شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بهار قلوب
الطبعة: ٢
ISBN: 964-93610-0-6
الصفحات: ٤٤٠

٢٢

وكان من دعائه عليه السلام

عند الشدة وَالجهد وَتعسر الامور

أَللَّهُمَّ إنَّكَ كَلَّفْتَنِي مِنْ نَفْسِي مَا أَنْتَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي ، وَقُدْرَتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيَّ أَغْلَبُ مِنْ قُدْرَتِي ، فَأَعْطِنِي مِنْ نَفْسِي مَا يُرْضِيْكَ عَنِّي ، وَخُذْ لِنَفْسِكَ رِضَاهَا مِنْ نَفْسِي فِي عَافِيَة. أللَّهُمَّ لاَ طَاقَةَ لِي بِالجَهْدِ (١) وَلاَ صَبْرَ لِي عَلَى البَلاَءِ ، وَلاَ قُوَّةَ لِي عَلَى الْفَقْرِ ، فَلاَ تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي ، وَلاَ تَكِلْنِيْ إلَى خَلْقِكَ ، (٢) بَلْ تَفَرَّدْ بِحَاجَتِي ، وَتَولَّ كِفَايَتِي ، وَانْظُرْ إلَيَّ وَانْظُرْ لِي فِي جَمِيْعِ اُمُورِي ، فَإنَّكَ إنْ وَكَلْتَنِي إلَى نَفْسِي عَجَزْتُ عَنْهَا وَلَمْ اُقِمْ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهَا ، وَإنْ وَكَلْتَنِي إلَى خَلْقِكَ تَجَهَّمُونِي ، (٣) وَإنْ أَلْجَأتَنِيْ إلَى قَرَابَتِي حَرَمُونِي وَإنْ أَعْطَوْا (٤) أَعْطَوْا قَلِيْلاً نَكِداً ، وَمَنُّوا عَلَيَّ طَوِيلاً ، وَذَمُّوا كَثِيراً ،

٢٢١

فَبِفَضْلِكَ أللَّهُمَّ فَأَغْنِنِي ، وَبِعَظَمَتِكَ فَانْعَشنِي ، (٥) وَبِسَعَتِكَ فَابْسُطْ يَدِي ، وَبِمَا عِنْدَكَ فَاكْفِنِي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَخَلِّصْنِي مِنَ الْحَسَدِ ، وَاحْصُرْنِي عَن الذُّنُوبِ ، وَوَرِّعْنِي عَنِ الْمَحَارِمِ ، وَلا تُجَرِّئْنِي عَلَى الْمَعَاصِي وَاجْعَلْ هَوايَ عِنْدَكَ ، وَرِضَايَ فِيمَا يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكَ ، وَبَارِكْ لِي فِيْمَا رَزَقْتَنِي ، وَفِيمَا خَوَّلْتَنِي ، (٦) وَفِيمَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ ، وَاجْعَلْنِي فِي كُلِّ حَالاَتِي مَحْفُوظَاً مَكْلُوءاً مَسْتُوراً مَمْنُوعاً مُعَاذاً مُجَاراً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاقْضِ عَنِّي كُلَّمَا أَلْزَمْتَنِيهِ ، وَفَرَضْتَهُ عَلَيَّ لَكَ فِي وَجْه مِنْ وُجُوهِ طَاعَتِكَ ، أَوْ لِخَلْق مِنْ خَلْقِكَ ، وَإنْ ضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ بَدَنِي ، وَوَهَنَتْ عَنْهُ قُـوَّتِي ، (٧) وَلَمْ تَنَلْهُ مَقْدِرَتِي ، (٨) وَلَمْ يَسَعْهُ مَالِي وَلاَ ذَاتُ يَدِي ، ذَكَرْتُهُ أَوْ نَسِيتُهُ ، هُوَ يَا رَبِّ مِمَّا قَدْ أَحْصَيْتَهُ عَلَيَّ وَأَغْفَلْتُهُ أَنَا مِنْ نَفْسِي ، فَأَدِّهِ عَنِّي مِنْ جَزِيْلِ عَطِيَّتِكَ وَكَثِيرِ مَا عِنْدَكَ ، فَإنَّكَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ، حَتَّى لاَ يَبْقَى عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْهُ تُرِيدُ أَنْ تُقَاصَّنِي بِهِ مِنْ حَسَنَاتِي ، أَوْ تُضَاعِفَ بِهِ مِنْ سَيِّئاتِي يَوْمَ أَلْقَاكَ يَا رَبِّ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَارْزُقْنِي الرَّغْبَةَ فِي الْعَمَـلِ لَكَ لآخِـرَتِي ، حَتَّى أَعْرِفَ صِدْقَ ذلِكَ مِنْ قَلْبِي ، وَحَتَّى يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيَّ الزُّهْدُ فِي دُنْيَايَ ، وَحَتَّى أَعْمَلَ الْحَسَنَاتِ

٢٢٢

شَوْقاً ، وَآمَنَ مِنَ السَّيِّئاتِ فَرَقاً ، (٩) وَخَوْفاً ، وَهَبْ لِي نُوراً (١٠) أَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ، وَأَهْتَدِي بِهِ فِي الظُّلُماتِ ، وَأَسْتَضِيءُ بِهِ مِنَ الشَّكِّ وَالشُّبُهَـاتِ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَارْزُقْنِي خَوْفَ غَمِّ الْوَعِيْـدِ ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ (١١) حَتَّى أَجِدَ لَذَّةَ مَا أَدْعُوكَ لَهُ ، وَكَأْبَةَ (١٢) مَا أَسْتَجِيرُ بِكَ مِنْهُ. أللَّهُمَّ قَـدْ تَعْلَمُ مَا يُصْلِحُنِي مِنْ أَمْرِ دُنْيَايَ وَآخِـرَتِي فَكُنْ بِحَوَائِجِيْ (١٣) حَفِيّاً. (١٤) أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَارْزُقْنِي الْحَقَّ عِنْدَ تَقْصِيرِي فِي الشُّكْرِ لَكَ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فِي اليُسـرِ وَالْعُسْرِ وَالصِّحَّـةِ وَالسَّقَمِ ، حَتَّى أَتَعَرَّفَ مِنْ نَفْسِي رَوْحَ الرِّضَا ، وَطُمَأنِينَةَ النَّفْسِ (١٥) مِنِّي بِمَا يَحْدُثُ لَكَ فِيمَا يَحْدُثُ فِي حَالِ الْخَوْفِ وَالاَمْنِ وَالرِّضَا وَالسُّخْطِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَارْزُقْنِي سَلاَمَةَ الصَّدْرِ مِنَ الْحَسَدِ ، حَتَّى لاَ أَحْسُدَ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ عَلَى شَيْء مِنْ فَضْلِكَ ، وَحَتَّى لاَ أَرى نِعْمَـةً مِنْ نِعَمِـكَ عَلَى أَحَد مِنْ خَلْقِكَ فِي دِيْن أَوْ دُنْيا (١٦) أَوْ عَافِيَة أَوْ تَقْوَى أَوْ سَعَة أَوْ رَخاء ، إلاّ رَجَوْتُ لِنَفْسِي أَفْضَلَ ذلِكَ بِكَ وَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ ، وَارْزُقْنِي التَّحَفُّظَ مِن الْخَطَايَا ، وَالاحْتِرَاسَ مِنَ الزَّلَلِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فِي حَالِ الرِّضَا وَ

٢٢٣

الْغَضَبِ ، حَتَّى أكُونَ بِمَا يَرِدُ عَلَيَّ مِنْهُمَا (١٧) بِمَنْزِلَة سَوَاء ، عَامِلاً بِطَاعَتِكَ ، مُؤْثِراً لِرِضَاكَ عَلَى مَا سِوَاهُمَا فِي الأَوْلِياءِ وَالأعْدَاءِ ، (١٨) حَتّى يَأْمَنَ عَدُوِّي مِنْ ظُلْمِي وَجَوْرِي ، وَيَيْأَسَ وَلِيِّي مِنْ مَيْلِي وَانْحِطَاطِ هَوَايَ ، وَاجْعَلنِي مِمَّنْ يَدْعُوكَ مُخْلِصاً في الرَّخَاءِ (١٩) دُعَـاءَ الْمُخْلِصِينَ الْمُضْطَرِّينَ لَـكَ فِي الدُّعَاءِ ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ.

٢٢٤

(١) قوله عليه السلام : بالجهد

الجهد بالفتح المشقّة ، وأمّا الذي بمعنى الوسع والطاقة فبالضمّ ، يقال : جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقّة ، وجهد الناس فهم مجهودون إذا أجدبوا.

فأمّا أجهد فهو مجهد بالكسر ، فمعناه ذو جهد ومشقّة ، أو هو من أجهد دابّته إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها ، ورجل مجهد إذا كان ذا دابّة ضعيفة من التعب ، وأجهد فهو مجهد بالفتح ، أي : أنّه وقع في الجهد والمشقّة ، قاله ابن الأثير في النهاية. (١)

وقال المطرّزي في مغربه : جهده حمله فوق طاقته من باب منه ، ويجهد نفسه ، أي : يكلّفها مشقّة في حمل السلاح. وأجهد لغة قليلة ، والجهد والجهود المشقّة ، ورجل مجهود ذو جهد. والجهاد مصدر جاهدت العدوّ إذا قابلته في تحمّل الجهد ـ بالفتح ـ أي : المشقّة ، أو بذل كلّ منهما جهده بالضمّ ، أي : طاقته في دفع صاحبه. (٢)

(٢) قوله عليه السلام : إن وكلتني إلى خلقك

في الأصل بالتخفيف ، وفي رواية «ش» وكّلتني بالتشديد ، والنقل إلى باب التفعيل على هذه النسخة للمبالغة في أصل المعنى ، وهو الكلة إلى الخلق ، لا للتعدية.

(٣) قوله عليه السلام : تجهّموني

تجهّمه أي : استقبله كلاحاً ، وتلقّاه بكلوح وغلظة ووجه كريه.

وفي المغرب : رجل جهم الوجه ، أي : عبوس.

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ١ / ٣٢٠.

٢. المغرب : ١ / ١٠١.

٢٢٥

وبه سمّي جهم بن صفوان المنسوب إليه الجهميّة ، وهي فرقة شايعة على مذهبه ، وهو القول بأنّ الجنّة والنار تفنيان ، وأنّ الإيمان هو المعرفة فقط دون الإقرار ودون سائر الطاعات ، وأنّه لا فعل لأحد على الحقيقة إلّا لله ، وأنّ العباد فيما ينسب إليهم من الأفعال كالشجرة تحرّكها الريح ، فإنّ الإنسان عنده لا يقدر على شيء ، إنّما هو مجبر في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار ، وإنّما يخلق الله الأفعال فيه على ما يخلق في الجمادات ، وتنسب إليه مجازاً كما تنسب إليها. (١)

(٤) قوله عليه السلام : وإن أعطوا

رواية «ش» بإسقاط الواو وفتح الهمزة وعدم تكرار (٢) أعطوا.

(٥) قوله عليه السلام : فأنعشني

أي : ارفع قدري ودرجتي.

(٦) قوله عليه السلام : فيما خوّلتني

التخويل التمليك ، وقيل : من الرعاية وقيل : من التعهّد وحسن الرعاية وخوّله الله شيئاً ، يحتمل الجميع.

(٧) قوله عليه السلام : ووهنت عنه قوّتي

من الوهن الضعيف ، يتعدّي ولا يتعدّى ، يقال ، وهن إذا ضعف ، ووهنه غيره وأوهنه أيضاً ، أي : أضعفه من الوهن ، ومنه في التنزيل الكريم : (وَلَا تَهِنُوا) (٣) أي : لا تضعفوا : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ) (٤).

والفرق بينه وبين الوهي : أنّ الوهي ضعف تهيّأ به الشيء للسقوط ، أو للتخرّق والانشقاق ، يقال : وهي الحائط إذا ضعف وهمّ بالسقوط ، ووهى السقاء يهي وهيّأ إذا تخرّق وانشقّ ، ومنه : (وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ). (٥)

__________________

١. المغرب : ١ / ١٠١ ـ ١٠٢.

٢. في «ن» : تكرير.

٣. سورة آل عمران : ١٣٩ ، وسورة النساء : ١٠٤.

٤. سورة العنكبوت : ٤١.

٥. سورة الحاقّة : ١٦.

٢٢٦

(٨) قوله عليه السلام : ولم تنله مقدرتي

المقدرة ـ بفتح الميم وبتثليث الدال ـ مصدر قدر عليه يقدر قدرة ومقدرة ، ومنه قولهم : المقدرة تذهب الحفيظة. وبالفتح والكسر بمعنى اليسار ، يقال : رجل ذو مقدرة ، أي : ذو يسار. وأمّا من القضاء والقدر فالمقدرة بالفتح لا غير.

وقيل : (١) الميم مضمومة في عدّة نسخ ، والمستفاد من اللغة أنّها مفتوحة وهذا شيء لم تبلغني روايته عن أحد من المشايخ ، (٢) ولا أيضاً صادفته فيما وقعت إليّ من النسخ المضبوطة المعوّل عليها.

(٩) قوله عليه السلام : فرقاً

الفرق بالتحريك : الخوف والفزع ، والفعل منه باب طلب ، وربّما يقال : وقد يكون من باب علم أيضاً.

(١٠) قوله عليه السلام : وهب لي نوراً

أي : نوراً عقليّاً هو العلم «أمشي به في الناس» أي : في ممشاهم القدسي ، في سفرهم الإستكمالي الملكوتي إلى جناب بارئهم ذي الملك والملكوت ، أو أمشي به في عرضهم وفي جملتهم دليلاً لهم وهادياً إيّاهم إلى دار إقامتهم وموطن بقائهم وأرض حياتهم ، وإلى منتهى منازلهم في سيرهم إلى الله وعودهم إليه ، واقترارهم في مقرّهم عنده.

جعلنا الله سبحانه ممّن يسلك في زمرته عليه السلام ذلك المسلك ، ويهتدي بهداه لذلك السبيل ، ويرتع من بركاته في ذلك المرتع ، إنّه سميع الدعاء لطيف لما يشاء.

(١١) قوله عليه السلام : وشوق ثواب الموعود

الإضافة : إمّا بتقدير «من» ، أو بيانيّة.

(١٢) قوله عليه السلام : وكأبة

الكأبة بالفتحات على ما في الأصل : سوء الحال وتغيّر النفس والإنكسار من الحزن ، و

__________________

١. وهو السيّد نجم الدين «منه».

٢. في «س» و «ط» : من الأشياخ.

٢٢٧

كذلك الكآبة بالمدّ على ما في رواية «ش».

وفي الصحاح وفي مجمل اللغة : إنّ الكأبة بإسكان الهمزة والكآبة بالمدّ مثل الرأفة والرآفة. (١)

(١٣) قوله عليه السلام : بحوائجي

الأصل في هذه اللفظة ، وكذلك المعروف من استعمال أئمّة الفنون الأدبيّة الموثوق بهم إيّاها الهمز ، فإنّها كالحاجات والحوج جمع الحاجة ، والألف في الحاجة منقلبة عن الواو اتّفاقاً.

وفي القاموس : الحاجة معروفة ، والجمع حاجّ وحاجّات وحوج وحوائج غير قياسيّ ، أو مولدة ، أو كأنّهم جمعوا حائجة. انتهى. (٢)

قلت : وعلى هذا تكون على الأخير غير مهموزة.

(١٤) قوله عليه السلام : حفيّاً

أي : مستقصياً مبالغاً في قضائها ، من أحفى شاربه إذا بالغ في جزّه وقصّه ، وأحفاه في مسألة إذا استقصى عليه في السؤال عنها ، أو بارّاً لطيفاً معتنياً ، من أحفى فلان بصاحبه وحفي به حفاوة وتحفّى به فهو حفّي ، إذا أشفق عليه وبالغ في إكرامه والعناية في أمره وإلطافه بالمعروف.

وعلى الأخير فإمّا أنّ تعليق الحفاوة بحوائجي من باب التجوّز العقلي من حيث تحقّق العلاقة المصحّحة للمجاز في الاسناد.

وإمّا أنّ مدخول الباء التعليقيّة حقيقة هو المضاف إليه ، وتوسيط المضاف لتعيين ما فيه الحفاوة. أي : كن بي حفيّاً من جهة الحوائج.

وإمّا أنّ الباء للظرفيّة لا للتعليق والتعدية ، والمعنى : كن في حوائجي حفيّاً بي.

__________________

١. الصحاح : ١ / ٢٠٧ ، ومجمل اللغة : ٣ / ٧٧٥.

٢. القاموس : ١ / ١٨٤.

٢٢٨

(١٥) قوله عليه السلام : وطمأنينة النفس

من باب الإضافة إلى الموصوف والمحلّ. وفي رواية «كف» : وطمأنينة اليقين ، من باب الإضافة إلى السبب ، كما في روح الرضا.

(١٦) قوله عليه السلام : أو دنيا

هي فعلى من الدنوّ ، وإنّما جعلت الدنيا إسماً لهذه الحياة لدنوّها ولبعد الأخرة عنها.

وروي الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام : سمّيت الدنيا دنيا ؛ لأنّها أدنى من كلّ شيء وسمّيت الآخرة أخرة لتأخّرها. (١)

والجمع دني ، وأصله دنوّ. ودنيا لا تنوّن ؛ لأنّها لا تنصرف.

قال ابن الجوزي في تقويمه : والعامّة تقول : دنياً منوّنة.

وفي القاموس : الدنيا نقيض الآخرة ، وقد تنوّن ، والجمع دني. (٢) ولعلّه عني بذلك استعمال العامّة لها بالتنوين.

(١٧) قوله عليه السلام : حتّى أكون بما يرد عليّ منهما

الباء بمعني «في» أو «من». وضمير التثنية للدنيا وللآخرة في حالين ، أي : أكون فيما أو ممّا يرد عليّ من الدنيا والآخرة في حال الرضا والغضب بمنزلة سواء ، ويحتمل إرجاع الضمير إلى الرضا والغضب.

(١٨) قوله عليه السلام : على ما سواهما في الأولياء والأعداء

ضمير التثية المجرور في «سواهما» للدنيا والآخرة من جهة رضاه عزّ وجلّ ، فالمؤثّر رضاه جلّ سلطانه في الدنيا والآخرة ، والمؤثّر عليه الدنيا والآخرة من غير جهة رضاه سبحانه.

والمعنى مؤثّراً لرضاك في الدنيا والآخرة على ما سوى الدنيا والآخرة من جهة رضاك ،

__________________

١. رواه في علل الشرايع : ص ٢ ، وفيه : وسمّيت الآخرة آخرة لأنّ فيها الجزاء والثواب.

٢. القاموس : ٤ / ٣٢٩.

٢٢٩

أي : على الدنيا والآخرة من غير سبيل رضاك في الأولياء وموالاتهم وفي الأعداء ومعاداتهم ، مقصوراً ذلك كلّه على ابتغاء وجهك وسلوك سبيلك وتحرّي رضاك.

(١٩) قوله عليه السلام : مخلصاً في الرخاء

بإعجام الخاء في الأصل. وفي رواية «كف» في الرجاء بالجيم ، من الأمل ممدوداً ، أو الرجا مقصوراً ناحية البئر وحافّتاها ، وكلّ ناحية رجا بالتحريك على فعل الماضي.

وفي «خ» شكرها بضمّ الشين وإسكان الكاف على المصدر.

٢٣٠

٢٣

وكان من دعائه عليه السلام

إذا سئل الله العافية وَشكرها

أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَلْبِسْنِي عَافِيَتَكَ ، وَجَلِّلْنِي (١) عَـافِيَتَكَ ، وَحَصِّنِّي بِعَـافِيَتِـكَ ، وَأكْـرِمْنِي بِعَافِيَتِكَ ، وَأغْنِنِي بِعَافِيَتِكَ ، وَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِعَافِيَتِكَ ، وَهَبْ لِي عَافِيَتَكَ ، وَأَفْرِشْنِي (٢) عَافِيَتَكَ ، وَأَصْلِحْ لِي عَافِيَتَكَ ، وَلا تُفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَافِيَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَعَافِنِي عَافِيَةً كَافِيَةً شَافِيَةً عَالِيَةً نَامِيةً ، عَافِيَةً تُوَلِّدُ فِي بَدَنِي الْعَافِيَةَ ، عَافِيَةَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِالصِّحَّةِ وَالأمْنِ ، وَالسَّلاَمَةِ فِي دِيْنِي وَبَـدَنِي ، وَالْبَصِيرَةِ فِي قَلْبِي ، وَالنَّفَاذِ فِي أمُورِيْ ، وَالْخَشْيَةِ لَكَ ، وَالْخَوْفِ مِنْكَ ، وَالْقُوَّةِ عَلَى مَا أَمَرْتَنِي بِهِ مِنْ طَاعَتِكَ ، وَالاجْتِنَابِ لِمَـا نَهَيْتَنِي عَنْهُ (٣) مِنْ مَعْصِيَتِـكَ. أللَّهُمَّ وَامْنُنْ عَلَيَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَزِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِكَ ، صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ عَلَيْهِ (٤) وَعَلَى آلِهِ ، وَآلِ رَسُولِكَ (٥) عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَبَداً مَا

٢٣١

أَبْقَيْتَنِي ، فِي عَامِي هَذَا وَفِي كُلِّ عَام ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ مَقْبُولاً مَشْكُوراً مَذْكُوراً لَدَيْكَ ، مَذْخُوراً عِنْدَكَ ، وَأَنْطِقْ بِحَمْدِكَ وَشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ ، وَحُسْنِ الثَّناءِ عَلَيْكَ لِسَانِي ، وَاشْرَحْ لِمَرَاشِدِ دِينِكَ قَلْبِي ، وَأَعِذْنِي وَذُرِّيَّتِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم ، (٦) وَمِنْ شَرِّ السَّامَّةِ (٧) وَالْهَامَّةِ (٨) وَالْعَامَّةِ ، وَاللاَّمَّةِ (٩) وَمِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْطَان مَرِيد ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ سُلْطَان عَنِيد ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ مُتْرَف حَفِيد ، (١٠) وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ضَعِيفٍ وَشَدِيدٍ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِير ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ قَرِيْبٍ وَبَعِيدٍ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ مَنْ نَصَبَ لِرَسُولِكَ وَلأهْلِ بَيْتِهِ حَرْبَـاً مِنَ الْجِنِّ (١١) وَالإنْسِ ، (١٢) وَمِنْ شَرّ كُلِّ دَابَّة أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ، إنَّكَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وآلِهِ ، وَمَنْ أَرَادَنِي بِسُوء فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَادْحَرْ عَنِّي مَكْرَهُ ، وَادْرَأ عَنِّي شَرَّهُ ، وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سَدّاً ، حَتَّى تُعْمِيَ عَنِّي بَصَرَهُ ، وَتُصِمَّ عَنْ ذِكْري سَمْعَهُ ، وَتُقْفِلَ دُونَ إخْطَارِي قَلْبَهُ ، (١٣) وَتُخْرِسَ عَنَي لِسَانَهُ ، وَتَقْمَعَ رَأسَهُ ، (١٤) وَتُذِلَّ عِزَّهُ ، وَتَكْسِرَ جَبَرُوتَهُ ، وَتُذِلَّ رَقَبَتَهُ ، وَتَفْسَخَ كِبْرَهُ ، وَتُؤْمِنَنِي مِنْ جَمِيْعِ ضَرِّهِ وَشَرِّهِ وَغَمْزِهِ وَهَمْزِهِ وَلَمْزِهِ وَحَسَدِهِ وَعَدَاوَتِهِ وَحَبَائِلِهِ وَمَصَائِدِهِ ، وَرَجْلِهِ وَخَيْلِهِ ، إنَّكَ عَزِيز قَدِيرٌ. (١٥)

٢٣٢

(١) قوله عليه السلام : وجلّلني

من جلّله بكذا إذا غطّه وعمّه به وألبسه إيّاه ، كما يتجلّل الرجل بالثوب.

قال في الصحاح : جلّل الشيء تجليلاً ، أي : عمّ. والمجلّل : السحاب الذي يجلّل الأرض بالمطر ، أي : يعمّ. وتجليل الفرس ، أن تلبسه الجلّ. (١)

وفي النهاية : جلّله أي : غطّاه ، ومنه في حديث الاستسقاء : والبلاً مجلّلاً على البناء للفاعل ، أي : يجلّل الأرض بمائه أو بنباته ، ويروى بفتح اللام على المفعول. (٢) كما في دعاء رؤية الهلال : «والعافية المجلّلة».

(٢) قوله عليه السلام : وافرشني

في نسخة شيخنا الشهيد وبخطّه «معاً» يعني الهمزة إمّا للقطع أو للوصل ، من أفرش فلان فلاناً أمره إذا أوسعه إيّاه ، وكذلك فرشه أمره ، أو من أفرش فلان فلاناً بساطاً ، أي : بسط له ، وكذلك فرشه إيّاه فرشاً وفرّشه إيّاه تفريشاً أيضاً.

(٣) قوله عليه السلام : لما نهيتني عنه

هذه اللام : إمّا بمعنى «عن» كما في قوله سبحانه : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ) (٣) أي : عن الذين آمنوا. أو بمعنى «من» كما في سمعت له صراخاً ، أي : منه. أو من التي تزاد لدعم المعنى ، فإنّ الاجتناب يتعدّى بنفسه لا بالحرف ، يقال : عرضه كذا ، ثمّ تزاد اللام الداعمة ، فيقال : عرضه له.

__________________

١. الصحاح : ٤ / ١٦٦٠.

٢. نهاية ابن الأثير : ١ / ٢٨٩.

٣. الأحقاف : ١١.

٢٣٣

(٤) قوله عليه السلام : صلواتك عليه ـ إلى قوله ـ وبركاتك عليه

ليس في نسخة ابن إدريس إلّا «عليه» الأخيرة ، كذا بخطّ الشهيد.

(٥) قوله عليه السلام : وآل رسولك

بالعطف على رسولك ، أي : وزيارة قبر آل رسولك.

(٦) قوله عليه السلام : من الشيطان الرجيم

فعيل بمعنى المفعول ، وهو المرجوم ، أي : المطرود من صقع الله تعالى ، والمبعد من جنابه ومن باب رحمته سبحانه ، أو المرحوم بالكواكب ، لما في التنزيل الكريم : «وجعلناها رجوماً للشياطين». (١)

وأصل الرجم الرمي بالحجارة ، قالوا : ومعنى كونه رجوماً للشياطين أنّ الشهب التي تنقض في الليل وترجم بها الشياطين منفصلة من نار الكواكب ونورها ، (٢) وهي مسبّبة عنها ، لا أنّهم يرجمون بالكواكب أنفسها.

وقال رهط : الرجوم هي الظنون التي تحرز وتظنّ ، ومنه قوله سبحانه : (٣). وهي ما للمنجّمين من الظنون والأحكام على اتّصالات الكواكب وانفصالاتها ، وإيّاهم عني بالشياطين ، فإنّهم شياطين الإنس.

وذكر المفسّرون في : (إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (٤) أي : اُجيرها وذرّيّتها بحفظك. أنّه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : ما من مولود يولد إلّا والشيطان يمسّه حين يولد ، فيستهلّ من مسّه إلّا مريم وابنها.

ومعناه إنّ الشيطان يطمع في إغواء كلّ مولود بحيث يتأثّر منه إلّا مريم وابنها ، فإنّ الله تعالى عصمها ببركة هذه الإستعاذة. وكذلك الأمر في قول الإمام عليه السلام : وأعذني وذرّيّتي

__________________

١. سورة الملك : ٥.

٢. في «ن» : ووقودها.

٣. سورة الكهف : ٢٢.

٤. سورة آل عمران : ٣٦.

٢٣٤

من الشيطان الرجيم.

(٧) قوله عليه السلام : ومن شرّ السامة

أي : من شرّ الخاصّة ، من سمت النعمة إذا خصّت ، ويقال : أصله السمة الخاصّة والأقارب. أو من شرّ ذات السمّ. أو من شرّ الذين يتّبعون العورات ويتحسّسون المعائب ، من فلان يسمّ ذلك الأمر ، أي : يسبره وينظر ما غوره.

(٨) قوله عليه السلام : والهامّة

الهامّة واحدة الهوام. قال الجوهري : ولا يقع هذا الإسم إلّا على المخوف من الأجناس. (١)

وقال المطرّزي الهميم الدبيب ، ومنه الهامّة من الدوابّ ما يقتل من ذوات السموم كالعقارب والحيّات. وأمّا حديث ابن عجرة : «أتؤذيك هوامّ رأسك» فالمراد بها القمّل على الإستعارة.

وكأنّ ابن الأثير أيضاً عني ذلك ، حيث قال : الهامّة كلّ ذات سمّ يقتل ، والجمع الهوامّ ، فأمّا ما يسمّ ولا يقتل فهو السامّة كالعقرب والزنبور ، وقد يقع الهوامّ على ما يقع (٢) من الحيوان وإن لم يقتل ، ومنه حديث كعب بن عجرة : «أتؤذيك هوامّ رأسك» أراد القمّل. (٣)

(٩) قوله عليه السلام : واللامّة

إمّا المراد بها الأجنّة التي تصيب الإنسان بسوء ، من قولهم أصاب فلاناً من الجنّ لمّة ، أي : مسّ وشيء قليل ، أو كلّ نازلة شديدة من اللمّة الشدّة ، والملمّة النازلة من نوازل الدنيا ، أو كلّ عين يصيب الإنسان بسوء.

وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله : أعوذ بكلمات الله التامّة من شرّ كلّ سامّة ومن كلّ عين لامّة. أي : ذات لمم. قال ابن الأثير : لم يقل : «ملمّة» وأصلها من الممت بالشيء ليزاوج قوله : من شرّ كلّ سامّة. (٤)

__________________

١. الصحاح : ٥ / ٢٠٦٢.

٢. في المصدر : ما يدبّ.

٣. نهاية ابن الأثير : ٥ / ٢٧٥.

٤. نهاية ابن الأثير : ٤ / ٢٧٢.

٢٣٥

(١٠) قوله عليه السلام : ومن شرّ كلّ مترف حفيد

أي : كلّ من أطغته النعمة ، وهو سريع مسارع إلى الشرّ والقطع ، من الحفد السرعة ، وسيف محتفد أي : سريع القطع ، أو كلّ مترف هو محفود ، وهو الذي يخدمه أصحابه ويعظّمونه ويسرعون في طاعته. على أن يكون فعيلاً بمعنى المفعول.

وفي نسخة «س» حقيد بالقاف ، ومعناه : كلّ مترف ذي حقد. والقاصرون قد اُشكل عليهم الأمر في هذا المقام.

و «مترف» على صيفة المفعول ، أي : كلّ متنعّم ذي مال ، على ما في التنزيل الكريم : (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) (١) أي : أمرنا متولّيها ومتنعّميها بالطاعة والإحسان والمعروف وايتاء الزكاة.

أو كلّ طاغ بطر ، من قولهم : أترفته النعمة وسعة العيش ، أي : أطغته وأبطرته. وقد يراد بالمترف المنهمك في ملاذ الدنيا وشهواتها ، ومنه قوله عزّ من قائل : (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ) (٢).

حاشية اُخرى : و «حفيد» بالفاء بعد المهملة فعيل : إمّا بمعنى مفعول ، أي : محفود ، وهو الذي يخدمه أصحابه ويعظّمونه ويسرعون في طاعته ، أو الذي هو ذو حفدة ، أي : ذو خدم وأعوان ، أو الذي له حفدة ، أي : بنون وأولاد الأولاد وأقارب أحمّاء.

وإمّا بمعنى فاعل ، أي : حافد ، والمراد به كلّ من يسارع إلى الشرّ ويسرع في [الخطيئة و] القطيعة. وأصل الحفد السرعة ، وسيف محتفد أي : سريع القطع ، ومنه في الدعاء : إليك نسعى ونحفد. أي : نسرع في العمل والطاعة.

وفي نسخة «س» حقيد بالقاف أي : حاقد ، ومعناه : كلّ مترف طاغ بطر ذي حقد أو حقود ، على أن يكون الفعيل من أبنيته المبالغة. وبخطّ «كف» حقود مكان «حقيد» ، والقاصرون قد اُشكل عليهم الأمر في هذا المقام.

__________________

١. سورة الاسراء : ١٦.

٢. سورة الواقعة : ٤٥.

٢٣٦

(١١) قوله عليه السلام : ولأهل بيته حزباً من الجنّ

كنّا قد أسلفنا في الحواشي أنّ الجنّ ليست جمعه الأجنّة ، لأنّ أفعلة إنّما يكون جمع فاعل ، كالوادي والأودية ، وجمع فعال كضماد وأضمدة ، وجمع فعال كفؤاد وأفئدة ، وجمع فعال كلواء وألوية ، وجمع فعيل كعزيز وأعزّة وحبيب وأحبّة ، وجمع فعول كعمود وأعمدة ، ولا يكون جمع فعل.

والجنّ ليس هو اسم ؛ لعدم صحّة إطلاقه على الواحد بل اسم الجمع والواحد جنّي ، والجنّة إسم طائفة الجنّ ، وإطلاق الأجنّة على الجنّ كما هو الذائع الشائع الدائر على الألسن بصحيحة من سبيلين :

الأوّل : أنّها جمع الجنين ، والجنين هو المستور والمستتر ، فعيلاً بمعنى المفعول ، أو بمعنى الفاعل ، ومنه سمّي ما في الرحم جنيناً لاستتاره وكلّ جنّي فهو مستور مستتر ، فيكون كلّ جنّي جنيناً والجنّ أجنّة.

قال ابن الأثير في النهاية : جنّه جنّاً إذا ستره ، ومنه الحديث «جنّ عليه الليل» أي : ستره ، وبه سمّي الجنّ لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار ، ومنه سمّي الجنين لاستتاره في بطن اُمّه. (١) انتهى.

وهذا سبيل علّامة زمخشر في أساس البلاغة ، إذ قال : جنّه ستره فاجتنّ واستجنّ بجنّة استقر بها ، واجتنّ الولد في البطن وأجنّته الحامل ، وتقول : كأنّهم الجانّ. (٢)

وكذلك ابن فارس قال في مجمل اللغة : وسمّي الجنّ لأنّها تتّقى ولا ترى. (٣)

وكذلك الفيروزآبادي قال في القاموس : وأجنّ عنه واستجنّ استتر ، والجنين الولد في البطن ، جمع أجنّة ، واجنن كلّ مستور. (٤) انتهى كلامه.

الثاني : أنّها جمع الجانّ ؛ لأنّ فاعلاً يجمع على أفعلة. والجانّ الشيطان على ما في النهاية

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ١ / ٣٠٧.

٢. أساس البلاغة : ١٠٢.

٣. مجمل اللغة : ١ / ١٧٥.

٤. القاموس : ٤ / ٢١٠.

٢٣٧

الأثيريّة. (١) أو هو أيضاً إسم الجمع كالجنّ على ما عليه الأكثر وقيل : هو الوهم.

قال المطرّزي في المغرب : والجانّ أيضاً حيّة بيضاء صغيرة. (٢) أو واحدة الحيّات التي تكون في البيوت.

وفي النهاية : هو الدقيق الخفيف من الحيّات. (٣)

وقال العزيزي في غريب القرآن : جان جنس الحيات ، وجانّ واحد الجنّ أيضاً. (٤)

ثمّ إنّ هنالك ضرباً من التفصيل قد تلوناه عليك فيما قد سلف.

(١٢) قوله عليه السلام : والإنس

الإنس لفظ جمع والواحد إني ، فالإنسان جنس للبشر ، ريمت النسبة إليه فقيل : إنسيّ ، ثمّ جعل الإنس جمعاً له يطرح بالنسبة. هذا أحقّ ما قالته العلماء الأدبيّون. وربّما يقال : الاُناسي أيضاً جمع الإنسي مثل كرسي وكُراسي.

قال العزيزي في غريب القرآن : ويجوز أن يكون اُناسي جمع إنسان ، وتكون الياء بدلاً من النون ؛ لأنّ الأصل اناسين بالنون ، مثل سراحين جمع سرحان وهو الذئب. (٥)

(١٣) قوله عليه السلام : دون إخطاري قلبه

دون هنا إمّا بمعنى نقيض فوق ، والقصور عن حدّ وغاية ، أو بمعنى وراء ، أي : اجعل (٦) قلبه مقفّلاً تحت ما وراء اخطاري بباله قاصراً عن استطاعة الوصول إليه.

أو بمعنى «عند» أي : اجعله مقفّلاً عند محاولة إخطاري بالبال فلا يسطيع إليه سبيلاً ، أو مقفّلاً عن الكيد والمكر عنه ما يخطرني بباله ، فلا يكون له ذلك سبيلاً أصلاً.

(١٤) قوله عليه السلام : وتقمع رأسه

من قمعه كمنعه ، إذا ضربه بالمقمعة بإسكان القاف بعد الميم المكسورة وقبل الميم

__________________

١. نهاية ابن الأثير : ١ / ٣٠٨.

٢. المغرب : ١ / ٩٧.

٣. نفس المصدر : ١ / ٣٠٨.

٤. غريب القرآن : ٣٢٦.

٥. غريب القرآن : ٣٠٤.

٦. في «س» : جلعه.

٢٣٨

المفتوحة ، واحدة المقامع ، وهي المعود من حديد ، أو شيء كالمحجن يضرب بها رأس الفيل ، أو خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه.

(١٥) قوله عليه السلام في آخر الدعاء : إنّك عزيز قدير

وفي «خ» بعد ذلك : يا أرحم الراحمين.

٢٣٩

٢٤

وكان من دعائه عليه السلام لأبويه عليهما السلام

أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد عَبْـدِكَ وَرَسُولِـكَ ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ ، وَاخْصُصْهُمْ بِأَفْضَلِ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَسَلاَمِكَ ، وَاخْصُصِ اللَّهُمَّ وَالِدَيَّ بِالْكَرَامَةِ لَدَيْكَ ، وَالصَّلاَةِ مِنْكَ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَلْهِمْنِي عِلْمَ مَا يَجبُ لَهُمَا عَلَىَّ إلْهَاماً ، وَاجْمَعْ لِي عِلْمَ ذلِكَ كُلِّهِ تَمَامـاً ، ثُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِمَا تُلْهِمُنِي مِنْـهُ ، (١) وَوَفِّقْنِي لِلنُّفُوذِ فِيمَا تُبَصِّـرُنِيْ مِنْ عِلْمِهِ ، حَتَّى لاَ يَفُوتَنِي اسْتِعْمَالُ شَيْء عَلَّمْتَنِيْهِ ، وَلاَ تَثْقُلَ أَرْكَانِي عَنِ الْحُفُوفِ (٢) فِيمَا أَلْهَمْتَنِيهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، كَمَا شَرَّفْتَنَا بِهِ ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، كَمَا أَوْجَبْتَ لَنَا الْحَقَّ عَلَى الْخَلْقِ بِسَبَبِهِ. أللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ ، وَأَبَرُّهُمَا بِرَّ الأُمِّ الرَّؤُوفِ ، وَاجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيَّ وَبِرِّيْ بِهِمَا أَقَرَّ لِعَيْنِي (٣) مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ ، (٤) وَأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ حَتَّى أوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا ، وَ

٢٤٠