شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد

شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة

المؤلف:

السيّد محمّد باقر المشتهر بمحقّق الداماد


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بهار قلوب
الطبعة: ٢
ISBN: 964-93610-0-6
الصفحات: ٤٤٠

(١) قوله عليه السلام : المتظلّمين

التظلّم شكوى المظلوم عند من ينصف له من ظالمه.

(٢) قوله عليه السلام : واغتراراً

إمّا إفتعال من الغرّة بالكسر بمعنى الغفلة ، ومنها أتاهم الجيش وهم غارّون أي : غافلون ، وأغرّ ما كانوا على أفعل التفضيل ، أي : أغفل ، والتغرّة من التغرير ، كالتعلّة من التعليل ، والياء على هذا بمعنى «عن».

وعلى هذا حمل بعضهم قوله عزّ من قائل (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (١) وإمّا معناه الإجتراء والتجاسر ، والباء بمعنى «على» كما اختاره علّامة زمخشر في الأساس ، حيث قال : وما غرّك به أي : كيف اجترأت عليه ، ومنه (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ). (٢)

(٣) قوله عليه السلام : عمّا يناويه

أي : يعاديه ، يقال : ناواه ، أي : ناهضه وعاداه. وأصله الهمز ؛ لأنّه من النوء بمعنى النهوض.

(٤) قوله عليه السلام : وأعدني عليه عدوى

يقال : اسعدى فلان الأمير على من ظلمه ، أي : استعان به فأعداه (٣) الأمير عليه ، أي :

__________________

١. سورة الإنفظار : ٦.

٢. أساس البلاغة : ص ٤٤٧.

٣. في «س» فأعدى.

١٦١

أعانه ونصره ، ومنه فمن رجل يعديني. والعدى اسم تارة من الإستعداد ، واُخرى من الإعداء ، فعلى الأوّل طلب المعونة والإنتقام ، وعلى الثاني المعونة نفسها كما هنا في قوله عليه السلام «عدوى حاضرة». ومنه قولهم ادّعى فلان عند القاضي وأراد منه عدوى ، أي : نصرة ومعونة على إحضار الخصم ، فهو يعديه أي : يسمع كلامه ويأمر بإحضار خصمه له.

قال في المغرب : وكذا ما روي أنّ امرأة وليد (١) بن عقبة استعدت ، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله هديّة من ثوبه كهيئة العدوى. أي : كما يعطي القاضي الخاتم أو الطينة ، ليكون علامة في إحضار المطلوب.

حاشيّة اُخرى : قوله عليه السلام عدوى : العدوى في المخاصمة طلبك إلى والٍ ليعديك ، أي : ينتقم منه (٢) من خصمك ، من استعديت على فلان الأمير فأعداني ، أي : استعنت به فأعانني عليه.

(٥) قوله عليه السلام : ومن حنقي

الحنق ـ بالتحريك ـ الغيظ والحقد.

(٦) قوله عليه السلام : جلل

الجلل هنا بمعنى الحقير الهيّن ، والجلل أيضاً الأمر العظيم ، فهو من الأضداد.

(٧) قوله عليه السلام : وكلّ مرزئة

بضمّ الميم وكسر الزاء والهمزة من باب الإفعال من الرزء بالضمّ بمعنى النقص.

وفي نسخة «ش» رحمه الله بفتح الميم وكسر الزاء بمعنى المصيبة.

__________________

١. في «س» : الوليد.

٢. في «س» : لك.

١٦٢

(٨) قوله عليه السلام : شوى

في رواية «س» الشوى : الهيّن اليسير ، والشوي بالواو المكسورة بعد الشين المفتوحة وقبل الياء المشدّدة كالعيي التعبان العاجز.

(٩) قوله عليه السلام : الموجدة

بالفتح والكسر : الغضب والسخط.

(١٠) قوله عليه السلام : فكما كرهت إليّ أن أظلم

في خ «ش» من أن أظلم ، على أن يكون «من» للتبيين ، تبيّن ما في «فكما» وهو مفعول كرهت على هذه الرواية.

(١١) قوله عليه السلام : لا أشكو

أي : إنّما أشكو إليك ، وإثبات الألف بعد الواو بحسب رسم الخطّ في نظائر ذلك في القرآن الكريم وفي الصحيفة المكرّمة من حيث التشبيه بواو الجمع ، تنبيهاً على اعتبار تكرير أشكو مثلاً ، وتكثيره على سياق ما قاله المفسّرون في علامة الجمع في (رَبِّ ارْجِعُونِ) (١) وفي (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (٢) فليفقه.

(١٢) قوله عليه السلام : شكايتي

وفي «خ» شكاتي ، الشكاة الأنين.

__________________

١. سورة المؤمنون : ٩٩.

٢. سورة النون : ١ ـ ٢.

١٦٣

(١٣) قوله عليه السلام : ويحاصروني

بالمهملة والمعجمة مع المعجمة أو المهملة ، يعني بالمهملتين من حاشيتي الألف. أي : يضايقني في حقّي ويمانعني عليه ، من حصره يحصره حصراً ضيّق عليه. وبالمهملة من قبل والمعجمة من بعد ، إمّا من حاضرته محاضرة أي : جاثيته عند السلطان ، أو من حاضرته حضاراً أي : عدوت معه.

وبالمعجمتين من الحاشيتين ، أي : يذهب بحقّي مجّاناً ولا يدعه يبلغ نصاب الكمال ، من المخاضرة وهي بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها وهي خضر بعد. وبالمعجمة قبل الألف والمهملة بعدها مفاعلة من الخاصرة ، أي : يأخذ بخاصرتي ويضيق عليّ أمري ، والخاصرة هي ما فوق الطفطفة والشراسيف. (١)

(١٤) قوله عليه السلام : ورضّني بما أخذت

تفعيل من الرضا.

(١٥) قوله عليه السلام : إنّك ذو الفضل العظيم

مجرور في الأصل ومرفوع في رواية «س».

__________________

١. الطفطفة : اللحمة الرخصة بين الأضلاع. الشراسيف ، رؤوس الأضلاع وواحده الشرسف. «منه».

١٦٤

١٥

وكان من دعائه عليه السلام إذا مرض او نزل به كرب او بلية

أللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا لَمْ أَزَلْ أَتَصَرَّفُ فِيهِ (١) مِنْ سَلاَمَةِ بَدَنِي ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَحْدَثْتَ بِيْ مِنْ عِلَّة فِي جَسَـدِي ، فَمَا أَدْرِي يَـا إلهِي ، أَيُّ الْحَالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكْرِ لَكَ؟ وَأَيُّ الْوَقْتَيْنِ أوْلَى بِالْحَمْدِ لَكَ ، أَوَقْتُ الصِّحَةِ الَّتِي هَنَّـأْتَنِي فِيهَا طَيِّبَاتِ رِزْقِكَ ، وَنَشَّطْتَنِي بِهَا لابْتِغاءِ مَرْضَاتِكَ وَفَضْلِكَ ، وَقَوَّيْتَنِي مَعَهَا عَلَى مَـا وَفَّقْتَنِي لَهُ مِنْ طَـاعَتِـكَ ، أَمْ وَقْتُ الْعِلَّةِ الَّتِي مَحَّصْتَنِي بِهَا ، (٢) وَالنِّعَمِ الَّتِي أَتْحَفْتَنِي بِهَا تَخْفِيفاً لِمَا ثَقُلَ بِهِ عَلَى ظَهري مِنَ الْخَطِيئاتِ ، وَتَطْهيراً لِمَا انْغَمَسْتُ فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ ، وَتَنْبِيهاً لِتَنَاوُلِ التَّوْبَةِ ، وَتَذْكِيراً لِمَحْوِ الْحَوْبَةِ بِقَدِيمِ النِّعْمَةِ ، وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ (٣) مَا كَتَبَ لِيَ الْكَاتِبَانِ مِنْ زَكِيِّ الأعْمَالِ مَا لا قَلْبٌ فَكَّرَ فِيهِ ، (٤) وَلا لِسَانٌ نَطَقَ بِهِ ، وَلاَ جَارِحَةٌ تَكَلَّفَتْهُ ، بَلْ إفْضَالاً مِنْكَ عَلَيَّ ، وَإحْسَاناً مِنْ صَنِيعِـكَ إلَيَّ. (٥) أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ ، وَحَبِّبْ إلَيّ مَـا رَضِيتَ لِي وَيَسِّرْ لِي مَا أَحْلَلْتَ

١٦٥

بِيْ ، وَطَهِّرْنِي مِنْ دَنَسِ مَا أَسْلَفْتُ ، وَامْحُ عَنِّي شَرَّ مَا قَـدَّمْتُ ، وَأَوْجِدْنِي حَلاَوَةَ الْعَافِيَةِ ، وَأَذِقْنِي بَرْدَ السَّلاَمَةِ ، وَاجْعَلْ مَخْرَجِي عَنْ عِلَّتِي إلَى عَفْوِكَ ، وَمُتَحَوَّلِي عَنْ صَرْعَتِي إلَى تَجَاوُزِكَ ، وَخَلاصِي مِنْ كَرْبِي إلَى رَوْحِكَ ، وَسَلاَمَتِي مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ إلَى فَرَجِكَ ، إنَّكَ الْمُتَفَضِّلُ بِالإِحْسَانِ ، الْمُتَطَوِّلُ بِالامْتِنَانِ ، الْوَهَّابُ الْكَرِيمُ ، ذُو الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ. (٦)

١٦٦

(١) قوله عليه السلام : اللّهمّ لك الحمد على ما لم أزل أتصرّف فيه

العائد راجع إلى «ما» و «من» تبيين له ، وصلة التصرّف محذوفة.

وتقدير الكلام : على ما لم أزل فيه أتصرّف في اُموري ، أي : حالة لم أزل فيها التصرّف في الاُمور ، وتلك الحالة هي سلامة بدني.

(٢) قوله عليه السلام : التي محصتني بها

في الأصل بالتشديد للتفعيل ، وفي «خ» بالتخفيف.

قال في الصحاح : محصت الذهب بالنار : إذا خلصته ممّا يشوبه. والتمحيص : الإبتلاء والإختبار. (١)

(٣) قوله عليه السلام : وفي خلال ذلك

بكسر الخاء المعجمة. في الصحاح : الخلل الفرجة بين الشيئين ، والجمع الخلال بالكسر. (٢)

(٤) قوله عليه السلام : ما لا قلب فكّر فيه

وقد تكرّر ما في معناه في أحاديثهم صلوات الله وتسليماته عليهم.

فمن ذلك ما رواه رئيس المحدّثين أبو جعفر الكليني (رضي الله عنه) في جامعه الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله رفع رأسه إلى السماء فتبسّم ، فقيل له : يا رسول الله رأيناك رفعت رأسك إلى السماء فتبسّمت؟

__________________

١. الصحاح : ٣ / ١٠٥٦.

٢. الصحاح : ٤ / ١٦٨٧.

١٦٧

قال : نعم عجبت لملكين هبطا من السماء إلى الأرض ، يلتمسان عبداً صالحاً مؤمناً في مصلّى كان يصلّي فيه ، ليكتبا له عمله في يومه وليلته ، فلم يجداه في مصلّاه ، فعرجا إلى السماء ، فقالا : ربّنا عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلّاه لنكتب له عمله ليومه وليلته ، فلم نصب فوجدناه في حبالك ، فقال الله عزّ وجلّ : اُكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحّته من الخير في يومه وليلته ما دام في حبالي ، فإنّ عليّ أن أكتب له أجر ما كان يعمله ، إذا حسبته عنه. (١)

وفي الصحيح أيضاً : عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يقول الله عزّ وجلّ للملك الموكّل بالمؤمن إذا مرض : اكتب له ما كنت تكتب له في صحّته ، فإنّي أنا الذي صيّرته في حبالي. (٢)

وباسناده العالي ، عن ابن محبوب ، عن عبد الحميد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا صعد ملكا العبد المريض إلى السماء عند كلّ مساء ، يقول الربّ تبارك وتعالى : ماذا كتبتما لعبدي في مرضه؟ فيقولان : الشكاية ، فيقول : ما أنصفت عبدي أن حبسته في حبس من حبسي ثمّ أمنعه الشكاية ، اكتبا لعبدي مثل ما كنتما تكتبان له من الخير وفي صحّته ، ولا تكتبا عليه سيّئة حتّى أطلقه من حبسي ، فإنّه في حبسي من حبسي. (٣)

وباسناده عن جابر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال النبي صلّى الله عليه وآله : إنّ المسلم إذا غلبه ضعف الكبر أمر الله عزّ وجلّ الملك أن يكتب له في حالة تلك مثل ما كان يعمل وهو شابّ نشيط صحيح ، ومثل ذلك إذا مرض وكّل الله به ملكاً يكتب له في سقمه ما كان يعمل من الخير في صحّته يرفعه الله ويقبضه ، وكذلك الكافر إذا اشتغل بسقم في جسده كتب الله له ما كان يعمله من شرّ في صحّته. (٤)

قلت : وفي معناها من طرق الخاصّة ومن طرق العامّة أخبار كثيرة ، ولعلّ السرّ أنّ النيّة

__________________

١. فروع الكافي : ٣ / ١١٣ ح ١.

٢. فروع الكافي : ٣ / ١١٣ ح ٢.

٣. فروع الكافي : ٣ / ١١٤ ح ٥.

٤. فروع الكافي : ٣ / ١١٣ ح ٢.

١٦٨

تنوب عن ذلك وتقوم مقام العمل ، ونيّة المؤمن خير من عمله ، ونيّة الكافر شرّ من عمله. ولقد ورد هذا المعنى عن الصادق عليه السلام في سبب استحقاق الخلود للمؤمن في الجنّة وللكافر في النار. (١)

ونحن قد أشبعنا المقام بكلام مشبع في كتاب السبع الشداد (٢) ، والحمد لله ربّ العالمين على صنيع إفضاله.

(٥) قوله عليه السلام : من صنيعك إليّ

وفي خ «كف» من حسن صنيعك إليّ ، على ما في الأصل ، أي : من عايدتك ومعروفك ، و «من» مبعّضة أو مبيّنة. وما في نسخة «كف» من حسن صنيعك بمعنى صنعك.

والجار بمجروره أعني «إليّ» يحتمل التعلّق بصنعك ، ويحتمل أن يكون صلة إحساناً.

(٦) قوله عليه السلام في آخر الدعاء : الوهّاب الكريم ذو الجلال والإكرام

وفي «خ» : الوهّاب الكريم التوّاب العلّام ، ذو الجلال والإكرام.

وفي رواية «كف» في طلب الستر لعيوبه.

__________________

١. رواه الكليني في اُصول الكافي : ٢ / ٦٩.

٢. السبع الشداد : ص ١٠٠. ط الحجري ١٣١٧.

١٦٩

١٦ وكان من دعائه عليه السلام

إذا استقال من ذنوبه أو تضرّع في طلب العفو عن عيوبه

أللَّهُمَّ يَا مَنْ بِرَحْمَتِهِ يَسْتَغِيثُ الْمُذْنِبُونَ ، وَيَا مَنْ إلَى ذِكْرِ إحْسَانِهِ يَفْزَعُ الْمُضْطَرُّونَ ، وَيَا مَنْ لِخِيفَتِهِ يَنْتَحِبُ الْخَاطِئُونَ ، (١) يَا اُنْسَ كُلِّ مُسْتَوْحِش غَرِيبِ ، وَيَا فَرَجَ كُلِّ مَكْرُوب كَئِيب ، (٢) وَيَا غَوْثَ كُلِّ مَخْذُوَل فَرِيد ، وَيَا عَضُدَ كُلِّ مُحْتَاج طَرِيد ، أَنْتَ الَّذِي وَسِعْتَ كُلَّ شَيْء رَحْمَةً وَعِلْماً ، وَأَنْتَ الَّذِي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوق فِي نِعَمِكَ سَهْماً ، وَأَنْتَ الَّذِيْ عَفْوُهُ أَعْلَى مِنْ عِقَابِهِ ، وَأَنْتَ الَّذِي تَسْعَى رَحْمَتُهُ أَمَامَ غَضَبِهِ ، (٣) وَأَنْتَ الَّذِي عَطَآؤُهُ أكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِ ، وَأَنْتَ الَّذِيْ اتَّسَعَ الْخَلاَئِقُ (٤) كُلُّهُمْ فِي وُسْعِهِ ، وَأَنْتَ الَّذِي لا يَرْغَبُ فِي جَزَاءِ (٥) مَنْ أَعْطَاهُ ، وَأَنْتَ الَّذِي لا يُفْرِطُ (٦) فِي عِقَابِ مَنْ عَصَاهُ ، (٧) وَأَنَا يَا إلهِي عَبْدُكَ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِالدُّعاءِ فَقَالَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، (٨) هَا أَنَا ذَا ، يَا رَبِّ مَطْرُوحٌ بَيْنَ يَدَيْكَ ، أَنَا الَّذِي أَوْقَرَتِ الْخَطَايَا ظَهْرَهُ ، وَأَنا

١٧٠

الَّذِي أَفْنَتِ الذُّنُوبُ عُمْرَهُ ، (٩) وَأَنَا الَّذِي بِجَهْلِهِ عَصاكَ ، وَلَمْ تَكُنْ أَهْلاً مِنْهُ لِذَاكَ ، هَلْ أَنْتَ يَا إلهِي ، رَاحِمٌ مَنْ دَعَاكَ فَأُبْلِغَ فِي الدُّعَاءِ؟ أَمْ أَنْتَ غَافِرٌ لِمَنْ بَكَاكَ فَأُسْرِعَ فِي الْبُكَاءِ؟ (١٠) أَمْ أَنْتَ مُتَجَاوِزٌ عَمَّنْ عَفَّرَ لَكَ وَجْهَهُ تَذَلُّلاً؟ أَم أَنْتَ مُغْن مَنْ شَكَا إلَيْكَ فَقْرَهُ تَوَكُّلاً؟ إلهِي لاَ تُخيِّبْ مَنْ لا يَجدُ مُعْطِياً غَيْرَكَ ، وَلاَ تَخْذُلْ (١١) مَنْ لا يَسْتَغْنِي عَنْكَ بِأَحَد دُونَكَ ، إلهِي فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَلاَ تُعْرِضْ عَنِّي وَقَدْ أَقْبَلْتُ عَلَيْكَ ، وَلا تَحْرِمْنِي وَقَـدْ رَغِبْتُ إلَيْكَ ، وَلا تَجْبَهْنِي بِالرَّدِّ وَقَدْ انْتَصَبْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ ، أَنْتَ الَّذِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِالرَّحْمَةِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَارْحَمْنِي ، وَأَنْتَ الَّذِي سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بِالعَفْوِ فَاعْفُ عَنِّي ، قَـدْ تَرَى يَـا إلهِي فَيْضَ دَمْعِي مِنْ خِيفَتِكَ ، وَوَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ ، وَانْتِفَاضَ جَوَارِحِي (١٢) مِنْ هَيْبَتِكَ ، كُلُّ ذَلِكَ حَياءً مِنِّكَ لِسُوءِ عَمَلِي ، وَلِذَاكَ خَمَدَ صَوْتِي عَنِ الْجَارِ إلَيْكَ ، (١٣) وَكَلَّ لِسَانِي عَنْ مُنَاجَاتِكَ ، يَا إلهِي فَلَكَ الْحَمْدُ فَكَم مِنْ غَائِبَة (١٤) سَتَرْتَهَا عَلَيَّ فَلَم تَفْضَحْنِي ، وَكَمْ مِنْ ذنْبِ غَطَّيْتَهُ عَلَيَّ فَلَمْ تَشْهَرْنِي ، وَكَمْ مِنْ شَائِبَة (١٥) أَلْمَمْتُ بِهَا فَلَمْ تَهْتِكْ عَنِّي سِتْرَهَا ، وَلَمْ تُقَلِّدْنِي مَكْرُوهَ شَنَارِهَا ، وَلَمْ تُبْدِ سَوْأَتَهَا لِمَنْ يَلْتَمِسُ مَعَايِبِي مِنْ جِيْرَتِي وَحَسَدَةِ نِعْمَتِكَ عِنْدِي ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَنِي

١٧١

ذَلِكَ عَنْ أَنْ جَرَيْتُ إلَى سُوءِ مَا عَهِدْتَ مِنّي ، فَمَنْ أَجْهَلُ مِنِّي يَا إلهِيْ بِرُشْدِهِ؟ وَمَنْ أَغْفَلُ مِنِّي عَنْ حَظِّهِ؟ وَمَنْ أَبْعَدُ مِنِّي مِنِ اسْتِصْلاَحِ نَفْسِهِ حِيْنَ اُنْفِقُ مَا أَجْرَيْتَ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ فِيمَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَمَنْ أَبْعَدُ غَوْراً (١٦) فِي الْبَاطِلِ ، وَأَشَدُّ إقْدَاماً عَلَى السُّوءِ مِنّي حِينَ أَقِفُ بَيْنَ دَعْوَتِكَ وَدَعْوَةِ الشَّيْطَانِ فَـأتَّبعُ دَعْوَتَهُ عَلَى غَيْرِ عَمىً مِنّي فِيْ مَعْرِفَة بِهِ وَلا نِسْيَان مِنْ حِفْظِي لَهُ؟ وَأَنَا حِينَئِذ مُوقِنٌ بِأَنَّ مُنْتَهَى دَعْوَتِكَ إلَى الْجَنَّةِ ، وَمُنْتَهَى دَعْوَتِهِ إلَى النَّارِ. سُبْحَانَكَ مَا أَعْجَبَ مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَى نَفْسِي ، وَاُعَدِّدُهُ مِنْ مَكْتُوْمِ أَمْرِي ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ أَنَاتُكَ (١٧) عَنِّي ، وَإبْطآؤُكَ عَنْ مُعَاجَلَتِي ، وَلَيْسَ ذلِكَ مِنْ كَرَمِي عَلَيْكَ ، بَلْ تَأَنِّياً مِنْكَ لِي ، وَتَفَضُّلاً مِنْكَ عَلَيَّ ، لانْ أَرْتَـدِعَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ الْمُسْخِطَةِ ، وَاُقْلِعَ عَنْ سَيِّئَـاتِي الْمُخْلِقَةِ ، (١٨) وَلِاَنَّ عَفْوَكَ عَنّي أَحَبُّ إلَيْكَ مِنْ عُقُوبَتِي ، بَلْ أَنَا يَا إلهِي أكْثَرُ ذُنُوباً ، وَأَقْبَحُ آثاراً ، وَأَشْنَعُ أَفْعَالاً ، وَأَشَدُّ فِي الْباطِلِ تَهَوُّراً ، وَأَضْعَفُ عِنْدَ طَاعَتِكَ تَيَقُّظاً ، وَأَقَلُّ لِوَعِيْدِكَ انْتِبَاهاً وَارْتِقَاباً مِنْ أَنْ أُحْصِيَ لَكَ عُيُوبِي ، أَوْ أَقْدِرَ عَلَى ذِكْرِ ذُنُوبِي ، وَإنَّمَا أُوبِّخُ بِهَذا نَفْسِي طَمَعَـاً فِي رَأْفَتِكَ الَّتِي بِهَـا صَلاَحُ أَمْرِ الْمُذْنِبِينَ ، وَرَجَاءً لِرَحْمَتِكَ الَّتِي بِهَا فَكَاكُ رِقَابِ الْخَاطِئِينَ. اللَّهُمَّ وَهَذِهِ رَقَبَتِي قَدْ أَرَقَّتْهَا الذُّنُوبُ ،

١٧٢

فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَعْتِقْهَا بِعَفْوِكَ ، وَهَذَا ظَهْرِي قَدْ أَثْقَلَتْهُ الْخَطَايَـا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَخَفِّفْ عَنْهُ بِمَنِّكَ ، يَا إلهِي لَوْ بَكَيْتُ إلَيْكَ حَتَّى تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْنَيَّ ، (١٩) وَانْتَحَبْتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتِي ، وَقُمْتُ لَكَ حَتَّى تَتَنَشَّرَ (٢٠) قَدَمَايَ ، وَرَكَعْتُ لَكَ حَتَّى يَنْخَلِعَ صُلْبِي ، وَسَجَدْتُ لَكَ حَتَّى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَايَ ، وَأكَلْتُ تُرَابَ الأرْضِ طُولَ عُمْرِي ، وَشَرِبْتُ مَاءَ الرَّمَادِ آخِرَ دَهْرِي ، وَذَكَرْتُكَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ حَتَّى يَكِلَّ لِسَانِي ، ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفِي إلَى آفَاقِ السَّمَاءِ اسْتِحْيَاءً مِنْكَ ، (٢١) مَا اسْتَوْجَبْتُ بِذَلِكَ مَحْوَ سَيِّئَة (٢٢) وَاحِـدَة مِنْ سَيِّئـاتِي ، وَإنْ كُنْتَ تَغْفِـرُ لِي حِيْنَ أَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَتَكَ ، وَتَعْفُو عَنِّي حِينَ أَسْتَحِقُّ عَفْوَكَ فَإنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِب لِيْ بِاسْتِحْقَاق ، وَلا أَنَا أَهْلٌ لَهُ بِـاسْتِيجَاب ، إذْ كَـانَ جَزَائِي مِنْكَ فِي أَوَّلِ مَا عَصَيْتُكَ النَّارَ ، فَإنْ تُعَذِّبْنِي فَأَنْتَ غَيْرُ ظَالِم لِيْ. إلهِي فَـإذْ قَـدْ تَغَمَّـدْتَنِي بِسِتْـرِكَ فَلَمْ تَفْضَحْنِي ، وَتَـأَنَّيْتَنِي بِكَـرَمِـكَ فَلَمْ تُعَـاجِلْنِي ، وَحَلُمْتَ عَنِّي بِتَفَضُّلِكَ فَلَمْ تُغَيِّـرْ نِعْمَتَـكَ عَلَيَّ ، وَلَمْ تُكَـدِّرْ مَعْرُوفَكَ عِنْدِي ، فَارْحَمْ طُولَ تَضَرُّعِيْ ، وَشِـدَّةَ مَسْكَنَتِي ، وَسُوءَ مَوْقِفِيْ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَقِنِي مِنَ الْمَعَاصِي ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِالطَّاعَةِ ، وَارْزُقْنِي حُسْنَ الإِنابَةِ ، (٢٣) وَطَهِّرْنِي بِالتَّـوْبَةِ ، وَأَيِّـدْنِي بِالْعِصْمَةِ ، وَاسْتَصْلِحْنِي

١٧٣

بِالْعَافِيَةِ ، وَأَذِقْنِي حَلاَوَةَ الْمَغْفِـرَةِ ، وَاجْعَلْنِي طَلِيقَ عَفْـوِكَ ، وَعَتِيقَ رَحْمَتِكَ ، وَاكْتُبْ لِي أَمَاناً مِنْ سَخَطِكَ ، وَبَشِّرْنِي بِذلِكَ فِي الْعَاجِلِ دُونَ الآجِلِ ، بُشْرى أَعْرِفُهَا ، وَعَرِّفْنِي فِيهِ عَلاَمَةً أَتَبَيَّنُهَا ، إنَّ ذلِكَ لاَ يَضيقُ عَلَيْكَ فِي وُسْعِكَ ، وَلا يَتَكَأَّدُكَ فِي قُدْرَتِكَ ، وَلا يَتَصَعَّدُكَ فِي أناتِكَ ، وَلا يَؤودُك فِي جَزِيلِ هِباتِكَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا آيَاتُكَ ، إنَّكَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ وَتَحكُمُ مَا تُرِيدُ ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

١٧٤

(١) قوله عليه السلام : ينتحب الخاطئون

وفي «خ» وبخطّ «ع» الخطاؤن. والنحب بالحاء المهملة البكاء ، والنحيب رفع الصوت بالبكاء والانتحاب البكاء بصوت طويل ومدّ ، والانتحاب أيضاً مطاوعة نحبه ينحبه بمعنى فزعه يفزعه ، والمناحبة المخاطبة والمراهبة.

(٢) قوله عليه السلام : كئيب

الكأبة بالتحريك ، والكآبة بالمدّ سوء الحال من الحزن وانكسار البال ، وماء متكئّب ورماد متكئّب اللون ، إذا ضرب إلى السواد ، كما يكون وجه الكئيب ، قاله الجوهري. (١)

(٣) قوله عليه السلام : أمام غضبه

فإنّ غضبه جلّ سلطانه من حيث رحمته الواسعة. وقد بسطنا تبيان الأمر في ذلك في كتبنا الحكميّة. وأيضاً رحمته الواسعة تسبق غضبه وتتعقّبه أيضاً ، فإنّما غضبه سبحانه بين رحمتين من رحماته سابقة وعاقبة.

على سياق ما في التنزيل الكريم من قوله عزّ من قائل : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (٢) إذ تعريف العسر وتنكير يسراً يعطي أنّ طبيعة العسر ، بل كلّ فرد من أفرادها بين يسرين سابق وعاقب ، فاللام الاُولى لتعريف الجنس وإفادة الإستغراق ، والثانية لإفادة العهد.

(٤) قوله عليه السلام : وأنت الذي اتّسع الخلائق

اتّسع مطاوعة وسعه الشيء بالكسر يسعه سعة فاتّسع هو فيه ، وقد يكون أيضاً افتعالاً لذلك الشيء الذي يسعه في سعته إيّاه.

__________________

١. الصحاح : ١ / ٢٠٧.

٢. سورة الشرح : ٥.

١٧٥

(٥) قوله عليه السلام : وأنت الذي لا يرغب في جزاء

إذ أسماء الداعي والغاية الأخيرة التي هي غاية الغايات ومبدأ المبادي في فعله تعالى وتقدّس مجرّد علمه سبحانه بنظام الخير ، وما هو إلّا نفس مرتبة ذاته الحقّة من كلّ جهة لا غير.

(٦) قوله عليه السلام : وأنت الذي لا يفرط

لا يفرط بضمّ الياء وكسر الراء من الإفراط ، وهو الشطط ومجاوزة الحدّ. وعلى رواية «ع» برواية «ش» لا يفرط بفتح الياء وضمّ الراء ، إمّا من فرط عليه يفرط ، أي : عجّل وعدا ، ومنه ما في التنزيل الكريم : (إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا) (١) أي : يعدو ويعجل.

وإمّا من فرط في الأمر يفرط فرطاً ، أي : قصّر فيه وضيّعه حتّى فات ، وكذلك التفريط فيه ، ومنه لا يفرط على رواية «س» بضمّ الياء وكسر الراء المشدّدة.

(٧) قوله عليه السلام : في عقاب من عصاه

أي : لا يجاوز الحدّ في عقابه ، فإنّ عقابه جلّ سلطانه وإن كان هو الأليم الشديد الذي لا يطاق ، إلّا أنّه دون الحدّ جدّاً بالقياس إلى استحقاق من عصاه.

وفي رواية «س» : لا يفرط ، إنّما معناه سبحانه لا يعاجل من عصاه بالأخذ ، ولا يقصر في تأخير عقابه إمهالاً له للإنابة.

(٨) قوله عليه السلام : لبّيك وسعديك

أي : لبّيت تلبية بعد تلبية ، وساعدت على طاعتك يا ربّ مساعدة بعد مساعدة.

(٩) قوله عليه السلام : أقنت الذنوب عمره

وفي ما بخطّي سابقاً عمره بضمّتين وفتحة الراء.

١٠ قوله عليه السلام : في البكاء

وفي «خ» البكا مقصوراً. والبكاء بالمدّ الصوت الذي يكون مع البكاء ، وبالقصر

__________________

١. سورة طه : ٤٥.

١٧٦

الدموع وخروجها.

(١١) قوله عليه السلام : ولا تخذل

بإعجام الخاء والذال من الخذلان ، إمّا على صيغة المجهول ، وإمّا على جزم اللام للنهي. وفي «خ» لا تخذل باهمال الحاء إمّا على صيغة المعلوم. وحذل يحذل من باب علم يعلم ، يقال : حذلت عينه ، أي : سقط هدبها من بثرة تكون في أشفارها. وإمّا على صيغة المجهول من باب الإفعال ، يقال : أحذل البكاء العين ، قاله في القاموس. (١)

(١٢) قوله عليه السلام : وانتفاض جوارحي

الإنتفاض بالفاء والضاد المعجمة ، وكذلك فيما بخطّي سالفاً ، من نفضت الثوب والشجر : إذا حرّكته لينتفض. والنفض بالتحريك ما سقط من الورق والثمر.

وفي بعض نسخ الأصل بالقاف والضاد المعجمة ، إمّا من تنفّضت الأرض عن الكمأة أي : تفطّرت ، وإمّا بمعنى النقض بالكسر بمعنى الصوت ، يقال : أنقضت العقاب أي : صوّتت ، وكذلك الدجاجة ، والإنقاض : أصوات صغار الإبل ، وإمّا من أنقض الحمل ظهره ، أي : أثقله ، وأصله الصوت ، والنقيض صوت المحامل والرحال.

(١٣) قوله عليه السلام : عن الجأر إليك

بفتح الجيم وإسكان الهمزة. وفي خ «ش» الجؤار. والجؤار بالضمّ وبالهمز رفع الصوت والإستغاثة ، كذلك الجأر بالفتح وسكون الهمزة ، ومنه (فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (٢) أي : ترفعون أصواتكم بالدعاء.

قال في الصحاح : الجؤار مثل الخوار. يقال جأر الثور يجأر أي : صاح ، وقرأ بعضهم (عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ) (٣) بالجيم ، حكاه الأخفش. وجأر الرجل إلى الله عزّ وجلّ ، أي تضرّع بالدعاء. (٤)

__________________

١. القاموس : ٣ / ٣٥٦.

٢. سورة النحل : ٥٣.

٣. سورة طه : ٨٨.

٤. الصحااح : ٢ / ٦٠٧.

١٧٧

(١٤) قوله عليه السلام : فكم من عايبة

بالياء لا بالهمزة ، وكذلك فيما بخطّي فيما سلف. وفي أكثر النسخ «عائبة» بالهمزة ، و «من» في نظائر هذه المقامات مزيدة ، للاستغراق والإستيعاب والتكثير والتعميم ، كما في التنزيل الكريم : (أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ) (١) من الاُولى للاستغراق ، والثانية للابتداء.

(١٥) قوله عليه السلام : وكم من شائبة

الشائبة واحدة الشوائب ، وهي الأقذار والأدناس. وفي «خ» شائنة بالنون بعد الهمزة ، وهي متّجهة بحسب المعنى لا بحسب الرواية.

(١٦) قوله عليه السلام : ومن أبعد غوراً

أي : ذهاباً إلى غور الباطل وتوغّلاً فيه ، من غار يغور ، إذا أتى الغور فهو غائر ، وغور كلّ شيء قعره ، أو غوراً بمعنى غائراً ، كما في التنزيل الكريم : (مَاؤُهَا غَوْرًا) (٢).

قال الجوهري في الصحاح : ماء غور أي : غائر. (٣)

(١٧) قوله عليه السلام : أناتك

أي : حلمك عنّي وتأخيرك في عقابي.

(١٨) قوله عليه السلام : عن سيّئاتي المخلّقة

أي : الجاعلة إيّاي كالثوب الخلق بالتحريك وهو البالي.

قال في الصحاح : ثوب خلق أي : بال يستوي فيه المذكّر والمؤنّث. لأنّه في الأصل مصدر الأخلق وهو الأملس ، والجمع خلقان. (٤)

(١٩) قوله عليه السلام : حتّى تسقط أشفار عيني

الأشفار حروف العين التي ينبت عليها الشعر.

__________________

١. سورة البقرة : ١٠٥.

٢. سورة الكهف : ٤١.

٣. الصحاح : ٢ / ٧٧٣.

٤. الصحاح : ٤ / ١٤٧٢.

١٧٨

قال المطرّزي : شفر العين بالضّم منبت الأهداب.

وقال الجوهري : الشفر حرف العين. (١)

(٢٠) قوله عليه السلام : تنشر

في الأصل : «تتنشّر» من باب التفّعل ، وفي رواية «س» تنتشر من الإنتشار ، وهو الانتفاخ في عصب الدابة ، ويكون ذلك من التعب.

(٢١) قوله عليه السلام : استحياءاً منك

لطفاف التعبّد ونقصان الطاعة بالنظر إلى ما أنت تستحقّه بجلال عزّك العظيم وبهاء وجهك الكريم.

(٢٢) قوله عليه السلام : ما استوجبت ذلك محو سيّئة

يعني نظراً إلى جبروت عزّك وجلالك ، فإنّ سلطان علوّ مجده سبحانه وتعالى جناب كبريائه جلّ سلطانه يستحقّ أن يكون مطلق عصيانه بما هو عصيان له سيّئة كبيرة مخزية موبقة غير ممكنة الإنجبار بتكاثر سوابغ الطاعات ، وتضاعف بوالغ الحسنات بوجه من الوجوه أصلاً.

فضروب المعاصي جميعاً سواءاً سيّئة في ذلك بحسب كبرياء جناب المعصى وإن كانت هي بحسب خصوصيّات أنفسها ، وبحسب لحاظات خصوصيّات درجات العاصين مختلفة في استحقاق العفو والصفح ، وقابلة للإنمحاء والإنجبار بالتوبات والمكفّرات إذا عزل النظر عن تعاظم سلطان من حقّه أن يكون المطاع ، ولم يلحظ من المعصى.

وهذا ما رامه أمير المؤمنين صلوات الله وتسليماته عليه ، حيث قال : «لا تنظر إلى ما عصيت انظر إلى من عصيت» ، فليتبصّر.

(٢٣) قوله عليه السلام : وارزقني حسن الإنابة

الإنابة هي الإقبال على الطاعة ، يقال : أناب إلى الله أي : أقبل ، قاله الجوهري. (٢)

__________________

١. الصحاح : ٢ / ٧٠١.

٢. الصحاح : ١ / ٢٢٩.

١٧٩

والإنابة أيضاً التوبة والرجوع عن منكر ، يقال : أناب تاب ورجع ، وإليه منابي أي : مرجعي ، قاله السجستاني في غريب القرآن والزمخشري في الأساس. (١)

__________________

١. أساس البلاغة : ص ٦٥٦ وغريب القرآن : ص ٢٠٨.

١٨٠