافقها ، وكلّ ناحية حيّز ، والحوزة فعلة منه سمّيت بها الناحية ، وحوزة الملك بيضته.

ومعناه : حراسة حوزتهم حماية حدودهم ونواحيهم ، أو حماية حوزة ملكه التي هي بيضة الإسلام. وأمّا تفسير حوزتهم بمعظمهم فرجم ليس له أصل ، نعم ذاك في حومتهم ليس قولاً مرجوماً ، بل هو مأخوذ من قولهم : «حومة القتال معظمه» لكنّه غير مصيب لمحز المغزى ومغزى المعنى ، فإنّ المراد (١) بحومتهم حوزتهم التي يحام حولها ، من حام الطائر وغيره حول الشيء يحوم حوماً وحوماً ، أي : دار. كما الحوزة والحيّز من حاز الشيء بحوزه حوزاً وحيازه ، أي : جمعه وضمّه إلى نفسه.

(٢) قوله عليه السلام : وواتر بين ميرهم

بالتاء المثنّاة من فوق من المواترة المتتابعة (٢) الغير المنصرفة ، يقال : تواترت الكتب ، أي : جاء بعضها في إثر بعض وتراً وتراً من غير أن ينقطع ، نصّ عليه الجوهري (٣) وغيره.

و «المير» بكسر الميم وفتح الياء المثنّاة من تحت جمع الميرة ، ما يمتاره الإنسان من الطعام لا جلب الطعام وامتيار الميرة كما قد يظنّ.

وفي بعض نسخ الأصل وفي أصل نسخة «كف» : وواتر. بالثاء المثلّثة أي : وكاثر بين

__________________

١. في «ن» : المفاد.

٢. في «ن» المتابعة.

٣. الصحاح : ٢ / ٨٤٣.

٢٦٥

ميرهم ، من قولهم : «استوثرت من الشيء» أي : استكثرت منه.

(٣) قوله عليه السلام : وبصّرهم

من التبصير بمعنى التعريف والإيضاح.

(٤) قوله عليه السلام : المال الفتون

فعول من الفتنة على المبالغة في معنى الفاتن ، وهو المضلّ عن الحقّ.

ومنه الحديث : المسلم أخو المسلم يتعاونان عن الفتان. (١)

إمّا بضمّ الفاء جمع فاتن ، أي : يعاون أحدهما الآخر على الذين يضلّون الناس عن الحقّ ويفتنونهم. وإمّا بفتحها على أنّه للمبالغة في الفتنة والإفتتان ويعني به الشيطان ، لأنّه يفتن (٢) الناس عن الدين ، والله سبحانه أعلم.

(٥) قوله عليه السلام : والحور الحسان

الحور جمع الحوراء ، وهي البنية ، الحور والحور شدّة بياض العين في شدّة سوادها ، وربّما يروى الجؤر ، ويقال : الظاهر أنّه جمع جأر بفتح الجيم وإسكان الهمزة ، بمعنى الكثير.

والفضّ أي : الفضيض المنتشر من البنت ، ولم يستبن لي سبيله.

(٦) قوله عليه السلام : والأنهار المطردة

من تطرّد الأنهار أي : تجري ، لا بمعنى المتتابعة من اطّرد الشيء أي : تبع بعضه بعضاً على ما يحسب.

(٧) قوله عليه السلام : واقلم عنهم أظفارهم

أي : قصّر عنهم أيدي قدرة أعدائهم ، وابتر عنهم سيوف قوّتهم وأقلام حكمهم ، وهو من أحسن الكنايات.

(٨) قوله عليه السلام : وقوّ بذلك محالّ أهل الإسلام

المحالّ بالكسر والتخفيف القوّة والشدّة. وقيل : الكيد والمكر. (اللَّـهِ وَهُوَ شَدِيدُ

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٣ / ٤١٠.

٢. في «س» : لأنّه يفتتن ويفتنهم.

٢٦٦

الْمِحَالِ) (١) أي : ذو قوّة شديدة ، أو ذو مكر قويّ وعقاب شديد.

وبالفتح والتشديد على رواية «س» جمع محلّ.

(٩) قوله عليه السلام : وعن منابذتهم

من نابذه على الحرب كاشفه ، لا من نبذت الشيء أنبذه إذا ألقيته من يدك.

(١٠) قوله عليه السلام : والروم

هم الجيل المعروف من الناس ، وهو لفظة جمع والواحد رومي بالياء المشدّدة ، للنسبة إلى الروم بن عيصو ، ثمّ الجمع مبنيّ منه بإسقاط ياء النسبة ، فالروم الذي هو جمع الروميّ غير الروم الذي ينسب إليه الرومي. فقد سقط احتجاج نجم أئمّة المتأخّرين من النحاة على كون الروم اسم جنس بأنّه لو كان جمعاً لزم النسبة إلى الجمع. وذلك غير صحيح ولا مسموع إلّا فيما شذّ كالأفاقي ، ولزم أيضاً تقدّم الجمع على المعرفة ، وهو فاسد.

وكذلك القول في الإنس والإنسي والجنّ والجنّي.

قال العزيزي في غريب القرآن : الإنس جمع إنسيّ بطرح ياء النسبة مثل رومي ج روم. (٢)

وفي صحاح الجوهري : الروم هم من ولد روم بن عيصو ، يقال : روميّ وروم مثل زنجي وزنج ، فليس بين الواحد والجمع إلّا الياء المشدّدة ، كما قالوا : تمرة وتمر ، ولم يكن بين الواحد والجمع إلّا الهاء. (٣) انتهى كلامه.

قلت : الصواب في التمر إنّه إسم الجنس لا جمع تمرة ، والتّاء (٤) في التمرة هي تاء الوحدة ، فليعلم.

(١١) قوله عليه السلام : والخزر

الخزر بالتحريك ضيق العين وصغرها ، ويقال : هو أن يكون الإنسانا كأنّه ينظر بمؤخّر العين. (٥) والخزر أيضاً بالتحريك وبالضمّ والإسكان كما في «س» اسم جيل من الناس

__________________

١. سورة الرعد : ١٣. والآية هكذا : وهو شديد المحال.

٢. القاموس : ٤ / ١٢٣.

٣. الصحاح : ٥ / ١٩٣٩.

٤. في «س» والهاء.

٥. في «ن» : العينين.

٢٦٧

كأنّهم قوم من الترك.

(١٢) قولهم عليه السلام : والسقالبة

الصقالبة بالصاد كما في رواية «كف» وبالصاد وبالسين كما في الأصل : جيل من الناس حمر الألوان يتأخّمون الخزر ، ويقال يلاصقون بلداً في المغرب.

(١٣) قوله عليه السلام : وسائر

بالجرّ عطفاً على مدخول «من» وبالنصب عطفاً على أعدائك.

(١٤) قوله عليه السلام : وخذهم بالنقص

أي : خذهم بالنقص في أبدانهم وأديانهم وأموالهم وفي عددهم وعددهم شاغلاً إيّاهم بذلك عن تنقّصهم أولياءك ، من المنقصة بمعنى النقص ، أي : عن أن يستنقصوهم ويتّهموا لهم بمنقصتهم.

أو من النقيصة بمعنى العيب ، أي : عن الوقوع فيهم ومصارحتهم بما يسوؤهم ، يقال : فلان ينتقص فلاناً ، أي : يقع فيه ويثلبه ، وتنقّصه أي : ثلبه وصرحه بالعيب.

(١٥) قوله عليه السلام : وجبّنهم من مقارعة الأبطال

يقال : جبّنه تجبيناً ، أي : نسبه إلى الاجبن. والمعنى هاهنا : واجعلهم بحيث يكونون عند الخلائق منسوبين إلى الجبن عن مقارعة الأبطال. ومقارعة الأبطال : قرع بععضهم بعضاً بأيّة آلة كانت.

(١٦) قوله عليه السلام : وتقطع به دابرهم

أي : عقبهم وآخرهم ومن بقي منهم.

(١٧) قوله عليه السلام : وألحّ عليها

أي : ضيّق عليها ، من قولهم مكان لاح أي : ضيّق. وفي رواية «س» وألحح من غير إدغام على الأصل.

(١٨) قوله عليه السلام : في أحص أرضك

أي : في أجردها من العشب والنبات ، وأخلاها من الخير والخصب ، من قولهم رجل

٢٦٨

أحصّ بين الحصيص ، أي : قليل شعر الرأس بل لا شعر على رأسه. وسنة حصاء أي : جرداء لا خير فيها ، وضمير حصونها للأرض في أرضك.

(١٩) قوله عليه السلام : واطف عنه ...

أي اجعله لم ترسب حرارة الشوق في فؤاده ، من طفى الشيء فوق ال ماء ، أي : لم يرسب فيه ، أو اجعله بحيث تكون حرارة الشوق خفيفة عليه شديدة العدو في الذهاب عنه ، من مرّ الطبي يطفو على الأرض ، إذا خفّف على الأرض واشتدّ عدوه.

أو اجعله لا يصيبه من حرارة الشوق إلّا طفاوة منها ، أي : شيء يسير منها ، من قولهم : أصبناً طفاوة من الربيع ، أي : شيئاً منه. أو هو تخفيف أطفى بياء مهموزة ، والتخفيف في ألفاظ الفصحاء باب واسع.

ومن لم يتنبّه من القاصرين بشيء من ذلك تجسّر في إساءة الأدب ، فقال المكتوب في عدّة نسخ «اطف» بغير ياء ، والقاعدة أن تكتب «أطفىء» بياء هي الهمزة ؛ لأنّها من تطفىء بهمز الآخر.

(٢٠) قوله عليه السلام : فبعد أن يحتاج

أي : يهلكه ويستأصله ، والإجتياح من الجائحة ، وهي الآفة تهلك الثمار والأموال ، وكلّ مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة جائحة ، والجمع الجوائح ، وجاحهم يجوحهم جوحاً ، إذا غشيهم بالجوايح وأهلكهم ، ومنه الحديث «أعاذكم الله من جوح الدهر وضغم الفقر». (١)

قال في الفائق : الجوح : الإحتياج ، والضغم القصّ.

(٢١) قوله عليه السلام : وبعد أن يجهد بهم الأسر

في نسخة «كف» بعد أن يدوخهم بالأسر. وفي «خ» يدوّخهم بتشديد الواو من باب التفعيل. وفي رواية «س» يدبخهم بضمّ ياء المضارعة من باب الافعال ، أي : يذلّهم ، من داخ لنا فلان أي : ذلّ وخضع ، وأدخنّاهم ودوّخناهم فداخلوا.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ١ / ٣١٢.

٢٦٩

ويدوخهم على رواية «كف» أي : يقهرهم ، من داخ البلاد يدوخها قهرها واستولى على أهلها ، وكذلك دوّخها تدويخاً فداخت له.

(٢٢) قوله عليه السلام : أو أمده بعتاد

معاً أي : بالضمّ والفتح. والعتاد بالضمّ العدة ، وعتاد المرء اهبّته وآلته لغرضه. والعتاد بالفتح القدح الضخم ، وفي حديث صفته صلّى الله عليه وآله : «لكلّ حال عنده عتاد» أي : ما يصلح لكلّ ما يقع من الاُمور. (١)

(٢٣) قوله عليه السلام في آخر الدعاء : الفعّال لما تريد

وفي «خ» زيادة وهي : وأنت على كلّ شيء قدير.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٣ / ١٧٧.

٢٧٠

٢٨

وكان من دعائه عليه السلام متفزعا إلى الله عز وجل

اللَهُمَّ إنِّي أَخْلَصْتُ بِانْقِطَاعِي إلَيْكَ ، وَأَقْبَلْتُ بِكُلِّي عَلَيْـكَ ، وَصَـرَفْتُ وَجْهِي عَمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى رِفْدِكَ ، وَقَلَبْتُ مَسْأَلَتِي عَمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ فَضْلِكَ ، وَرَأَيْتُ أَنَّ طَلَبَ الْمُحْتَاجِ إلَى الْمُحْتَاجِ سَفَهٌ مِنْ رَأيِهِ ، وَضَلَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ ، فَكَمْ قَدْ رَأَيْتُ يَـا إلهِيْ مِنْ أُناس طَلَبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِكَ فَذَلُّوا ، وَرَامُوا الثَّرْوَةَ مِنْ سِوَاكَ ، فَافْتَقَرُوا ، وَحَاوَلُوا الارْتِفَاعَ فَاتَّضَعُوا ، فَصحَّ بِمُعَايَنَةِ أَمْثَالِهِمْ حَازِمٌ وَفَّقَهُ اعْتِبَارُهُ ، وَأَرْشَدَهُ إلَى طَرِيقِ صَوَابِهِ بِاخْتِبَارِهِ ، فَأَنْتَ يَا مَوْلايَ دُونَ كُلِّ مَسْؤُول مَوْضِعُ مَسْأَلَتِي ، وَدُونَ كُلِّ مَطْلُوب إلَيْهِ وَلِيُّ حَاجَتِي ، أَنْتَ الْمَخْصُوصُ قَبْلَ كُلِّ مَدْعُوٍّ بِدَعْوَتِي ، لاَ يَشْرَكُكَ أَحَدٌ فِي رَجَائِي ، وَلاَ يَتَّفِقُ (١) أَحَدٌ مَعَكَ فِي دُعَائِي ، وَلاَ يَنْظِمُهُ وَإيَّاكَ نِدَائِي ، لَكَ يَا إلهِي وَحْدَانِيَّةُ الْعَدَدِ ، (٢) وَمَلَكَةُ الْقُدْرَةِ الصَّمَدِ ، وَفَضِيلَةُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ ، وَدَرَجَةُ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ ، وَمَنْ سِوَاكَ مَرْحُومٌ فِي عُمْرِهِ ،

٢٧١

مَغْلُوبٌ عَلَى أَمْرِهِ ، مَقْهُورٌ عَلَى شَأنِهِ ، مُخْتَلِفُ الْحَالاَتِ ، مُتَنَقِّلٌ فِي الصِّفَاتِ ، فَتَعَالَيْتَ عَنِ الأشْبَاهِ وَالاضْـدَادِ وَتَكَبَّـرْتَ عَنِ الأمْثَـالِ وَالأنْدَادِ ، فَسُبْحَانَكَ لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ. (٣)

٢٧٢

(١) قوله عليه السلام : ولا يفق أحد

من الوفق بمعنى الموافقة بين الشيئين.

قال صاحب الكشّاف في أساس البلاغة : وفق الأمر يفق كان صواباً موافقاً للمراد ، ووفقت أمرك صادفته موافقاً لإرادتك. (١)

وقال الفيروزآبادي في القاموس : وفقت أمرك تفق كرشدت صادفته موافقاً. (٢)

(٢) قوله عليه السلام : لك يا إلهي وحدانيّة العدد

إمّا معناه إثبات الوحدة العدديّة لذات (٣) القيّوميّة الواحدة الحقّة في الحقيقة الوجوبيّة وبحسبها ، أي : لا قيّوم واجب الذات إلّا أنت ، لا بالقياس إلى أعداد الوجود وآحاد الموجودات ، حتّى يلزم استصحاح أن يطلق على وحدته الحقّة وأحديّته المحضة جلّ سلطانه الوحدة العدديّة ، فيقال : إنه سبحانه واحد ، إمّا من آحاد نظام الوجود إثنان ، وأنّه اثنين من اثانين الموجودات ثلاثة ، وأنّه وثلاثة ما أربعة إلى غير ذلك.

وأمّا مغزاه إفادة أنّ الوحدة العدديّة ، ظلّ لوحدته الحقّة الصرفة القيّوميّة ومجعولة لجاعليّته المطلقة وفعّاليّته الإبداعيّة ، فسبيل اللام في قوله عليه السلام «لك» سبيلها في قوله عزّ كبرياؤه : (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) (٥).

وبالجملة قوله عليه السلام : «لك يا إلهي وحدانيّة العدد» ليس على موافقة ٥ ما قد تواتر وتكرّر في أحاديثهم صلوات الله عليهم ، واستبان بالبرهان في علم ما فوق الطبيعة من تنزيه أحديّته الحقّة الوجوبيّة تقدّست أسماؤه عن الوحدة العدديّة التي تكرّرها حقيقة

__________________

١. أساس البلاغة : ٦٨٤.

٢. القاموس : ٣ / ٢٩٠.

٣. في «س» : لذاته.

٤. سورة البقرة : ٢٥٥.

٥. في «س» و «ط» : مدافعة.

٢٧٣

العدد ومعروضها هويّات آحاد عالم الإمكان.

وقد اقترّ في مقارّه أنّ شيئاً ممّا في عوالم الإمكان لا يصحّ أن يوصف بالوحدة الحقيقيّة ، بل إنّما الممكن بالذات قصاراة الوحدة العدديّة التي هل ظلّ الوحدة الحقيقيّة ، ومرجعها في الحقيقة إلى اتّحاد مّا وتأحّد مّا.

ومن تشوّق إلى بسط الكلام هناك ، فليراجع تقويم الإيمان والرواشح السماويّة.

(٣) قوله عليه السلام في آخر الدعاء : فسبحانك لا اله إلّا أنت

وفي «خ» زيادة وهي : تعاليت علوّاً كبيراً وأنت أرحم الراحمين.

٢٧٤

٢٩

وكان من دعائه عليه السلام إذا قتر عليه الرزق

أَللَّهُمَّ إنَّكَ ابْتَلَيْتَنَا فِي أَرْزَاقِنَا بِسُوءِ الظَّنِّ ، وَفِي آجَالِنَا بِطُولِ الأمَلِ ، حَتَّى الْتَمَسْنَا أَرْزَاقَكَ مِنْ عِنْدِ الْمَرْزُوقِينَ ، وَطَمِعْنَا بِآمَالِنَا فِي أَعْمَارِ الْمُعَمَّرِينَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَهَبْ لَنَا يَقِيناً صَادِقاً تَكْفِينا بِهِ مِنْ مَؤونَةِ الطَّلَبِ ، وَأَلْهِمْنَا ثِقَةً خَالِصَةً تُعْفِينَا بِهَا مِنْ شِدَّةِ النَّصَبِ ، وَاجْعَلْ مَا صَرَّحتَ بِهِ مِنْ عِدَتِكَ فِي وَحْيِكَ ، وَأَتْبَعْتَهُ مِنْ قِسَمِكَ فِي كِتَابِكَ ، قَاطِعاً لاهْتِمَامِنَا بِالرِّزْقِ الَّـذِيْ تَكَفَّلْتَ بِهِ ، وَحَسْمَاً لِلاشْتِغَالِ بِمَا ضَمِنْتَ الْكِفَايَةَ لَهُ ، فَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ الاصْـدَقُ ، وَأَقْسَمْتَ وَقَسَمُكَ الأَبَرُّ الأَوْفى (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) ثُمَّ قُلْتَ (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ).

قوله : إذا قتر

بالتخفيف على البناء للمجهول ، وفي رواية «س» قتّر بالتشديد من باب التفعيل على البناء للمجهول. وفي نسخة «كف» اقترّ بضمّ الهمزة على البناء للمجهول من باب الإفعال.

٢٧٥

٣٠

وكان من دعائه عليه السلام في المعونة على قضاء الدين

أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَهَبْ لِيَ الْعَافِيَةَ مِنْ دَيْن تُخْلِقُ بِهِ وَجْهِي ، وَيَحَارُ فِيهِ ذِهْنِي ، وَيَتَشَعَّبُ لَهُ فِكْرِي ، وَيَطُولُ بِمُمَارَسَتِهِ شُغْلِي ، وَأَعُوذُ بِكَ يَا رَبِّ مِنْ هَمِّ الدَّيْنِ وَفِكْرِهِ ، وَشُغْلِ الدَّيْنِ وَسَهَرِهِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَعِذْنِي مِنْهُ ، وَأَسْتَجيرُ بِكَ يَا رَبِّ مِنْ ذِلَّتِهِ فِي الْحَيَاةِ ، (١) وَمِنْ تَبِعَتِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَجِرْنِي مِنْهُ بِوُسْع فاضِل ، أَوْ كَفَاف وَاصِل. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَاحْجُبْنِي عَنِ السَّرَفِ وَالازْدِيَادِ ، وَقَوِّمْنِي بِالْبَذْلِ وَالاقْتِصَـادِ ، وَعَلِّمْنِي حُسْنَ التَّقْدِيرِ ، وَاقْبِضْنِي بِلُطْفِكَ عَنِ التَّبْذِيرِ ، وَأَجْرِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَلاَلِ أَرْزَاقِي، وَوَجِّهْ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ إنْفَاقِي ، وَازْوِ عَنِّي مِنَ الْمَالِ مَا يُحْدِثُ لِي مَخْيَلَةً أَوْ تَأَدِّياً إلَى بَغْي أَوْ مَا أَتَعَقَّبُ مِنْهُ طُغْيَـاناً. أللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيَّ صُحْبَـةَ الْفُقَرَاءِ ، وَأَعِنِّي عَلَى صُحْبَتِهِمْ بِحُسْنِ الْصَّبْرِ ، وَمَـا زَوَيْتَ عَنِّي مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ فَاذْخَرْهُ لِيْ فِي

٢٧٦

خَزَائِنِكَ البَاقِيَةِ ، وَاجْعَلْ مَا خَوَّلْتَنِي مِنْ حُطَامِهَا ، وَعَجَّلْتَ لِي مِنْ مَتَاعِهَا بُلْغَةً إلَى جِوَارِكَ ، وَوُصْلَةً إلَى قُرْبِكَ ، وَذَرِيعَةً إلَى جَنَّتِكَ ، إنَّكَ ذو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، وَأَنْتَ الْجَوَادُ الْكَرِيْمُ.

(١) قوله عليه السلام : وأستجير بك يا ربّ من ذلّته في الحياة

الظاهر في رواية «س» بالفتح زلّته بالزاء.

٢٧٧

٣١

وكان من دعائه عليه السلام في ذكر التوبة وطلبها

أَللَّهُمَّ يَا مَنْ لا يَصِفُهُ نَعْتُ الْوَاصِفِينَ ، وَيَا مَنْ لاَ يُجَاوِزُهُ رَجَاءُ الرَّاجِينَ ، وَيَا مَنْ لاَ يَضِيعُ لَدَيْهِ أَجْرُ الْمُحْسِنِينَ ، وَيَا مَنْ هُوَ مُنْتَهَى خَوْفِ الْعَابِدِيْنَ ، وَيَا مَنْ هُوَ غَايَةُ خَشْيَةِ الْمُتَّقِينَ ، هَذا مَقَامُ مَنْ تَدَاوَلَتْهُ أَيْدِي الذُّنُوبِ ، وَقَادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطَايَا ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ ، فَقَصَّرَ عَمَّا أَمَرْتَ بِهِ تَفْرِيطَاً ، وَتَعَاطى مَا نَهَيْتَ عَنْهُ تَعْزِيراً ، كَالْجاهِلِ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِ ، أَوْ كَالْمُنْكِرِ فَضْلَ إحْسَانِكَ إلَيْهِ ، حَتَّى إذَا انْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدَى ، وَتَقَشَّعَتْ عَنْهُ سَحَائِبُ الْعَمَى ، أَحْصَى مَا ظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَفَكَّرَ فِيمَا خَالَفَ بِهِ رَبَّهُ ، فَرَأى كَبِيْرَ عِصْيَانِهِ كَبِيْراً ، وَجَلِيل مُخالفَتِهِ جَلِيْلاً ، فَأَقْبَلَ نَحْوَكَ مُؤَمِّلاً لَكَ ، مُسْتَحْيِيَاً مِنْكَ ، وَوَجَّهَ رَغْبَتَهُ إلَيْكَ ثِقَةً بِكَ ، فَأَمَّكَ بِطَمَعِهِ يَقِيناً ، وَقَصَدَكَ بِخَوْفِهِ إخْلاَصَاً ، قَدْ خَلاَ طَمَعُهُ مِنْ كُلِّ مَطْمُوع فِيهِ غَيْرِكَ ، وَأَفْرَخَ رَوْعُهُ مِنْ كُلِّ مَحْذُور مِنْهُ سِوَاكَ ، فَمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيْـكَ

٢٧٨

مُتَضَرِّعـاً ، وَغَمَّضَ بَصَرَهُ إلَى الأرْضِ مُتَخَشِّعَاً ، وَطَأطَأَ رَأسَهُ لِعِزَّتِكَ مُتَذَلِّلاً ، وَأَبَثَّكَ مِنْ سِرِّهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خَضُوعاً ، وَعَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ مَا أَنْتَ أَحْصَى لَهَا خُشُوعاً ، وَاسْتَغَاثَ بِكَ مِنْ عَظِيمِ مَا وَقَعَ بِهِ فِي عِلْمِكَ ، وَقَبِيحِ مَا فَضَحَهُ فِي حُكْمِكَ : مِنْ ذُنُوب أدْبَرَتْ لَذَّاتُهَا فَذَهَبَتْ ، وَأَقَامَتْ تَبِعَاتُهَا فَلَزِمَتْ ، لا يُنْكِرُ يَا إلهِي عَدْلَكَ إنْ عَاقَبْتَهُ ، وَلا يَسْتَعْظِمُ عَفْوَكَ إنْ عَفَوْتَ عَنْهُ وَرَحِمْتَهُ ، لأِنَّكَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ الَّذِي لا يَتَعَاظَمُهُ غُفْرَانُ الذَّنْبِ الْعَظِيم. أَللَّهُمَّ فَهَا أَنَا ذَا ، قَدْ جئْتُكَ مُطِيعاً لاِمْرِكَ فِيمَا أَمَرْتَ بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ مَتَنَجِّزاً وَعْدَكَ فِيمَا وَعَدْتَ بِهِ مِنَ الإجَابَةِ ، إذْ تَقُولُ : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (١) أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَالْقَنِي بِمَغْفِـرَتِكَ كَمَا لَقِيتُكَ بِإقْرَارِي ، وَارْفَعْنِي عَنْ مَصَارعِ الذُّنُوبِ كَمَا وَضَعْتُ لَكَ نَفْسِي ، وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِكَ كَمَا تَأَنَّيْتَنِي عَنِ الانْتِقَامِ مِنِّي. أللَّهُمَّ وَثَبِّتْ فِي طَاعَتِكَ نِيَّتِيْ ، وَأَحْكِمْ فِي عِبَادَتِكَ بَصِيـرَتِي ، وَوَفِّقْنِي مِنَ الأَعْمَالِ لِمَا تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الخَطَايَا عَنِّي ، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّـلامُ إذَا تَوَفَّيْتَنِي. أللَّهُمَّ إنِّي أَتُوبُ إلَيْـكَ فِي مَقَامِي هَذَا مِنْ كَبَائِرِ ذُنُوبِي وَصَغَائِرِهَا ، وَبَوَاطِنِ سَيِّئآتِي وَظَوَاهِرِهَا ، وَسَوالِفِ زَلاَّتِي وَحَوَادِثِهَا ، تَوْبَةَ مَنْ لا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَعْصِيَة وَلاَ يُضْمِرُ أَنْ يَعُودَ فِي خَطِيئَة ، وَقَدْ قُلْتَ يَا إلهِي فِي مُحْكَمِ كِتابِكَ : إنَّكَ

٢٧٩

تَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِكَ ، وَتَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ ، وَتُحِبُّ التَّوَّابِينَ ، فَاقْبَلْ تَوْبَتِي كَمَا وَعَدْتَ ، وَأعْفُ عَنْ سَيِّئاتِي كَمَا ضَمِنْتَ ، وَأَوْجِبْ لِي مَحَبَّتَكَ كَمَا شَـرَطْتَ ، وَلَـكَ يَـا رَبِّ شَـرْطِي أَلاّ أَعُودَ فِي مَكْرُوهِكَ ، وَضَمَانِي أَلاّ أَرْجِعَ فِي مَذْمُومِكَ ، وَعَهْدِي أَنْ أَهْجُرَ جَمِيعَ مَعَاصِيكَ. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَعْلَمُ بِمَا عَمِلْتُ ، فَاغْفِرْ لِي مَا عَلِمْتَ ، وَاصْرِفْنِي بِقُدْرَتِكَ إلَى مَا أَحْبَبْتَ. أللَّهُمَّ وَعَلَيَّ تَبِعَاتٌ قَدْ حَفِظْتُهُنَّ ، وَتَبِعَاتٌ قَدْ نَسيتُهُنَّ ، وَكُلُّهُنَّ بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَـامُ وَعِلْمِكَ الَّذِي لا يَنْسَى فَعَوِّضْ مِنْهَا أَهْلَهَا وَاحْطُطْ عَنّي وِزْرَهَا وَخَفِّفْ عَنِّي ثِقْلَهَا ، وَاعْصِمْنِي مِنْ أَنْ اُقَارِفَ مِثْلَهَا. أللَّهُمَّ وَإنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِي بِالتَّوْبَةِ إلاَّ بِعِصْمَتِكَ وَلا اسْتِمْسَاكَ بِي عَنِ الْخَطَايَا إلاَّ عَنْ قُوَّتِكَ فَقَوِّنِي بِقُوَّة كَافِيَة ، وَتَوَلَّنِي بِعِصْمَة مَانِعَة. أللَّهُمَّ أَيُّما عَبْد تَابَ إلَيْكَ وَهُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ ، وَعَائِدٌ فِي ذَنْبِهِ وَخَطِيئَتِهِ ، فَإنِّي أَعُوذُ بِكَ أنْ أَكُوْنَ كَذلِكَ ، فَاجْعَلْ تَوْبَتِي هَذِهِ تَوْبَةً لا أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إلَى تَوْبَة ، تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ مَا سَلَفَ وَالسَّلاَمَةِ فِيمَـا بَقِيَ. أللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَـذِرُ إلَيْـكَ مِنْ جَهْلِي ، وَأَسْتَـوْهِبُـكَ سُوْءَ فِعْلِي فَـاضْمُمْنِي إلَى كَنَفِ رَحْمَتِكَ تَطَوُّلاً ، وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِ عَافِيَتِكَ تَفَضُّلاً. أللَّهُمَّ وَإنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْ كُلِّ مَا خَالَفَ إرَادَتَكَ ، أَوْ زَالَ عَنْ مَحَبَّتِـكَ مِنْ خَـطَرَاتِ قَلْبِي ، وَلَحَـظَاتِ عَيْنِي ، وَحِكَايَاتِ لِسَانِي ، تَوْبَةً تَسْلَمُ بِهَا كُلُّ

٢٨٠