شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بهار قلوب
الطبعة: ٢
ISBN: 964-93610-0-6
الصفحات: ٤٤٠

قال ابن الأثير في النهاية : المراد بالروح الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة ، ومنه الحديث : «الملائكة الروحانيّون» ، ويروى بضمّ الراء وفتحها ، كأنّه نسب إلى الروح أو الروح ، وهو نسيم الريح ، والألف والنون من زيادات النسب. (١)

وقال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل : رُوحاني بالرفع من الروح ، ورَوحاني بالنصب من الروح ، والروح والروح متقاربان ، وكأنّ الروح جوهر والروح حالته الخاصّة به. انتهى. (٢)

وأمّا الأشبه عندي في ذلك ، فهو أنّ الروح ـ بالفتح ـ نسبة إلى الروح ـ بالضمّ ـ نسبة الروح إلى الجسد. وبالجملة المراد بالملائكة الروحانيّين الجواهر المجرّدة العقليّة والنفسيّة.

(٧) قوله عليه السلام : على أرجائها

الرجا مقصورة ناحية البئر وناحية الموضع ، وتثنيته رجوان كعصى وعصوان ، وجمعه أرجاء. والرجوان حافّتا البئر وكلّ ناحية رجاء ، يقال : رمى به الرجوان ، ويراد به أنّه طرح في المهالك ، وفي التنزيل الكريم : (وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا) (٣) أي : نواحيها وأطرافها.

(٨) قوله عليه السلام : حفيفة السحاب

الحفيف دويّ جرس الفرس وجناح الطائر. وفي رواية «س» و «ع» الخفيفة بالخاء المعجمة والفاء ثمّ الياء ثمّ القاف. حفيف الريح بالحاء المهملة وفائين بينهما ، أي : دويّ جريها ، وخوافق السماء الجهات التي تهب منها الرياح الأربع.

(٩) قوله عليه السلام : مثاقيل المياه

المثاقيل جمع المثقال ، والمراد بها الأوزان والأقدار.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ٢ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

٢. الملل والنحل : ٢ / ٦.

٣. سورة الحاقّة : ١٧.

١٠١

قال في الصحاح : مثقال الشيء ميزانه من مثله. (١)

والمياه : إمّا جمع الماه ، فيكون المعنى بها البلاد والبقاع والأقاليم والأصقاع.

وفي الصحاح : ما موضع يذكّر ويؤنّث. (٢)

وفي القاموس : الماه قصبة البلد ، والماهان الدينور ونهاوند ، إحداهما ماه الكوفة ، والاُخرى ماه البصرة ، وماه دينار بلدان ، وماهان إسم ، وهو إما من هوم أو هيم ، فوزنه لعفان أو وهم فلعفان ، أو ومه فعفلان ، أو نهم فلا عافا ، أو من لفظ المهيمن ففاعالا (٣) ، أو من منه ففالاعا ، أن من نمه فعالافا. (٤)

وفي المغرب : والماه قصية البلد ، عن الأزهري قولهم : ضرب هذا الدرهم بماه البصرة أو بماه فارس. قال : وكأنّه معرّب. وماه دينار حصن قديم بين خيبر وبين مدينة.

وفي النهاية الأثيريّة : في الحديث الحسن : «كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وبارك وسلّم يشترون السمن المائي» وهو منسوب إلى مواضيع يسمّى ماه يعمل بها. ومنه قولهم : ماه البصرة وماه الكوفة ، وهو إسم للأماكن المضافة إلى كلّ واحدة منهما ، فقبلت الهاء في النسب همزة أو ياءاً. انتهى كلام النهاية. (٥)

وإذ كشفنا لك ذلك دريت مغزى ما أورده الصدوق عروة الإسلام أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه (رضوان الله تعالى عليه) في عيون أخبار الرضا عليه السلام : أنّ عبد الله بن مطرف بن ماهان شيخ شيخ البخاري صاحب صحيح العامّة دخل على المأمون يوماً ، وعنده علي بن موسى الرضا عليه السلام ، فقال له المأمون : ما تقول في أهل البيت؟ فقال عبد الله : ما أقول في طينة عجنت بماء الرسالة ، وشجرة غرست بماه (٦) هل ينضح منها إلّا مسك الهدى وعنبر التقى؟ فدعى المأمون بحقّه فيها لؤلؤ فحشى فاه. (٧)

والقاصرون من أهل البصرة حائرون في قوله بماه الوحي ، وحاسبون أنّ الصحيح فيه

__________________

١. الصحاح : ٤ / ١٦٤٧.

٢. الصحاح : ٦ / ٢٢٥١.

٣. في المصدر : فعافال.

٤. القاموس : ٤ / ٢٩٣.

٥. نهاية ابن الأثير : ٤ / ٣٧٤ وقال في آخره : وليست اللفظة عربيّة.

٦. وفي المصدر : بماء الوحي هل ينفخ ...

٧. عيون أخبار الرضا : ٢ / ١٤٤ باب ٤٠.

١٠٢

الهمزة مكان الهاء.

ثمّ إنّي في كتاب نبراس الضياء قلت : وهذه إن هي اُخت الحكاية المعروفة للخليل بن أحمد ال أديب النحوي العروضي ، إذ قيل له : ما تقول في علي بن أبي طالب عليه السلام؟

فقال : ما أقول في حقّ امرىء كتمت مناقبه أولياؤه خوفاً وأعداؤه حسداً ، ثمّ ظهر من بين ال كتمين ما ملأ الحافقين. (١) فأناله السلطان نائلة جليلة ، ووصله صلة ثقيلة ، مع شدّة عتوّه وتبالغه في عناده فليدرك.

(١٠) قوله عليه السلام : لواعج الأمطار

هي جمع لاعج بل لاعجة ، أي : مشتدّاتها القويّة الاشتداد ، يقال : لاعجه الأمر إذا اشتدّ عليه. والتعج من لاعج الشوق. ولواعجه ارتمض واحترق وضرب لاعج أي : شديد ، يلعج الجلد أي : يحرقه ، وكذلك عوالجها جمع عالج ، يعني متلاطماتها ومتراكماتها.

وفي الحديث : إنّ الدعاء ليلقي البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. (٢) يعني الدعاء في صعوده يلقي والبلاء في نزوله فيعتلجان.

قال في الفائق ، أي : يضطرعان ويتدافعان. (٣)

وفي أساس البلاغة : اعتلج القوم اصطرعوا واقتتلوا ، ومن المستعار اعتلجت الأمواج. (٤)

وفي النهاية الأثيريّة : اعتلجت الأمواج إذا التطمت ، واعتلجت الأرض إذا طال نباتها ، وفي حديث الدعاء : «وما تحويه عوالج جمع عالج وهو ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض الرمال» هي. انتهى. (٥)

__________________

١. نبراس الضياء : ٣١.

٢. وفي البحار عن فلاح السائل عن الكاظم عليه السّلام قال : إنّ الدعاء يستقبل البلاء ، فيتوافقان إلى يوم القيامة. البحار : ٩٣ / ٣٠٠.

٣. الفائق : ٣ / ٢٣.

٤. أساس البلاغة : ص ٤٢٣.

٥. نهاية ابن الأثير : ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.

١٠٣

(١١) قوله عليه السلام : وملك

اسم المكان ، ولا يخفينّ عليك أنّ الميم فيه وفيما هو الأصل فيه غير أصليّة بل زائدة ، فالأصل فيه ملاءك ، ولذلك يجمع على الملائك والملائكة ، نقلت حركة الهمزة إلى اللام ، ثمّ حذفت لكثرة الاستعمال فقيل : ملك.

وقال بعضهم : بل أصله مألك بتقديم الهمزة من الألوك الرسالة ، فقلبت الهمزة مكان اللام ، ثمّ حذفت في كثرة الإستعمال للتخفيف فقيل : ملك ، وجمع على الملائكة. وقد يحذف الهاء فيقال : الملائك.

(١٢) قوله عليه السلام : ورومان فتّان القبور

رومان بضمّ الراء ، اسم ملك من ملائكة القبور ، وهو فعلان من الروم ، يقال : رامه يرومه روماً ، أي : قصده وطلبه ، وهو (١) روم له غير نوم عنه وما كان يروم أن يفعل كذا ، فرومته أنا أي : جعله يرومه ، ورايماً له وقاصداً إيّاه.

وفتّان : إمّا من الفت بمعنى الكسر والدقّ والرضّ ، والألف والنون مزيدتان ، يقال : ألمّ بي كذا ، أو سمعت ما ألمّ بفلان فأوجع قلبي وفتّ كبدي ورضّ عظامي ، وإمّا من الفتنة بمعني الإمتحان والإختبار ، على صيغة فعّال من أبنية المبالغة.

والنصب في رواية «س» على المدح ، أو بإضمار الفعل لإفادة الإختصاص ، أي : أعني.

__________________

١. في «ط» : وهم.

١٠٤

قال الفيروزآبادي في القاموس : الفتّانان الدرهم والدينار ومنكر ونكير. (١)

وقال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث الكسوف : «وإنّكم تقتنون في القبور» ، يريد مسائلة منكر ونكير ، من الفتنة : الإمتحان والإختبار.

وفتّان بالكسر على ما في الأصل صفة رومان.

(١٣) قوله عليه السلام : الزبانية

الزبانية مأخوذ من الزبن وهو الدفع ، وهم تسعة عشر ملكاً يدفعون أهل النار إليها ، وفي التنزيل الكريم : (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ). (٢)

(١٤) قوله عليه السلام : أوهمنا

أي : تركنا ، وأوهمت الشيء : تركته ، وأوهم من الحساب مائة ، أي : أسقطها منه ، ومنه الحديث : أّنّه صلّى الله عليه وآله صلّى فأوهم في صلاته. أي : أسقط منها شيئاً ، ويقال : أوهمت في الكلام والكتاب إذا أسقطت منه شيئاً.

قال الجوهري وغيره : أوهمت الشيء أي : تركته كلّه وتخلّعت منه جميعه. (٣)

(١٥) قوله عليه السلام : ومن منهم على الخلق

لا يبعد أن يكون مراده صلوات الله وسلامه عليه من «من منهم على الخلق» الملائكة الذين هم من المجرّدات المحضة والمفارقات الصرفة.

__________________

١. القاموس : ٤ / ٢٥٥.

٢. سورة المدثّر : ٣٠.

٣. الصحاح : ٥ / ٢٠٥٤.

١٠٥

والمعنى : أنّهم في عالم الأمر مشرفون على عالم الخلق ، فإنّ الملائكة حسب ما حقّق عند علماء الشريعة القويمة ضروب متخالفة وأنواع متباينة ، منها الجسمانيّات ، ومنها المفارقات الصرفة ، ومنها المجرّدات المتعلّقة بالجسمانيّات.

وقد ذكر عليه السلام المجرّدات المتعلّقة بالجسمانيّات من قبل بالتوكيل على الأمطار والجبال وغيرها وبالسكون في الهواء والأرض والماء ، فذكر هنا المفارقات الصرفة.

(١٦) قوله عليه السلام : كلّ نفس معها سائق

نسخة الشهيد : «قائم» في الأصل ، وسائق في «س» وهو الموافق للتنزيل الكريم. (١)

__________________

١. سورة ق : ٢١.

١٠٦

وكان من دعائه عليه السلام

في الصلوة على اتباع الرسل ومصدّقيهم

اَللَّهُمَّ وَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَمُصَدِّقُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الاَرْضِ بِالْغَيْبِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمُعَـانِدينَ لَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ وَالاشْتِيَاقِ إلَى الْمُرْسَلِينَ بِحَقائِقِ الايْمَانِ ، فِي كُلِّ دَهْر وَزَمَان أَرْسَلْتَ فِيْهِ رَسُولاً ، وَأَقَمْتَ لاهْلِهِ دَلِيلاً مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِـهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُـدَى ، وَقَادَةِ أَهْـلِ التُّقَى عَلَى جَمِيعِهِمُ السَّلاَمُ ، فَاذْكُرْهُمْ مِنْكَ بِمَغْفِرَة وَرِضْوَان. اَللَّهُمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّد خَاصَّةً الَّـذِينَ أَحْسَنُوا الصَّحَابَةَ ، وَالَّذِينَ أَبْلَوْا الْبَلاَءَ الْحَسَنَ فِي نَصْرِهِ ، وَكَانَفُوهُ ، وَأَسْرَعُوا إلَى وِفَادَتِهِ ، وَسَابَقُوا إلَى دَعْوَتِهِ ، واسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حجَّةَ رِسَالاَتِهِ ، وَفَارَقُوا الازْوَاجَ وَالاوْلادَ فِي إظْهَارِ كَلِمَتِهِ ، وَقَاتَلُوا الاباءَ وَالابناءَ فِي تَثْبِيتِ نبُوَّتِهِ وَانْتَصَرُوا بهِ ، وَمَنْ كَانُوا مُنْطَوِينَ عَلَى مَحبَّتِهِ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ فِي مَوَدَّتِهِ ، وَالّذينَ هَجَرَتْهُمُ العَشَائِرُ إذْ تَعَلَّقُوا

١٠٧

بِعُرْوَتِهِ ، وَانْتَفَتْ مِنْهُمُ الْقَرَاباتُ إذْ سَكَنُوا فِي ظلِّ قَرَابَتِهِ ، فَلاَ تَنْسَ (١) لَهُمُ الّهُمَّ مَا تَرَكُوا لَكَ وَفِيكَ ، وَأَرْضِهِمْ مِنْ رِضْوَانِكَ ، وَبِمَا حَاشُوا الْخَلْقَ عَلَيْكَ ، (٢) وَكَانُوا مَعَ رَسُولِكَ دُعَاةً لَكَ إلَيْكَ ، وَاشكُرْهُمْ عَلَى هَجْرِهِمْ فِيْكَ دِيَارَ قَوْمِهِمْ ، وَخُرُوجِهِمْ مِنْ سَعَةِ الْمَعَاشِ إلَى ضِيْقِهِ ، وَمَنْ كَثَّرْتَ فِي إعْزَازِ دِيْنِـكَ مِنْ مَظْلُومِهِمْ. (٣) ألّهُمَّ وَأوْصِلْ إلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَان ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلاخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُونَا بِالاِيمَانِ خَيْرَ جَزَائِكَ ، الَّذِينَ قَصَدُوا سَمْتَهُمْ ، وَتَحَرَّوْا وِجْهَتَهُمْ ، وَمَضَوْا عَلى شاكِلَتِهِمْ ، لَمْ يَثْنِهِمْ (٤) رَيْبٌ فِي بَصِيْرَتِهِمْ ، وَلَمْ يَخْتَلِجْهُمْ شَكٌّ فِي قَفْوِ آثَارِهِمْ ، وَالاِئْتِمَامِ بِهِدَايَةِ مَنَارِهِمْ ، مُكَانِفِينَ وَمُوَازِرِيْنَ لَهُمْ ، يَدِيْنُونَ بِدِيْنِهِمْ ، وَيَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِمْ ، (٥) يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِمْ ، (٦) وَلاَ يَتَّهِمُونَهُمْ فِيمَا أدَّوْا إلَيْهِمْ. ألَّلهُمَّ وَصَلِّ عَلَى التّابِعِيْنَ مِنْ يَوْمِنَا هَذا إلى يَوْم الدِّينِ ، وَعَلَى أزْوَاجِهِمْ، وَعَلَى ذُرِّيَّاتِهِمْ ، وَعَلَى مَنْ أَطَاعَكَ مِنْهُمْ صَلاْةً تَعْصِمُهُمْ بِهَا مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَتَفْسَحُ لَهُمْ فِي رِيَاضِ جَنَّتِكَ ، وَتَمْنَعُهُمْ بِهَا مِنْ كَيْدِ الشَيْطَانِ ، وَتُعِينُهُمْ بِهَا عَلَى مَا اسْتَعَانُوكَ عَلَيْهِ مِنْ بِرٍّ ، وَتَقِيهِمْ طَوَارِقَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، إلاّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْر وَتَبْعَثُهُمْ بِهَا عَلَى اعْتِقَادِ حُسْنِ الرَّجَـاءِ لَكَ ، وَالطَّمَعِ فِيمَا عِنْدَكَ ، وَتَرْكِ النُّهَمَةِ فِيمَا

١٠٨

تَحْويهِ أيْدِي الْعِبَادِ ، لِتَرُدَّهُمْ إلَى الرَّغْبَةِ إلَيْكَ ، وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ ، وَتُزَهِّدُهُمْ فِي سَعَةِ العَاجِلِ ، وَتُحَبِّبُ إلَيْهِمُ الْعَمَلَ لِلآجِلِ ، وَالاسْتِعْدَادَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، (٧) وَتُهَوِّنَ عَلَيْهِمْ كُلَّ كَرْب يَحُلُّ بِهِمْ يَوْمَ خُـرُوجِ الانْفُسِ مِنْ أَبْدَانِهَا ، (٨) وَتُعَافِيَهُمْ مِمَّا تَقَعُ بِهِ الْفِتْنَةُ مِنْ مَحْذُورَاتِهَا ، وَكَبَّةِ النَّارِ (٩) وَطُولِ الْخُلُودِ فِيهَا ، وَتُصَيِّرَهُمْ إلَى أَمْن (١٠) مِنْ مَقِيلِ الْمُتَّقِينَ. (١١)

١٠٩

هذا الدعاء [الدعاء الرابع] زائد في النسخ المعتبرة بأسرها ، وليس في نسخة الشهيد.

(١) قوله عليه السلام : فلا تنس لهم

النسيان بكسر النون خلاف الذكر والحفظ ، ورجل نسيان بفتح النون أي : كثير النسيان. والنسيان بالكسر أيضاً الترك ، ومنه قوله تعالى في التنزيل الكريم : (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (١).

فإذا ريم بالنسيان هنا هذا المعنى الأخير فالأمر جليّ ، وإن اُريد به المعنى الأوّل ارتكب البناء على صيغة المشاكلة. أي : لا تعاملهم معاملة الناسين ولهم فيما تركوا لك وفيك.

(٢) قوله عليه السلام : حاشوا

أي : جمعوا وضمّوا ، والحشى ما ضمّت عليه الضلوع ، قاله الجوهري (٢) وغيره.

(٣) قوله عليه السلام : ومن كثرت في إعزاز دينك

يجوز عطفه على ضمير الجمع وأشكرهم. أي : وشكر من كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم ، على أن يكون مظلومهم متعلّقاً بالتكثير في كثرت.

والمعنى : من كثرت مظلومهم في إعزاز دينك. ويحتمل أيضاً حينئذ أن يكون «من» بيانيّة لتبيين «من». والتقدير من كثرتهم من مظلومي الدعاة إليك مع رسولك في إعزاز دينك ، والحاصل تكثير إصابة الظلم إيّاهم في سبيل دينك.

__________________

١. سورة البقرة : ٢٣٧.

٢. الصحاح : ٦ / ٢٣١٣.

١١٠

وأن يكون ابتدائيّة متعلّقة بالإعزاز ، والضمير المجرور عائد إلى «من» أي : من كثرتهم في إعزاز دينك ، الناشىء من قبل مظلومهم. ويختصّ ذلك على هذا التقدير بالمهاجرين.

ويجوز أن يعطف على ضيقة ، ويراد بـ«من كثرت» على هذا الأنصار ، ويكون معناه واشكر خروجهم إلى من كثرتهم في إعزاز دينك. و «من» في هذه الصورة أيضاً يحتمل التبيين ، أي : خروج الدعاة المظلومين المهاجرين إلى من كثرتهم لإعزاز الدين وهم الأنصار. والإبتدائيّة على أن يكون المظلوم بمعنى البلد الذي لا رعي ولا مرعى فيه للدواب ، أو الأرض التي لم يعاهد للزرع فقط ، أعني : مكّة زادها الله تعالى شرفاً وتعظيماً.

(٤) قوله عليه السلام : لم يثنهم

أي : لم يعطفهم ولم يزعجهم.

(٥) قوله عليه السلام : بهديهم

بفتح الهاء واسكان الدال ، أي : بسيرتهم. يقال : هدى هدي فلان ، أي : سار سيرته ، وكذلك الهدي بكسر الهاء وتسكيل الدال ، يقال : خذ في هديتك بالكسر ، أي : فيما كتب فيه من الحديث أو العمل ولا تعدل عنه. ويقال أيضاً : نظر فلان هدية أمره ، جهة أمره. وفي الحديث «واهدوا هدي عمّار». (١) أي : سيروا بسيرته ، يروى بالفتح والكسر.

(٦) قوله عليه السلام : يتّفقون عليهم

يتّفقون بإسكان التاء قبل الفاء المكسورة ، على ما في بعض نسخ الأصل : إمّا مخفّف يتّفقون على رواية «س» وهو مطاوع يوفقون.

والإتّفاق افتعال من وفق يوفق ، والأصل الاوتفاق ، كالاتّعاد من الوعد والإتّقاد من الوقود ، قلبت الواو تاءاً ثمّ اُدغمت ، ثمّ كثرة الإستعمال أوهمت أنّ التاء أصليّة ، فبني منه تفق يتفق ، كسمع يسمع ، وذلك على ما ذهبت إليه الكوفيّون.

__________________

١. راجع نهاية ابن الأثير : ٥ / ٢٥٣.

١١١

واختاره الجوهري في الإتّخاذ ، حيث ذكر أنّه افتعال من الأخذ ، إلّا أنّه أدغم بعد تبيين الهمزة وابداء التاء ، ثمّ لمّا كثر استعماله على لفظ الإفتعال توهّموا أنّ التاء أصليّة ، فبنوا منه فعل يفعل ، قالوا : تخذ يتّخذ. (١)

ولذلك قرىء في قوله تعالى حكاية عمّا جرى بين موسى والخضر على نبيّنا وعليهم السلام (لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) (٢) وقراءة ابن كثير والبصريّان : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) كذا قرأه الباقون. فالتاء حينئذ في يتّفقون زائدة.

وأمّا البصريّون وعلّامة زمخشر صاحب الكشّاف (٣) وابن الأثير (٤) ، فقد ذهبوا إلى أنّ اتّخذ افتعال من تخذ يتّخذ ، واُدغمت إحدى التائين في الاُخرى ، وليس من أخذ في شيء ، تمسّكاً بأنّ الإفتعال من أخذ يتّخذ ، لأنّ فاءها همزة ، والهمزة لا تدغم يفق.

قلت : وليس يعجبني إلّا ما ذهب إليه الجوهري فمستنده غير حاف ، وضعف مستمسكهم عليه غير خفيّ. فإنّ الهمزة إنّما يمتنع إدغامها في التاء ما دامت همزة ، والجوهري وأصحابه لا يدغمونها إلّا بعد الإبدال كما ذكر.

ثمّ الصواب في كسر الفاعل هذا أن يقال : لما جيئت التاء الأصليّة ، قيل : اتفق يتفق بفتح التاء فيهما مخفّفة ، وكسر الفاء في المضارع وفتحها في الماضي.

وحيث أنّه ليس في لغة العرب ما يصحّ إلحاق ذلك به اعتبر بناء تفق يتفق منه مثل ضرب يضرب ، كما ذكر في اتّقي يتّقي أنّه لمّا كثر استعماله توهّموا التاء من جوهر الحرف ، فقالوا : اتقى يتقي بتخفيف التاء المفتوحة فيهما.

وإذا لم يجدوا في كلامهم مثلاً ونظيراً يلحقونه به فلم يستصحّوه فحادوا عنه. قالوا : تقى

__________________

١. الصحاح : ٢ / ٥٦١.

٢. سورة الكهف : ٧٧.

٣. الكشّاف : ٢ / ٤٩٥.

٤. نهاية ابن الأثير : ١ / ١٨٣.

١١٢

يتقي مثل رمى يرمي وقضى يقضي ، ولذلك جعلوا بناء الإسم منه التقوى ، وبنوا فعل الأمر منه تق على التخفيف ، فاعتبروا التاء أصليّة واستغنوا عن الهمزة بحركة الحرف الثاني في المستقبل ، هذا على هذه الرواية.

وأمّا يتقفون بتقديم القاف على الفاء ، كما يضبط في كثير من النسخ برواية «ش» فهو مطاوع يقفون ، والإتّقاف : افتعال من وقف يقف. وعلى رواية «ع» وفي نسخة علي بن السكون رحمهما الله تعالى «يقفون».

(٧) قوله عليه السلام : لما بعد الموت

كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : وليكن همّك فيما بعد الموت. (١)

ونظائر ذلك عنهم (٢) نصوص في تجرّد النفس الإنسانيّة الباقية الحيّة بعد الموت البدني ، فإنّ المستعدّ يجب أن يبقي مع المستعدّ له لا محالة.

(٨) قوله عليه السلام : يوم خروج الأنفس من أبدانها

أي : من تدبير الأبدان وكلاءتها ، ومن اعتلاق الأجساد ورعايتها.

(٩) قوله عليه السلام : وكبّة النار

إمّا بمعنى شدّة لهبها وأليم عذابها ، على إضافة الصفة إلى الموصوف.

وإمّا المعنى بها الاكباب والانكباب على النار ، أو على الوجه فيها ، والإضافة تلبّسيّة. أو بتقدير «في» كما في سكنى الدار ودخول البلد.

قال ابن الأثير في النهاية : الكبّة بالفتح ، شدّة الشيء ومعظمه ، وكبة النار : صدمتها. (٣)

وقال الجوهري في الصحاح : كبّه [الله] لوجهه ، أي : صرعه ، فأكبّ هو على وجهه. وهذا من النوادر أن يقال : أفعلت أنا وفعلت غيري. يقال : كبّ الله عدوّ المسلمين : ولا يقال : أكبّ. وكبكبه أي : كبّه ، ومنه قوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيهَا) (٤).

__________________

١. نهج البلاغة : ٣٧٨ في رسالته عليه السلام إلى عبد الله بن عبّاس.

٢. في «ن» منهم.

٣. نهاية ابن الأثير : ٤ / ١٣٨.

٤. سورة الشعراء : ٩٤.

١١٣

وأكبّ فلان على الأمر يفعله ، وانكبّ بمعنى [والكبّة بالضمّ جماعة من الخيل ، وكذلك الكبكبة] (١) والكبّة بالفتح : الدفعة في القتال والجري ، وكذلك كبّة الشتاء : شدّته ودفعته ، والكبّة أيضاً الزحام. (٢)

وفي النهاية الأثيريّة : فأكبّوا رواحلهم على الطريق. هكذا الرواية ، قيل : والصواب كبّوا ، أي : ألزموها الطريق. يقال : كببته فأكبّ ، وأكبّ الرجل يكبّ على عمل عمله إذا لزمه.

وقيل : هو من باب حذف الجار وإيصال الفعل. المعنى جعلوها مكبّة على قطع الطريق ، أي : لازمة له غير عادلة عنه. وتكابّوا عليها ، أي : ازدحموا وهي تفاعلوا من الكبّة بالضمّ ، وهي الجماعة من الناس وغيرهم. هذا كلام النهاية. (٣)

قلت : أكبّه الله لمنخره وعلى منخره ولوجهه وعلى وجهه على التعدية ، متكرّر الورود جدّاً في أحاديث الخاصّة والعامّة. وعندي أنّ ما في الصحاح والنهاية لا زنة له في ميزان الصحّة ، ولا وزن له في كفّه الإستقامة.

وحقّ التحقيق هناك ما في الكشّاف ، قال في تفسير قوله سبحانه : (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ) (٤) : يجعل أكبّ مطاوع كبّه ، ويقال : كببته فأكبّ من الغرائب والشواذ ونحوه قشعت الريح السحاب فأقشع ، وما هو كذلك. ولا شيء من بناء أفعل مطاوعاً ، ولا يتقن نحو هذا إلّا حملة كتاب سيبويه.

وإنّما أكبّ من باب أنفض أو ألام ، معناه دخل في الكبّ وصار ذا كبّ ، وكذلك أقشع السحاب دخل في القشع ، ومطاوع كبّ وقشع انكبّ وانقشع. انتهى كلامه. (٥)

فإذن الهمزة في أكبّ يصحّ أن تكون همزة الصيرورة ، أو همزة الدخول. وحينئذ يكون لازماً من غير أن يكون مطاوع كبّه. ويصحّ أن يكون للتعدية ، وحينئذ يكون كبّه وأكبّه

__________________

١. هذه الزيادة لم توجد في المصدر.

٢. الصحاح : ١ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٣. نهاية ابن الأثير : ٤ / ١٣٨.

٤. سورة الملك : ٢٢.

٥. الكشّاف : ٤ / ١٣٩.

١١٤

بمعنى.

وعلى هذا يستقيم كلام القاموس : كبّه قلبه وصرعه ، كأكبّه وكبكبه وهو لازم متعدّ ، وأكبّ عليه أقبل ولزم فانكبّ. (١)

ومثل ذلك في الإستقامة قول مجمل اللغة : كببته لوجهه كبّاً ، وأكبّ فلان على الشيء يعمله. (٢)

وقال الراغب في المفردات : الكبّ إسقاط الشيء على وجهه ، قال تعالى : (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) (٣) والاكباب جعل وجهه مكبوباً على العمل ، فقال : (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ) (٤) والكبكبة تدهور الشيء في هوّة ، قال الله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ) (٥) انتهى قوله. (٦)

قلت : معنى مكبّاً على التحقيق أنّه يدخل في الكبّ ويعثر كلّ ساعة ويخرّ على وجهه ، لوعورة الطريق واختلاف أحواله ، فليعلم.

(١٠) قوله عليه السلام : إلى أمنٍ

المراد بالأمن العلم بزوال ما كان المتّقون يخافونه.

(١١) قوله عليه السلام : من مقيل المتّقين

القايلة الظهيرة ، وقد يكون بمعنى القيلولة أيضاً ، وهي النوم في الظهيرة. يقال : قال يقيل قيلولة وقيلاً ومقيلاً فهو قايل ، والقيلولة الإستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم. والمقيل أيضاً موضع القايلة ، وهو المراد هاهنا. (٧)

__________________

١. القاموس : ١ / ١٢١.

٢. مجمل اللغة : ٣ / ٧٦٦.

٣. سورة النمل : ٩٠.

٤. سورة الملك : ٢٢.

٥. سورة الشعراء : ٩٤.

٦. مفردات الراغب : ٤٢٠.

٧. في «ن» : وهو المعنى بها.

١١٥

٥

وكان من دعائه عليه السلام لنفسه ولاهل ولايته

يا مَنْ لا تَنْقَضِي عَجَائِبُ عَظَمَتِهِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاحْجُبْنَا عَنِ الالْحَادِ فِي عَظَمَتِكَ ، وَيَا مَنْ لاَ تَنْتَهِي مُدَّةُ مُلْكِهِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَأَعْتِقْ رِقَابَنَا مِنْ نَقِمَتِك ، وَيَا مَنْ لا تَفْنَى خَزَائِنُ رَحْمَتِهِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ لَنا نَصِيباً فِي رَحْمَتِكَ ، وَيَا مَنْ تَنْقَطِعُ دُونَ رُؤْيَتِهِ الابْصَارُ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَدْنِنَا إلَى قُرْبِكَ ، وَيَا مَنْ تَصْغُرُ عِنْدَ خَطَرِهِ الاخْطَارُ ، (١) صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَكَرِّمْنَا عَلَيْكَ ، وَيَا مَنْ تَظْهَرُ عِنْدَهُ بَوَاطِنُ الاخْبَارِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَالِهِ وَلاَ تَفْضَحْنَا لَدَيْكَ. اللَّهُمَّ أَغْنِنَا عَنْ هِبَةِ الْوَهَابِيْنَ بِهِبَتِكَ ، (٢) وَاكْفِنَا وَحْشَةَ الْقَاطِعِين بِصِلَتِكَ ، حَتّى لا نَرْغَبَ إلَى أحَد مَعَ بَذْلِكَ ، وَلاَ نَسْتَوْحِشَ مِنْ أحَد مَعَ فَضْلِكَ. اللهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَكِدْ لَنَا وَلا تَكِدْ عَلَيْنَا ، وَامْكُرْ لَنَا وَلاَ تَمْكُرْ بنَا ، (٣) وَأدِلْ لَنَا وَلاَ تُدِلْ مِنّا. (٤) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَ

١١٦

قِنَا مِنْكَ ، وَاحْفَظْنَا بِكَ ، وَاهْدِنَا إلَيْكَ ، وَلاَ تُبَاعِدْنَا عَنْكَ إنّ مَنْ تَقِهِ يَسْلَمْ ، وَمَنْ تَهْدِهِ يَعْلَمْ ، وَمَنْ تُقَرِّبُهُ إلَيْكَ يَغْنَمْ. الّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاكْفِنَا حَدَّ نَوائِبِ الزَّمَانِ ، وَشَرَّ مَصَائِدِ الشّيطانِ ، وَمَرَارَةَ صَوْلَةِ السُّلْطَانِ. اللّهُمَّ إنَّما يَكْتَفِي الْمُكْتَفُونَ بِفَضْـل قُوَّتِكَ ، فَصَلِّ عَلَى محَمَّد وَآلِهِ وَاكْفِنَا وَإنَّمَا يُعْطِي الْمُعْطُونَ مِنْ فَضْلِ جِدَتِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأعْطِنَا ، وَإنمَا يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ بِنُورِ وَجْهِكَ ، فَصَلِّ عَلَى محمّد وَآلِهِ وَاهْدِنَا. اللّهُمَّ إنّكَ مَنْ وَالَيْتَ لَمْ يَضْرُرْهُ خِذْلانُ الْخَاذِلِينَ ، وَمَنْ أعْطَيْتَ لَمْ يَنْقُصْهُ مَنْـعُ الْمَانِعِينَ ، وَمَنْ هَدَيْتَ لَمْ يُغْوِهِ إضْلاَلُ المُضِلِّيْنَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَامْنَعْنَا بِعِزَّكَ مِنْ عِبَادِكَ ، وَأغْنِنَا عَنْ غَيْرِكَ بِإرْفَادِكَ ، وَاسْلُكْ بِنَا سَبِيلَ الْحَقِّ بِـإرْشَادِكَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ وَاجْعَلْ سَلاَمَةَ قُلُوبِنَا فِي ذِكْرِ عَظَمَتِكَ وَفَرَاغَ أبْدَانِنَا فِي شُكْرِ نِعْمَتِكَ ، وَانْطِلاَقَ أَلْسِنَتِنَا فِي وَصْفِ مِنَّتِكَ. أللَهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْنَا مِنْ دُعَاتِكَ الدّاعِينَ إلَيْكَ ، وَهُدَاتِكَ الدَّالّينَ عَلَيْكَ وَمِنْ خَاصَّتِكَ الْخَاصِّينَ لَدَيْكَ ، يَا أرْحَمَ ألرَّاحِمِينَ.

١١٧

(١) قوله عليه السلام : عند خطرة الأخطار

خطر الرجل قدره ومنزلته ، والخطر أيضاً الخوف والإشراف على الهلاك ، والمعنيان محتملان في قوله هذا عليه السلام.

قال الجوهري : الخطر الإشراف على الهلاك ، والخطر السبق الذي يتراهن عليه ، وخاطره على كذا ، وخطر الرجل أيضاً قدره ومنزلته. (١)

وذكر ابن الأثير الخطر بمعنى العوض والمثل ، وبمعنى الحظّ والنصيب أيضاً. (٢)

فإن اُريد هاهنا الخطر بمعنى القدر كان إضافته إلى الضمير المجرور العائد إلى الله سبحانه إضافة معنويّة حقيقيّة بتقدير اللام. وإن اُريد إحدى المعاني الاُخر كانت الإضافة تبينيّة وبتقدير «من» الإبتدائيّة.

أي : الذي تصغر المخاطر المهلكة ، أو النعم والحظوط والقسوط التي من قبل غيره تعالى عند المخاطر المهلكات ، أو النعم والحظوط والقسوط التي من عنده جلّ سلطانه ومن لدنه سبحانه.

(٢) قوله عليه السلام : أغننا عن هبة الوهّابين

ربما يقال : هبو الواهبين أشمل ؛ لكون الوهّابينّ أقل منهم لما يؤخذ في صيغة المبالغة من زيادة المواهب.

والحقّ أنّ الاستغناء عن هبة الوهّابين أشمل لأفراد الغنى ، فإنّ الوهّاب يكون أكثر

__________________

١. الصحاح : ٢ / ٦٤٨.

٢. نهاية ابن الأثير : ٢ / ٤٦.

١١٨

مواهب من الواهب ، فقلّ ما يستغنى عنه من استغنى عن الواهب ، فطلب الغنى من الوهّابين أبلغ وأشمل لأفراد (١) الغنى. كما لا يخفى.

(٣) قوله عليه السلام : وامكر لنا ولا تمكر بنا

أي : عامل أعداءنا الماكرين بنا معاملة المماكرين.

(٤) قوله عليه السلام : وأدل لنا ولا تدل منّا

الدولة بالضمّ ما يتداول من المال ، يقال : صار الفيء دولة بينهم يتداولونه ، يكون مرّة لهذا ومرّة لهذا ، فالدولة بالضمّ أيضاً إسم الشيء الذي يتداول بعينه. والدولة ـ بالفتح ـ الفعل ، وقيل : الدولة والدولة لغتان بمعنى.

وقيل : الدولة بالضمّ المال ، والدولة بالفتح في الحرب ، وهي أن تدل إحدى الفئتين على الاُخرى ، يقال : كان لنا عليهم الدولة. والجمع الدول بكسر الدال وفتح الواو. والأدالة الغلبة ، ودالت عليه الأيّام أي : دارت. والله يداولها بين الناس.

وربّما يقال : الدولة ـ بالفتح ـ الإنتقال من حال الشدّة إلى حال الرخاء ، والجمع الدول بالكسر. والدول ـ بالضم ـ ما تداولته الأيدي ، والجمع الدول بضمّ الدال وفتح الواو. والمراد إجعل لنا الدولة ، ولا تنقلها منّا إلى غيرنا.

__________________

١. في «س» : أفراد.

١١٩

٦

وكان من دعائه عليه السلام عند الصباح والمساء

أَلْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بِقُوَّتِهِ ، وَمَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِهِ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً ، وَأَمَداً مَمْدُوداً ، يُولِجُ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ ، وَيُولِجُ صَاحِبَهُ فِيهِ (١) بِتَقْدِير مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِيمَا يَغْـذُوهُمْ بِـهِ ، وَيُنْشئُهُمْ عَلَيْـهِ فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيْـلَ لِيَسْكُنُوا فِيْهِ مِنْ حَرَكَاتِ التَّعَبِ ، وَنَهَضَاتِ (٢) النَّصَبِ ، وَجَعَلَهُ لِبَاساً لِيَلْبَسُوا مِنْ رَاحَتِهِ وَمَنَامِهِ ، فَيَكُونَ ذَلِكَ جَمَاماً (٣) وَقُوَّةً ، وَلِيَنَالُوا بِهِ لَذَّةً وَشَهْوَةً ، وَخَلَقَ لَهُمُ النَّهارَ مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فِيهِ مِنْ فَضْلِهِ وَلِيَتَسَبَّبُوا إلَى رِزْقِهِ ، وَيَسْرَحُوا فِي أَرْضِهِ ، طَلَباً لِمَا فِيـهِ نَيْلُ الْعَاجِلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ ، وَدَرَكُ الاجِلِ فِيْ اُخْريهُمْ بِكُلِّ ذلِكَ يُصْلِحُ شَأنَهُمْ ، وَيَبْلُو أَخْبَارَهُمْ ، (٤) وَيَنْظُرُ كَيْفَ هُمْ فِي أَوْقَاتِ طَاعَتِـهِ ، وَمَنَازِلِ فُـرُوضِهِ ، وَمَوَاقِعِ أَحْكَامِهِ ، (٥) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. اللَّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا فَلَقْتَ لَنَا مِنَ الإصْبَاحِ ،

١٢٠